|
|
|
|
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
الترويح وأثره التربوي..! 2-2
د. حسن بن فهد الهويمل وأمام طوفان الغزو المتعدِّد المنافذ، والتحوُّلات المزامنة للنظام العالمي والعولمة، يجب على المؤسسات: الدينية والتربوية والإعلامية والثقافية التحرُّف الجاد لإعداد وسائل حضارية للترويح والترفيه، والتخفيف من التحفُّظ الزائد والخوف المعوِّق. فالمؤسسات كالمضطر، عليه ألاّ يكون باغياً ولا عادياً، وللضرورات أحكامها: فراغ ممل، وشباب بريء، وإمكانات متعدِّدة، ودعاة سوء، وكاسيات عاريات مائلات مميلات، وأغانٍ ماجنة، وتمثيليات مسفة. وفي ظلِّ هذه الظروف تتضاعف المسؤوليات، وتتعقَّد الحلول، وتصعب المواجهة، مما يتحتَّم معه التحرُّف والتحيُّز. وقطاعات التربية والإعلام والدعوة والثقافة والهيئات تمثِّل خط الدفاع الأول، ولا شك أنّها حريصة على تحقيق الأهداف التربوية السليمة، ولكن الظروف العصيبة تتطلَّب إعلان النفور بأحدث الوسائل وأدق الآليات. ومع أنّه من الضروري حفظ التوازن، ودرء المفاسد، وسلامة المقاصد، وملاءمة البرامج للمستويات العمرية وتعدُّدها، وعدم تأثيرها على الواجبات الدينية والدنيوية، وتوفّرها على تنمية المهارات وسلامة القدرات العقلية والصحية والجسمية، والتربية الخلقية والمعرفية، فإنّ مؤسسات الترويح الرياضي تقع تحت غزارة الإنتاج وسوء التوزيع، ومن ثم تفقد التعميم والاستمرار، وتتصف بالمنطقية والرتابة، وقد لا تتمتع بالقبول الجمعي، وقد لا تجد الراحة للمتابعة والمراقبة بحجّة التخصُّص وأهلية المسؤولية، وأحسب أنّ المرافق العامة لا تملك خصوصية التنفيذ، ولا تسمو فوق النقد والمساءلة. ومع تعدُّد المجالات وتنوُّع المفردات والانفتاح على كلِّ شرائح المجتمع، فإنّ الأهم وضع الضوابط التي تحول دون النقص أو الانفلات أو المخالفة. والضوابط قد تكون متعلّقة بذات الممارسة، أو بذات الممارسين، أو بمكان الممارسة، أو بزمانها، أو بمقدارها، أو بأزيائها. ولست أشك أنّ المؤسسات ذات العلاقة تضع كلّ الاعتبار للضوابط والشروط، ولكن آراء الناس مختلفة حول الشرط والضابط، وهذا الاختلاف يضع المؤسسة تحت طائلة المساءلة. وليس من المجدي أن تذعن المؤسسات لكلِّ دافع أو مانع، ولكن المجدي توخِّي التوازن. ومتى تُركت الممارسات الترويحية للظروف والصُّدف، أو غلّت أيدي الممارسين، حادت العملية عن مسارها التربوي. وأحسب أنّ هذا الزمان المليء بالمغريات، المفعم بالقلق والملل والترف بأمسّ الحاجة إلى التوسُّع في مجالات الترويح، فالشباب صيدٌ ثمينٌ لكلِّ مغرض، ولأنّ الدول المتقدمة في ظاهر الحياة الدنيا قد أخذت قسطاً وافراً من وسائل الترويح، وهي وسائل قد لا تكون مباحة في الشريعة الإسلامية، فإنّ من واجبنا عرض ما يفد منها على ضوابط الشريعة، فما كان منها مقبولاً أخذ به، وما كان محظوراً وأمكن التعديل أو التبديل لزم ذلك، وإلاّ وجب المنع، وفي إسلامنا من الفسح والرخص ما يغني ويقني. وإذا كان الإحقاق والإبطال متعلّقين بالاختلاف المعتبر وجب الميل إلى المحقّقات، ذلك أنّنا في وضع استثنائي، يتطلّب منا المبادرة وتدارك الأمر قبل فواته. ونحن إذ نحفز على المبادرات فإنّنا نجد الأُمّة العربية قد وقعت في التبعيّة، وتحقّق فيها خبر الرسول صلى الله عليه وسلم (لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر)، وكثير من وسائل الترفيه والترويح مجلوب دون وعي بمفاسده، في ظل البدائل الأكثر سلامة والأعم فائدة، والأنسب لناشئة الأُمّة. ولست من الذين يضعون كلّ بيضهم في سلة (الرياضة البدنية) ولا مع المنبتين الموغلين في الدين بدون رفق. وإذا تكون الرياضة البدنية صنو الرياضة الروحية فإنّ في الرياضتين ما هو مطلب إسلامي، وفيهما ما هو مخالف للشرع، ولن ندخل في التفاصيل، والعقل السليم والفطرة النقية تميِّزان بين البر والإثم، ولأهمية الترويح والترفيه: بدنياً وروحياً، يتحتّم القصد وحفظ الجهد والوقت، فالترويح حين يزيد عن الحاجة يتحوّل إلى الترف، والترف ورد ذكره في القرآن الكريم إحدى عشر مرة، كلّها في سياق الذم. وقد يوصف الترويح باللعب، واللعب مباح بضوابطه، وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: (كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما، يوم الفطر ويوم الأضحى). على أنّ المسلم قد يجد الراحة في جدِّ العبادة، والترويح من الراحة، فالجذر واحد، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أرحنا يا بلال بالصلاة)، وقد تكون تسمية (صلاة الترويح) من هذا الملمح، ومن الخطأ الفادح أن يتصوَّر البعض أنّه بالإمكان تحقُّق الراحة في العبادة عند كلِّ الناس. ولهذا يتذمّر البعض من إقامة (المدن الرياضية) أو لا يرى المساعدة على إقامة (الأندية الرياضية) وقد يتصوّر ذلك من الصوارف عن العبادة، والحق أنّها اذا أخذت بحقها، وحفظ بها التوازن أصبح وجودها ضرورياً ومفيداً، وفات المتحفِّظين أنّنا إن لم نتعرّض لشبابنا بمثل هذه المدن، وبمثل هذه الأندية تعرّض لهم غيرنا بما هو أسوأ. وما في الرياضة من بأس، وحاجة الحواضر والأحياء المكتظة بالسكان إلى ساحات وحدائق لممارستها. ولا بد للمعنيين من التوازن بين مطالب الروح والجسد. ولدخول (الفن) كافة في مجال الترويح الروحي، فقد كان للفقهاء مواقفهم المتباينة، وأشدها حساسية الموقف من فن الغناء والرسم والنحت والتصوير والتمثيل والرقص، ودون ذلك الفن القولي، كالإبداع الشعري والسردي، ولا مجال لتقصِّي الضوابط لأنواع الفنون، وإزاء الانفتاح لا يجوز أن نذعن للواقع، ولا أن نجعله حجة، وبخاصة في الفن القولي الذي أفسده أدب الاعتراف وأغوته (الحداثة) وحادت به عن مساره السليم، والفن بكلِّ فنونه إمّا أن يربي الأذواق ويصلحها أو يفسدها، وأنواع الفنون جزء من الترويح. ومما نفقده في مدارسنا تربية المهارات بوصفها جزءاً من الترويح. فأين القاعات والصالات والمعامل والمختبرات والجمعيات؟ وأين اليوم الدراسي؟ أين المكتبة والمرسم؟ اين الإذاعة والمسرح؟ أين الكشافة والرحالة؟ ... كلُّ ذلك قد يكون موجوداً، ولكنه دون المؤمل. على أنّ الرياضة البدنية تُعَدُّ من أهم مفردات الترويح، وأكثرها شيوعاً وتنوُّعاً. والرياضة ممارسة، وليست تشجيعاً، وأنواع، وليست (كرة قدم)، وبالتالي فإنّ الاكتفاء بالنظر، والتشجيع، وتنظيم المسابقات، يُعَدُّ من سلبيات الرياضة. وحين أدركت جهات الاختصاص العدول عن الممارسة إلى المتابعة، طرحت مشروع (الرياضة للجميع) بمعنى أنّها لا تتحقّق فائدتها إلاّ بالممارسة الذاتية. والرياضة التي تميل النفوس إليها تحوّلت إلى إشكالية، وكادت تنحصر في (كرة القدم) ولم يعد هنالك اهتمام مماثل بأنواع أهم: كالسباحة والجري والفروسية والدراجات. والأسوأ من ذلك كلّه أنّ المسؤولين عنها عالمياً يسوُّون بين الرجل والمرأة، ولا يَعِفُّون عن العري والاختلاط والخلوة، وفي هذا مفسدة للأخلاق، وانحراف بالظاهرة عن مسارها المشروع، حتى لقد بدؤوا يلوِّحون بحتمية مشاركة المرأة في (الأولمبيات) مع ما في ذلك من مفاسد لا يقرُّها الإسلام، ولا تقبل بها الدول الملتزمة، وهذا التعنُّت إخلال في سيادة الدول، وتصدير تعسُّفي للحضارة الماجنة، وخلط قسري للحضارات المتناقضة، وممارسة القوة في فرض الإرادة والتمادي في التعنُّت والتعسُّف مؤذن باستفحال الإرهاب والعنف، وإذ لا يكون إكراه في الدين، ولا سيطرة للرسل، فإنّ ما سوى ذلك أولى. وأهم شيء في مفردات الترويح تفادي إزعاج (الرأي العام)، فإذا كان الرأي العام يضيق ذرعاً ببعض الظواهر المختلف حول مشروعيّتها، فإنّ من الحكمة تفادي ذلك، لأنّ (الرأي العام) جُبل على قناعات تشكّلت مع الزمن، لا يجوز تكسيرها بعنف، وليس هناك ما يمنع من التحوُّل المرحلي، وبخاصة إذا كانت القضايا بين الفاضل والمفضول، وليست بين الخطأ والصواب. ولعلّنا تابعنا العبثيات المؤذية حول الاحتراف، والدخول في التحدِّي، والمنافسات غير الشريفة، إذ وصل التحدِّي بالفرقاء إلى أن بلغت قيمة اللاعب أكثر من (أربعين مليون) ريال، وفي ذلك تبذير، وكُفْرٌ بالنعمة، وتصرُّف في مال الله الذي أعطاه لصاحبه بشرطه. وإذ يكون من المتوقّع العقوبة بزوال النعم، فإنّ الخوف أن يكون الزوال عاماً، وليس خاصاً، وفي الذكر الحكيم {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(25) سورة الأنفال. فالعقاب قد يمس الجماعة، إذا جاهر المستخفون بالذنب، ولم يجدوا مَن يأطرهم على الحق، وفي الأثر: (إن فيها عبدك الصالح ...)، ولأنّه لم يتمعّر وجهه لله، فقد بدئ بالعقوبة، ومثل هذه المزايدات الرخيصة توغر نفوساً فقيرة، لا تجد كسرة من الخبز، والإسلام ينهى عن كسر نفوس الفقراء بالمباهات، وإن كان من المشروع أن يظهر أثر النعمة على المنعَم عليه. ولسنا بصدد التقصِّي لمفردات الترويح ومجالاته المحظور منها والمباح وترتيبها في سلّم الأولويات، فالمهم ليس في استيفائها، ولكنه في تفعيلها وضبطها. والترويح يكاد يتربط بالأنشطة المدرسية المتمثّلة بالمراكز الصيفية، في فصل الصيف، وقد يتداخل مع التنشيط السياحي، بحيث يتنازعه النشاط المدرسي وفترات الصيف التي يواجه فيها الشباب فراغاً مملاً، والفراغ حين لا يملأ بالجد أو بالمُتع المباحة يفضي بذويه إلى المفاسد والشاعر يقول:- (إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة) وإذا كانت القنوات الفضائية ودعاة السوء يفسدون الأفكار، فإنّ تجار المخدرات والفن الرخيص يفسدون الأخلاق، والشباب الخليجيون بالذات مستهدَفون، لسعة ذات اليد عندهم، ولتمكُّنهم من الوصول إلى أي مصدر معرفي أو ترفيهي أو ترويحي. ولسنا بحاجة إلى الحديث المفصّل عن التعريف والمفهوم والأهمية والأهداف والشروط والوظائف للنشاط المدرسي الفصلي أو المستمر، فذلك كلّه مبسوط في الكتب التربوية، وأهم شيء في هذا المجال التخطيط، والتنظيم، ووضع الأساليب المجدية، وتوزيع المسؤوليات والمهمّات، والانفتاح الواثق على كلِّ جديد، وتهيئة الصالات والميادين والمباني المناسبة المفتوحة طوال اليوم، وعدم الحساسية وسوء الظن. إنّنا في سباق مع الجريمة، وفي سباق مع الرذيلة، وما لم نسيِّج أجواءنا ونمتلك الآلية والمهارة، سبقنا الشر إلى المواقع الحساسة. ولتحقيق التفوُّق لا بد من اختيار الكفاءات للتخطيط والابتكار والإشراف والمتابعة. ولست مع الذين يتصوَّرون أنّ الترويح لا يتحقق إلاّ بالرياضية البدنية، ولا مع الذين يقصرونه على الرياضة الحديثة كالملاكمة والمصارعة و(الجمباز) وحمل الأثقال وسائر مفردات الرياضة العضلية، إنّ الترويح في توفير متطلَّبات الهوايات كافة، والطلبة يختلفون في هواياتهم، فقد تكون (الورشة) و(الكمبيوتر) و(المرسم) و(التمثيل) مجالات رحبة للترويح. والإشكالية أنّ المدارس قد عوّلت على الرياضة وحدها، وصرفت نظرها عن النشاط الثقافي والعلمي والفني والاجتماعي، وإن أقامت لذلك بعض الوزن إلاّ أنّه وزن دون المؤمل، ولو وازنّا بين هذه الأنواع لوجدناها كلّها مجتمعة لا تساوي النشاط الرياضي، وتلك ظاهرة عامة تعاني منها وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي. والتربية الفنية وإن كان لها نصيب وافر، إلاّ أنّها ليست أهم من التربية الثقافية المغيّبة بإزاء التربية الرياضية والفنية.والنشاط الثقافي بوصفه من مفردات الترويح لا يقتصر على الكتابة والقراءة والكتاب والمكتبة، وإنّما يمتد الى الإذاعة، والتعويد على إعداد البرامج والإلقاء والتمثيل وإعداد المسرحيات، ومعرفة متطلَّبات التمثيل والإخراج وغيرها، والمحاضرات والندوات والصحف والمجلات، والتعويد على الإلقاء والإنشاد والحوار والرسم والخط والإملاء. وفوق كلّ ذلك المكتبة والكمبيوتر وطرائق البحث في المعاجم والموسوعات وتحضير المعلومات في أسرع وقت وأقل جهد، وأنواع القراءة والنقد والتلخيص والتحقيق .. كلُّ ذلك يمكن أن يتحوّل من جهد مضنٍ إلى ترويح. فالقراءة عند البعض تُعَدُّ فترة للراحة والترويح، ولا يكون ذلك إلاّ بعد التعويد وغرس الهواية في النفوس في وقت مبكر، لقد أدى الاهتمام بالرياضة البدنية إلى تقليص الرياضة الروحية وتنمية المواهب. ومما لا يمكن إنكاره أنّ الطلبة أحوج ما يكونون إلى صقل مهاراتهم، ولقد أدركت الدولة ضعف الشباب في الحوار، وعدم قدرتهم على التعبير عن وجهات نظرهم، ومن ثم أنشأت (مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني)، وإشكالية الناشئة إنّهم لم يعوّدوا على الحوار داخل الفصول، ولا على الحديث المرتجل عبر الإذاعة المدرسية، ولا الكتابة في الصحف المدرسية، وليس هناك ما يمنع من تكثيف البرامج الثقافية، وجعلها من مفردات الترويج والترفيه، ذلك أنّ زرع الهوايات الحميدة تجعل القراءة والكتابة ترويحاً. والترويح في ظل الظروف القائمة أصبح مهماً للغاية، ولا بد من إعادة صياغته، والنفاذ به إلى المنزل، وتذكير الآباء، والأمهات بأهميته، ولا بد من العمل على أسلمة الترويح، وتشذيب أي مفردة مستوردة، ولا بد أن يقتنع المجتمع أنّ الترويح والترفيه واللهو واللعب نافذة بقوة الوسائل والإمكانيات، فإن اعتمدنا المنع والتخويف والتقوقع على الذات، فوّتنا على أنفسنا فرص المبادرة، ونحن الأقدر على طرح مشروعنا الترويحي لحماية شباب الأُمّة، وكيف لا نبادر والذِّكر الحكيم يحثُّنا على تدارك نصيبنا من الحياة الدنيا، ويتساءل مستنكراً على من حرم زينة الله التي أخرج لعباده. وخلاصة القول إنّ الترويح رافد من روافد التربية السليمة، وسبيل قاصد لتحقيق مقاصدها، وليس أضر على الأُمّة من جد ضاغط أو فراغ قاتل، فالضغط يفضي إلى الانفلات، والفراغ يؤدي على الفساد، والدولة الواعية لمهمّتها تضع قضايا الشباب في أولويات اهتماماتها، ولن يتحقق الخلوص من المعوقات إلاّ بملء الفراغ بالمفيد، ومتى أحس المسؤول بأنّ الوقت لا بد أن يمتلئ بما يحقِّق الأهداف، فإنّه إن لم يمتلئ اختياراً امتلأ اضطراراً، وبين الاختيار والاضطرار تكمن الإشكاليات العصيّة الحل، فلنبادر إلى امتصاص فائض الجهد والوقت بما يعود على الأولويات بالإيجابيات.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#2 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
كن وديعاً أبا وديع
(قول في عموم الدلالة..!) د.حسن بن فهد الهويمل همي أبداً منصب على استثمار الوقوعات العارضة والتقاط نثارها، وإن لم تكن بذاتها على جانب من الأهمية، إذ هي بعض تجارب الحياة، وما الحياة إلا كالأودية المفعمة من قطرات المطر. والوقوعات وإن صغرت في أعين الخليين إن هي إلا لبنات في بناء الحياة. وما فعلت ذلك إلا لتأسيس حوار حضاري، يأخذ العفو، ويُعرض عن الجاهلين. فما عدنا بعد هذا العمر الطويل والتجارب العميقة نحفل بالتناجي المقصي والمصادر لحق الشريك في القول والفعل. وليس من المفيد أن نمر بمشاهد القول، وكأننا لم نسمع ولم تقل. وإذ يكون الاختلاف حتماً مقضياً، فإنه قدر الواقع المأزوم، وواجبنا توجيهه قِبَل الإشراقات المعرفية. ومن توهم حسم الاختلاف، تصيده الوهم فيمن تصيدا. ولما لم يكن بد منه فإن من الحكمة ترويض النفس على معايشته. وشيوع الاختلاف ملمح إيجابي، متى ضبط إيقاعه، واستقامت أوضاعه. ولكن أن يشيع في ظله التفحش، ويستفحل الاتهام، وأن يحيد الجدل عن القول المعروف، فأمر مع توقعه مرتعه وخيم. والناس فيما يتصورون مذاهب، والعدول بهم عما يشتهون مغامرة محفوفة بالمتاعب، ولكنها من فروض الكفايات. وتصعيد الفعل ورده إلى حد العنف سجية لا يتخذ سبيلها إلا المستجدون على المشهد النقدي، ممن لا يعرفون أنه ما من عالم، أو أديب، أو ناقد إلا هو راد أو مردود عليه، إلا من لا ينطق عن الهوى، ومن ألَّف فقد استهدف. والذين لا يروضون أنفسهم على احتمال الخلاف غير المبرر ومعايشة ذويه صوتاً وصورة تضوى أجسامهم من المفاجآت الغريبة والملاحاة العنيفة. هذا الاستهلال مقدمة يراعى فيها عموم الدلالة لا خصوص السبب. والخلاف الأعنف بين أبي وديع/ عبدالفتاح أبي مدين، والأستاذة فائزة الحربي حول مصدرية محاضرته عن (البرقوقي وبيانه) خلاف مشروع، لو كان قول الطرفين لبعضهم حسناً. ف(الكاتبة) تُدِلُّ برسالتها الأكاديمية التي أشاعتها بين الناس، وتفاخر بجهدها الذي طاف بها آفاق المعمورة، و(كل فتاة بأبيها معجبة) و(أبو وديع) يُدِلّ باقتداره وماضيه، وما تركه خلف ظهره من منجزات على مدى نصف قرن ونيف. وفات الطرفين مشروعية تعويل اللاحق على السابق. وبهذا فليس عيباً أن يستمد الدارس بعض ما يحتاج إليه، مما هو مطروح في الطريق، ومبثوث في المراجع. بل أكاد أقطع بأنه لا يوجد نص بريء، وما (الأسد) في النهاية إلا مجموعة من الخراف المهضومة. والمشهد النقدي في مختلف العصور ينوس بالمصطلحات المتعلقة بالتعالق والتناص والتوارد والسرقات، وقد فصل القول فيها (ابن رشيق) في الأقدمين و(أحمد مطلوب) في اللاحقين. وفي العصر الحديث ظهر مصطلح (التناص) الذي شاع في أعقاب استفحال المناهج اللغوية، وأحسب أن وعيه يحسم الخلاف، ويهون مصائب الاتهامات التي يتراشق بها الكتاب، وإن كان مجال (التناص) الإبداع، إلا أنه قد يمتد إلى الدراسات؛ فالأفكار والنتائج التي يتوصل إليها السلف، قد تمتد إلى الخلف من حيث لم يحتسبوا. ومجال (التناص) إذاً في الشعرية والأدبية والنتائج، أما النقل الحرفي فيحال إلى (المصادر والمراجع) ولا يكون من باب (التناص). وفصل ما بين السطو والنقل المشروع تحسمه الإحالة إلى المرجع أو المصدر. وما عيب ناقل من ناقل إذا روعيت ضوابط النقل، ومهما حاول الخلف إخفاء نكهة السلف فإنها بادية لذوي الاختصاص. وكم قرأت من كتب، ونسيت أنني قرأتها، فإذا اندلق لعاب القلم على الورق، قلت بعض ما قالته، حتى يظن القارئ أنه هو، فالذاكرة المتوقدة مع صاحبها كما عفريت (سليمان) يأتي بالمقروء قبل ارتداد الطرف. والدارسة الشاكية ظلم ذوي القربى، ربما أنها أحست بذاتها تتمطى بين سطور (أبي وديع)، غير أنها لم تقتصد في التعبير عن رؤية ذاتها. وأستاذ بحجم (أبي وديع) ووزنه لم يحتمل الاتهام المباشر بهذا القدر، وبخاصة حين أشارت إلى الصعود على أكتاف الآخرين. وكان يتوقع منه حين أسرفت في اللوم ألا يسرف في الرد؛ إذ خير من المجاراة في التنابز أن يرشدها، وأن يلتمس لقولها محملاً حسناً، أو أن يصرف النظر عن تساؤلاتها واستدراكاتها، فما عيب صامت، وقد يكون السكوت جواباً وخطاباً، وما أجدره بلزوم الصمت إن لم يجد إلا هذا الرد الكاسح، ومكمن عتبي عليه أنه أخذ بمبدأ: (من اعتدى عليكم...) ولم يرق له العفو والصفح. ومثل هذه الفلتات جعلتني أضيق ذرعاً بمشهدنا النقدي الذي لما يشب عن الطوق، وكم سئمت الانصراف عن القضايا والاشتغال بالأشخاص: مصادرة وتهوينا. وواجب كل الأطراف المتنازعين حول قضايا الفكر والأدب أن يترافعوا أمام المتلقي حول تلك القضايا، وأن يدلوا بحججهم إلى القراء الذين يفرقون بين الدعوى الصادقة والادعاء الكاذب. ويتحقق ذلك حين يبدي المدعي رؤيته بموضوعية، ويرد المدعى عليه بموضوعية أيضاً. والمتلقي كما القاضي يفصل بين المتخاصمين، إذ لا تجوز الأثرة، بحيث يكون الراد هو الخصم والحكم، وفي النهاية فالحق أبلج، وما ضاع حق وراءه مطالب. و(الدارسة) بعد أن فاقت من هول الصدمة، وتمالكت أعصابها قالت: (هذا غير معقول يا أبا مدين) (الجزيرة 23 - 9 - 1426هـ). واستهلالها ومبتغاها معقولان، ولكنها فيما أرى ارتبكت حين تصورت فداحة السطو على جهودها، و(بنات الأفكار كالبنات الأبكار) ولكن (الحق قد يعتريه سوء تعبير)، ولقد عجبت من فعل عنيف ورد فعل أعنف. ولو كنت مجاملاً أو متقيا تقاة أو مداهنا، لفعلت ذلك مع رجل أخذ بيدي حين تعذرني الناس، وذلك يوم أن فتح لي صفحات جريدته قبل نصف قرن، ولما أزل معه في زمالة وصداقة تنمو مع الزمن. وما كان بودي استفحال الخلاف اللجوج، فالمعارك الأدبية كما الحرائق من مستصغر الشرر، ولست ضدها إذا أخذت بحقها، ولكنني ضد حيدتها إلى ما لا يحتمله الموقف، وبوادر الخلاف بين الطرفين تنذر بالحيدة. ولما يزل مشهدنا رهين المحبسين: البغي وسوء الظن. حتى لقد كاد ينفض سامر عقلائه، بحيث لم يبق به إلا من لا يؤبه به، وإذا كان رواد الحركة النقدية يؤزون الخلاف، فمن ذا الذي يقيل العثرات. ولربما تضيع المعارف تحت غبش الانفعالات الآنية، والقبول بها تحت أي ظرف شرعنة وإلف. ولقد حَمِد المشرِّع امتلاك النفس عند الغضب. وتجاوُز (أبي وديع) الغاضب إلى الرسائل العلمية وأصحابها، كما صنيعة الأعراب في (العرِّ) الذي يكوى غيره وهو راتع، وهذا التجاوز دليل احتقان لا مبرر له. وكم ضقت ذرعاً بمثل هذه الاستدعاءات التي يعمد إليها غير المؤهلين، وبخاصة الكبار بإمكانياتهم لا بمؤهلاتهم، وتلك صيرورة لا يقتضيها المقام. فالكاتبة لم تمس (أبا وديع) لأنه غير مؤهل أكاديمياً، وما كان من حق أحد أن يجعل العصر عصر بطاقات لا عصر كفاءات. وإذ تكون طائفة من حملة المؤهلات العلمية دون المستوى، فإن ذلك محكوم بقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. كما أنها لم تدل بشهادتها، ولم تعب خصمها في شيء من ذلك، وليست دون مؤهلها لتعاب. واستدعاء (أبي وديع) لذوي التخصصات الذين حملوا ما لم يحتملوا مدعاة لتوسيع رقعة المشكلة. ومثل هذا الاستدعاء غير المبرر يعد من لي عنق القضايا، والخروج بها طوعاً أو كرهاً عن مسارها، وتلك بعض إشكالية مشاهدنا الثقافية. ولما كنت ابن بجدة النقد - ممارسة على الأقل - فقد عانيت من فلتات ألسنة شطت بالقضايا عن مدارجها، وطوال أربعة عقود، كنت فيها عرضة لتقويلي ما لم أقل، وكم قلت، وأعدت القول: (اقرؤوا ما تحت السطور، ولكن لا تنطقوني بما لم أنطق)، وقد يكون لعنف (أبي مدين) ما يبرره، فأنا أعرف جيداً أن ناقداً وأديباً بمكانته، لا يمكن أن يركن إلى النقل الحرفي، ولا أن يتخفف بمرجع واحد، حتى ولم كانت لا تكدره الدلاء، وهو بثقافته وممارسته أكبر من أن يتحسس من ذوي المؤهلات، وأكبر من أن يعول على جهد، ثم يتكتم عليه. وهذا الثناء، وتلك التزكية لا تصادر حق (الدارسة) في التساؤل. وحتى لو استرفد منها أو من غيرها فالأمر جد يسير. ذلك أنه في محاضرته يعول على (المنهج التكويني) = التاريخي، والتكوينية هنا تعني مكونات النص، وهذا المنهج نقلي، يتقرى الوقائع والأحداث، ولو اعتمد في محاضرته على غير هذا المنهج فإن ذلك لا يمنع من التداعي، فالكاتب في النهاية محصلة مقروئه، والدارسون والنقاد لا ينطلقون من فراغ، بل هم ك(النحلة) تمتص نسع الأزهار، وبقدر التنوع والكثرة تكون الجودة. وكيف يدعي النقاء دارس أو كاتب، والرسالات السماوية تأتي لتتم مكارم الأخلاق. وحديث (أبي وديع) عن البرقوقي وبيانه الذي استعرضته على عجل ممتع وشيق، وكيف لا وهو سليل عصر (الرافعي) و(الزيات) و(البرقوقي) و(طه حسين) حتى لقد قيل عنه بأنه (طحسني)؛ لوجود شبه بين الأسلوبين المتسمين بالسهولة الممتعة والممتنعة. وهو فيما يكتب كأستاذه العميد العنيد، يغيب النصوص التي قرأها من قبل، ولكنها تُظهر أعناقها، وتشي بنفسها. وكم أعاني من مثل تلك الوشاية في بعض ما أكتب، فإذا عزمت على كتابة بحث أو مقال، أحسست بتداعيات كأنها (الدُّر) المتدفق، وما يخلص منها إلى شبات القلم يكون ك(بنت الدهر) مع (المتنبي) الذي تساءل مستغرباً وصولها إليه: (فكيف خلصت أنت من الزحام). وكم أخشى أن يقع الحافر على الحافر، فأقع تحت طائلة (الأشباه والنظائر). ولقد مس الشعراء الأوائل والأواخر طائف من هذا التعقب، ف(الخالديان) لم يسلم منهما شاعر. ونقاد المشاهير من الشعراء ك(أبي نواس) و(أبي تمام) و(المتنبي) الناقمون والموضوعيون نقبوا في شعرهم، وكادوا يردون كل بيت إلى شاعر قديم وبخاصة مع (المتنبي)، والمهتمون بالسرقات الأدبية أصابوا بأقلامهم أبرياء، حتى لقد أصبحت (السرقة) ظاهرة من ظواهر النقد، درست بوصفها أهم الظواهر النقدية في كتب مستقلة عند (مصطفى هدارة) و(بدوي طبانة) وألف فيها من قبل تطبيقاً (مهلهل العبدي) و(العميدي) و(ابن وكيع) و(الحاتمي) و(البديعي) و(الخالديان)، وشققها البلاغيون، لتكون دركات، ولما تزل الاتهامات المتلاحقة على أشدها. ولقد وُوُجه الشعراء ببعض ما احتملوا، مع أنهم أقدر وأغنى من أن تعدو عيونهم إلى جهد من دونهم، وإن سطا بعضهم بالقوة على شوارد الأبيات، كما فعل (الفرزدق). ومثلما اتهم الشعراء العمالقة، فقد اتهم الكتاب الأقدمون، ف(الجاحظ) اتهم باعتماده على مترجمات (أرسطو) وعيب على تكتمه في البيان والتبيين، كما اتهم الكتاب المعاصرون بسرقة الأفكار والمناهج، وهذا (طه حسين) مَثَلُ السوءِ في هذا يتهم بالسطو على جهد المستشرق (مرجليوث) و(جب)، وتؤلف الكتب لرد دعوى الانتحال، وهذا (محمد محمود شاكر) يتهم أستاذه الذي اضطره إلى قطع دراسته بسرقته، ويصف كتاب (طه حسين) (مع المتنبي) بأنه نسخ موضوعي لكتابه عنه. وهذا (نجيب محمد البهبيتي) الناقم على أستاذه (طه حسين) يشايل من سبق ومن لحق، وهذا (مصطفى هدارة) يتهم (إحسان عباس) و(محمد شعيب) و(أحمد مطلوب) بالنقل من كتابه عن السرقات دون الإشارة إليه. كما أن الصديقين اللدودين (أحمد أمين) و(طه حسين) يشيع كل واحد منهما عن صاحبه ما سربه طلابهم فيما بعد، وكأن كل واحد منهم لم يقدم إلا ما سرق. والمتعقب لظاهرة السرقات، يجدها تمس الكبار والصغار. ولمشهدنا الأدبي النصيب الأوفى، وبخاصة ما تمخض عن صراع (الحداثة) و(التجديد)، وكم أتمنى لو درست هذه الظاهرة وقومت، فليس كل اتهام كاذب أو مبالغ فيه. وعلى الرغم من كل ما سلف فإن الأستاذة (فائزة الحربي) من حقها أن تسأل، وأن تذكر بنفسها وبجهدها، وأن تعتب على أستاذ بحجم (أبي مدين) لم يذكرها عند القراء، وأخشى أن يكون (أبو وديع) كصاحب (يوسف) الذي ظنه ناج منهما فقال له: {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ}. و(الأصمعي) وهو يجوب قفار (نجد) يبحث عن شوارد اللغة أفاده أعرابي يرعى غنمه بكلمة أو حكمة أو بيت، ولما رآه يكتب ما سمع قال له: اذكرني في كتابك. ولكن واجب التساؤل أن يكون بأسلوب لا يؤدي إلى الاتهام الصريح والإثارة العنيفة، و(أبومدين) عليه أن يتقبل عتبها بقبول حسن، وأن يصرفها إلى الحق بعطف أبوي، ولاسيما أنها تدعي إهداءه نسخة من الرسالة، والأستاذ لا يقر لها بذلك، ويدعي أنه أنجز بحثه قبل طبع رسالتها، وقد يكون واهماً أو ناسياً، وبخاصة أنه يتلقى كل يوم إهداء، ويستعرض كل ساعة كتاباً. وأذكر في هذا السياق زميلاً لا يرقى الشك إلى اقتداره واستغنائه، وجد بين أوراقه بحثاً أعطاه إياه طالب من طلابه، فظنه بعد طول مكث بين أوراقه أنه له، فبعث به إلى النشر، ولما نشر قامت الدنيا ولم تقعد، وأصر الأستاذ الواهم أنه له، ولم يذعن لدعوى الطالب، ولم يتذكر، ولج الطالب ومن وقف وراءه في عتو ونفور، والبحث برمته لا يقدم ولا يؤخر، ولكن الحق أحق أن يتبع، ولو أن الأستاذ اعترف بالخطأ مذكراً بما ترك خلفه من كتب ودراسات ومقالات ومحاضرات لتقبل الناس اعتذاره وصدقوه. و(الدارسة) في ردها الأخير على (أبي مدين) توخت الموضوعية، وساقت طائفة من النتائج التي توصلت إليها في رسالتها، والتي وافقها فيها (أبومدين) ومع قوة الحجة، فإن ذلك كله لا يرقى إلى اليقين، ذلك أن بحث (أبي مدين) مزيج من الخواطر والانطباعات وشيء من تأريخ قليل، وقد يكون استمد لحمته من معهودات قرائية سلفت، وكما قلت فهو يعتمد (النقد التكويني). والمسألة في النهاية محسومة، لو كانت على ما يدعي أحد المتخاصمين. ف(الدارسة) أمام مقالات أفضى بها الكاتب إلى الناس، وأصبحت جزءاً من التاريخ الأدبي، وتحت يدها رسالتها، وعليها أن تفكك النص كلمة كلمة، وجملة جملة، وعبارة عبارة، وأن تضع شبات قلمها على مفاصل القضية، والناس شهود الله في الأرض، ولقد فعلت بعض ما يجب في مقالها الأخير، وليس (أبووديع) أول من اتهم، وليست أول من أقام الدعوى. وعليها بعد هذه الزوبعة المغبرة أن تنظر في مدى اعتماده على جهدها، ومشروعية هذا الاعتماد، ولكن عليها مع هذا أن تعرف أن الذي هداها إلى المراجع والمصادر قادر على أن يهدي ناقداً مثل (أبي مدين) ولاسيما أنه ربيب الأدب المصري، وأنه ربما كتب ما كتب من هذا المعهود الذهني الذي يختزنه، ولو لزم أن أكتب عن ظاهرة أو قضية فسيكون لمعهودي الذهني قصب السبق، وكم من كاتب ترك السرى خلف المراجع وراء ظهره، وأعطى قارئه من مخزونه فيوض علم غزير. وتعاطفي مع الدارسة، وإشفاقي عليها من تلك الغضبة المضرية، لا يحولان دون رغبتي في أن تعود إلى نفسها، وأن تنظر فيما إذا كانت قد تجاوزت حدود ما يجب بحق أستاذ بسن جدها، عركته الحياة، حتى لم تدع في جسمه موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة، كما أود من (أبي وديع) أن يكون وديعاً، فما عاد الزمن كما هو في عصر (الأمواج والأثباج). وما فَعَلْتُ ما فعلت إلا لفك الاشتباك، وترشيد المشهد النقدي، ولقد تحاميت الحكم في القضية، فأنا شاهد لم ير شيئاً. ويبقى الود ما بقي العتاب، ويبقى العود ما بقي اللحاء.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#3 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
