|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
![]() |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
|
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2007
المشاركات: 273
|
عمر في الحرب العراقية ـ الإيرانية بمهارة عالية في صياغة خطاب لدبلوماسية الحرب استخدم الجانب العراقي هوية الخصم ثلاثية الأبعاد، موزعة على ثلاثة اتجاهات متباعدة نجح الخطاب العراقي في تطويع كل جهة لصالحه باستخدام البعد النظير، إن الخصم في الخطاب العراقي سيكون فارسياً في الخطاب القومي الموجه إلى المحيط العربي الواسع، فيوظف البعد القومي العربي لمقارعة البعد القومي الفارسي. من هنا أستحدث الصراع العربي ـ الفارسي لكي تصبح سواحل الخليج المقابلة للخصم الفارسي شريكة في الصراع وميداناً استراتيجياً مشروعاً بمنطق هذا البعد. وفي لقاءات عراقية مع المؤسسات الدينية وحركاتها السياسية سيجري الحديث عن شيعة روافض، بل هي حرب عمر بن الخطاب وقادسية صدام قادسيته وعلى الخليج السني والعالم الإسلامي السني ودون تفضل منه أن يهيئ لقادسية عمر الجديدة أسباب الانتصار. ولا بأس أن تكتب عبارة (الله أكبر) على العلم القومي للعراق. وفي الخطاب الدولي يستخدم البعد الثالث والمخفي والمتواري من الخطاب في بعديه الأول والثاني وسيكون محور الحديث الثنائي بين وزير خارجية العراق، الذي اختير من بين البعثين المسيحيين أنها حرب الحضارة الأوروبية، أو على الأقل حرب العلمانيين ذوي الاتجاهات العصرية ضد ثورة إسلامية ونظام ظلامي يهدد حضارة الغرب وعلى فرنسا التي كانت الممثل الكاثوليكي للمسيحية الأوربية أن تكون في الوقت ذاته ممثلة دون تفضل كما الخليج منها للجانب العراقي في حمايته من ضغوط اللجان الدولية لحقوق الإنسان ونشاط معارضين عراقيين في أوروبا فضلاً عما ينفلت في الإعلام الأوروبي من كتابات حول استبداد السلطة العراقية. إن كاتب السطور الذي وضع كتاباً في إشكالية الغزو والحرب بعنوان (أسوار الطين) الصادر للعام 1995 سيجدد القول هنا: إن صاحبه القديم الرئيس العراقي صدام حسين هو ليس عمر بن الخطاب بالتأكيد، وأن الإمام الخميني هو ليس كسرى يزدجرد، وكان كلا النظامين يعتمد على نظرية ولاية الفقيه. ففي إيران تقوم الدولة على سلطة الإمام الفقيه وفي العراق كانت ولاية الحزب لأمينه العام ومرشده الروحي ومفكره القومي الأول، الذي لا يعلوه اسم رئيس الجمهورية وأن القيادة القومية مختلطة بين مسيحيين ومسلمين عرباً وعراقيين. أما الرئيس صدام حسين فقد أمر مرافقه الشخصي بأن يصدر تعميماً حزبياً لمنع قياديين في الحزب رآهم يحضرون صلاة الجمعة في المساجد وقال بالنص: إن ذلك يشكل خطراً على أجيالنا الحزبية وهي ترى قياديين في الحزب منغمسين بقضايا دينية. ولم أر الرجل وبيده نسخة من المصحف إلا في صالة محكمة الجنايات الكبرى، فتمنيت على صاحبي أن يكون أكثر انسجاماً مع أصوله العلمانية. وإن كان الأمر بعدئذ للـه فهو الذي يهدي ويضل ولا يعلم الناويا إلا اللـه. إن الجانب العراقي في ثلاثية هوية الخصم، لم يجد في مرشده الروحي روحاً تضخ فيه البأس على الخصم، فاستعان بعمر بن الخطاب وانتحل قادسيته، لكنه لم يستطيع في خطوة واحدة صغيرة أن ينتحل روحه وعقيدته التي تتعارض في ضلعين من مثلث الدبلوماسية العراقية وخطابها الإعلامي والدبلوماسي. ولم يكن عمر مجمع الأضداد لكن زجه في الحرب قد ساهم بتجديد الانقسام في المجتمع العراقي وفي العالمين العربي والإسلامي وبظهور مؤسسات للكسب الطائفي والتشهير بالآخر. فكان العراق من جانبه ومعه مؤسسات دينية استجابت لخطابه تروج لكتب مدفوعة الثمن وشراء ذمم لكتاب عرب وباكستانيين وإيرانيين، فيما استعد الجانب الإيراني لمواجهة مماثلة مستخدماً خطاب الحركة الاستقلالية العربية في مواجهة النفوذ الغربي والصهيوني، والوقوف إلى جانب الثورة الفلسطينية واستقبال زعمائها فيما كانت شخصية الإمام الخميني تذكر عامة المسلمين بزهد عمر وترابية علي. وتأسست حركات إسلامية في المجتمعات السنية تأخذ بنظرية الثورة لتأسيس نظام إسلامي. إن معارك الحرب العراقية ـ الإيرانية على الأرض، أورثت معارك أخرى بين المؤسسات الإسلامية السنية وأنظمتها ومعارك بين السنة والشيعة على الورق وفي مراكز البحث، وتحولت معارك الورق ومراكز البحث إلى دماء وسكاكين على مسرح الأرض العراقية، فيما إيران تنمو وتزدهر. إن ظاهرة المستبصرين توضع في هذا السياق، ولا تخلو من انجذاب حميم لاتجاهات الثورة الإسلامية وشخصية الإمام الخميني عند عدد من المتحولين، بينما كانت أغلبية المتحولين تحت عامل الإغراء والشراء. والفرق بين الاثنين أن المنجذبين إلى اتجاهات الثورة الإيرانية قد حافظوا على توازنهم ولم يتمرغوا في حمأة السب والشتيمة، ومثال هذا الاتجاه السليم كتابات المفكر صائب عبد الحميد الحديثي. بيد أن حملة (الاستبصار) في مجملها دخلت في الانقسامات المذهبية وأعادت النشر العربي والثقافة العربية إلى سنوات الصراع العثماني الصفوي، وكان عمر نقطة الهدف ومركز العصب ومرمى الأقلام في هذه الظاهرة. وفي الطرف الآخر كانت أعراض الشيعة ودماءهم مباحة في الفتاوى اليومية. إن مبدأ القطيعة يغادر التاريخ في لحظات ليكون حاضراً في الخلاف السياسي اليومي وفي خلافات الدول، والأبواب مشرعة أمام الفريق الآخر ليدخل من القطيعة المقيمة في دفاتر الكركي والمجلسي إلى أسواق الكرادة وبيوت الصفيح في مدينة الصدر، تقابلها مليشيا القطيعة في غزوات تذكرنا بغارات حسان بن حسان الذي دخل الأنبار فأزال خيلها عن مسالحها. استباحة العثمانيين وحصانة الصفويين أقامت حركة التنوير في مطالع النهضة العربية المعاصرة قواعدها الفكرية على فهم جديد للإسلام مغاير ومناهض للفهم العثماني. وزعماء الحركة فقهاء أهل السنة ومفكروها من كابول بلد جمال الدين الأفغاني ومروراً بالإمام محمد عبده في القاهرة وعبد الرحمن الكواكبي في حلب حتى احمد بن أبي الضياف وخير الدين التونسي في المغرب العربي. وفي قلب الجزيرة العربية وجهّت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نقداً للسياسات العثمانية القائمة على احتضان التصوف المشوه والدروشة التي أنكرها الإسلام على المسلمين. ولم يتهم أهل السنة هؤلاء الفقهاء والشيوخ بالمروق والارتداد على الإسلام. وفي المقابل لم تتعرض سياسة الدولة الصفوية إلى نقد مماثل صادر عن المؤسسة الشيعية إلاّ في نطاق ضيق تصدر فيه الفقيه إبراهيم القطيفي تياراً لمعارضة شرعية السلطنة، لكن الشاه الصفوي سبقه باستجلاب (120) فقيهاً كبيراً من لبنان والقطيف والعراق والبحرين. وفضل فقهاء آخرون العزلة في معتكف الدرس والعرفان، لعلنا نتحدث أيضاً عن موقف المفكرين والأدباء الشيعة إزاء الملك القهري الصفوي وتراجع واضح في مقدامية الشعراء العراقيين. ففي الجانب السني يتصدى معروف الرصافي بجرأته المعهودة محرضاً العرب على الدولة العثمانية عجبت لقـوم يخضعون لدولة يسوسهم في الموبقات عميدها وأعجب من ذا أنهم يرهبـونها وأموالهم منهم ومنهم جنودها في وقت تمتعت الدولة الصفوية بحصانة من النقد والتعريض، وفرتها جهود مشتركة للسلطة والمؤسسة الدينية خلال أكثر من مئتين وعشرين عاماً. بينما تعرضت خليفتها الدولة القاجارية إلى حملة نقدية لعلماء التشيع شبيهة بحملة علماء السنة على الدولة العثمانية. وحتى هذه اللحظة يمكن لكتابة مناهضة للشاه القاجاري المرور في أروقة الحوزة العلمية دون أن تترك الأثر الذي ستتركه محاولة مماثلة تمس الدولة الصفوية. إن المفكر الدكتور علي شريعتي ينفرد بموقف نقدي صارم وبجرأة أدبية لم تتوفر لنظير عراقي، وكان سرّ قوته لا ينفصل عن صلته القديمة بحركة الثورة الجديدة للإمام الخميني التي يصح اعتبارها فاصلاً تاريخياً بين زمنين شيعيين، يمتد الأول من مطلع القرن السادس عشر الميلادي ويسقط في يوم انتصار الثورة الإيرانية في شباط 1979. ومع هذا التطور تراجعت حركة نقد الدولة الصفوية في التأليف الرسمي وبرزت محاولة نافرة لتماهي ثورة الإمام الخميني بحركة إسماعيل الصفوي، وكونهما تأسيساً لدولة التشيع برؤيتين. إن التطير من نقد المنهج الصفوي في الوسط العراقي خاصة، قد يكون له مبرر بعد أن صار مصطلح الصفويين مفردة يومية في مشروع تعجيم الشيعة، وطعن عروبتهم ووطنيتهم. وفي غير هذا لا نرى مبرراً للانزعاج من محاولة نقدية تفك الارتباط الموهوم بين الدولة الصفوية والإمام علي نظيراً للمحاولة السنية الناجحة في فك ارتباط السلطنة العثمانية اليوم بعمر بن الخطاب. فروق طائفية: ربع علي يسبون عمر، وربع عمر يسبون الشيعة إن الشيعي في فريق القطيعة قد يسُّبُ عمر على الشفاه، إذا كان من عامة الناس، ويسبُّه على مجلدات الأسفار إذا كان عالماً موسوعياً أو شاعراً أي شاعر، فيما يتحرك المتأثرون بنظرية المُشاركة وهم أقلية قليلة في المجتمع الشيعي على استحياء فيلوذون بالصمت إلاّ من أُعطي جرأة محمد حُسين كاشف الغطاء وعلي الوَردي ومعهما قلة من الفقهاء والكتّاب. أما الردُّ السُنّي، والحديث عن العراقيين فلا يخضع إلى قوانين الهجاء ومناقضاته، والسُنّي في ثنائية عمر وعلي لا يتعرض للإمام علي بسوء في رده على من ينال من عُمر، وإنما بفتح شهيته التاريخية على المُرويات الفقهية لسَب الشيعة وليس إمام التشيع، فظهر في وقتٍ مبكر مشروع تعجيم الشيعة في المرويات السُنّية، والتقاط نماذج شيعية في التاريخ الإسلامي والتشهير بها على أن يكونوا دون مقام الائمة فانتشرت روايات يفيض بها تاريخ بغداد ويتراجمون بها مع فريق القطيعة. وعلى قسوة الانقسام الاجتماعي، ومنذ العهد العثماني في العراق لم تظهر لدى سُنّة العراق كتابات أموية، ولم يتحدث خطيب جمعة في نظرية وحدة الصحابة في منهج المقارنات بين علي ومعاوية. وعندما ظهر كتاب يروّج للدولة الأموية لمؤلفه أنيس النُصولي، وهو مدرّس وفد العراق من الشام، لم يقف فقهاء السُنّة في العراق إلى جانبهِ، مع انتصار كتاب ليبراليين وقوميين لصاحب الكتاب الذي قرر مجلس الوزراء باقتراح من وزير المعارف السيد عبد المهدي المنتفكي إلغاء عقده وإعادته إلى بلاده. يُستثنى أيضاً ما كتبه عبد الرزاق الحصّان في رسالة تشهيرية في الثلاثينات من القرن الماضي بالشيعة، لكن الأمر لم يتطور إلى فتنة بين الفريقين. حتى في أصعب مراحل الصراع بين الصفويين والعثمانيين وقد اتخذ الفريقان من العراق ميدان حرب لهما، والجيش الصفوي يدمّر أضرحة أئمة السُنّة. وفي الطرف الآخر كان السلطان العثماني يقاتل الشيعة في بغداد، ثم يأمر بتجديد أو بناء ضريح للإمام موسى بن جعفر في الكاظمية قبل أن يتوجه إلى النجف وكربلاء لزيارة أئمة أهل البيت. وخلال ثمانين عاماً من حكم العراق الذي انفرد فيه السُنّة بالقرار السياسي ورئاسة الدولة ومجلس الوزراء والمواقع العُليا بنسب شبه مُطلقة، لم تُصدر السلطة السنيّة قراراً بإطلاق اسم أحد الأمويين على شارع أو معهد أو ساحة. لكن تصرفاً نزقاً صدر عن الحكومة العراقية في عهد الرئيس عبد السلام عارف عام 1964 بتأسيس المكتب الأموي، ومنحه إجازة عمل وتوفير مكان له في مبنى مقابل لسوق الشورجة في شارع الرشيد ببغداد في وقت كانت تلك السوق المركز التجاري، الذي يغذي المرجعيات الشيعية. وأغلق المكتب بعد وفاة الرئيس عبد السلام عارف ومجيء شقيقه عبد الرحمن عارف المعروف باعتداله وحياده. فلا يذهب الظن