|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
![]() |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
|
![]() |
#1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 434
|
لا مخالفة في جوازه في الأعراس والزفاف والأعياد والأفراح .
هذا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وهذه السلسلة اختلف فيها المحدثون بين مصحح ومحسِّن ومضعف ، والراجح حسنها ، إلا أن الراوي هنا عن عمرو بن شعيب هو : عبيد الله بن الأخنس ، وثقه أكثر العلماء ، وقال ابن حبان : يخطئ كثيرًا . والراوي عن عبيد الله هو : الحارث بن عبيد الإيادي ، قال فيه الإمام أحمد : "مضطرب الحديث" ، وقال ابن معين : "ضعيف الحديث" ، وقال أبو حاتم : "ليس بالقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به" ، وقال النسائي : "ليس بذاك القوي" ، وقال ابن حبان : "كان ممن كثر وهمُهُ حتى خرج عن جملة من يُحتَجُّ بهم إذا انفردوا" ، وقال الساجي : "صدوق عنده مناكير" ، وقد قال عبد الرحمن بن مهدي : "كان من شيوخنا ، وما رأيت إلا خيرًا" ، وهذه الكلمة لا تفيد أنه ضابط ٌ لحديثه ، لأن كلمة العلماء اجتمعت على أنه ضعيف في الضبط ، وربما كانت كلمة ابن مهدي تفيد أنه عدلٌ في دينه واستقامته ، ولا تلازم بين العدالة والضبط كما هو معروف . فهذا الحديث ضعيف كما هو ظاهر . وأقوى منه الحديث الذي روي بمعناه مع زيادة تفاصيل مهمة ، وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من طريق علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه ، فلما انصرف جاءت جارية سوداء ، فقالت : يا رسول الله ، إني كنت نذرت إن ردك الله صالحًا - وفي روايات : سالمًا - أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى . فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا" . فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر ؛ فألقت الدف تحت استها ، ثم قعدت عليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ، إني كنت جالسًا وهي تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف" . وهذا الحديث فيه علي بن الحسين بن واقد ، تكلم فيه بعض العلماء ، إلا أنه توبع ، تابعه زيد بن الحباب وغيره ، فصح الحديث ، ولذا قال الترمذي بعد أن أخرجه : "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة" ، ووجه الغرابة فيه : تفرد الحسين بن واقد بإسناده عن عبد الله بن بريدة ، والحسين بن واقد ثقة ، حسّن حديثه ابن سعد ، ووثقه ابن معين ، وقال أحمد وأبو داود والنسائي : "ليس به بأس" ، وذكر بعض العلماء أن له أوهامًا ، وهي غير مؤثرة في سائر رواياته ، ما لم يثبت وهمه بالمخالفة أو التفرد . فالحديث كما قال أبو عيسى : "حسن صحيح" . إذا ثبت كل ذلك ، يمكننا النظر في الرواية الصحيحة لحديث هذه الجارية ، وفيه المفردات الآتية : 1- جارية سوداء . 2- إني كنت نذرت . 3- إن ردك الله صالحًا - أو سالمًا - . 4- إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا . 5- إن الشيطان ليخاف منك يا عمر . ففي الجملة الأولى : أن العادة كانت أن ضرب الدف للجواري والإماء . وفي الجملة الثانية : أن هذه المرأة كانت قد نذرت نذرًا ، لكن هذا النذر مشروط بشرط ، فإذا تحقق المشروط تحقق النذر ، والشرط تبينه الجملة الثالثة : ففيها : إنْ ردَّك الله سالمًا ، وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى غزوة ، وتعرض هو وأصحابه إلى القتل ، وردَّه الله - عز وجل - سالمًا صالحًا منصورًا = إنّ هذا مما يستدعي الفرح العظيم ، والاستبشار والسرور . ولهذا نذرت هذه الجارية الضرب بالدف في هذه الحالة . والنذر - كما في الروض - : إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى شيئًا غير محال بكل قول يدل عليه . ويشترط له أن يكون في غير معصية الله ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" . ولهذا فلا بد أن يكون المنذور به دائرًا بين الإباحة والطاعة ، والنذر الذي نذرته الجارية هنا هو : ضرب امرأةٍ الدف في حالة الفرح والسرور ، وهذا مباح - كما اتفقنا قبل - ، فهو كالضرب بالدف في الأعراس والأعياد ، الذي جاءت النصوص ببيان حلّه . وفيه وجه آخر ، هو أن هذا النذر نذرٌ بطاعة ، قال ابن القيم في أعلام الموقعين : "... أن يكون هذا النذر قربة ، لما تضمنه من السرور والفرح بقدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سالمًا مؤيدًا منصورًا على أعدائه قد أظهره الله وأظهر دينه ، وهذا من أفضل القرب ، فأ ُمرت بالوفاء به" . وفي الجملة الرابعة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلزمها بالضرب إلا إذا كانت قد نذرت ، وإلا فلا يجب عليها . ويدل على هذا أنها تقول في سؤالها : إني نذرت أن أضرب ... ، والمعنى : فهل يجب عليّ أن أضرب وفاءً بالنذر ؟ لأنه من المعلوم أن الوفاء بالنذر واجب ، فأجابها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها إن كانت نذرت فلتضرب ، وإلا فمن غير الواجب الضرب . وفي الجملة الخامسة : نسب ضرب الدف إلى الشيطان ، وهذا لبيان الأصل في الدف ، وهو أنه من الشيطان ، ومع أنه مباح في هذا الموضع ، وحضره النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقرّه = إلا أن للشيطان مدخلاً فيه ، مثل ما لو زاد عن حده ، أو صاحبته معازف ، ونحو ذلك ، فالشيطان يفرح بذلك . وقد أسند الخلال عن الإمام أحمد أنه قيل له في بيع الدفوف ، فكرهه ، وقال : ( أذهَبُ إلى حديث إبراهيم : كان أصحاب عبد الله يستقبلون الجواري في الطريق معهن الدفوف فيخرقونها ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف» ) . قال أحمد : ( الدف على ذلك أيسر الطبل ، ليس فيه رخصة ) . وهذا المعنى ( أن الأصل النهي عن الدف ) متقرر في نفوس الصحابة - رضي الله عنهم - ، وقد أقرّه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد أخرج البخاري من طريق عروة عن عائشة - رضي الله عنها - أن أبا بكر - رضي الله عنه - دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغشٍّ بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه فقال : "دعهما يا أبا بكر ، فإنها أيام عيد" ... فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على إنكاره ، لكنه بيّن أن فعل هذه الجواري جائز لأنها أيام عيد وفرح . وهذا المعنى انتقل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تابعيهم ، فقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم النخعي قال : "كان أصحاب عبد الله - يعني : ابن مسعود - يستقبلون الجواري في الأزقة معهن الدفوف فيشقونها" ، وقال شريح القاضي وسويد بن غفلة - وهما من كبار التابعين - : "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه دف" . ويروى عن الحسن البصري أنه قال : "ليس الدفوف من أمر المسلمين في شيء" ذكره الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا - إن صح - كنقل إجماع التابعين ومن قبلهم على أن الأصل تحريم الدف . ودعنا نعد إلى كلام أهل اللغة في معنى الدف ، فقد قال ابن الأثير : "العزْفُ : اللَّعِب بالمعَازِف ، وهي الدُّفوف وغَيرها مما يُضْرَب" ، ونقله ابن منظور في لسان العرب , وورد عن غيره من العلماء أنهم ذكروا الدفوف في تعريف المعازف ، والمعازف محرمة بنص حديث البخاري . فثبت أن الأصل في الدفوف : التحريم ، فلا يقال : إن الأصل الحل فأين الدليل على المنع ، وإنما يقال : إن الأصل التحريم ، فأين الدليل على الإباحة . قال المباركفوري في تحفة الأحوذي في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا" : ( فيه دلالة ظاهرة على أن ضرب الدف لا يجوز إلا بالنذر ونحوه مما ورد فيه الإذن من الشارع ، كضربه في إعلان النكاح ... ) . وقد دلت الأدلة الصحيحة على إباحة الضرب بالدف في أحوال معينة ، كالأعياد ، والأعراس ، والأفراح عمومًا ، والوفاء بالنذر - كما في حديثنا هذا - . والله أعلم . ** لا يلزم من هذه المشاركة الموافقة على طريقة طرح الموضوع الأصلي أو مخالفتها .
