بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » سيد قطب كما قرأه وفهمـه الدكتور محمد الحضيف

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 15-01-2007, 12:17 PM   #1
الـصـمـصـام
عبدالله
 
تاريخ التسجيل: Jun 2004
البلد: .
المشاركات: 9,705
سيد قطب كما قرأه وفهمـه الدكتور محمد الحضيف


د.محمد بن عبدالرحمن الحضيف :

يمثل حضور سيد قطب رحمه الله ، علامة في مسيرة حركة الفكر الإسلامي المعاصر. هناك كتاب إسلاميون كثيرون، لكن المفكرين محدودون ، لا يكادون يتجاوزون أصابع اليد الواحدة.. أبرزهم سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي .. وآخرون . اختلف سيد عن الآخرين ـ في تقديري ـ في أمرين . أولهما : أن آراءه كانت قطعية، حدية، واضحة الحدود و (المعالم) . الأمر الثاني ، أن سيّد لم تكن علاقته بآرائه وأفكاره (طوباوية) مثالية، بل تمثلها وعاش عليها، ومات من أجلها.
من يقرأ لسيد قطب في (الظلال) مثلاً، يكاد يتنبأ بنهايته، ومن يقرأ له في (المعالم) يكاد يعيش معه نفسًا نفسًا، إلى أن يصعد هو وإيّاه إلى خشبة المشنقة .. وما أن يطوي صفحة الغلاف الأخير ، حتى يرى سيد يتدلّى من حبلها، ويحس بدمعتين تطفران من عينيه . ارتبط سيد بعدد من المفاهيم والمصطلحات ، شكلت بمجموعها ، منظومة فكرية ، مثلث قوام بنائه الفكري .. ولأنه انتهى نهاية أسطورية ، من خلال (دراما) : ( الدكتاتورية ضد العقل والفكر) ، فقد طغت شخصيته .. ثوريًا ، ومجاهدًا ، وشهيدًا .. على شخصيته مفكرًا ، وصاحب مشروع حضاري .
إن نهاية سيد ، لم تجعله شهيدًا للفكر فقط، بل ألهبت خيالات ،كثير من شباب الحركة الإسلامية ، الذين رأوا في موته، بالطريقة التي تمت بها، مقصدًا علويًا، غائيًا، لما يجب أن تكون عليه (النهايات). لقد تماهت نهاية الرجل مع فكرة ومشروعه ، لدى كثيرين . فما دامت النهاية عنيفة، ملحمية، صادم فيها الرجل المفكر (سلميًا)، النظام القائم بمؤسساته وفلسفته الفكرية .. فلابد أن تكون العلاقة (تصادمية). إن سيد لم يكن داعية عنف. لم يشكل تنظيمًا، ولم يحمل سلاحًا، لكن الذين أسرتهم نهايته الأسطورية، جعلوا من لغته القطعية الواضحة، وهو يعرض مشروعه الحضاري، لغة تصادمية، اقصائية .
طوّر سيد مفاهيم كثيرة، نشأ على أساس من تفسيرها ـ حسب فهم من فسروها ـ تيارات فكرية كثيرة، تفاوتت في قربها وبعدها ، عن المصطلح الأصلي الذي قدّمه سيّد . بل إن خصوم تلك التيارات ، من الأنظمة والتيارات العلمانية، كثيرًا ما جعلوا تأويلاتهم وتفسيراتهم لمصطلحات، قدمها مفكرون من أمثال سيد قطب ، والمودودي، ومالك بن نبي، مبررا لضرب تلك التيارات، بعد عزلها عن الجماهير، وتشويه صورتها بتلك التفسيرات. فمثلاً .. لا يوجد تنظيم ، أو تيار اسمه (التكفير والهجرة) . إنما هي (لعبة إعلامية) اختلقتها الأجهزة الأمنية ، لتهيئة الرأي العام لحملة التصفيات التي لحقت بتلك المجموعة.

في سعيه لإقامة مشروع حضاري متميز، وضع سيد منظومة متصلة من الأفكار ، اعتمدها ركائز للبناء الفكري الذي ينبثق عنه المشروع. يبدأ سيد بمصطلح (الحاكمية) الذي يقوم على تحرير الإنسان من أي إرادة بشرية، وربطه بالخالق مباشرة، الذي له وحده ـ سبحانه ـ حق الحكم والتشريع. ثم هناك (الجاهلية) التي تقف على النقيض من الحاكمية، حيث التحاكم إلى تشريعات بشرية ، واستبعاد الشريعة الإلهية ، من الفصل في شؤون الناس كافة .. السياسية والاقتصادية والاجتماعية . يتحدث سيد كذلك، عن المفاصلة والعزلة الشعورية، وهي مصطلحات أسيء فهمها عن قصد، وعن غير قصد أحيانًا. اعتمد مفهوم المفاصلة عند سيّد ، على عدم تمييع الحدود والفواصل ، بين ما هو حق وما هو باطل، وإشاعة حالة من (الهلامية) ، التي لا يستطيع الفرد خلالها ، أن يمسك شيئًا محسوسًا بيديه، فيقول عنه، وهو يبصره بعين عقله : هذا حق ... أو هذا باطل.
إن (ظرف الزمان) ، لا يمكن أن يغير جوهر الأشياء وحقيقتها. (المفاصلة) عند سيد لم تكن القطيعة مع المجتمعات، أو من يمثلها من المؤسسات السياسية والفكرية، لكنها كانت في حقيقتها رفض (المنطقه الرمادية)، التي يراد فيها تمييع الفوارق بين (بياض) الحق، و(سواد) الباطل. يرى سيد أن النصوص التي تحمل دلالات قطعية، ويقوم عليها تنظيم حياة الناس (شعوبًا وأممًا)، لا مجال فيها لأنصاف الحلول.

