• وقت الأضحية :
قال غير واحد من الفقهاء أن الأضحية لا تجزئ إلا بعد الصلاة ، وهذا ظاهر الأحاديث خلافاُ للإمام أبي حنيفة ، فقد جوّز أن تقع الأضحية من أول النهار بناءً على عموم قول الله تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } ؛ فقال : قال الله تعالى : { أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } .
وسبب الخلاف في المسألة أن اليوم يبدأ من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس ، ولا داعي لهذه المسألة مع وجود النص الصريح ، فالنبي صلى الله عليه وسلم سمَّى من ذبح بعد الفجر وقبل الصلاة سماها لحم شاة ، وسماها طعام نفس ، ولم يعدُّها نسكاً ، كما روى مسلم في (( صحيحه )) عن البراء قال : ضحّى خالي أبو بردة قبل الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تلك شاة لحم)) ، ثم قال : (( من ضحّى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه ، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمّ نسكه وأصاب سنّة المسلمين )) . فالاستدلال بالآية لا يجوز على عمومه ، لأن الأحاديث تخصّص العموم ، وإن كان يستفاد من الآية أن وقت الأضحية يقع في أيام وليس في يوم ، فمن حصر مشروعية الأضحية في اليوم الأول فهذا يخالف الأحاديث .
فالأضحية يمتد وقتها في أيام العيد ، وآخر وقتها غروب اليوم الثالث من أيام التشريق ، وقد ورد حديث في (( صحيح مسلم )) عن جابر بن عبد الله قال : (( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدنية ، فتقدّم رجال فنحروا ، وظنّوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحر حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم )) . فتعلق الإمام مالك به ، وقال : (( إن الأضحية لا تعد نسكاً إلا بعد الصلاة ، وبعد أن ينحر الإمام )) .
ولكن هذا الحديث مجمل يفصّله حديث البراء وألفاظه أدق . فيكون قول الجمهور بأن الأضحية تكون بعد الصلاة ، إلا إذا شارك الإمام الناس ، فالأفضل أن يحتاطوا ولا يضحّوا قبله ، وقال الإمام الشافعي : (( يجب على المسلم أن يضحّي بعد وقت الصلاة زيادة على وقتٍ يقدَّر فيه لو أن الإمام أراد أن ينحر أنه يستطيع )) .
وهذا أنسب ، ولاسيما لمن لا يكونوا في المدن ، ولا يعرفون متى يفرغ الإمام العام من الصلاة ومن النحر . وورد في الحديث آخر : (( ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله )) ( رواه الشيخان ) . فيستفاد منه أن التسمية في الذاكر واجبة ، خلافاً للناسي ، فمن ذبح ونسي فَذِكْرُ الله في قلبه كما قال ابن عباس .
مسألة : هل يُجزئ الذبح ليلاً ؟
جاءت أحاديث مرسلة ضعيفة تمنع المسلم من أن يذبح ليلاً ، والصواب أن الذبح جائز سواء كان بالليل أو بالنهار ، وتمسَّك بعضهم بقوله سبحانه : { أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } فقالوا : الذبح في الأيام دون الليالي ، والصواب أن الأيام تشمل الليالي فيكون الذبح ليلاً جائزاً .