|
|
|
20-12-2005, 11:18 AM | #1 |
إمام وخطيب جامع الروّاف
تاريخ التسجيل: Sep 2004
البلد: السعودية
المشاركات: 261
|
افكار حول الحوار
بسم الله الرحمن الرحيم
آفاق حول الحـــوار د. صالح بن عبد العزيز التويجري 14-11-1426هـ في ظل الانفتاح العالمي ثقافيا وسياسيا واقتصاديا وفي تعددية المؤثرات والزواحف على الثوابت والخلاف في التعامل مع المتغيرات والوقف الصحيح حين الرفض والقبول وتناول القلم شيئا من الشطط والكتبات غير المسؤلة شرعا ودولة كانت هذه الخطبة. إن تعدد الشرائع والملل والثقافات والحضارات سنة من سنن الله تعالى، ونظاماً كونياً لا تبديل له ولا تحويل عنه، فهو سبحانه القائل: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم). من يحاور من: الحوار يحتم وجود الآخر، فلا بد من تعريف الآخر فإذا عرفت من الآخر تحدد الموقف منه. وهو تعريف لا يمكن أن يتم في معزل عن الأنا. إن فهم الآخر، ثم التفاهم معه، لا يتحققان من دون أن تتسع الأنا له. وبالتالي، كلما سما الإنسان وترفع عن أنانيته، أوجد في ذاته مكاناً أرحب للآخر. والحوار مع الآخر اكتشاف للأنا وإضاءة ساطعة على الثغر والنواقص التي لا تخلو منها شخصية إنسانية. ولذلك يقول أحد الفلاسفة: "الآخر هو وسيط بيني وبين نفسي، وهو مفتاح لفهم ذاتي والإحساس بوجودي". الآخر قد يكون فرداً وقد يكون جماعة. وفي الحالين، قد يكون مؤمناً، وقد يكون كافراً. الآخر المؤمن هو للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً. (أذلة على المؤمنين) (إنما المؤمنون أخوة) وأما الآخر الكافر، فالعلاقة معه ليست كالعلاقة مع المؤمن لأنه ليس بأخ وليس له من الولاء ما للأخ المؤمن. الولاء للإسلام وأهله والبراء من الشرك وأهله (أعزة على الكافرين) (أشداء على الكفار) (وليجدوا فيكم غلظة). لكن هذا لا يمنع من إقامة العدل معهم ومعاملتهم بالإنصاف؛ بل ولا يمنع من الحوار معهم في دعوتهم ومخاطبتهم. قال الله عز وجل: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ..) (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ..). (وجادلهم بالتي هي أحسن..). وقد حاور النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران. ولما أرسل صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: " إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله ..". ولما بعث علياً يوم خيبر قال له: " انفُذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه.." على أن ثمة فروقاً بين المحاورة والدعوة وإن كانت الدعوة جزءاً من الحوار. عباد الله : لكن الحوار مع المخالف لا يكون بلغة انهزامية وسببا في التخاذل والتزام سلسلة من التنازلات التي تمس المبادئ والعقائد. وهذا مبني على معرفة الغاية من الحوار: والغاية من الحوار: إقامةُ الحجة، ودفعُ الشبهةِ والفاسدِ من القول والرأي. فهو تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق . يقول الحافظ الذهبي: ( إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ). - ومن غاياته : إيجاد حلٍّ وسط يُرضي الأطراف. ولا يلغي الثوابت. - والتعرُّف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى ، وهو هدف تمهيدي هام . لاستخراج أمواج تتلاطم في النفوس وتقديم دراسات استباقية تدرأ الصدام والتمزق.. مع إمكان تجاوز المشكلة بأقل خسائر. - كما أن من غاياته: البحث والتنقيب ، من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنوع الرُّؤى والتصورات المتاحة ، من أجل الوصول إلى نتائج أفضل وأمْكَنَ ، ولو في حوارات تالية . عباد الله: إن الحوار بين الأمم والحضارات ضرورة شرعية وواقعية، وهذا لا