لأنك لا تستطيع أن تقيم مجتمعًا (مختلفًا)، عن القائم المنحرف ، الذي يحمل بذور فنائه داخله، من خلال حلول تلفيقية . إن المفاصلة، وليست القطيعة، مطلوبة هنا، بين ما هو حق، وما هو باطل، بين الأبيض والأسود. هل حمل مصطلح (الجاهلية)، والمجتمع الجاهلي، الذي تردد في كتابات سيد ، معنى التكفير ، لأفراد المجتمع ..؟

سيد لم يقل بهذا، لكن الذين قرؤوا سيد بطريقة خاطئة ، ظنوا ذلك . مثقفوا السلطة (وعلماؤها) ، الذين تم توظيفهم لإصدار فتاوى و قراءات ، تنطوي على أحكام مسبقة ، لكل الأفكار والرؤي ، التي لا تتفق والتفسيرات الرسمية ، هيأوا الأرضية لعمليات اغتيال فكري، واضطهاد ، لكل من قرأ سيد ، فأخذته روعة الأسلوب ووضوح الغاية واستقامة السبيل .. ثم تلبسته حالة من حماس . الذين حُسبُوا على فكر سيد، ومالت بهم الطريق، فتورطوا في قضايا تكفير للمجتمعات أو للأنظمة، لم يقرؤوا سيد، وإنما قرؤوا (شروحات) بعض المتطرفين ، ورؤية مثقفي السلطة وفهمهم لمنظومته الفكرية ، وتقارير موظفي الاستخبارات .. عن فكر الرجل . إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال لأبي ذر رضي الله عنه، عندما نادى بلالا رضي الله عنهم جميعا.. قائلاً ..يا بن السوداء : « يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية » . لم يقل أحد إن الرسول عليه الصلاة والسلام (وصف) أبا ذر بالكفر . حينما قال له ذلك ، ولم يقل أحد بعد ذلك ، إن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر ، بخصلة من خصال الجاهلية ، أنه ينطوي ضمنًا ، على أمر من أمور الكفر، وبالتالي كان على أبي ذر أن يعلن توبته ويجدد إسلامه (!!) .
ما هي العزلة التي أرادها سيد قطب، عندما طرح مفهوم العزلة الشعورية ؟ هل الإحساس بعدم الانسجام ، مع هذا النسق الاجتماعي ، أو ذلك النظام الأخلاقي، واختلافي معه في مسائل جوهرية ، يعني بالضرورة انعزالي عنه ، وعدم تعاملي ، وتفاعلي معه ، مما يعزز لدي قناعات برفضه ، او اقصائه ؟ حينما كنا طلابًا في أمريكا ، كنا نمارس عزلة شعورية، تشعرنا أننا لا ننتمي لذلك المجتمع ، (ثقافيًا و أخلاقيًا). لكننا في الوقت نفسه نتفاعل مع مؤسساته التعليمية والاقتصادية، والسياسية كذلك .
كنّا نتمنى في الوقت نفسه ، صلاحه وهداية أفراده ، للحق الذي لدينا . هكذا فهمنا العزلة الشعورية . أما الذين فهموا (العزلة الشعورية).. إن وجدوا، على أنها إنزواء وهجر للمجتمع، وقطيعة مع أفراده ، فهذه مشكلتهم في الفهم، وتعبيرًا عن طبيعة شخصياتهم ، التي لا تمثل بالضرورة إلا نفسها.

لقد ساعدني أنا شخصيًا ، مفهوم العزلة الشعورية، أن أحافظ على كياني متزنًا، وعلى قناعاتي سليمة ، في معظم فترات حياتي. لم يمنعني ذلك ، أن أتفاعل مع البيئات التي وجدت نفسي فيها. إن مفهوم العزلة الشعورية ، بعبارة أخري، هو نفسه .. أن يتمعر وجهك ، لحد من حدود الله ينتهك. وهو نفسه أن تكره أن تعود إلي الكفر، بعد أن هداك الله للإسلام، مثلما تكره أن تلقي في النار. وهو نفسه الولاء لأهل التوحيد، والبراء من أهل الشرك، حتى وأنت تعيش بين ظهرانيهم، وتتعامل معهم، وتأكل من طعامهم.