__________________
كثرت ذنوبي ، فلذا أنا نادم . أسأل الله أن يتوبَ عليَّ ، ويهديَني سبيل الرشاد . وما أملي إلا ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ﴾ . أبو عبد الله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
#3 | |||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2002
البلد: بريدة
المشاركات: 2,071
|
أولاً : يجب أن نقرر أن الأصل في ضرب الدف هو الإباحة ما لم يأتِ دليل على تحريمه أو ذمه . ثانياً : حديث الجارية التي نذرت أن تضرب بالدف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لها , يؤكد أن ضرب الدف ليس حراماً .. إذ لو كان حراماً لما سمح به النبي عليه الصلاة والسلام . وتقييد إباحة الدف في الأعراس والزفاف والأعياد والأفراح والوفاء بالنذر فقط وتحريمه فيما عداه , لا يستقيم .. إذ ما ورد إباحته في ظروف , لايعني تحريمه في غيرها . بل قد يقال باستحبابه في تلك الظروف وإباحته في غيرها . ثم كيف يقال إن ضرب الدف حرام ولكنه يجوز عند النذر .. والنبي يقول : " من نذر أن يطيع الله فليطعه , ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه " ؟؟؟!!! كذلك هناك حديث نبوي رواه الإمام أحمد : عن السائب بن يزيد أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عائشة , أتعرفين هذه ؟ قالت : لا , يا نبي الله فقال : هذه قينة بني فلان تحبين أن تغنيك ؟ قالت : نعم . قال فأعطاها طبقاً فغنتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد نفخ الشيطان في منخريها " وهذا الحديث يدل على عدم تقييد الإباحة بما ذكرتَ أخي الفاضل . وتقبل تحياتي 00 المتزن
__________________
في المجتمع المريض الاستشهاد بالرجال أولى من الاستشهاد بالأدلة والأفكار !!
|
|||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
#4 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 434
|
أخويَّ العزيزين : أبا رائد وعمر : أحسن الله إليكما ، وغفر لكما .
أخي تأبط رأياً : وفيك بارك الله ، جزاك الله خيرًا . سأنقل هنا كلامًا نفيسًا جدًّا للعلامة الفقيه الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - ، فيه فوائد جمّة ، ولعلك تجد الإجابة عن هذه النقطة في ثنايا كلامه - رحمه الله - . قال في الشرح الممتع (12/351-354) بعد أن ذكر حديث المعازف الذي أخرجه البخاري ، وردَّ تضعيف ابن حزم له : "فالحديث لا شك في صحته ، لكن ابن حزم رجل مجتهد ، والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب . وهناك أناس ليسوا أهل اجتهاد ولا أهل علم ، ولكن يحكّمون الهوى ، يقولون : المسألة فيها خلاف ، وما دامت المسألة خلافية فأمرها هيّن ، فيعتقدون حلَّهُ بناءً على الخلاف ، وما ذاك إلا لهوى في أنفسهم ، وكما قال الأول : وليس كل خلاف جاء معتبرًا * * * إلا خلافًا له حظ من النظر وهذا لا حظ له من النظر ... وإذا كانت المعازف حرامًا ، فإنه لا يحل منها إلا ما خصه الدليل ، وبالقيود التي جاءت به ..." ، إلى أن قال - رحمه الله - : "قال في الروض : ( وكذا ختان ، وقدوم غائب ، وولادة ، وإملاك ) . أما الختان فهو قطع قلفة الذكر ، فيسن فيه - على كلام صاحب الروض - الضرب بالدف . وأما قدوم الغائب ، فقد جاءت السنة بإباحته ، فقد أتت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت له : إني نذرت إن ردك الله سالمًا أن أضرب بالدف بين يديك ، فال : "أوفي بنذرك" ، ولو كان هذا معصية لمنعها من الوفاء بالنذر ، لأنه لا وفاء لنذر في معصية الله . ولكن هل يشترط في الغائب أن يكون له جاه ، وشرف ، ومكانة ، كأمير ، ووزير ، وما أشبه ذلك ؟ الظاهر نعم ، بناء على القاعدة التي ذكرناها ، وهي أن ما خرج عن العموم وجب أن يتقيد بما قيد به من حيث النوع والوصف والزمان والمكان وكل شيء ، لأن الأصل العموم ، فالظاهر أنه لا يجوز إلا لمن له شأن في البلد . فإذا قال قائل : إذا كان الرجل ليس له شأن في البلد ، لكن له شأن في قبيلته ، مثلما يكون في البادية مثلاً ، فهل يضرب بالدف لقدومه ؟ الجواب : نعم ، يضرب بالدف لقدومه ، لأنه فرح . كذلك - أيضًا - في أيام العيد ، يجوز الدف للرجال والنساء على حد سواء ، وذلك لأنه فرح عام ، كلٌّ يفرح به ، وهو يوم سرور ، والدف لا شك أنه يدخل السرور على الإنسان ، ويفرح به ويسر . وهل نطرد هذا في كل مناسبة فرح ؟ الظاهر أننا لا نطرده إلا في فرح يكون عامًا ، كالأعياد وقدوم الغائب الذي له شأن في البلد ، وما أشبه ذلك ، وإلا فيقتصر على ما ورد . وكذلك الولادة ، إذا ولد للإنسان ولد أو بنت يضربون بالدف . وكذلك الإملاك ، وهو عقد الملكة ، وقد يكون داخلاً في قول المؤلف : "النكاح" ؛ لأن النكاح كما يكون بالدخول يكون في العقد . وكون صاحب الروض يرى هذا من باب الاستحباب فيه نظر ، والصواب أنه لا يتجاوز الإباحة ، لأن النكاح له شأن خاص ، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعلانه ، وأما هذه الأمور فغاية ما هنالك أن نقول : للنفس أن تطرب بعض الطرب بهذه الأشياء . وقال بعض أهل العلم : كذلك في كل سرور حادث ، وعليه نقول : إذا حصل لواحد نجاح في الدراسة ، يجمع إخوانه ويضربون بالدف ، وكل هذه الأشياء من التوسع ، ولكن أن يصل إلى درجة الغلو كما يفعله بعض الناس ، فهذا لا يجوز . ونحن الآن ابتلينا بآلات اللهو والأغاني ، وهي بلوى عظيمة في الحقيقة أفسدت كثيرًا من شؤون الناس وأمورهم ، حى أصبحت عند بعض الناس من الفنون التي يدعى لها ، وتعطى الشهادات عليها ، ويحمد عليها ، وهذا لا شك أنه يوجب قسوة القلب ، وغفلته عن الله - عز وجل - وعما خلق له ، بل عن مصالح الدين والدنيا ، ويصير الإنسان ما