بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » مارأيكم بهذه الروايه !!!!!!!

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 11-07-2006, 07:51 PM   #3
عابق الذكرى
عـضـو
 
صورة عابق الذكرى الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
البلد: حبيبتي (بريده)
المشاركات: 2,621
الجزء السابع

نفقد الآخرين عند رحيلهم, و نشعر بعدها و كأنه الدنيا قد توقفت عند هذا الحد, بعد عدة أعوام أو أشهر تعود لنا الحياة متجددة لننسى كل من رحل و سيرحل, لأننا نبقى حيث ما كنا فقط نفقد احدهم...
أما أن تنزع بي كلتا يديك, الماضي بكل ماسيه و الحاضر حيثما يقع بصرك و المستقبل حاملاً معه أحلامك مع أصداء الضحكات و أثار الدموع و البيت و الجدران و حتى الفراش الذي ننام عليه و الوسادة البيضاء الملونة و مع ما تحمله من ذكريات...........
أليس هذا هو الرحيل.
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

أربعة ساعات مرة ننتظر المصير !
نظره واحدة فقط القيها قبل الرحيل على بيتنا المهجور, نظره واحدة, ولن تكون بعدها أخرى, إلى ما أن يكتب الله ...لنكون في هذه السيارة مع شاب غريب,
و أي أفكار راءت على بال عمي حتى لا يؤجل الأمر حينا أخر..
و يكون هو من يقلنا إلى بيته..
ساعات مرت علينا مملوءة بفرح يشوبها الخوف من اللحظة القادمة لحظة الفراق و وداع كل من نحب و ما نحب..
استيقظت رهف و التحسن بادا على وجهها فالغفوة الصغيرة قد أراحتها
قالت رهف
" الم نصل "
قلت
" كلا "
قال الشاب
" إمامنا ساعات طويلة حتى نصل "
و مازال الصمت رفيق الدرب إلى أن سمعنا صوت قوي شعرت و كأنه
السيارة قد اهتزت منه..
لتصرخ رهف بعدها
" أوه ربّاه "
في للحظة حدث ما حدث اقتربت منا شاحنه نقل ضخمه تمشي بسرعة جنونية, انحنت السيارة إلى طريق رملي بل كان حجري فاهتز ه السيارة ليصدر صوت قوي...
أفكار غريبة تتراود في العقول البشرية في أصعب لحظات الخوف..
أقربت النهاية لحياتنا, هل سيئول مصرينا الموت في العراء؟ !
أم نخرج منها بإصابات دائمة !!!
رهف منكمشة على نفسها محتضنة يديها تهرب من المشهد أمامها و حتى الصغيرة صدر منها بكاء مفزوع, احتضنت الصغيرة مغمضة عيني بخوف..
توقف السيارة فجاء...
لم أتجاسر بالنظر إلى من حولي خوف من تضرر احد منهم..
ما سمعته صوت انفتاح احد أبواب السيارة, لينفتح بعدها أخر
" رنا "
التفت ناحية الصوت ما كان غير الشاب ينظر إلينا بقلق وخوف
ارفع راسي و نوبة من السعال تندفع خارجه مع جيش من الغبار المتناثرة من اندفع السيارة على الرمال..
سئل بقلق
" هل تضرر أحداكم ؟؟ "
استدرت بسرعة إلى أختي الغالية رهف.. حاولت رفعها من مقدمة المقعد كانت تشد على يدها أكثر فأكثر.. حتى ابيضت أطرافها..
أناديها
" رهف "
لم تجب ولم تبدي أي تغير بل ضمت رجليه أكثر..
أزحت الصغيرة على المقعد, اقتربت من رهف رفعت رأسها ليعتصر قلبي آلف مرة ومرة و لا أن يعاد ما حدث هذا اليوم قبل أن نكون في طريقنا إلى عمي..
أي خوف و إي رعب اعتلى قلبها حتى تشعر بوجهها المتجمد.. كمنديل ورقي هش و لا ترى غير الدموع المنسابة على خديها...
احتضنتها بكل قوة.. قلت
" رهف لا تخافي, نحن بخير انظري لم يحدث لنا مكروه "
لم تزدد بذالك إلا بكاء
" سنموت, سنموت رنا بدون أمي..
بعيدا عن بيتنا بعيدا عن وئام "
ليقطع السيل الجارف من الدموع صوت الشاب
" رنا.. أعطيها الماء لتشرب "
أعطاني عبوة ماء باردة.. فقد كان الشاب يقف بحيرة..
لكن ليس هذا وقت التحدث عنه..
قربت عبوة الماء من فمها أحثها على الشرب..
بعدها أخفضت رأسها, مقتربة إلى جانبي, معتصره يديها حولها و مغمضة عينيها بتعب..
و اضطرابها لا يدعوا إلى الارتياح, لكنها بأفضل حالاً..
بحثت بنظري عن الشاب لم أره.. لقد اختفى..
و لم استطع التحرك لأنظر خارج السيارة, رهف واضعه رأسها بجاني و الطفلة إلى الجانب الآخر..
رايته مقترب من السيارة و الغضب يكاد يمزق الكون و من حوله..
لم انتبه لطريقة كلامي من الخوف
" أين ذهبت و تركتنا وحدنا ؟ "
رفعا احد حاجبيه باستغراب
" إلى الأحمق الذي كاد إن يودي بحياتنا "
" نكمل السير "
لم ينتظر أجابه فقد باشر الأمر..
بعد نصف ساعة
" هل انتم بخير "
أجبته بصوت مقارب إلى الهمس
" نعم "
هل الابتسامة من رايتها تعود إلى وجهه..
تجاهلت ابتسامته و استدرت انظر عبر النافذة لا تجاهله هو أيضا..
" رنا "
كانت رهف تحاول الجلوس مستقيمة..
ابتسمت له برقا, ثم قلت
" هل تشعرين بالتحسن "
حركة رأسها إيجابا
" اشعر بالعطش "
بحثت عن عبوة الماء, ما زالت محتفظة ببرودتها شربت قدرا من الماء و ثم أغلقتها, حركتها بأسف
" أسفه شربت أكثرها, لم يبقى منه الكثير "
" اشربي قدرا ما...
