[أبو سليمان الحميد]

أخي الكريم / المتزن - وفقه الله - :

لا يعني أن مالم يرد ذكره في القرآن والسنة بشكل صريح وهو خبيث أنه طيب أو العكس ، فمثلاً ( الدخان ) لم يرد تحريمه في الكتاب والسنة صريحاً ولكنه طالما أنه خبيث فهو محرم لقوله تعالى : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) ( الأعراف : من الآية157) ..

كذلك الأمر بالنسبة للطيور فطالما أن في حبسها ظلم لها وعذاب فذلك لا يجوز للأدلة الكثيرة التي يحرم الله ورسوله بها الظلم أياً كان مَن يقع عليه هذا الظلم سواء إنسان أو حيوان أو طير أو غير ذلك ..

الشيخ في هذه الرسالة يتكلم عمن يحبسون الطيور التي يسمونها ( طيور الزينة ) كالبلابل وغيرها ، فقط يحبسونها في أقفاص لمجرَّد الاستمتاع بشكلها وصوتها ! ..

وسأورد لك نصاً مهماً من آخر رسالة الشيخ ص ( 11 - 12 ) : [ وَلذَلِكَ مَنَعَ ابنُ عَقِيلٍ رحمه الله حَبْسَ الطَّيْرِ فِي القَفَصِ وَجَعَلَهُ سَفَهًا وَتَعْذِيباً حيثُ قال حِينَمَا سُئِلَ عَنْ حَبْسِها لِطِيبِ نَغْمَتِهَا : ( سَفَهٌ وَبَطَرٌ ، يَكْفِينَا أَنْ نَقْدُمَ عَلَى ذَبْحِهَا لِلأَكْلِ فَحَسْبُ ، لِأَنَّ الْهَوَاتِفَ مِنْ الْحَمَامِ رُبَّمَا هَتَفَتْ نِيَاحَـةً عَلَى الطَّيَرَانِ وَذِكْرِ فِرَاخِهَا ! ، أَفَيَحْسُنُ بِعَاقِلٍ أَنْ يُعَذِّبَ حَيًّا لِيَتَرَنَّمَ فَيَلْتَذَّ بِنِيَاحَتِهِ ! ؛ فَقَدْ مَنَعَ مِنْ هَذَا أَصْحَابُنَا وَسَمَّوْهُ سَفَهًا ) انتهى .

وقال رحمه الله - أيضاً - : ( نَحْنُ نَكْرَهُ حَبْسَهُ لِلتَّرْبِيَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّفَهِ , لِأَنَّهُ يَطْرَبُ بِصَوْتِ حَيَوَانٍ صَوْتُهُ حُنَيْنٌ إلَى الطَّيَرَانِ وَتَأَسُّفٌ عَلَى التَّخَلِّي فِي الْفَضَاءِ ) انتهى .

وقال ابنُ مُفْلِحٍ رحمه الله : ( فَأَمَّا حَبْسُ الْمُتَرَنِّمَاتِ مِنْ الْأَطْيَارِ كَالْقَمَارِيِّ وَالْبَلاَبِلِ لِتَرَنُّمِهَا فِي الأَقْفَاصِ فَقَدْ كَرِهَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَاجَاتِ إلَيْهِ ، لَكِنَّهُ مِنْ الْبَطَرِ وَالأَشَرِ وَرَقِيقِ الْعَيْشِ ، وَحَبْسُهَا تَعْذِيبٌ ) انتهى .

وفي كَلاَم ابنِ عَقِيل وابن مُفلحٌ وغيرهم مِمَّا ذكرناه هنا ردٌّ على مَن أجازَ حَبْسَ الطُّيوُرِ في الأقفاص إذا كان حَابِسُها يقوم بتوفيرِ أكْلِهَا وَشُرْبِهَا ؛ وقد تبيَّن مِرَاراً أنَّ العِلَّةُ في عدم جواز حبْسِ الطيور في الأقْفَاص ليسَتْ فَقَطْ بِمَنْعها الْمَأكَل والْمَشْرَب وَإِنَّمَا الْحَبْسُ لِأنه ظُلْمٌ وعَذَابٌ ] أ هـ .. ومصادر هذه الأقوال موجودة في حواشي الرسالة ..