همه إلا الطرب ، ولذا ينبغي أن يبصر المسلمون بأن هذا لا يجوز ..." إلى آخر كلامه - رحمه الله - . وأما النقطة الثانية ( حكمه للرجال ) : فهذه مسألة أخرى ، والخلاف بين العلماء فيها واقع ، والنصوص - كما ذكرت أخي - فيها أن من يضرب الدف : الجواري والإماء والقينات . والمذاهب الأربعة على أنه للنساء خاصة ، وأما للرجال فالحكم دائر بين الكراهة والتحريم ، لأنه لم يرد في نصٍّ أن رجلاً ضرب دفًّا ، ولم يعرف ذلك عن السلف الصالح ، وللنهي عن تشبه الرجال بالنساء ، بل قال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - ( مجموع الفتاوى : 11/565، 566 ) : "ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء = كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثًا ، ويسمون الرجال المغنين مخانيثًا ، وهذا مشهور فى كلامهم" . وقد اختار ابن تيميّة وابن رجب وابن حجر وغيرهم تخصيصه بالنساء ، وذكر ابن عثيمين - رحمه الله - أن الأمر عائد إلى العادة ، وأنه يحرم إن ترتب عليه مفسدة ، مع أنه ذكر أنّ ما كان مخصصًا من النص فإنه يتقيد بالصورة التي جاء النص بها . وقد أفتى - رحمه الله - مراتٍ بتحريم ضرب الدف للرجال ، ومنها ما تسمعه هنا : http://www.islamway.com/?Islamway&iw...&fatwa_id=2731 والله أعلم . وأرجو أن تنقل لنا كلام الشيخ أبي عبد الله - فرج الله عنه - ، أو تدلنا على موضعه ، فإن له تحريرات نفيسة . * * * الأخ المتزن ..للأسف لم تناقش ما أوردتُهُ مناقشة علمية ، وغالب ما ذكرتَهُ سبق أن ناقشتُهُ في ردي السابق . قولك :
أقول : يا أسفا على أحاديث واستدلالات وتعاريف وأقوال كتبتُها ونقلتُها !! نسفها الشيخ ( المتزن ) بسطر واحد !! من أين لك هذا الأصل يا أخي ؟! وإذا كان الدف نوعًا من المعازف كما في تعريف اللغة قبل الشرع ؛ فكيف كان الأصل فيه الإباحة ؟! وإذا كان الدف من الشيطان كما في الحديث الذي ذكرتُهُ ، بل في الحديث الذي ذكرته أنت !! - على التسليم به ، ويأتي - ، فكيف يكون الأصل في شيءٍ من أمر الشيطان : الإباحة ؟! وإذا كان الصحابة يعرفون أن الدف من الشيطان ، والتابعون يقولون بأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه دف ( ولعل ذلك استنباطًا من أن الشياطين ستكون حاضرة في ذلك البيت ) ، ويمزقون دفوف الجواري = فأيُّ مستندٍ لكون الأصل في الدف الإباحة ؟! أخي الكريم راجع نفسك ، فإذا كنتَ قرأتَ ما نقلتُهُ وأقررتَ بما فيه ، ثم قلتَ ما قلتَ ، فاعلم أن هذه مكابرة واستنكاف عن قبول الحق ، وردٌّ للثابت من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهدي صحابته - رضي الله عنهم - والسلف الصالح ، وذلك خطرٌ عظيم ! وإن كنتَ قرأتَ ذلك ولم تقرّ ما فيه ، ففنّد ذلك علميًا ، نقطةً نقطة ، بأسلوب شرعي منهجي ، كي أقتنع ويقتنع الإخوة كما اقتنعتَ ، لأن الجميع ذوو عقول ، وإذا اقتنع ( المتزن ) برأي ، فلن يسلِّم به أحد إذا لم يبيّن دليلَهُ ومستندَهُ . وقولك :
نعم ، ليس حرامًا ، أنا ذكرتُ ذلك ، لكن الذي نذرته الجارية ليس ( ضرب الدف ) ، بل ( ضرب الدف في حال السرور والفرح ) ، وهذا الثاني مباح بمنطوق ومفهوم هذا الحديث وغيره . الجارية نذرت أن تضرب الدف في حالة إباحة الضرب لها ، ولذا أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تضرب إن كانت نذرت . بل في هذا الحديث نهيٌ صريح عن الضرب بالدف فيما كان في غير حالة النذر هذه وأشباهها ، ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فـلا" ؟! وقولك :
ماذا تفهم من قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا" ، وإلا فلا أيش ؟؟!! إذا كان الدف من الشيطان ، وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، وأقرَّ أبا بكر على إنكار الدف ، ثـمَّ أباحه في أحوال معينة = فماذا يعني ذلك ؟! وهل تعرف باب الخصوص والعموم في علم أصول الفقه ؟! والقاعدة التي سبق الإشارة إليها في ثنايا ابن عثيمين - رحمه الله - ، وقد قال ( في الممتع 12 / 351 ) : "وهذه قاعدة مهمة : إذا جاءنا نص عام ، ثم ورد تخصيصه ، فإنه يتقيد - أي التخصيص - بالصورة التي ورد فيها النص فقط" . وأما قولك :
فهذه فقهٌ عجيب ، حكايته تغني عن الرد عليه ، فالأمر بعد النهي يعيد المأمور به إلى حكمه قبل النهي ، فكيف بإباحة بعض الصور الخاصة - وليس الأمر بها - بعد النهي ؟؟! وقد ردَّ ابن عثيمين - رحمه الله - فيما سبق نقله عنه القولَ باستحباب الضرب بالدف في هذه الأحوال . وقولك :
وهذا سبق ، فإنما كانت إباحة الدف عند النذر لما كانت الجارية نذرته في حالة الإباحة . وجميع ما سبق مكرّر عن المشاركة الماضية ، لكن لا بأس - أحيانًا - بالتكرار . وقولك :
فالكلام على هذا الحديث من وجوه : الأول : الحديث أخرجه النسائي في الكبرى عن هارون بن عبد الله ، والطبراني في الكبير عن أحمد بن داود المكي ، وهذان من الحفاظ الثقات ، اجتمعا في الرواية على عدم ذكر قوله : ( فأعطاها طبقًا ) ، ففي صحة هذه اللفظة نظر ، خاصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد قال لعائشة : "تحبين أن تغنيكِ" ، والغناء يحصل بدون الدف ، وكذا قال في آخر الحديث : "قد نفخ الشيطان في منخريها" ، والدف لا شأن لذِكْرِ المنخر فيه ، وإنما يستقيم ذكره في حال الغناء فقط . ويبقى أنها غنّت عائشةَ - رضي الله عنها - ( يعني : غنت لها ) ، والغناء هنا لا يراد به الموجود الآن قطعًا ، "ومن نظر إلى لغة العرب واستعمالهم للغناء وجد أنهم يريدون به الشعر ، والكلام المسجوع ، فيسمونه غناءً . يقول حميد بن ثور : عجبت لها أنّى يكون غناؤها ** فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فَمَا وذلك أن الغناء هو ما خرج من الفم مجرداً , ولا يلحق به غيره ، فإن خرج مع المنطق ، وسُمِع غيره من آلات اللهو ، لم يكن من الغِناء المجرد .