قال الشاب قاطعا كلامي
" أوووه لا تقلقي هناك المزيد من عبوة الماء, أي وقت تشعرين بالعطش لا تخجلي من أخذها
حتى أنت يا رنا "
هنا بدا على وجهي الغيض, هذه ثالث مرة يذكر فيها اسمي وبكل بساط و كأننا نعرف بعضنا من قبل.. و يكلمني و كأني طفلة..
و هذه الابتسامة التي تتسع كلما تكلما إلينا !
متى ستنتهي ؟؟!!
توقفا عند محطة لتزويد بالوقود في احد المدن القريبة,
لم يتبع الطريق مباشرة بل توجه إلى الشارع الأخر ليتوقف مقابل محل صغير لأبيع ألمود المعلبة..
" انزلا "
قلت بتردد
" إلى أين "
قال الشاب
" لتناول الغذاء "
قلت معترضة
" لا حاجة لذالك, لا نشعر بالجوع "
قال و هو يشير إلى رهف
" و أختك ؟ "
رهف قالت
" أنا جائعة "
التفت إليها غاضبه
" رهف عندما نصل سنأكل "
قالت غير مبالية بنظراتي
" لكني أتضور جوعاً "
قلت لها بتحدي
" اصبري حتى نصل "
قال موضحا
" لن نصل إلا بعد عدة ساعات وستكون طويلة.. فهل ستتحمل الوقت الطويل بدون طعام ؟! "
أذعنت للأمر.. و نزلت من السيارة و الانزعاج يلوح في كل تصرف متدخل منه..
توجهنا إلى الداخل الناس كثر كلا متعجل إلى إكمال طريقه و القلة من يمكثون في الداخل للأكل..
لم أذق من الطعام الكثير فلا أحب أن أتناول الطعام و الناس تتفرج علينا و حتى هو أدارى الكرسي الجالس عليه ليعطينا حرية اكبر في التصرف..
تكفل بدفع المال فان لا املك النقود فقد نفذا كل ما عندي..
تساءلت حينها لو لم يحظر عمي إلينا وظللنا في بيتنا دون أن يطرق بابنا احد من أقاربنا الذين انقطع علاقتهم بابي يرحمه الله ما سيئول إليه مصيرنا دون الاطمئنان إلى وجود رجل...
مرة ثمان ساعات ونحن نسير بغير هوادة..
يتفاقم ما في داخلي بين لحظة و أخرى و مع ازدياد الظلام يزداد خوفي..
و الصمت عادة يغطي المكان, لكن الأمر مختلف قبلها النور المنتشر من قرص الشمس يشعرك بالأمان,
أو يبقى بصيص من نور القمر في وهج السماء..
أما ألان لا ضوء شمس و لا قمر ولا حتى نجوم الأضواء اختفت لم يبقى غير الضوء الخافت المنبعث من مؤشر السرعة في السيارة..
خيم الظلام و خلى المكان من المارة فقط من سيارات تمر مسرعه كلا في طريق مختلف..
في كل مرة يطلب فيها عمي سالم استعجالنا في الذاهب معه إلى المدينة الأخرى و في كل تأخير أبدى انزعاجا إذا لم يتم الرحيل..
الآن فقط عرفت لماذا !
كان الطريق إلى المناطق الأخرى صحراويا, طويلا جدا...و مخيفا جدا..
طريق موحش لا ترى فيه غير حطام شاحنات مقلوبة أصابني برغبة في الصراخ بصوت عالي ليشعرني بالأمان...
سأنسى الخوف الآن لست في حال جيد حتى أزيدها خوفا على ما هي عليه..
تذكرة أمر الرسالة, أخرجتها من حقيبتي لإقراء ما فيها..
* رنا.. لعلمي المسبق بكِ كتبت الرسالة *
هذه الجملة تثير التساؤلات فما هي رنا حتى يعلم ماذا سأفكر..
* و ثقي كل الثقة بمن أرسلت *
ابتسمت رغما عني..
و هل يوجد أكثر من هكذا ثقة نحن معه في سيارة واحدة دون أي فكره عما سيحدث بعدها !!...
* فانتم أمانه *
اعرف ذالك لا حاجة لتذكيري حتى في رسالة قصيرة..
بعدا عن الكلمات المكتوبة..
الورقة البيضاء الموضوعة في الداخل كانت خاليه لم يكتب عليها, و مطوية جيدا, ما الهدف من إرسال ورقه فأرغه.. أغلقها مرة و افتحها مرة أخرى وكلي حيرة ورقه بيضاء فارغة في مظروف رسالة..
لماذا هي هنا ؟
أتكون محض الخطاء !!
*
*
الساعات تتوالى.. و اشعر بالتعب من الجلوس الطويل على مقعد السيارة, و يدأي متيبستان من وضع الطفلة عليها.. فهي على هذا الحال منذ ركبنا السيارة..
قلت له بعد تردد
" ابقي الكثير ؟ ! " اقصد بذالك الشاب
حانت منه التفافه لكنه عاد و بسرعة يركز على الطريق
قال
" كما قلت سابقاً هناك الكثير من الساعات حتى نصل "
قلت بضيق
" كم تعني الكثير من الساعات في سلسلة الإعداد ؟ ! "
قال و هو يضحك
" ثلاث ساعات أو اقل"
تابع بسخرية
" إذا كان هذا ما تعنيه ؟ "
قلت بسرعة
" افففف إلا تمل من "
توقف تذهلني جرأتي وما كنت انطق به هل سأتحول إلى وئام بنفاذ صبري..
عاود الكلام
" لم تكملي "
تحاشيت الإجابة و كأني لم اسمعها و لتجنب النظر إليه لكني لم امنع نفسي من استراق النظر من خلال المرآة العاكسة..
ألا يكف عن التبسم !
إما رهف لم تكف عن التقلب, إثارة شفقتي تحاول النوم متقلبة وتدور على نفسها وتبدو منزعجة في نومها, أزحت لها مكان اكبر حتى تستطيع النوم بهدوء
" تعالي إلى المقعد الأمامي "
فتحت عيني غاضبه ماذا يعني هذا الرجل
قال مبررا
" حتى تستطيع أختك النوم براحة اكبر فهي متعبه كما يبدو "
على الرغم من ذالك التصقت زجاج السيارة ليكون لها المكان الأكبر لتنام و الشاب فليذهب واقتراحه و المقعد الأمامي و ابتسامته إلى ابعد مكان في العالم..
آو كلا لا تفكروا به سوئا لم يصدر منه أي خطاء أو سوء في التصرف..
