|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#11 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
متمردون لوجوه شتى..!! 1-2
بقلم: د. حسن بن فهد الهويمل ما زلت أذكر أمشاجاً من قراءات سلفت لكتابين رصدا، أحوال طائفة من المتمردين، وتقصيا دوافعهم والنتائج التي توصلوا إليها هما: - (متمردون لوجه الله) ل (محمود عوض). - و(متمردون أدباء وفنانون) ل (محمود السمرة). - وثالث لا ألم بمحتواه، لطول الأمد (لماذا يتمرد البشر)، تأليف (تيد روبرت غير)، وترجمة (مركز الخليج للأبحاث). تناول الأول طائفة من العلماء والفقهاء في القديم والحديث، ك (ابن حزم) الذي تمرد على القياس وهو من مسائل الجمهور، و(ابن تيمية) الذي تمرد على كثير من الملل والنحل، و(الطهطاوي) الذي تمرد على الجمود والتخلف، و(الأفغاني) الذي تمرد على النظم المواطئة للاستعمار، و(النديم) الذي تمرد على الاستبداد. فيما تناول الثاني أزمة الإنسان في الأدب المعاصر، بوصفها أرضية للتمرد والغضب. وكان تركيزه على أدباء غربيين، ولم يلتفت إلى غضب عميق، واكب التراث العربي، تمثل في إبداعات عدد من الشعراء، وفي مقدمتهم (الصعاليك)، وفي كتابات عدد من الأدباء، وفي مقدمتهم (أبو حيان). وإذ سماهم (محمود السمرة) بالمتمردين، فقد سماهم (إداورد كار) ب (الجيل الخائب) في كتاب يحمل الاسم ذاته. وكتاب (كار) يصور حياة المنفيين (الرومانتيكيين) الذين هربوا من روسيا، حين ضُيِّق على أفكارهم التحررية. ولما استفاضت ظاهرة التمرد في العقد الثالث من القرن الخامس عشر عبر المشاهد الثقافية كلها وبأنواع شتى، ولوجوه مختلفة، ومن رويبضات لا تحسن القول ولا تبادر الفعْل، عنَّ لي الحديث عن تلك الظاهرة التي جاءت تداعياتها من التراث والمعاصرة. وتداعي الأفكار للحديث عن هذا الصنف المتشابه وغير المتشابه من الناس، يتطلب التقصي والتأني، والتحسس عن الدوافع، وتفادي التحامل على أي خطاب قبل الاستبانة والتثبت. ومكمن الأهمية أن لكل متمرد دوافعه ومقاصده وأثره فيمن حوله: سلباً أو إيجاباً. وفي الحديث المشهور: (إنما الأعمال بالنيات). ولأهمية النوايا عمد العلماء إلى الاستهلال به في مؤلفاتهم. ومن الضروري التحري لمعرفة الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، فاستكناه الدوافع أدعى للتأييد أو الامتناع أو المواجهة، وذلك أخطر الحالات. وتقلب الأحوال وتسارع الإيقاع في المشاهد قد لا يمكن من التثبت، والقول على بينة من الأمر. فالدهماء إذا سمعوا هيعة انطلقت إليها، و(الشنفرى) استهجن الاهتياج الأعزل، وهو دأب أغيلمة الصحافة ومثقفي السماع. ومن الصعوبة والخطورة أنه لا يمكن أن يكون هناك تمرد إلا في ظل سلطة قائمة يزع الله بها ما لا يزع بالقرآن، لها ثوابتها التي لا تساوم عليها، وعندها فسح من التحولات التي لا تمانع من التفاوض حولها. والكارثة أن المتعالمين قد لا يميزون بين الثوابت والمتغيرات، وأن غَير المكتوين بنار الفتن لا يدركون خطورة الفراغات الدستورية والاضطرابات