يكاد يخالف فيه أحد، وإنما الخلاف واقع في أسس هذا الحوار و شروطه ، فمن ناحية الأسس ينبغي البحث عن المشترك بين البشر فالناس بالرغم من اختلافهم في كثير من الأشياء فهم مشتركون في بعض غاياتهم تبعا لاشتراكهم في أصل خلقتهم، وجماع غاياتهم هذه هي تحقيق السعادة، فكل بشر على وجه الأرض يريد أن يحيى حياة سعيدة مهما كانت حضارته أو ثقافته أو ديانته، ولذلك تحدث علماء المقاصد في الإسلام عن وجود مصالح ضرورية نادت بحفظها جميع الشرائع السماوية وهي كليات خمس: الدين والنفس والنسل والعقل والمال وعلى هذه الكليات مدار السعادة الإنسانية. ولا يمكن أن تتم لإنسان إلا بتحقيق العبودية لله وحده لا شريك له. وللحوار أصول لا بد من مراعاتها لتحقيق الغاية، كي يصبح أداة إيجابية لتقليل الاختلاف، وإقامة العدل، وإصابة الحق: أولاً: سلوك الطرق العلمية والتزامها، ومن هذه الطرق: 1- تقديم الأدلة المُثبِتة أو المرجِّحة للدعوى . 2- صحة تقديم النقل في الأمور المنقولة . ودرء الصراع بين العقل والنقل. وفي هذين الطريقين جاءت القاعدة الحوارية المشهورة : ( إن كنت ناقلاً فالصحة ، وإن كنت مدَّعياً فالدليل ) . وفي التنزيل جاء قوله سبحانه : { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }. وهنا يرفض في الحوارات الظن والتخمين.. وقانون الإلزامات التتابعي. ثانياً: سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض؛ فالمتناقض ساقط بداهة ومن الأمثلة ما ذكره بعض أهل التفسير من: وصف فرعون لموسى عليه السلام بقوله: { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } (الذريات:39). وهو وصف قاله الكفار – لكثير من الأنبياء بما فيهم كفار قريش، وهذان الوصفان السحر والجنون لا يجتمعان، لأن الشأن في الساحر العقل والفطنة والذكاء، أما المجنون فلا عقل معه البتة، وهذا منهم تهافت وتناقض بيّن. شأن من أعيته الحجة والبرهان يصرف الحديث إلى الذات والإسقاط المسف. ثالثاًَ: ألا يكون الدليل هو عين الدعوى، لأنه إذا كان كذلك لم يكن دليلاً، ولكنه إعادة للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى. وعند بعض المُحاورين من البراعة في تزويق الألفاظ وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليلاً. وواقع الحال أنه إعادة للدعوى بلفظ مُغاير، وهذا تحايل في أصول الحوار لإطالة النقاش من غير فائدة . رابعاً: الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مُسَلَّمة. وهذه المُسَلَّمات والثوابت قد يكون مرجعها؛ إنها عقلية بحتة لا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين؛ كحُسْنِ الصدق، وقُبحِ الكذب، وشُكر المُحسن، ومعاقبة المُذنب. أو تكون مُسَلَّمات دينية لا يختلف عليها المعتنقون لهذه الديانة أو تلك. وبالوقوف عند الثوابت والمُسَلَّمات، والانطلاق منها يتحدد مُريد الحق ممن لا يريد إلا المراء والجدل والسفسطة. الإيمان بربوبية الله وعبوديَّته، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم كلام الله، والحكم بما أنزل الله، وحجاب المرأة، وتعدد الزوجات، وحرمة الربا، والخمر، والزنا؛ كل هذه قضايا مقطوع بها لدى المسلمين، وإثباتها شرعاً أمر مفروغ منه. إذا كان الأمر كذلك؛ فلا يجوز أن تكون هذه محل حوار أو نقاش مع مؤمن بالإسلام لأنها محسومة. { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... }(النساء:65).{ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }(المائدة:45). فمسلمات الدين والحلال والحرام لا تطرح لاستطلاع الرأي أو تصويب الأغلبية . فقد قالت أغلبية قوم لوط: (أخرجوهم من قريتكم إنهم قوم يتطهرون..) بارك الله لي ولكم ... الخطبة الثانية: ومن أصول الحوار: خامساً: التجرُّد، وقصد الحق، والبعد عن التعصب، والالتزام بآداب الحوار، وليس التحريش والتشفي وتضليل الرأي العام بمهاترات تمزق المجتمع وتهدد وحدته. ومن مقولات الإمام الشافعي المحفوظة: ( ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان ، وتكون عليه رعاية الله وحفظه. وما ناظرني فبالَيْتُ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني ). سادساً: أهلية المحاور إذا كان من الحق ألا يمنع صاحب الحق عن حقه، فمن الحق ألا يعطى هذا الحق لمن لا يستحقه، كما أن من الحكمة والعقل والأدب في الرجل ألا يعترض على ما ليس له أهلاً، ولا يدخل فيما ليس هو فيه كفؤاً. من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يعرف الحق. من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يجيد الدفاع عن الحق. من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يدرك مسالك الباطل وحيل الاستدراج. إذن، فليس كل أحد مؤهلاً للدخول في حوار صحي صحيح يؤتي ثماراً يانعة ونتائج طيبة. والذي يجمع لك كل ذلك: ( العلم )؛ فلا بد من التأهيل العلمي للمُحاور، ويقصد بذلك التأهيل العلمي المختص. أما ثقافة الكلام والحديث فإنه يجيدها من الناس فئام . سابعاً: قطعية النتائج ونسبيَّتها: من المهم في هذا الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبيُّ الدلالة على الصواب أو الخطأ، والذي لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغون عن ربهم سبحانه وتعالى. وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة: ( رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب ). وبناء عليه؛ فليس من شروط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الطرف الآخر. فإن تحقق هذا واتفقنا على رأي واحد فنعم المقصود، وهو منتهى الغاية. وإن لم يكن فالحوار ناجح. إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كلٍ من منهجيهما؛ يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه في دائرة الخلاف السائغ. وما تقدم من حديث عن غاية الحوار يزيد هذا الأصل إيضاحاً. وفي تقرير ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: ( وكان بعضهم يعذر كل من خالفه في المسائل الاجتهادية ، ولا يكلفه أن يوافقه فهمه ) ا هـ . من المغني. ولكن يكون الحوار فاشلاً إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة، وتدابر ومكايدة وتجهيل وتخطئة. ثامناً: الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون، والالتزام الجادّ بها، وبما يترتب عليها. وإذا لم يتحقق هذا الأصل كانت المناظرة ضرباً من العبث الذي يتنزه عنه العقلاء. يقول ابن عقيل: ( وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الحجة؛ فإنه أنبل لقدره، وأعون على إدراك الحق وسلوك سبيل الصدق. وقال الشافعي رضي الله عنه: ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجَّة إلا عظم في عيني، ولا ردَّها إلا سقط من عيني ). عباد الله: ونحن في زمن كثر فيه الكلام .. وقلت الأمثال.. وخاض الخراصون.. وتزور القضايا المأجور والمأفون.. يتأكد علينا التثبت والتحري وفتح المجال لأغلبية صامتة هي السواد الأعظم وفيها من لو أقسم على الله لأبره. وإن كان مدفوعاً بالأبواب .. ومنهم العلماء والساسة والقادة؛ فلتعط الأمور أهلها، وليسلك الأمر نصابه ورب كلمة قالت لصاحبها دعني. (الدعاء)
__________________
1) الملاحظات. 2) اقتراح موضوع خطبة مع دعمه بوثائق أو مراجع. الرجاء التواصل عبر البريد الإلكتروني: saleh31@gmail.com حفظكم الله ... |
الإشارات المرجعية |
|
|