لكن وكم تعلمون وكما قال عمي في رسالته علمه المسبق بي لا ادع فرصة إلى المستقبل..
؛ سنتركه مركزا على الطريق حتى لا نتعرض إلى حادث بسبب التحدث عنه مع نفسي؛
الإرهاق تمكن مني, و محاولاتي المستمرة في إبقاء عيني باتت مستحيلة, و رغم ذالك بقيت مستيقظة, أغمضت عيني لدقائق و طال الأمر لأكثر من ساعة تتخللها غفوة متعبه وشعور أتعبني برغبة بان ابكي كالأطفال و أنام..
" وصلنا "
فتحت عيني فزعه و راسي يدور في دوامه كان الليل في أخره يحاول نزع القمر المضيء في السماء لينشر أول إشعاع الشمس..
لم أعقب, تابع قوله
" هنا بيت عمكم سالم "
غير مصدقه بعده هذا التعب
" وصلنا أخيرا
" رهف
انهضي لقد وصلنا "
المسكينة بدا شكلها مضحكا و هي تمد يداه لتفتح باب السيارة..
لاحظ ترددي في الصعود
قال برقه
" هيا رنا "
لم يكتفي بذالك بل تعد الأمر أن امسك بيد الصغيرة يحثني على الصعود..
وصلنا إلى أعلى عتبة انفتح الباب و قبل أن يقرع الجرس ظهر رأس عمي سالم و الارتياح مرتسم على وجهها لا استقبالنا..
و الأمر غير المتوقع..
عندما ضمني إليه بمحبه و حنان و رهف أيضا و لأول مرة الابتسامة حلت مكان الضيق منذ عدة أيام..
ابتسم عمي بسعادة و قال
" مرحبا بكم في بيتكم رنا و يا رهف "
ثم تقدّم نحوي و قال
" ادخلي رنا و أنت رهف هل ستقفون هنا "
دخلنا وعمي ممسك يد رهف..
فإذا أمراه واقفة عند المدخل الرئيسي يشارف عمرها الثلاثين لديها مسحت من الجمال و الرقة استقبلتنا بترحاب و مودة..
قال عمي
" زوجتي سلمى "
ثم أردف مشير إلينا
" هذه الكبرى رنا و الجميلة رهف "
انفلتت ضحكة خجل من رهف على تعليق عمي,
( أكثر ما يخجل الفتيات كلمة تحوي غزل )
قالت زوجة عمي سلمى مبتسمة
"حمدا لله على سلامتكم"
بادلتها الابتسامة
" و الصغيرة ؟؟ "
رمقتها بنظرة استفسار
" اقصد الصغيرة ما اسمها "
أخذ الجميع ينظر باتجاهي, و الصوت يتردد كما سمعته يومها طأطأت راسي أنظرة إلى الصغيرة إلى الحبيبة الغالية إلى ذكر أمي المتوفاة إلى أقسى الظروف لاضم الصغيرة إلى روحي قبل قلبي..


" غيداء "
" اسمها غيداء "
*
*
لمحت الشاب مقبلاً من ناحية الباب, يحمل الصناديق إلى الداخل..
الشاب خاطب عمي
" سأنصرف "
وقفت السيد سلمى متقدمه من الشاب حتى أنها أمسكت بذراعه
" لماذا لا تنام هنا, يبدو وجهك متعبا "
قال الشاب
" سأذهب مباشرة إلى البيت و أرافق النوم إلى مساء الغد "
التفت إليه عمي
" أشكرك يا كريم, لن أنسى معروفك هذا "
قال كريم ضاحكا
" ستردها يوماً يا زوج أختي"
بعد فترة همما بالانصراف..
إذا اسمه كريم و هو أخ زوجة عمي سلمى...
اقتربت زوجتي عمي إلى أختي الصغيرة تداعب خدها
" المسكينة "
تقصد بذالك الصغيرة, لم يعجبني النظر بشفقه لناحية غاليتي
" تشعرون بالتعب أليس كذالك "
كانت غرفتين متقاربتين إحداها لي و الأخرى إلى رهف..
الغرفة تحوي سرير كبير, و أخر اصغر إلى الصغير غيداء كل شيء منظم و مرتب في مكانه حتى بعض الألعاب الجديدة وضعت جانبا, ورهف رفضت النوم وحدها هذه الليلة اقصد الصباح فقد حلت أولى
ساعات اليوم الجديد..
بعد أن أغلقت الباب خلفنا، هممت بالذهاب إلى الحمام و الاغتسال و تأدية الصلاة ثم النوم و لمدة طويلة...
لكن رأيت عين رهف يمنعك من ذالك
" رنا ! "
كانت رهف و خلف وجهها وعينيها بداية بكاء و نهاية عذاب
" ماذا ؟ "
لم تتكلم سوى الالتواء بسيط بجانب فمها يدل على الضيق
قلت لها أحثها على الكلام
" رهف لا تنزعجي كل شيء سيصبح أفضل حالا عن قبل "
هل أنا متأكدة مما قلت, من يقنع الأخر هي أم أنا...
قلت بحسرة
" لكن.. "
لم تكمل الحيرة و الخوف و الوجل يكتنف وجهها
قلت بعدها
" لكن ماذا ؟! "
قالت رهف
" ألن نرى وئام مجددا "
أضربت إطرافي للبحث عن أجابه اروي بها خوف شقيقتي بما مرت به من ماسي فقد الأب و لا تتعد العدة اشعر حتى تتبعه ألام و كأنه رفضا منها في البقاء بدون أبي, وماذا أقسى من الوحدة و الشعور في كل
لحظة باقتراب النهاية لنصادف الموت و نحن مقدمين على مرحلة جديدة
لتعاود سؤالها
" ألن نراها رنا ؟ "
" رهف, كل منا يكتب له القدر.. رغبنا بذالك أم لا.. فلا اعتراضا على مشيئته "
قالت رهف بمرارة
" هذا يعني لن نكون مع بعضنا مجددا, ولن تتشاجر معي "
قلت لها مبتسمة
" تشاجري معي إذا كان هذا يريحك "
حركة رأسها معترضة
" أنت لا تجيدين ذالك, فأنت حنونة جدا, ليس كما تفعل وئام "
كنت أجاريها في الكلام, أصل إلى مستوى ما تفكر فيه فقط لأراها مبتسمة و مبتهجة..