كل الناس يغدو..! (1-2)
د. حسن بن فهد الهويمل ليس الغدو المستدعي للاعتناق أو للإيباق خاصاً بالأفراد وحسب، إنه لهم وللمؤسسات وللدول، ولكل مكلف يكشف عن ساق، ليقول أو ليفعل، كلٌ على حسبه وفي موقعه، وبقدر اتساع مجال الغدو، تتسع تبعاته، وتنداح فداحة موبقاته. والذين يقرؤون كلماتي - على قلتهم، يدركون أنها تدور حيث تدور العلل الأربع. - اللعبة واللاعب. - وإشكالية المفاهيم. - والتأصيل والتحرير للمعارف والمسائل. - وخيانة المبادئ. وتلك بعض عثرات الغدو والرواح: المعْتقة أو الموبقة، والعالم الثالثي: النامي أو المتخلف حقل ممرعٌ لكل اللعب: الكونية والإقليمية ولإرهاصاتها، ولسائر عمليات التضليل الإعلامي، والتجريب: الحسي والمعنوي ما ظهر منها وما بطن. حتى يكاد غدوه يكون موبقا ليس إلا، وما كانت صراعات مفكري هذا العالم المتخطف نخبه من كل جانب إلا بسبب: اضطراب المفاهيم، وجريان اللعب فيه مجري الدم، والعجز أو التقصير في تحرير المسائل وتأصيل المعارف، والقول دون الفعل، والوقوع تحت طائلة التسطح والابتسار، والتقحم لعويص المسائل بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. وكلما حاولت الانفلات من سلطان (اللعبة) أو (المفهوم) أو (التأصيل) أو (التحرير) و(الادعاء) شدتني أمراسُ كتانها إلى (حليمة) وعادتها القديمة، وارتباطي المأزوم بتلك العوائق يسترفد إصراره غير المستكبر مما تقترفه خطابات فردية مختلطة في ظل غياب الخطاب المؤسساتي، ومما يقترفه كتبة يستعجلون بالسيئة قبل الحسنة، ويستجدون معلوماتهم مما هو دولة بين وسائل الإعلام الموجه، وما كانوا يعلمون أنها تميل مع الريح حيث مالت وكأنهم مراوح الطاقة الهوائية، والتعويل على المتداول في المشاهد، يذكر بالطواف الصعلوكي-: (طاف يبغي نجوة من هلاك فهلك) أو ب (الطّوّافات) التي تأكل من خشاش الأرض. والمتسكعون في مطارح الإعلام المضلل كما ديَكة المزابل، يتيممون الخبيث منه يأكلون، ويرضون من الثقافة بالمسموع، وهي ثقافة غير موثقة، وغير معمقة، وغير بريئة، ولكنها بقوة الصناعة التقليدية المغرقة للسوق والطاردة للصناعة الأصلية، والناشئة التي قطعت صلتها بالتراث، وخفَّت إلى الحضارة المهيمنة لا تجد حرجاً من أن تجادل في الثوابت بالباطل، لتدحض به الحق. ومن خلال متابعتي للمقول والمكتوب حول القضايا الساخنة كافة في مشاهد أمتنا المهيضة الجناح من ظواهر ومصطلحات ووقوعات ونوازل، وبخاصة ما يتعلق منها بالمستجدات، أدركت أن المصطلحات المهيمنة - منقولة كانت أو معربة أو مترجمة - يفهمها بعض المتنفذين فهماً سوقياً متسطحاً لا معرفياً متعمقاً، وحق المتلقي على من يرودون له ويحفظون ساقته أن يتزودوا من المعارف وأن يتضلعوا من العلوم، وأن يتخطوا به إلى المعاجم والموسوعات والدراسات الموثقة، وأن ينظروا إلى المستجد في مجال التطبيق، ليتعرفوا على الأشباه والنظائر في عقر دارها، ويستوعبوها كما أنشأها أصحابها، لا كما تصورها المتلقون الذين شبِّه لهم. ومن المؤذي أن يجد مثقف السماع من يتلقاه بالأحضان، ومن يأخذ مقولاته، وكأنها قضايا مسلمة، لا معقب لحكمها، على سنن الطاعة العمياء، التي تحتم التنفيذ الفوري، ثم المراجعة على استحياء وتردد. والمصرون على قناعاتهم الفجة المرتجلة، لا يدرون ما المصطلحات ولا اللعب، ولا يعرفون أن قولهم عن الظواهر والمذاهب والتيارات والنوازل قول أقرب إلى العامية منه إلى العلمية، تخطفوه من رسيس الإعلام لا من بحار المعرفة، (ومن قصد البحر استقل السواقيا)، وفوق ذلك فهم يقولون ما لا يفعلون على شاكلة الإسلام الفكري، والغدو مع أولئك أو إليهم من الموبقات، وكان حقاً على كل مستبرئ لعرضه ودينه أن يتبين وأن يتثبت، فخفة العياب خير من امتلائها بالمضلات، والأكل من خشاش الحضارات تضوى به الحضارة المتلقية، والآبقون من حضارتهم والموبقون للسماعين لهم، لا يزيد جهدهم عن تسخين مكرر لما غب من طبيخ الاستشراق، واجترار ممل للمتداول بين وسائل الإعلام الموجه لغسيل الأدمغة. ولك أن تتصور كيف يفهم بعضهم المصطلحات المستوطنة كما الأوبئة، وكيف يغالطون أو يدلسون في المتقضيات، وكيف يتعاملون مع المتحفظين على المضمرات من تلك المقتضيات، وكيف غلبوا على أمرهم، وأوحي إليهم أن (الليبرالية) و(الديموقراطية) الشائعتان على كل لسان لا تعنيان إلا (الحرية) وحسب، وأن القبول بهما من متطلبات المجتمع المدني، وأنهما كما استبدال الكهرباء بالسرج، وأن عثرات النظم السياسية في الدول النامية لا يقيلها إلا ما أقال عثرات عصور محاكم التفتيش وصكوك الغفران، وأن سائر المستجدات وسائل ووسائط وأطر، وليست أفكاراً ولا مناهج ولا مبادئ، هذا التصور الناقص يقبل من الدهماء، ويستغرب من قادة الفكر. ولأن المَلَكة والثقة والعقل معطلة فإن ما قيل عن (الماركسية) و(الوجودية) يقال عما خلفهما ولا من مدكر. وتداول هذه المفاهيم في الأوساط الثقافية يبدي سوأة الرؤى المستبدة في المشاهد، وليس أضر على الأمة من ربط المصطلح بمفرده من مفرداته المقبولة، أو التعليل الخاطئ على حد {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، والكتب الميسرة التي تقدم مبادئ ومداخل للمتداول من الأفكار، تنطوي على مفاهيم أولية، لا يتوفر عليها المتنخوبون، وتلك المعلومات الغائبة أقل ما يجب التوفر عليها. ف (الحرية) مفردة من مفردات المصطلحين الآنفي الذكر، كما أن (التجديد) مفردة من مفردات (الحداثة) الفكرية المنحرفة، وبعض مشمولات تلك المصطلحات تشكل قاسماً مشتركاً مع مصطلحات حضارة الانتماء، ولكل مفردة حد وشرط، وفات المخادعين بطُعم الحرية أن لتلك المصطلحات مقتضيات ومفردات مناهضة ومناقضة لحضارة الانتماء وفكرها السياسي ومقاصدها الأدبية، وأن سائر اللعب تختفي وراء الأصباغ التي تستدرج الموبقين من حيث لا يعلمون، وتصيب الذين يلحقون بهم. وإذ يفتقر العالم الثالث إلى مزيد من الحرية، وإلى مزيد من الإصلاح الجذري لأنظمة الحكم، وإلى مزيد من المؤسسات الفاعلة المفعَّلة، وإلى تمثل واعٍ للمقول، فإن المنقذ له أن يصوغ أنظمته على ضوء مقتضيات حضارته المتسعة لكل متطلبات المجتمع المدني السوي، ورفض المصطلح لا يعني رفض إيجابياته، ولا يعني التسليم المطلق للأوضاع القائمة، ولا يعني تجاهل المنجز الغربي والاستخفاف به، والقول بشيء من ذلك إجهاض للمصداقية. وإذا كان الفكر السياسي الإسلامي منقذاً كما (الديموقراطية) لذويها، فإن الإسلام أحق أن يتبع، فنحن كهم نحتاج إلى حياة كريمة، ولكننا نرجو من الله ما لا يرجون، والعالم الثالث حين يكون في حاجة ماسة وفورية إلى الإصلاح الشامل والجذري والفوري فإن الإحلال على طريقة لعبة المكعبات لا يعد من الإصلاح في شيء، والاستيراد للأنظمة والأفكار لا يكون كما الاستيراد للأجهزة والمعدات، والخلط بين الحضارة والمدنية كالخلط بين الوسائل والغايات، والمجربون والراصدون لا يجدون بداً من المرحلية، وتهيئة الأذهان للقبول والتفاعل، فالشعارات الجوفاء زاد رديء للاستهلاك الإعلامي، والمتغنون بمثل هذه المصطلحات المغرية، أشد الناس عداوة وإجهاضاً لمضمراتها. وكلما قال المنذرون قولاً لينا، وطالبوا بتهيئة الأجواء النفسية والاجتماعية والسلوكية المناسبة للمستجدات النكرات، بادرهم الموبقون بحتمية الحرية والتجديد، وما دورا أن أخذ الحذر عبر المساءلة والمكاشفة لا يعني نفي المشترك. وهل يتصور عاقل إمكانية رفض العدل والحرية والمساواة والتجديد؟، وهل يدور بخلد إنسان سوي قبول الظلم والاستبداد والتخلف والعبودية، هذا الاضطراب المخل في المفاهيم، يقف بالمفكر والعالم والسياسي على مفترق الطرق وبنيات الطريق؛ ليحسم أمره، ويعتق نفسه من رق الجهل وعبودية الهوى. ولن تبدو بوادر النجاة إلا بتصحيح المفاهيم أولاً، وتنقية الأجواء من غبش الضلالات ثانياً، وتحرير المصطلحات الشائعة بكل تراكماتها، وفرز اللعب عن المبادرات، ومعرفة اللاعبين الماكرين، وما غدوت في أهل الجدل الفكري أو السياسي أو الأدبي إلا وجدت المغالطات الموبقة. ولو أن مدعي الإعتاق في المشاهد الثقافية والإعلامية والفكرية عرفوا تلك المصطلحات على وجهها، لما حصل تنازع، ولا قامت عداوات - بهذا الحجم على الأقل -، وإلا فالاختلاف إكسير الحياة، ولا يحقق الثراء المعرفي إلا القبول بالرأي الآخر بشرطه، ولما أزل أقول: إن اضطراب مفهوم المصطلحات مصدر كل الإخفاقات، وإن تفخيخ اللعب من المكر السيئ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، ومتى لم نأخذ بأسباب النجاة من قوة رادعة، وسياسة محكمة، وإمكانيات مغنية، وعزم على مناصرة الحق ومراجعة النفس، تجرعنا مرارات الكيد، وما على المستهدف بالمكر والكيد إلا التحرف للخلوص من الموبقات، و{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} «سورة الحج 40». وكل الغادين والرائحين يتغنون بالمستجدات والحريات، لا لشيء إلا ليقال وقد قيل، فماذا بعد هذا، وهم - بكل الرهانات الخاسرة - في معزل عن مجال التطبيق، ف (الحداثة الأدبية) وحسب - على سبيل المثال- كما هي في أرض المنشأ، لا تعني التجديد وحده، وإن كان التجديد بعض مقاصدها، وهي فيما سوى الأدب مشروعة ومقبولة، أما في الفكر والأدب والتربية وسائر العلوم الإنسانية فخلق آخر، لا يجوز فيه القبول المطلق ولا الرفض المطلق، ذلك أنها مصطلح تداوله الغربيون، وفق مفاهيم ومقتضيات ليست على وفاق مع قيم الحضارة المتلقية، ولقد دارت شبه وشكوك حول سدنتها واستفاض تواطؤهم بثمن بخس مع قوى البغي والعدوان، وما (الديموقراطية) و(الليبرالية) عن ذلك ببعيد، إذ هما في النهاية مصطلحان سياسيان لا يعنيان (الحرية) وحدها، ولا يعنيان المجالس النيابية والسلطات الثلاث والفصل بينها، وإن تضمناها، والقبول بهما على ما هما عليه عند الغرب المنتج، إقصاء للفكر السياسي الإسلامي وللتجديد الفني واللغوي والدلالي. ودعوى الإفراغ أو التشذيب لتوافق المقتضى الإسلامي تحصيل حاصل، إذاً يجب - والحالة تلك - الاستغناء بمصطلحات الإسلام: السياسية والأدبية والفكرية المتسعة؛ لما وسعته تلك المصطلحات الوافدة، وإذ تتسع (الديموقراطية) لعدد من المؤسسات التشريعية والنيابية والشورية والقضاية والتنفيذية، فإن حضارة الانتماء لا تجد مانعاً من التماثل دون الذوبان أو التسمي والاستبدال. وإذا أخفق العالم الثالث في التطبيق، أو حصلت ممانعة أو تقصير، فإن ذلك يستدعي تصحيح المسار، لا نسف المبادئ، ومثلما نقع في اضطراب المفاهيم، نقع في اضطراب التصورات عن مجمل التدخلات العسكرية و(اللوجستية)، ونقع في الخلط بين الإرهاب والمقاومة. وتفادياً للتذبذب الذي وقع فيه المنافقون، وخشية من الوقوع فيما حذر منه (ابن خلدون) من أن من طبع المغلوب (تقليد الغالب)، ومما تخوف منه (مالك بن نبي) من استفحال (القابلية للاستعمار)، تجب علينا قراءة الظواهر والأحداث بعيون المؤسسات لا بالبصيص الأعشى والعشوائي للأفراد. وهذا الاضطراب في المفاهيم، وتتابع اللعب السياسية المهلكة إن هو إلا ترجمة حرفية للغدوِّ الموبق، وخطورته المتيقنة جعلتني أُبدئ القول وأعيده المرة تلو الأخرى، وكأني ذلك الخطيب البسيط الذي كرر خطبته طوال العام، ولما روجع في ذلك، قال: لو أقلعوا عما أنهى عنه ما كان مني أن أكرر القول، فهل يكون غدونا أفراداً وجماعات لفهم الأشياء والأخذ بأحسنها، أم أنه بيع للثوابت، وهتك للمسلمات، ووقوع في الموبقات. وجملة القول: إن الممانعة المحرمة والاندماج المطلق في عالم القيم، كاليأس من رحمة الله أو الأمن من مكره في (علم الكلام)، وحفظ التوازن مؤذن بالخلاص من الموبقات.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#4 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
كل الناس يغدو..! (2-2)
د. حسن بن فهد الهويمل واستكمالاً لما سبق من تلميحات وتصريحات عن اللعب السياسية الممسك بعضها برقاب بعض، والمتشابهة إلى حد التكرار، وعن اللاعبين الأذكياء، والمنفذين الأغبياء، وعن مجالات اللعب، وأساليبها الذكية، أود أن أتساءل: من الموبق؟ ومن المعتق المنفذ الأجير، أم المتنفذ الخطير؟ إنه تساؤل مشروع. وما ينبئك مثل مجرب أو حاضر للحدث سامع للمختصمين. والمؤمن الواثق بقدرة حضارته على الإدارة والتحكم واستشراف المستقبل والتفاعل الإيجابي يعمل من خلالها، ولا يتلقى نقائضها. ولقد قلت من قبل: - إن مسرح السياسة مصمت، ليست له (كواليس)، فإما أن يظل اللاعب لاعباً، أو يتعرض للتصفية بالتنحية أو بالنحر أو بالانتحار، وذلك حتم عندما تقترب شفرات اللعبة من التجلي، أو حين يذهب كل لاعب بما كسب أو اكتسب، أو عندما يكون الموءود كنيف الأسرار الخطيرة، بحيث تموت بموته ملفات كثيرة، لو أباح بشيء منها لمسَّ العذابُ كل الأطراف. وما أكثر الذين اختفوا من مسرح العرائس، وهم في أوج تألقهم الإعلامي. والذين أغواهم بريق اللعب، وخدعهم اللاعب الخطير بالوعود والأماني، يتهافتون عليها كما الفراش، وكم من لاعب دخل مسرح اللعبة طائعاً مختاراً، وكان بإمكانه ألا يدخله، ولما أراد الخروج منه، لم يكن قد أعد له عدته، فتحول من قائد مهيب إلى مقود خانع أو جثة لا تجد من يواري سوءتها، أو متفلت لجوج تُحكم قيده اللعبة ببطء كما الذباب ولعاب العناكب. وكم من مغرور احتنكته اللعبة، وهو يرقب سراب القيعان ووعد الغرور، الذي لم يصدق منه إلا وعد (بلفور). وشواهد الموبقات ثاوية في المشهد السياسي، يعرفها العالمون ببواطن الأمور، وأبسط التحريات تقف بالمتابع على أطلال وأناسي بلغت ببعضهم الدعاية وصناعة النجوم هام السحب، حتى إذا شارفت المسرحية على فصولها الأخيرة بلغت معها الروح الحلقوم. وما صناعة النجوم وتلميعها إلا جزء من متطلبات اللعب، كي تعشي الشخصيات الزائفة المزيفة عيون الدهماء، وما دروا أنها تعكس النور ولا تشعه، لقد سمعت بأذني ورأيت بعيني متعالماً في إحدى دول الجوار يقول عن أغبى اللاعبين في بيت من بيوت الله: - إن الملائكة تقاتل معه، وحين حصحص الحق لم يدرك السذج فداحة الكارثة، وصدق الله: - {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} (يس:62) ولما كانت اللعب المعشية والمصمة ناتج مطابخ سياسية عريقة فإنها لا تفاجئ النظارة بالمسرحيات دون مقدمات، كما الصدقة بين يدي النجوى، إذا لا بد - والحالة تلك - من صناعة النجوم بالقدر الذي يقربهم إلى قلوب النظارة، ولا بد من صناعة المسرح بحيث لا يضيق عن الأدوار وتزاحم الأضداد. وللاعب المحترف قبل أن يأتي بلعبته يختلق المشاكل التي تمهد لها الطريق، وتستحث قدومها، ولاسيما أن العالم الثالث يقوم على تركيبة سكانية وعرقية وطائفية وقطرية وحدودية قابلة للاشتعال في أي لحظة، والمستبد يتأبط الملفات الساخنة يطوي وينشر منها ما يشاء، تحت سمع الضحية وبصرها، وكأن الوهن والحزن قد بلغا الدرك، فما عاد الضحية يميز بين التمرة والجمرة. وإذ تقوم السياسة على التمثيل والخداع فإن ذلك يتطلب براعة الإعداد ودقة الإخراج وتوفير سائر متطلبات مسرح التمثيل، وما كل غاد إليه معه حذاؤه وسقاؤه. والمضحك، وشر البلية ما يضحك، أن مسرح العرائس يُصنع تحت وهج الشمس، ولكن اللعب تتشابه على الذين لا يفعلون، كما تشابهت بقر بني إسرائيل، ومع فقاعة اللون فإن الدهماء تهتف للأبطال المزيفين. والعالم الجشع المتغطرس تحكمه مصالحه الجائرة، وهو بسبيل تحقيق أكبر قدر منها. وكما أن الإنسان موزع بين التسيير والتخيير، وليس جبرياً ولا قدرياً، فإن الكيانات السياسية الصغيرة كذلك، تملك قدراً من السيادة وحرية الاختيار، ولكن البعض منها لا يحسن استغلال المتاح والممكن، ومن ثم تخضع لتقلبات الطقس وقوانين اللعب، وفي النهاية فإن الكلمة الأخيرة لمن يقدر على إنفاذها، وما أكثر (التيميين) الذين قال فيهم جرير: - (ويُقْضى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يستأمرون وهم شهودُ) (وإنك لو رأيت عبيد تيمٍ وتيماً قلت أيهم العبيدُ) وبعض الكيانات بلغت من الضعف والارتباك والتردد حداً سهل عليها الهوان، وأصبحت لا تتألم من الصفعات والركلات والقعود الذليل كما الطاعم الكاسي: - (مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ ما لِجُرحٍ بمَيِّتٍ إيلامُ) واللعب التي تستدرج الموبقين تعد في النهاية (فتن) لا تصيب الذين غدوا إليها خاصة، وكم من معتزل أو دافع بالتي هي أحسن مسه طائف من عذاباتها، وذيولها أشد خطراً من متونها، وللرسول الناصح صلى الله عليه وسلم لفتات معجزة ففي قوله: - (الفتنة نائمة) دليل على كمونها في أي تجمع إنساني، وليست طارئة عليه. والدخول فيها : - قولاً أو فعلاً يكون في البداية اختياراً، ولكنه في النهاية يبلغ حد الاضطرار. والذين يستعذبون الخوض في المسكوت عنه، ولا يجدون حرجاً من نبش الخلاف، واستمراء السخرية من حضارتهم وإنسانها والتهافت على رموز الآخر متخذينه عدواً وحزناً، كل هؤلاء من أولئك الذين يبيعون أنفسهم فيوبقونها، وبخاصة حين يكون النبش في زمن المتردية والنطيحة والموقوذة. كما أن تصعيد الخلاف حول الثانويات تمهيد لإيقاظ الفتن النائمة والوقوع في رقها، وما أكثر الذين يغدون أحراراً، ويروحون أرقاء، وفي ضجة العويل والانكسارات نقول لكل متضور متألم: - (يداك أوكتا وفوك نفخ). فمن فتح الأبواب، ومهد الطرق، لتدفق الأسلحة، وقيام القواعد، ومن طبَّع وهرول، ومكَّن للآخر من اختراق الأجواء؟ إن تنفذ الآخر يضع يد المتيح في القيد طائعاً مختاراً، ويجعله يبيع نفسه بأبخس الأثمان. وإذ لا يكون بالإمكان الاعتزال فإن الاستعداد قبل المفاجأة بعض التوقي والعتق. والمؤكد أنه ليس بمقدور أي كيان، وبخاصة كيانات العالم الثالث أن يغلق عليه بابه، ولا أن يكسر سيفه، ولا أن يعض على جذع شجرة حتى يأتيه الموت، وإذ يكون الغدو حتماً، فمن الخير سلوك سبيل العتق، وتفادي طريق الإيباق، ومن أراد النجاة اتخذ أسبابها، من استشارة، واستخارة، واستبانة، وأناة، ورفق، واعتزال للشبهات. والزعماء والمفكرون الذين يحتملون ما لا يفهمون وما لا يطيقون يهلكون أنفسهم وأمتهم، والتحدي غير الصمود، والدفع غير الطلب، والقعود غير التوقي، والاهتياج والاتقاء غير المداهنة، ولا يخفى إلا ما لم يقل وما لم يفعل، وفي ظل ثورة الاتصال لا تخفى على الناس خافية، والموبقون يعرفهم الناس بسيماهم، والإفراج عن الوثائق أو تفلت الألسنة فضح على رؤوس ا لأشهاد، وحين يملك البعض القدر الكافي من الحرية واتخاذ القرار المناسب، يُبلى ببعض المستهمين معه على ظهر السفينة، ممن لا يجد بأساً من خرقها باسم حرية التصرف، مفوتاً بخطيئته فرصة النجاة. وهل حروب العقدين الماضيين التي قضت على كل المثمنات والآمال من صناعة الذين يتجرعون مراراتها،؟ أم هي كما القتام تسوقه الرياح ليزكم أنوف الملثمين. إن كل منفذ غبي يمتد أثره السيئ إلى من حوله، وما أكثر الذين يفضلون السلامة، ثم لا يمكنهم سفهاء القوم منها، وصدق الله {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} (الأنفال: 25)، ولما كانت رياح التغيير تهب من كل جانب فإن مبادرتها بالقبول المطلق دون النظر الثاقب والتبصر الحصيف مدعاة لضياع ما في اليد. وتفويت الاستفادة منها حياد سلبي، يحرم الأمة من الفرص التي لا تطرق الأبواب إلا مرة واحدة. وكم من مجازف أضاع ما في يده وإن قل، ولم يظفر ببعض ما في أيدي الناس وإن كثر. وإذ يكون من طبائع الاستبداد إكراه كل طرف ليمسك بشطر من رداء اللعب، أو أن يكون لاعباً رئيساً فيها، فإن من الحكمة ركوب أهون الضررين. وتحامي الضلوع في اللعب الكونية التي تأتي على الحرث والنسل غدو معتق. واللاعبون الذين ضاعوا، وأضاعوا بلادهم، هم أولئك الذين غدوا ليوبقوا أنفسهم ومن تبعهم من المكرهين أو الطائعين، وكم من هالك مهلك زُيِّن له سوء عمله فرآه حسنا. وكم: (يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن) لقد كان بإمكان الموبقين وعشاق الأضواء ألا يكونوا رؤوس الحراب، ولكنهم رضوا بتولي كبر التآمر، وممارسة دور اللاعب الأكبر ظلماً وعدواناً، ومع ذلك لا يكون في أنفسهم حرجاً من مقاتلة من حولهم من الشركاء في الأرض واللغة والدين والهم المشترك. والقابلية تجعل الناشطين في الفتن مجالاً للعب المرهصة واللعب النافذة. يتجلى ذلك في الأحلاف والاتفاقات والاعترافات وعقد الصفقات المؤثرة على المنظومة السياسية، ولقد بادر إليها من شق عصى الجماعة، وعطل الاعتصام بحبل الوفاق، الأمر الذي أفقد المؤسسات الجماعية دورها المنشود. وعلى كل الأحوال فالعالم خلق ليصطرع، ولكل قوم مصلحة بينة أو خفية من هذا الصراع، ومن أولويات مهماته أن يحافظ على أقصى حد منها، وأن يمهد الطريق إليها، أو أن يحققها بأقل الخسائر، ولا ينجي الضعفاء من الغدو الموبق إلا التكتل والاجتماع والاعتزال الإيجابي لكافة اللعب، وتفادي التوطئة لها، والاتقاء المشروع، والدفع بالتي هي أحسن. إن اللجاجة والحماقة والعنتريات في زمن الضعف وقلة الحيلة والهوان مدعاة إلى كسر العظم وحرق الأرض وحز الرقاب، وكل مشعل للحرب سيكون بعض وقودها، وكل مطلق للكلام على عواهنه سيكون تحت مراقبة الأقوياء، ومن المؤذي أن يضطر المحارب إلى التراجع بعد فداحة الخسائر، وقبل تحقيق الأهداف، أو أن يضطر المتعنتر في خطابه إلى التخلي أو الاعتذار، لقد ملّ المستضعفون من الرغاء بعد الصهيل، وضاقوا ذرعاً ب(البراقشيين)، الذين لم يجنوا على أنفسهم وأهلهم وحسب، بل امتدت أذيتهم إلى من يؤثرون السلامة، ويجنحون إلى السلم، لقد انتهى عهد الدكتاتورية والمقابر الجماعية، وإخراج المعارضين من ديارهم ومطاردتهم في الآفاق، انتهت الخطابات الحدية والتحدي والانتفاخ والمغالطات، ولن يصلح هذه الأمة إلا ما صلح به أولها. لقد شهد العالم الثالث ثورات دامية، تحولت فيها الشعوب إلى غنيمة لمن يستيقظ من نومه قبل الفجر، ويمتطي صهوة الدبابة، وعايش أحداثاً جساماً، كان فيها الموقد والوقود، وعندما خبت نارها، رحل اللاعب بالغنائم، وظل الموقد والوقود يتجرع مرارات ذيولها، ولسنا بحاجة إلى الشواهد، فكل ماهو قائم من فتن، إن هو إلا بداية لعبة أو ذيولها، وخير مثال نضربه واقع الأمة العربية والإسلامية، وكأن كل الغادرين موبقون، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: - (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) وإذ لا نقدر على الإعتقاق الشامل فلا أقل من تفادي الإيباق القاتل.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#5 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
ما يُنشر باسمي في المواقع تَقَوُّل وافتراء..!