ولذلك يسمى ( الحداء ) و( الشعر ) و ( الكلام المسجوع ) وكلّه من الغناء ، إذا حسن الصوت به ، ويظهر هذا في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن" . وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أذِنَ الله لشيء إذنه لنبيٍّ أن يتغنَّى بالقرآن". أي : يحسن صوته به ، وجلُّ القرآن مسجوع ، ولذلك دخل في هذا الباب . ومن نظر إلى النصوص من أفعال الصحابة وكذلك أشعار العرب وجد أنهم يطلقون الغناء ويريدون به الشعر والحداء ..." ا.هـ من كلام الشيخ عبد العزيز الطريفي . وقال ابن قدامة في الرد على بعض من ألّف في إباحة الغناء : "وشرع بالاستدلال لمدح الغناء بذكر الحداء ، وهذا صنيع من لا يفرق بين الحداء والغناء ولا قول الشعر على أي وجهٍ كان ، ومن كان هذا صنيعه فليس أهلاً للفتيا" . وهذا استطراد ، وإلا فليس من شأننا مسألة الغناء هاهنا . الوجه الثاني : على فرض صحة اللفظة والتسليم بذلك ، فينبغي أن ينظر في معنى ( الطبق ) ، وهل تدل على الدف ؟ الوجه الثالث : على فرض كون هذه اللفظة - على التسليم بصحتها - تدل على الدف ، فيشكل عليها احتمال قائم قوي ، هو أن هذه الحادثة كانت في أيام عيد ، وقد ذكروه في حاشية المسند (24/497) ولا أدري هل هو ضمن نقلهم عن الإمام السندي أم لا . ووجه قوة هذا الاحتمال وظهوره : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من عادته أن يسلّي عائشة - رضي الله عنها - بالدف يوم العيد ، وهذا ثابت في صحيح البخاري في الحديث الذي نقلتُهُ في ردي السابق ، لما دخل أبو بكر عليها والدف يُضرب ... ، فيظهر هذه القصة كانت في يوم عيد ، وجاءت تلك القينة ، فأراد - صلى الله عليه وسلم - أن يلاطف زوجته ويسلّيها ، فسألها إن كانت تريد أن تغنّيها ، فقالت - رضي الله عنها - : "نعم" ، فأجابها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك . وأما في غير الأعياد والأفراح العامة ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلاطفها ويمازحها ويسابقها ويكلمها بكلام محبب إلى نفسها ، ولم يكن يعرض عليها الضرب بالدف تسليةً لها ، إلا أن يكون في الأعياد ؛ لمناسبة مقدار الفرح والسرور فيها . والقاعدة معروفة : إن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال القوي الظاهر سقط الاستدلال به . الوجه الرابع : وأيضًا : في هذا الحديث نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الأفعال ( الدف - على التسليم بأنه مقصود هنا - والغناء - وهو الحداء في عرفهم - ) إلى الشيطان ، فقال : قد نفخ الشيطان في منخريها ، فدل على أن أصل هذه الأفعال من الشيطان ، وهو الذي يحبها ويَؤُزُّ مثل القينات والجواري إليها . أرحب بالمناقشة العلمية المنهجية ، والله أعلم .
__________________
كثرت ذنوبي ، فلذا أنا نادم . أسأل الله أن يتوبَ عليَّ ، ويهديَني سبيل الرشاد . وما أملي إلا ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ﴾ . أبو عبد الله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
#5 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2002
البلد: بريدة
المشاركات: 2,071
|
ناقشتُ ما أوردتـَه أخي الفاضل , ولا أدري ما هي المناقشة " العلمية " التي تريد ؟؟!! على أي حال : إن كنت ترى أني نسيت شيئاً مما أوردتَ , فأعده . ولك أن أجيب عليه حسب فهمي المتواضع . ====
كنتُ أتمنى لو أنك قرأتَ كامل عبارتي , وخصوصاً قولي : ( مالم يأتِ دليل على تحريمه أو ذمه ) . نعم .. الدف لاحق بباب العادات لا بباب العبادات , ولذا فالأصل فيه الإباحة كما تقرر ذلك في الأصول بأن ( الأصل في العادات الإباحة , ما لم يرد ناقل ينقلها إلى حكم آخر ) وما ورد في السنة عن الدف يدور بين الاستحباب - على قول - والإباحة من جهة والكراهة والذم من جهة أخرى . وعلى هذا بنيتُ كلامي . ====
تقييدك وقولك إن ضرب الدف " في حال السرور والفرح " مباح , لا يعني أنه في غير ذلك محرم على كل حال , بل قد يكون محرماً وقد يكون مكروهاً مذموماً . ====
قول النبي عليه الصلاة والسلام : " إن كنت نذرت وإلا فلا " لا يدل على التحريم فيما عدا ذلك بل قد يدل على الكراهة والذم فيما عدا ذلك كما ذكرنا من قبل . كذلك لا يمكن أن يحوّل النذرُ حراماً إلى مباح .. فالمحرم يبقى حراماً ولا يصبح مباحاً بمجرد النذر . قد تقول : إن سبب الإباحة هو حالة الفرح والسرور وليس مجرد النذر . فأقول : إذن ينقلب سؤالك عليك : لماذا قال لها النبي : " إن كنت نذرت وإلا فلا " ؟؟؟!!! ألم تقل لنا إن ضرب الدف مباح في حال الفرح والسرور ؟؟؟!!! لماذا نهاها النبي عليه السلام مع أن الحال حال فرح وسرور ( وضرب الدف مباح فيها بحسب كلامك ) ؟؟؟!!! ====
أنت تتحدث على أساس أن الأصل في الدف أنه محرم ! وأنا أتحدث على أساس أن الأصل في العادات ( ومن بينها الدف ) أنها مباحة ما لم يرد ناقل ينقلها إلى حكم آخر . وكلامك أعلاه لا يدل على التحريم بل يدل على الذم , وهو ما أتفق معك فيه ( وقد ذكرتُ ذلك من قبل في موضوع آخر ) أخيراً : اختصاراً للوقت والجهد , أحبذ التركيز على الاستدلال بالنصوص الشرعية من القرآن والسنة وكذلك الإجابة على الأسئلة المباشرة , وتجنب الجفوة والتشنج . ( مع العلم أني لم أحبذ الحديث في هذا الموضوع ابتداءً , بل كل حرصي كان التوازن في الطرح وعدم الإساءة للآخرين لمجرد أنهم خالفونا في مسألة فقهية ) وتقبل تحياتي 00 المتزن
__________________
في المجتمع المريض الاستشهاد بالرجال أولى من الاستشهاد بالأدلة والأفكار !!