بنا إلى حُسن الظن بالتمييز الطائفي في السياسة العراقية، لكننا نود أن نحصر القاعدة الاجتماعية في ثنائية عمر وعلي بعدم حصول شيء من التبادل السُني في مواجهة الشتم الشيعي للصحابة، فيقتصر أهل السُنّة على مجالات أخرى تمس الشيعة دون أئمتهم. وكان هذا هو منهج الجاحظ في كتابه (العثمانية) وعليه سار سُنة العراق. ومن هنا تُكشّر المذابح الطائفية في العراق عن أنياب غير عراقية. وكما قلت في كتابي (أسوار الطين) الصادر عام 1995، إن الطائفية مستقرة في العراق. لكن القتل الطائفي كان يفدُ دائماً من خارج العراق. وكما في باب الفرق بين الطائفي الشيعي والطائفي السني من كتابنا (الشيعة والدولة القومية) أن الطائفية الشيعية تاريخية، تصب جهدها على تشريح من حَرَمَ الإمام علياً من الخلافة الأولى، وما يترتب على ذلك من إشكالات مع الطائفة السنية المتصالحة مع التاريخ، لكنها ذات بُعد سياسي في الحاضر، يستهدف حرمان الشيعي من امتيازات السلطة. ولا ينسحب هذا التفريق بينهما على واقع الصراع ما بعد سقوط نظام صدام حسين، فقد تطورت الطائفية الشيعية فصارت سياسة تعيش في الحاضر فضلاً عن جانبها التاريخي، ولعلنا أشرنا إلى ذلك في كتابنا (العراق الأمريكي) الصادر سنة 2006، وتطورت الطائفية السنية إلى مراتب أخرى لم يكن معظمها عراقياً. والمظنون أن الأمور تسير في العراق حالياً على قاعدة ليست بعيدة عما نستعرضه، فالخطاب الشيعي عند أهل القطيعة، يواصل التعريض بالصحابة والنيل منهم بلا تحفظ. ويكون ذلك كافياً لتحريض بقية المسلمين وهم الأغلبية العظمى على منابر التشهير، ليس بسبعين ألف منبر أقامها معاوية في الشام للتعريض بالإمام علي، وإنما بإرسال سبعين ألف انتحاري يؤمن بأن في موته موتاً للشيعة وثأراً للصحابة. فإذا تصدى أحد القائلين بنظرية المشاركة أمثالنا، وتحدث عن قرارات مشتركة اتخذت في ركن المسجد النبوي بين عمر وعلي، صار خارجاً على المِلّة. عمر والمصالحة العراقية: رأيناه في مطلع الكتاب مُحرر العراق ومؤسسه وناقل إرادته من عجمة القرار إلى فصاحة العرب، وهو مُمصر البصرة والكوفة وهذا حسَبْهُ. ولعلنا نبحث لعمر عن مقام يقضي فيه بين المتخاصمين على حصير تحت نخلةٍ من نخيل الكوفة، وفضائيات العرب تتناقل أخباراً عن مؤتمرات لـ\"مصالحة وطنية\" فهل سيحضرُ في منتهى مطاف الكتاب في سلسلة من الوشائج يُمسك بطرفٍ منها وطرفُه في ظاهر الكوفة عند صاحبه وشريكه ومرجع قضائه الإمام علي بن أبي طالب؟ أول ملاحظاتنا ألاّ تسحبنا الأحداث السياسية من وقار التاريخ إلى سطوح العناوين اليومية، وثانيهما أن الوطن ليس طرفاً في هذه المصالحة، وليست له مشكلة مع أحدٍ منهما وليس لهما مشكلة معه حتى تكون مصالحة وطنية. وهي بهذا المعنى تحمل هوية أطرافها. مصالحة طائفية. وعندها سيدخل إليها عمر دون الإخلال بمنهج الكتاب. فهل سيقتنع القائلون بالقطيعة أنهم لم يحصروا استشكالهم في زمانه بعيداً في أعماق التاريخ الإسلامي الأول، أم أنهم أيقنوا بعد جريان الدم، أن القطيعة تنتقل من الماضي إلى الحاضر بلحظات ربما هي أسرع من جريان الدم؟. إن منهج القطيعة يقتضي بتبيان أسبابها، وهذه لا تستقيم بدون أن يوضع عمر على مشارح النقد والتشريح حتى يتوفر المسوغ الشرعي لقطيعة الإمام علي ومقاطعته مركز السلطة الإسلامية في المدينة، ويقود هذا إلى تجريم عمر وسبِّه على مسمع من آذان الفضاء وعيون المتابعين للسجالات والخطابات، وقد تحولت من منابر منزوية إلى عيون الفضائيات والأقمار الصناعية، فيستفزُ الطرف الآخر المحسوب على عمر فلا يرد على شاتميه بشتم أئمة أهل البيت، بل بالبحث في المرويات والقصص وصياغة الآليات لصياغة مرافعة ومشروع دفاعي وهجومي على الخصم سيكون منه تعجيم الشيعة ثم تكفيرهم مما يتيح لفرق الذبح بين الحدود العراقية والانبار وبين اليوسفية والمحمودية في طريق الأئمة أن يشهروا سكاكينهم ليؤدوا (الواجب الشرعي). إن أهل القطيعة قد لا يكفرون أهل السنة، بل يكفرون عمر وأبا بكر وعائشة، فتنزل القطيعة من أعاليها إلى أسافلها وتدور الدورة الطائفية في مدن العراق. ولهذا فإن وضع مشروع للمصالحة الطائفية إذا أريد له النجاح، سيقتضي أن يبدأ من التاريخ والتصالح معه لترجيح كفة المشاركة على القطيعة حتى تقبل المشاركة في الحاضر. أما أن يستشري دعاة القطيعة ويستحوذوا على فضائيات عراقية وعربية، وأخرى أُسست لهذا الغرض بالذات، فيما هو يحضر اجتماعاً للمصالحة فهذا خداع النفس والضحك على الذات، وسينتهي مفعول المصالحة مع انتهاء المصورين من التقاط زواياهم المفضلة. وبين منبرٍ للتشهير وآخر للتكفير، يتحول العراق إلى مسرح مفتوح للموت الطائفي، وسيصبح في شهور مسرحاً مهجوراً تنعقُ فيه الغربان. ولا أخفي قلقاً وشعوراً بالأسف أن السنة العراقيين لم يعودوا يمسكون بامتياز تمتعوا به عبر التاريخ بعدم الرد على سب الصحابة بالإساءة إلى أهل البيت مادام هؤلاء الأئمة عندهم المشترك الإسلامي الموحد بين الطائفتين، ففقدوا هذا الامتياز في لحظة تدمير نازي لمعمارية الحضارة العربية في سامراء والمقامة على جدث الإمامين الهادي والعسكري، فانكسرت معادلات اجتماعية، واختلت موازنات، وتساوى السبابون، وتحول مجرى النزاع من مواجهة المحتل إلى ضرب المقدس المشترك. ودخلت إلى الصراع تيارات شيعية كانت محايدة، فاندفعت بالوازع العاطفي قبل الطائفي برد فعلٍ كان لابد أن يحصل، والنيران تأكل معمارية المقدس المشترك، فحدث انعطاف هائل أضعف المركز السني، وكأن الحادثة تذكرنا في لحظة هبوط منحنى دولة طالبان حينماضربت بالمدافع الثقيلة تمثال بوذا. فأثارت استياء الحريصين على التراث الإنساني، رغم أنه تمثال وثني فوق أرض إسلامية، وليس ثمة وجه للمقارنة بين أن يفجر المسلمون معماريةً إسلامية، أو أن يفجروا صنماً من أصنام الأوثان، وانتهى المشهد بمضاعفات لا تنتهي فقط عند ترحيل العائلة الشيعية في بلدة سنية والعائلة السنية في شارع شيعي. إن عمر والكتابة في عمر وترويج تيار المشاركة بينه وبين الإمام علي هو الذي سيبني معمارية الوطن الموحد. لم يبق إمام إلا وقتله هذا الضرب وتشبه إيديولوجيا القطيعة نظيرتها المعاصرة القائمة على نبذ وتحريم وتجريم وإبطال أي اشتراكية أو فكرة صالحة خارج الجدلية الماركسية وقوانين التطور التاريخي القائل بالاشتراكية العلمية. ولم نكتشف أن اشتراكية أخرى هي التي تهدف لها الحياة ومازالت تغطي فقراء اسكندنافيا وأوربا الغربية بالدفء المجاني والتعليم المجاني والعلاج الاجتماعي وضمان العاطل عن العمل. لقد كان خارج دائرة القطيعة عالم من الفكر والثقافة والتجارب حُرمت منها أجيال لكونها صادرة عن طرف لايعترف أهل القطيعة بهم، ومن دول سميت بالدول الغصبية وماعاد ممكناً الأخذ بالجميل من تجاربها والصالح من أفكارها بعد أن وضعت في دائرة الحجر الطائفي. ومن طبيعة القطيعة أن تقاطع ماصدر عنه أئمة الإسلام من روايات يشم منها روح الاتصال مع الطرف الآخر، وقد ينزلق طرف في مشروع لو طرح على أئمته لصنفوا في مواقع الخصوم. وإذا ما رأينا أن أهل القطيعة لا يحتجون بكلام للإمام علي أو للإمام الحسن ولبقية أهل البيت ضمن هذا السياق، فإن الطرف الآخر قد يقاطع أو يغفل أو لايأخذ برواية ولو صدرت عن أم المؤمنين عائشة والصحابي الزبير بن العوام. ففي رواية لعائشة احتجاجاً على طريقة التغيير الثوري وقتل عثمان تقول:\" إن الأمر لايستقيم ولهذه الغوغاء أمر ـ أي أن الدولة لاتأخذ أبعادها الدستورية والسياسية إذا كانت المرجعية متروكة لمن هم في الشارع والمظاهرة، وكأن الدولة غير محصنة بأفكار وأحكام وتدابير. ويقول الزبير بن العوام وهو ابن عمة الإمام علي وقد انشّق عنه بعد مقتل عثمان: إذا لم يُفطم الناس من أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب. ويمكن القول افتراضاً أو استدلالاً برأي ابن الزبير، إن المسلمين المحتجين على الغوغاء وهذا الضرب سيحتج أتباعهم بالطريقة نفسها والقوة على أسلوب يستخدمه هذا الضرب في العراق حالياً. فلم يترك إماماً إلا قتله ولا أستاذاً في قاعة درس ولا طبيباً في عيادة. لعلي الآن أقرب إلى قول الزبير بن العوام من أي وقت مضى لأرفع كلامه شعاراً فوق خرائب العراق وأشلاء ضحاياه منادياً: أيها الناس إذا لم تفطموا هؤلاء عن أمثالها لم يبق إمام إلا وقتله هذا الضرب. وأستحضر كلام أم المؤمنين في أمر الدولة والناس والقانون والحرية، وأتساءل: كيف يستقيم لنا أمر ولهذه الغوغاء أمر؟. إن الصراع ينبغي أن يفهم في سياق القانون، وليس في جموح الحرية، وأن احتجاج المحرومين لا يعني الخروج عن الشرعية والقانون الذي هو حاضن الحرية ومرجعها بقدر ماكان الاحتجاج رغبة في العودة بالدولة إلى الازدهار ومجالسة المحرومين كما كان ذلك سائداً في عهد الاستقرار العمري. البــاب الثاني l عمر في المنظور الشيعي l المشاركة عند فقهاء العرب l والقطيعة عند فقهاء المثالب فقه القطيـعـة .. وفقهاء المثالب: المتغلبون في الدرس والأسطورة والمنبر عمر والقطيعة.. المناصفة الخاسرة المتفرج على الحاضر الإسلامي، وقارئ المرويات التاريخية، وجليس المنابر والشاشات مقتنع، دون ريب، بانشطار الجسد الإسلامي إلى فريقين، هذا لعمر وذاك عليه. فربح القائلون بالقطيعة نصف التاريخ، واستقلوا بنصف الخطاب ونصف الاهتمام، وأكثر من نصف الاستشكالات الراهنة. وهذه خطيئة الأخطاء، وخديعة الرؤية، والقصور عن التفريق بين ظاهرتي الانشطار والانشقاق. إن عمر في رؤية الانشطار، يتطفف نصفا من التاريخ، ونصفاً من الناس، ونصفاً من المكانة. فخرج الرجل خاسراً في قسمة تعطي المنشقين صفة الانشطار، وتترك الجسد الإسلامي وكأنه مقسوم من الوسط. وعمر تسعون، وانزل إلى السبعين وليس للآخرين مابقي من المائة. إذ لا يجمع التشيّع على كراهة عمر، وإنما انشق من داخله تيار سرعان مااتسع حجمه، هو الذي نصطلح عليه بالقطيعة، معتمداً منهج الأقلية في اللجوء إلى التشهير. إن منهج القطيعة لم يظهر في العصور الإسلامية الأولى، يوم كان أهل البيت يقودون أتباعهم على منهج الإمام الأول، شريكاً مع شريك، ومؤسساً مع مؤسس. والشيعة تعني في أصلها اللغوي الأتباع والأنصار والأعوان، وكل جماعة اجتمعوا على أمر فهم شيعة، واشتهرت هذه اللفظة عند إطلاقها على من يوالي الإمام علي بن أبي طالب وأهل بيته، حتى صار اسماً خاصاً بهم، وإلى ذلك يذهب ابن خلدون في مقدمته، فيقول: الشيعة لغة هم الصحب والأتباع، ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على أتباع علي وبنيه. تذهب مصادر شيعية إلى أن أول اسم ظهر في الإسلام على عهد رسول الله (ص) هو الشيعة. ويؤيد مرجع سني هو الأستاذ محمد كرد علي، في كتاب (خطط الشام) أن جماعة من كبار الصحابة عرفوا بموالاة علي في عصر الرسول (ص)، مثل سلمان الفارسي وأبي سعيد الخدري وأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، وخزيمة بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري، وخالد بن سعيد بن العاص، وقيس بن سعد بن عبادة، ويضاف إليهم صحابة آخرون كعامر بن وائله والمقداد بن الأسود. لعل القائلين بالقطيعة قد استفادوا من هذه الحالة التاريخية، فأوحوا في مروياتهم أن هؤلاء الصحابة الذين شكلوا تجمعاً تنظمه رؤية واحدة في مولاة الإمام علي كأنهم مؤسسو تجمع مذهبي وحزبي وسياسي. والى هذا انتبه الفقيه الشيعي عبد الله النعمة