د. حسن بن فهد الهويمل (*) أطلعني أحد الإخوة على مقال طويل نُشر في موقع (شبكة القلم الفكرية) بتاريخ 28-6-2005م، تحت عنوان (الليبراليون السعوديون وتجديد المكارثية) وقيل إنّه نُشر من قبل في (مواقع الساحات السياسية) تحت توقيع (حسن بن فهد) وهو حديث عن (الليبرالية) و(الديموقراطية) و(العلمانية)، وكاتبه الذي ربَّما أنّه تقنّع باسمي، أو أتفق معه - وهذا بعيد - والمتقنّع يتوخّى في كتاباته القضايا السياسية والفكرية التي أتناولها في مقالي الأسبوعي كلّ يوم ثلاثاء في جريدة (الجزيرة)، والجريدة تنشر مقالاتي في موقعها على (الانترنت)، وقد يستحسنه البعض فينقله إلى مواقع أخرى، ليكون مجال إعجاب أو سخريّة وتندُّر، وقد حصل ذلك أكثر من مرة، وليس في النَّقل والتعليق من بأس، (والناس فيما يعشقون مذاهب)، وإن كان بعض النّاقلين والمعلِّقين يفهمون ما أقول على غير مرادي، ولكنّها حرِّية القراءة، (ومن ألف فقد استهدف). ومع أنّ الكاتب المتقوِّل يحاول قدر المستطاع التزام رؤيتي حول المستجد من المذاهب، إلاّ أنّه لا يتحرَّج من ذكر الأسماء التي قد اختلف مع بعض توجُّهاتها، وهو اختلاف يتراوح بين التنوُّع والتعارض، ولا يجد حرجاً من الحكم عليها والنَّيل منها، وما كان من عادتي التفحُّش في القول ولا تعمُّد التعيين. والمقال الذي عثرت عليه، والمقالات التي لم أعثر عليها بعد، والمقالات التي قد تُكتب فيما بعد، وإن اتفقتْ مع وجهة نظري في بعض ما أذهب إليه، إلاّ أنّها تختلف رؤيةً وأُسلوباً وطريقةَ أداءٍ، ومهما كانت تلك المقالات مساندة لرؤيتي فإنّني استنكر نسبتها إليّ، وأستعدي السلطة للبحث عن المزوّر إن كانت تقدر على ذلك، وعن أصحاب المواقع الذين يتقبَّلون هذه المقالات، ثم لا يبادرون إلى إلغائها من مواقعهم ومحاسبتهم على جرأتهم. فأنا كاتب لا استدعي إلاّ المبادئ، وموقفي منها موقفٌ علميٌّ متَّزن، وليس لي شأن بأصحابها، فهم زائلون، يمرُّون بها، ثم يتحوّلون عنها، أو تخترمهم يد المنون. ومن ثم لا أسمح لنفسي استدعاء أشخاص بأسمائهم، ولا أسمح لنفسي باستعداء أيّ سلطة عليهم، إلاّ إذا دخلت معهم في جدل أو هم سمحوا لأنفسهم باستدعائي. وأرجو من كلِّ داخل على تلك المواقع أن يشعرني متى وجد مقالاً منسوباً إليّ، وأنا واثق بقُرَّائي ومعارفي على صفحات الصحف، فهم يعرفون أسلوبي، ويعرفون منهجي، وطريقة تناولي للمبادئ والظواهر والقضايا والأشخاص، وتعفُّفي عن ذكر الأسماء ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. وسوف لا يلتبس عليهم ما يُكتب باسمي، ويتعمّد التجريح في أشخاص بأعيانهم، وإن كنت اختلف معهم، فأنا أحترمهم، وأشفق عليهم، وأرجو لهم السّداد والتوفيق، وليس من هدفي المساس ولا التشهير بالمخالف، وكتاباتي دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ودفعٌ بالتي هي أحسن، أجتهد ما وسعني الاجتهاد لتمثّل الحلم والأنّاة والبعد عن المهاترات، وكم أتمنى أن تظلّ القنوات مفتوحة مع الخصوم، فأنا باحثٌ عن الحقِّ، ولست باحثاً عن الغلبة، ومثلما أتمنى أن يجري الله الحقَّ على لساني، لا يسوؤني أن يجريه على لسان خصومي، وكلّ الذي أتمناه أن يوفِّقنا الله جميعاً، وأن يسدد خطانا، والحقُّ ضالّة المؤمن. (*) رئيس نادي القصيم الأدبي ببريدة رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية بالرياض أستاذ غير متفرّغ للأدب الحديث بجامعة القصيم
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#6 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
ارتباك المشهد السردي نقداً وإبداعاً..!! (1 - 2)
د. حسن بن فهد الهويمل لم يكن من عادتي أن أكمل قراءة عمل روائي في وقت قصير أو متواصل، بل لم أكن جاداً في قراءة الأعمال الروائية، وليس ذلك بمانعي من القول في شأنها قدحاً أو مدحاً، والسعي لإقالة عثرات المتخافتين بقول ليس من الإبداع ولا من النقد، ومغالبة المعوقات في المشهد الأدبي محليا على الأقل. وحين لا يكون لي اهتمام حاضر المشهد في هذا اللون من القول السردي فإن اهتمامي بالدراسات التاريخية والتنظيرية والتطبيقية لا يقل عن اهتمامي بالشعر وفنونه، وما صرفني عن النصوص السردية إلا ما يعتريها من عجف في اللغة لا ينقي، وتسطح في الأفكار لا يغني، وخروج متعمد على الضوابط لا يحتمل، وكتابات كما الخنثى المشكل، لا تعد من الإبداع في شيء. ودعك مما سوى ذلك من جنوح أخلاقي، أو انحراف فكري، وشطح سياسي، يسوِّق به الكتبة المبتدئون كاسد أعمالهم. وعزوفي عن رديء الأعمال ما كان له أن يحول دون التواصل غير العازم وغير الدائم مع عمالقة السرديين في الوطن العربي، ومع ما ترجم من أعمال عالمية. ولن استعرض شيئا من ذلك، فهي معروفة عند ذوي الشأن. ولربما جاء ذلك العزوف نتيجة الإخفاقات الذريعة مع تأثره برأي (العقاد) في السرديات الروائية، فهو لا يرى تكافؤاً بين الجهد والوقت من جهة والقيمة المكتسبة من جهة أخرى، ومن ثم يفضل قراءة الشعر، لكثافة الدلالة وانزياح اللغة، ومغالبة الفهم، ولقد كانت له مع ذلك إلمامات نقدية وله رواية يتيمة تقص حبه الفاشل. وجناية بعض الروائيين الأحداث أنهم لم يسيطروا على اللغة، ولم يجودوا نظامها، ولم يتضلعوا منها بالقدر الكافي، كما أنهم لم يتوفروا على (تقانة) السرديات الإبداعية التي لا يجوز المساس بها، والبعض منهم مارس الكتابة في غياب الموهبة والتجربة والثقافة، حتى لقد أصبح مولوده على هذه الشاكلة خداجاً مبتسراً، فيما أسفّت طائفة من الموهوبين والأدعياء معاً في البعد الموضوعي إسفافاً اشمأز منه الغيورون على قيمهم الأخلاقية، وفي ذلك الاقتراف ضياع للإجلال والجمال. وتلك الظواهر والسمات الخارجة على المألوف يستمرئها المنطفئون والقاعدون، ويشيد بها المجاملون حياء أو مقايضة، ولأنني ممن فُرضت عليهم متابعة الحراك الإبداعي والنقدي بحكم تخصصي وميولي واشتغالي، فقد وجدت من خلال متابعتي للأعمال السردية وللقراءات النقدية التطوعية على الأقل محلياً وعربياً شططاً وتحاملاً من كل الأطراف. فالإبداع الروائي ونقده في النهاية ظالم ومظلوم، ولإنقاذ الموقف، وترشيد المسار، لا بد من مبادرة حصيفة، توقف هذا الهدر المسرف والتدهور المفجع. فالمبدعون الروائيون في الوطن العربي كافة، لا أكاد أستثني أحداً منهم، يمارسون الصلف والتعنت والتعالي، وكأنهم بقية الفن الرفيع، جاؤوا على فترة من عمالقة الإبداع، وأحسب أن السامري أضلهم حين قال: (الزمن زمن الرواية). والنقاد المسايرون للمبْدعين المبتدئين والكتبة المتطفلين على الفن السردي، يسرفون في الإقبال والإدبار، فلا يحبون هوناً، ولا يبغضون هوناً. ومتى فقدت الموضوعية والمعيارية، وغاب الاعتراف بحق المتلقي، دخل أطراف السرديات في متاهة التلاسن القائم على الإقصاء والإلغاء والتجهيل. وحين يكون هناك عنف ورد فعل أعنف، لا يجد الوسطاء مناخاً مناسبا لفض الاشتباك وتقرير الحق، ولا يجد الوسطيون أجواء ملائمة للحراك المتوازن، فكل طائفة تحمل شطراً من الخطأ، وما كنت فيما أقول بسبيل البحث عن المشاجب، فكلنا خطاءون، والخيرية فيمن يستبق الخيرات، ويستجيب لداعي الحق، ويبحث عن سبيل يؤدي إلى إحياء الفن الأصيل، ويعمل على إيقاف نزيف القول المجاني. والمتقرئ لركام القول يحس بأن المصداقية تكاد تكون مفقودة من كل الأطراف، الأمر الذي فوت على الراهن النقدي فرصاً ثمينة، وهذه التشنجات أفقدت المشهد الأدبي التوازن والإيجابية. والمحبط أنها تصَّعَّد في سماوات الأدب، فيما تظل بوارق الأمل ضعيفة. الذين يُنحون باللائمة على النقاد المحجمين أو المترددين، ويصفونهم بالتقصير أو بالعجز، لا يدور في خلدهم ما يحول بين الناقد المحتشم وما تشتهي نفسه من إبداع آخذ بمجامع الجلال والجمال، فأكثر الأعمال ضعيفة، وردود الفعل المسفة على أشدها، والنافخون في القرب الفارغة يوهمون الرجال الجوف بالامتلاء، والناقد الذي يحترم مكتسبه ومصداقيته، لا يمكن أن يفرط بشيء مما اكتسب، لأنه متى زج بنفسه في تلك الأتون سلقته الألسنة الحداد، وقد يدخل بين أطراف متشنجة مسكونة بالمراهقة الفكرية والأدبية، تقول الكلام على عواهنه، ولا تلقي له بالاً، وهي بما تقول لا تبحث عن الحق، وإنما تنشد الغلبة والتهوين من شأن الناصح الأمين، ومثل هذه المواجهات التصفوية للسمعة تصرف أصحاب المثمنات عن الدخول في مناكفات خاسرة من أصلها. وفي كنف هذا الاندفاع المهتاج والإحجام المتخوف، لم تعدم السرديات القصصية أو الروائية المتابعين الواعين من النقاد الأكاديميين ذوي التخصصات السردية من الطلبة الدارسين. ولكن الرسائل الجامعية تظل حبيسة الأدراج، فلا تسد خلة، ولا تروي غليلاً، ثم إنها محكومة بمناهج وآليات وخطط تقليدية متكررة، يفرضها الآمرون في الأقسام العلمية، وكثرتها أميل إلى الرصد والتوصيف والتاريخ، بحيث يقع الحافر على الحافر. والتناظر والنمطية في المناهج والخطط والآليات فوت عليها أشياء كثيرة، وأفقدها الألق والجاذبية، وقعد بها دون الاستفادة من الآليات والمناهج الحديثة، حتى لقد زهد أصحابها بها، وترددوا عن نشرها، فكانت كأن لم تكن، وما شذ عن القاعدة يؤكدها. على أن قلة من الدارسين أخذتهم الثقة والشجاعة، وأقدموا على طباعة رسائلهم، فكان أن سدوا خروقاً أوسع من الرقاع، ومما طبع محلياً على سبيل المثال رسالة الدكتورة (منال العيسى) عن صورة الرجل في القصة القصيرة، ورسالة الدكتور (محمد العوين) عن المرأة في الرواية، ورسالة الدكتور (حسن حجاب الحازمي) عن البطل، ورسالة الدكتور (إبراهيم الشتوي) عن الصراع الحضاري في الرواية المصرية، وقد وقع فيما وقع فيه سلفه من تجانف لما لا يمكن القبول به، ومن قبل هؤلاء رسالة الأستاذ (سحمي الهاجري) عن القصة القصيرة، وهي أعمال تتميز بالضوابط الأكاديمية، وتترسم خطى من سبق. والدراسات التنظيرية والتاريخية في متناول اليد، وشروط الرواية وأركانها ومتطلباتها الأسلوبية والفنية والدلالية مبسوطة ومبذولة لكل من أعوزته المعرفة على أصولها. وقد تكون الدراسات المترجمة أكثر اتزاناً وتوازناً، وأوفر معلومة، وأكثر حيادية. وليس هناك ما يحول دون معالجة التقصير في أي عمل إبداعي، ولكن الإشكالية في رفض معطيات الخلفية القرائية، وفي عقابيل ذلك. فالناقد المحافظ على الشرط السردي والضابط اللغوي والتميز الأسلوبي لا يقبل التجريب المنفصل عن تلك السمات. والمغرم بالتجريب لا يجد بداً من رفض هذا النوع من النقد، لأن المتهافت على بوارق التجديد يكاد يقع في التخريب من حيث يدري أو لا يدري، وهذا الميل الكلي يحمله على رفض الناقد المتمسك بحق التجريب المعقول، بالشرط الفني المتداول في المشاهد النقدية كافة. والمبدع الذي انزلق في متاهات التجريب، وأغوته الإغراءات الجامحة، لا يجد بداً من المواجهة العنيفة لكل من أراد أطره على ضوابط العمل الروائي. والمتحفظ المتمكن المتابع للمستجدات المميز بين التجديد وحداثة الانقطاع، لا يمانع من التجريب المعقول، ولكنه لا يقبل الانقطاع اللغوي والفني، ولا يستسيغ النثرية التي لا تتوفر على الأدبية. والذين يتقبلون هذا اللون من التجريب الذي قد يتجاوز حد الانقطاع، يعنفون في مواجهة الناقد المصطحب لشروط الفن، ويزدرون الحد المعقول من الضوابط، وهم في ظل الاهتياج الفارغ لا يقولون الحق، بحيث يشيدون بموقفه المشروع، ويثمنون تمسكه بالضوابط، ثم يبدون اختلافهم المعتبر معه، وإنما يعمدون إلى التجهيل والاستخفاف. ورجل يؤثر السلامة، ويغلّب جانب الإبقاء على قنوات الاتصال وجسور التواصل، لا يريد أن يطرح سمعته للعلك الرخيص، ولا يريد أن يفقد العلاقات الطيبة من نظرائه، وحتى لو تحامل على نفسه، وأجرى سفينه، فإن بعض الأعمال لا تمتلك العمق القادر على تمكينه من التحرك بحرية، لأنها مستنقعات ضحلة موحلة. وبعض الأقلام طويل الشباة، يحتاج إلى أعماق تمكنه من التحرك بحرية، ومن قصد البحر استقل السواقيا، والناقد المعياري الجاد أو اللغوي المتمكن لا يجد ما يحمل قلمه عليه، فيعف عن ممارسة النقد، وهذه التراجعات الاختيارية أو الاضطرارية جعلت المشهد دولة بين المتقارظين والمتقايضين المتلاسنين والمتشايلين، ممن لا يحسنون إلا تبادل أنخاب الثناء، أو التنابز بالألقاب. وفي هذا إضاعة للنقد والأدب الحقيقيين، وتشويه متعمد لسمعة المشهد النقدي، وكم كنت أتمنى من كل الأطراف مجافاة الإقصاء والتهميش، وتفادي تبادل الاتهامات الشخصية. وأذكر في هذه المناسبة أنني كتبت مدخلاً تاريخياً وصفياً للإبداع السردي المحلي، وجعلته فيما بعد مقرراً دراسياً وفصلاً من كتاب مخطوط، وحاولت بجدية تفادي التعميم ومجانية القول، ومع ذلك لم يعجب ما ذهبت إليه طائفة من الشباب، وبخاصة من كانت لهم محاولات سردية، لا تستحق الإشارة فضلاً عن الإشادة، وإن كانت بعض تلك الأعمال تنطوي على مؤشرات واعدة. وايم الله إنني لم أدخر وسعاً في الإنصاف، وليس رهاني على التألق، ولكنه على الصدق وتوخي الحق. ومن بعد هذا تناولت (النقد البنيوي للرواية) متخذاً ناقدين مغربيين مجالاً للنقد التطبيقي، ونشرت الدراسة في خمس وثلاثين حلقة، واجتهدت ما وسعني الاجتهاد في الممارسة التطبيقية، والمؤسف أن هذه الدراسة هي الأخرى لم ترُق لآخرين من الدارسين والكتبة، ولم تواجه بالنقد الموضوعي، وتقصي الإخفاقات المنهجية أو الاستنتاجية المتوقعة، وبهذا الانحياز السلبي حُرم المشهد النقدي من مطارحة الآراء والوصول إلى مستقر الحق، وإذ لا أقطع بصحة ما أقول ولا تألقه، فإنني في الوقت نفسه لا أقطع بخطئه، وإنما هو كما قيل: (قولنا صواب يحتمل الخطأ)، فأين الذين يحقون الحق، ويستدركون الخطأ دون سخرية أو استهزاء؟ وإشكاليتنا أن المبتدئ يريد أن يكال له المدح، حتى لا تبقى كلمة ثناء إلا ساقها المقرظون، كما أن الناقد المادح بمجانية يريد الأشياع والأتباع، وحين يخلو المشهد لهذا وذاك يفقد المصداقية وقول الحق والأهلية، وغرروا بالناشئة وبالمبتدئين، حتى أنسوهم أنفسهم، وإذا استنفد المبتدئ كل المحامد في محاولته الأولى، لم يبق لعمله الثاني ما يمكن أن يقال، وعلى المتردد أن يستذكر ما قيل عن (الحزام) و(سقف الكفاية) و(الفردوس اليباب) و(بنات الرياض) وما سيقال عما يلحق من أعمال. لقد وقعت تلك الأعمال تحت طائلة الجزر والمد، وكلا طرفي الإفراط والتفريط ذميم. ومن طبعي ألا أجازف في الثناء، وإن أعطى المبدع في محاولته الأولى مؤشرات التألق، فلست ممن يستدر عواطف الشدات، ولا ممن يخلط بين النثر العادي والسرد الإبداعي، وأكره ما أكره أن أسمع من يطلق الثناء على كل من لملم نثاره وأخرجه إلى الناس بوصفه عملاً إبداعياً وما هو بشيء، حتى ولو كان للثناء نصيب من الحق، فنحن لا نستفيد من أنخاب الثناء. نحن نريد قراءة لغوية وفنية لسائر الأعمال، تزن الأمور، وتضع يدها على التجليات والإخفاقات. ولكن المجاملات الزائفة، حرمت المشهد من كلمة الحق التي تسهم في تصحيح المسار. ولقد لُمزتُ حين آخذت شهداء الزور والمزايدين وموزعي صكوك النبوغ الزائف، وحين أنفت من تحويل المشهد النقدي إلى جوٍّ كنسي، لا يجود إلا بمنح صكوك التألق كما صكوك الغفران. وعلى الرغم من كل التحفظات والإخفاقات فإن المشهد المحلي يمتلك القدرة على الرهان: إبداعاً ونقداً، وحاجته إلى مبدع يبحث عن مرايا النقد المقعرة، والمحدبة، ليرى نفسه بكل ملامحها. والناقد المنصف لا يمكن أن تعدو عينه عن أعمال روائية محلية لا تقل عما حفلت به المشاهد العربية، ومهما توفر بعض الروائيين المحليين على مقومات الأعمال الروائية فإن قلم الناقد لا يمكن أن يذعن لهم، ولا أن يسالمهم، وليس من مصلحة المشهد المصالحة والتغاضي. وخسارة المشهد في التواطؤ على الثناء والتزكية الزائدة عن حدها لأعمال لها وعليها، إن المبالغة في الثناء تحرم الأعمال مزيدا من التداول النقدي الموضوعي، فالمدح كحز الرقاب، وفوق ذلك فهو قتل متعمد لفعاليات المشهد النقدي، ولعل المتابع لآخر الأعمال المثيرة (بنات الرياض)، يجد أن اللغط حولها لم يدخل في العمق، إذ لم يفكك متعاطي النقد اللغة فيبدي سوآتها، ولم يقوض الدلالة فيفضح انحرافاتها، ولم يشرِّح الفنيات فيكشف عن إخفاقاتها، ومجمل ما يقال ثناء مفرط أو ذم مفرط، ولمّا نزل مرتهنين لثنائية: (الملائكية) و(الشيطنة).