" لديك الصغيرة عندما تكبر افعلي معها مثلما كانت وئام معك "
" لكنني أريد وئام و أمي أريدهم معي لنكون كما كنا قبل عام "
البكاء مجدد في كل لحظة تمر فيها الذكريات..
قلت مستاءة
" رهف يكفي بكاء, واشكه على الانهيار "
لكني أجهشت بالبكاء على الرغم مني..
بعد مدة سمعت طرق الباب فزعت, مسحت دموعي و فتحته، فرأيت زوجة عمي تحمل بين يديها أكواب من العصير, لم تعلق على أثار الدموع المنسكبة على خدي..
" اشربا كوبا العصير و سيكون الإفطار جاهزا بعد قليل "
هززت رأسي اعتراضا
" لا شهية لدينا للأكل.. نحتاج النوم فقط "
قلت
" كما تريدين, إذا رغبتي شيء استدعيني فقط "
ابتسمت لها ممتنة, فانا بحاجه إلى أن أنام و أنسى لا غير ذالك ..لشدة إطرابي لم يغمض لي جفن ولم أذق النوم الليلة السابقة لانشغالي في لملمت كل ما نحتاج إليه في رحيلنا, والوضع المحرج ونحن مع الشاب الملقب كريم, منعني من النوم..
دعوني فقد في عالم الأحلام..
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

الجزء الثامن

سارحة بفكري على مركب يهم لأن يرحل إلى أبوب حياتنا الجديدة ..
لما بدا أول السير, الدمع آبى أن يجف غارقا بين سكنات القلب
و مسحات الرمش.. حامل معه صورة لذكرى و لإحدى أحلامنا و أمالنا
للعودة لبيتنا القديم و منها نقطة البداية..
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
المكان من حولي مظلم غير أنور بسيطة تخترق الستائر الشفافة المعلقة فوق النافذة الزجاجية, و لا اعلم إن كان نور الكهرباء أو نور منبعث من قرص الشمس..
أفقت من غفوتي الطويلة و التي نلتها بتعب.. و شعوري إني بعيده عن سريري في بيتنا لأنام على أخر جديد في بيت عمي ..
فتحت عينأي بكسل لرغبتي في متابعة النوم و الاستلقاء عوضا عن يوم أمس و جلوسي المستمر في السيارة و لعدة ساعات في طريق مخيف و في سيارة رجل تعلو وجهه ابتسامه مزعجه.. ( ليست كثيرا )
بقيت مغمضة عين و فاتحة أخرى بصعوبة..
فبعد أن غادرة زوجة عمي سالم فجر اليوم أوصدت الباب و كنت سأطفئ النور لأتخلص من بكاء رهف و إثارة الألم كل لحظة و كل وقت..
رهف قالت
" سأنم في غرفتي الجديدة "
قلت بلا مبالاة ساخرة
"غيرت رأيك سريعا ! "
هاربة بنظرتها نحو الصغيرة النائمة, قالت
" دائما غارقة في النوم ! "
اندهشت من تعليقها على الصغيرة , لم يكن قولها مخطئا فــ الصغيرة أكثر ما نراها نائمة, في عالمه الصغير المحدود بين كفيها و قسمات وجهها الجميلة ..
أطرقت مفكره
" لم اعلم إن اسمها غيداء ! "
إلا يبدو مفجعا و تشتعل القلوب لوعة و حسرة ,
إلا تنتشر النار المتقدة على رغم سقوط المطر ,
إلا تدمع العين لمعرفة ما هو معروف مسبقا ,
انأ أول ما يسال عنه بعد معرفة جنس المولد الاسم الذي سيحمله مدى الحياة..
لكن مع الصغيرة حتى الاسم بخلو بإطلاقه عليها..
قلت بحسرة ممزوجة بانزعاج
" لم تسائلي يوم حتى تعرفي !
و كما لم تسأل إحداكم أنت أو اختنا البعيدة وئام "
لم تعقب بل ضلت تنظر إلى الصغيرة و الحزن عاد مكانه كما من قبل ...
قلت بتعب
" ماذا ألان ستبقين أم أباشر في النوم فـ أنا متعبه؟ !"
قالت بحنق
" سأنم في الغرفة الأخرى فلن يكفي الفراش لنا الاثنتين "
قلت و أنا افتح الباب لها ,
" كما ترغبين "
أغلقت الباب خلفها, اضطجعت على السرير الكبير المخصص لي, و ثواني معدودة غرقت في عالم لا يقتحمه غير الأحلام و الكوابيس و بعض ذكر من نحب..
ألقيت نظرة على الصغيرة حيث تنام,
من خلال الضوء الخفيف لمحت السرير فارغ سوا من الشر اشف التي تغطي الفراش..
!
!
!
أسئلة توالت في راسي..
هل وقعت أسفل السرير أثناء نومي ؟ و لم اشعر بها !
يا الهي كيف يتحمل جسدها الصغير وقعت كهذه ؟ !
لشدة هلعي لم انتبه إلى إنها لا تزال صغيرة لا تستطيع إن تنزل من على السرير ذو الحواجز الخشبية ..
نهضت أخيرا و الألم في كل جسدي, لإضاءة الغرفة المظلمة , انتشر بعدها الضوء في أنحاء المكان,
نظرت من حولي و بحثت بنظري نحو مكان الصغيرة ..
لا تقدم فزعه ناحية فراش الصغيرة غيداء فلم تكن في مكانها, و لم أكن أتوهم بسبب الظلام..
توقعي تسرب في الهواء فلم تكن على واقعه على الأرض و لا في أي مكان في هذه الغرفة !!..
أين هي إذا ؟؟
و انطلقت قبل إن تعد الثانية مسرعه إلى خارج الغرفة..
لكنني تراجعت عند منتصف الطريق , فلم أكن ارتدي حجابا أغطي به شعري و لا زلت مرتدية ملابس النوم..
عندما عدت إلى حيث كان الحجاب , خرجت مهرولة إلى خارج الغرفة و ارتطمت ركبتاي بكرسي موضوعا على مقربه من الباب..
تأوهت بضيق ثم نهضت متألمة.. و تابعة سيري
كنت سأذهب إلى غرفة شقيقتي رهف لكني لم اعرف إي من الأبواب افتح , فلم أرى أين منها خصصت لها لليلة البارحة..
أدرت مقبض احدهم قريب من غرفتي و رجعت و أفلته من يدي يمكن إلا تكون غرفة رهف .. كنت سأطرق الباب لكني تراجعت أيضا .. بعدا آن سمعت صوت ضحكات تصدر على مقربه..