آخر من قام بالتعديل المتزن; بتاريخ 20-02-2007 الساعة 06:32 AM. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
#6 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 434
|
وجه كونها ليست مناقشة علمية : أني أوضحتُ لك أن الأصل في الدف التحريم وليس الإباحة ، وأثبتّ ذلك بذكر الدليل ووجه الاستدلال ، وكان جوابك : [ أولاً : يجب أن نقرر أن الأصل في ضرب الدف هو الإباحة ما لم يأتِ دليل على تحريمه أو ذمه . ] فهل هذه مناقشة علمية ؟! وأثبتُّ لك بطريقة علمية أن النذر الذي نذرته الجارية كان نذرًا في حالة إباحة الدف للجارية ، فكان ردك : [ ثانياً : حديث الجارية التي نذرت أن تضرب بالدف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لها , يؤكد أن ضرب الدف ليس حراماً .. إذ لو كان حراماً لما سمح به النبي عليه الصلاة والسلام . ] فهل تعميم الإباحة مقابل إثبات أنها مخصوصة بحالٍ معينة = مناقشة علمية ؟! ... إلخ . فتفنيد الإثباتات بطريقة علمية لا يُرَدُّ بإثباتات أخرى ، فضلاً عن أن يكون بإعادة الإثباتات المُفَنَّدة نفسها ! قولك :
لم تخفَ عليّ هذه القاعدة ، وهي من أشهر القواعد في الشريعة ، ودليلٌ على سماحة هذا الشرع ويسره . بل كل كلامي كان مبنيًّا عليها ! الدف من الأشياء والعادات التي الأصل فيها الحل ، وقد جاء ما يصرف الدف عن هذا الأصل : 1. أنه نوع من المعازف ، ونتفق على تحريم المعازف . 2. أنه من عمل الشيطان ، ومما يحبه الشيطان ، وقد قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) . 3. أن بعض كبار فقهاء التابعين أتلفوا الدفوف ، ولا يمكن أن يتلف هؤلاء - مع فقههم وورعهم ووقوعهم في خير القرون بعد قرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذهم عن كبار فقهاء الصحابة - لا يمكن أن يتلفوا مال الناس مع أنه مباح ولا شيء فيه ! والإتلاف نوع من إنكار المنكر ، وهذا يعني أنهم كانوا يعتبرون الدف منكرًا . طيب ، - ثبت أن حكم المعازف التحريم ، والمعازف أنواع عديدة ، وعليه ؛ فالأصل في المعازف : التحريم ( يعني : كل ما كان من المعازف فهو حرام بنص الحديث ) ، والأصل في كل نوع من أنواع المعازف : التحريم ، لأن الفرع له حكم الأصل ، ما لم يأتِ دليل يغيّر الحكم من هذا الأصل في المعازف وأنوعها ، - وثبت أن الدف من عمل الشيطان ، والأصل في أعمال الشيطان التحريم بنص الآية ، ما لم يأتِ دليل يغيّر الحكم من هذا الأصل ، - وثبت أن التابعين لم يكونوا يرون حرمة الدف فحسب ، بل أنكروه وأتلفوه ! إذن ، خرج الدف من الأصل الأول ( وهو إباحة العادات ) ، إلى الأصل الثاني ( وهو التحريم ) بالأدلة الشرعية . وليس هذا الحكم الوحيد الذي يكون كذلك ، فله نظائر ، أذكر اثنين منها اختصارًا باختصار : 1- الطلاق ، وهو من العادات ، وليس من العبادات ، ولا وجه لها فيه ، فالناظر فيه للوهلة الأولى سيقول : إن الأصل فيه الإباحة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في الفتاوى الكبرى : 3/247 ) : ( الأصل في الطلاق الحظر ، وإنما أبيح منه قدر الحاجة ، كما ثبت في الصحيح عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن إبليس ينصب عرشه على البحر ويبعث سراياه ، فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة ، فيأتيه الشيطان فيقول : ما زلت به حتى فعل كذا ، حتى يأتيه الشيطان فيقول : ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته ، فيدنيه منه ويقول : أنت أنت . ويلتزمه" ، وقد قال تعالى في ذم السحر : { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } ، وفي السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات" ، وفي السنن أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" ) ا.هـ . فانظر كيف خرج الطلاق من الأصل الأول إلى الأصل الثاني بأدلة شرعية ، أحدها مشابه لأدلة مسألتنا هذه ، وهو : أن الطلاق من عمل الشيطان ، ومما يحبه الشيطان . ومع ذلك كانت فيه استثناءات مباحة وهي ( قدر الحاجة ) - كما ذكر شيخ الإسلام - . 2- تكلم شيخ الإسلام على مشابهة الكفار فيما ليس من شرعنا ، فذكر أنه قد يكون مع العلم بأن هذا الفعل من خصائص دينهم ، وهذا لا شك في تحريمه ، وقد يكون مع عدم العلم بأنه من خصائصهم وعملهم ، وهذا له حالتان : - ما كان في الأصل مأخوذًا عنهم . - وما لم يكن في الأصل مأخوذًا عنهم لكنهم يفعلونه . ومحور الحديث هنا عما كان في الأصل مأخوذًا عنهم ، قال شيخ الإسلام ( في اقتضاء الصراط المستقيم : 1/491، 492 ) : ( ما كان في الأصل مأخوذًا عنهم ، إما على الوجه الذي يفعلونه ، وإما مع نوع تغيير في الزمان أو المكان أو الفعل ونحو ذلك ، فهو غالب ما يبتلى به العامة ، في مثل ما يصنعونه في الخميس الحقير ، والميلاد ونحوهما ، فإنهم قد نشؤوا على اعتياد ذلك ، وتلقاه الأبناء عن الآباء ، وأكثرهم لا يعلمون مبدأ ذلك ... ) ، ثم ذكر حكم مشابهتهم فيما لم يكن مأخوذًا عنهم ، ثم قال : ( بخلاف مشابهتهم فيما كان مأخوذًا عنهم ، فإن الأصل فيه التحريم لما قدمنا ) . وأنت ترى أن مثل الميلاد وما أشبهه عادات اعتادها الناس ، فلو طبقنا الحكم الأول لقلنا : الأصل في العادات الإباحة . إلا أن الدليل الشرعي صرف هذه العادة من أصل الإباحة إلى أصل الحرمة . فلا يُرَدُّ على مثل هذا بأن الأصل في العادات الإباحة ، فأين دليل التحريم ، لأن هذا الأصل انتفى بالدليل الشرعي ، وانتقل الحكم إلى الأصل الثاني ، وهو التحريم ، فيقال : عندنا أدلة التحريم أصلاً ، فأين الدليل على الإباحة . والمقصود : أن الدليل الشرعي قد يحيل العادة ونحوها من أصل الإباحة إلى أصل الحرمة ، ومن ذلك مسألتنا هذه ، فكما أن الأصل كان في الدف الإباحة ، إلا أن الدليل الشرعي أتى وحوّله من هذا الأصل إلى كون الأصل فيه التحريم . قولك :