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#7 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
ارتباك المشهد السردي نقداً وإبداعاً..! (2-2)
د.حسن بن فهد الهويمل ولما كانت الساحة الأدبية - كما اللحد الذي تصوره (المعري) ضاحكاً من تزاحم الأضداد - تفيض بواعدين، لم يبلغوا حد النضج، وتزدحم بموهوبين استكملوا عدة الإبداع، وتموج بأدعياء يكتبون، ولا يبدعون، ويشيرون، ولا يثرون، ويطنبون، ولا يطربون. ولما كان المشهد النقدي دُوْلة بين أوزاع المبدعين والأدعياء والنقاد المداهنين؛ فقد أصبح لزاماً على حراس الفن الرفيع أن يأخذوا على أيدي العابثين والمعذرين، وأن ينفوا عن مشهدهم زائف القول وردي الكلام، وأن يتولوا إقالة العثرات. فكل مشهد أدبي بحاجة إلى من ينقي أجواءه، ويرشد ضاله. ولاسيما أنه مسرح للأحداث المتزببين، وللكهول المتصابين، ومثل هؤلاء يسارعون بالتافه من القول، والصارم من التأييد، وواجب المقتدرين أن يبذلوا جهداً مناسباً، يحمي من الجور والمجازفة. ولكيلا نصل بالتيئيس حد الإحباط، فإننا نشير إلى مبدعين تخطوا بأعمالهم نطاق المحلية، وإلى نقاد متمكنين، يتوخون الحق والموضوعية. ولكن الفئتين من القلة، حيث لا يتراءاها إلا ك(زرقاء اليمامة)؛ لضياعهما وسط اللغو الغالب والصخب الفارغ، فعلى مستوى الإبداع المحلي لا نجهل جيل الوسط من أمثال (رجاء عالم) و(عبده خال) و(يوسف المحيميد) وآخرين غيرهم، يمثلون الوسطية الزمانية بين فئتي الريادة والتأسيس من جهة، وفئة الانطلاق التي اختلط فيها الحابل بالنابل. فالثلاثة طليعة الممثلين لتلك المرحلة، من حيث البعد الفني على الأقل. والأخيران يمتلكان موهبة سردية، وإن لم يتضلعا من (الثقافة) ولم يسيطرا على (اللغة) بالقدر المتكافي مع مبلغهما من الفن، ولكنهما يتصدران لداتهما، ومثل هذه الإمكانيات تعفو عن كثير. ف(الخال) يكتب عن معاناة و(المحيميد) يكتب عن انطباعات، والثلاثة لا يقدرون على إعتاق المشهد. ولكل مرحلة من مراحل: الريادة والتأسيس والانطلاق مبدعون لا يقيلون العثرة، ولكنهم يخففون من حدتها ومأزوميتها، فعلى مستوى الريادة والتأسيس نجد (السباعي) و(الدمنهوري) و(الناصر) و(خوقير)، وعشرات آخرين، ممن لهم أعمال تمد بسبب إلى الأصالة بمفهومها الغربي، ولقد رصدت ذلك كله في (المدخل السردي). والتصدي للمتهافتين على الكتابة السردية قبل النضوج وصد الممجدين لهم قبل الاستيعاب، لا يعني النفي من المشهد، وإنما الغاية ترشيد مساره، وتسديد سهامه. ولن يستقيم أمر الإبداع السردي إلا بالمكاشفة والمواجهة، وفق آليات ومناهج وخبرات ومعارف. ومتابعة الدراسات الأكاديمية المخطوطة والمطبوعة تكشف عن أبعاد فنية ولغوية ودلالية، تطفئ غضب المأزومين من غثائيات الأدعياء. فالأستاذ (معجب العدواني) تقصى مجمل تلك الأبعاد في أعمال (رجاء عالم)، والدكتورة (عائشة الحكمي) والدكتور (عبدالله الحيدري) تقصيا أطرافاً من الجوانب اللغوية والفنية والدلالية لطائفة من السرديين. ولقد كنت سعيداً بالإشراف أو بالمناقشة لبعض تلك الرسائل، والثلاثة المبدعون الذين ضربت بهم المثل، ليسوا وحدهم ممن يشار إليهم بالبنان كنماذج لاستيفاء مؤهلات الإبداع، ولكنهم الأكثر حضوراً والأقل توفراً على احتفاء المشهد. ولسنا نريد بالاحتفاء الإشادة، وإنما نريد الدراسة المعمقة وتثوير كل المنطويات. وروايات (الخال) و(المحيميد) أثارت المشهد، ولكنها إثارة متواضعة لا تحرر رؤية، ولا تؤصل لمعلومة. والتحفظ على بعض الهنات لا يصادر الحق، ولست هياباً ولا وجلاً من مسايرة المتحفظين على بعض استفزازات (رجاء عالم) وإن كانت كاللمم، والحسنات يذهبن السيئات. وبودي لو حكم المشهد بالعدل، حيث لا يكون في نفوس المبدعين وأشياعهم حرج مما حكم به النقاد العدول. وكم كان بودي أن يفرغ المتمكنون لقراءة سائر الأعمال السردية، وأن يواجهوها بمناهج وآليات تحفظ الحقوق للمتلقي وللمبدع وللمشهد؛ فالنقاد والمبدعون كالمستهمين على مشهد الأدب، ومن الخير ألا يستقر فيه إلا ما ينفع المتلقي لغوياً ودلالياً وفنياً. والاستقراء المحكوم بضوابطه هو الحل الأمثل في زمن الانفجار السردي وفوضويته، ولاسيما أن المستجد من الأعمال يشكل منظومة تحولية: شكلاً ودلالة، لغة وتِقانة. فأين منّا الناقد الجدير والمبدع القدير؟. ولو عدنا إلى بعض ما يشغل المشهد لوجدنا أن رواية (القارورة) - على سبيل المثال - خليط من ظواهر شتى، ولقد كنت أحسبها من قبل رمزاً للمرأة، حتى إذا قرأتها تبين لي ألا علاقة لها بالقوارير؛ إذ هي كما قماقم العفاريت، أو صناديق المصفدين في الأغلال، على شاكلة (شُبيك لُبيك) وتلك خليقة الحكواتيين، فالسارد عوَّل فيها على الحكاية الخرافية، وكاد يخلط بين الوقائع الحقيقية بكل فقاعتها، كأحداث الخليج ومتعلقاتها وحكايات العجائز على الأطفال. وما ساقه على لسان الفتيات الثلاث كان شائعاً ومعروفاً ومتداولاً على ألسنة الأطفال في (نجد) بل في (بريدة) بالذات، وهو من أبنائها. وكنا قد سمعنا شيئاً من هذا في طفولتنا من أمهاتنا وجداتنا، وكنا نسمي تلك الحكايات الخرافية (سباحين) الواحدة (سبحانية). والأديب (عبدالكريم الجهيمان) ساق أطرافاً من هذه الحكايات في أساطيره الشعبية، كما ساق شيئاً من ذلك (فهد المارك) في كتابه (من شيم العرب) وجاءت أمشاج من الخرافات والأساطير في بعض كتب الشيخ (محمد بن ناصر العبودي)، وجاءت باللهجة العامية البسيطة في سلسلة كتب شعبية ألفها وطبعها الكاتب الشعبي (سليمان بن إبراهيم الطامي) ومن قبله والده رحمه الله، وألم بشيء من ذلك كله الكاتب (سليمان بن محمد النقيدان) رحمه الله. وتوظيف التراث العربي أو الشعبي يتطلب الرحيل بالموروث لا الرحيل إليه، وتحويله من نص حكواتي إلى نص إبداعي، وعيب المستثمرين النقل الحرفي المتنافر مع عبارات الربط. والمتابع للمسترفدين، لا يجد مسافة فنية بين التناولات، حيث يمتاز العرض الروائي عن سائر العروض الأخرى، وبخاصة حين يتخلى الروائي عن حسه القصصي، ويقع تحت طائلة التجريب التي ترفض الشرط، وعلى ضوء هذا التمييع للضوابط فإن بإمكاننا أن نسمي مشروع معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر (أي بني) عملاً روائياً؛ لأنه إطلالة على الماضي والحاضر. و(المحيميد) أكثر جرأة من (الخال) في الخروج على الشرط الروائي، والاثنان يمتلكان موهبة سردية لا مزايدة عليها، وتلك الموهبة وذلك الاقتدار لا يصادران حقنا في القول، ولا يحملاننا على المداراة والمداهنة. والاحتفاء بالمبدع لا يبيح غمط المتلقي وإكراهه على قبول الهنات التي يمكن تلافيها، والتي تعد من عجز القادرين على التمام. والأساطير والخرافات وأدب الاعتراف والانطلاق من قعر الواقع بكل تدنياته أخذت طريقها إلى بعض الأعمال الروائية بعد أمة، ولم يكن هذا الاحتفال مبادرة من المبدعين والنقاد؛ ولكنه ناتج إصاخة لما يعتمل في المشاهد الغربية، ومشاهدنا مرتهنة لتجريب الآخر أو تقليده، ولما نشب عن الطوق، والعاجز من لا يستبد، ولا يؤز الخلاف إلا المكابرة، فكلما قيل لمدَّعي المبادرات: هاتوا برهانكم، انفجروا كالبراكين، وتعمدوا الإقصاء والتجهيل وتلفيق الاتهامات. وبدهي أن يكون للموروث العربي في التفسير والتاريخ احتفاء بالخرافة والأسطورة، ولكن المشهد الأدبي ولاها الأدبار، حتى التقطها الغرب من تراثنا، فكان أن نبهنا إلى أهمية ذلك، وحملنا على استرداد بضاعتنا، دون علم، ودون وعي، وكان اندفاع المفسرين لأسطرة أحسن القصص تعويلاً غير سديد على قول الرسول - صلى الله عليه وسلم- : (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج...) وهو تعويل يدل على خصوبة الخيال والاستجابة لفطرة الإنسان الميال بطبعه إلى الأساطير. وتوظيف الرمز والأسطورة والخرافة في الأعمال الروائية التجريبية مثار جدل صاخب بين النقاد والمنظرين، ومثله توظيف التراث التاريخي، والمعضلة أن المشهد دولة بين النفي والإثبات. لقد أتيحت لي فرصة القراءة ل(كتاب التجليات: الأسفار الثلاثة) ل(جمال الغيطاني) ومتابعة ما كتب حول ظواهر الرمز والأسطورة والتاريخ، وبخاصة في جانب التوظيف التراثي، فتبين لي أن الإغراق في الأسطورة والخرافة عشق المبدعين المعاصرين، وهو إغراق غير متوازن، وغير منضبط، وقد يكون دون وعي، وقد تزامن ذلك مع الإيغال في التجريب، الأمر الذي قد يفوت علينا متعة الفن القصصي الرفيع، ولربما تتداخل تلك النزعات مع ظاهرة الرواية التاريخية، ولكنه تداخل يحتاج إلى مزيد من الاستقراء. والاندفاع في التجريب أدى إلى الانقطاع المتعمد، حتى أصبح المتابع لا يقدر على التفريق بين القصة والرواية والسيرة والأسطورة والتاريخ والحكاية الخرافية، إلا إذا تطوع الكاتب، وكتب على الغلاف نوع العمل، إن كان رواية أو ديوان شعر أو قصة أو سيرة ذاتية، فالشكل لم يعد ذا قيمة، مع أنه السمة الأهم للتفريق بين أنواع الإبداع القولي. ومع أن رواد الإبداع السردي في (مصر) و(الشام) قد استزلهم الغربي، إلا أن الممانعة حالت دون الوقوع في المسخ. والراصدون من النقاد يستبينون حجم المتغير الشكلي والفني واللغوي والدلالي، وهو حجم يتنازعه الإسراف في التهافت على المستجد لدى الشباب، والاعتدال المتردد لدى الكهول. وعلى سبيل المثال فقد اختلف المنظرون في التفريق بين الرواية والقصة، وذلك في إطار المستجد الشكلي، وجاءت آراؤهم في غاية من العماية والتيه، حتى لقد اختلفوا حول عمل (نجيب محفوظ) (اللص والكلاب)، هل هو عمل روائي أم قصصي؟ ذلك أن للرواية أركاناً وشروطاً ومواصفات تتعلق بالشخصيات والأحداث والأزمنة والأمكنة، ولا ترتبط بالمقدار الكلامي على سنن المفرقين بالكم. والإشكالية حين تتشابه الأحداث والشخصيات، وتطول الأزمنة، وتمتد الأمكنة في إطار تشابه الأشكال. ومثلما ظهرت مدارس نقدية في الغرب بعدد النقاد، وتفاوتت في الشأن السردي والنقدي والأدب المقارن، فقد ظهرت في المشرق العربي حالات مماثلة، ولكن البعض منها مجتث لا يقر، وبخاصة عند المبهورين من سرعة التحولات في المشاهد الغربية والعاجزين عن ملاحقتها. والنقاد في ظل التحولات السريعة يختلفون حول النوع الإبداعي، فقائل بأنه عمل روائي، وقائل بأنه عمل قصصي، وقائل بأنه قول لا يلحق بالرواية ولا بالقصة. وسبب اختلافهم الاختلاف حول التقيد بأدنى حد من الضوابط والمعايير، والمعضلة نفسها امتدت لسائر الظواهر الأدبية، ولكنها دون إشكالية الرواية. ويقيني أنه لا مكان للفوضى ولا للتسيب، فالشعر يجب أن يكون شعراً، والسرد يجب أن يكون سرداً، ولا تتحقق الشعرية ولا السردية إلا بسمات وضوابط لغوية وفنية وشكلية، يعرفها النقاد، ويركنون إليها حين يختلفون؛ إذ كل نزاع فني أو لغوي لابد له من أهل ذكر يفضون التنازع بوصف أو بضابط أو بعرف، وليس هناك شيء في الوجود إلا وله معهود ذهني يهرع إليه المختلفون، وله نظام يحكم حركته، وتعديل الأنظمة والشروط يختلف عن إلغائها. والمصير إلى مفهوم (الكتابة) بوصفه مصطلحاً مفتوحاً يلوذ به كل عابث يعطو إلى فُسَحِ التسيب والتمييع لا يمكن أن يفض التنازع. وإتاحة الفرصة لكل مبتدئ أو مدعٍ أن يقول عن محاولاته الفجة: إنها شعر أو سرد فني، إمعان في الضياع، وشعوره بأن من واجبنا أن نذعن له، وأن نقبل قوله وكأنه (حذام)، ولا نكلف أنفسنا عناء البحث عن مبررات تثبت أن هذا العمل شعر أو سرد، وما هو - في نهاية الأمر - بالشعر ولا بالسرد، هذا الشعور، وتلك الفوقيات الآمرة أضاعت الضوابط، وخولت أدناهم أن يكتب سطراً أو سطرين أو حتى كلمة واحدة، ويسمي ذلك عملاً قصصياً، وقد اقترف البعض مثل هذا، وأقبل المعذرون لإكراهنا على الاحتفاء بهذا العبث، بل طاروا به فرحاً، وعدوه فتحاً مبيناً في عالم السرديات، والمخجل أن هذه الدعاوى على رغم فجاجتها لم تكن من عند أنفسهم، ولو أنهم ابتدروها لكنا استسغناها، وقبلنا بها على مضض، وألحقناها بنظائرها من (التوقيعات) مع الفارق، ولكنها لفحة سموم من لفحات الغرب عصفت بنا فتلقيناها، كما لو كانت مبادرة لا يستقيم شأننا إلا بها. ومن المؤذي أن طائفة من المبتدئين يمارسون التفحش والانحراف، ليكون قولهم مثار جدل موضوعي لا فني، وهذا الجدل في نظرهم كاف لتحقيق الحضور، وما يدري أولئك أن السقوط الأخلاقي والانحراف الفكري والجنوح السياسي، لا يجني من ورائه المقترفون إلا سبة الدهر، حتى إن البعض من أولئك تسلل لواذاً وطبع عمله خارج البلاد، ثم سربه عبر النوافذ، وأتاح الفرصة للكتبة لتوجيه اللوم إلى من يتهمونهم بقمع الحرية، وممارسة الحق وأطر المتفلتين هو عين الحرية؛ إذ لا حرية في ظل الفوضى. والفن الرفيع هو الذي يظفر صاحبه بشرف اللفظ، وشرف المعنى، وجودة الفن، ولقد قيل: إن الفن يرفس في القيود، ولا فن بدون شروط قاسية تقمع الأدعياء والمغثين، ومتى تعرض المبدع لأي إخفاق في السمات والضوابط، تحول العمل إلى زبد يذهب جفاء. وكل الإيجاف بالقول أو بالفعل لا يغير من الأمر شيئاً: (أيَكونُ الهِجانُ غَيرَ هجانٍ أم يَكونُ الصُراحُ غَيرَ صُراحِ؟)
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#8 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
مدائح الملك عبدالعزيز في صحيفة أم القرى (1-2)
د. حسن بن فهد الهويمل ظواهر الأدب وقضاياه تتبادل المواقع في الحضور والغياب والأهمية، واتجاهات النقد كما تقلبات الطقس، تحركها تحولات المشاهد الثقافية: عربياً وعالمياً، والمحو والإثبات تحكمه رياح التغيير. والراصدون لسنّة التدافع يتفاوتون في القبول والرفض، كما يتفاوت الشعراء في استباق الترثنة والعصرنة. وخير المختصمين والمستبقين من يغلّب جانب الجلال على الجمال، والزكاء على الذكاء، ولا يجد غضاضة من التفسح في المجالس لكل ظاهرة فنية أو دلالية تثري ولا تلغي، فحق الناس أن يجدوا ما يشبع رغباتهم، إذ لا شرعية للمصادرة والإقصاء، ولا مكان للنمطية والسكونية، والإشكالية في حفظ التوازن بين التراث والمعاصرة. و(شعر المناسبات) وبخاصة ما يتعلق منه بالمديح، لا يحفل به المشهد النقدي المعاصر، وهو داخل في جدل الذاتي والغيري، ولكل عصر هادٍ ينذر أو مضل يستدرج، والخلاص في التوفر على المستجيب للذوائق والحاجات وفق قدر من الشروط والضوابط المعتبرة. ولقد كانت لي وقفات توفيقية لعقلنة المواقف، وتحامي الإلغاء والأثرة. والحديث عن محتويات (جريدة أم القرى) بعد أن دخل ماضيها المجيد في ذمة التاريخ قول ثقيل وشاق، ولكنه بتضافر الجهود أصبح في متناول اليد، ولقد عرفتها معرفتي بما عاصرت من صحف، وكان ذلك عبر مصدرين رئيسين: المصدر الأول: ما أنجزه الأستاذ الدكتور (منصور بن إبراهيم الحازمي)، وهو جهد كشّافي (ببليوجرافي) يضع مواد الجريدة بين يدي القارئ، بحيث يلم المتابع من خلال هذه الفهرسة باهتماماتها وبكتّابها وبمبدعيها وبسائر قضاياها. وفي ذلك رصد إحصائي دقيق. أما المصدر الآخر: فكتاب (الملك عبدالعزيز في عيون شعراء جريدة أم القرى)، ولقد كان لي شرف الإسهام في إنجازه، وقصتي مع الكتاب ظريفة وطريفة، فلقد بُعثت لي مخطوطته في مجلدين ضخمين للتحكيم، وحين أبديت ملاحظاتي، أوصيت بأن يكتب المقدمات ثلاثة من المتخصصين في التاريخ والأدب والإعلام، رغب الناشر اختصار ذلك كله بواحد، فكنت هو، حيث طُلب مني النهوض بالمهمة الثلاثية، فكان أن راجعت مادة الكتاب، وأعددت كافة مقدماته: التاريخية والأدبية والإعلامية. ومرت السنوات، لأعود إلى الموضوع مرة ثانية, وذلك حين حُكّمت في كتاب (الاتجاهات الموضوعية والفنية في كتاب: الملك عبدالعزيز في عيون شعراء صحيفة أم القرى) وأحسبه عملاً أكاديمياً، تناول النصوص التي اشتمل عليها الكتاب عبر دراسة مسحية شاملة، وطبعيٌّ - والحالة كذلك - أن تتجدد الرغبة في العودة إلى ذلك المصدر الثر، لأعيد قراءة موضوع واحد من موضوعات شتى وسعها الكتاب، وهو موضوع (المدائح) التي أبدعها شعراء الآفاق العربية وخصوا بها (الملك عبدالعزيز) رحمه الله، لا يحرك مشاعرهم إلا الحب والإعجاب والإكبار. وقصائد المناسبات تتنازعها قيم تاريخية وسياسية واجتماعية ودينية، وهي بلا شك (ديوان ذلك كله)، والشعر كما يقال (ديوان العرب) يرصد أحداثهم، ويهذب أخلاقهم، ويثري معارفهم، ويصقل مواهبهم. وليست العبرة في خصوص السبب، ولكنها في عموم الدلالة، وتألق العمل، وبراعة الشاعر، وقدرته على شد الانتباه، وإثارة المشاعر. وهل يجرؤ عاقل على التفريط بمدائح (أبي تمام) للمعتصم، أو بمدائح (البحتري) للمتوكل، أو بمدائح (المتنبي) ل(سيف الدولة)؟ وهل أحد ينكر ما تنطوي عليه تلك الإبداعات من ثروات: لغوية وفنية ودلالية؟ وأذكر أن إحدى الدارسات في (جامعة الملك سعود) أفاضت في دراستها ل(سيفيات المتنبي)، وخرجت بنتائج مثرية. وتلك الدراسة القيمة أوحت لي بعنوان دراسة جاءت في سياق الاحتفاء بالمئوية، عنونتها ب: (سعوديات ابن عثيمين) نشرت أولاً في (مجلة الدارة)، ثم ألقيت ثانياً في (نادي أبها الثقافي) وصدرت فيما بعد في كتاب متداول. وأياً ما كانت دوافع القصائد فهي منْجم ينطوي على قيم ثمينة، لا يجليها لوقتها إلا النقاد المقتدرون الذين يتجاوزون حدود المناسبة إلى تداعياتها، على سنن (البنيويين) الذين يميتون متعلقات النص ليفرغوا لذاته. ولقد أحسست وأنا أقرأ شعر (العصر الذهبي) أن المادحين والممدوحين قضوا نحبهم، ولم ينتظر إلا ذلك الشعر الزاخر بالقيم الفنية والدلالية. ولعلنا نستذكر مقولة (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه لأبناء (هرم بن سنان): ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم. والمدّاحون متفاوتون، فمنهم من هو أهل لحثو التراب في وجهه، ومنهم من يستحق (بردة الرسول) صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف الفضل لذويه إلا ذوو الفضل. واستعادة المدائح منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث تثري المتلقي لغةً وأدباً ومعاني. فأين نحن من (زهير بن أبي سلمى)، و(حسان بن ثابت) وأصحاب النقائض و(المتنبي) ومن خلف من بعدهم؟. صحيح أن الشعر الذاتي أصدق قيلاً، لأنه يجسد الهموم ولا يستجدي الموسورين، غير أن الشعر الغيري ألصق بالموضوعية، وأغنى بالمعاني، وأثرى بالتجارب. وللمتابع أن يوازن بين شعر (عمر بن أبي ربيعة) بوصفه شاعراً ذاتياً، فرغ لنفسه، ولم يفرغ لجيبه، كما يقول (طه حسين)، وشعر سائر الشعراء الذين في ظلال القصور، ثم لينظر أيها أزكى قولاً، ولسنا مع هذا ننكر الكذب والمبالغة. ولأن متعلقات الشعر الغيري موضوعية فإن دراستنا ستُعوّل على القيم الدلالية. وقبل أن نباشر النص الشعري نود أن نلمح إلى ظروف تشكله وبيئاته لتجهيز أرضية الانطلاق، إذ ما من شعرٍ إلا وله مكوناته المرتبطة بذات الشاعر، أو بالبيئة التي تحيط به، أو بالأحداث الجسام التي أثارت كوامن الشعراء. والشعر النابع من قعر الواقع يعطي مؤشرات قوية، تبدو معها ملامح البيئة بمختلف وجوهها، وخطوات التشكل لكيان (المملكة العربية السعودية) تكمن في منطلقات الشعراء، وكيف لا ينطوي الشعر على ظروف المرحلة وخطواتها، وهو لسان الأمة أو العشيرة. لقد كانت أقاليم البلاد خارج متن التاريخ أشلاء قبلية وإقليمية وطائفية مرتهنة للجفاف والتصحر والجهل والأوبئة والحروب، يكاد قوت الكفاف يكون عزيز المنال، لا تمتد إليه الأيدي إلا بالأسنة والرماح، وكل قاصد لبيت الله معرض للسلب والنهب. ولما أن قيض الله لهذا الواقع المؤلم من يجمع كلمة أهله، ويوحد صفوفهم، ويحدد أهدافهم، ويقيم الأمن في الحواضر والبوادي، جاء الشعر ممجداً للمؤسس، مذكراً بأفضاله، محذراً من مناوأته، موازناً بين أمسه ويومه، متفائلاً بغده. والمدائح في ظل هذه المنجزات والمعجزات لا يكون افتراء على الناس، ولا تزييفاً للواقع، ولا تزلفاً عند الممدوح، ويكفي تلك القصائد تألقاً أنها تروي حكاية التكوين والبناء. وتجربة (الملك عبدالعزيز) رحمه الله ثرية بجلائل الأعمال والأحداث الجسام. والشعراء الذين مثلوا بين يديه، واتخذوا من فِعاله المجيدة مادة شعرهم، أطالوا الحديث عما حققه للمشاعر والوهاد والنجاد من أمن واستقرار ورخاء. وبخاصة مسالك الحج التي ملئت بقطاع الطرق، وهذا التأمين لمنافذ الحج ومسالكه وحده كاف ليكون مادة ثرة للشعراء المادحين. فكيف إذا كانت منجزات (الملك عبدالعزيز) أوسع وأكثر، لقد تخطى بالمجتمع الرعوي المتموج إلى مجتمع مدني مستقر، وفر له كل متطلبات التحضر، وتخطى بالبلاد إلى عتبات التاريخ. ومجتمع بدوي أمي رعوي قبلي صحراوي من الصعب صهره ودمجه وتحويله إلى مجتمع مدني آخذ بأسباب الحضارة. لقد وسع شعر (المدائح) طائفة من ملامح المجتمع وتحولاته السريعة، وكاد يكون هذا الشعر المادح مصدراً من مصادر التاريخ الحديث لقلب الجزيرة العربية. والقارئ لما تحت السطور يستبين ما يعتمل في نفوس الشعراء من إعجاب وإكبار لقائد استطاع أن يختصر معركة التكوين، وأن يبسط الفعل في معركة البناء، وكيف لا يكون مثار الإعجاب والإكبار وهو الذي وطّد الأركان، واستل السخائم، وألّف بين القلوب، وأشاع متطلبات الحياة السوية، ووضع أسس المجتمع المدني، وجاء بشعبة من البدو فوطنهم بالهجر وأمدهم بما يحييهم من تعليم ومشافٍ وزراعة وصناعة، وأعلن اسم (المملكة العربية السعودية) دولة فاعلة في الأسرة الدولية. و(جريدة أم القرى) التي واكبت هذا الحراك الحضاري رصدت كل التحولات المجتمعية، واستقبلت ما قيل في (الملك عبدالعزيز) من مدائح وما قيل في سائر المناسبات من شعر راصد لكل التفاصيل على مدى ثلاثين عاماً، وهذا الكم الوفير من الشعر يعد سجلاً حافلاً لمجمل الأحداث المصيرية التي تهم المواطن العربي فضلاً عن المواطن السعودي. ف(الملك عبدالعزيز) يشكل تحولاً جذرياً في التاريخ العربي الحديث، والشعر الذي رصد الأحداث، وكاد يفصل الحديث فيها جدير بأن تعاد قراءته وفق آليات ومناهج حديثة، للوقوف على المنعطفات التاريخية المهمة. وفي ظل الحراك الحضاري أبدع الشعراء قصائدهم متفاعلين مع مناسبات عدة ك(الحج) وغيره ولاسيما أن (الملك عبدالعزيز) يقود قوافل الحجيج، ويشرف على راحتهم، ويحتفي بالوفود من ساسة وعلماء ومفكرين وأدباء. ومناسبة الحج من أوسع المناسبات، أقبل شعراؤها من كل آفاق الوطن العربي. وقصائد المدح المعنية بالدراسة لا ترتبط بسبب، إنها نظرة إعجاب وإكبار، ومع ذلك فقد نيفت على ستين مطولة، وهي جزء ضئيل من شعر المناسبات، ولقد اتسعت لمختلف المعاني، وتقصت أخلاقيات (الملك عبدالعزيز) وألمحت إلى شيء من منجزاته في المشاعر، وما هيأه لوفود بيت الله الحرام، وما وفره من أمن نفسي في طرق الحج، وأمن غذائي في فجاج مكة، وأمن صحي في المشاعر، فضلاً عن سائر منجزاته في مختلف وجوه الحياة التي رصدها شعر المناسبات. وإذ تجلت وحدة الأمة في شعيرة الحج، وأسهم شعراء الآفاق العربية في تجسيد المشاعر والطموحات فإن شعر المناسبات الوطنية كمناسبة (الجلوس) و(البيعة) و(العام الهجري)، و(افتتاح المشروعات) والمناسبات الاجتماعية والتعليمية والانتصارات الحربية والمؤتمرات والمهرجان والأسفار والرحلات والحوادث والأحداث كاد يختص بها شعراء المملكة. وكل ما نشر في (جريدة أم القرى) مما له صلة بمنجزات (الملك عبدالعزيز) يعد من المدح والتمجيد والاعتراف بالفضل لذويه، وتقصي شعر المناسبات يبعد علينا الشقة. ومن المتعذر والاعتراف بالفضل لذويه، وتقصي شعر المناسبات يبعد علينا الشقة. ومن المتعذر التفريق بين (المدائح) وشعر (المناسبات)، ف(الملك عبدالعزيز) ممدوح بكل لسان، وفي كل مناسبة، ذلك أنه يكاد يكون المثل الأعلى لكل من نشد وحدة الأمة العربية، وتطلع إلى المجتمع المدني، مجتمع المؤسسات والخدمات، و(الملك عبدالعزيز) كاد يسبق ظله في سبيل إنجاز متطلبات الحياة الكريمة. والذين تراءوه في عيون الشعراء، وقفوا على مئات المطولات التي رصدت منجزاته، ومن المتعذر اقتفاء أثر الشعراء الذين فجرت مواهبهم عبقريته، ولكن الإشارة قد تغني عن التقصي، وكم نحن بحاجة إلى من يتعقب هذا اللون من الشعر، ويضعه بين يدي القراء، إذ كل القيم في جوف هذا اللون من الشعر. والمنقب في مشمولات كتاب (الملك عبدالعزيز في عيون شعراء جريدة أم القرى) لا يستطيع أن يفرز قصائده موضوعياً على الأقل، ذلك أنها جميعاً تتخذ من منجزات (الملك عبدالعزيز) وأخلاقياته مجالاً لسبحاتها، وحين تستثير تلك المنجزات كوامن الشعراء يكون (الملك عبدالعزيز) المصدر والمورد، وقيمة المدائح أنها تنطلق من المنجزات، ولا ترتبط بالذات، فهي سجلٌ حافلٌ لجلائل الأعمال، ومن ذا الذي يجهل معركتي: (التكوين) و(البناء) اللتين امتدتا أكثر من نصف قرن، وحققتا وحدة ومدنية غير مسبوقتين في ظل الظروف التي عاشتها البلاد قبل استعادة ملك الآباء والأجداد، وأثناء ذلك، ومتى عرف المتعقب شح الواردات، وتزامُن معركة البناء مع الحرب العالمية الثانية تبين ما يعانيه المؤسس من ظروف عصيبة. وطوفان الشعر يحمل على الخلوص من شعر المناسبات الذي وسعته (جريدة أم القرى) وقصر الحديث عن المدائح المباشرة، لاستبانة رؤية الشعراء لهذا المثل الأعلى. والمدائح التي استخلصت من الجريدة تجاوزت ستين قصيدة، هي بعض ما رفع لمقامه دون أي مناسبة. لقد أوحى لي التقسيم الموضوعي لكتاب (الملك عبدالعزيز في عيون شعراء جريدة أم القرى) الفرق الدقيق بين شعر (المدائح) وشعر (المناسبات)، وكدت أربط ذلك بالفرق بين شعر (الغزل) و(النسيب). ومن النقاد من يجعل النسيب ما يتعلق بالتوله والبكاء ومناجاة الأطلال، فيما يجعل الغزل في الحديث عن ذات المرأة ومفاتنها، أو قل النسيب يرتبط بالعلاقات المعنوية والغزل يرتبط بالعلاقات الحسية. والتفريق بين شعر المديح وشعر المناسبات مرتبط بالمثير، فإذا حفزت المناسبة الشاعر إلى القول كان النص مضافاً إليها، وإذا حفزه الإعجاب بذات الممدوح، كان النص ألصق بالمديح. والموضوعان متداخلان، لا يكاد الناقد يفصل بينهما. وعلى كل الأحوال فإن الشاعر هو الذي يعتق شعره أو يوبقه، فإذا اتخذ من المناسبة أو من الممدوح منطلقاً إنسانياً حضارياً كان شعره مهيأً للشيوع والخلود، وإن ظل مرتهناً للممدوح أو للمناسبة، انطفأ بانطفاء المناسبة أو بموت الممدوح. ولعلنا نضرب الأمثال بشعر (المتنبي) الذي لا يخرج بمجمله عن المدح، ومع ذلك خلد شعره، وشاع، وظل يجمجم عما في نفوس الناس، ولم يضِره ان كان مادحاً مبالغاً بالمدح، فهو يركب المناسبة، ويحكمها، ولا تحكمه، وينطلق منها ولا ينطلق بها، ويسخرها لحمل همومه، وتطلعاته، ومناشداته الصريحة أو المبطنة لقائد فذ حقق لأمته جلائل الأعمال.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#9 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
