[د. صالح التويجري]

[ ] بسم الله الرحمن الرحيم
قيام الليـــل
30/10/1426هـ د صالح التويجري
عباد الله: ان الخلوة تحقق للشخص فرصة سانحة بالاسترخاء الذهنى والجسدى الذى يحتاجه فى ظل ظروف وضغوط هذا العصر وهى ايضاً فرصة للتدريب على الضبط الذاتى لطرد الافكار السلبية والانهزامية وغرس الافكار الايجابية واعادة تقييم سلوكياته ومتابعة التدريب عليها وهى فى النهاية يمكن ان ينظر اليها على انها اسلوب سهل يناسب الشخصية الاسلامية ويساعدها على تثبيت وغرس منظومة القيم والاخلاقيات وتحويلها الى انماط سلوكية وعادات راسخة ، ولا اعتقد ان هناك وسيلة اخرى فى ظل التشتت الذى تمليه علينا الفضائيات والثقافات والعادات المثيرة والمبهرة التى تخترق حياتنا من كل اتجاه يمكن ان تقوم بتحويل النسق الوعظى والتعليمات الخطابية والحكم البلاغية الى سلوكيات عملية الا من خلال التدريب على اعادة برمجة العقل والتأمل باسلوب الخلوة العلاجية وهى فى النهاية محاولة لتحويل الثقافة التقليدية بازدواجياتها وما تسببه من صراعات نفسية تستهلك طاقات الفرد فقط فى حدود الخطابة والهتاف بمكارم الاخلاق لحظات الحماس ثم تبخر هذه الشعارات الانفعالية بعد لحظات دونك الصلاة في جوف الليل صورة من التعبّد بهية : قال صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة صلاة الليل)) [أخرجه مسلم الصلاة في جوف الليل: خلق نبيكم صلى الله عليه وسلم حيث كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. الصلاة في جوف الليل: سببٌ لدخول الجنّة والفوز بها بفضل الله ورحمته. ((إنّ في الجنة غرفًا، يُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها))، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لمن أطاب الكلامَ، وأطعَم الطعام، وصلّى بالليل والناس نيام)). ((شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس)). قال الله عز وجل: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) انظر تتجافى كأنها تتململ على جمر وهي على فراش وثير ولكن شوقا الى مناجات اللطيف الخبير وتلذذا بالصلة معه . الصلاة في جوف الليل: تجلو صدأ القلوب ، وتزيل حُجُب الغفلات ، وتنير الوجوه بأسرارها وآثارها، ومن كان أقوى إيماناً كان أحسن صلاة، وأطول قنوتاً، وأعظم يقيناً. وهي خلُق أهلِ الإيمان، يزدادون به خيرًا، قرباً إلى الله، قال بعض السلف لما دخل عليه رجلٌ ورأى أثرَ الخير عليه قال: "من قامَ بالليل حسُن وجهه بالنهار".
قيام الليل انقطاعٌ عن صخب الحياة، واتصال بالكريم الأكرم جل وعلا، وتلقي منحه، والأنس به والتعرض لنفحاته والخلوة إليه. ركعات السحر تكسب القلب أنساً وراحة وشفافية، لا يجدها العبد في صلاة النهار وذكره، والله الذي خلق هذا القلب يعلم مداخله وأوتاره، ويعلم ما يتسرب إليه، وأي الأوقات يكون أكثر تفتحاً واستعداداً وتهيئاً، وأي الأسباب أكثر تعلقاً، وأشد تأثيراً فيه. ((عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ)). رواه الترمذي وغيره. وما أحوج الإنسان لخلوة بربه، يناجيه، ويدعوه، ويتلذذ بالتعبد بين يديه، والتقرب إليه ، والانطراح على اعتابه، يستمد منه العون، يستلهم منه التوفيق، ويسترشد به ملامح الطريق.