في كتابه روح التشيع، فأنكر أن يكون لهذه الجماعة أهداف خاصة. ولم يكن لهؤلاء الأفراد في ذلك العهد أي مركز قوة معارضة داخل ذلك المجتمع، وكانت رؤيتها قائمة على قناعة بأن هذه الموالاة هي من صميم الإسلام وروحه. إلاّ أن اتجاهات القطيعة كرست عكس ما يذهب إليه الشيخ عبد الله النعمة، فصار هؤلاء الصحابة هم اللبنة الأولى في مذهب التشيّع، مقابل جماعة من الصحابة يتزعمهم أبو بكر الذي شكل أول خلية في تنظيم الإسلام ضمّت عبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وعثمان بن عفان وآخرين. وكان سعد بن أبي وقاص أصغر عضو فيها، وهي التي كبرت سنة بعد أخرى. ولم يشكل هؤلاء مجموعة من الموالين لأبي بكر، وإنما اجتمعوا على ضوء ماكان يصلهم من تعاليم النبي (ص)، ولم يكن عمر بن الخطاب قد أسلم بعد، ولم يلتق بأبي بكر إلا بعد ست سنوات، ولم يكن الإمام علي هو الآخر عضواً في هذه الخلية لحداثة سنه قياساً لمعدل أعمار هذه الخلية، إذ الفرق سيربو على أكثر من عشرين عاماً. ولأن الإمام علي كان في ذلك الوقت ربيب النبي (ص) ومريده، وقد توهج اسمه بعد أن كلفه النبي (ص) بالنوم في فراشه أثناء هجرته إلى المدينة، وما تركه هذا التكليف على تركيز الاهتمام بشخصية هذا الفتى وفدائيته العالية. وبدأت إشعاعات الإمام علي تجتذب إلى شخصيته الكثير من الصحابة بعد عشر سنوات على الأقل من ظهور خلية أبي بكر، فلم تكن الموالاة للإمام ردّ فعل على تلك الجماعة ولا نقيضاً لها. وكانت معارك الرسول الأولى في المدينة قد ألقت أضواءً أخرى على شخصية الإمام علي الذي لم يخسر أو يتراجع أو يتردد في معركة منها. إن تسع نظريات على الأقل اختلفت في زمن ظهور التشيّع، فالمصادر الشيعية تسحب الزمن إلى الوراء وصولاً إلى زمن صدر الإسلام، وبعض المصادر السنية تؤخر في ظهور التشيّع، حتى نسب بعضها ظهوره إلى فاجعة كربلاء ومقتل الإمام الحسين. وبين هذين التاريخين يمكن الإشارة إلى يوم السقيفة باعتباره اليوم الذي ظهر فيه التشيّع، عندما تخلف الإمام علي عن مبايعة أبي بكر في طائفة من الصحابة. ومنهم من يفترض ولادة الشيعة يوم الشورى، بعد وفاة عمر بن الخطاب، ومنهم من يفترض يوم الدار حين أحاط المتظاهرون بعثمان بن عفان وحاصروه في داره وقتلوه، ومنهم من يفترض يوم واقعة الجمل. لكن كثيرين يشيرون إلى معركة صفين بين الإمام علي ومعاوية. ولا ننسى من يؤرخ ولادة الشيعة بظهور عبد الله بن سبأ، وهي الرواية الشائعة حالياً، والمضعفة عند كثير من المؤرخين. وقد ننزل مع التاريخ إلى المائة الثانية للهجرة، فينسب ظهور التشيّع إلى زمن الإمام جعفر الصادق وتلميذه هشام بن الحكم، الذي قام بدور التشكيل الهندسي والبناء الفكري لفكر الإمام جعفر الصادق، يشبه إلى حد دور الفقيه أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة في صياغة المذهب الحنفي. ولو أجرى معهد غالوب المعروف بدقته استبياناً في أروقة القطيعة لحصل الإجماع على يوم السقيفة، حيث يشخص عمر بن الخطاب وجها لوجه، فيصب على وجهه مصبوب المرويات منذ ذلك التاريخ. فكأن الأمة قد انشطرت بالسقيفة إلى شطرين. وعنهما نجمت ثنائية عمر وعلي، ولعل هذه النتائج المفترضة ستكون أخف ضرراً من تأصيل الفرقة بزمن النبي (ص)، وكأن الإسلام ولد مشطوراً. وكأن النبي (ص) كان يتحرك بجناحين، على غرار الواقع السياسي الراهن، جناح لعلي وآخر لأبي يكر، ولا بأس أن يسارع حملة الأيدولوجيا إلى تسمية أحدهما باليسار، وثانيهما باليمين، ويصبح الإمام علي زعيم اليسار، وأبو بكر زعيم اليمين، فيسقط التاريخ بإسقاطات الحاضر. فقهاء التنقيص!!. إن الكتابة الآن في عمر اختراق لحملة التنقيص التي تضرب التاريخ الإسلامي والإسلاميين من خارجهم، بعد أن كان منهج التنقيص محصوراً في إطار الثقافة والمثقفين الإسلاميين المستغرقين في صراعاتهم، فلا يدخل ميدان التنقيص، إلا فقيه بالمذاهب، وعالم بالرجال، ومحدث يستوعب علم الحديث ومدارسه. ومنطيق درس أرسطو، وأديب تعلم في مدارس البلاغة. وباستمرار المناقصات، تتضاءل حجوم الرجال الأوائل، وتطغى المثالب على المكارم. إن فقهاء الخلاف هم المتخصصون بهذا المنهج، لم يشاركهم غيرهم فيه، فإذا كتب العلمانيون في مطلع القرن الماضي، وحتى ربعه الثالث، فإنما يخضعون لقوانين الصراع الاجتماعي، ومفسرات السايكولوجية البشرية، وفي الحالتين يبدو عامة الناس عاجزين عن دور كهذا. والناس مبرأون من مثالب التنقيص. لكنهم يتلقون معلومات العلماء والمؤرخين عن طريق وسيط فتتحول الأحداث في مخيلتهم إلى نقائضها. أو يضاف إليها، فإذا ضعفت المعلومات بعوامل النسيان والاندثار، طلع عليهم الدعاة بما يجدد شبابها، فيعيد الحياة إلى عمر ذئباً يترصد علياً، أو قد يصبح قاتل الحسين هو قاتل الفتنة. ولهذا فإن الاعتقاد بدور كبير للمتنورين من علماء اجتماع وكتاب وشعراء سيبدو غير دقيق، وعاجزاً عن التأثير في معتقدات معمرة، ومشاعر متأصلة. إن التنقيص، هو المقابل اللغوي لنزعة الهجاء التي تجد لها دعاة ومستمعين، سوى أنه هجاء يستهدف الشخصيات الكبيرة، من أهل البيت، والصحابة، ورؤوساء المذاهب، ومن هنا خطورة التنقيص على سلامة المعلومات التاريخية. لا سيما أنه من شغل الكبار، فقد اشتغل أعظم أديب عربي، كالجاحظ في منهج التنقيص، في كتابه (العثمانية) الذي لم يتورع فيه عن سلب الإمام علي فضائله المنصوص عليها في كلام الله. وحديث رسوله، وعلى لسان الصحابة، فيرد على معتزل البصرة معتزلي من مدرسة بغداد، هو أبو جعفر الاسكافي، مدافعاً عن الأمانة التاريخية، والمكارم العلوية، فما الذي يستطيع فعله الفقراء والجهلاء والدهماء المتهمون، بأنهم حملة الفصل والتشهير الطائفي؟. وتؤكد الموجة الحالية لحملة التنقيص وجهة نظرنا هذه ورجال التنقيص أدباء ومؤرخون وكتاب، خرجوا من حمأة الصراع الطائفي متسامين عليه، متساقطين في حمأة التشكيك، لينالوا بالدرجة الأولى من شخصية النبي (ص)، وفصل حركته عن إرادة السماء، واعتبارها سلكاً موصولاً بحلم السيادة القرشية، والرغبة الهاشمية القديمة بإقامة دولة مكة. وأوغل كتاب الموجة النزقة في التعريض الشخصي، فدخلوا غرفة نومه، وبين أزواجه، مما تشكل الرسوم الدانماركية، قياساً لكتابات تصدرها مؤسسات عربية مسلمة، مجرد طرفة!. وطالما أن الحملة أنجزت مشروع الفصل وسارت على النبي محمد(ص) رجلاً حالماً، بدولة قرشية، سهل عليهم أن يجردوا أصحابه ورجاله المؤسسين من حلة الاحترام، مستفيدين من ميراث وافر لفقهاء التنقيص الأوائل، يردون على أقوال من يطعنهم بالتشهير، وليس عليهم أن يصنعوا الروايات، أو يكتبوا التاريخ من جديد، فالمتناول من الأقوال مٌستمد من كتب الفقهاء والعلماء والأدباء الأوائل المتورطين في حملة التنقيص. ومن الإنصاف أن كتاب الموجة النزقة قد يتوقفون عن نقل روايات لم يتوقف عن ترديدها فقهاء الصراع تجنباً لمساءلات قانونية أو ردات فعل شعبية. ولم يجرؤ كاتب من الملاحدة أن يترضى عن قاتل عمر بن الخطاب فيقول أبو لؤلؤة رضي الله عنه، ولا أن يترضى عن قاتل حفيد نبي المسلمين،وسبي حفيداته، حافيات من الكوفة إلى الشام. فيما كان عمر يرفض سبي نساء العرب في قبائل مرتدة، معترضاً على صاحبه أبي بكر، فأعاد السبي إلى ديارهم. إن كتب الفرق والطوائف والمذاهب شكلت مادة أساسية للتشهير الاستشراقي والعلماني بالإسلام. ثنائية القطيعة والمشاركة: أغلب الظن أن الانشقاق الإسلامي سيأخذ بعداً تلتبس فيه الانتماءات لو استفرغ الفقهاء والمثقفون بعض جهدهم، فيما نتعارف عليه بثنائية القطيعة والمشاركة، وهل كان الإمام علي في الأولى أم في الثانية بعد وفاة النبي (ص) وظهور الخلافة الراشدة. فلعل الناس سنة وشيعة يخنفون حدة القسمة وهم فريقان: أحدهما يأخذ بنظرية القطيعة، والآخر بنظرية المشاركة. وأغلبية الناس على مبدأ المشاركة، وأن الإمام لم يستمر في معتكف القطيعة بعد وفاة النبي (ص) أكثر من ستة أشهر، فأعطى بيعته وتبعه بنو هاشم وبعض الصحابة ممن لم يكن قد دخل في البيعة بعد. إن التاريخ الإسلامي العام، وهو مدون بحرفية أكاديمية عالية، يصادق على القول بنظرية المشاركة. ولم يتحفظ مؤرخ إسلامي محترف، عن القول بها، وإن قطيعة الإمام لم تكن أبدية، وأنه جمَّد أو أجّل ماكان ينسب إليه من اعتراض على الخليفة الأول، وإن لم تكن درجة الاتصال بدار الخلافة قد تطورت إلى مرتبة المشاركة الواسعة في الخلافة الثانية. فنشأت بين الإمام والخليفة ثنائية استعاد فيها عمر ثنائيته مع أبي بكر، وكان يصغي للإمام علي، والإمام لا يضن عليه برأي الناصح، ولا بموقف عاضد. ويتفق على حصول تطور إلى حد الانعطاف في نظرية المشاركة كل من ابن سعد في طبقاته والطبري في تاريخ الملوك والمسعودي في مروج الذهب واليعقوبي في تاريخه والأصبهاني في أغانيه. والثلاثة الاخيرون محسوبون على التشيع. وعند رجال البحث الأكاديمي المعاصر إجماع لم يخرج عنه إسلامي أو علماني على القول بالمشاركة. فيلتقي طه حسين بغريمه عباس محمود العقاد، والأزهري محمد أبو زهرة بالعلماني عبد الرحمن الشرقاوي، وتنفرد المدرسة المصرية بثقة لم تكتسبها مدرسة معاصرة أخرى، وواحد من عناصر الثقة بها يقوم على نشاطها المحمدي في حقل المشاركة العلوية – العمرية. إن نفوذ القائلين بنظرية المشاركة هو المؤكد علمياً، والغالب عددياً، والنافذ المفعول في الثقافة المدنية القائمة على دراسة مستقلة وحرة للتاريخ، فطرقت أبواب التشيع في مركز عصب الخلاف، ولم تكن الاستجابة كبيرة في عصرنا، لكن مرجعاً كالإمام محمد الحسين كاشف الغطاء لم يتأخر عن إصدار الإعلان الشيعي الشجاع والأصيل في كتابه (أصل الشيعة وأصولها) الصادر منتصف الخمسينات الميلادية والقائل بثقل حجية المشاركة. وكان باحثون أكاديميون وموسوعيون في الجانبين الإسلامي والعلماني من دعاة المشاركة، كجعفر الخليلي وعلي الوردي وحسين مروة وهادي العلوي وهاشم معروف الحسني، وهم أصحاب كتب ودراسات. ولربما أيقظت هذه المدرسة في باحث إيراني شاب روحاً نقدية ألهبت إحساسه الإسلامي، هو الدكتور علي شريعتي، ليصبح أخطر مفكر إيراني وشيعي يجاهر بفكرة المشاركة في تحديات خرجت من عقر حسينية إرشاد في طهران، وهو صاحب نظرية التشيع العلوي والتشيع الصفوي، وواضع أسباب الانقسام ومجذر رسومها وأصولها بظهور الدولة الصفوية عام 1500 ميلادية. ومن الإنصاف أن الصفويين لم يبتدعوا نظرية القطيعة، وقد كانت قائمة في مرويات محدودة لكن الصفويين نجحوا في أدلجة القطيعة ووضع مناهج خاصة بها في البحث التاريخي وثبتت لها القواعد القائمة على (الأدلة النقلية والبراهين العقلية) ووضعت موازنات لهذا المشروع، تحت تصرف أرفع العقول وأبهى الأسماء الفقهية في لبنان والعراق وإيران. ومنح فقيه الدولة الأول الشيخ علي الكركي صلاحيات الشاه، فصار حرامه حرام الدولة وحلاله حلالها. فعارضته المؤسسة الدينية في العراق والبحرين والإحساء والقطيف، واصطدمت بمعارضة كان طرفاها يختلفان في شرعية السلطان الصفوي ويتفقان في نظرية القطيعة، وإن كانت المعارضة أقل اندفاعاً في هذا الاتجاه، وأسلس روحاً وألطف عبارة. بينما دجج العلماء والمثقفون الصفويون القائلون بروح القطيعة الصارمة والأبدية، فنشروا المرويات الغريبة وأشاعوا الضعيف من الأسانيد. وكأنهم يستعيدون مرحلة مرت في التاريخ الإسلامي كانت الدولة الأموية تشتط بعيداً في هذا الاتجاه، وكأن التاريخ لا يبدو حيوياً إلا بتوازن السوء فينشأ تشيع صفوي وتسنن أموي. ومادامت الأكثرية العددية بين المسلمين والنوعية في البحث الأكاديمي التاريخي العام، منذ طبقات ابن سعد، تأخذ بنظرية المشاركة العلوية مع الإدارة العمرية لتصريف أمور الدولة، فكيف أتيح للقائلين بالقطيعة كالسيد العلامة كاظم القزويني في أحدث كتاب له هو الإمام علي من المهد إلى اللحد وضع فصل مستقل: إن الإمام علي كان جليس البيت، منذ وفاة النبي (ص) حتى وفاة عمر عام 23، للهجرة مسلوب الإمكانيات على حد تعبيره. بينما كانت جيوش المسلمين تدق أبواب أسيا القصوى وإفريقيا الشمالية؟. إن المنهج الصفوي يسعف العلامة القزويني بقواعد فقهية وإخراج رواية على لسان الإمام الصادق يخاطب أتباع أهل البيت، قائلاً: في حالة اختلاف الروايات واتفاق بعضها عند بعض الأئمة من أهل البيت: خذوا ما خالف القوم أو خالفوا ماوافق العامة. ولأن القوم المسلم قد أجمع على نظرية المشاركة العلوية في إدارة الدولة، وإلى جانبه روايات عن الأئمة، ومنهم الصادق وعن أهل البيت، ومنهم زيد بن علي، فالصحيح الصفوي هو الأخذ برواية القطيعة مادامت تخالف أهل السنة. وهكذا حسم النزاع ويحسم في قضايا الخلاف، فيكون إجماع المسلمين على أمر سبباً للشك في الرواية، والمطلوب الأخذ بما خالف القوم!. ولم يعد مما يقوي الشيعي القائل بالمشاركة،الاستشهاد برواية تقر حصول بيعة الإمام علي ومشاركته أبا بكر وعمر في إدارة الدولة. فمن الذي حرم الإمام علي من المشاركة في إدارة الدولة سوى القائلين بالقطيعة؟. وما المذموم في أصل فكرة المشاركة الصادرة أساساً من وعي عقائدي حميم إلا من يُعتم على دور الإمام المؤسس والشريك؟. إن فكرة الاعتزال إن لم تكن محرمة فهي لاتليق بالشريك المؤسس حامل أول لقب لفتى الإسلام. وفي ذات السياق تركزت الجهود الفكرية والفقهية والدعائية على ربط عمر بن الخطاب في التأسيس السفياني للدولة الأموية بتعيين معاوية والياً على الشام وتوزيع المناصب القيادية على صحابة قادمين من المعسكر السفياني أو من البيت الأموي، وهو الأمر الذي لاقى ويلاقي رضا الفريقين. فأهل السنة، وبحسب مبدأ وحدة الصحابة، وكون الإسلام يجبُّ ماقبله، وبقوة الأدوار التي نهض بها هؤلاء القادة في عصر الفتوحات سيكون من لطف الله عندهم أن تتعاشق وشائج الود والفهم المشترك بين سياسة عمر وفقهه وإدارته للازمات بتاريخ رجاله من قريش ومن بني أمية فيتساوى الرجل مع غيره في وحدة الصحابة ويدفع اللوم والتأنيب ونبش الماضي عن رجال قريش إذعاناً لقاعدة الإسلام يجب ماقبله، وهي عندي من أرقى المبادئ في العلاقات الإنسانية وأذكاها في إطفاء حرائق الفتن وأكثرها علمية في نشوء الدول. إن عمر بن الخطاب يكاد أن يدمج مع الأمويين عند بعض أهل السنة وعند عموم أهل التشيع، والمهمة النبيلة للفقهاء والباحثين العمل على امتلاك القدرة العلمية والذهنية لاستلال عمر من انتساب لم ينتسب إليه، وبيت لم يكن منه، ولعل المدرسة المصرية أجابت عن هذه الحاجة الحضارية وحسمت الأمر لصالح القول بالمشاركة. يروى أن عثمان بن عفان قال للإمام على: إنني لم أخرج عما كان عليه عمر في أمر تعيين الأمراء والولاة والقادة، فلماذا رضيتم به؟. أجابه الإمام علي: إن عمر كان يتابعهم ويراقبهم ويعاقبهم بالعزل وبغيره إن لم يسيروا سيرة حسنة. ولم يترك لهم الأمر. ويقول الدكتور علي الوردي: إن معاوية مع عمر لم يكن ذاته مع عثمان، كان معاوية مع عمر محكوماً مطيعاً، لكنه في ولاية عثمان كان حاكماً وصاحب صلاحيات، وقد صارت الشام كأنها عاصمة الخلافة. ومن الأمثلة على طريقة عمر التي أشار إليها الإمام علي أنه كان يعزل الوالي، وإن كان المعزول ممن أبلوا في الفتوح بلاءاً مثيراً للإعجاب، وقد عزل المغيرة بن شعبة عن البصرة وأمره أن يشخص إليه ليحاكمه في تهمة زنا، في الوقت الذي كان فيه المغيرة يلحق الهزائم في الجيش الفارسي في الأهواز. وعزل قائداً وصحابياً كسعد بن أبي وقاص عن ولاية الكوفة، كما عزل شرحبيل بن حسنة عن ولاية الشام لسبب سئل عنه عمر، فأشار إلى تفضيله الإداري القوي على الإداري الضعيف، وليس لسخطه عليه. وقصته مع خالد بن الوليد وعزله معروفة. رضي الله عنه وعليه السلام: من وظائف فقه الخلاف توسع الفقيه في المرويات والآراء وإنجاب لُغة ومصطلحات تُرضي نزعة الافتراق. فصار لكل فئةٍ لغة خاصة يتعرف الناس بها على مذهب الكاتب والمُتحدث، وشمل ذلك جملة الصلاة والسلام على النبي، هل هي له وحده أم يلحق به آله فقط كما يقول الشيعة، أم هي عليه وعلى آله وأصحابه، كما يقول أهل السنة؟ وهل سنقف عند هذه الصيغة أم نلحقها بمفردةٍ أخرى، مثل أجمعين، فيتشارك مع النبي في الصلاة والسلام أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو سفيان وعبد الله بن أبي سرح وعمرو بن العاص. حسب منطوق وحدة الصحابة. ومبدأ التسوية بينهم فيعترض فريقٌ من المسلمين على مفردة أجمعين. ويعترض أغلبية المسلمين على الآذان الشيعي في أكثر من مورد كحي على خير العمل والشهادة الثالثة؟. و فقهاء التشيع يرون في حي على خير العمل، جملة واجبة الوجود في الأذان. أما الشهادة الثالثة فهي مستحبة عند فريق من الفقهاء، ويمكن الاستغناء عنها، وعلى ذلك جرى الإمام محمد مهدي الخالصي فأثيرت حوله وعليه ضجة لم تهدأ. فلماذا لم يترك المُستحب ويُستغنى عما أضيف هنا وهناك كي يكون الآذان واحداً؟. أجيب، ومن وجهة نظر لا علاقة لها باجتهادات الفقهاء، أن الأمر ليس بهذه البساطة، فاللغة عند أهل المذهب قد توظف للتعبير عن الملامح، قبل المضامين، فإذا صرنا إلى الاستغناء عن مفردة خاصة ضاعت الملامح ولم يعد ممكناً التعرف على هوية المُتحدث والمؤذن وستنتفي الحاجة إلى فقه الخلاف!.. و في هذا السياق لم يُترك النبي محمد وحده ليصلي الله عليه ويُسلم. فألحق معه الآل أو الأصحاب ولو أن الآية 56 من سورة الأحزاب تقول: \"إن الله وملائكته يصلون على النبي. ياأيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً\" فيكون الأسلم والأجمل أن يصلي الله ويُسلم على نبيهِ دون أن يشترك معه أحدٌ من أهل القرابة والصحابة. ولعلّي أميل إلى عبارة صلى الله عليه وسلم، وأستخدمها في أحاديثي، فحدث وكنت أُحاضر في حسينية الولاية في حي السيدة زينب بدمشق عن استشهاد الإمام الحُسين بين جمع من المدعوين شيعة وسُنّة، ولدى انتهائي من المحاضرة. كان أحد الفقهاء يتصدر المجلس، فهمس في أُذني أني لا ألتزم بلغة الإسلام، وظننت الأمر يتعلق بمنهجي المُستقل الخارج عن مناهج البحث الفقهي. لكن السيد الفقيه استدلّ بعبارة (صلى الله عليه وسلم) ليكون النطق بها سبباً لجعلي غير ملتزم بلغة الإسلام. إذ المقطوع نهائياً أن تُلحق بالعبارة إياها جملة وعلى آله. ولو نطقت بها لأعترض الحاضرون من أهل السنة، ولاتهمت بالممالأة. فهل كثيرٌ على النبي أن يُخص بصلاة الله وسلامه وقد خصه الله وحده بالآية الكريمة؟. وفي هذا السياق استبدّت صيغتان بأسماء أئمة أهل البيت والصحابة، بما يجعل الخروج عنهما أشبه بالخروج عن المقبول الديني لدى الفريقين، فاختص أهل السنة بصيغة رضي الله عنه للصحابي وللأئمة من أهل البيت ورفض الشيعة إطلاقها على الاثنين، فهي عندهم كثيرة على الصحابة وقليلة على الأئمة، إلاّ إذا كان الصحابي مقرباً من الإمام علي وللإمام صيغة عليه السلام وليس لبقية الصحابة صيغة رسمية في لغة التشيع. وفي التحليل اللغوي وعلاقة كل من الصيغتين بالروح، تبدو صيغة رضي الله عنه مُناسبة للجميع إذ لا تقويم يعلو على تقويم الله الحاصل في الرضا والرضوان عمن هو جدير برضوان الله فإذا رضي الله عنك فما قيمة أن تغضب الخليقة عليك؟ ومن رضي الله عنهم لا يحتاجون إلى طلبِ أحدٍ منا إلى الله بالترضي والرضوان عليهم بعد أكثر من 1420عاماً على صدور الإرادة الإلهية بمنحهم رضوانه وقوله تعالى في سورة الفتح الآية 18 \" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً عظيماً \" لكن منهج القطيعة يطوي المسافات وقد يعبر الآيات، فإذا وصل إلى تلك الشجرة ورأى عمر بن الخطاب تحتها مع من بايع الرسول ونزل فيه قرآن توقف المنهج سالكاً طريقاً لا يمر عند تلك الشجرة، ولو أننا اخترنا أيّ مقطع من هذه الآية الكريمة وألحقنا به اسم رجلٍ ممن كانوا تحت الشجرة لما خرجنا على مضمون الآية فنقول: إن عمر رضي الله عنه، أو أن عمر أنزل الله عليه السكينة، أو عمر المثاب بالفتح العظيم. ونحن نميل إلى ترك الأمر إلى الله وهو صاحب الرضوان. أمّا السلام عليه الذي يُلحق بأسماء الأئمة من أهل البيت، فلعلها صيغة مستعارة من آيات قرآنية منها: \" سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار \" / الرعد 24 / \" وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّاً \" / مريم 15 / \" قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى \" / النحل 59 / \" سلامٌ على نوح في العالمين \" / الصافات 79 / \" سلام على إبراهيم \" / الصافات 109 / \" سلام على موسى وهارون في العالمين \" / الصافات 120 / \" وسلام على المرسلين \" / الصافات 181 / فالذين ألقى الله عليهم بالسلام هم الأنبياء، والأنبياء بدرجة أعلى من الصحابة، فخصَّ أئمة أهل البيت بما خُصَّ به الأنبياء والمرسلون وعباده الذين اصطفى والصابرون فنعم عُقبى الدار. يبدو أنها خيارات لتلوين اللغة وتطويعها حتى تكون خاصةً بهذا الفريق أو ذاك، وليست خاصةً بمجموع المسلمين. إن إشكالاً آخر سيقع فيه المستمع للتلاوة القرآنية. فكما أن النبي (ص) هو المشترك للمسلمين كافة وضرورة الخلاف تستدعي وضع إشارة بجانبه، حتى يعرف المتحدث شيعياً أم سنياً، فالمشترك الأعظم والأول للمسلمين هو القرآن. فإذا تلي على الناس، فقد يضيعُ على المستمع هوية المقرئ وهوية المكان، هل هو في جامع سُني أم شيعي؟ وتدعو ضرورة الخلاف إزالة الإشكال عند مستمع التلاوة. وقد تم ذلك مؤخراً إذ يعرف القارئ الشيعي عند انتهاء تلاوته بجملة «صدق الله العلي العظيم» بدلاً من «صدق الله العظيم» التي أصبحت سُنيّة. روزه خون القطيعة! لعب المنبر الحسيني الدور الشعبي الأوسع تأثيراً في شحذ الوجدان الشيعي وصياغة ذهنية التشيع عند عامة الناس. فأدى وظيفة إعلامية ضخمة يوم لم تظهر بعد وسائل الاتصال والإعلام، وقبل أن يتحول العزاء الحسيني إلى فضائية مرتبطة بالأقمار الصناعية. وكان المصدر الرئيسي لمعلومات القارئ الذي يسمى الروزخون(*)، كما يقول د. علي الوردي، مجلدات بحار الأنوار للملا محمد باقر المجلسي الذي يصفه علي شريعتي، بأنه داعية السلطنة الصفوية ومروّج مشروعها السياسي والروحي. ويدير الروزخون حديثه على روايات عاطفية ترتكز على قلة العدد وقسوة العدو وخذلان الناصر التي تنتهي عادةً بالفجيعة. وساهم المنبر الحسيني بخلق وحدة نفسية لدى حاضري المجلس، تتجاوز انتماءات الطبقة والعنصر ومستوى التحصيل العلمي، فيبكي الجميع، وفي المقدمة منهم كاتب السطور الذي تتسارع دموعه في اللحظة التي يتنحنح بها القارئ، قبل النطق بالبسلمة. وهي لحظة شعورية موروثة تستحضر رمم جدي، وعظام أخي. وعباءة أمي، وشجى الصوت بلحن الفاجعة، ويدٌ مقطوعة الإصبع، وعمامة محمدية معلقة بحوافر الخيول، ومن بقي من أحفاد الرسول ورؤوس على الرماح، وبنات النبي سبايا فأين منهن عمر، وقراره الأول في اليوم الأول من ولايته بعد وفاة أبي بكر بمنع سبي العرب وإطلاق نسائهم وإن كانوا من أهل الردة. وقد قال الإمام الحسين لعبد الله بن عمر الذي طالبه بعدم الذهاب إلى العراق، ومقاتلة الخليفة الأموي في الشام: لو كان أبوك معنا لنصرنا. لكن الروزخون يتعامى عن هذا النص، فيشتط به المجلسي إلى عمر بن الخطاب ليكون هو خصم الحسين وعدوه، فيستقر كلامه في أذهان الأتباع والمريدين والحاضرين، وكأن حقائقه لا ينفيها إلاّ قتلة الإمام الحسين. وفي تطور متوقع، حدث انعطاف في اتجاهات المنبر الحسيني، الذي اعتلاه مفكرون ومؤرخون وكان رائدهم الشيخ الدكتور أحمد الوائلي خريج جامعة النجف وجامعة القاهرة والفقيه المؤرخ والأديب الشاعر ولم يعد المجلس الحسيني دعوةً للبكاء واستخداماً غير مفيد لأحداث التاريخ. تشريع قانون لسب عمر: وفي المنهج الصفوي، يجوز لفقيه صغير الخروج على مرجع اكبر، وتفنيد رأي له أو خبر، إذا تعلق الأمر بنفي فضيلة وإبطال رواية تورط المرجع بذكرها والمستفاد منها (أبناء العامة)، وسيكون الجمهور مع الفقيه الصغير ضد المرجع الكبير. وهذا ما حدث مؤخراً للمفكر والمرجع الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله، الذي شكك في رواية هجوم عمر على بيت الإمام علي وكسر ضلع الزهراء. إن الشيخ محمد جميل حمود يكتب في هذا التأسيس القديم، فيقول: \"لاكبار ولا سلاطين ولا فقهاء أمام تراب أقدام آل محمد \". ولم يكن هؤلاء الكبار والسلاطين والفقهاء في حقيقة الأمر إلا من مريدي هذا التراب الطاهر، لكن الشيخ حمود كان بصدد إبطال رواية تحدثت عن حصول زواج عمر من بنت الإمام علي بن أبي طالب. إن وحدة القياس في المنهج الصفوي تتصل عند فحص الرواية بمدى قوتها لإحداث نوع من الانشقاق، وقدرتها على ترويع الطرف الإسلامي الآخر. وعندما يقول الإمام جعفر الصادق: \" إننا نبرأ إلى الله ممن يسب أبا بكر وعمر\" فهي رواية غير معترف بها، وليس فيها رشاد لأنها مما يوافق العامة. وكان الشاه الصفوي قد وجه مبعوثين إلى فقهاء النجف وجبل عامل للالتحاق به، وأرسل الهدايا الثمينة، فاستجاب لدعوته الشيخ علي الكركي، وهو من أهالي قرية (كرك نوح) في بعلبك بلبنان، وكان عند استدعائه يسكن النجف، ورفضها فقيه آخر كان يقيم معه في النجف، ويناظره في المرتبة العلمية، وهو الشيخ إبراهيم القطيفي- من أهالي القطيف والإحساء – ورفض هدية الشاه، وحرم على الشاه أخذ الخراج من الناس واعتبره غصباً. يقول على الوردي: إن الشيخ على الكركي أفرط في تأييد مستحدثات الدولة الصفوية، بحيث وافق على أمور لا يجوز في الشرع الموافقة عليها كلها أو بعضها – ولعل هذا هو الذي جعل الخصوم – خصوم الاتجاه الصفوي – يطلقون على الكركي لقب مخترع الشيعة. ومن مخترعاته، رسالة فقهية قدمت المسوغات الشرعية لسب عمر بن الخطاب وأبي بكر، بعنوان نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت.. ولم يكن الجبت والطاغوت في عرفه سوى عمر بن الخطاب. إن الجدال الشديد الذي نشب بين الكركي والقطيفي أدى إلى انقسام علماء الشيعة في حينه إلى فريقين متنازعين، ولكن هذا الانقسام لم يدم طويلاً حتى انتهى بانتصار الكركي وأتباعه كما يقول الوردي وليس من الصعب اكتشاف السبب الذي أدى إلى هذا الانتصار، وهو متوقع وينسجم مع طبيعة الحياة الاجتماعية، فالدولة بما لديها من أموال ومناصب مغرية قادرة أن تقوي جانب العلماء الذين يؤيدونها وتضعف جانب الذين يعارضونها. ولم تتراجع السيادة الصفوية وسيطرة مناهجها، على اتجاهات البحث العلمي وقواعد الاحتجاج التاريخي، منذ ذلك الوقت من عام 1530 إلى أيامنا هذه، ولم يعد منهج الشيخ إبراهيم القطيفي معروفاً في تلك الأوساط. وكان عمر بن الخطاب ضحية هذا الانتصار المؤسف، ولاينبغي إغلاق هذا الملف قبل الإشادة بدور الإمام السيد محسن الأمين العاملي، الذي كانت موسوعته أعيان الشيعة وكتاباته الأخرى المصدر المعتمد في تسجيل تلك الأحداث ومنه أخذ الدكتور علي الوردي المعلومات الخاصة بذلك الصراع. المجلسي رائداً: يقول علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق – الجزء الأول: إن الملا محمد باقر المجلسي الذي توفي في عام 1699 كان شديد التعصب لعقيدته، وقد أغرى الدولة باضطهاد جميع المخالفين، الذين كانوا موجودين في داخل الحدود الإيرانية، وقد أوقف الشاه الصفوي بعض أملاكه الخاصة في سبيل نسخ كتابه بحار الأنوار، الذي يقع في (25) جزء وتوفيره للطلبة. ويُعد (بحار الأنوار) أضخم كتاب لدى الشيعة، وفي رأي بعض الباحثين والكلام للوردي أن المجلسي أساء للتشيع بهذا الكتاب أكثر مما نفعه، فهو قد جمع فيه كل ما عثر عليه من الأخبار والقصص والأساطير، لا فرق بين الغث والسمين منها، ثم وضعها في متناول كل من يريد الاغتراف منها، وجاء بعدئذ قرّاء التعزية وخطباء المنابر فصاروا يأخذون منه ما يروق لهم وبذا ملأوا أذهان الناس بالغلو والخرافة وجعلوهم يحلقون في عالم من الأوهام. وقد تبنت الدولة القاجارية هي الأخرى هذا الكتاب، فكان أول المؤلفات التي طبعت بعد دخول المطبعة الحجرية في إيران، وقد وردت إلى العراق منه نسخ كثيرة مما أدى إلى انتشار معلوماته الغثة في أوساط الشعب العراقي على منوال ما حدث في إيران. ولك أن تختزل خمسين كتاباً صدر لجماعة \" المستبصرين \" بكونها استنسخت الكثير من تلك المعلومات في الكتب التي صدرت لهؤلاء المتحولين. وكان الإمام الخميني قد أوقف طباعة أجزاء من موسوعة البحار حرصاً على وحدة المسلمين، وحفظ الأجيال الجديدة من تسرب تلك المعلومات اليها. والمجلسي متخصص في روايات التشهير بعمر بن الخطاب، حيث يمكن ردّ ما يتداوله الإعلاميون والمتعلمون والمتحدثون وبعض الفقهاء من معلومات حول عمر إلى مصادر المجلسي. ويشترك مع المجلسي مؤرخ موسوعي آخر هو السيد البروجردي الكاظميني في كتابه جواهر الولاية. يقول علي شريعتي في كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي، إن المجلسي، وهو أبرز وجوه التشيع الصفوي، يرسم للإمام السجاد صورة أعتقد أن أعداء آل علي الذين نصبوا لهم السيف يخجلون من نسبتها إليه. فإن العزة والوقار والهيبة واليها صفات معروفة لبني هاشم لاتنكرها حتى الجاهلية، وإن المجلسي ينقل أخباراً مثيرة للغثيان!. إن علي شريعتي يشك في علمية المجلسي، ويسخر من رواياته ويقدم نموذجاً لها قصة زواج الإمام الحسين من ابنة كسرى يزدجرد. إفحام الفحول: الشيخ محمد جميل حمود توشجت العلاقات بين عمر والإمام علي بعد وفاة أبي بكر، واستمرت في التلاحم والتفاهم إلى الحد الذي يدفعنا لجعل ولاية عمر بن الخطاب حكماً مشتركاً مع الإمام علي. وكان عمر حريصاً على تطور وتطوير تلك العلاقة، فلم يحدث بينهما ما يعكرها إلا في مخيلة رواة القطيعة ومن يتلذذ ويستأنس العيش في تخوم الخلاف. كان عمر يسعى لأن يرحل عن الدنيا وله نسب وسبب مع رسول الله، إذ لم يوفق الله ابنته حفصة زوجة النبي (ص) ”بالانجاب وحديثه كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي يغري عمر وبقية الصحابة في مصاهرة بني هاشم، ولم يكن للرسول إلا فاطمة، ولم يكن للزهراء سوى بنت غير متزوجة أم كلثوم، وهي آخر حفيدة لرسول الله، وأم كلثوم كانت ماتزال يافعة، وقد اختلف في عمرها عند طلب عمر الزواج منها كما اختلف في عمر عائشة في سنة زواجها بالرسول (ص)، وأنجبت أم كلثوم لعمر ابنا اسماه زيداً تيمناً باسم أحب أشقائه إليه زيد بن الخطاب. غير أن العاملين في مدرسة الانشقاق قد ساءهم أن يكون لعلي وعمر حفيد مشترك وأن يصبح مقام أم كلثوم عند عمر كمقام عائشة عند النبي (ص) حباً ودلالاً ومصاهرة. إن روايات أهل البيت لم تنف حصول الزواج، فكيف يتصرف منهج القطيعة مع خبر مرفوع عن الأئمة؟. هنا يتدخل منطق الانشقاق فتقحم روايات، إما باعتبار الزواج اغتصاباً أو تهديداً أو أنه لم يحصل أساسا، وأن الله بعث إلى عمر كما يقول المجلسي في (بحار الأنوار) جنية تشبهها فيما تم إخفاء أم كلثوم عن الأنظار حتى وفاة عمر. حول هذه القضية، كتب العلامة اللبناني الشيخ محمد جميل حمود رسالة بعنوان (افحام الفحول) في شبهة تزويج عمر بأم كلثوم صدرت عن مركز الفكر في بيروت عام 2003، ونفذت طبعتها الأولى في عشرين يوماً والتي بين أيدينا هي الطبعة الثانية الصادرة في العام نفسه. ولأن خبر الزواج، متواتر عند أهل البيت، فقد استعان الشيخ حمود بمقولة ابن حنظلة، وقد توفر له خبر بنفي حصول الزواج، وباعتبار أن أهل السنة ممن يوافقهم خبر الزواج لا نفيه واستناداً إلى الخبر المنسوب إلى الإمام الصادق (إذ ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم) فقد أخذ الشيخ بخبر عدم حصول الزواج. ولإيجاد مسوغ آخر لمناقشة خبر حصول الزواج، أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل جنية من أهل نجران يهودية يقال لها سحيقة بنت جريرة فأمرها فتمثلت بمثال أم كلثوم، وحجبت الأبصار عن أم كلثوم، وبعث بها إلى عمر، فلم تزل عنده حتى أنه استراب بها يوماً، فقال: ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم. ثم أراد أن يظهر ذلك للناس، فقتل وانصرفت الجنية إلى نجران، واظهر أمير المؤمنين الإمام علي أم كلثوم. ويقول الشيخ المجلسي: إن هذا لايدل على وقوع تزويج أم كلثوم (رض) من (الملعون المنافق)، وكان فقيه عراقي معاصر هو السيد علي الميلاني قد استنكر هذا الخبر لأنه يشتمل على ما لا يصدقه الناس فهوجم السيد الميلاني لصالح الشيخ محمد باقر المجلسي وجماعته. ويروي الشيخ حمود ما تسمى حسنة زرارة، إذ ينسب للإمام الصادق قوله بما يشير إلى حصول الغصب في الزواج واجلالاً لمقام الإمام أحجمنا عن إيراد نص الخبر لما يتضمنه من إساءة بالغة للإمام ومقام الإمامة. أبو لؤلؤة رضي الله عنه يقول الشيخ محمد جميل حمود: إن عمر بن الخطاب هدد الإمام علي بقطع يده بعد اتهامه بالسرقة إن لم يوافق على تزويجه من أم كلثوم، وينسب كلامه هذا إلى رواة ثقاة في مدرسة أهل البيت وأن عمر كان يسعى لاهانة الإمام علي باهانة عرضه وتحقيره وتوهينه بالدوس على كرامته، وهو أي الإمام علي مكتوف الأيدي تكبله وصية رسول الله بعدم جهاد عصابة النفاق. ولأنه أي عمر ماكر خبيث، فإن إصراره على الزواج كان يخفي وراءه حقداً دفيناً على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. من هنا ارتأى أن يقهر كرامته بوطء عرضه الغالي والمقدس، لكن يد الغيب الطاهرة كانت له بالمرصاد فكانت طعنات نافذة من أبي لؤلؤة (رض) فأودت بحياة من أراد التطاول على شرف المرتضى قبل أن يتمكن من أن يتبع خطوته الأولى بأي خطوة أخرى. ويستكمل صاحب إفحام الفحول مناقشته لنفي زواج عمر من أم كلثوم أن الإمام علي قد وكلّ العباس عم النبي (ص) بمهمة قتل عمر إن أصّر على الزواج، كما أنه من المقطوع به أن الإمام علي كان يعلم بدنو قتل عمر بواسطة أبي لؤلؤة إن لم يكن قتله إيماء منه. وكل هذه الاحتمالات صحيحة. إن كتاب إفحام الفحول هو النموذج الأخير المتكامل الجوانب للمنهج االذي لا يتأخر عن جعل الإمام علي كما يقول صاحب الكتاب ذليلاً ومهاناً بل ومهدداً بقطع يده، كما لو كان طفلاً يتلاعب بمشيئة خاطف متمرس بالقتل ، مقابل أن لا يتحدث التاريخ عن وشيجة إنسانية وشرعية بين اثنين من الصحابة المحمديين، ويستخدم خبراً على لسان الإمام الصادق تستنكف من تدوينه مجلات الجنس المشاعة في بيروت، لكن ما لم يكن في بال عربي ومسلم