مدائح الملك عبدالعزيز في صحيفة (أم القرى) (2-2)
د.حسن بن فهد الهويمل وقصائد المديح تقع في مائة وعشرين صفحة من الكتاب، ومن أبرز سماتها الشكلية والبنائية انتزاع العناوين من النص، وانعدام الوحدة الموضوعية والعضوية، وتوفر الوحدة الموسيقية والنفسية واللغوية، فالوزن والقافية ولغة المكارم ومعالي الأمور هي السمات الأبرز، أما من حيث الموضوعات والمعاني فإن القصائد تركِّز على القيم المعنوية واستثمار سائر القيم الدلالية في الشعر العربي القديم، والتزامها لعمودية القصيدة العربية، وإغراقها في المبالغة والإشادة، واستدعائها لأهم منجزات الملك عبدالعزيز المتمثِّلة بتوحيد البلاد، وإشاعة الأمن والعدل، وخدمة الحجيج، وتعميم التعليم.. والتّفنن في المطالع، وطول النفس الشعري. وتعدد مشارب الشعراء وانتماءاتهم أعطى القصائد قيماً فنية ودلالية خلَّصتها من النمطية والتناظر.. والشعراء الذين فجَّر مواهبهم (الملك عبدالعزيز) أوزاع، فمنهم السعوديون الذين نعموا في ظلاله من أمثال (محمد بن بليهد)، وهو شاعر تقليدي، و(محمد بن عثيمين)، وهو شاعر جزل العبارة قوي السبك محافظ على عمودية القصيدة العربية، و(محمد بن صالح الدويش)، وهو شاعر مقل، و(خالد بن محمد الفرج)، وهو شاعر ملاحم ومطولات أرّخ لأحداث الجزيرة في عهد المؤسس، و(أحمد بن إبراهيم الغزاوي)، ويُسمى حسان جلالة الملك، ويُعد من أكثر الشعراء إشادة بأمجاد المؤسس، و(محمد حسن عواد)، وهو رائد التجديد في المملكة، ولم يكن حفياً بشعر المناسبات، و(سليمان بن عبد الله البطاح)، وهو شاعر مقل، و(حسين سرحان)، ويُعد من فحول الشعراء جزالةً وقوة أسر، و(علي بن محمد السنوسي) من جنوبي البلاد، وهو شاعر تتنازعه المحافظة والتقليد، و(جعفر المدني)، وله أكثر من قصيدة، وآخرون لا يتسع لهم بحث مقتضب.. ومنهم غير سعوديين عرفوا أحوال البلاد من أحاديث حجاج بيت الله الحرام الذين أبدلهم الله من بعد خوفهم أمناً، وممن شهدوها حين وفدوا للحج أو للعمل من أمثال (سليم أبو الأقبال اليعقوبي)، و(محمود شوقي الأيوبي)، وله أكثر من قصيدة في المدائح وشعر المناسبات، و(عبد الله نوري الموصلي)، و(علي أحمد باكثير) وهو من كبار الشعراء، ومن ذوي الاتجاهات الإسلامية، والشعر المسرحي، و(عبد القادر الزهاوي)، و(محمد العباسي السلفي)، وله أكثر من قصيدة، و(يوسف داود قاسم) و(محمد سعيد ماشيج) من (يوغسلافيا) وآخرين. والمنقب في المعطيات الدلالية عند شعراء المملكة والوافدين عليها يجد أنها تحكي الواقع المعاش، ف(الملك عبدالعزيز) ظل أكثر من ثلاثة عقود يخوض معارك التكوين، وتلك أجواء حرب ونزال، ومن ثم فإن بعض المدائح تكاد تكون من شعر الفروسية والحماسة والبطولة. يقول الشاعر ابن بليهد: ( في دار قوم رميناها بقاصفة إذا تمزق في أرجائها القتم أضحت خلاء وأمست بعد ساكنها قفراً وللبوم في أطلالها نغم) والشاعر هنا يستمرئ ذاكرته، ويستجدي محفوظه من الشعر العربي القديم، وإلا فالملك عبدالعزيز يستعيد بلاده بأيسر الطرق، ويضم أهله وعشيرته إلى كيانهم الذي فقدوه بعد سقوط الدور الثاني من الحكم السعودي، وليس هو بذلك الغازي الذي يهدم البيوت على أصحابها.. وشعراء الأحياء كافة يستمرئون أخلاف الشعر العربي القديم، ويكاد (شكل القصيدة) العربية القديمة يتجسَّد في شعر (محمد بن عثيمين) من حيث الاستهلال بالغزل، وحسن التّخلص، يقول في إحدى مدائحه: (أقِلا ملامي فالحديث طويل ومن عادةٍ ألا يطاع عذول) ولكي يتخلَّص من الغزل إلى المدح يتخذ ذات الوسائل القديمة، وذلك في قوله: (فدع ذكر أيام الشباب وطيبه فما حالة إلا وسوف تحول) وإذ أخذ بشكل القصيدة العربية، أخذ بالمعاني، فكأنك حين تقرؤه تقرأ ل(أبي تمام) وهو يمدح (المعتصم)، أو تقرأ ل(المتنبي) وهو يشيد بمثله الأعلى (سيف الدولة)، ولولا الارتباط بالزمان والمكان والحدث لما استطعت أن تفرق بين القديم والحديث.. و(ابن عثيمين) بالذات يركِّز على تمسك الممدوح بشعائر الدين وتحكيمه للشريعة واتخاذها شرعةً ومنهاجاً، وهو كغيره لا يكاد ينفك من ذكر الحرب ومتعلقاته، ذلك أن الأجواء المعاشة أجواء حروب. يقول في إحدى مدائحه: (متى ما تصبِّح دار قومٍ بغارةٍ ففي دار قومٍ آخرين تقيل) ولأن (ابن عثيمين) لحق بمثله الأعلى، وقد تجاوز الستين من عمره، فإن شعره ينبض بالحكمة والروية والمناصحة والإشادة بالدين، والحثّ على التمسك به والدعوة إلى الرفق واللين: (هلموا إلى داعي الهدى وتعاونوا على البر والتقوى فأنتم أماثله وقوموا فرادى ثم مثنى وفكروا تروا أن نصحي لا اغتشاش يداخله) وللشاعر أكثر من ثلاث وعشرين قصيدة في مدح الملك عبدالعزيز، توسعت في دراستها في كتابي (سعوديات ابن عثيمين).. وقد جُمع شعره بعد وفاته وشُرح غريبه، وهو ألصق الإحيائيين ب(البارودي) في الجزالة والغرابة وقوة الأسر. أما الشاعر (خالد الفرج) فيختلف عن لداته في المباني والمعاني، إذ كان على صلة وثيقة بالآداب العربية الحديثة، وهو الذي كتب الملاحم التاريخية، ولم ينازعه هذا الاتجاه إلا شاعر الأمة (عبد الله بلخير) الذي فاق أقرانه في المطولات الأندلسية.. ومدائح (الفرج) هي الأخرى تستمد لحمتها وسداها من أجواء الحرب ولمّ الشمل، ولأنه من أصحاب المطولات، فقد يعمد إلى التفصيل، وكأنه يؤرّخ للظواهر والأحداث.. وهو كما أشرت على صلة بالآداب العربية الحديثة في (العراق) بالذات، وهو من الشعراء المتنازع عليهم، ف(الكويتيون) يرونه شاعراً كويتياً، فيما يراه السعوديون سعودياً.. والمتقصي لشعره يلحقه بالسعودية، لأن همّه سعوديٌ، وأغراضه الشعرية مرتبطة بأحداث البلاد، وملاحمه ترصد تاريخ المملكة الحديث، وتواصله مع شعراء الوطن العربي مكَّن شعره من التّخلي عن المطالع الغزلية أو الطللية، وهيأ له الاقتراب من الوحدة العضوية، بل أكاد أجزم أنه من ذوي الاهتمام بقوة المطالع والخواتيم، ولكنه اهتمام لا يربطه بالمطالع القديمة. يقول في إحدى مدائحه: (إياك نختار فاحم البيت والحرما وخذ لنصرك منا العهد والقسما) على أن الحس الإسلامي ينتظم كل القصائد التي مدح بها الشعراء (الملك عبدالعزيز)، بل ينتظم شعر المناسبات كافة، فالأجواء مفعمة بالروح الإسلامية، وما من شاعر إلا وينطلق من القيم الاسلامية.. ولما أن كان الأمنُ مطلباً لكل المكتوين بنار الفتن وأعاصير الفرقة، فقد سيطر على مشاعر الشعراء كافة، وما من شاعر إلا وله إلمام طويل أو قصير بقضايا الأمن. يقول الفرج: (هذي الجزيرة كان الأمن مضطرباً فيها وكان لهيب الويل مضطرما) ويقول ابن عثيمين: (فقد كان في نجد قبيل ظهوره من الهرج ما يبكي العيون تفاصله فما بين مسلوب وما بين سالب وآخر مقتول وهاذاك قاتله) وقوله: (فأمَّنها بالله من أرض جلق إلى عدن مستسلماً كلُّ مجرم) والشاعر الفلسطيني (سليم أبو الأقبال اليعقوبي) يشيد بمنهج (الملك عبدالعزيز) وأخلاقياته وطموحاته وتمسكه بالقيم العربية والإسلامية، ويبدي توجعه مما يعانيه الشعب الفلسطيني من قتل وتشريد، وكأني به يذكر (الملك عبدالعزيز) بما آلت إليه أوضاع المشردين والمقيمين على الضيم، ولقد تعمّد التورية لتجسيد معاناته: (ليت قومي وليتني من رعايا ه فإنني اليوم رهن القيود (كتب الذل في فلسطين والشا م علينا والعربُ غير عبيد) ويأتي شعر الشاعر (محمود شوقي الأيوبي) حثاً واستنهاضاً وإشادةً وضرباً للأمثال واستدعاء لرموز العالم الإسلامي الذين تجسّدوا في شخص الملك عبدالعزيز، ول(الأيوبي) عناية بالمطالع، ولكنها عناية لا تبلغ شأو (مدرسة الإحياء)، وشعره دون غيره، وبخاصة في أوزانه وقوافيه، وهو ذو نفس طويل، يعتمد التّقصي والتّفصيل واستعادة الأمجاد العربية، وأجود شعره قصيدته (يا حاملاً علم الشريعة)، لأنه يحكي رحلة المسير إلى (الملك عبدالعزيز) عبر غنائية طويلة، يفصل فيها رحلته من بلده إلى (الرياض) مروراً بعدد من القرى والمدن، ولقد اتخذ طريق الموعظة بعد الإشادة: (صن بيضة الدين الحنيف بعزمة قصوى فأنت لما تقول فعول) وقصائد شعراء البلاد العربية تشم فيها تطلعاتهم إلى وحدة الأمة العربية، ولهذا فكل شاعر يود من (الملك عبدالعزيز) مواصلة المسير، لجمع الشمل، وتوحيد الكلمة والصف والهدف.. وكأن تجربته بتوحيد البلاد مشروع لتوحيد الأمة العربية، وهو حلم يساور كل شاعر عربي أو سعودي وقف على منجز (الملك عبدالعزيز) واطَّلع على تفاصيل مشروعه الحضاري. يقول أحمد بن إبراهيم الغزاوي: (مليك العرب وحِّدها قبيلا فشعبك للعلا أهدى سبيلا) ويقول (محمد حسن عواد) وهو من الشعراء النقاد الحاملين على المحافظة: شكلاً ومضموناً، وشعره فكري معضل وموسيقاه منطفئة، ولكنه عميق المعاني بعيد الغور ويشبه شعره شعر العقاد: (وحَّدتها في الحكم ثم أعدتها بالاسم واحدة حذار تناقض) ويقول (سليمان بن عبد الله البطاح): (هذا مليك العرب جامع شملها عبدالعزيز محقق الأوطار) ويقول في قصيدة أخرى: (وحَّدت مملكة من بعد ما انقسمت وبعدما كان سُوسُ الخلف قد نخرا) والشاعر المتمكِّن (علي أحمد باكثير) يتساءل عن تلك الفرقة: (ألا ليت شعري كيف تنهض يعرب ومجموعها هذا النسيج المهلهل؟ عباديد شتى انحل عقد وفاقهم كأنهم سرب النعام المجفل) وبعد تطواف موجع جسَّد من خلاله حال الأمة العربية عاد ليقول: (ألا إن ضوءاً في الحجاز فتيله بنجد تراعيه العيون وتأمل) وللشاعر (عبد القادر الزهاوي) قصيدة يستلهم فيها معاني المتنبي وأبياته في الميمية التي يمدح بها (سيف الدولة) والتي يقول فيها: (إذا نظرْت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم) والزهاوي يقول: (والدهر كالليث لا تأمن تبسمه فإنما الليث عند البطش يبتسم) وهي قصيدة يمجّد فيها معالي الأمور، ويختمها بالتأكيد على أصالة البطولة والكرم للملك عبدالعزيز، وأن بطولته وإقدامه ليسا تصنعاً، وإنما هما سجية وخليقة: (حاكوك شخصا وما حاكوك منزلة إن القشاعم تحكي شكلها الرخم) أما الشاعر (محمد بن أحمد عسل) فقد تجلت الجزالة والغرابة وقوة السبك في قصيدته (حارس البيت خادم الدين)، وقد أمعن في الثناء على خلال الملك وأشاد بأخلاقه ودعاه لنشر العدل ورفع النابهين: (املأ الأرض باسم ربك عدلا بعد ظلم بها ونكث العهود) ويكاد الشعراء كافة أن تكون أخلاقيات الملك وعزماته مدار شعرهم ومدرج إبداعهم، فهو المثل الأعلى بطولاته، وأخلاقه، وتسامحه، وصفحه عمن تصدوا له، بعدما أقدره الله عليهم، كما أشادوا بعدله، ونشره للدين وجمعه لكلمة المسلمين، يقول جعفر المدني: (والعدل والأمن قد ضاءت شموسهما بذاك قد شهد القرطاس والقلم) والمتعقِّب لهذا اللون من الشعر يجده صورة أمينة للشعر العباسي، وبخاصة أن (الملك عبدالعزيز) تمثَّل أخلاقيات الخلفاء، وجنح إلى العفو والوفاق والتسامح، وأثبت للعالم أنه الحاكم الذي يقابل الإساءة بالإحسان، ويغلِّب السلامة، وينشد السلام، وما من معركة حمل عليها مكرهاً إلا وأنهاها بالعفو والتسامح وإعادة كل مسؤول إلى مكانه، متيحاً فرصة المراجعة لكل خصومة، وهذه الأخلاق أمدت الشعراء بشرف المعاني، وكل شاعر توفرت له المادة، ولم يجنح إلى الافتعال والانفعال يجلي شعره، والقيم العالية تفجر مواهب الشعراء. وشعر المديح الذي وسعته (أم القرى) بوصفه بعض شعر المناسبات يُعد جزءاً مما قِيل في تمجيد القائد المؤسس، ومحور شعر المناسبات كافة وشعر المديح خصوصاً (الدين) و(العدل) و(الأمن) و(الوحدة)، وما فضل من ذلك فهو موجّه للإشادة بأخلاق (الملك عبدالعزيز) من (بطولة) و(كرم) و(تسامح) و(تواضع) و(وفاء) و(صدق) و(تديُّن).. ولأن الشعر ديوان العرب، فإنَّ شعر المناسبات الذي وسعته (جريدة أم القرى) يُعد تاريخاً للجزيرة العربية، فلقد تتبع الأحداث، ورصدها برؤية المبدع وانطباعه لا بدقة المؤرخ وعلميته، ومؤرخو الجزيرة العربية سيجدون في شعر المناسبات مادة تاريخية لسائر الأحداث، وهم قد وجدوا ما يسد خلالاً كثيرة، وما الشعر إلا بعض حيوات الشعراء وممدوحيهم.. والحذَّاق مِنْ النقاد مَنْ يعرفون القدر المتوقع من المبالغات فيطرحونه، والظلم كل الظلم أن نطرح هذا اللون من الشعر بحجة أنه لا يعبِّر عن الذات، ولا يرصد الواقع. وخلاصة القول: إن هذا اللون من الشعر يعطي مؤشرات عدة من أهمها: ملامح المشروع الحضاري الذي ابتدره الملك عبدالعزيز، والمتمثِّل بتوحيد البلاد، وإشاعة الأمن والاستقرار، وتحكيم الشريعة، والأخذ بأسباب الحضارة، والدخول في المنظومة الدولية، وتمكين الأمة من اللحاق بشعوب العالم المتحضِّرة.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#10 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
حوار د. حسن الهويمل: لدينا مئات الأديبات والناقدات
لها أون لاين الدكتور حسن بن فهد الهويمل، رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، والناقد الأدبي المعروف، واحد من المرابطين على ثغر اللغة العربية، يعتبرها قضيته الأولى؛ في الوقت نفسه لا يهاجم العامية والشعر الشعبي هجوماً مطلقاً، فهو يعي أنَّ العامية منتشرة منذ ألف عام، لكنَّه لا يريد لها التمدد وتجاوز المشافهة إلى التدوين. التقيناه فحدثنا عن رأيه في الشعر الصوفي وأسباب تخلُّف النقد عن الإبداع، وعن فترة تكوينه الأدبي، وبمن تأثَّر خلال مسيرته منذ البداية، فماذا قال؟ كثر حديثي عن بدايتي وتكويني الأدبي حتى كدت أملّ هذا الموضوع، وبدايات كلّ إنسان تكون متواضعة، وغير ملفتة للنظر، وقد تعمل الصدف ـ بتقدير الله عز وجل ـ على تحديد اتجاهاته، وتشكيل المؤثرات في مساراته. بدأت كأيّ إنسان بداياتٍ متواضعة وغير واعية. طفلٌ دخل المدرسة، وأخذ طريقه من الابتدائي إلى المتوسط فالثانوي فالجامعة، ولكنني أحسست منذ الابتدائية بميل للقراءة، وحبٍّ لاقتناء الكتاب، مِلتُ إلى كتب الأدب، وبالذات التاريخ الأدبي والمختارات، والموسوعات الأدبية، وأُعجبت بعبَّاس محمود العقَّاد، وبالزيَّات، وبأسلوب طه حسين، وعلي مستوى الشعر بالمتنبي، وشوقي، ثمَّ عدَّلت عن الارتباط بأيّ كاتب أو شاعر، وأصبحت قارئاً لكلّ ما يقع في يدي. الدين والأدب.. أين يلتقيان وأين يفترقان؟ الدين مهيمنٌ، والدخول فيه هو مطلب رئيس ومقتضى إسلامي، والأدب أداة ووسيلة لخدمة الدين، ولا يمكن تصوُّر افتراق بينهما بالقدر الذي يتصوَّره بعض الناس، هناك أولويات بالمهمّات، فالأدب لا يكون مجال وعظ ولا إرشاد ولا رقائق، ولكن لا بدّ من أن يحمل الهمّ الإسلامي وهمّ الإصلاح وتقديم المشروع الإسلامي. الأدب فن، وهدفه الإمتاع, ولكن يجب أن يكون الإمتاع في حدود المباح، ولأنَّ الأدب اليوم لم يكن للإمتاع فقط، لقد "أدلجه" الماركسيون والعقليون والماديون والوضعيون أدلجوه في الفكر، فإنَّ من حقّ الإسلاميين أن يجعلوا الأدب إسلامياً يبلِّغ رسالة ويهدي أمَّة ويمتع المتلقي بالقدر الذي يوفِّر أدبية النص وفنية الإبداع. من أبرز تجليات الشعر الذي يُنسب إلى حركة دينية، ذلك التراث الشعري للحركة الصوفية، فهل نعتبر ذلك أدباً إسلامياً؟ التصوُّف: سلوك أو عقيدة، زهد أو خرافة, اتكال أو توكل، ولا يجوز أن نحكم على ظاهرة التصوُّف حكماً عاماً، إذ هناك مستويات مختلفة، وإذ نقطع بأنَّ التصوُّف فكراً ليس من عنديات الإسلام فإنَّ التعامل معه يجب أن يكون دقيقاً وحذراً وعادلاً، والشعر الذي أنتجه المبدع متصوفاً كان أو غير متصوف، نعرضه من جانبه الفني واللغوي والشكلي على ضوابط الفن واللغة والعروض، فما قبله قبلناه, ونعرضه من جانبه الدلالي على مقتضيات الإسلام فما قبله قبلناه. إذاً المسألة ليست مسألة تصوُّف أو سلفية أو غيرها، المسألة مسألة ضوابط فنية وإسلامية, يضع المبدع والناقد أهمية للمرجعية والرد. والقول بنسبة تجليات الشعر إلى أية حركة قول فيه تضييق لفضاءات الشعر وآفاقه، فالحركة الصوفية واحدة من المثيرات، فهي ليست الأهم فضلاً عن أن تكون المثير الوحيد والأشمل. ويقيني أنّنا أحوج ما نكون إلى الخلوص من العموميات والإطلاقات المرتجلة وغير الموفَّقة. v المبدعون يحمِّلون النقاد مسؤولية ضعف حركة الإبداع، فيما يرى كثير من النقاد أنَّ عنصر الإبداع الحقيقي قد انتهى؟! عملية التنافي وتقاذف الإشكالية كما الكرة أسلوب غير حضاري، والجادُّون في البحث عن الحلول ينكبون عن تبرئة الذات في سبيل إدانة الغير. والضعف قائم ولكنَّه ليس بدعاً وليس قصراً على مرحلة دون أخرى، فالمؤرِّخون للأدب عبر العصور يقفون على مستويات متباينة، والضعف جزء طبيعي من هذه المستويات . والنقد والإبداع ـ كما قلت في مناسبة سابقة ـ وجهان لعملة واحدة, يتداعيان وقد يسبق أحدهما الآخر وقد ينعكس أثر أحدهما على الآخر. والمشهد الثقافي يتعرَّض لحالات من الضعف والفوضى، وتلك موجات يطول أمدها ويقصر، ويستفحل ضعفها وينحسر، وأحسبّ أنَّ ما يعانيه المشهد الأدبي من ارتباك وفوضى مردُّه إلى استشراء التبعية وكثرة الأدعياء وإباحة المجال لمن لا يتوفّرون على موهبة ولا ينطوون على ثقافة أصيلة، وما أضرَّ بالأمَّة إلا المداهنة والمجاملة والمسايرة. والإبداع لا يكون شيئاً مذكوراً إلا إذا توفَّر صاحبه على موهبة ودراية وثقافة وموقف وتجربة عميقة وأجواء تقدِّر الفن وتوفِّر الحرية المنضبطة، وناقد متمكن متخصص أو موهوب لا تأخذه في الحق لومة لائم. وإذا تفشَّى الضعف وتخلَّف النقد فإنَّ في المشهد من يرصد ويعرف الداء وسبيل الشفاء، وإذا كان هناك ضعف وتخلُّف فإنَّ مردَّه لأنساق وسياقات وظروف قد لا يكون النقد هو السبب . v بعض المبدعين تحوَّلوا بالنص الأدبي من الرمز إلى الغموض والطلاسم.. مارأيك؟ الغموض، والرمز، والأسطورة، والقناع حين يمارسها المبدع دون وعي يتحوَّل النص إلى الطلسمة والغنوصية، والافتعال غير الفعل، هناك غموض فني يتعلَّق بالمفردة أو بالجملة أو بالعبارة أو بالأسلوب، أو بالفكرة، وهذا الغموض يُكسب النص قيمة أسلوبية أو فنية أو معرفية، ولكنَّه لا يكون بالتعمل والافتعال.. الغموض سمة فنية قد يتصف بها المبدع. والرمزية مذهب تتنازعه عدّة اتجاهات، وهو نظرية قائمة عالجها النقاد المنظِّرون والتطبيقيون، فهناك الرمز الصوفي والرمز الأسطوري، وهناك الإشارات والثغرات، والناقد الحصيف هو الذي يحدد القيمة. والرمز مستويات، ودخول الرمز أو الغموض مرحلة الطلسمة دليل على عدم الوعي، فالفن القولي رسالة يجب أن تحمل فكرة محدَّدة وأن تراعي أحوال المتلقي، وعند البلاغيين مصطلح ![]() v وصفك أحد كُتَّاب العامية بإحدى الصحف المحلية بأنَّك وآخرين ثلاثي الرعب، وأنَّكم بملاحقة العامية والشعر الشعبي تنفخون في الرماد.. فهل أضاف الشعر الشعبي جديداً؟ ولماذا لا نعتبره أحد وسائط الإبداع؟ الخصوم يحرِّفون الكلم عن مواضعه ويتعمَّدون تقويلي ما لم أقل؛ لأنَّهم لا يحققون الانتصار بالصدق والموضوعية، ولا تُنْجيهم إلا المغالطة والكذب والخروج من الموضوعي إلى الشخصي. فأنا لست مرعباً، ولست ضد الشعراء الشعبيين، وأعرف أنَّ العامية ظاهرة منذ ألف عام، وأنَّها لغة التخاطب، والشعر الشعبي من مفردات هذه الظاهرة، ولا يمكن القضاء عليه، وموقفي فقط من لغة هذا الشعر ورفضي أن يَحْتفي به النقد الأدبي والأقسام الأدبية في الجامعات، يكون عامياً كما اللغة العامية، شفهياً كما اللغة العامية. لا يكون لغة أدب ولا لغة فكر، ومن حقّ شعراء العامية أن يبدعوه، ومن حقّ المتذوِّقين له أن يسمعوه. وأنا ضد العامية ومفرداتها التي تهيمن على الفصحى وتتفشَّى على حسابها، لا أريد لها أن تتخطى من المشافهة إلى التدوين، ولا من التمتُّع إلى الدرس, ولا من الشارع إلى المحافل الأدبية، أريدها أن تظل مع العامة فقط، وهذا حقٌّ لا مراء فيه. v بعد تولِّيكم رئاسة المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي خلفاً للفريق المعلمي رحمه الله، ماهي خطتكم في الأيام القادمة، وهل هناك أنشطة ثقافية وأدبية تعتزم الرابطة القيام بها؟ خروج الرئيس بالموت أو بالإعفاء لا يعني انقلاب الفعل، مات المعلمي رحمه الله، وجئت أنا, أعانني الله، وكلّ واحد منَّا يحمل هموماً كثيرة، قد تخدم أحدنا الظروف والإمكانات فيكون أكثر حضوراً وأكثر طموحاً. ويبدو لي أنَّ مجيء رئيس جديد يتطلَّب التحرُّف لأسلوب جديد، وهذا ما أفكِّر فيه، وتعويلي على زملائي وإخواني فما أنا الفاعل وحدي، ولن أحقق ما أطمح إليه إلاَّ حين أجد الدعم والمساندة، ولا أكتمكم الحديث، ففي النفس حاجات كثيرة والله أسأل أن أجد الإمكانات المادية والمعنوية لأسعد بتحقيقها، وكما قلت من قبل فالرابطة لها مشاريعها ورسالتها، والمكتب سوف يعمل في إطار تلك المشاريع. v لكن من المعروف أنَّ المسابقات السنوية التي تعقد في الإبداع الأدبي من شأنها تقديم أقلام جديدة ودفعها للساحة الأدبية.. ما هو دور الرابطة في تفعيل هذه الخاصية إذا جازت التسمية؟ الرابطة تخطط في كلّ عام لمشروع ثقافي، تضع في اعتبارها: المحاضرات، والندوات، والأمسيات والمسابقات، والمؤتمرات، وطبع الكتب، وإصدار المجلات. وفي أعقاب ذلك تقوِّم عملها وتستعرض نتائج فعلها وتستشير المهتمين، وتطلب افتراع فعاليات مفيدة والمسابقات حين تعقدها للرجال والنساء في الشعر والنثر، وقد تخصُّ العنصر النسائي متى قامت الحاجة إلى ذلك. كلّ الذي نتمناه من الخيِّرين والخيِّرات أن يمدُّوا أيديهم إلينا بالدعم المادي والمعنوي، أن يشتركوا في مطبوعاتنا، أن يشتروها، أن يُسهموا بالكتابة، أن يحملوا زملاءهم ومعارفهم لدعم هذه الرابطة التي تعلِّق آمالها على الرجال والنساء على حدّ سواء. v تستقطب الحركات النسوية المشبوهة الكثير من الأفلام النسائية الباحثة عن قنوات لنشر ابداعاتهن، فأين اهتمام رابطتكم بالأقلام النسائية؟ رابطة الأدب الإسلامي لها إمكاناتها وطاقاتها، وهي لم تتوان في استغلال أكبر قدر من إمكاناتها، وهي مهتمة بالعنصر النسائي، وقد انضم للرابطة مئات الأديبات والناقدات والمبدعات الإسلاميات، وهن يشاركن في بث القيم الإسلامية من خلال النقد والإبداع، وإذا استفحل الشر وطغت وسائل التدمير الأخلاقي، فإنّ مسؤولية الرابطة في حدود إمكاناتها تمارس مسؤوليتها بالحكمة والموعظة الحسنة والدفع بالتي هي أحسن، محترمة نظام الدولة وضوابطها. وليس لدينا سوط ولا زنزانة نتخطَّف المنحرفين وتنفيهم من الأرض (ولو شاء ربَّك لهدى الناس جميعاً) . مهمتنا العمل وليس علينا الهداية، ونحن ماضون بهذا السبيل, ونسأل الله أن يهدي بنا الضالين، ولسنا وحدنا في الميدان، هناك مؤسسات وأفراد وحكومات إسلامية.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#11 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
تركي الدخيل: أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله، في حلقة جديدة من برنامجكم الأسبوعي إضاءات، ضيفنا اليوم أيها الإخوة والأخوات هو الدكتور حسن بن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي في القصيم حياك الله يا دكتور.