جميل ،، إذا تقرر لنا أن الأصل في الدف التحريم - كما سبق - ، فقد جاءت استثناءات لحالات خاصة تخرج عن هذا الحكم ( الحرمة ) ، وهذه الاستثناءات تدخل في باب العام والخاص ، والذي يقرر الأصوليون فيه : أن الحكم العام يبقى مستمرًّا في سائر الأحوال ، والحكم الخاص ينطبق فقط على ما جاء به الاستثناء المخصِّص ، وعلى هذا فنكون عملنا بالدليلين معًا ، ولم نهمل أحدهما ، قال الشيخ محمد بن عثيمين في شرحه على منظومته في الأصول (ص336) : "العموم سبق لنا أنه يتناول جميع أفراده ، لكن إذا خُصَّ بعض الأفراد بحكم ، فَخَصِّصِ العامَّ به . بمعنى أنه إذا ورد نص عام ، ثم ورد نصٌّ آخر يخصصه ، أي : يخرج بعضَ أفرادِهِ منه ، وجب العمل بالدليلين" . وتطبيق هذا الكلام في مسألتنا : وردت أدلةٌ عامة تدل على أن الدف من المعازف ، وأنه من الشيطان ، وجاء هدي الصحابة والسلف على ذلك ، ووردت أدلة تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ ضرب الدف في حالات معينة ، سبق ذكرها ، فإذا قلنا : إن الدف محرم مطلقًا ، عملنا بالأدلة الأولى ، وأهملنا الثانية ، وإذا قلنا : إن الدف مباح مطلقًا ، عملنا بالأدلة الثانية ، وأهملنا الأولى ، والسبيل في التعامل مع ذلك ليس بعملية حسابية ( دليل إباحة + دليل تحريم = كراهة أو ذم ) !! إنما للعلماء في ذلك سبيل الجمع بين الأدلة ، ومن ذلك ما فعلوه هاهنا ، من تخصيص الحالات التي وردت إباحتها بالإباحة ، وإبقاء الحكم الأصلي ( التحريم ) على ما لم يرد فيه دليل يفيد الإباحة . وهنا تُعْمَلُ القاعدة التي ذكرها وأكد عليها الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : "قاعدة مهمة : إذا جاءنا نص عام ، ثم ورد تخصيصه ، فإنه يتقيد - أي التخصيص - بالصورة التي ورد فيها النص فقط" . وأرجو أن هذه القاعدة واضحة المعنى . قولك :
أحسنت . وربما كان في الاستدلال بقوله : "وإلا فلا" على النهي نظر ( والأدلة على النهي قائمة بدون هذا الاستدلال ) ، وقد كنتُ ذكرتُ الوجه الصحيح في الاستدلال به في ردي الأول ، لأن هذا الإيراد لم يغب عني . وأعيد ذلك للتوضيح ، وللإجابة عن هذا الإيراد : فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وإلا فلا" يفيد عدم إلزامها بالضرب إلا إذا كانت قد نذرت ، وإلا فلا يجب عليها . ويدل على هذا أنها تقول في سؤالها : إني نذرت أن أضرب ... ، والمعنى : فهل يجب عليّ أن أضرب ؟ فأجابها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها إن كانت نذرت فلتضرب ، و ( إلا ) أي : وإلا تكن نذرت ؛ ( فلا ) أي : فلا يجب أن تضرب ، وعدم الوجوب لا يقتضي النهي . والجواب جملة خبرية تعتمد على السؤال - كما تقرر في مبادئ اللغة العربية - ، فما دام هذا السؤال : هل يجب ، فالجواب : إن نذرتِ وجب ، وإلا فلا يجب . قولك :
قد بينت لك المراد . قولك :
الاكتفاء بهذا مظنة الضلالِ ، والتحكمِ بالنصوص ، وتوجيهِها حسب الرأي والهوى . وماذا يقول الضالون من المعتزلة والجهمية ... إلخ ، أليسوا يستدلون بالنصوص الشرعية من القرآن والسنة ؟! فالاستدلال بالقرآن والسنة أمر مطلوب ، لكن بفهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم من السلف الصالح ، فهم أقرب الناس إلى التنزيل ، وعقلوا وفهموا التأويل ، وعاشوا في خير القرون ، وهم أورع الناس وأوقفهم عند حدود الله وأوامره ، ولا يمكن أن يحرّموا ما أحلّ الله ، أو يحلّوا ما حرّم الله ، وهذا ليس ادعاءً للعصمة لهم ، إنما تصديقًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم" ، والخيرية لا تحصل لمن يحرّم شيئًا وهو يعلم أنه مما أحلّه الله ، وأنه لا دليل على تحريمه . وكذا من سار على نهجهم واتبع طريقتهم من علماء أهل السنة المحققين الكبار . ومنهج أهل السنة والجماعة قائم على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح . وهذا بالطبع ليس منعًا للاجتهاد والاستنباط من الكتاب والسنة ، فقد جرى على ذلك العلماء منذ أزمان متقادمة . إنما الأمر في التوقف كثيرًا عند إرادة مخالفة السلف في فهمهم كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وعدم التسرع في ذلك ، والاستقلال بالعقل فيه . وليس هذا موضع البسط في هذه الجزئية . وأما :
فأعتذر إن كان في كلامي شيء من ذلك ، وربما كنتُ معذورًا فيه . قولك :
هذه أراك تدندن حولها كثيرًا . وبغض النظر عن ( الإساءة للآخرين ) المرفوضة على كل حال ، فإن المخالفة في مسألة فقهية لا تعني أن لا يُستدرَكَ على المخالِف ، ويُبيَّنَ خطؤه . وقد نقلت فيما سبق كلامًا قيّمًا لابن عثيمين - رحمه الله - ، وأعيده أخرى : قال : ( وهناك أناس ليسوا أهل اجتهاد ولا أهل علم ، ولكن يحكّمون الهوى ، يقولون : المسألة فيها خلاف ، وما دامت المسألة خلافية فأمرها هيّن ، فيعتقدون حلَّهُ بناءً على الخلاف ، وما ذاك إلا لهوى في أنفسهم ، وكما قال الأول : وليس كل خلاف جاء معتبرًا * * * إلا خلافًا له حظ من النظر وهذا لا حظ له من النظر ... ) ا.هـ .فالخلاف الفقهي الذي لا حظ له من النظر لا يمكن السكوت عنه ، أو الحث على السكوت عنه بدعوى الخلاف . وقد خَطَّأ العلماء القاعدة المشهورة ( لا إنكار في مسائل الخلاف ) ، فكيف بالسكوت فيها ؟! والصواب قاعدة : ( لا إنكار في مسائل الاجتهاد ) ، مع أن تبيين الصواب في المسألة الاجتهادية بأسلوب حسن لا يظهر عدُّهُ من الإنكار . هدانا الله جميعًا للحق والصواب . والله أعلم .