ومستشرق ومؤرخ وقارئ سيرة أن يردف أحد القتلة بعبارة رضي الله عنه الخاصة بالصحابة الأوائل والأولياء الأطهار. ولكي يبعد هذا المنهج علياً عن عمر بنفي حصول الزواج، يقدم الشيخ حمود شهادة مكتوبة ضد الإمام علي بن أبي طالب بأنه هو الذي أوصى لأبي لؤلؤة بقتل عمر، وهو ما لم تقله منابر التشهير السبعين ألفاً التي نشرها الأمويون لشتم الإمام علي والطعن به. موقف الدولة الإيرانية حالياً: حملت كتاب افحام الفحول إلى مسؤول كبير جداً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفقيه من مساعدي السيد الإمام الخامنئي. وأشرت إلى مسؤولية الجمهورية الإسلامية عن صدور مثل هذه الكتب والمواقف، التي توسع الفجوة بينها وبين المسلمين، واستغربت أن يترضى عالم دين مسلم على قاتل مثل أبي لؤلؤة وهو مجوسي، واقترحت أن يوصل رأيي هذا إلى سماحة الإمام الخامئني، ودعوت إلى تشكيل هيئة شيعية عليا لفحص المطبوعات التاريخية، أسوة بما هو موجود في الأزهر الشريف، صوناً لكرامة الأئمة واحتراماً لتاريخ الإسلام وحفظاً لوحدة المسلمين، وكانت المفاجأة بعد أن أصغى إليّ الرجل باهتمام قوله: إنَّ هناك روايات متوفرة لدى رواة أهل البيت أن الذي قتل في المدينة بعد مقتل عمر هو ليس أبا لؤلؤة، الذي تمكن من الهرب والوصول إلى إيران وسألته: وهل هذا يعني أن ما يقال عن وجود قبر يزار لأبي لؤلؤة في إيران صحيح، وهو عندي من المدسوس على الإيرانيين؟. قال المسؤول الفقيه: نعم. السيد كاظم القزويني: الإمام علي جليس البيت ليس من الصعوبة أن نعثر على مكان وجود الإمام علي في الفترة التي غيّب عنها في مصادر القطيعة. يُجيبنا العلاّمة الخطيب السيد محمد كاظم القزويني على هذا التساؤل في كتابه الرائج (الإمام علي من المهد إلى اللحد) منشورات مؤسسة النور بيروت 1993 / قائلاً وقد وضع عنواناً لفصل من كتابه هو: الإمام علي (ع) جليس البيت: جاء فيه (حديثنا الليلة حول الفترة التي انقضت على أمير المؤمنين (ع) وهو جليس البيت، مسلوب الإمكانيات، وقد ابتدأت تلك الفترة من يوم وفاة رسول الله (ص) واستيلاء أبي بكر على مسند الحكم, ولمّا انقضت أيام أبي بكر، أوصى من بعده إلى عمر بن الخطاب وكانت أيام حكمه عشر سنوات وشهوراً، ولمّا طعن وأحسّ بالوفاة, جعل الخلافة شورى ورشح ستةً من الصحابة وأمرهم أن ينتخبوا واحداً من أنفسهم)ـ. انتهى نص العلامة القزويني فشرع يروي أحداث الشورى، حيث ظهر فيها الإمام علي لأول مرة على مسرح الحياة السياسية بعد أن أمضى ما يقارب ثلاثة عشر عاماً جليسَ البيت مسلوب الإمكانيات. إن جوابي على جواب العلامة محمد كاظم القزويني، سيظهر عليه شيء من ميول الانحياز الكبير للإمام علي مما لا أستطيع السيطرة عليه في حالةٍ تعتريني كلما صدمتني رواية وصفعني مشهد يزكم النفس، فتتضرى عبارتي وتتوحش آدابي ومن سيمنع عني ذلك، وأنا العلوي المحب لبني قومي، وأهلي الذاب عنهم كيد خصومهم ومحبيهم فأرى إمامي الأول في معتكف الاختيار، وأبو بكر يؤدب المرتدين ويعيدهم إلى حيازة المدينة، وعمر يصول بين جرجان وطبرستان ويجولُ في إيلياء وفي بيت ماله مرصعات التيجان؟. كيف أسكت عن رواية تحجر الإمام جليس بيت مسلوب الإمكانيات، في أخطر مرحلة تأسيسية في تاريخ الإسلام، معزولاً عن المشاركة في الجهاد، تاركاً لغيره لواءه، فتدخل جيوش الفتح إلى العراق، وتقيم البصرة والكوفة وتدخل الشام وتفتح أبواب الإسكندرية، وبيد عمر مفاتيح بيت المقدس، وتشاد الفسطاط والمسلمون في سواحل بحر قزوين، فتقام على ظاهر الشرق دولةٌ عظمى، وإمام المسلمين الأول جليسَ البيت مسلوب الإمكانيات، فيتحول المعصوم إلى معتصم في عقر داره، ولم يحاول السيد القزويني أن يكسر هذا الاعتصام ليُطلّ عليه لعل خبراً يأتينا من داخل معتصمهِ. إن لوحة الإمام علي في خطاب القطيعة هي دائماً هكذا... رجل منكسر ونفس محطمة، مسلوب الإمكانيات، لا يدافع عن نفسه ولا يدفع عنه شر خصومه مدةَ ثلاثة عشر عاماً. ويتكرر مشهده كلما رغب صانع الخطاب باستخراج قيح الكراهية والبغضاء بين أبي بكر وعمر فيجرده من عناصر القوة للاستدلال على رواية يخرج الفقيه منها رابحاً جمهوره المخدوع وإن خسر الإمام. و إذا كان الناتج السلبي حاصلاً عن كون هذا الخطاب محسوباً في باب الغلو فهو ليس غلواً في حب الإمام، وقد كثر هذا الميل عند المسلمين وتوزع على كافة المذاهب والمدارس، وإنما يركز المنهج على الغلو في الكراهية. إنه لا يغلو في حب الإمام علي كما يغلو في بغض عمر وكراهية الصحابة، ولا بأس عنده وهو مخمور بروح الكيد أن تكون الرواية والرأي اللذان يستدل بهما مسيئين للإمام علي، كما يحصل في كتاب السيد محمد كاظم القزويني وفي كتب أخرى تعبيراً عن هذا المنهج. وستُعرض علينا لوحات يؤخذ فيها الفارس، الذي لم يخسر معركةً مكتوف اليدين مسلوب الحركة ليرغم على بيعة أو أن عمر بن الخطاب يغتصب بالقوة ابنته الصغرى من فاطمة ليتزوج منها. وكمحب لأهل البيت ومريد للإمام علي الذي يتعرض تاريخه للتشويه، أناشد السيد الإمام علي الخامنئي من موقعه، أن يؤسس هيئةً علميةً عُليا للنظر في صلاحية الكتاب المتعلق بأهل البيت، وبتاريخ الإسلام عامةً، أسوةً بما عليه مشيخة الأزهر الشريف، وأسوةً بالخطاب الرسمي في المؤسسات الإيرانية الرسمية، التي تمنع الإساءة والتشهير وما يمس وحدة المسلمين. وإذ لا نطوي صفحة الإخفاء غير النزيه لهذا المقطع الأساسي من تاريخ نشوء الدولة الإسلامية والإسلام، نطل على صفحة أخرى من الكيد والإهمال والإغفال لعلي بن أبي طالب في روايات وكتب ودراسات تنشر في هذه المدرسة أو تلك. إذ يصدم المتابع أن بعض المصادر تتحدث في قضايا تمس مصائر الأمة، وأحداث ساخنة، فلا ترى فيها الإمام علياً حاضراًَ، وإذا ماحضر، فليس لك أن ترى اسمه إلاّ بمكبرة الحروف. إن مساحة المدينة وتعدادها السكاني يجعلان من غير المعقول غياب شخصية بحجم علي بن أبي طالب عن أحداث التاريخ. ففي وفاة أبي بكر استشار الخليفة عدداً من الصحابة لم يظهر علي بينهم، والخليفة يحتضر، ويستشير في لحظة مصيرية تتعلق بإمامة المسلمين. تقول تلك المصادر: إن أبا بكر دعا عبد الرحمن بن عوف، ثم عثمان بن عفان، ثم أُسيد بن خُضير، ثم سعيد بن زيد، وعدداً من المهاجرين والأنصار. فإذا كان الإمام علي حاضراّ، فلربما أستعيضَ عن اسم حضوره، بجملة عدد من المهاجرين والأنصار..!! وكان رأي من استشارهم أبو بكر واحداً في عمر، إلا طلحة بن عبيد الله الخائف من شدته وغلظته. إن هذه المرويات تكرس أمرين، مثلهما مثل خطباء القطيعة الذين يركزون في كتاباتهم على مقاطعة الإمام لأبي بكر، أو أنها تؤكد للجانب الآخر عدم أهمية الإمام علي عند أبي بكر وفي تلك الحالة فهناك غدرٌ وظلم يلتقيان في مشاهد مُدوّنة عند الفريقين، وهذا يدخل في مذهب التنقيص. في ذات السياق فإن العلامة الشيخ علي الكوراني أعاد النظر في حقيقة اعتكاف الإمام علي بداره فيما المسلمون يفتحون الأمصار، فيقر بحديث نقلته فضائية الأنوار (الشيعية) يوم 9/9/2006 بأن الإمام علي هو فاتح بلاد فارس وأنه هو الذي أشار على عمر بذلك, وإن معظم تلامذته كانوا في مقدمة جيوش الفتح (انتهى كلام الشيخ الكوراني). وهذا الكلام خطوة متقدمة قد تعيد للإمام علي دوراً أنكره عليه محبوه والموالون له، وهو اعتراف ضمني وواضح بأن عمر بن الخطاب والإمام علي كانا يشتركان في الكثير من القرارات الاستراتيجية(*). كسر ضلع الزهراء يستند شارع القطيعة على رواية لم ينفها كثير من المؤرخين الإسلاميين في توجه عمر بن الخطاب مع جمع من مؤيديه إلى بيت الإمام علي, لأخذ البيعة لأبي بكر في يوم السقيفة، لكنها تختلف في ما حصل عند الباب، وهل تسبب ذلك في كسر ضلع الزهراء وإسقاط جنينها محسن؟ ليس من منهج الكتاب الخوض في روايات الخلاف, والرواية تندرج في هذا السياق. وقد شكك بها بعض الفقهاء الشيعة، وجعلها المؤرخ الشيعي هاشم معروف الحسني واحدة من ثلاث روايات أخرى في تلك الحادثة، وليس من شك عندي أن عمر بن الخطاب قد توجه في ذلك اليوم الخطير إلى بيت الإمام علي، وليس من شك عندي أن فاطمة الزهراء قد أسقطت جنينها بعد وفاة والدها, إنما الشك في ربط هذا بذاك. إن حركة عمر في هذه الرواية هي أقرب إلى شخصيته وإلى طريقته, لا سيما في لحظة تأسيسية لمشروع الدولة بعد رحيل قائدها ومؤسسها, وأن يتصرف عمر بعنفوانه المعهود, وأن يحدث شيء من الحوار الساخن بينه وبين من كان حاضراً في بيت الإمام ومنهم الزبير بن العوام الذي تقترب شخصيته في بعض جوانبها من عنفوان عمر,وان يكون أحدهما أو كلاهما قد شهر سيفه، فما موقع الزهراء في ذلك الحوار الخطير؟. لم استسلم بعد إلى زج فاطمة الزهراء في تلك الحادثة، وليس معقولاً ولا لائقاً أن تتحدث الرواية عن إسراعها إلى الباب في تلك اللحظة. إن المهابة والمكانة والمناسبة اعتبارات تمنع وحيدة النبي أن تقترب من الباب بين أفواج من رجال قريش، ومن وضع الرواية تجاهل حزن الزهراء، على فقد أبيها ووفاتها كمداً عليه في روايات أبعدها زمناً ستة شهور، وتجاهل مهابتها فجعلها واحدة من المتخاصمات في يوم الحزن وأحال إسقاط الجنين إلى مصرع الباب بدلاً من أن يكون بسبب مصرع والدها النبي (ص) مثلاً. إن وفاة النبي (ص) عند فاطمة الزهراء، كان سيجهضها دون سجال. ولطالما أجهضت نساء لوفاة ابن أو زوج أو أب، فكيف والسيدة هي فاطمة. وكيف والفقيد نبي الله الخاتم، فلماذا يقلل من شأن رحيل النبي(ص) في رواية الإجهاض سوى أن يكون عمر هو المتهم؟. لم يكن من عادات العرب ردّ المرأة على طارق الباب، وفي البيت رجالٌ آخرون، ولم يكن بيت علي قصراً من تلك القصور العباسية ذات الأبواب والحريم والجواري في العصور التي كتبت فيها الرواية حتى تخرج امرأة لطارق الباب، فهل يعقل أن تترك فاطمة حزنها المقيم وفجيعتها المرّة لكي تفتح الباب أو تخرج إليه؟. ربما لاحظت الرواية هذا الجانب فاستعانت بالزهراء لتصد مع الرجال هجوم عمر. وتقول: إن الزهراء توجهت إلى عمر وأخذته من تلابيبه. وهذه فقرة ستكون الزهراء أجلّ وأعلى من أن تنسب إليها ولا نقترب من معالجتها، وإن كان السؤال قائماً. إذ كيف تمكنت الزهراء منه وهو طويل القامة وضخم، فهل أراد صاحب الرواية ومروجها أن الزهراء قفزت عليه؟. إن الرواية لم تتوقف عند شيء من أنفة الزهراء وعزتها وكبريائها وروحها الاستشهادية، التي سجلت في ألواح الفداء. وكأنها استشهدت طوعاً بعد رحيل النبي. ولم تكن امرأة في بني هاشم، تنافس مكانها ومقامها وفضلها في الزعامة، لو أتيح للمرأة أن تتزعم ولم يحدث لفتاة في ريعانها أن يحدث موت أبيها رد فعل يودي بحياتها، وإذا ما سمحت مناهج الدفاع عن أهل البيت بالإساءة إليهم، إذا تعلق الأمر بالإساءة إلى عمر بن الخطاب، وضعت فاطمة الزهراء على باب الخصومة وأجهضتها وراء الباب، فمرويات أخرى في مناهج القطيعة تأخذ بالزهراء مع الإمام علي إلى أقل من ذلك. وتستشهد كتب القطيعة وآخرها كتاب (المواجهة مع رسول الله) للمحامي الأردني أحمد حسين يعقوب المتحول للتشيع، إذ يكرس رواية لصاحب كتاب (الإمامة والسياسة) أن علياً حمل فاطمة على حمار، وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار، يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار، فكان الأنصار يقولون يا بنت رسول الله. قد مضت بيعتنا لهذا الرجل. ولو أن ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به. وروي عن معاوية أنه أعاب على الإمام علي حمل قعيدة بيته على حمار، ويداه في يدي الحسن والحسين، يوم بويع أبو بكر، فلم يدع (الإمام علي) أحداً من أهل بدر والسابقين، إلا دعاه إلى نفسه، ومشى إليهم بامرأته (وإدللت إليهم بأبنيك فلم يجبك منهم إلا أربعة أو خمسة). وقد ورد كلام معاوية هذا في شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد. وبهذه السهولة يفترى على الإمام علي. وترسم عنه لوحة تقشعر لها الأبدان. وكلتا الروايتين لم تحدثا، فلا علي يسمح لنفسه طارقاً الأبواب في الليل على حمار، ومعه المفجوعة برحيل والدها، وليس لمعاوية أن يستشهد بما لم يكن معروفاً آنذاك. إن الأتباع يفخرون عادةً بشعبية زعمائهم، وكثرة جمهورهم، لكن روايات القطيعة تجعل الإمام علياً دائماً وحده. وهكذا كان وحدهم جميع الأئمة، فلم يستجب حتى الأنصار لعلي، أما فاطمة في هذه الرواية، فهي المغلوبة الكسيرة التي تسترحم عطف الناس ولا من مجيب. وإذا كانت في الرواية الأولى، قد سارعت إلى طارق الباب، ففي الرواية الثانية كانت هي التي تطرق الأبواب. فأين منها الحزن الذي قتلها بعد أشهر؟. وأين الجنين القتيل الذي أجهضه عمر بن الخطاب قبل ساعات؟ وفاطمة في ذات الليلة تركب مع علي حماراً. وتطرق أبواب الأنصار؟. وتعود ذات الرواية المنسوبة لأبن قتيبة(*) في الإمامة والسياسة، على لسان اليعقوبي، في تاريخه ويضيف ابن قتيبة، أن عمر هدد علياً بالقتل أمام المهاجرين والأنصار. ولم يحركوا ساكناً، ولم ينكر منهم منكر. فأضفت الرواية على الأنصار ما تضفيه الروايات على أهل الكوفة الذين لم ينتصروا للإمام الحسين فيما المتداول التاريخي أن الأنصار كانوا أقرب إلى الإمام من قريش. التنافس على قصور الكوثرية في الجنة: كتب الفقيه السيد محمد رضا الهندي، وهو من علماء النجف، قصيدته على زنة الآية الكريمة، إنا أعطيناك الكوثر، وسميت فعلاً بالكوثرية التي هي الآن وبعد أكثر من سبعين عاماً على نشرها مطلوبة ومقروءة ولها شعبية وقدسية. والسيد محمد رضا الهندي عاش تقياً ورعاً، لكنه أهال المعاصي على نفسه في هذه القصيدة، فأغرقها في خمرة لم يذقها، وكسرها بعود لم يسمعه، ودعا الناس للمعاقرة والمراقصة والمعاشرة، لكي يقول لهم، إن هذه المعاصي والموبقات والكبائر لن تُسألوا عنها إذا ما اعترفتم بولاية الإمام علي، الذي جميع (الخصوم المناوئين) له لن يساووا نعلي خادمه المرحوم قنبر. وعندما اطلع عليها الفقيه المؤرخ العلامة الأميني صاحب الغدير أشهر موسوعة إمامية رأى في منامه أن قصره في الجنة أصغر من قصر صاحب الكوثرية، فأحتج العلامة الأميني على الموكلين في الجنة، كيف يكون ذلك؟. وكتاب الغدير أحد عشر مجلداً وكان تعبي عليه لمدة عشرين سنة متواصلة؟. فأجابه الموكلون: هكذا كان الحكم الإلهي!. وعند الصباح، مضى الأميني لزيارة صاحب الكوثرية السيد محمد رضا الهندي، وطلب منه استبدال ثواب القصيدة الكوثرية بثواب كتاب الغدير فرفض السيد الهندي، وقال له: هيهات، هيهات، فإن منامك قد رأيته!. لكن الشيخ عبد الله نعمة، رئيس المحكمة الجعفرية في لبنان والفقيه المؤرخ المرموق يعدها ويعد قائلها من الغلاة. في كتابه \" روح التشيع\" الصادر عن دار الفكر في بيروت. ولا أظن الشيخ نعمة، وهو قاض ومؤرخ شيعي كبير، يجهل قائل البيتين اللذين استشهد بهما على الغلو، أو أنه لا يعرف الكوثرية. ولتعزيز موقفه الاستدلالي، استعرض الشيخ نعمة الموقف الشرعي، في روايات للإمام علي زين العابدين، والإمام الصادق، في هذا النص المنقول عن روح التشيع: \" لكن هذه الرؤية قد تحولت لدى بعض العوام الى ذهنية خاطئة، مغرقة في الانحراف، بتأثير الغلاة والمتصوفة، وسرت هذه الذهنية بسوء فهم لبعض تلك الأحاديث، والأخذ بظاهرها، وتفسيرها على غير وجهها. ويقوم هذا الفهم الخاطئ على أن محبة الإمام علي وأهل بيته هي الوسيلة الوحيدة لنيل رضا رب العالمين، وللنجاة يوم الدين، دون حاجة إلى أي عمل صالح، ولا يضر من رزق هذه المحبة والولاء ما يفعله من الموبقات والكبائر، مهما كانت، وانعكس هذا الفهم الخاطئ على قول بعض الغلاة: كُلّ من والـى عليَّ المرتضـى لا يخـافَنّ عظيـم السـيئات حبة الأكسـير لـو ذُرّ علـى سيئات الخلق عادت حسـنات ويبدو أن هذه الذهنية كانت سائدة عند بعضهم منذ القرن الثاني الهجري، فقد جاء في رواية محمد بن مارد: \" قلت للإمام الصادق: حديث روي لنا أنك قلت: إذا عرفت الإمام فاعمل ما شئت؟ فقال: قد قلت ذلك، قال: قلت وإن زنوا أو سرقوا أو شربوا الخمر فقال لي: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله، ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم، إنما قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير، وكثيره فإنه يقبل منك \". وأولئك قد اعتمدوا ظاهر بعض الأحاديث دون أن يلقوا بالاً على الأحاديث الأخرى، التي تجعل المقياس لنيل رضا الله والنجاة يوم الحساب هو العمل الصالح، منه قول الإمام الباقر: \" لا تنال ولا يتنا إلا بالعمل والورع \". وقول الإمام علي بن الحسين وهو يخاطب طاووس اليماني وقد رآه يطوف حول الكعبة ويتضرع ويبكي، فقال له: يا ابن رسول الله، ما هذا التضرع والبكاء؟ نحن أولى بهذا، أما أنت فأبوك الحسين وأمك فاطمة وجدك رسول الله، فنظر إليه زين العابدين وقال: \" هيهات هيهات ياطاووس، دع عنك حديث أبي وأمي وجدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيداً قرشياً. أما سمعت قوله تعالى: ﴿فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون﴾ والله لا ينفعك غداً إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح\" وقول رسول الله:\" يا فاطمة ابنة محمد اعملي، فإني لا أغني عنك من الله شيئاً، يا عباس ياعم رسول الله اعمل، فإني لا أغني عنك من الله شيئاً، ثم اقبل على الناس وقال: أيها الناس، لا يدّعي مدعٍ ولا يتمنى متمنٍ، والذي بعثني بالحق نبياً لا ينجيني إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت، اللهم هل بلغت قالها ثلاثاً \". إن هذه الأحاديث وغيرها تفسر لنا تلك الأحاديث المطلقة، بأن المقياس الذي ننال به مرضاة الله والنجاة يوم الدين هو العمل الصالح. فالحب والموالاة دون أتباع علي وأهل بيته في أعمالهم وورعهم وطاعتهم، ليس من الحب والموالاة في شيء، والى هذا المعنى يشير الله تبارك وتعالى: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم﴾ آل عمران:31 وكان الشيخ محمد هويدي قد حقق وأشرف على طبعة أنيقة من الكوثرية، والشيخ هويدي من فقراء شيوخ التشيع وكادحيهم، فسألته عن حقوق النشر، فاستشهد بالآية الكريمة 23 من سورة الشورى قال تعالى: ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً، إلا المودة في القربى ﴾ يقول السيد الهندي: بََكّر للهو ونيل الصـفـ وِ، فصـفوُ العيـش لمن بكـّر و اشغل يمناك بصب الكأ س وخـلّ يسـارك للمزهـر فدمُ العنقود ولحن العـو دِ يعيـدُ الخيـر وينفي الشـر ويخاطب الإمام علي: أنّى سـاووك بمن ناووك وهل سـاووا نعـلي قنـبر؟. وعمر في الكوثرية هو حبتر، أي الثعلب الماكر. أقول: إذا كانت وحدة القياس، تختبر الناس بمدى كراهيتهم لعمر، فلن يكونوا مؤهلين للقب (محبي أهل البيت)، فوحدة القياس عند أهل البيت ترتبط بمدى قدرة محبيهم على استيعاب منهجهم الإسلامي في الوحدة والتوحيد، وحماية الخط، الذي اقتفاه أهل البيت المحمدي. وعلي شريعتي من منتقدي القصيدة الكوثرية، ويشير إليها بالإشارة إلى مقطع مشهور فيها – سوّدت صحيفة أعمالي ـ فيقول في كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي: قانون (يبدل الله سيئاتهم حسنات) تفهمه الصفوية على هذا المنوال: إن سيئات الإنسان تتبدل يوم القيامة إلى حسنات، وليس أنها تمحى عنه فقط. ومعنى ذلك أن الإنسان يعتبر مغفلاً للغاية إذا لم يسرف في ارتكاب الذنوب، ولم يسود صحيفة أعماله، إذ لن تكون لديه مادة وفيرة صالحة لتبديلها إلى حسنات. كيف يمكن الاحتيال على الله الذي لايغرب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وإن كل شيء عنده إلا بمقدار، كل ذلك على أساس قرآنه الذي يوجه لوماً للنبي العزيز(ص) لمجرد أنه عبس وجهه في وجه الأعمى الذي زاحمه، وهو عاكف على تبليغ رسالة السماء”. كيف يغفر ذات الإله عن سيئات الخلق...؟ ولماذا تضع الصفوية أبا الأئمة، وفتى الإسلام وشيخه وشهيده، شفيعاً للسكارى والعصاة ومرتكبي الكبائر؟. أيدخل هذا في غلو الحب، أم في غلو الكراهية، والتعرض للكرامات العلوية السامية؟. يحدث هذا عندما يسخّر الدين لأهداف العنصر القوي في مزيج ينتهي بسب عمر وخسارة علي. يظهر من هذا أن في مقابل أي فقيه ومؤرخ على المنهج القطيعة، فقيهاً ومؤرخاً على منهج التشيع العلوي. مما يبطل قول المتقول بتعميم ما يصدر عن الفريق الصفوي، وكأنه لسان التشيع، وأن ما يحكم به وما يرويه مقطوع به عند عموم الشيعة. إن تقسيم التشيع إلى علوي وصفوي، رغم أنه يستخدم للتشهير الإعلامي بدافع سياسي ضد عامة الشيعة، فإنه يدرأ الأذى عن أهل البيت. ويصد عن محبيهم كيد منهج قد لا ينزل مرتبة عن المراتب الصفوية في رفض الآخر وإلغائه، وقذفه بحمم الفتوى إلى حمم جهنم. فلماذا يتطير بعض الدعاة الشيعة من قسمة لتنزيه أهل التشيع عن الوقوع في العزلة، وهم يخوضون غمرات السياسة اليومية، ويتصارعون على الفضاء وعند أزقة بغداد وفي أحياء كراتشي؟. أما الكوثرية، فلم تعد ثمنا لقصر العلامة الهندي في الجنة، والذي أثارت ضخامته احتجاج العلامة الأميني على الموكلين لكون قصره هناك دون قصر صاحبها. فهي اليوم موضع افتراق بين منهجين ومدرستين، وكلتاهما تزاحم الأخرى على صدق الانتماء، واستقامة النهج!. ومن يدريك، فقد يكون قصري في الجنة قد انتهى تشييده في اليوم الذي انتهيت به من تشييد كتابي هذا عن عمر بن الخطاب، مادامت قصور الجنة محجوزة للشعراء والكتاب. وإن كانت مشكلتي أكبر من صاحب الكوثرية، إذ يرفض ابن حنتمة الوقوف على باب الجنة، لأنه يرفض الشفاعة وليس ممن يرشى بكتاب، ولست ممن يرتضي لإمامه الأول أن يقف شفيعاً لأمثالي وإن كنت من أحفاده، يوم يعرف المجرمون بسيماهم. القطيعة ستحاصر الشيعة العرب وعلى سعة نفوذها المحكم على المؤسسة الدينية وسيطرتها على الذهن الشعبي، لم يقدر لنظرية القطيعة أن تجد لها صالة أكاديمية ومريدين متنورين في الوسط الشيعي على الأقل في مقاسات النخب النوعية. إن أكثر الأسـماء بريقاً في العراق وأحياناً في البلدان العربية والإسلامية تنتمي إلى القول بمبدأ المشـاركة والتجـانس بين الإمامة والخلافة في العهد الراشد. ففي الجانب المشارك تلمع أسماء ريادية لم ينافسها اسم في مدرسة القطيعة، التي تبدو أكاديمياً شبه مهجورة في العراق ليس لغلبة النشاط السني الداعم والمبشر بنظرية المشاركة، بل لعبقريات خرجت من مدن التشيع إلى العالمين العربي والإسلامي برؤية تنويرية رائدة. فعسى أن نلملم شتاتنا لقيام مدرسة لوحدة المشاركة بأساتذتها وأتباعها وإنتاجها الفكري والإعلامي، وبهذا قد نصون وحدة التاريخ العربي ونصون قبل ذلك حياة المنتمين لمدرسة أهل البيت، ونتسامى من حمأة الكراهية والدماء إلى رحاب السلم الأهلي، لاسيما وأهل التشيع هم الأقلية في محيطهم العربي، ومثل ذلك في عالمهم الإسلامي، بدل المواجهة الإعلامية التي طالما تقود في مرحلة تالية أصحابها