د.حسن بن فهد الهويمل: يا هلا ومرحباً. تركي الدخيل: دكتور سأبدأ من التعريف الذي يعني عرفتك به وهو رئيس النادي الأدبي في القصيم، أنت ترأس النادي الأدبي بالقصيم منذ أكثر من عقد منذ تقريباً أكثر من 20 عاماً.. 20 ولاّ أكثر؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا.. يعني. تركي الدخيل: كم يعني؟ د.حسن بن فهد الهويمل: 24 أو 25 سنة. تركي الدخيل: ما شاء الله عمر. د.حسن بن فهد الهويمل: نعم. حول الدعوات لاستقالة رؤساء النوادي الأدبية تركي الدخيل: تثار الآن في الصحف السعودية معركة أو لنسمّها دعوة تتكرر من وقت إلى وقت تدعو رؤساء الأندية الأدبية في السعودية الذين قضوا وقتاً طويلاً مثلكم وتدعوهم للاستقالة لماذا تصرون دكتور حسن على البقاء رغم المطالبات باستقالتكم؟ د.حسن بن فهد الهويمل: بسم الله الرحمن الرحيم أولاً ليس هذا إصرار، ولكن عملية التغيير ليست مرتبطة بالاستقالة، وما عهدنا أن أي قطاع حكومي لا يغير رئيسه أو أعضاؤه إلا بالاستقالة، فإذا رأت جهات الاختصاص والمرجعية الإدارية أن الوقت قد حان لتغيير رؤساء الأندية وأعضاء مجالس الإدارة فإن هذا لا يتطلب شرعنة هذا التغيير بالإقدام على الاستقالة,. تركي الدخيل: يعني تقصد أنكم أنتم معينون وما أنتم طالعين إلا لما هم يشيلونكم، من هي أول شي الجهات المسؤولة التي تقصدها دكتور حسن؟ د.حسن بن فهد الهويمل: المرجعية الإدارية وزارة الثقافة والإعلام ومن قبلها الرئاسة العامة لرعاية الشباب هي التي أشرفت على عملية الانتخابات. تركي الدخيل: الآن أصبحت انتقلت.. د.حسن بن فهد الهويمل: الرئاسة العامة هي التي أشرفت على عملية الانتخابات ووصول رؤساء الأندية إلى رئاستها الرئاسة العامة هي التي أشرفت على عملية الانتخابات ووصول رؤساء الأندية إلى رئاستها، وظل هؤلاء الرؤساء على رأس العمل إلى أن انتقلت المسؤولية من الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة الثقافة والإعلام وبالتالي فليس هناك ما يستدعي الاستقالة إذا كانت وزارة الثقافة والإعلام ترى أنه من مصلحة الحركة الأدبية في المملكة أن تغير أعضاء مجالس الإدارة فإن من حقها أن تغير دون أن تؤيد بالاستقالة حتماً. تركي الدخيل: طيب جميل أنت تقول أنكم جئتم إلى رئاسة الأندية من خلال انتخابات. د.حسن بن فهد الهويمل: أو من خلال التعيين. تركي الدخيل: أو من خلال التعيين كما حصل في بعض رؤساء الأندية، ألا ينص نظام الأندية الأدبية ورئاسة الأندية الأدبية أكيد إنه فيه نظام. د.حسن بن فهد الهويمل: نعم نعم فيه لائحة تنظيمية. تركي الدخيل: اللائحة التنظيمية ألا تنص على التغيير مش مرتبطة بسنوات الرئاسة. د.حسن بن فهد الهويمل: بأربع سنوات. تركي الدخيل: طيب أربع سنوات والتجديد يعني.. د.حسن بن فهد الهويمل: ولم تفعّل هذه.. المسؤولية على الذي يمتلك تفعيل هذه اللائحة وليس على الأندية الأدبية. تركي الدخيل: أنتم ما دوركم يعني؟ د.حسن بن فهد الهويمل: دور رئيس النادي أن يمارس العمل حتى يقال يعني حتى يقال له بقوة النظام انتهى دورك ومن ثم يأتي خلف لك من.. تركي الدخيل: اسمح لي أستخدم قد تبدو قاسية دكتور حسن: المطالبون باستقالتكم يقولون أن أدواركم أن تمارسوا الرئاسة حتى يتوفاكم الله؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا ليس هذا صحيحاً، كثير من رؤساء الأندية استقالوا وكثير من رؤساء الأندية. تركي الدخيل: عبد الفتاح مدين هو الوحيد اللي استقال. د.حسن بن فهد الهويمل: لا وعبد الله ابن إدريس أيضاً ومحمد الربيّع. تركي الدخيل: طيب الحديث عن مسألة تجديد الدماء في رئاسة الأندية ألا تعتقد أن هذا أيضاً له أثر يعني فيما يتعلق بتفعيل الأندية بوجوه جديدة بدماء جديدة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: ممكن أن تجدد الدماء باللجان بأعضاء مجالس الإدارة. تركي الدخيل: بس مو بالرؤساء. د.حسن بن فهد الهويمل: لأ.. برؤساء الأندية أيضاً، يعني نحن لا نصر على البقاء، ولكننا نريد أن تكون الإجراءات نظامية تصدر من مرجعية الأندية الأدبية. تركي الدخيل: يعني لازم يجي قرار؟ أو يجي واحد.. د.حسن بن فهد الهويمل: لا بد أن يكون.. القرار الذي صدر بتعيين الرئيس لا بد أن يأتي قرار بإعفاء الرئيس وتعيين رئيس آخر وليس في ذلك ما يسيء لا إلى رئيس النادي ولا إلى المؤسسة التي يعمل فيها يعني إقالة رئيس النادي لا يمكن أن تكون مؤثرة على سمعته ولا على مكانته بل الاستقالة هي التي ستؤثر على سمعته لماذا يستقيل؟ تركي الدخيل: ليش لماذا يستقيل؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لماذا يستقيل؟ الاستقالة هو دليل أن هناك احتجاج، الاستقالة إنه هناك احتجاج على أي وضع من الأوضاع، أنا جئت. تركي الدخيل: في كل الأمور المتحضرة الواحد يشتغل لفترة وبعدين ينتهي. د.حسن بن فهد الهويمل: ينتهي إذا فعّلت اللائحة، وقيل مثل ما فعلت الآن أنظمة نظام مجلس الوزراء ونظام موظف بمرتبة ممتازة إذا ما صدر قرار بتجديد.. بالتجديد له.. تركي الدخيل: هل تطالب بتفعيل اللائحة أنت؟ د.حسن بن فهد الهويمل: نعم أطالب. تركي الدخيل: طيب ما سمعنا لكم مطالبات؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا.. نطالب بالتفعيل ونود بس نطالب قبل تفعيل اللائحة أن تجدد هذه اللائحة، أن يوضع لائحة تواكب النهضة الأدبية والنهضة الفكرية والنهضة.. تركي الدخيل: يعني أنت تلقي بالمسؤولية وعلى وزارة الثقافة والتي يجب أن تجدد اللائحة.. وهي التي.. د.حسن بن فهد الهويمل: أساساً لا أرى أن هناك خطأ. تركي الدخيل: إذن أنت تعتقد أن وزارة الإعلام أساساً تطالب ببقائكم أنتم.. د.حسن بن فهد الهويمل: أنا لا أرى أن هناك خطأ أبحث عن مشجب، أنا أرى أن الأوضاع تسير طبيعية، إقالة رئيس النادي أو تثبيت رئيس النادي أيضاً تأتي طبيعية، بس أساساً الصحافة هي التي صنعت المشكلة. تركي الدخيل: تعتقد أنها صنعت مشكلة من لا شيء؟ د.حسن بن فهد الهويمل: طبعاً, لأنه ليست.. تركي الدخيل: زوبعة يعني.. د.حسن بن فهد الهويمل: زوبعة يعني ليست الأندية وحدها هي التي استمر رؤساؤها أكثر من 20 أو 30 سنة هناك جهات أخرى استمر رؤساؤها واستمر العاملون فيها.. تركي الدخيل: مثل ايش؟ د.حسن بن فهد الهويمل: ابحث عن أي قطاع ليس.. تركي الدخيل: أنت اللي تقول؟ د.حسن بن فهد الهويمل: هي موجودة، هي موجودة. تركي الدخيل: يعني كانت بعد.. مع التعديل الوزاري اللي صار في منتصف التسعينات انتهت المرحلة مرحلة الـ 10 سنوات والـ20 سنة. د.حسن بن فهد الهويمل: انتهت بس يكون تجديد.. إذا جدد. تركي الدخيل: والتجديد بنظام مجلس الوزراء يجب إلا أن يكون استثناءً ومرتين التجديد؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا ليس .. هو التجديد يمكن يكون.. تركي الدخيل: هذا النظام الأساسي.. د.حسن بن فهد الهويمل: لا.. النظام أن يجدد له فإن لم يجدد انتهى دوره. تركي الدخيل: في النظام الأساسي للحكم؟ د.حسن بن فهد الهويمل: أنا أتمنى أن تنص اللائحة أن رئيس النادي يبقى بالنادي لـ 4 سنوات فإن جدد له وإلا ترك المنصب. تركي الدخيل: طيب دكتور حسن أنت قبل قليل قلت أن المشكلة في الاستقالة. د.حسن بن فهد الهويمل: وليس.. تركي الدخيل: ألا تعتقد أن الاستقالة، هل تعتقد أن عبد الله بن إدريس وعبد الفتاح أبو مدين ارتكبوا إشكاليات لأنهم استقالوا؟ د.حسن بن فهد الهويمل: وحتى عبد الفتاح أبو مدين عندما استقال طلب منه أن يستمر حتى يشكل مجلس الإدارة. تركي الدخيل: طبيعي لتمضية الأمور مثل الحكومات يعني لما تصير تتشكل حكومة جديدة يبقى الوزراء لما.. د.حسن بن فهد الهويمل: يا أستاذنا الاستقالة تصرف شخصي وقناعة شخصية يعني وليست إرادة جماعة. أنا عندما أقرر أن أستقيل، أستقيل في أي لحظة، عندما لا أقرر أن أستقيل لا أستقيل. استقالة الآخر لا تحملني مسؤولية ولا تضعني في قفص الاتهام هو الذي تصرف.. تركي الدخيل: بس لأنك قلت الاستقالة هي الخطأ، الخطأ معناتها أنت تعتقد أنهم ارتكبوا أخطاء عبد الفتاح وعبد الله بن إدريس..؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأ، المطالبة.. المطالبة بالاستقالة تكون خطأ لأنه إذا أردت أن تغير جهاز مجلس إدارة وتحيل إلى لائحة وتحيل إلى نظام فلا أحد يلومك مجرد أن تصدر قراراً بأن فلاناً رئيس للنادي يكون الرئيس السابق قد انتهى. بالتالي ليس هناك ما يمنع أي نظام من تشكيل مجالس إدارة وتشكيل لجان أو حقن الأندية بدماء جديدة لا يمنع هذا، والأندية نفسها لا زالت مستمرة في تغيبر,. حول التجديد في نادي القصيم تركي الدخيل: هل أنتم تمارسون في نادي القصيم الأدبي أنت تقول أنه إذا بيصير فيه تجديد دماء مو بلازم الرئيس تجدد اللجان.. تجدد.. د.حسن بن فهد الهويمل: أنا أقول إنه ليس وقفاً التجديد ليس وقفاً على إزاحة رئيس النادي.. رئيس النادي جزء من التجديد إن غير أو لم يغير فهذا لا يمنع من ضخ الدماء الجديدة في النادي. تركي الدخيل: جميل أنتم هل ضخختم الدماء الجديدة في النادي؟ د.حسن بن فهد الهويمل: نعم نحن في كل سنة نغير: لجنة ثقافية، لجنة الكتاب والمكتبة، لجنة.. تركي الدخيل: عندكم متغيرات كثيرة الثابت الوحيد هو الرئيس. د.حسن بن فهد الهويمل: الرئيس وأعضاء مجلس الإدارة لأن هؤلاء ليسوا من صلاحية رئيس النادي أن يغير فيهم يعني ليس من صلاحية رئيس النادي أن يغير في رئيس النادي نفسه أو في أعضاء مجلس الإدارة، لكن من حقه أن يغير في اللجان الأخرى. تركي الدخيل: طيب لو استقال واحد من أعضاء مجلس الإدارة كيف يتم؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا بد أن يرشح بديل، ويرفع.. تركي الدخيل: من يرشحه؟ د.حسن بن فهد الهويمل: يرشحه النادي أو يرشحه أمير المنطقة، ترشحه لجنة ثقافية، ترشحه أي لجنة من اللجان الموجودة يعني لا بد أن يكون هناك آلية لإيجاد البديل هذه الآلية تعتبر خيارات وليست حصراً على رئيس النادي أو أعضاء مجلس الإدارة.. تركي الدخيل: لماذا برأيك أثيرت قصة بقاء رؤساء الأندية فترة طويلة الآن في الصحافة ليش ما هي بقبل سنتين أو 3 سنين؟ د.حسن بن فهد الهويمل: هذا يسأل من أثارها. تركي الدخيل: يعني أنت كمراقب للمشهد. د.حسن بن فهد الهويمل: لا بد لأنه لا يمكن أن تكون الأندية فاعلة في المشهد الأدبي ولا يكون لها خصوم ويكون لها أنصار ويكون لها أناس لهم طموحات ولهم تطلعات لم تتحقق على يد الأندية.. بالتالي وجود الأندية كموضوع للحديث دليل على فعالية الأندية ودليل على تأثير الأندية في المشهد لو لم يكن للأندية تأثير في المشهد الأدبي ما كان فيه مجال للحديث. تركي الدخيل: بس هم يقولون نحن قاعدين نطالب لأنه غير فاعلة الأندية. د.حسن بن فهد الهويمل: رؤية قد تكون الطموحات أكبر من الكميات. تركي الدخيل: ألا تعتقد أنه من حق الصحفيين أن يطالبوا هكذا مطالبة. د.حسن بن فهد الهويمل: إلا.. من حقهم أن يفعلوا ما يشاؤون تركي الدخيل: ومن حقكم أنتم أن ترفضوا مطالبتهم., د.حسن بن فهد الهويمل: ليس من حقنا أن نرفض ولكن من حقنا أن نرقب مثلما يرقبون. تركي الدخيل: كيف يعني؟ د.حسن بن فهد الهويمل: نحن ننتظر هل وزارة الثقافة والإعلام تريد أن تغير مجالس الإدارة، أو تريد أن تغير أجزاء من مجالس الإدارة هل تريد أن تغير رؤساء الأندية فقط؟ تركي الدخيل: لو غيرت وزارة الإعلام رؤساء الأندية الأدبية، هل تعتقد أن فيها إساءة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: ليس في ذلك أي إساءة، هو إجراء إداري يا أخي.. تغيير رئيس النادي أو أعضاء مجلس الإدارة إجراء طبيعي ليس عليه غبار وليس عليه مؤاخذة. تركي الدخيل: لأن بعض رؤساء الأندية رابطة رؤساء الأندية في مناطق أخرى اعتبروا أن بقاءهم هو حماية للأدب، أو شيء من هالقبيل؟ د.حسن بن فهد الهويمل: هذه ليست مسؤوليتي، مسؤولية من قال هذا الكلام. تركي الدخيل: لا أنا أشاورك في الكلام. د.حسن بن فهد الهويمل: وأيضاً أنا أجيبك أنا لست مسؤول عن أخطاء رؤساء الأندية فيما يكتبون أنا لم أدخل. تركي الدخيل: إذن تعتبره خطأ؟ د.حسن بن فهد الهويمل: أنا لم أدخل في قضية ما أثير حول هذا الموضوع لا سلباً ولا إيجاباً. تركي الدخيل: أنا أسألك لأعرف رأيك فيه. د.حسن بن فهد الهويمل: أنا أعرف أنك ما دخلت، جايبينك على شان نسمع رأيك يا دكتور حسن. د.حسن بن فهد الهويمل: وهو؟ تركي الدخيل: من قال من رؤساء الأندية أن بقاءه هو ضمان للأدب الحقيقي أو للأدب الفاضل هل تعتقد بأن هذه المقولة صحيحة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأ.. خطأ، أبداً، المملكة مليئة بالأكاديمين مليئة بالشعراء مليئة بالروائيين مليئة بالقصاص وكل من وجد في نفسه الكفاءة فمن حقه أن يتطلع إلى رئاسة النادي أو عضوية النادي وليس النادي ملكاً لرئيس النادي. د.حسن بن فهد الهويمل: طيب دكتور حسن الهويمل أنت رئيس نادي القصيم الأهلي، هناك بعض.. منطقة القصيم معروف أنها منطقة كبيرة وتمثلها أكثر من محافظة ومدينة، هناك من يقول أنكم تستخدمون تسمون النادي نادي بريدة الأدبي، هل أنتم.. أنت بوصفك رئيساً للنادي من أهالي بريدة، فهل صحيح أن نادي القصيم الأدبي يعني يمارس بعض العنصرية اتجاه بقية مدن منطقة القصيم؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا أبداً الأدب لا يمكن أن يكون فيه عنصرية، الأديب يفرض نفسه إن كان أكاديمياً أو كان شاعراً أو كان روائياً. تركي الدخيل: بس يقولون معظم الإنتاج اللي أنتم تطبعونه لأهالي بريدة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: ليس صحيحاً ولا طبعنا لأهالي بريدة إلا نزر قليل ولم نفكر في الموضوع، يعني الإنسان اللي فكر في الموضوع هو الذي يحمل هذا الهم العنصري، نحن لم ننظر لهذا الموضوع وإلى الآن ما اكتشفنا أن هناك عنصرية في ما نطبع أو في يعني لو كان عندنا هم كان احتطنا وأنا عرفت كم طبعنا للمحافظات كم طبعنا لأدباء الرياض وأدباء مكة وأدباء غيرها أنا لم أستحضر هذا الموضوع بحيث أنني أستطيع أن أقول لك فعلاً لسنا عنصريين، ليست هناك عنصرية أبداً، والعنصرية يمكن أن تثبتها في ممارسات ممكن أن الذي يتهم النادي الأدبي بالقصيم بالعنصرية يقدم قائمة بملامح العنصرية. تركي الدخيل: الذين يرددون هذا القول يقولون أن عضوية مجلس الإدارة لا يوجد أعضاء مثلاً من عنيزة أو من الرس، وإن معظم أعضاء أو كل أعضاء مجلس الإدارة من بريدة. د.حسن بن فهد الهويمل: هذا صحيح، عندما أنشئ النادي الأدبي أنشئ.. تركي الدخيل: ألا ترى أن هذا مظهر من مظاهر العنصرية؟ د.حسن بن فهد الهويمل: خليني أعود بك إلى الأصول بحيث تعرف الإشكالية، عندما فكر أهالي بريدة بالذات أن ينشئوا نادياً أدبياً هم الذين أنشؤوه أنشأه أهالي بريدة، ولم ينشئه أحد غيرهم. تركي الدخيل: يعني كان نادي بريدة. د.حسن بن فهد الهويمل: نعم كان نادي بريدة، وعدل اسمه لنادي القصيم الأدبي وكان اسمه نادي بريدة. وكان يمول من أبناء بريدة وكان الانتخابات وجدت في بريدة ولم يكن هناك. تركي الدخيل: طيب عندما عدل إلى نادي القصيم لماذا لم يطعّم مجلس الإدارة بأعضاء من.. د.حسن بن فهد الهويمل: مطعم.. اللجان الثقافية مطعمة. تركي الدخيل: مجلس الإدارة ما فيه، ألا تعتقد أنه يجب أن تشارككم المناطق الأخرى. د.حسن بن فهد الهويمل: يا أخي حتى أعضاء مجلس الإدارة معالي الشيخ عبد العزيز المسند في الرياض، والشيخ محمد الناصر عبودي في مكة له ثلاثين سنة والأعضاء ليسوا كلهم مقيمين في بريدة.. أنا ودي تشيل هالفكرة هذه لأنها ليست.. تركي الدخيل: بدنا تقنعنا على شان نشيلها. د.حسن بن فهد الهويمل: أتصور أننا كبرنا عليها شوي تركي الدخيل: أنا ما عندي مشكلة بس هذه من الأشياء الموجودة. د.حسن بن فهد الهويمل: موجودة ولكن لا تثار على مستوى أشخاص يعني يملكون أهلية الإثارة يعني ما أثارها كبار الأدباء أو أثارها كبار المفكرين أو أثارها كبار المسؤولين يعني القصيم فيه عدد من الوزراء ينتمون إليه، وفيه عدد من. تركي الدخيل: دكتور حسن خلينا نكمل بعد فاصل قصير، اسمح لي، فاصل قصير أيها الإخوة نعود بعده لمواصلة حوارنا في إضاءات مع الدكتور حسن بن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي بالقصيم فابقوا معنا. [فاصل إعلاني] رد على تهمة العنصرية في النادي تركي الدخيل: أيها الإخوة والأخوات حياكم الله مجدداً في إضاءات لا يزال حوارنا هذه الحلقة مع الدكتور حسن بن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي في القصيم، دكتور قبل الفاصل كنت تتحدث وأنت متحمس واجد، تقول خلنا نشيل هالكلام: لا يوجد يعني لم يطرح هذا الطرح أحد من الأدباء الكبار لكن في النهاية هذا الكلام مطروح وكنت أنت تتحدث أنه فيه عدد من الوزراء والقصيم وأنا قاطعتك عشان الفاصل؟ د.حسن بن فهد الهويمل: هم لم يثيروا هذه القضية ولا أحد يلتفت إليها إلا أشخاص ربما. تركي الدخيل: أنا جايبها من جيبي يا دكتور في ناس حكوها وأنا نقلتها لك. د.حسن بن فهد الهويمل: أنا أرد أيضاً، وأقول نحن لا نفكر في مثل هذه الأشياء وأرجوا أن نكون كبرنا عليها إن شاء الله تركي الدخيل: طيب ما تعتقد أنه من حق المحافظات أن يدرج أعضاء.. د.حسن بن فهد الهويمل: من حق المحافظات أن يؤسس فيها أندية أدبية، أمارة مكة فيها 3 أندية، نادي الطائف محافظة ونادي جدة محافظة، ونادي مكة عاصمة ومن حق المدن الكبيرة مثل عنيزة ومثل الرس والبكيرية والمذنب أن يستجاب لها ويوضع فيها أندية أدبية. تركي الدخيل: طيب بس بين ما يحط لها هالحين هذا للقصيم كله؟ د.حسن بن فهد الهويمل: وهو للقصيم وليس هناك أي يعني تفكير في التفرقة بين أدباء المنطقة عموماً وهم يشتركون معنا في اللجان وهم يشتركون معنا في المحاضرات ويشتركون معنا في الندوات وفي الأمسيات وفي طباعة الكتب، طبعنا أكثر من 6 كتب من لأدباء من عنيزة وكرمنا أكثر من شاعر من عنيزة. تركي الدخيل: يعني آخر تكريم من القصيم بالتأكيد هذا التكريم للأديب الراحل محمد المسيطير وهو من أهالي الرس. د.حسن بن فهد الهويمل: بصني أنا من عنيزة والنادي يعني لا يفكر في هذا الموضوع أساساً بحيث أنه يضع احتياطات، هي جاءت كل هذه الأشياء تأتي عفوية وليست يعني لا نستحضر فيما نمارس حق عنيزة وحق بريدة وحق.. نحن ننظر إلى القصيم ككل، والمسافة القائمة الآن بين مدينة ومدينة كالمسافة القائمة بين حي وحي في العاصمة الرياض، معنا مسافات تستدعي أن نقول هالنادي لبريدة وهذا النادي لعنيزة أو الرس. تركي الدخيل: عموماً هذا يعني ردك على أشياء مطروحة وأكيد إنك سمعتها. د.حسن بن فهد الهويمل: ولا رديت عليها طرحت ولا رديت عليها. تركي الدخيل: أشكرك لأنك رديت عليها هنا، دكتور حسن لننتقل إلى نقطة أخرى، أنت مدير. د.حسن بن فهد الهويمل: المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية. تركي الدخيل: طيب ممكن أسأل سؤال ثاني، أنت مدير صحيح المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي في الرياض، سؤالي ينقسم إلى شقين أنت تمثل يعني الأدب الإسلامي، هناك أكثر من مدرسة أدبية هناك من يتهم الدكتور حسن بن فهد الهويمل بأنه من خلال رئاسته لنادي القصيم يحكر إتاحة الفرصة على نفس المدرسة التي.. نفس المدرسة المحافظة أو الكلاسيكية أو مدرسة الأدب الإسلامي التي يمثلها الدكتور حسن بن فهد الهويمل دون أن يتيح المجال لتيارات أخرى موجودة في السعودية ولها حضورها لكي تستفيد من مناشط أو لكي تفعل من خلال النادي الأدبي في القصيم، ما تعليق الدكتور الهويمل على هذا الكلام. د.حسن بن فهد الهويمل: والله أرجو أن لا أكون على هذا الكرسي مدافع وهذا غير صحيح وهذا غير.. تركي الدخيل: المعذرة بس هذه الأشياء موجودة وحنا نبي نسمعها منك وأنت ما شاء الله عليك متعود على المعارك والهجوم والهجوم المضاد فما عندك مشكلة بهالقصة. د.حسن بن فهد الهويمل: أولاً أنا ضد الانتماء يعني لحزب أو لطائفة أو لتنظيم والعمل من خلال هذه التيارات أو من خلال هذه المؤسسات. تركي الدخيل: هل تعتبر المدارس الأدبية ضمن التنظيم أو الطوائف؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأ.. هي المدارس الأدبية تعتبر كيانات لها هم ولها أولويات وأنا ضد هذا الانتماء يعني أنا ضد يعني تسييج الإنسان نفسه ضمن مذهب أو ضمن تيار أو ضمن ظاهرة أو ضمن مدرسة أو ضمن دائرة لكن لا يمنع أن يعمل.. تركي الدخيل: بس أنت مدير رابطة الأدب الإسلامي بالرياض.. د.حسن بن فهد الهويمل: نعم أنا رئيس للمكتب لكني لست يعني لست مستغلاً لهذا التيار بالشكل الذي يتصوره البعض وحتى المدرسة أو حتى الرابطة الهدف فيها إشاعة الكلمة الطيبة فلا أتصور أن إشاعة الكلمة الطيبة في الإبداع القولي أنه يعني التقوقع ويعني الانعزال ويعني إقصاء الآخرين، ليس هناك يعني ليس هناك هم يساور.. أو يساورني أنا على الأقل في رئاستي للرابطة أو رئاستي للنادي أو وجودي مثلاً في جامعة ذات صبغة معينة أني أنفي الآخر أو أني أمارس الأثرة أو أني أركز على استخدام هذه المؤسسة أو هذه المنشأة لتغطية همي أنا الشخصي. تركي الدخيل: هل أنتم أتحتم مثلاً لأدباء الحداثة خليني أضرب على سبيل المثال، أقمتولهم أمسيات؟.. د.حسن بن فهد الهويمل: نعم. تركي الدخيل: مثل؟ د.حسن بن فهد الهويمل: أقمنا.. طبعنا كتب حديثة أقمنا أمسيات شعرية وأقمنا. تركي الدخيل: ممكن تضرب لنا أمثلة. د.حسن بن فهد الهويمل: والله ما هسّع.. واجد.. 26 سنة أو 25 سنة. تركي الدخيل: من هذه الـ 25 سنة نبي 3 أمثلة عشان ما نتعبك. د.حسن بن فهد الهويمل: يعني ما هو مفهوم الحداثة أنت عندك. تركي الدخيل: اللي أنا أبي المفهوم اللي أنت تعبره. د.حسن بن فهد الهويمل: هل تتصور إنه أنا ضد التجديد؟ المشكلة هل.. تركي الدخيل: ما أجبتني على سؤالي أبي 3 أمثلة ممن تقول.. د.حسن بن فهد الهويمل: سأجيبك على هذا، حنا طبعنا للأستاذ أحمد يوسف كتاب في التعبير الأدبي وطبعنا للأستاذ الجيلاني أيضاً جزائري كل هذا يمثلون تيار الألسنية وتيار البنيوية وتيار الحداثة لكننا. تركي الدخيل: طيب ليش طبعتوا لجزائري ما طبعتوا لسعودي؟ د.حسن بن فهد الهويمل: طبعنا دواوين، مثلاً عندك الشاعر عبد الله الوشمي يمثل تجديد الشعر في.. شعر التفعيلة وله همّه الذي يتناغم مع الحداثة الفنية وليست الحداثة الفكرية يعني أنا أريد أن أحدد.. تركي الدخيل: طيب خلينا نحكي في هذا، أنت تحدثت عن ضابط تعتبره من الواضح أنه مهم الحداثة الفنية والحداثة الفكرية، هل نقدر نقول أنك أنت ضد الحداثة الفكرية ومع الحداثة الفنية، علمنا وش الحداثة الفكرية في تقديرك؟ د.حسن بن فهد الهويمل: الحداثة الفكرية هي حداثة الانقطاع حداثة الـ.. تركي الدخيل: كيف الانقطاع؟ أبي ما تصير مصطلحات متخصصة. د.حسن بن فهد الهويمل: الحداثة الفكرية هي الحداثة التي تقطع صلتها بكل التراث سواء كان تراثاً أدبياً أو تراثاً فكرياً أو تراثاً دينياً. تركي الدخيل: تعتقد أن لدينا أدباء من هذا النوع. د.حسن بن فهد الهويمل: يمكن يكون لدينا ناس يتناغمون مع هذه الأشياء لكن ليس لدينا حداثة فكرية التي تمثل العهر والكفر، ليست هذه موجودة، الحمد لله لا ليست موجود، لكن أيضاً موالاة هؤلاء أو إفساح المجال لهؤلاء أو إشاعة الحداثة دون تحديد المفهوم لأن المشكلة التي نعيشها نحن في واقعنا هو اضطراب المفاهيم يعني عندما تطرح مشروع الحداثة وتطرح مفهوم الحداثة ما هي الحداثة التي تريد؟ هل هي حداثة فن أو حداثة فكر إذا كانت حداثة فكر أيضاً ما مدى علاقتها بأساطين الحداثة. تركي الدخيل: وإلى أي حد هي تقطع صلتك بالتراث. د.حسن بن فهد الهويمل: وإلى أي حد يكون ارتباطها مع الرموز. تركي الدخيل: طيب جميل أنت قبل شوي تقول ما عندنا حنا ناس يبوا يقطعون صلتنا.. د.حسن بن فهد الهويمل: قد يكون عندنا ناس يتناغمون مع هذا التيار ويوالون هذا التيار ويشيعون هذا التيار، لكنهم ليس لديهم الوعي التام بمفهوم الحداثة التي نحن نقف ضدها، المشكلة الأساسية أنهم يروننا ضد التجديد ولهذا أنت الآن لما بدأت تتحدث معي، حسبتني من المحافظين أو حسبتني من الكلاسيكيين بينما هذا خطأ أنا لست كلاسيكياً ولست محافظاً، أنا مجدد لكن تجديدي له مواصفاته وله انضباطه وله مفهومه، اللي هو الحداثة الفنية يعني حداثة التجديد المواكبة للعصر بمعنى أن تكون أديباً مواكباً لعصرك ومتطلبات عصرك. المعارك الأدبية بين الاختلاف والإقصاء تركي الدخيل: جميل أجريت معك مقابلة في المجلة العربية في عام 1422 يعني 2002 تقريباً، المقابلة كانت من جزئين في جزئها الثاني سئلت سؤالاً، المعارك الحادة بينك وبين الدكتور الغذامي لم تنتهِ إلى حل وسط، فكلا موقفيكما متباعدان فما السبب وراء ذلك وإلى متى تبقيان على هذه الحال أليس هناك مجال للتواصل البناء، أجبت دكتور حسن إجابة من سطر واحد قلت ليس من مصلحة المشهد الثقافي أن تصفّى الخلافات بالتنازلات بل باستبانة الحق والرجوع إليه، دكتور أنا قرأت لك أكثر من طرح، واضح أنك من خلال تبنيك لبعض القضايا تؤمن بقطعية الحق هل تؤمن بأن معك حق قطعي، وأن بالتالي الآخر ليس لديه حق؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا، ليس هذا. أولاً أنا أومن بالتعددية في إطار الخلاف المعتبر أن يكون الخلاف معتبراً بمعنى الخلاف له مرجعية بس أنا مرجعيتي قد تكون نصية، وأنت مرجعيتك نصية تأويلية. يعني مرجعيتي أنا نصية ظاهرية ومرجعيتك نصية تأويلية. تركي الدخيل: خلافك أنت والغذامي هل تعتبره معتبراً أم لأ؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأ معتبر. ليس في ذلك شيء لكن لا يعني أنا أن يحتويني في تياره أو في اتجاهه أو في رقبته. تركي الدخيل: ولا أن تحتويه. د.حسن بن فهد الهويمل: ولا أن أحتويه.. لا يكون موقفه مترتباً على أن نفيي أو على تخطئتي. تركي الدخيل: يعني لا يقصيك ولا تقصيه. د.حسن بن فهد الهويمل: لا يقصيني ولا أقصيه. تركي الدخيل: بس أنتو قاعدين تمارسونه بشكل أو بآخر. د.حسن بن فهد الهويمل: هكذا يتصور الناس ولكن ليس هذا صحيحاً. تركي الدخيل: يعني خلافك أنت وياه خلاف تنوع مو بخلاف تضاد. د.حسن بن فهد الهويمل: طبعاً خلاف تنوع وليس خلاف تضاد. تركي الدخيل: كل هالمعارك وخلاف تنوع دكتور؟ د.حسن بن فهد الهويمل: ولا يمكن يعني أنت.. تركي الدخيل: طيب كيف يكون خلاف تنوع وأنت تقول بل باستبانة الحق والرجوع إليه؟ يعني كأنك تدعوه للرجوع للحق. د.حسن بن فهد الهويمل: نعم، قد يكون مخطئاً ومتأولاً، قد يكون هو على خطأ تركي الدخيل: إذا كان على خطأ ما صار خلاف تنوع هذا خلاف تضاد. د.حسن بن فهد الهويمل: شوف الفرق عندما تكون أنت على خطأ هل أنت متأوّل أو متعمد؟ تركي الدخيل: وأنت تعتقد أنه متعمد؟ د.حسن بن فهد الهويمل: متأول ليس متعمداً الخطأ، فأنا أحاول أن أثنيه وأبين أن تأوله خطأ. تركي الدخيل: ألا تعتقد أنه يرى نفس النظرة هذه وأنت مخطئ.. د.حسن بن فهد الهويمل: هو حر في ذلك، لكن ليس من حقه أن يحتويني ولا أن يتوقف يعني رضاه على أن أكون في سلته أو في تياره. تركي الدخيل: وأنت نفس الشيء. د.