__________________
كثرت ذنوبي ، فلذا أنا نادم . أسأل الله أن يتوبَ عليَّ ، ويهديَني سبيل الرشاد . وما أملي إلا ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ﴾ . أبو عبد الله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
#7 | |||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2002
البلد: بريدة
المشاركات: 2,071
|
بارك الله فيك أخي الفاضل , وعذراً على تجاهل ما ليس في صلب الموضوع ( رغم أهميته ورغبتي في التعليق عليه ) ولكني أخشى الإطالة والإملال . وتقبل تحياتي 00 المتزن
__________________
في المجتمع المريض الاستشهاد بالرجال أولى من الاستشهاد بالأدلة والأفكار !!
آخر من قام بالتعديل المتزن; بتاريخ 21-02-2007 الساعة 04:01 AM. |
|||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
#8 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 434
|
قلتُ أنا :
فقلتَ :
أقول - كما في عبارة العوام - : تسان علمتن من مبطي !! أنا وغيري لا ننتظر ممن يعتقد حلّ المعازف أن يعتقد تحريم الدفوف - إلا أن يشاء الله - !! والنقاش في مسألة المعازف يطول جدًّا ، ويحتاج إلى وقت وجهد ، لكن معي في الدلالة على تحريم المعازف نصُّ حديث البخاري : "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم - يعني : الفقير - لحاجة فيقولوا : ارجع إلينا غدًا ، فيبيتهم الله ، ويضع العلم ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" . وقد ضعّف هذا الحديث أقوام ، وتضعيفه يدل على أن المضعِّف لا يدري كوعَهُ من كرسوعِهِ في نقد الأحاديث وتصحيحها وتضعيفها - إلا ما شاء الله - !! ودلالته واضحة كالشمس على تحريم المعازف . وأما كلامك عما يحبه الشيطان
= فالله - تعالى - سمى عمل الشيطان رجسًا ، وقال : ( فاجتنبوه ) ، وقد قال - سبحانه - : ( لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ، وقال : ( ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) . وهذه النصوص تدل على أن الأصل في عمل الشيطان وما يحبه الشيطان وما يدعو إليه = هو أنه رجس وسوء وفحشاء ومنكر ، وما كانت هذه صفته فلا سبيل له إلا أن يكون حرامًا ، فإذا وُجد دليل يصرف عن هذا الأصل إلى الإباحة أو الكراهة والذم فيمكن أن يسلّم بذلك ، أما ولا دليل ؛ فلا ، بل القرائن المحيطة بالمسألة تدل على أن عمل الشيطان هنا باقٍ على الأصل . وقلتَ في موضع آخر من ردك :
ولا أدري ما الذي تقصده بقولك : ( مطردة ) ؟ هل تقصد أن التحريم ليس مطردًا في الدف كاطراده في الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ؟ وما معنى الاطراد هنـا ؟ هل تقصد أنه لا يوجد استثناءات من التحريم ؟ وإذا كان الاستدلال بالآية الأولى لا يتم لأنه ذكر بعض أفراد المحرمات ، فالآيتان الأخريان فيهما قواعد عامة في عمل الشيطان وما يدعو إليه ، وهما كافيتان في الدلالة على هذا الأصل . مع أن هذا الأصل ربما كان من المعلوم عند كل مسلم عاقل بالضرورة . وأما قولك :
فأقول : نعم ، ولا يسقط استدلالي به على التحريم - إن شاء الله تعالى - . لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الدف من الشيطان مع أنه كان يُضرب بين يديه : فقد قال - صلى الله عليه وسلم للجارية - : "إن كنت نذرتِ فاضربي ، وإلا فلا" ، قال بريدة - رضي الله عنه - : فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر ، فألقت الدف تحت استها ، ثم قعدت عليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ، إني كنت جالسًا وهي تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف" . فإذا كان الدف من الشيطان والنبي - صلى الله عليه وسلم - حاضر ، فكيف به وهو غائب ؟! وقد سبق بيان وجه كون النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرّه وحضره مع أن الأصل أنه من الشيطان ، وهو - مرة أخرى مع زيادة بيان - : أن للشيطان مدخلاً فيه حتى وهو مباح في هذه الحالة ، مثل ما لو زاد عن حده ، أو صاحبته معازف ، ونحو ذلك ، فالشيطان يفرح بذلك ، قال ابن حجر ( في الفتح : 11/588 ) : "في آخر الحديث أن عمر دخل ، فتركت - أي : تركت الجاريةُ الضربَ - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر" ... لكن هذا بعينِهِ يشكل على أنه مباح ، لكونه نسبه إلى الشيطان ، ويجاب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع على أن الشيطان حضر ؛ لمحبته في سماع ذلك ؛ لما يرجوه من تمكُّنه من الفتنة به ، فلما حضر عمر فر منه ؛ لعلمه بمبادرته إلى إنكار مثل ذلك" ا.هـ . فإذا كان الدف مدخلاً للشيطان في حال إباحته ، وفرح به الشيطان والنبي - صلى الله عليه وسلم - حاضر ، فما ظنك به في حال لا يرضاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه ولا التابعون بإحسان ؟! تقول :