أخذت أتلفت فيما حولي اتجهت إلى مكان الأصوات الصادرة..
واقفة في مكاني أراقبهم صبيا و فتاة و الصغير الحبيبة غيداء معهم كلا يحاول وضعها على حجره..
تنهدت بارتياح لمشاهدة حبيبتي الصغير غيداء و لسماع ضحكات الصغار العالية..
عندما رأوني رفعا رؤوسهم لقد كانوا جميعا ينظرون إلي اقتربت منهم مبتسمة و طوقت الصغيرة بين ذراعي و في نفس اللحظة دخلت بنت أخرى صغيرة حتى اقتربت مني..
قالت و ببساطه مشيرة إلى حجرها
" أريد آن احملها, ضعيها هنا "
نظرت إليهم باستغراب إحداهم بقرب الصغيرة و الأخرى واقفة أمامي ,
انظر إلى الأولى و ثم الثانية و ينتقل بصري من واحدة إلى الأخرى..
الاثنتان وجهان لصورة واحده..
جاني صوت زوجة عمي سالم السيدة سلمى
" أنهما توائمان, هادي و فادي "
قلت ناضرة إلى شعرهم الطويل
" صبيين !! أعتقت أنهما فتاتان ! "
و أشرت على الصبي بدعابة
" و هذا صبي أم بنت ؟ "
قالت باسمه على دعابتي
" حامد ابني الأكبر عمره ثمان سنوات أما التوأمين اصغر منه فهما في الرابعة و سيكملان الخامسة قريبا "
ثم تابعة بخجل مطأطأ رأسها ناحية بطنها المنتفخ قليلا
" و الرابع في طريقه إلى الحياة و كم أتمنى آن تكونا بنتا "
لم اعرف أي ردا مناسب لرغبتها فقلت مغيرة الأمر
" أولا صباح الأخير "
قالت وهي تلقي نظرة على الساعة المعلقة على الحائط
" تقصدين مساء الخير "
كانت الساعة تقترب من الرابعة عصرا
قلت بخجل
" نمت كثيرا حتى أني لم اشعر بأنه الصغيرة ليست بجانبي "
قالت معتذرة
" اعتذر حملتها بدون إخبارك سمعتها تبكي و لوقت طويل و لم أشأ إيقاظك من نومك فقد كان التعب بادا عليك لذا أحضرتها إلى هنا لتلهو مع الصغار في الحقيقة هم من يلهونا معها "
قلت
" أمرا ممتنة لك به "
قالت
" الغذاء سيكون معدا بعد دقائق "
قلت لها
" لا داعي يا.. "
لم أكمل بما أناديها زوجة عمي أو سيدة سلمى أو سلمى بدون ألقاب كما أنا رنا و كما أختي رهف ..
قالت ضاحكة
" سلمى.. فهي تكفي "
أومأت إيجابا
تبادلنا بعض الأحاديث عن الطفلة الصغيرة غيداء و عن التوأمين و بعض من مشاكستهم..
في تلك الليلة أخذت أتفرج على البيت لم يكن البيت كبيرا و غرفه قليلة ..
كان منزل كباقي المنازل لكنه البيت الذي أخذنا بكفيه من تيارات باردة و عاصفة هطلت علينا ببريق مزعج ..

في اليوم التالي
جاءنا ضيف, كان ثامر الأخ الأصغر إلى السيدة سلمى و السيد كريم الموقر عمره تسع سنوات..
سلمى خاطبت أخاها
" تعجبت لعدم مجيئك بالأمس , عندما تحدثت معك على الهاتف أخبرتني انك ستأتي "
قال ثامر مستاء
" كنت سآتي لكن كريم منعني "
قالت سلمى مندهشة
" لماذا منعك من آن تأتي ؟ "
عندما أتى على ذكر كريم رفعت راسي إلى الصبي
قال موضحا
" قال إن هناك ضيوف و لا يريدني آن اسبب الإزعاج لهم "
ثم تابع بحماس الصبيان
" و هل أنا طفل صغير حتى أكون مصدر إزعاج "
تابع بحنق
" كنت راغبا جدا في المجيء , كريم لم يرضى أن يوصلني, فقد اخبرني عن الجميلة و وددت آن أراها "
هنا وجهي اشتعل و انتشر...
" أين هي أريد أن احملها "
غيداء يعني غيداء أوه يا لا غبائي..
" رنا "
" رنا !! "
التفت إلى سلمى المتعجبة مني
" ماذا !!"
قالت مشيرة إلى غيداء
" أخي ثامر يرغب حمل الصغير فقد جاء فقط لها فهو مولعا بالأطفال "
قال ثامر وهو يغمز بعينه
" و خصوصا الفتيات "
و ضحكنا جميعا على قوله...
بعدها قالت سلمى و هي تحمل الطفلة بيين يديها
" هذا لأني لم أنجب بنت إلى الآن "

في المساء
جاء كريم لأخذ ثامر و لم يرغب في الدخول لكنى عمي و زوجته أصرا على آن يتناول العشاء معهم و بذالك كنت حبيسة في غرفتي بعدا يوما واحد في بيت عمي..
قبلها عندما قرع الجرس جاءني صوت زوجة عمي من المطبخ
" رنا.. هلا فتحتي الباب ! إذا تحركت من أمام الفرن سيحترق طعام العشاء "
و تابعة ضاحكة
" و سنموت جوعا "
و هل لي خيار.. لا يوجد سواي فـ زوجة عمي في المطبخ تعد العشاء و الصغار في الداخل و أصواتهم تزعزع المكان من لعبهم و حتى رهف مهم و يبدو انه الأمر راقها..
عندما فتحت الباب أول شيء رايته ابتسامته المعهود ,
و حمدا لله باني لم أغلق الباب في وجهه لكنت في موقف لا احسد عليه ..
لم يتحرك ماذا ينتظر أن اسحبه من يدها ليدخل .. فليغلق الباب بنفسه
تراجعت خطوت إلى الوراء و كان الباب مفتوحا..
سأل
" أين سلمى ؟ "
قلت بصوت بالكاد يسمع
" في المطبخ "
أكملت جملتي و هممت بمتابعة السير لكن صوته أوقفني
" رنا "
بذكره اسمي اندفعت الدماء فائضة على وجنتاي حتى شعرت بهما تشتعلان وتسارعت ضربات قلبي ضربة تتبعها أخرى..
و ركضت إلى الداخل و لم أفكر بالاستدارة إلى الخلف..
و إذا لم تخطا طبلت أذني بأنه الذي سمعته صوت ضحكاته الخفيفة لفراري من أمامه..
و بسبب بسيط ذكرا اسمي و بطريقه أخجلتني..
ليلتها لم يغمض لي جفن..
اكتشفت أمر.. بل ثلاثة أحداهما أثار الشفقة و الأخر أشعرني بخجل و الثالث توهج و جهي من ذكره..
ما رأيكم أن ادع الأمر سرا..
حسنا سأخبركم..
ابن عمي حامد عاجز عن النطق من الصغر منذ أنجابه و لا أمل شفائه و رغم ذالك فهو فتى نبيه و ذكاء حاد بسبب إدخاله لمدرسة خاصة..
الأمر الأخر..
الغرفة التي أنام فيها إلى أبن عمي حامد و غرفة رهف مخصصة إلى الضيوف و بما إن الغرفة لن تسع أكثر من سرير فضلا آن تكون لكل منا واحدة و لم يشاء أن نتضايق من المكان..
و غرفة أخرى لعمي و زوجته و جعلا أولادهم في غرفة واحده كبيرة ..
و كم كنت خجله من ذالك فطفل قادم سيحل على البيت و سيحتاج إلى فراش خاص
و كم كانت أمنيتي في هذه اللحظة آن تكون بنت كما رغبت زوجة عمي حينها سترافق شقيقتي رهف في الغرفة..
لكن هذا سابق الحديث عنه!!!!
و الأمر الثالث لن أخبركم به الآن حتى لو ألححتم عليه..
بيين يوم و آخر تعودنا على وجودنا بين عائلتنا الجديدة..
سلمى زوجة عمي كما تعرفون تعجبني كثيرا في رقتها و حسن تعاملها و أكثر ما يعجبني قولها
" عندما أتكلم أنسى نفسي أثرثر و أثرثر بلا توقف "
و بسبب ثرثرتها التي لا تتوقف حدثني عن عائلتنا كلها و منهم أخوت أبي و ابناهم سأتحدث عنهم في وقت لاحق..
تعدى الشهر منذ وجودنا في بيت عمي..
جاءني يوما طارقا باب غرفتي
" هل لي آن ادخل ؟ "
وقفت مستندة على الباب فلم أتعود منه أن يأتي إلى هنا
" هل سأقف عند الباب كثيرا ؟ ألن تستضيفيني ! "
قلت بخجل
" أسفه ادخل "
باشر في الكلام
" هل انتم مرتاحون؟ هل يزعجكم شيء ؟ هل هناك ما ينقصكم ؟ "
كل هذه الأسئلة نطق بها و أكثر في ثواني معدودة
اخبروني أنتم على أين منها أجيب ؟؟؟؟
" الم تفرغي الصناديق ؟
التزمت الصمت
ربت على كتفي بحنان
" هل بذر منا شيء يخيفك من البقاء "
حركة راسي سلبا
" إذا ماذا ؟ "
و لم اشعر و إذا بدموع تتدحرج على خدي بغير سابق إنذار
دموعا غسلت أشرعة الشوق و الحنين
دموع ترفض المضي قدما..
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

الجزء التاسع

نقطة ما كانت البداية مع بزوغ زوايا الشمس !
نقطة ثانية أولى الأمنيات راحلة مع نزع اللحظات !
نقطة ثالثة من عالم الأحلام باقية في الجانب الآخر.. !
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
ذات صباح الساعة الخامسة..
استيقظا كلا من في البيت ذات فجراً على صوت بكاءً زعزع الهدوء المخيم على كوناً يرتديا ثوبا قرمزي محاولاً نشرا أولى أضاءت قرص الشمس..
و لم تكن سوا غيداء..
لم يكن مجرد بكاء بل كان صراخا متوجع يخرق الإذن الداخلية و يهز معه الأفئدة و القلوب..
شعرت بوجل و بخوف و قلق على الصغيرة..
انظر إليها بتعجب لما هي عليه فلم أرها هكذا من قبل..
ألا يحق لي الخوف عليها و ما أراه دائماً الابتسامة المحببة مرتسمة على محي و سكنات وجهها الصغير..
التفت مضطربة إلى الواقف إمامي مقطبا حاجبيه بقلق, كان ابن عمي حامد.. لم اسمع الباب يفتح بسبب بكاء الصغيرة.. اقبل حامد نحوي محرك أصابعه يحادثني..إلى الآن لم لا اعرف الكثير من لغة الإشارة غير القليل مما تعلمته من سلمى و مما فهمت يسألني لما تبكي أو هل هي مريضة لكني حركة راسي إيجابا ليفرى مسرعا تاركا الباب خلفه مفتوح..
" مما تشكو "
جاءت صوت سلمى تسألني بقلق و حامد ممسكا بيدها يحثها على السير قدما اتجاه غيداء..
قلت لها و أنا أهز الصغيرة
" تبكي طوال الليل, تغو للحظات ما تلبث إلا تنهض صارخة "
أكملت بتنهد
" اعتذر إن أزعجتكم ! "
قلت سلمى باعتراض
" أي كلام هذا.. بيتكم تفعلون ما تشاءون فيه "
أخذت الصغيرة بين ذراعيها
" يمكن آن تكون جائعة ! "
قلت بحيرة
" رفضت شرب زجاجة الحليب و حتى شرب الماء.. لا اعلم ما حل بها ! "
بعد عدة محاولة نامت لأقل من نصف ساعة نوم مضرب لتنهض بصراخ أقوى.. وجهها شاحب اصفر اللون , و شفتاها تغير لونهما و بدو أكثر غمقا , بدت كالمتهالكة..
قلت بخوف مخاطبة زوجة عمي سلمى
" حرارتها مرتفعه "
سلمى وضعت يدها على جبين الصغيرة, ثم قالت
" احمليها.. سنذهب إلى المركز الصحي "
تابعت
" لا تقلقي ستكون بخير.. اطمئني "
سألت
" أين عمي ؟ "
قالت
" ذهب مع رهف لألحقها بالمدرسة الثانوية.. إنسيتي ! "
رهف رفضت الالتحاق بالمدرسة و إكمال تعليمها تقول أنها اكتفت بالمرحلة الإعدادية و لا داعي لذهابها إلى المدرسة لكن اعتراض عمي أقنعها وحقيقة الآمر استسلمت.. بما آن عمي سالم شقيق أبي وضع يداه في آمرا ما و في مكنونات نفسه يعتبر الآمر ملزما في على الجميع الإذعان و بكل ترحيب, بالنسبة لي أسعدني الاهتمام الذي يبديه لنا..