حسن بن فهد الهويمل: وأنا نفس الشيء. تركي الدخيل: ما عندك مشكلة أنه يبقى في تياره بس يصير بينك وبينه.. د.حسن بن فهد الهويمل: لا عندي مشكلة أتمنى ألا يكون في تياره. تركي الدخيل: طيب صرت أنت تبي تحتويه. د.حسن بن فهد الهويمل: خلي هو يكثر سوادنا يا أخي. تركي الدخيل: نفس الفكرة اللي عندك اللي تو تطالبه ألا يحتويك أو يجعلك في سلته صرت أنت تمارسه. د.حسن بن فهد الهويمل: بس إذا كانت الرغبة قائمة في أن يكون معي لكن لا يعني هذا عندما لا يكون معي أن القضية يعني انتهت إلى طريق مسدود. الحدة في ردوده الأدبية تركي الدخيل: جميل، دكتور أنت موجود في المشهد الثقافي ما شاء الله نحو أكثر من 40 عاماً، في مقابلة أيضاً قلت أن المعركة الأولى وأنت مشهور بكثرة معاركك الأدبية، قلت أن المعركة الأولى كانت قبل 40 سنة من خلال خلافك مع الشاعر الكبير محمد بن علي السنوسي قلت أيضاً كنت - تتحدث عن نفسك - يومها في عنفوان الشباب وفي بدايات القراءة، ومن ثم قسوت عليه وقامت بيني وبين المرحوم عبد القدوس الأنصاري جفوة بسبب الحدة في نقد السنوسي وكان رحمه الله قد أهداني ديوان القلائد لقراءته وكتابة دراسة عنه ولما لم ترق له اعتذر بلطف عن نشرها فبعثت بها إلى جريدة الرائد الخ.. الآن أنت أيضاً قدمت كتاباً عن الأديب المنصور.. محمد المنصور؟ د.حسن بن فهد الهويمل: أحمد المنصور. تركي الدخيل: أحمد المنصور، وقلت في الكتاب اللي نشر قبل سنوات قليلة بأن رسالتك قبل 30 عاماً للدكتوراه تحدثت بقسوة عن المنصور لأنك كنت في عنفوان الشباب والآن أنت نضجت ووجدت أن فيه مجال بأن الواحد ياخذ بأطياف كثيرة.. من الواضح إنه عندك بعض المراجعات اللي قلتها وحسبت جرأة لك. لازم نحتوي الواحد لما ينضج ويكبر وتطلع شيباته عشان يتراجع؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأ هو شوف الحياة تجارب، والإنسان في الحياة يعني كل يوم تتجدد آراؤه وتتبدل لكن لا.. وأنا يعني أنا ضد التحول من الصفر إلى 180، لكن أنا مع التحول التدريجي الذي يستطيع من خلاله الإنسان أن يستوعب أكبر قدر ممكن من التيارات التي يمكن أن تتناغم داخل المنظومة التي هو يشكلها لذاته. تركي الدخيل: يعني هل نقول إن الدكتور حسن بن فهد الهويمل عنده بعض التراجعات؟ د.حسن بن فهد الهويمل: نعم، ما في ذلك الشك. تركي الدخيل: كم نسبتها إذا أنت ما تبي تتحول 180درجة؟ 20؟ 30 درجة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأ، هو التراجع لا يعني العكس، يعني تراجعك لا يعني أن تكون ضد رأيك السابق ولكن أن تكون متوسعاً في هذا الرأي بمعنى أنك تشكل هرماً مقلوباً في اتساعه. تركي الدخيل: في رسالة الدكتوارة كنت ترفض أدب المنصور. د.حسن بن فهد الهويمل: كنت أرفض الرمزية. تركي الدخيل: بعدين صرت تقبلها وتقول هي شكل من أشكال الأدب. د.حسن بن فهد الهويمل: ثم بعد ذلك أحسست بأنه يمكن قبول هذا اللون. تركي الدخيل: هذا ضد الرأي السابق. د.حسن بن فهد الهويمل: شو الرأي السابق؟ تركي الدخيل: أنت تقول إنه لا تغير، تغير بس لا تكون ضد الرأي السابق؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا لا لا ليس ضدية هي نوع من رحابة الصدر ونوع من الاتساع. تركي الدخيل: وسعت الدائرة يعني. د.حسن بن فهد الهويمل: إي نعم كل ما كثرت التجارب وكثر اطلاع الإنسان وتواصله مع الآراء والتيارات وقراءته للخلافات سواء في مجال الفقه أو في مجال التفسير أو في مجال الحديث أو في مجال الفلسفة أو في مجال الأدب وجد أن هناك يعني هناك مرجعية نصية ظاهرية ومرجعية نصية تأويلية واحتمالية فيعني بعض الأحيان تجد أنني وقاف عند ظاهر النص لكن من الممكن يا أخي. تركي الدخيل: ظاهري يعني. د.حسن بن فهد الهويمل: ليس ظاهرياً الظاهرية مذهب لها أصولها لكن ممكن أن أتقاطع معهم دون أن أكون معهم إذا ما تتقاطع المبادئ الاشتراكية مع الإسلام الوجودية مع كذا يعني تتقاطع المذاهب بمعنى أن بعضها يأخذ من بعض لاحظ شيئاً واحداً إنه ليس هناك نص بريء، ليس هناك نص بريء. تركي الدخيل: تعتقد أن الاشتراكية تقاطعت مع الإسلام؟ د.حسن بن فهد الهويمل: طبعاً ما في ذلك شك، وكارل ماركس ما طرح مشروعه الاشتراكي إلا بعد ما قرأ عشرات السنين كل الديانات وكل الأشياء هذه، ويمكن أن تجد أكثر من 60 أو 70 تجد 30 أو 40% من الاشتراكية موجود في الإسلام. تركي الدخيل: قلت قبل قليل ليس هناك نص بريء. د.حسن بن فهد الهويمل: نعم. تركي الدخيل: ببراءة سأتوقف عند فاصل وأعود. أيها الإخوة فاصل قصير ونعود بعده إلى إضاءات وحوارنا مع الدكتور حسن بن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي في القصيم فابقوا معنا. [فاصل إعلاني] تركي الدخيل: أيها الإخوة حياكم الله مجدداً في إضاءات لا يزال حوارنا هذه الليلة مع رئيس النادي الأدبي بالقصيم الدكتور حسن بن فهد الهويمل، دكتور قبل قليل قلت ليس قلت ليس هناك نص بريء.. كيف لا يوجد هناك نص بريء؟ د.حسن بن فهد الهويمل: كل الحضارات تتوارث بما فيها الإسلام، الإسلام عندما جاء الرسول قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فكانت مكارم الأخلاق موجودة ووصف الدين الإسلامي بقصر فيه مكان لبنة، وقال أنا هذه اللبنة. والإسلام أخذ من الجاهلية، والإسلام عرض لشرائع الأمم السابقة وأخذ منها والفقهاء ناقشوا هل شرع من كان قبلنا شرع لنا إن لم يأتِ ناسخ له، ويعني ليس هناك نص بريء. تركي الدخيل: ماذا تقصد ليس هناك نص بريء. د.حسن بن فهد الهويمل: يعني كل نص يعتبر محصلة نصوص سابقة، أنا عندما أريد أن أكتب أو أريد أن أتحدث. تركي الدخيل: أنت تتحدث عن النص بمفهومه العام. د.حسن بن فهد الهويمل: بمفهومه العام تستطيع أن ترجع النص إلى مجموعة النصوص وهذا مبدأ التناص والنصوصية وهذا مصطلح في الأسلوبية أن.. التفكيكية نفسها كلها تحيل أو تعتمد على أن النص هو محصلة نصوص وفي النهاية كما يقولون الأسد مجموعة من الخراف المهضومة. تركي الدخيل: طيب خلينا نرجع دكتور إلى معركة لنسمّها المعركة الكبرى خلال مسيرتك هي معركتك مع الحداثة. د.حسن بن فهد الهويمل: نعم. تركي الدخيل: أليس كذلك؟ معركة أشهر معركة أنت خضتها هل تعتقد أنه حسن بن فهد الهويمل الآن في 2006 إلى أين تشكل فيما يتعلق بالحداثة مقارنة بالعقدين الماضيين الذي نشأ فيه تيار الحداثة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: أنا في السابق معاركي تدور حول ربط مصطلح الحداثة بمفهومه الغربي، يعني أنا أواجه الحداثة بمفهومها الغربي الآن تغير رأيي بأنه يجب أن نفرق بين الحداثة العربية بكل تحولاتها والحداثة الغربية، ثم آتي إلى تفريق الحداثة بين حداثة فنية وحداثة فكرية. فمن هنا أصبح يعني من واجب الإنسان أن يراعي مفهوم الحداثة عند خصومه بحيث لا يظلمهم، لأنه أنت لا تستطيع أن تواجه إنساناً يتمسك بحداثة ذات مفهوم غربي، ولكنه في ممارسته يمارس التطبيق العربي أو المفهوم العربي وهذه هي المشكلة. تركي الدخيل: ايش التطبيق العربي لو يلبس بدلة. د.حسن بن فهد الهويمل: لا لا ليست.. أنا أعني بالحداثة الفكرية والحداثة الأدبية ولا أعني حداثة الهندسة ولا حداثة الاقتصاد. تركي الدخيل: لأ بس أبي أعرف وش التطبيق العربي اللي أنت تقصد أن اللي بديت أنت تتراجع فيه وترى إذا هو يتعاطى مع الحداثة الغربية كمفهوم لكن يطبق. د.حسن بن فهد الهويمل: لما يأتي الآن مثلاً مبدع ويصدر ديواناً أو رواية أو مجموعة قصصية ويرى أنها تمثل الحداثة نحن ننظر إلى هذا الإنتاج، هل هذا الإنتاج ينتمي إلى الحداثة بمفهومها عنده هو أو بمفهومها الغربي، بمعنى حداثة العهر والكفر؟ فإذا كان هذا الكتاب الذي أصدره ديواناً أو رواية أو مجموعة قصصية لا يمثل الحداثة الغربية، ولكن يمثل الحداثة كما يفهمها هو فيجب أن نتعامل معه على مفهومه ولا نضعه في سلة الحداثة الغربية التي نقف نحن ضدها وقوفاً إسلامياً. تركي الدخيل: الحدث. د.حسن بن فهد الهويمل: وقوفاً إسلامياً وليس وقوفاً أدبياً. تركي الدخيل: الحداثة الغربية التي تقول يجب أن نقف ضدها وقوفاً إسلامياً وليس وقوفاً أدبياً، ألا تجد أننا ممكن أن نستفيد منها في أشكال البناء الأدبي؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا يمنع أبداً.. يستفيد منها يا أخي.. الرسول فدى أسرى المشركين بتعليم أبناء المسلمين ولا يعني نحن عندما نختلف مع مبدأ أو نختلف مع حضارة أو نختلف مع مبادئ أن نرفض التعامل معها والاستفادة منها لا بد من تبادل مصالح وتبادل خبرات في النهاية الحضارة تعتبر إنسانية. تركي الدخيل: هي تجمع إنساني د.حسن بن فهد الهويمل: هي تجمع إنساني لكن تبقى السمات والخصائص.. الإسلام له سمته وخصيصته وله منهجيته وآلياته وله مناطاته وتبقى مثلاً ا لماركسية والوجودية والحداثة وغيرها لها مناطاتها ولها مناهجها. تركي الدخيل: كتبت مقالاً دكتور حسن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي بالقصيم في جريدة الجزيرة في رمضان 1424 قلت فيه من الظلم الجمع بين القصيبي وتركي الحمد في سلة واحدة، كيف؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأنه يختلف القصيبي عن تركي الحمد. تركي الدخيل: بأي اتجاه؟ د.حسن بن فهد الهويمل: من ناحية التجاوزات الفكرية. تركي الدخيل: أيهم عنده تجاوزات؟ د.حسن بن فهد الهويمل: تركي الحمد. تركي الدخيل: وش هي سلة تركي الحمد وش سلة غازي القصيبي؟ د.حسن بن فهد الهويمل: القصيبي قد يكون مجدداً قد يكون مثلاً له آراء فيها شيء من يعني خلينا نقول شيء من الاندفاع أكثر، بمعنى أنه يسبق زمنه فيها لكن ما يمكن نجمع الاثنين في سلة واحدة.. يختلف. تركي الدخيل: طيب وتركي الحمد؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا تركي الحمد له أخطاء ليس في ذلك شك ولا يجب أن نسايره فيها. تركي الدخيل: فيما يتعلق تقصد بالرواية. د.حسن بن فهد الهويمل: فيما يتعلق بالفكر. تركي الدخيل: بالفكر؟ د.حسن بن فهد الهويمل: نعم. تركي الدخيل: لكن القصيبي تعتقد إنه. د.حسن بن فهد الهويمل: لا لا القصيبي يختلف. تركي الدخيل: سأعود إلى مسألة ثانية تندرج من هالفكرة وهو ما يتعلق بالأدب الإسلامي الذي ترأس أنت أو أنت مدير المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي في الرياض، أول شيء أنت مقيم في بريدة تروح 300 كيلو للرياض وترأس النادي وترجع؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا أبداً أولاً المسافة بين الرياض والقصيم لا يزيد عن ساعتين ونصف. تركي الدخيل: 300 كيلو. د.حسن بن فهد الهويمل: والإنسان الذي يريد أن يتحرك في وقت الذروة من جنوب الرياض إلى شمال الرياض قد يقضي هذه المسافة مع توتر في الأعصاب. تركي الدخيل: يا دكتور يا دكتور.. جنوب الرياض وشمال الرياض زي القصيم والرياض؟ د.حسن بن فهد الهويمل: نعم.. لأ لأ بس أنو ما في مشكلة يا سيدي، ثم أيضاً أشوف الإخوان الذي يتصورون صعوبة في هذا الأمر هم الذين يؤمنون بالمركزية، أنا لا أؤمن بالمركزية أنا أؤمن بالإشراف، هناك أجهزة تشتغل هناك لجان تشتغل رئيس النادي أو رئيس الإدارة هو الذي يوجه ويشرف وليس هو الذي يعني. تركي الدخيل: ألا تعتقد أنه يعني ما يوجد أحد في الرياض يمكن أن يمارس هذا الدور؟ د.حسن بن فهد الهويمل: أسأل اللي رشحني، أنا ما أخذتها بقوة السلاح. تركي الدخيل: كل متى تروح طيب؟ لا ما أنت ماخذ شي إن شاء الله بقوة السلاح بس كل متى تروح أنت للنادي؟ تذهب إلى النادي لإدارة أموره كل متى؟ د.حسن بن فهد الهويمل: أروح له صباحاً بعد عودتي.. إذاً أنا عضو هيئة تدريس في الجامعة لماذا لا يقال لي لماذا تكون عضو هيئة تدريس في الجامعة؟ يا أخي.. تركي الدخيل: لا.. أقصد كل متى تروح للرياض عشان تمارس دورك كمدير لرابطة الأدب الإسلامي؟ د.حسن بن فهد الهويمل: في نهاية كل أسبوع أو أسبوعين يمكن أروح يوم أو يومين. حول مصطلح الأدب الإسلامي تركي الدخيل: تجلس يوم يومين، هناك يعني من يرى بأن مصطلح الأدب الإسلامي يمكن أن يخرج من لا يندرج ضمن هذه المظلة من الإسلام كيف تعلق على هذا ا لطرح؟ د.حسن بن فهد الهويمل: هذا ليس صحيحاً هنا ندخل في مشكلة المفاهيم، أنهم يتصورون أن كلمة أدب إسلامي أنها تخرج الآخر من هذه الدائرة. تركي الدخيل: وش الأدب الإسلامي؟ د.حسن بن فهد الهويمل: الأدب الإسلامي هو الأدب الذي يهتم بإشاعة الكلمة الطيبة سواءً كان أدباً عربياً أو فرنسياً أو إنجليزياً أو هندياً أو غيره الأدب الإسلامي هو الأدب الذي يهتم بإشاعة الكلمة الطيبة سواءً كان أدباً عربياً أو فرنسياً أو إنجليزياً أو هندياً أو غيره، ليس له لغة.. الأدب الإسلامي ليس له لغة، الأدب الإسلامي له هدف واحد وهو إشاعة الكلمة الطيبة، إن كان في العربية فهو يتقيد بكل متطلبات الأدب العربي إن كان بالفرنسية يتطلب كل المتطلبات الفنية لأن الأدب الإسلامي اهتمامه بالمضمون فقط. تركي الدخيل: المضمون لأي جهة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: المضمون. تركي الدخيل: من جهة الفضيلة اللي يشيع الفضيلة. د.حسن بن فهد الهويمل: لأ.. يشيع الكلمة الطيبة لأنه عندما نقول يشيع الفضيلة معناه يمكن يكون أدب زهد وأدب رقائق وأدب ديني. تركي الدخيل: الكلمة الطيبة وش تقصد؟ د.حسن بن فهد الهويمل: الكلمة الطيبة ألا تكون خبيثة فرق بين الكلمة الطيبة والخبيثة. تركي الدخيل: فيه أدب يشيع الكلمة الخبيثة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: نعم. تركي الدخيل: في أي اتجاه؟ د.حسن بن فهد الهويمل: كل الآداب العربية وكل الآداب العالمية فيها جانب من المجون فيها جانب من التحلل وفيها جانب من الأدب المكشوف وفيها جانب من الأدب الإلحادي لا أحد ينكر هذا يا أخي. تركي الدخيل: يعني أدب الدعوة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأ أنا لا أعتبر أن الأدب الإسلامي هو أدب دعوة فقط، أدب الدعوة جزء من الأدب الإسلامي وليس هو الأدب الإسلامي، الأدب الإسلامي هو الذي يركز على إشاعة الكلمة الطيبة. تركي الدخيل: طيب لكن أنت تقول بأن كون هناك أدب إسلامي أو رابطة الأدب الإسلامي لا يعني أن النصوص التي لا تندرج ضمن دائرة الأدب الإسلامي ليست إسلامية. د.حسن بن فهد الهويمل: تكون داخلة بالأدب الكفري؟ ليس صحيحاً، الأدب الإسلامي يا أخي جزء من الأدب العربي. تركي الدخيل: طيب ليش ما نشأت فكرة الأدب الإسلامي إلا في السنوات الأخيرة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: هي موجودة بس لم يوضع لها مصطلح إلا عندما طرحت المصطلحات الأخرى: طرح الأدب الوجودي وقبل، طرح الأدب الحداثي وقبل، طرح الأدب الماركسي وقبل، طرح الأدب الواقعي وقبل، طرح الأدب الرمزي وقبل، فعندما طرحت هذه المصطلحات طرح الأدباء الإسلاميون هذا مصطلح وقالوا الأدب الإسلامي، وإلا هو موجود منذ أن نزلت آيات الشعراء التي فرقت بين شعراء الهداية والغواية ومنذ أن واجه الأدباء طه حسين في شطحاته، ومنذ أن.. دعنا الآن نعود إلى موضوع الكاريكاتير الدنماركي هو فن، كل الذين يواجهونه إنما يجمجمون عن نفس الأدب الإسلامي هؤلاء الذين يواجهون هذا الكاريكاتير وهو جزء من الفن إنما هم يعبرون عن نقد الإسلام, تركي الدخيل: لأن مضمونه أصبح سيئاً. د.حسن بن فهد الهويمل: لأن مضمونه أصبح سيئاً. تركي الدخيل: طيب عودة إلى المعارك التي تخوضها منذ 40 سنة، المعارك الكثيرة لماذا تخصص الدكتور - خلينا نقول تجاوزاً - تخصص الدكتور حسن الهويمل بهذه المعارك؟ حمل راية الردود على من يعتقد أنهم مخالفين، خاض كثيراً من المعارك لعل آخرها معركة يعني فيما يتعلق بالحضارة الإسلامية مع محمد آل الشيخ معركة فيما يتعلق بثقافة الوأد مع الدكتور مرزوق بن تنباك وقائمة طويلة من المعارك. د.حسن بن فهد الهويمل: هي توصف بالمعارك لكن يا أخي أنا موجود في الساحة سواء كانت الساحة الأدبية أو الساحة الفكرية أو الساحة الأكاديمية وغيرها، ثم أجد أن زميلاً من الزملاء قد ارتكب خطأً، تأول فيه أو أنه ارتكب جنحة فكرية أو جنحة أدبية أو جنحة تاريخية وأنا موجود في الساحة. تركي الدخيل: تفرق بين الخطأ والجنحة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأ.. هو الخطأ والجنحة واحد، الجنحة يعني مال عن طريق الصواب، فإذا.. تركي الدخيل: حتى لو كان متأولاً. د.حسن بن فهد الهويمل: حتى لو كان متأولاً، فإذا ما أخطأ أصبح من واجبي يعني من واجبي أن أرشده. تركي الدخيل: بحكم؟ د.حسن بن فهد الهويمل: بحكم أننا شركاء في السفينة. تركي الدخيل: هذا اللي سألتك عنه قبل شوي قطعية في الحق؟ د.حسن بن فهد الهويمل: ما معنى القطعية في الحق؟ تركي الدخيل: يعني أنك تعتقد أن لديك الحق المحض. د.حسن بن فهد الهويمل: وهل يعني هذا أني أظل صامتاً حتى أتأكد 100% بقطعية الحق ثم أتكلم؟ تركي الدخيل: لأ.. أنا أسأل.. دكتور لا تتحمس.. د.حسن بن فهد الهويمل: وأنا أجيب. تركي الدخيل: لا تتحمس بس أنا أسأل أبي أستوضح آراءك يعني. د.حسن بن فهد الهويمل: وأنا أجيب كوني أنا أنتظر حتى أصل إلى قطعية الحق 100% ثم أتحرك هذا خطأ كبير. تركي الدخيل: طيب متى تتحرك؟ كم نسبة الحق اللي يصير عندك عشان تتحرك 5% يكفي؟ تقول يجب أن أتحرك إذا صار 100% كم نسبة الحق اللي تصير عندك عشان تتحرك؟ د.حسن بن فهد الهويمل: عندما أقتنع من خلال خلفيتي الثقافية من خلال آلياتي من خلال قناعاتي من خلال قراءاتي من خلال تفهمي للأشياء ومقتضياتها ومناطاتها ومقاصدها، أنا إنسان متشكلة رؤيتي لا يمكن أن أتحول عن رؤيتي. تركي الدخيل: جميل بس حنا تحدثنا قبل شوي عن ما تعتبره نضجاً وتغيراً من خلال تجارب الإنسان عن تراجع في بعض الآراء حول بعض المعارك.. د.حسن بن فهد الهويمل: أنا عندما أطرح رؤيتي ضد آل الشيخ عندما أطرح ضد الغذامي وأطرح رؤيتي ضد المرزوق وأطرح رؤيتي ضد القصيبي أو تركي الحمد أو غيره لا يعني أنني أصدر أمراً حتمي التنفيذ إنما أنا أطرح رؤيتي أنا شريك له في الساحة أنا أطرح رؤيتي ومن حقي أن أرد. تركي الدخيل: بس هناك من يقول أن الدكتور حسن الهويمل هو حاد في طرح رؤاه؟ د.حسن بن فهد الهويمل: اقرأ رأيهم.. أنت تستل مقالي أنا الحاد ولا تنظر إلى مقالاتهم الحادة، المشكلة أنكم تقتطعون كلامي بحدته. تركي الدخيل: من حنّا؟ د.حسن بن فهد الهويمل: الذين نقلت منهم هذه الآراء. تركي الدخيل: أي أشوى بس أنت تصنفهم بس أبي أعرف وين تحطهم. د.حسن بن فهد الهويمل: أنت نقلت هذه الآراء هؤلاء الذين يصفون حسن الهويمل بالحدة نزعوه من سياقه أنت إقرأ السياق الموجود. تركي الدخيل: أي بس الفرق أن حسن الهويمل هو الثابت في هذه الحدة وهذه الحدة يتعاقب عليها سين وصاد وجيم عشر مختلفين يتحادون وحسن الهويمل هو الثابت في الجهة الأخرى. د.حسن بن فهد الهويمل: لأ هو يتصور لك، أنت الآن محصور في طرحي وبالتالي. تركي الدخيل: أنا محصور لأني أنا قاعد أقابلك ما أنا قاعد أقابل 10 قاعد أقابل حسن الهويمل الحالي. د.حسن بن فهد الهويمل: متشبع بهذه.. تركي الدخيل: لكن ما تعتقد أنها طروحاتك حادة؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لا تكون حادة إذا أخذت بسياقها. تركي الدخيل: يعني أن تكون حاداً إذا من ترد عليه حاداً؟ د.حسن بن فهد الهويمل: قد أكون حاداً نعم إذا شلتها من سياقها لكني إذا وضعتها في سياقي فأنا لست حاداً لأن من هو أحد منه. تركي الدخيل: لماذا لم تمارس الكتابة في السياسة إلا قبل 5 سنوات هو رغم أنك لك 40 سنة في الساحة الأدبية؟ د.حسن بن فهد الهويمل: والله أولاً أحسست أن المشهد الثقافي والمشهد الفكري من خلال الضخ القنواتي ومن خلال الساحات والمواقع أنه يهتم بالاتجاهات وبالتيارات السياسية، وبالتالي بما أنني مطروح ككاتب لا بد أن أشارك في هذه القضية مع وجود خلفية سياسية عندي، لست جديداً على هذا التيار. تركي الدخيل: وش هي الخلفية السياسية؟ د.حسن بن فهد الهويمل: الخلفية قراءة الكتب السياسية ومذكرات الزعماء وتاريخ الشعوب العريقة في السياسة هذه هي الخلفية. تركي الدخيل: طيب دكتور خلينا ننتقل إلى جانب شخصي شوي نخفف من المعارك والحدة، في أحد المقابلات أن تزوجت وأنت عمرك 18 سنة وقلت في أحد المقابلات أنه ما كانت لأحد من لداتي في زماننا الخيرة في أمورنا كافة وفي أمر الزواج على وجه التحديد وقلت إن والدك رحمه الله رغب أن تتزوج واختار لك أن تتزوج ابنة صديقه فتزوجتها دون أن تراها ودون أن تراك، ووفقك الله وصار الزواج وأنت تحث الشباب على الزواج المبكر ألا ترى أنك تتحدث في إيجابيات الزواج المبكر فقط دون سلبياته؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأ هو الزواج المبكر له سلبيات والزواج المتأخر له سلبيات، والزواج المبكر له إيجابيات وهذا له إيجابيات، الإنسان في سنه المبكر أو المتأخر هو الذي يحدد ما إذا كان من مصلحته أن يتزوج مبكراً أو أن يؤخر الزواج. تركي الدخيل: يعني ما لها قاعدة عامة أنت تقول: فوت الشباب والشابات على أنفسهم أسعد فترات الحياة لأنهم ما تزوّجوا؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لأنهم ما وزنوا الأمور يعني ما درسوا الأمور كما يجب بس تصوروا أن الزواج المبكر فيه سلبيات أكثر وبالتالي أجلوا هذا الزواج هذا خطأ. تركي الدخيل: أجبرت أبناءك على الزواج المبكر؟ د.حسن بن فهد الهويمل: لم أجبرهم لا أنا شوف أنا عندي قاعدة الذي يأتي بالثانوية بتفوق يأخذ سيارة والذي يأتي بالشهادة الجامعية يتزوج. تركي الدخيل: على اعتبار أن الزواج [يضحك].. دكتور حسن شكراً لك على هذا اللقاء. د.حسن بن فهد الهويمل: شكراً جزيلاً أهلاً وسهلاً. تركي الدخيل: شكراً لكم أنتم أيها الإخوة على متابعة هذه الحلقة من إضاءات وحتى ألقاكم في حلقة مقبلة هذا تركي الدخيل يترككم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#12 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
حسن الهويمل ناقداً
جميل حين يتصدى أديب شهير للكتابة عن أديب لا يقل عنه مكانة كادت أن تملأ حرساً وشهباً، ولاسيما إذا كانا رضيعي لبان، فقد تدرَّج شبابهما في بيئة قريبة اكتنزت على نظرية التأثر والتأثير، إذ كانا يختلفان إلى بعضهما منذ اوج الحركة الأدبية في مملكتنا الغالية، فيتبادلان فيوضا من القضايا الأدبية بطيوفها المعشبة بالأخذ تارة، وبالطرح أخرى، وفيها ما فيها من الاتفاق والاختلاف، مما حدا إلى المشاركة الفاعلة في إثراء الساحة الأدبية، ينهل منها القاصي فضلاً عن الداني، مخلفين وراءهما وبين أيديهما موضع أثر لا يفتأ ولا ينفك يلوح كما لاح الوشم في ظاهر يد خولة طرفة، ولا نغلو إذا قلنا إنه باق لا يبرح مكمنه، فما من عاكف على الأدب السعودي إلا له سهم منهما قلَّ أو كثر. لقد أتحفنا الدكتور القدير حسن بن فهد الهويمل بكتابة شائقة وماتعة عن أديبنا المتألق عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس، وهو ما نشر في جزءين في عددي (11639 11653) من جريدتنا الساحرة برضا واقتناع، تحت عنوان (ابن إدريس ناقداً)، وقد وُفِّق ابوأحمد إلى حد كبير في إنصاف أديبنا، ونفله ما ألهمته القراءات المواضي له، فقد ألفيته كأنه يعتسف ذاكرة تراكمت عليها سنون كضعفي سني تخيير شعيب لموسى عليهما السلام بل تربو على ذلك، فجاء فيه ما كان لزاماً عليَّ أن أهدي بعضاً من الملحوظات التي لا أجد ريباً في اتساع صدرَي أديبينا لها، فقد قال الدكتور حسن (ومن الخير للأمة أن يرحب صدرها لكل طرح).. من هنا، وهنا ليس غير، أطيب خاطراً في إبداء الرأي، وكلي ثقة في علمهما أني لست باحثاً عن إدانة، بل مبدي نصح مشفوعاً بالتردد الذي قطعته هاتيك التفاؤلات التي تعي اختلاف الرأي، وكيف أن دواخل أهليْها مبيضَّة كما البرد، وكما الثوب المنقى من الدنس. لقد قرأت فيما قرأت في مقال الدكتور حسن استهلالاً يطمئن القارىء إليه، ويأنس به، ويوغل فيه موضوعية وحقا صُراحا، فقد قال في بُعيد البدء: (فإنني سآوي إلى وثائق تعصمني من التجهيل أو التكذيب، وتنجيني من مغبة المجاملة أو معرة التحامل)، ويقول بعد أن وعدنا بنبذ شَرَك المجاملة (ذلك أن الأمر لا يحتمل مثل هذه التحفظات)، ويقول عن نقده لأديبنا (يحفظ التوازن بين الحق والحقيقة.. والحق ألا نقول عنه إلا الحق)، بيد أني وجدت أبا أحمد ينزع إلى إيراد إيجابيات لأديبنا ابن إدريس، لا سيما أنه عوَّل كثيراً وأقول كثيراً بالنقد على كتابه (شعراء نجد المعاصرون)، وكم كنت أتمنى أن يتعاطى النصيحة لرفيق الطلب والمزامنة، وذلك بأن يعرِّج على تلك الأخطاء التي حفل الكتاب بها، فقد اتخذه عضدا، له في مقاله، على أن هذا الكتاب هو الذي قد استوحى منه الدكتور حسن رسالته للدكتوراه في موضوعه، يقول: (ومن تلك الرؤى انقدحت عندي فكرة اتجاهات الشعر المعاصر في نجد، والتي تحولت إلى موضوع أكاديمي)، على أني سبق أن وقفت على رسالة الدكتور فوجدتها خالية من التنبيه على بعض تلك الأخطاء التي أنا بصددها، فأضحى التنبيه عليها بداً مما ليس منه بد. ومما يحسن هو أن أبدأ بالأخطاء المنهجية، ثم بما بعدها، فمن هذه الأخطاء: 1 اتفق أن أديبنا في خطبة الكتاب نزوعه إلى المذهب النفسي في دراسته لشعر الشعراء، وقد خالف هذا المذهب في كثير من نقده، بل خلط بين المنهج النفسي والاجتماعي، ولم يمضِ بأي واحد منهما، بل زاوج بينهما، وهو ما بدا ظاهراً في قلقه بين المذهب الواقعي والرومانسي؛ ذلك أنه عاب على بعض الشعراء أنه يهرب من الواقع إلى الخيال، وغاب عنه أن من الرومانسية أن يميل الشاعر إلى الخيال المحلق تاركاً وراءه الواقع بما فيه، ص: 47، فلا أرى بيانا شافيا لتحديد مفهوم الاتجاهات والمذاهب الأدبية لكي يقف القارىء على بينة من الأمر، من ذلك أنه عدَّ عبدالله الفيصل شاعراً رومانسياً، ثم قال بعدها إنه (من دعاة الفن للجمال) وهو (ليس ممن يقبع في زاوية الرومانسية المتصوفة..) ص: 86. ومن المعلوم أن شاعر الرومانسية قلَّ أن يكتب في الوطنيات، ومع ذلك فقد أورد بعض القصائد الوطنية له. 2 لقد أقحم أديبنا نظرية (فرويد) في نقده، وهي نظرية تستحلب ما لا يكون عند الشعراء؛ ذلك أنها لا تتكيف مع الثقافة العربية الإسلامية، ثم إنها مذهب نفسي قلما صدقت مع شاعر، فهي مذهب نفسي بحت، لا يجوز أن يتكىء عليها الناقد، وإن اعتمد عليها فهي من قِبَل الشك الذي لا يصل إلى رتبة اليقين. 3 يُعد ابن إدريس في كتابه من الدعاة لنبذ الشعر الذي أسماه (الرومانتيكي)، فقد تنبأ بزوال الشعر التقليدي حيث قال (الشعر التقليدي قد دنت شمسه نحو الغروب، ولم يعد له من وجود يحس إحساساً قبولياً انفعالياً) ص: 37. 4 لم يحدد تاريخاً محدداً للمعاصرة، فقد أدخل مَنْ حقه ألا يكون من زمرة المعاصرين وهو ابن عثيمين. آتي هنا على مادة الكتاب، وفي بعضه عدم دقة في التدقيق، والبحث المتأني: 1 أنه ترجم لثلاثة وعشرين شاعراً، وعوَّل على ما يكتبه كل شاعر عن ترجمته لنفسه، فليس هنالك تراجم مدونة عن كل الشعراء، إلا أن اللافت للنظر هو أن يعتمد في كتابه على ما يرسله الشعراء إليه من جيد شعرهم، وهو بإيعاز منه، فكان على أديبنا أن يقف على الجيد والرديء ليحقق الدلالة المنهجية لمفهوم النقد الذي هو تمييز الجيد من الرديء. 2 أسقط من كتابه مَنْ حقه أن يضيفه، وأضاف مَنْ حقه أن يسقطه، فمن الأول أنه أسقط الشاعرين ابن خميس، والعمران، وأضاف مَنْ هو خارج نجد وهو خالد الفرج، صحيح أن خالد الفرج أصله من نجد إلا أنه ولد وعاش وتدرج شبابه في الكويت، وحين عاد إلى المملكة مكث في المنطقة الشرقية، فمن الحق ألا يكون في زمرة النجديين، فليس المعني الأصل، وإنما النشأة والتأثر، أما ابن خميس فمن المعروف أنه مكثر من شعر المديح والمناسبات، وهذا اللون من الشعر هو ما أبعده ابن إدريس من كتابه، على أن لابن خميس شعراً في غير ذلك. 3 أطلق حكماً على ابن عثيمين أنه لا يمدح إلا لعاطفة جياشة، وليس لطلب النوال، وهذا غلط، فابن عثيمين من الشعراء الذين يضربون أكباد الإبل ويفارقون الأهل والسكن لطلب النوال، وديوانه زاخر بذلك، ولو أن المؤلف أستقرأ ديوانه جيداً لما أصدر هذا الحكم المغلوط. 4 اتهم الشعر في نجد قبل المعاصرة أنه لا يعبأ به، فهو لا يمثل الشعر الجيد الذي يتطلع إليه، فهو (لم يعبر عن نفسية الشاعر وانفعالاته، ولم يكن يعطي صوراً حقيقية عن بيئة الشاعر ومجتمعه، ومستوى حياته المادية والروحية) ص: 22. 5 أهمل أديبنا دقة النظر في المراجع السابقة، لكي يستفيد منها، وكيف أنه قد سبق لما جاء في أكثر مما ذهب إليه، ولست أدري سر هذا الإغفال، هل يريد أديبنا أن يكون باكورة عمله التأليفي باكورة في الآراء، أم أنه فعلاً لم يطلع على مراجع سابقة اطلاعاً دقيقا؟ 6 في الكتاب كثير من الأخطاء اللغوية والعروضية التي يجب ألا تهمل، بل الواجب أن تصحح، فهي ليست بأخطاء مطبعية فحسب، فأتمنى أن يكرمنا بمراجعته ويعيد طبعه مصححاً. 7 يميل أديبنا في أحكامه إلى التعميم، وإلى عدم الغوص في القيعان، بل يعول على استنتاجات القارىء، ولعل في الأذواق والإدراكات ما لا يخفى على أحد. والحق أن جملة من الباحثين في الأدب السعودي ضلوا الطريق من خلال تلك التجاوزات، فكان الخليق أن ينبه الدكتور صديقه وأديبنا ابن إدريس إلى تلك الأخطاء، ذلك أن ابن إدريس، لم يعد إلى انتزاعها وتصويبها، وكأن الدكتور يؤيده في ذلك، فقد قال (ولقد كانت لي معه وعنه أحاديث خبرت بها لماذا بادر إلى التأليف، ولماذا فرض شرطه الفني والدلالي على الشعراء المترجمين، ولماذا أراد له أن يظل كما هو، لا يضيف إليه، ولا يحذف منه). هذا ما استطعت أن ألمّ به في عجالة، ومهما يكن من شيء وأمر، فإن الكتاب ذو قيمة لا تغفل البتة، فهو من أوائل الكتب التي رصدت حقبة من الشعر النجدي وكثيراً من شعرائها، على غرار كتابي أدب الحجاز، وشعراء الحجاز، وغيرهما، إلا أن من الواجب أن يعرج الدكتور حسن على مثل هذه الملحوظات أو بعضها التي هي مآخذ يجب ألا تقع، فمن الواجب إهداء النصيحة، ونبذ المجاملة كما وعدنا أبو أحمد، وللكاتب وللمكتوب عنه أهدي خالص التحية مشفوعة بالاعتراف الريادي. أحمد بن عبدالعزيز المهوس ماجستير في الأدب العربي الحديث khlid71@hotmail.om