الفكرية. والمتمردون كما الفتن التي لا تصيبن الذين ظلموا خاصة، وذلك سر الأهمية، ومكمن الخطورة، فكل متمرد إما معتق أو موبق. والتجمعات الإنسانية بوصفها نواة المجتمع المدني تتوسل بسلطات ثلاث، لا يستقيم أمرها من دون تقاسمها للسلطة، أو اشتراكها فيها بأقدار متساوية أو متفاوتة. ومع الضرورة الملحة لهذا النوع من السلطات، لحمل التجمع الإنساني على ما يحييه ويحميه، ويدرأ عنه الأخطار المحدقة، فإن هذه التجمعات لا تنفك من متمردين، يجددون أو يخربون، يحسنون أو يسيئون. وهكذا الحياة تداول وتدافع، عمار أو دمار. والسلطات نفسها تراوح بين سلطة العدل والإحسان، أو تسلط الفحشاء والمنكر والبغي، كما أنها تراوح في استكناه ذاتها بين التفسير الأسطوري أو الخرافي أو التأويل العقلي المحيل، وفي الأقل تتمثل المقاصد، وتَعْلم التأويل. تلك السلطات الثلاث المتمثلة في: (الدين) و(السياسة) و(المجتمع) تتعرض لأخطاء فادحة في المفهوم أو في الممارسة، وفي ظل ذلك تتعدد جبهات المواجهة، وتتبادل مراكز القوى. ف (الدين) بوصفه نزعة فطرية لا محيد عنه، قد يفهم على غير مراد المشرِّع، لما يكتنفه من نظريات معرفية، تستمد قراءتها من مذاهب شتى. والديانات كلها قد تحقق النصر والفتح، ويدخل الناس فيها أفواجاً، ثم تكون غريبة كما بدأت، حين تنشق على نفسها، وتتحول إلى فرق مُحقّة أو مبطلة، كلها في النار إلى واحدة، كما أخبر الهادي الأمين. وما من افتراق إلا وراءه متمرد يقرأ الأشياء وفق إمكاناته، أو على ضوء انتمائه. لقد تُركت الأمة على المحجة البيضاء، ولكن الزائغين الهالكين المهلكين يحيدون عنها، في ظل قراءات محكومة بنظريات معرفية تند عما كان عليه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. والملم بنظريات المعرفة والتأويل والتلقي لا يستبعد الفسوق عن أمر الله. وكل قراءة ترى نفسها الأحق في التصور، والأجدر بالامتثال. فهي في نظر المتمرد أو المجتهد غير المؤهل صدق لا يحتمل الخطأ، وغيرها كذب لا يحتمل الصدق. وهنا يتحكم الإيمان المطلق لا مطلق الإيمان بالقضايا المصيرية، فيكون التمرد لوجه القناعة العصية على الحلحلة. وقد يتخذ المتمردون (الدين) مطية يَعْدون به ويُعِدُّون العدة، ويستأثرون بالمغنم دون المغرم، ويستعبدون ولا يتعبدون، ويصادرون ولا يحاورون. ونواياهم المردية تحركها دنيا يُصيبونها أو مجد يباهون به، وخطابهم يحدوه فهم سقيم، وتأويل باطل. والكارثة حين لا يستبين العامة الصادق من الكاذب، فيكون تمردها لوجه الأدعياء النفعيين. وادعاء الدين لتحقيق المطامع معوقٌ للأمة، ومعمقٌ للشقاق، ومهيئ لفتنة عمياء، لا تبقي ولا تذر. و(السياسة) أدهى وأمرُّ، فهي تراوح بين الجور والعدل، والوسطية والتطرف، وقد لا يحسن أربابها التصرف، فيكونون عبئاً على الأمة، فهي بيت الداء، ومصدر الشفاء، وفن الممكن، وما أضاع الفرص إلا كذابون يقولون ما لا يفعلون. و(الرأي العام) حصيد المنجلين، وهو بفعل السلطتين الأوليين قد يصاغ على غير هدى ولا كتاب منير، فهو الظالم