هل المنهج المتشدد لبعض الأفراد المحسوبين على الحركة الإسلامية، هو بسبب تأثرهم بمنهج سيد قطب ؟ أعتقد لا. هناك كثير ممن يسمون متشددين يكفرون سيد ،رحمه الله . هناك كثيرون غيرهم كذلك ، لا يعرفون سيد قطب، ولم يقرؤوا له حرفًا. إن سيد مثقف نخبة، وليس كاتب عامة.
قليلون هم الذين يقرؤون لسيد ، من شباب الحركة الإسلامية . قليل ايضا ،من أولئك القليل من يملك الجلد على قراءته بتأن وشمولية. إن سيد عميق فيما يطرح ويناقش. لكن لغته الراقية الشفافة وأسلوبه الأدبي الرشيق ،جعل البعض يظن أنه قادر على فهمه، واستبطان معانيه. كما أن (الادّعاء) ، بالاطلاع على فكر سيد ، يضفي على صاحبه (هالة) من الثقافة والعمق والدراية ، نظرًا لخطورة الأفكار التي طرحها سيد قطب، والقيمة الفكرية العالية لها. حالة العداء بين بعض الحركات الإسلامية وبعض الأنظمة، من المسئول عنها ؟ إن هناك حركات إسلامية ، وصلت في استجدائها لرضى السلطة وعطفها، حدًا جعلها تتنازل عن ثوابت قطعية ،

ومع ذلك لا تفتأ تتعرض للتصفيات من كل نوع. من المسئول عن العنف في بعض بلدان المسلمين، الذي ينسب بعضه إلى إسلاميين ؟ هل هو ممارسات الأنظمة وأجهزتها الأمنية ، أم البناء الفكري للحركات الإسلامية ؟ في كل الأحوال لا علاقة لسيد قطب بما يجري، وفي كل الأحوال ، الممارسات الرسمية لها دور ، وضيق هامش الحرية ، وانعدام الحوار له دور، وشذوذ بعض الشباب المتحمس، في أفكاره وطروحاته له دور كذلك .



نقله أخوكم /
الصمصامـ ،،،
مع الشكر للدكتور محمد الحضيف .
__________________




ياربي ..افتح على قلبي ..
و طمئنه بالإيمان و الثبات و السلوة بقربك ..
[عبدالله]

من مواضيعي :
آية الحجاب من سورة الأحزاب ( أحكام و إشراقات )
::: كيف نقاوم التشويه ضد الإسلام و ضد بلادنا:::(مداخلتي في ساعة حوار مكتوبة و مشاهدة)


آخر من قام بالتعديل الـصـمـصـام; بتاريخ 15-01-2007 الساعة 12:25 PM.
الـصـمـصـام غير متصل  


قديم(ـة) 15-01-2007, 12:45 PM   #2
دبيب النمل
عـضـو
 
صورة دبيب النمل الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2006
البلد: الدعوة
المشاركات: 607
جزاك الله خيراً

أعطانا رؤية أوضح عن الشيخ الشهيد سيد قطب رحمه الله

والشيخ رحمه الله مفكر إسلامي وصاحب رؤية متزنة كما أنه أستنباطي كما هو واضح في كتابه الظلال



شكراً لك أخي الصمصام
__________________
{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }ص29
هذا الموحى به إليك -أيها الرسول- كتاب أنزلناه إليك مبارك؛ ليتفكروا في آياته, ويعملوا بهداياته ودلالاته, وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم الله به
دبيب النمل غير متصل  
قديم(ـة) 15-01-2007, 03:07 PM   #3
ياسر12
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2002
المشاركات: 192
مقال رائع جدا
ياسر12 غير متصل  
قديم(ـة) 15-01-2007, 04:49 PM   #4
الـصـمـصـام
عبدالله
 
تاريخ التسجيل: Jun 2004
البلد: .
المشاركات: 9,705


شكر الله لكما ، و في الحقيقة أنني استفدت كثيراً من هذا المقال ، على الرغم من قرائتي الكثيرة لما كُتب عن سيد قطب تقبله الله ، إلا أن هذا المقال له شكل مختلف عن غيره ...
__________________




ياربي ..افتح على قلبي ..
و طمئنه بالإيمان و الثبات و السلوة بقربك ..
[عبدالله]

من مواضيعي :
آية الحجاب من سورة الأحزاب ( أحكام و إشراقات )
::: كيف نقاوم التشويه ضد الإسلام و ضد بلادنا:::(مداخلتي في ساعة حوار مكتوبة و مشاهدة)

الـصـمـصـام غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 06:30 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)