قلت بضيق
" كيف سنذهب إذا ؟ "
قالت سلمى
" مشيا.. المركز قريب "
أسرعت إلى غرفتي و ارتديت عباءتي و هممنا بالخروج ليظهر لنا عائق آخر..
التوأمين هادي و فادي إذنهما النائمة التقطتا صراخ غيداء لينهضا بدورهما و متشبثين بعباءة أمهما و ابتداء مسلسل البكاء المزعج الذي يشد الأعصاب..
" حامد انتبه لهما "
لكن الصغيرين التصقا أكثر بأمهم رافضين التحرك..
التفتت سلمى نحو حامد و قالت بضيق
" حامد.. خذهما هيا.. لن نتأخر "
بدلا من ذالك رفع أصابعه إلى آمه.. ومرة أخرى لم افهم ما يقول..
قلت سلمى مبتسمة
" أنت بطل ! "
وجهة الكلام إلي هذه المرة
" رنا.. حامد سيدلك على المركز فلا استطيع ترك الصغيرين وحدهما أو حملهما معنا وبطني منتفخ هكذا ! "
" حامد ! "
كلمة لم أعقب بعده شيئا
ثم تقدّم نحوي و بانت على ملامحه الجدية بعدها سلمى قالت
" يقول انه رجل و سيذهب معك ! "
قالت و أنا اعبر ألردها
" حامد بسرعة "
في المركز الصحي..
" تسنين مبكر "
قالت الطبيبة ببساطة
قلت فاغرة فآي
" تسنين ! "
قلت الطبيبة
" تسنين مبكر "
قلت بخوف
" ماذا يعني.. أيوجد خطورة عليها ؟ "
قالت عندما رأت الخوف جلي على وجهي
" بعض الأطفال يبدأ التسنين لديهم في سننً مبكر و آخرين في السنة الأولى تبزغ فقط الأسنان الأمامية و لا تكتمل إلى بعد بلوغهم عامهم الثاني "
ثم قالت متابعة بدعابة
" و هذه الآنسة كبرت سريعا "
قلت متشككة
" لكن حرارتها مرتفعه.. "
قالت موضحه
" ارتفاع درجة الحرارة و انخفاضها من حين إلى آخر و انتفاخ اللثة كلها إعراض التسنين.. اطمئني "
تابعت بلطف
" سأصف لها خافض للحرارة .. اسقها كل أربع ساعات "
في طريق عودتي لبيت عمي سالم أخذت انظر إلى ابن عمي الأكبر حامد ذو ثمانية الأعوام, يملك العزم و القدرة على تلقي المعلومات ليبدو بتصرفه اكبر من عمره على الرغم من عدم مقدرته على النطق
و الأهم من ذالك باستطاعتها السمع مما خفف المشكلة لتعامل معه.. بحق يثير الإعجاب على رغم سنه..
لم يكن المركز الصحي بعيدا لكني و بسبب التعب و الإرهاق لسهري طوال الليل بجانب غيداء مشيت بتثاقل حتى و صلنا للبيت..
استدرت إلى حامد
" شكرا.. ابن عمي "
هذه المرة لم يحرك أصابعه ردا على ما قلت فقط وجها ابتسامه إلى الصغيرة..
و ما آن وصلنا حتى بادرا عمي
" سنأخذها إلى المستشفى ! "
" لقد جئت الآن "
قال موضحا
" سنأخذها إلى المستشفى العام "
قلت بسرعة و عبارات متقطعة
" حالتها جيدا الآن .. أفضل من قبل.. مجرد تسنين ! "
و ما كنت أريده النوم و لا غير سوا النوم..
سلمى مدت يدها تحمل غيداء عني
" يا لا الصغير ستظهر لك الآسنان.. لم انتبه لذالك في أبنائي ظهرت لهم في شهرهم التاسع ! "
بعدها كل سارا إلى حياته..
وضعت غيداء في سريرها متمنية آن تنام و تجعلني أنام بدوري ليدورا في راسي كل الماضي غير البعيد و ما جره من مآسي لا تشعرها بعد..
أصبحت أقوم بدور إلام.. اليوم أول نقطة لخوض التجربة و على يد أختي غيداء, و كيف لا أكون أمها ؟؟؟
فـ أنا آختها من يطبطب عليها ويحملها فوق ذراعي إذا تألمت ! ..
و من يطعمها حتى في اشد الليالي قسوة و وحشه ! ..
و من يضعها بحجري الحاني ! ..
و يضمها بغمرة من الحب ! ..
كيف لا أكون ؟؟؟؟
على أية حال لأوقت لأتكلم في موضع رهف أو عمي و عائلته أو ما تحمله حياتي المستقبلية مع غيداء فالتعب آخذا مني مآخذ..
أو حتى من احتل جزء من تفكيري لأمور كثيرة سأخبركم بها لاحقا..
ألقيت بجسدي المتعب على السرير لأنام بكل عمق متخطية أول المصاعب وليست المصائب..
<
>
<
مرت ستة أشهر على مكوثنا في بيتنا الآخر و ما هو إلا بيت عمي سالم الوحيد الذي ابدأ الاستعداد لان يضمنا إلى عائلته..
ست أشهر أكملت فيها زوجة عمي سلمى شهرها التاسع و الجميع يترقب الحدث بفرح و سعادة, الجميع تلوح عليه بشائر الفرح الغامرة على ما هو جديد, إلا تلاحظون لم يحدث ذالك عندما أنجبت أمي غيداء الوجوم حلى على البيت قبل ولادتها وبعد اللحظة الأولى لها على الحياة, مني أنا رنا و من أختي البعيدة وئام و رهف و حتى أمي الغالية المتوفاة..
و يبدو انه الجميع قد اجمعا على أمنية و حيدة و كما سلمى ترغب آن يكون المولود الجديد بنتً !
كل شيئا مكتوب عند الله ..
و الحمد لله على كل نعمة..
حانت اللحظة لتزغرد القلوب فرحا و محبة !