وفي الليل ساعة مستجابة وذلك أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول: هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له، هل من داع فأستجيب له؟ وقد ورد في صحيح مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة)) رواه مسلم.
عباد الله: إن من أعظم الفرص التي لا يحسن بالعبد إضاعتها استغلال فصل الشتاء الذي تطول لياليه، لا سيما قرب العهد بقيام ليالي رمضان،حين اعتادت النفوس والفت القلوب وتطوعت الاجساد/ أخرج الإمام أحمد في حديثٍ حسنٍ عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال: ((الشتاء ربيع المؤمن)) أخرجه البيهقي، وزاد فيه: ((طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه))
يا رجال الليل جِدوا رب صوت لا يرد
ما يقـوم الليلَ إلا من له عزم وجـد
إن علماء الأمة ومجاهديها ورجالاتها وأفذاذها من الصحابة والتابعين إلى يومنا لم يتركوا قيام الليل حتى في حال الغزو. قدوتهم في ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بل كان عليه الصلاة والسلام يحافِظ على قيام الليل، وإذا حُجز عنه لوجعٍ أو غيره قضاه في النهار، فكان يواظِب على إحدى عشرَة ركعة، فإذا عجز عنها لمرضٍ أو غيره صلاّها في الضّحَى ثنتَي عشرَةَ ركعة.
أيها المسلمون: إن من أراد قيام الليل والقرب من الله ومن أراد أن ينال هذه المنزلة الرفيعة عليه أن يأخذ نفسه بهذه الأسباب التي تعين المسلم على قيام الليل منها:
ألا تكثروا الأكل فيكثر الشرب، ويغلب النوم ويثقل القيام.ولا تتعبوا أنفسكم بالنهار في الأعمال التي تعيا بها الجوارح، ويضعف بها البدن، فإن ذلك أيضا مجلبة للنوم.
ولا تتركوا القيلولة بالنهار، فإنها عون على قيام الليل وفي الحديث للصحيح: ((أقيلوا فإن الشياطين لا تقيل)).
سلامة القلب من الحقد على المسلمين ومن البدع والخرافات ومن هموم الدنيا والتشتت باوديتهافإن هذه الأمراض تصرف عن طاعة الله.وتحجب لذة المناجاة
لا ترتكبوا الذنوب والأوزار فإن ذلك مما يقسي القلب، ويحول بينه وبين أسباب الرحمة. يقول الإمام "الغزالي" في موسوعته "إحياء علوم الدين" عن آراء بعض الأولياء والصالحين : "أنه ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل المناجاة في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة" .. وقال بعضهم أيضاً .. : "لذة المناجاة ليست من الدنيا ، وإنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه ، لايجدها سواهم" . لقد عشتم حتى رأيتم أجيالاً من المسلمين تُقطّع ليلها، وتسهر على العبث واللهو، في قنوات ماجنةٍ، وغناء ساقط، وتمتُّع هابط، لماذا تشكو بعض البيوت من ضعف الهمم عن قيام الليل، وتقفر منازل من المتهجدين المتعبدين؟ قيل لابن مسعود رضي الله عنه: ما نستطيع قيام الليل!! قال: (أقعدتكم ذنوبكم) ، وقال رجل لأحد الصالحين: لا أستطيع قيام الليل، فصف لي في ذلك دواءً، فقال: "لا تعصه بالنهار، وهو يقيمك بين يديه في الليل" بارك الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية: عباد الله : تزداد حاجة الناس في هذا العصر إلى طرق وأساليب سهلة ومبسطة نابعة من البيئة والتراث والدين يمكن اللجوء إليها عند الشعور بالتوتر والقلق والإحباط، وعند مواجهة الضغوط والمشكلات التى تحتاج الى الاسترخاء والهدوء وإعادة تنظيم التفكير .. بل وإعادة برمجة العقل حتى يصل الفرد الى إعادة صياغة وترتيب افكاره واهدافه ، وايضاً الى تخلصه من الاضطرابات النفسية والانفعالات السلبية الناتجة عن ضغوط الحياة ومشاعر الإحباط والفشل واختلال التوازن والقدرة على التوافق النفسى والاجتماعى. ولاشك أن كل إنسان يحتاج – من وقت لآخر – أن يخلو بنفسه ويبتعد قليلاً عن صخب الحياة ومشاكلها ليفكر بهدوء ويعيد تنظيم عالمه الداخلى، وتفحص وتقييم أفكاره وخبراته والمواقف التى تعرض لها ثم يحدد لنفسه خطة عمل ويتخذ القرارات ويحدد لنفسه الخطوات.وقد وجده اقوام في قيام الليل وصفة مختصرة وعلاج ناجح. إن أهل الليل قوم تعدَّدت مقاصدهم، واختلفت مطالبهم، وتنوّعت غاياتهم، والليل هو منهلُهم وموردهم، ورضوان الله والجنة مبتغاهم. قوام الليل يستطيعون النوم والراحة والدعة ولكنهم نفضوا غبار الكسل واستحثوا الخطى فقويت عزائمهم ونشطوا للتعبد. هذا عبد العزيز بن أبي رواد إذا جن عليه الليل يأتي فراشه فيمر يده عليه يقول: إنك لين، ووالله إن في الجنة لألين منك، ولا يزال يصلي الليل كله. ومجاهدة النفس صعبة المنال في البداية ولكنها سهلة الانقياد بالإصرار والعزيمة في النهاية كما قال ثابت البناني كابدت الصلاة عشرين سنة تنعمت بها عشرين سنة.وكان أبو سليمان الداراني يقول: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
إذا ما الليل أظلـم كـابدوه فيسفر عنهمُ وهـمُ ركوع
أطار الخوفُ نومَهم فقامـوا وأهلُ الأمن في الدنيا هجوع
لهم تحت الظلام وهم سجود أنينٌ منه تنفـرج الضلـوع
عباد الله : وقت صلاة الليل يمتد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ومن كل الليل صلى رسول الله ص ، واستقرّ ورده في السحر، و((أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه)) ، وفي المأثور من أحوال السلف منهم من يصلي الليل كله، ومنهم من يصلي نصفه، ومنهم ثلثه، ومنهم خمسه، ومنهم سدسه، ومنهم من يصلي ركعات معدودات، و((من أيقظ أهله فصليا ركعتين كُتبَا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)). وهكذا .. فإن الخلوة تتيح للإنسان الابتعاد المؤقت عن عالم الضوضاء والهرج والمرج إلى واحة الخلوة بهدوئها وما تمنحه إياه من صفاء ذهني ونفسي يجعله يرى بوضوح حقيقة وأسباب مشاكله وهمومه .. ويرتب أفكاره وخططه وأهدافه .. ويشحن قواه المعنوية .. ويشحذ همته وشجاعته لمواجهة الصعوبات .. واستعادة عزيمته ومضاعفة ثقته بنفسه. أضافة إلى تجديد صلته بربه وتوثيقها.. وإدراك أن ضغوط الحياة ومشاكلها لا تستحق كل هذا ا لعناء وأن الإنسان يستطيع أن ينجو منها عندما يريد إذا دخل إلى واحة الخلوة وأطلق العنان لخياله وتأملاته. (الصلاة على النبي) الدعاء

[العمود]

جزاك الله خيراً وبارك فيك

[الــنــهــيــم]

شكر الله سعيكـ َ ..

[إكلــــيل]

باركـ الله في علمكـ أيها الدكتور الفاضل ..

حفظكـ الله ورعاكـ ،،

[أبوفارس الخالدي]

شكراً لك جهدك المتميز والواضح
واعانك وسددك وللخير وفقك
يادكتور ..

[راشد الصليحان]

جزاك الله.....ياشيخ صالح....وجعلها.....خالصة....لوجهه الكريم....!

لا أعرف ياشيخ ....لماذا لم تعمل....موقع خاص....بك....!

أسوة...بالشيخ....سمان....والشيخ ناصر العمر....!!

هل فكرة....بهذه الفكرة...؟؟

دعواتي