ولهذا فإنني آمل من الإخوة الأكارم قراءة رسالة الشيخ كاملة قبل كتابةِ أيِّ اعتراض ..

وفق الله الجميع لما يحبه تعالى ويرضاه .

[طالب الفردوس]

ليت الشيخ غفر الله له تكلم عن سجن الناس أفضل من الطيور0

[أبو سليمان الحميد]

أخي الكريم / طالب الفردوس - وفقه الله - :

الشيخ - حفظه الله - تكلم عن حبس الناس حتى بُحَّ صوته ! ، ومن أسعد اللحظات عنده حينما تخبره بأسير مسلم فك الله أسره ، وكثيراً كثيراً ما يسأل عن الأسرى وعن أخبارهم وأحوالهم فيفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم ، وما أكثر ما يدعو لهم ويخصهم بدعائه ، وقد جرى له من الابتلاء في نصرته الأسرى ما أعتقد أنه لا يخفى عليك ! ، ومن أبياته الجميلة في ذلك قوله :

يارب أسرى المسلمين تولهم *** بـرعـايــةٍ وعــنـايــةٍ وحَــنـانِ

ولقد سمعنا الكثير عن حبس الناس ؛ ولكن هذه المخلوقات الضعيفة لا ناصر لها وكأنه يجوز ظلمها وتعذيبها ! ، مع العلم أن لكتابة الشيخ في هذا الموضوع مناسبة حيث إنه حينما قرأ قصة لسفيان الثوري في ( حلية الأولياء ) حول هذا الموضوع تعجب مما بلغه من كثرة استعمال الناس للطيور التي يسمونها بـ ( طيور الزينة ) وحبسها في أقفاص ، وحينما حثه أحد الاخوة بكتابة كلمات في ذلك لتنبيه الناس بأن ما يفعلونه بهذه الطيور بحبسها في أقفاص ظلم لها وتعذيب ثم اطلع بعد ذلك على بعض الفتاوى المجيزة لذلك بشروط فكتب حفظه الله هذه الرسالة وبسط القول في المسألة تنبيهاً للناس وإبراءً للذمة ..

ويجب علينا عدم الاستهانة بظلم هذه المخلوقات وظنه أمراً هيناً طالما أنه لا يتعلق بالانسان ! فإن خالق الإنسان والطير والحيوان واحد سبحانه ولا يرضى بظلم شيءٍ من خلوقاته أياً كان نوعها ، وواللهِ إنه ليُخشى علينا من سخطِ اللهِ وهناك مِنَّا مَن لا يُبَالِي في ظلمِه لمخلوقاته على سكوتٍ منا ولا مبالاة وكأن الله تعالى لا يُعاقِب إلاَّ حينما يظلم المسلم أخاه مع أننا نعلم شدة ما لحق بامرأة مسلمة حَبَسَت هِرَّة فدخلت في ذلك النارَ وعظيم مغفرته ورحمته امرأة باغية حيث غفر لها وتجاوز عنها بسبب سقيها كلباً يأكل الثرى من العطش ! .. ومن هنا تدرك عظمة نصرة هذه المخلوقات ورحمتها والرأفة بها ورفع الظلم عنها ! ..

يجب أن لا نركز على جانب ونهمل الجانب الآخر .. حيث مثلاً نركز على حبس الناس وهذا شيء واجب ولا منة فيه ، ولكن لايعني هذا أن نغفل عمَّا تتعرض له مخلوقات الله من ظلم وتعذيب ربما يكون بذلك سبباً لمقت الله لنا وحلول عذابه علينا ..

بل وما يدريك فلعل في الكلام في هذا الشأن ودعوة الناس لرفع الظلم عن مثل هذه المخلوقات سبب عظيم من أسباب رحمة الله لنا وتفريجه عنا ما نحن فيه من كرب وبلاء ! ..