حانت اللحظة لاستقبال أعظم المعجزات جمالا و رحمة !
في اللحظات الأشد آلاما و شوقا لسماع أول صيحة تنطلق من صوت نهب لسماعه !
و ما أحلها من للحظات !!
بعد منتصف الليل الساعة الثانية فجرا..
فيما كنت أغط في نوما عميق سمعت طرقا على باب غرفتي لينفتح الباب بعدها مباشره, تبينت الواقف كانت سلمى ببطنها المنتفخ باديا عليه التعب الشديد..
قالت مباشرة
" أوشك على الولادة "
سؤال في غير محله
" و ماذا نفعل الآن "
قالت و هي تتلوى على نفسها بألم
" نقوم برحلة عند البحر.. ما رأيك
إلى المستشفى .. رنا "
كنت سأضحك من جواب سلمى لكني تمالكت نفسي..
قلت أخيرا
" هل عاد عمي ؟ "
قالت بتشتت
" لم يعد.. لن يعود إلا بعد أيام "
ثم تابعت
" و لان ينتظرهُ المولود حتى يعود "
قلت لها
" إذا ! "
تعضض على شفتيها بألم شديد, قالت
" اتصلي.. ب كريم.. بسرعة ! "
قلت مندهشة
" إنا "
قلت سلمى
" آه .. رنا بسرعة.. لم اعد احتمل "
قلت متوترة لاضطراري لان احدث رجل على الهاتف ومن كريم !
" لا اعرف الرقم "
قالت و هي تشير إلى المنضدة
" موضوعا بجانب الهاتف بسرعة رنا "
و بعد وقت قليل كنا في المستشفى مع سلمى أنا و المدعو كريم...
؛؛؛؛؛؛؛
تلقيت اتصال الساعة الثانية و النص فجرا..
من آخر شخص توقعت آن اسمع صوته..
بصعوبة ظهرت الكلمة الدارجة عند رفع سماعة الهاتف
" ا لو ... "
" هل لك أن تأتي ؟ "
أعقبها صمت لكن لثواني معدودة..
سألت
" أنت رنا ! .. هل هذه أنت رنا ؟ "
لا اعرف الفرق بين الجملتين فهما نفس المعنى..
لم تجب على سؤالي بل قالت
" سلمى توشك على الولادة ! و عمي ..."
قاطعتها
" سأحضر حالا "
نهضت بسرعة و مشاعر مختلفة تتضارب في مخيلتي..
احدها سماعي صوت رنا تطلب من المجيء و نبرة الخجل وهي تطلب ذالك..
و الآخر خوفي على شقيقتي الوحيدة

بعد ربع ساعة..
قلت موجها كلامي إلى رهف
" لا تفتحي الباب إلى احد حتى تسمعي من يكون "
قالت رهف ناعسة
" حسنا "
سلمى , قالت
" انتبهي للتوأمين في حال استيقظا ! "
بعدها جاء صوت رنا مبحوحا
" و غيدا ! "
رفعت رأسها تنظر نحوي لكنها أشاحت ببصرها إلى رهف لتتابع باضطراب
" أخاف آن يغلبك النوم ! انتبهي ! "
" سأنم لكن سابقي الباب مفتوحا فغداً لدي مدرسة "

بعد ساعة ونص ..
الحمد لله تم كل شي بخير, أنجبت أختي طفلة جميلة..
اطمأننا عليها و على المولودة حديثا و سلمى بحاجة لراحة فل حاجة لبقائنا حتى وجود رنا..
قلت و أنا ممسك بيدا سلمى
" يجب آن أعود الآن ثامر نائم لوحده و لا يعلم بخروجي سأعود سريعاً "
حركة رأسها بتعب
" اهتمي بالأولاد رنا "
قالت رنا بعطف
" لا تهتمي ابقي هادئة ! "
خرجنا من الغرفة التي تنام فيها سلمى و من المستشفي و رنا تسير خلفي بصمت حتى ركبنا السيارة متخذة هي المقعد الخلفي ورائي مباشرة..
بقي الصمت رفيقنا و السماء لا تزال مظلمة و الجو صافا غير من تنفس يصدر من الجالسة خلفي خافضة رأسها قليلا..
أوقفت السيارة و همت بنزول منها..
أخرجت راسي من زجاج نافذة الباب الأمامي
" سأوصلك انتظري !"

اقتربت منها
" سأطمئن من دخولك البيت "
لم تعقب فقط أخفضت بصرها و تابعت سيرها على عتبات البيت ..فتحت حقيبتها تخرج منها المفتاح و ما آن أخرجته وقربته في ثقب الباب حتى سقطا منها..
انحنت لالتقاطه من على الأرض بقرب الباب و التوتر جلي على وجهها و في حركة يدها و المفتاح يسبح بين أصابعها..
فتحت الباب و المكان معتم , و بدون شعورا مني مددت يدي إلى الداخل حتى لامست يدي مكبس الأضواء الصفراء..
و إبرهن أنها كانت ترتجف .. لم اقصد إخافتها فقط أشعلت النور في المكان ..
منذ آن التقيت بها في بيتهم في المدينة الآخر و تكليفي بحملهم إلى هنا لانشغال زوج أختي سالم بإعماله خارج المدينة, و أيضا لعلاقته القوية بي , و إلا لما أوزع هذه المهمة لي وان يضع بين يداي أمانه يجب
إيصالها سالمه..
رنا و ما تحمله في شخصيتها من أمور مختلفة ..
فهي أمراء تتحمل المسئولية و تتحمل عائلة بأكملها تستطيع إن تعطي بكل ما لديها..
لكن سرعا ما تصبح شرسة بنظراتها إذا لم تعجبها كلمة حتى لو لم تكن بقصد و من أول يوم رايتها فيه..
" بودي البقاء "
عندما رأيتها تفتح عيناها بدهشة و علامات الغضب تظهر على محياها
أكملت
" لان سالم غير موجود معكم .. وانتم دون رجل الآن.. و ثامر لوحده "
ما أزعجني قولها
" معتادةُ على ذالك فلا تقلق نفسك "
قلت و أنا أستدير
" أغلقي الباب خلفك جيدا ! "
لم أتابع سيري إلا عندما سمعت صوت قفل الباب و ركبت السيارة في مقعدي الأمامي ..
رنا .. لم يتبقى الكثير....
__________________
عابق الذكرى غير متصل  
 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 02:00 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)