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج آخر من قام بالتعديل عباس محمود العقاد; بتاريخ 23-11-2006 الساعة 10:24 PM. |
![]() |
![]() |
#13 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
المجلة العربية
الإبداع الأمي وقلب الحقائق إن الذين تطربهم عامية نجد ويشدهم شعراؤها من أمثال «العوني» و«ابن لعبون» و«السبيل»، و«القاضي»، و«راشد الخلاوي»، وابن «غازل»، و«الحكمي» من شعراء الجنوب، ولا يعرفون شيئاً من مطولاتهم بل ولا يحفلون بشيء من شعرهم، ذلك أن شعراء جازان العاميين لهم ذائقتهم، ولهم عاميتهم ولهم فوق ذلك تاريخهم المعاصر، وأمجاده الخاصة، وابطالهم ضمن هذا التاريخ الحديث مما لم يكن مذكوراً في الإبداع الحجازي أو النجدي. وكل إقليم ملتف حول لهجته وعاداته. وإحياء العامية تأكيد لهذه التعدديات اللغوية والتاريخية والقومية ومؤذن بتفكك الأقاليم والدولة الإقليمية الواحدة فضلاً عن تفكك الأمة وذهاب ريحها والشواهد حاضرة، فنحن لا نرجم في الغيب لقد كان الناس في صدر الإسلام أمة واحدة أكرمهم أتقاهم وحين قامت الدولة الأموية على العصبية، عاد الناس يفتشون عن أصولهم ويحيون عصبياتهم ويلتفون حول شعرائهم. وإذ يفترق شعراء العامية وقراؤهم ولا يطرب أحد منهم للآخر، نجد أن شعراء الفصحى في نجد وجازان والحجاز بل وفي الوطن العربي كله لا يفترقون في شيء يتفاعل بعضهم مع بعض، ويطرب بعضهم لبعض، ويفهم بعضهم بعضاً وإذا اختلفوا احتكموا إلى التراث وضوابطه النحوية والصرفية واللغوية والصفحات الأدبية تحفل بشعراء نجد والجنوب على حد سواء في حين أن الصفحات الشعبية لا تتسع إلا لشعراء المنطقة الواحدة، وعلى المترددين أن يبحثوا خلال عام أو عامين في صفحة شعبية في المنطقة الوسطى عن شاعر شعبي حجازي أو جازاني هل يجدون له أثراً، ثم ليسألوا قارئاً من الشمال أو الجنوب عما يعرفه عن شاعر عامي يملء نفس النجدي إعجاباً وإكباراً، هل يعرف شيئاً مما يقول؟ ثم اسألوا هؤلاء وأولئك عن شاعر عربي من الشمال أو الجنوب أو اقرؤوا له قصيدة عربية ستجدونه يطرب له، ويتفاعل معه ويفهم ما يقول. لا لأنه من الشمال أو الجنوب ولكن لأنه شاعر عربي فصيح، ولو أشكل عليه شيء ما يقرأ وجد المرجعية النحوية أو الصرفية أو اللغوية التي تجلي له المعنى وتحل له الأشكال وليس واجداً عند إشكالية الإبداع الأمي ما يسعفه. ولهذا فإن الذين يدرسون الشعر العامي ويؤلفون فيه لا يحفلون إلا بعاميتهم الإقليمية الضيقة. فهذا أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري، وعبدالله بن خميس ومحمد بن أحمد العقيلي ومن بعدهم الدكتوران سعد البازعي وسعد الصويان كل منهم اقتصر على شعراء منطقته لا يفهم غيرها ولا يطرب لغيرها، وحين ينهض أحد الثلاثة ومن بعدهم لدراسة الشعر العربي الفصيح لا يفرق بين نجدي، وجازاني، وحجازي، ذلك أن لغتهم واحدة هي اللغة العربية وأدبهم واحد هو الأدب العربي وأنت حين تقرأ الأمثال العامية في نجد أو الأساطير الشعبية أو شيم العرب المعاصرين لا تجد إلا أمثالاً وأساطير وحكايات إقليمية لا يهتم بها إلا أبناء الإقليم وحدهم دون سواهم. وهاكم مؤلفات ابن خميس التي خدم فيها عامية نجد من أربعين عاماً أو تزيد هل تجدون فيها شاعراً من شعراء العامية في الجزيرة العربية مما هو خارج نجد فضلاً عن أن تجدوا فيها شاعراً عامياً من مصر أو من السودان، ألا يكون مثل هذا العمل مؤذناً بتفرق الأمة وتنافسها على شعرائها العاميين؟ لقد أشعل المستشرقون والمناديب جذوة العامية والإقليمية ووكلوا أمرها إلى أبناء البلاد يتنازعون حولها ويوغلون في النيل من الغيورين على وحدة الأمة وسلامة لغتها وهأنذا أنافح عن اللغة العربية وآدابها ألاقي من العنت والسب والاستهجان والتجري مالا يلاقيه دعاة القومية والحداثة حتى دعيت وعلى صفحات جرائدنا إلى «التعقل» وكأنني بدعوتي للفصيح لست بعاقل وقيل عني بأني ألقي الكلام على عواهنه، وأنني لا أعرف الشعر العامي، ولو عرفته لتغيّر رأيي، وماذا في العامي من صعوبة على الأميين بحيث يصعب على مشتغل بالأدب وفنونه منذ أربعين سنة. | \ | ومن حقنا وقد أوذينا أن نتساءل عن أي مزية لهذا اللون من الإبداع إذا كان محصوراً في أقاليمه لا يفهمه إلا ذووه؟ ولا يتذوقه إلا ذووه وهل نحن بحاجة إلى تكريس الإقليمية وحصر كل جماعة في عاميتها؟ لقد خاض الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ معركة التكوين الإقليمي وحقق وحدة استثنائية رائعة بكل المقاييس وخاض أبناؤه معركة البناء الحضاري والفكري، ومن واجبنا أن نحول دون أي شائبة تعكر صفو هذا التلاحم الإقليمي والفكري، إنني أتوقع قيام تساؤل عن تهويل الأمر، والحق أن النتائج العكسية لا يلمسها الناس في لحظتهم، والتحولات الاجتماعية واللغوية لا تتم بيوم أو سنة، إن العواقب الوخيمة آتية ولو بعد حين، وفساد اللسان في صدر الإسلام لم يداهم الأمة بيوم أو بعض يوم. لقد نما كالأعشاب الضارة حتى غلب وعسر القضاء عليه، ولو أنهم اجتثوه من بداياته لكان خيراً لهم. إننا حين نتيح لهذا اللون من الإبداع ولذويه مجالاً لا يستحقانه فإنما نفعل ذلك لعجز المبدعين بلغته عن ممارسة الإبداع في اللغة العربية ونحن حين لا نتيح لهذا اللون إلا مجال الإبداع، فإنما ليخلو المجال الطبيعي للغة العربية فهي وعاء الإسلام وهي الرابطة التي تتسع لكل العرب في كل فجاج الأرض فضلاً عن أبناء المملكة المترامية الأطراف. وهي وسيلة التواصل الحقيقية وهي وعاء الحضارة ولغة التراث وهي الذكر لنا الذي أشار إليه القرآن الكريم في سياق المنة والتفضل. إن العامية عاجزة عن إيجاد تواصل يتسع لأقاليم الدولة الواحدة فضلاً عن إيجاد تفاعلل بين أفراد الأمة الواحدة ثم هي بعد كل هذه الحفاوة والاحتفالية لم تكن وعاء حضارة ولا أنه علم، ولا أدب ولا تملك أدنى قدرة على التخطي للآخر، ذلك أن قارئها لا تسعفه المعاجم ولا الآليات لتقويض أي جملة فيها أنه معها يعيش في مغارة أو مفازة. | \ | لقد نادى بعض الأكاديميين بضرورة إيجاد أقسام للشعر العامي وللأدب العامي كما يسمونه، وللغة العامية في كلياتنا أسوة بمثيلاتها في العالم، ونسوا أن هذه الدعوة تكريس للإقليمية من جهة، وإثارة للشحناء والفرقة من جهة ثانية، فالدارس الحجازي لا يريد إلا عاميته ولا يريد إلا شعراء هذه العامية وهو معذور في ذلك إذ لا يفهم ولا يستسيغ إلا هذه اللهجة التي تلقاها من أبويه ومن محيطه وشب عليها، والدارس النجدي لن يحفل إلا بالشعراء الشعبيين من نجد وبعامية نجد، وهو معذور كذلك وبالتالي فإنه سيقوم بتدريس هذا اللون من الشعر وهذه الطائفة من الشعراء المنتمين لإقليميته وقل مثل ذلك عن بقية المناطق التي فيها جامعات، هذا على مستوى الدولة الواحدة وكم يكون الخطر على مستوى العالم العربي. لقد بدأ الملك عبدالعزيز بمشروع التوحيد من الرياض عام 1319هـ ولا أقول من نجد فضلاً عن أن أقول من الجزيرة العربية. انطلق من «الرياض» مستعيناً بسمعته الطيبة، وعراقة مجده، ومشروعية فعله، ومع هذا تصدى له بعض أمراء الأقاليم وزعماء القبائل من نجد ومن غيرها، وآزر الشعراء العاميون في نجد وفي غيرها ذويهم، وسجل كل شاعر أمجاد قومه، ونال من خصومه، ومنهم الملك عبدالعزيز في بداية التوحيد، وحقق الله لهذه البلاد وحدة أساسها الدين ووعاؤها العربية الفصحى، وبدونهما يختل هذا المشروع ولو ظفر دعاة العامية بإدخالها للجامعات فأي شعر نقبل؟ وأي أمجاد نسجل، وأي لهجة نعتمد؟ ومن أي تاريخ ننطلق؟ والذين ينادون بوضع أقسام لهذا اللون من الشعر لا يحسبون للعواقب حسابها ولا يقدرون الأضرار الناجمة عن مثل ذلك. هذه الدعوة الفجة المرتجلة هي التي آثارتني وحفزتني على التصدي مهما كان الثمن وأحمد الله أن أولياء الأمور وكبار المسؤولين لم يلتفتوا إلى مثل هذه الدعوات الفجة ولم يعيروها أي اهتمام وقد لمست ذلك من بعضهم، بل أحسست باستنكارهم واستغرابهم. | \ | ومع شديد الأسف، فإن موقفي من هذه الدعوة المشبوهة حمل البعض على تحريفه بحيث جعله موقفاً ضد وجود الشعر العامي وجود ضرورة لا وجود اختيار بل أقول وجود غلبة وتسلط حرصاً من أولئك على تأليب الرأي العام وعجزاً منهم عن مواجهة الحق الأبلج، بحيث تصور هذا البعض واهماً أو متوهماً أنني ضد الشعر العامي، وجوداً، وأنني أطالب بمنع الشعراء العاميين من قول الشعر وبكم أفواههم وبسلبهم حقهم وذلك محض افتراء وتقول إنني أقول وأكرر القول وأقرر دونما أي تحفظ أن الاشتغال بهذا الشعر تأليفاً ودراسة وتقعيداً وتدريساً على أي مستوى دراسي وتحت أي ظرف لا يخدم اللغة العربية ولا يحقق أدنى فائدة للأمة وفيه ضرر على وحدة الأمة واستفادتها. الأمة بحاجة إلى وحدة اللغة ولا يمكن أن تتحد الأمة إلا على لغة القرآن، والأمة بحاجة إلى القضاء على الازدواج اللغوي، بحيث يكون هناك لغة خاصة، وأخرى عامة. إننا حين نقبل مكرهين وعاجزين بلهجة عامية للمحادثة والمشافهة فإننا لا نريد لهذا الإكراه والعجز أن يمتدا لينالا من لغة القرآن ومن وحدة الإمة وإذ لا نقدر على تمثل هذه اللغة الفصيحة في محادثتنا فلا أقل من أن نبقي على البقية الباقية منها في كتاباتنا وتدويننا وتأليفنا وتدريسنا ونقدنا. والذي ينادون بإدخال هذا اللون من الشعر في الجامعات والأندية الأدبية أسوة بوسائل الإعلام الأخرى يتذرعون بحجج أوهى من بيت العنكبوت وتبريرات ضعيفة ليست بمستوى المناقشة وإذا لا يكون الخوف من الطرح الإعلامي الشفهي فإنه يكمن في أمور منها: أولاً: إدانة المرحلة تاريخياً لتفكيرها بمثل هذا المشاريع. ثانياً: استدراج بعض النخب لتأييد مثل هذه الرغبات عبر استطلاع للرأي واستغلاله بطريقة غير مشروعة. ثالثاً: سكوت النخب الرافضة لمثل هذه المحاولات وتغليبهم للسلامة على حساب تاريخ مرحلتهم أو تناول الموضوع بطريقة ضعيفة وغير واعية. | \ | إن الرافضين للعامية في قلوبهم يجب عليهم أن يقولوا رأيهم بألسنتهم، وتغليب جانب السلامة ضعف وضرر ومداهنة لا تليق، إنني أسمع وأرى من يأنس بكتابات الرفض والمواجهة، وإذا قيل لهم: ــ تكلموا اسمعوا رأيكم تذرعوا بأعذار واهية لا تنجيهم من الخطيئة والتواطؤ. إن التاريخ لا يرحم وقد يأتي يوم يكثر فيه سواد الفصيح فتعاد قراءة المرحلة ثم لا يكون لأولئك أي دور في خدمة قضاياهم المصيرية كمناصرة اللغة العربية فيحاسبون على ذلك مما يؤثر على سمعتهم وذكرهم. وإذا كانوا يواجهون بسفاهات من القول من بعض العوام وصغار الكتبة والمتحدثين فإن هذا ابتلاء وامتحان، ولا يليق بمثلهم أن يخلوا الساحة لمثل أولئك. كما أن مجاملة كبار الكتاب، والأدباء، وعلية القوم، لا تكون على حساب القضايا المهمة والذين يحتفون بالشعر العامي أو يقولونه أو يكافئون عليه لا ينطوون على كره للفصيح، ولا يقبلون المساس بلغة الأمة ولا يفكرون بمثل ما يكفر به من يدعون إلى إيجاد أقسام للعامية في جامعاتنا، ولو كان أحد منهم على شيء من ذلك لوجب علينا مناصحته لأن من واجبه علينا أن لا نسايره على الخطأ وقد حظيت بشيء من التناوش الشفهي مع بعض أولئك فأحسست أنهم مع الحق حتى قال قائلهم: «إنني لا أهتم بالشعر الشعبي، ولكنه يهتم بي فأين أصحاب الفصيح ليأخذوا حقهم كغيرهم».
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
![]() |
#14 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
مقالات 2004م
لا تلوموا (صدام) ولوموا أنفسكم د.حسن بن فهد الهويمل وصيد (صدام) كما تصاد الجرذان المؤذية، ووصل كل الأطراف إلى مشارف القضايا، وأصبح كل شيء في ذروة تعقيده، واستحالة تصوره. فالشعب العراقي تنفس الصعداء، لأن العفريت الذي انفلت من قمقمه عاد إلى قبضة قوية لن يفلت منها. وعلى ضوء الخلفيات الذهنية لم يكن أحد يتصور النهاية البشعة والمهينة، وإن كانت تجارب الأمة مع ثورييها تشي بمثل هذه المصائر المؤلمة، فالزعامات الثورية لا تغرس عروقها الظالمة إلا على الجماجم والأشلاء، مختصرة الوطن في شخص المغتصب، مكرساً إعلامها شخصنة المؤسسات، غير ملتفت إلى تشخيص الأدواء. والذين انهالوا على (صدام) بأقذع الكلام وأسفِّه، يفوتون على راهنهم فرصة التأمل (لما بعد صدام)، لقد انتهى شر نهاية، وطويت صفحته بما فيها من بشاعة وقبح، وسيظل وثيقة إدانة لسياقه وأنساقه التي عاشها، وإن تمت كل تجاوزاته تحت سمع المخابرات الغربية وبصرها. ويوم أن كان يقاتل عنهم بالإنابة، كان الدعم ينهال عليه من كل جانب، ولما أن فرغ من دوره على مسرح الدمى، لم يحتمل الاقصاء، فعاد يكسر في خلفيات المسرح وفي الدمى، قبل أن تنتهي فصول المسرحية، الأمر الذي جعل اللاعب الغربي يأطره على رغبته أطراً ويصوغ خطابه على ضوء المستجدات، ناسياً ما سلف، دون أن يتغير شيء من المقاصد، ومصيبة الأمة ليست فيما حصل، وإنما هو في فهم ما حصل على غير حقيقته، وتصديق الرأي العام للمتغير الأدائي. و(صدام) الضجة لم يكن عدوَّاً للغرب بقدر ما هو عدوٌّ لأمته ومصالحها، لقد كان مخلب القط في كل حروبه الخليجية، وحين تبين له أنه ألعوبة غبية، وأن ليس له مما فعل إلا العار والخسار، ولما لم يقبض ثمناً لأدواره الجارحة للكرامة العربية، ثارت ثائرته، واختلطت عنده الألوان، وتداخلت الأطياف والرؤى، ووجد نفسه كما (الثور الأسباني) في الحلبة، يمعن المصارع في تهييجه، حتى يثخنه، وحتى تخور قواه ويسقط، ثم يسحب من ذيله، وكل الفرق بين الاثنين أن (صداماً) سحب من شعر رأسه ولحيته، فيما سحب الثور المصارع من ذيله، لقد وقف على مفترق الطرق يتنازعه:- الخنوع لتبعات اللعبة، أو مواجهة قدره. ومنذ أن دحرته القوة العالمية في الكويت، لم يكن يتصرف بعقل، ولم يبد على حقيقته إلا حين نسل من حفرته أشعث أغبر، لقد ظهرت الحقيقة التي أخفاها وراء حجب من الأقنعة. وأمريكا التي تتقن فنون الحرب، وتملك آلياته، تتقن كذلك متطلبات الحرب النفسية والإعلامية، لقد أحكمت التمثيل والإخراج لخطوات القبض عليه، ولم تمسه بقدر ما مست كرامة الأمة العربية. وحيث أجمع المتابعون للقطات القبض عليه على أنها مصنوعة بإتقان، لإهانة الكرامة العربية، وتعميق أثر الحرب النفسية، فإننا نود لو أن القابضين عليه احترموا مشاعر العرب، واكتفوا بالعرض المقتضب، لتأكيد الخبر، لا لتعميق الإهانة. وإذا كانت أمريكا قد حققت نصرا بهذا القبض، فإنها دخلت نفقا مظلما، قد لا يكون المستقبل أحسن حالا من الماضي. والذين يغامرون في مواجهتها في مواقع عدة من العالم، بدؤوا يتجهون لمواجهتها في العراق، ومتى تحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات فستظل أمريكا تدفع بمزيد من الجنود والعتاد حتى إذا لم تستطع حسم الموقف لصالحها سلمت السلطة لمن يعيد العراق إلى سالف عهده المظلم. والقواصم أنها شرعنت لنفسها الغزو، وأعلنت من جانبها أنها محتلة، وليست باحثة عن أسلحة، ولا محاربة لإرهاب، ولا جالبة الحرية. وكم هو الفرق بين الاحتلال والمواجهة لهدف معلن. لقد كانت تتقلب في حيثياتها، وتنوع مبررات حربها، وكلما أسقط في يدها، التمست حجة أوهى من بيت العنكبوت، ولن نمضي معها في تقلبها، فذلك قول متداول يعرفه القاصي والداني، وإنما نريد أن نلوم الساسة والمفكرين والكتّاب العرب الذين تلهيهم الدعاوى الكاذبة فيشتغلون فيها عما أوجبه الحق عليهم، وكأنهم فقهاء (بيزنطة). والقبض على (صدام) وأسلوب العرض المؤذي أضاف إلى آلام الأمة آلاماً، ولم يحملها على تغيير ما في نفسها، وقد يؤدي ذلك إلى قلب الموازين. (صدام)، فرد صنعته القبلية أو الحزبية أو (اللعب الكونية)، ودعمه الإعلام الكاذب، وتسترت عليه القوى العالمية لمقاصد بعيدة لا يعلمها إلا الراسخون في علم السياسة. (صدام) شفرة محكمة الصنع إذا تمكن التاريخ من تفكيكها فإن الإدانة ستمتد إلى كل من يستطيع القول ثم لم يقل، ولكل من يستطيع الفعل ثم لم يفعل، ولكل من يستطيع الاعتزال ثم لم يعتزل. وإذا كان (صدام) على رأس المؤسسة القبلية والحزبية (الدكتاتورية)، فإن آخرين خارج المؤسسة دعموا أو باركوا أو صمتوا، وهم شركاء في الخطيئة. وإذا كنا مع الذين يحاربون أعداء الإنسانية، ويرفضون الظلم، فإننا لن نقع في رذيلة النظر بأكثر من عين، والكيل بأكثر من مكيال. سياسيون وإعلاميون ساندوا النظام المنحل، وباركوا خطواته، وأغمضوا عن جرائمه، وفي مقدمتهم دول الحضارة و(الديمقراطية)، وحين وقع في المصيدة، انحلت عقد ألسنتهم، وانطلقت تسلق ذات الرئيس، وكأنه وحده الذي حارب واحتل وقتل وعذب وشرد وسجن، وما هو في حقيقة الأمر إلا حلقة صدئة في سلسلة طويلة من الخطائين: جماعات وأفراداً. ولسنا هنا ندافع عن هذا المجرم الذي تولى كبر الجرائم، ولكننا نود ألا يكون وحده المشجب الذي تعلق عليه كل الجرائم، ثم لا نجد حرجاً من إعادة الفعل وصناعة الأصنام. وإذ نرى محاسبته حساباً عسيراً، وأخذه أخذ عزة واقتدار، نود ألا يكون ذلك (بيد عمرو)، فأمريكا ليست على الأمة العربية والإسلامية بوكيلة، لا يحق الحق إلا هي، ولا ينصف المظلوم إلا هي، ولا يجلب العدل والمساواة إلا هي، ولا يصدر (الديمقراطية) إلا هي. ومن العار أن نستورد الحرية والعدالة والمساواة كما نستورد السيارة والثلاجة والتلفاز، ومن العار أن نردد كالببغاء ما تقوله وسائل الإعلام الغربي، فإذا تحدثوا عن الإرهاب التقطنا الخيط منهم، وقلنا مثل قولهم، وإذا ادعوا أنهم يذرفون الدمع على ما تعانيه الشعوب من ظلم وجهل وتخلف بادرناهم وسرنا وراءهم كالقطيع، وإذا حددوا مصادر الإرهاب أسرعنا إلى التنازلات. ومع ضجة الفرح والشماتة والاستياء والامتعاض بعد القبض على الرئيس فإن الخبيرين الضالعين في صنع الدمى وإحكام اللعب يتخوفون من (محاكمة) صدام على مشهد من الرأي العام، ذلك أنه لن يعترف، ولن يعتذر، وإنما سيمارس الإسقاط والتخلي، ومن ثم فقد يزج بدول ساندت وبأشخاص باركوا، فالمؤكد أنه ليس الضالع الوحيد في اللعب الكونية، وليس هو الطاغية الأوحد، ولا الغبي الأوحد. وحين تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه فإنه سيقول الواقع، والواقع لا يشرف الجميع. ثم إنه سيخفف من حدة المساءلة باستدعاء لاعبين كباراً، مارسوا معه الدعم أو غض النظر ردحاً من الزمن، دعموه بالقوة وبالمعلومات وبالدعاية، حتى إذا استهلك كل الأقنعة، وغرد خارج السرب امتدت أيديهم إليه، ولو أنه حين استخفوه أطاعهم لظل زعيماً مدعوماً، وهو حين لم يطع لم يكن مدفوعاً بالوطنية ولا بالإنسانية ولا بالعقل، وإنما تداخلت عنده الخيارات، حتى لم يستطع في اللحظات الحرجة من التمييز بين المنجي والمهلك. وحين يقدم للمحاكمة فمن المدعي؟ أمريكا المحتلة، أم الشعب العراقي المهمش، أم دول الجوار المتأذية. وهل أمريكا محقة بحربها، مقتصدة في مواجهتها؟ وحين لا تكون محقة ولا مقتصدة، فبما تواجه صدام؟ إن واجهته بسلاح الدمار الشامل فحجتها واهية، وإن واجهته بوصفه مجرم حرب، فهي لم تخول دولياً بطرح الدعوى، وكم من مجرمي حرب يسرحون ويمرحون، وإن واجهته بأنها محررة لشعبه ومقيمة للحرية، فهي قد أعلنت أنها محتلة والاحتلال نقيض الحرية. أحسب أننا بحاجة إلى أرضية قانونية شرعية تقنع الرأي العام العالمي الذي لم يعد ألعوبة للدعاية المشكوفة. (صدام حسين) طاغية، ودموي، ودكتاتوري، أذل شعبه، وأضر بجيرانه وأهان أمته وفرق كلمتها، وحقه أن يلاقي كل جزاءات ذوي الحرابة من قتل أو صلب أو تقطيع أيد وأرجل من خلاف أو نفي من الأرض، غير أن الإشكالية ليست في نوع العقوبة، ولا في المحاكمة السرية أو العلنية، ولا فيمن يتولى ذلك، الإشكالية في نتائج حرب غير مشروعة، واحتلال أرض حرة، وإسقاط حكومة، وإلغاء وزارات، وإحداث فراغ دستوري، وإتاحة الفرصة لقيام كيانات قبلية وطائفية وعرقية، ومقاومة عنيفة لا يعرف مصدرها ولا هدفها ولا مداها، كل ذلك تجاوز بفداحته فعل الطاغية وحدث اعتقاله ومحاكمته. وحين لا نرحب بمزيد من الفضائح، وحين نغلب جانب رفع الأقلام، وطي الصحف، ونسيان الماضي ومآسيه، ورفع كل الملفات المتمثلة بالخيانات والمواطآت، استعداداً للنظر إلى المستقبل، والأخذ بالحلول المرحلية، فإننا ننظر إلى وضع أليم تعيشه الأمة العربية، ولن يتأتي ذلك إلا بتضافر الجهود العالمية والعربية لحل إشكالية العراق، وأحسبها تتمثل بالخطوات التالية: - حصر الوجود الأمريكي في أضيق نطاق، وعلى شكل قاعدة عسكرية مؤقتة تمثل صمام أمان بعد الفراغ الدستوري، وتحول دون استبداد أي طائفة بالسلطة أو قيام حرب أهلية تصفى فيها حسابات وثارات. - تسليم جميع الملفات لهيئة الأمم المتحدة ولجامعة الدول العربية. - تشكيل أمن داخلي، وتسليم أمن كل منطقة للأغلبية السكانية فيها، وتحميلها مسؤولية استتباب الأمن. - البدء في الإجراءات الدستورية والقضائية والتنفيذية، ومباشرة وضع دستور وآلية انتقال السلطة، وتوزيع المناصب والحقائب الوزارية: إقليمياً وطائفياً وقبلياً، حتى إذا وعت الأمة مسؤوليتها، وذاقت طعم الحرية، أجريت انتخابات حرة، تحت رقابة مشددة: محلياً وعربياً ودولياً. - وقبل كل ذلك تعليق كل المشاكل، وإيقاف المحاكمات، وتأجيل كل الديون، وفك الاختناقات الاقتصادية، وتخفيف حدة الفقر والبطالة، وإعادة القدر الكافي من البنية التحتية، وذلك من خلال ممارسة إنسانية تنسي الشعب العراقي ويلاته ومصائبه. فأحداث العراق تنتقل من سيئ إلى أسوأ، وليس من المصلحة نشر الغسيل، إن هناك جريحاً ينزف ومجرماً في السلاسل، فهل ندع الجريح، ونشتغل مع المجرم؟ لقد وقعت الزعامة العراقية في أخطاء فادحة، لها ما بعدها، وليس من السهل حسم ذيولها، فحربها الحدودية مع إيران عمل سيئ. واحتلالها للكويت وانصياع دول عربية مع العراق شكلت كارثة الكوارث، ولكن الأسوأ من ذلك العناد الغبي ثم التسليم المهين. واحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية كارثة عالمية، لقد هيأ الفرصة لحرب أهلية دموية لن تزيد الشعب العراقي إلا ارتكاساً في حمأة الفتن العمياء التي تجعلهم يترحمون على (صدام حسين). ذلك أن صداماً لا يبطش بطش الجبارين إلا فيمن يعترض سبيله، أما فتنة الاحتلال والفراغ الدستوري فإنها ستمتد إلى المقيم والظاعن والساعي إلى الفتنة والهارب منها. والقبض على (صدام) سيؤدي هو الآخر إلى مزيد من المتاعب لأمريكا، لأنها تمارس أعمالها القمعية في جو من الاستياء المحلي والعربي والإسلامي والعالمي، ومهما سايرتها الأنظمة العالمية وجاملتها مداهنة أو مداراة أو تقية فإن الشعوب بما فيها الشعب الأمريكي لها تحفظات وتساؤلات، لا يمكن غض النظر عنها. إن إنهاء حكم (صدام) الحزبي القبلي الجائر ضرورة، وإنقاذ الشعب العراقي ضرورة، ولكن الإجراء لم يكن هو الخيار الأفضل. ومع أنني متأكد من أن أحداً داخلياً أو خارجياً لن يستطيع إسقاط النظام، ولولا مغامرة أمريكا وخروجها على الشرعية لظل كما هو زعيماً أوحد لا ينازع، فإنني كنت أتمنى من المعارضة العراقية عدم تحريض أمريكا على المواجهة العسكرية، وكان بالإمكان تشديد الوطأة عليه، وجمع كلمة الأمة العربية، لتضييق الخناق، حتى يذعن كما أذعن غيره. ومع تهافت الزعامات المطاردة من قبضة أمريكا إلا أن الخصم الألد لأمريكا ليس حصراً في الخمسين رجلاً تطاردهم، الأعداء المتربصون من يسربون السلاح والمقاتلين ومن يفخخون السيارات ويفضلون الموت على الحياة، ومن هانت نفسه عليه فلن تثنيه ترسانات، ولن تقصيه مخابرات. وأمريكا التي تحتفل بالقبض على (صدام) لم يدر بخلدها أن المقاومة لو وجدت (صداماً)، لقتلته، المقاومة تصفية لحسابات وثارات، وعلى أمريكا أن تعيد حساباتها، فالطريق شاق والخروج من المأزق صعب.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج آخر من قام بالتعديل عباس محمود العقاد; بتاريخ 24-11-2006 الساعة 02:25 PM. |
![]() |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|