والمظلوم. وقد يُسلب حقه المشروع في الحرية والسلوك، فيمارس الملاحقة لأعدائه أو التمرد عليهم. وأياً ما كان الأمر فإن التاريخ حافل بالمتمردين لوجوه كثيرة، وفرادة التنفذ مصدر كل شر، ومن ثم لا بد من مأسسة السلطات الثلاث، لتمارس حقها، وتؤدي واجبها. ولقد عرف التاريخ السياسي والفكري العالمي والإسلامي والعربي القديم والحديث عدداً من الثورات وحركات التمرد، كان من أهمها وأخطرها في التاريخ الإسلامي ثورتا (القرامطة) و(الزنوج)، ولكنه لم يحفل بمصطلحي (الثورة) و(التمرد)، كما حفل بهما التاريخ السياسي والفكري الحديث. ولقد قلت من قبل: إن (الثورة الفرنسية) هي أم الثورات، مثلما كانت الخمرة أم الخبائث - وأرجو ألا نتذكر (أم المعارك) - فالأمهات كثر، ولكنها كأم (الحُطيئة) غربال وكانون. وأذكر أنني عندما قرأت كتاب (تاريخ الثورة الفرنسية) تبين لي أنها بدأت دموية همجية، وكنا نعدها من قبل من خيار الثورات العالمية، لأنها - وحسب التضليل الإعلامي - أم (الديمقراطية) و(التنوير) و(العلمية) و(العلمنة) التي أنقذت (أوربا) من ظلمة القرون الوسطى. ومع أن هذه الثورة بكل ما صاحبها من أوضار أفضت إلى نظم حضارية فوضها الغرب، فأقالت عثرته، ومكنت له في الأرض، فإن التجربة الثورية العربية باءت بالفشل الذريع، ولما تزل تراوح في مكانها مكرسة خطاب الشجب والتخوين، والتصدير والمفاضلة، مستجيبة لحضارة الاستكبار المادي. ولما أبديتُ استغرابي من هذه الدعاوى الزائفة عن أم الثورات، تصور بعضهم أني محكوم بخطاب سلفي منغلق على نفسه. ولم أستغرب، فكل ذهنية هشة يخترقها الإعلام الموجه، فيصْنع خطابها على عينه، ومن الصعوبة بمكان إعتاقها من موبقاته، والأخذ بيدها إلى سوء السبيل. وما يقال عن الحركات المشبوهة والثورات الهدامة يقال عن الأفراد. فكم من عميل لمَّعه الإعلام، ونفخه اللاعبون، حتى أغشى به العيون، وسد به الآفاق، وأغطش الحقائق، وهو في الحقيقة من أتفه الناس وأقلهم زكاء وذكاء ودراية. والمغامرة تختلف عن التمرد، كما أن الإقدام يختلف عن الاندفاع، فالتاريخ حافل بالمتهورين والمغامرين الذين يظنهم الناس من المتمردين على بينة من أمرهم، وعلى جانب من الاستقلالية في خطابهم. وكم من متمرد يعد نفسه من الأخيار، وما هو في حقيقة الأمر إلا كمهاجر (أم قيس). والتاريخ قد يخلط الأوراق، فلا يفرق بين متمرد وثائر ومتهور، وهو في تحديد النوايا أكثر خلطاً وتوهيماً. والمتابع لسير أعلام النبلاء، يقف على مبادرات تسبق زمنها، بحيث يوجس الرأي العام في نفسه خيفة منها، وقد يجد المسرون بالموافقة أن من مصلحتهم استثمار صيحة العامة، إما للكسب الرخيص أو للتشفي البغيض، إذ لا يسلم جسد من حسد. والسابقون لزمنهم قد لا يملكون القدرة على الإقناع، وبث الطمأنينة والثقة في النفوس، وقد تأخذهم الثقة بمشروعية مبادراتهم إلى الصدع بالمعتقد، دون اكتراث باتجاه الرأي العام، وهنا يكون النصر للقوة والمكر والترصد. ولقد استعاذ (عمر) - رضي الله عنه - من جلد الفاسق وغفلة المؤمن، كما استعاذ العلماء من (صيحة العامة). وتاريخ العامة عبر العصور يؤكد أن كثيراً من السابقين لزمنهم ابتلعتهم الصيحات المتفلتة على الضوابط كلها. ومثل السابقين لزمنهم (الغرباء) و(الجماهيريون)، فقد تمر بالعلماء والمفكرين والأدباء ظروف ضاغطة تحملهم على خيار التمرد، وبخاصة حين تعنف السلطة السياسية في حمل العامة والخاصة على مذهب طارئ، ليست له جذور فكرية، وليس له عمق بشري. فصراع الأعراق قد يؤدي إلى صراع الأفكار، ف (الرشيد) أنجب (الأمين) من أم عربية، و(المأمون) من أم فارسية، وكل (أقلية عرقية) تفعل المستحيل لبقائها قوية متنفذة. وهكذا فعل (البرامكة)، إذ تعهدوا (المأمون) وأحاطوه بالعلماء والأدباء والفلاسفة وعلماء الكلام، ليكون أهلاً للخلافة، فيما أحاطوا (الأمين) بالمجان والظرفاء وأهل السماجات ليقتله الترف وتلهيه الشهوات. ولقد أدركت (زبيدة) أبعاد تلك المؤامرة، فكان تخطيطها المحكم والقاتل ل (البرامكة)، ولكن العاقبة كانت ل (المأمون) الذي حمل الناس على مذهب (الاعتزال) متأثراً بمحيطه المعرفي، الأمر الذي دفع علماء السلف على التمرد والمواجهة لوجه الله، فكانت محنة (ابن حنبل) وموت (ابن نوح) والتضييق على السلفية. ف (ابن حنبل) لم يكن مهيئاً للتمرد، حتى حين كان مغلول الأيدي، بل كان موالياً ومذعناً للخلافة وداعياً للخليفة، ويقال مثل ذلك عن (ابن تيمية). فالظروف الضاغطة هي التي حملت على التمرد، لرد الظلم، ومنع التحكم، وليس الاختيار. وكثير من الدعاة والمصلحين يجدون أنفسهم في طريق مسدود، فلا يجدون بداً من التمرد القولي أو العملي. وإذا كان الإحباط وقود التمرد، فإن (الجماهيرية) وقود مماثل على الرغم من تناقضهما، فقد يكثر الأشياع والأتباع، فيفرضون أسلوب الأداء العنيف والمواجهة الأعنف، بحيث يسلبون شيخهم فرصة التأمل ومعالجة الأمور بالتي هي أحسن. وكم من مُصْلح ألغى رؤيته أمام الأتباع، لأنه في ظل نشوة التألق أعطى جرعات زائدة عن المطلوب، فكان التمرد لوجه العامة، وليس لوجه الحق، وحين لا يكون بد من التراجع يفر المتمرد بجلده، تاركاً الأشياع في العراء. وعلى ذات الوتيرة يكون الصراع السياسي، فكم من لاعب يمارس التعبئة الذهنية، بحيث تكون أكبر من حجم اللعبة السياسية العارضة، فيكون التمرد جماهيرياً، وليس فردياً. وقراءة الأحداث المعاصرة تقف بذوي الأبصار والبصائر على أخطاء فادحة، تكشف عن تقصير في تقدير الجرعة الدعائية. وما نقمت الجماهير المخدوعة من أرباب اللعب، إلا أنها صيغت على رؤية مؤقتة، لم يحسن الأرباب تفكيكها، بعد انتهاء اللعبة. وأستطيع أن أضرب الأمثال بسياسة توازن القوى التي لجأ إليها (أنور السادات)، وب (الجهاد الأفغاني) الذي حرك العواطف الجهادية، فكان ذهاب (السادات) في حادث المنصة على يد من صنع، وكانت رماية (البرجين) وهدمهما على يد فلول المجاهدين، وما زال المراقبون يتخبطون، كما تخبط المؤرخون حول كثير من الأحداث الفادحة، وما هي إلا يد أوْكت وفم نفخ.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|