وأقول : ما كان ينبغي - والله - أن يورَدَ مثل هذا الإيراد !! فإذا أتلفوا الدفوف ، فهل هذا يعني أن تنتهي الدفوف من الأرض ؟!! وهل إتلاف الدفوف يلغي إمكان صناعتها من جديد ؟! والدف يمكن تخزينه ورَكْنُهُ إلى أن يأتي وقت إباحته ، كما يخزن ما يخزن مما لا يستعمل إلا في مواسم معينة . ولا يُعترض على هذا بمثل قول بعض التابعين السابق : "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه دف" ، لأن المقصود ليس تحريم آلة ( الدف ) بذاتها ، إنما تحريم استعمالها في غير ما ورد الشرع بإباحته . فقصدهم بتلك المقولة : إن الملائكة تنفر من البيت الذي يكون مكانًا لضرب الدف ، وقد سبق أن ذلك لعله استنباط من تجمّع الشياطين حيث الدفوف واللهو . وأما قولك :
فدعنا نرجع إلى إمامين فقيهين عارفين عاشا في القرن الثالث الهجري ( أقرب منا بمرات من عصر التابعين ، وأعرف منا بعصرهما وألفاظ الناس عندهم وأساليبهم وكلامهم ) ، وعن طريقهما وصلتنا نصوص أن بعض التابعين أتلفوا الدفوف ، ونرى كيف فهما هذه النصوص : 1- بوّب أبو بكر ابن أبي شيبة (ت 235) على هذه الآثار بقوله : "من كره الدف" ، وهذا بالتأكيد لا يعني الكراهة التي اصطُلح عليها ، التي هي أقل من التحريم ، لأن هذه المصطلحات لم تكن محددة بحدود واضحة في ذلك الوقت ، فكانوا يطلقون على المحرم محرمًا ومكروهًا ، لأن كلَّ محرمٍ مكروهٌ ، وينطبق هذا على كلام الإمام أحمد الآتي . والمقصد : أن ابن أبي شيبة فهم من هذا النص أن أصحاب عبد الله بن مسعود كانوا يتلفون الدف كراهةً للدف . 2- سبق نقل نص أحمد بن حنبل (ت 241) ، حيث أسند الخلال عن الإمام أحمد أنه قيل له في بيع الدفوف ، فكرهه ، وقال : ( أذهَبُ إلى حديث إبراهيم : كان أصحاب عبد الله يستقبلون الجواري في الطريق معهن الدفوف فيخرقونها ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف» ) . قال أحمد : ( الدف على ذلك أيسر الطبل ، ليس فيه رخصة ) . ففهم أحمد أنهم ( يكرهون ) الدف ، فذهب مذهبهم ، فـ ( كرهه ) . وسبق بيان أن الكراهة في عرفهم لا تقتضي عدم التحريم . والمراد من كل هذا : أنه من الواضح أن تخريق هؤلاء الكبار للدفوف ليس للا شيء ، أو لشيء خارج عن معنى الدف ، إنما لأن ضرب الدف منكر ، وآلته تستعمل في المنكر ، وهكذا فهم الأئمةُ الواردَ عنهم . وقولك في موضع آخر من ردك :
فأنا لا أقول إن الآلة فاسدة ، ومحرمة ! إنما الضرب بها هو المحرم إلا فيما أباحه الشارع ، وهذا واضحٌ بيِّن ، إلا إن كنتُ لم أفهم عبارتك على وجهها . ولا أدري هل تقرّ أنّ ضرب الدف ( فساد ) ، ولذا أتلف السلفُ آلتَهُ ؟ قولك :
لئلا يُقال مثلُ هذا قلتُ ما قلتُ حول أخذ الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، وقدمت بالمقدمة الطويلة عن مكانتهم في الدين . على أني لا أستدل بفعلهم استقلالاً ، إنما أعضد فهمي بفهمهم وتطبيقهم للأدلة . وقولك في مسألة المعازف :
فلعلها انقلبت عليك ، فالعرش هو الذي يُثبَّت أولاً ، ثم يكون النقش ، ولذا يقولون : "ثبّت العرش ، ثم انقش" . وتثبيت عرش تحريم المعازف أمرٌ لا يحتمله المقام ، وقد قام به من قام . وأما ما ذكرتَ عن آل الماجشون ، فمناقشته تطول ، وليس فيه ما يقطع بأن ذلك لم يكن في عرس أو فرح ، والاحتمالات فيه واردة قائمة . ولو صح ذلك ، فأصحاب ابن مسعود كان يخرّقون الدفوف قبل ولادة يعقوب الماجشون أو حال نشأته ، وهم من كبار التابعين ، ومن طبقة الفقهاء العارفين ، وأخذوا علمهم وفقههم من ابن مسعود - رضي الله عنه - وهو من كبار فقهاء الصحابة ، فهم أولى بالاحتجاج بهم من غيرهم . قولك :
وقولك :
أقول : دلالة ما سبق على التحريم واضحة للناظر المتأمل المتجرد . ولا حاجة إلى التكرار ، وإن كان أحيانًا ينفع التكرار . قولك :
أليس الوفاء بالنذر واجبًا ؟! قولك :
دعني أقُل لك : يحرم لبس الحرير على الرجال ، وقد أباحه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الحاجة ، كحكة ونحوها . نذر زيدٌ أن يلبس الحرير إذا أصابته الحساسية ( لأنها تؤدي إلى الحكة ) . فإذا تحقق هذا الشرط ( بحيث أصابته الحساسية ) ، سيصبح واجبًا عليه إيفاء نذره ( لبس الحرير ) ، فهل سيتغير أصل حكم الحرير في غير هذه الحالة ( وهو التحريم ) ؟! أرجو أن تتضح صورة التخصيص بعد العموم ، فإن الوجوب بالنذر في هذه الحالة لم يأتِ مباشرة بعد تحريم ، أعني : أن الأمر الذي وجب بسبب النذر لم يكن محرمًا أصلاً حال النذر ، ولم يتحول من محرم إلى واجب ، إنما من مباح إلى واجب بسبب النذر . بل إن النذر لا يمكن أن يغيّر المحرم عن تحريمه ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إذا نذرت أن تعصي الله فلا تعصه" . وفقني الله وإياك إلى الصواب ، وألهمنا رشدنا ، ووقانا شر أنفسنا . والله أعلم .
__________________
كثرت ذنوبي ، فلذا أنا نادم . أسأل الله أن يتوبَ عليَّ ، ويهديَني سبيل الرشاد . وما أملي إلا ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ﴾ . أبو عبد الله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|