إلى سكاكين الذبح. إن دعاة القطيعة لا يقتصر أداؤهم السلبي على مرحلة في التاريخ الإسلامي فحسب، بل أيضاً على قطيعة اجتماعية وسياسية وحياتية بشكل عام مع مجتمعنا العربي. ومع ارتفاع وتيرة التحريض في خطاب القطيعة ترتفع إجراءات القطيعة العربية لحاملي هوية التشيع، فيصبح الوسط الشيعي هو المقاطَع والمركون في حجر العزلة. وإذا كانت نظرية القطيعة قد أقامت في إيران إمبراطوريات كبرى، وساهمت في إيجاد وحدة تقوم على التمذهب القومي، فلأن إيران عالم خاص يعيش في شبه قارة، لها عناصر قوة لا تتوفر لأهل التشيع في بلد آخر. وليس لإيران مجال حيوي غير بلاد فارس، فيما المجال الحيوي للشيعة العرب مفتوح على عالم يمتد من ثراء الخليج وينتهي بثراء المحيطات، وسيحول بين أبنائنا وحق الحياة في امتدادهم العربي، قول أبائهم بنظرية القطيعة مما يدفعني إلى التصريح أن نظرية المشاركة لاتقف عند اندماج الإمام علي مع الدولة والمحيط في التاريخ الإسلامي الأول، وإنما تدعو إلى اندماج بشري وقومي وإنساني واندماج المصالح للمنحدرين من سلالات شيعية مع مجتمعهم العربي، ومن دون ذلك فسيكون عبور شيعي عراقي إلى الخليج كعبور الخليجي السني إلى جنوب العراق في هذه الأيام من أواخر عام 2006. وهكذا يتحد الحرص على المصالحة التاريخية بالحرص على الصلح الاجتماعي مع الماضي والحاضر. إن كتاب (أصل الشيعة وأصولها) للإمام كاشف الغطاء ومهزلة العقل البشري لعلي الوردي وفصول من تاريخ الإسلام لهادي العلوي وشيء من هذه المحاولة هي جوازات مرور تخترق جدران القطيعة، التي يستفاد منها في إيران لكنها ستضرب مصالح الشيعة العرب أينما ولوّا وجوههم. وفي منهج الوردي يمكن عرض الملاحظات التالية لعل جيلاً سينتبه إلى أهميتها مثلما استيقظ العراقيون بعد الحرب العراقية – الإيرانية على صوت الوردي وعادوا يستنجدون بمناهجه العلمية. لقد أشاح الوردي عن التاريخ \" ابراده القشب\" وتحدث إليه بمثل ماتحدث طه حسين وجهاً إلى وجه، وأتاح ذلك له التحاور الإنساني مع المقدس، ووضع رجاله على طاولات التشريح الاجتماعي العلمي باعتبارهم بشراً، وقد استخرج من تاريخ الصراع المذهبي المرويات المشتركة والخاصة لإبطال القائلين بنظرية القطيعة ليس فقط بين عمر وعلي بل أعطى أمثلة ونصوصاً لفقهاء المذاهب الأربعة وميلهم لأهل البيت، واستل الوردي عمر بن الخطاب بمهارة وعفوية من امويته المخترعة، وعاد به إلى الخط المحمدي فأبطل مطروحات فقهاء الخلاف وأحالها إلى عاملين: صراع المصالح الخاصة، وعامل يتصل بطبيعة النفس البشرية وتعقيداتها، والتقط الممتع والجاذب من تاريخ الإسلام. فحبب إليه من لم تكنّ لهم مصالح في القطيعة، بينما كان الفقهاء ورجال الدين من أوائل المتطوعين لوضع كتب في الرد عليه، وأبرز من كتب في نقد الوردي آية الله السيد مرتضى العسكري ورضا صادق و عبد المنعم الكاظمي وصالح القزويني. مـثـالب الـمسـتبصـريـن رجال دين وكتاب سُــنَّة تحولوا إلى التشيّع ولُقبوا بالمستبصرين مثالب المستبصرين هم كما ستعلم المتحولون من التسنن إلى التشيّع في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران، ممن شكلوا ظاهرة إعلامية أكثر منها فقهية، باستثناء نفر دفعته قناعاته السياسية، والوجدانية، إلى التحول نحو التشيّع أمثال السيد علي البدري المستشيّع قبل الثورة الإيرانية بسنوات، والسيد صائب عبد الحميد، الذي انفجرت مواهبه الفكرية والذهنية بعد استشيّاعه، وهو مهموم بدرء الأذى الذي أوقعه بعض الفقهاء المسلمين بسمعة التشيّع وسلامة قصده، في سياق المناظرات والمراجعات، والتصويبات، بلغة المحاور الإسلامي وليس الداعية، وكلاهما من العراق، ولابد أن آخرين كانوا من الصنف المعتدل. أما عامة المستبصرين المندرجين في موسوعة الشيخ هشام آل قطيط، وتقع في أكثر من ثلاثة ألاف صفحة، لاسيما من أسرع في \" استبصاره \" ودبَّج الكتب والمذكرات، فهم يتفقون على ما اتفق عليه روزخونية المنابر في الدرجة الرابعة، من عناية واهتمام وشراسة ورغبة في استجماع روايات وأساطير لإنتاج المثالب وصبها على عمر بن الخطاب أولاً، وكأنهم حلقة حزبية توزع عليها التعاميم والتعاليم والتوجيهات، فينطق أعضاؤها بمفردة واحدة، وعلى نهج واحد، يتكرر ويتكور ويدور عليهم مثلما تدور الأقداح على الأفواه في مجالس الشراب، فيخيل إليك أن صاحب المجلس هو المجلسي. وأن الساقي واحد والشراب المعتق في دنِّ الشاعر الباكستاني محمد إقبال، لكن خمرة إقبال غير خمرتهم!. أنـا أعجمي الدنِّ لكن خمرتي كَرمُ الحجاز ونبعِها الغينان إن كان لي نغَمُ الهنود ولحنهم إن هذا الصوت من عدنان روزه خون السوربون: عمر ضال... وجاهل... ومعارض للاسلام! هو التونسي محمد التيجاني السماوي، دكتوراه فلسفة من السوربون، كتب قصة استشياعه، تحت عنوان \" ثم اهتديت \" وكتاباً آخر، هو \" الشيعة هم أهل السنة\". وقد اختار فيه اثني عشر صحابياً بينهم صحابية واحدة هي عائشة، وهو يرسم تشكيلاً في مقابلة عددية، مع الأئمة الاثني عشر، وكأنه يفتح ملف الفساد لمجلس وزراء عربي معاصر، أو لمجلس إدارة نادي ليلي، بلغة الفضائح والتشهير، والرجل في هذا المنهج ما كان سيبذل العناء والتعب في دراسة السوربون، وكان يكفيه كثيراً أن يتتلمذ على شيخ ناشئ، وروزخون شاب من قراء الأساطير والناتج المطلوب هو ذاته، واللغة ذاتها، والأسطورة المحشوة في صواوين مسامعنا في طفولة الكرادة، ستغنيه عن عِلم السوربون ولغتها، وستزوده بمثالب يتطلع الرجل لتسويقها. وأقول بحياد المسؤولية، إن الدكتور التيجاني يمتلك القدر الكبير من الأهلية العلمية ليبسط حصران النخيل في مسجد حسيني. ويستدعي اثني عشر رجلاً من رجال النبي صلى الله عليه وسلم، إلى جانب اثني عشر إماماً من أهل بيته، ويستل المشتركات من طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام، وتواريخ الطبري والبلاذري واليعقوبي والاصبهاني والمسعودي وسواهم، فتتوفر له مستخرجات إسلامية في كتاب حاضن ومحضون، بدلاً من تقمص دور مكرر وممل وساذج وعدواني، وانشقاقي، سبقه إليه مئات من قراء \" بحار الأنوار \" الذي منع الإمام الخميني، فقيه التشيّع، نشر بضعة أجزاء منه لقلة علميتها وكثرة عدوانيتها، وهي التي اعتمدها التيجاني والمستبصرون معه. وإذا كان الدكتور التيجاني يتطلع إلى فقه التشيّع، المشبع بروح الثورة والاحتجاج على الظلم، والدفاع عن روح الإسلام، فأمامه متسع من العنوانين المقصودة، وإذا كان معجباً مثلي بتشيّع الإمام الخميني، فالرجل مُعرَّف بكتبه وأقواله، أما تشيّعه فسرُّه عند تلميذه الشهيد الدكتور علي شريعتي، وكتبه منشورة وأفكاره قيد السجال العلمي في حسينيات ومساجد أصفهان وخراسان وطهران. ومن بين الصحابة الاثني عشر، جرى التركيز على \" مثالب عمر \" خاصة وذلك يعنينا، منهجياً على الأقل. المثالب التيجانية ! ويأتي الدكتور التيجاني على قائمة المخالفات الموزعة على المراكز العلمية والإعلامية منذ عشرة قرون، فيلوكها الناس وهو لايدري أنه آخر من اطلع على نسخة منها، فلدى أي روزه خون، ما هو أكثر، لكن الرجل وعدنا أنه سيوجز مخالفات عمر، لأنها لاتحصى إلا في كتاب، ولعل الكتاب إياه قد صدر له أو لغيره، بعنوان مساوئ عمر بن الخطاب. يقول التيجاني في كتابه الشيعة هم أهل السنة: عرفنا في أبحاث سابقة من كتبنا بأن عمر كان بطل المعارضة للسنة النبوية الشريفة، وأنه الجريء الذي قال: إن رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله يكفينا، وحسب قول الرسول الذي لا ينطق عن الهوى، فإن عمر هو الذي تسبب في ضلالة من ضل في هذه الأمة. وعرفنا بأنه عمل على إهانة الزهراء وإيذائها، فَرَوَّعَها وأدخل الرعب عليها وعلى صغارها عندما هجم على بيتها وهدد بحرقها. وعرفنا بأنه عمل على جمع كل ما كتب من السنة النبوية، فأحرقها ومنع الناس من التحدث بأحاديث النبي (ص). وقد خالف عمر سنّة النبي (ص) في كل أدوار حياته وبمحضر النبي(ص)، كما خالف سنة النبي (ص) في تسييره ضمن جيش أسامة، ولم يخرج معه بدعوى إعانة أبي بكر على أعباء الخلافة. u كما خالف القرآن في منع سهم المؤلفة قلوبهم. u كما خالف القرآن والسنة في متعة الحج وكذلك في متعة النساء. u كما خالف القرآن والسنة في الطلاق الثلاث فجعله طلقة واحدة. u كما خالف القرآن والسنة في فريضة التيمم، وأسقط الصلاة عند فقد الماء. u كما خالف القرآن والسنة في عدم التجسس على المسلمين، فابتدعه. u كما خالف القرآن والسنة في إسقاط فصل من الآذان وإبداله بفصل من عنده. u كما خالف القرآن والسنة في عدم إقامة الحدّ على خالد بن الوليد، وكان يتوعده بذلك. u كما خالف السنة النبوية في النهي عن صلاة النافلة جماعة، فابتدع التراويح. u كما خالف السنة النبوية، في العطاء، فابتدع المفاضلة وخلق الطبقية في الإسلام. وهذه الأمثلة التي أخرجناها هي غيضٌ من فيض لما فعله هو وأبو بكر تجاه السنة النبوية الشريفة، وما لقيت منه من إهانة وحرق وإهمال، ولو شئنا لكتبنا في ذلك كتاباً مستقلاً. فكيف يطمئن المسلم إلى شخص هذا مبلغه من العلم، وهذه علاقته بالسنة النبوية الشريفة، وكيف يتسمى أتباعه بـ \" أهل السنة \"؟؟!. وإذا كان عمر بن الخطاب يعمل على طمس السنن النبوية ويسخر منها ويعارضها حتى بحضور النبي نفسه، فلا غرابة أن تسلم له قريش قيادتها وتجعله زعيمها الأكبر، لأنه أصبح بعد ظهور الإسلام لسانها الناطق وبطلها المعارض، كما أصبح بعد وفاة النبي (ص) قوتها الضاربة وأملها العريض في تحقيق أحلامها وطموحاتها للوصول إلى السلطة، وإرجاع عادات الجاهلية التي يعشقونها ومازالوا يحنون إليها. وهذا نزرٌ يسيرٌ من بدعه التي أحدثها في الإسلام. وهي مخالفة كلها لكتاب الله وسنة رسوله، ولو شئنا جمع البدع والأحكام التي قال فيها برأيه وحمل الناس عليها، لكتبنا في ذلك كتاباً مستقلاً، لولا توخي الاختصار.” وهذه لو أرعوى المتخاصمون وكلهم أرحام، اجتهادات عقل مبدع، ومعالجات مؤسس وشريك، وصاحب قرار، وقائد أمة ناشئة، وزعيم دولة يافعة، وإمام، وقاضٍ، ومفتٍ، وصاحب الموحى إليه، وتلميذه، والمهاجر في وضح النهار، والمهيب في عتمة الليل، وهو يستجيب لتحديات المستجد من الأحداث والأزمات والمسائل التي لم تمر على المسلمين قبل عهده، فهل يتجاهل إرادة الحياة، وحاجات الناس. ومستلزمات الطارئ، وضرورات التأسيس، فيحدث الضرر في الدولة والناس، وهما الركنان الماديان اللذان بهما يتسور الدين الجديد وإليهما يعود بخيره. أم يستفرغ الجهد وجهد الإدارة المحمدية في المسجد النبوي، فيستهدي بالنص لتوليد النصوص وبآلية لم ينفرد فيها بقرار؟ فإذا أخطأ، فهي أخطاء الإدارة المشتركة في مسجد الشورى، والمسؤولية تتوزع على من كانوا معه، والصحابة أولى أن يثوروا على مخالف ومبتدع يقودهم إلى الضلالة. إن تجريم عمر، وطعنه بالمروق عن النص، لا تقع مسؤوليته عليه وحده، وكأنه تجريم لعامة المشاركين من مسلمي المدينة، فلم يكن عمر دكتاتوراً، يبسط سطوته على مجلس شكلي، وعلى أعضاء تحت إمرته، فيرفعون الأيادي قبل التصويت، ويهزّون رؤوسهم بالموافقة قبل توجيه السؤال، وقد يضحكون إذا ضحك رئيس المجلس ويعطسون إذا عطس!. وهدف رجال القطيعة ليس التنقيص من عمر بن الخطاب، ولا تجريمه وإدانته وطعنه، بل يمتد ضمنياً وشرعياً إلى عامة الذين وافقوا عمر على \" “مروقه\" أو سكتوا عنه، ولاذوا بالسلامة!. ولا نظن أحداً من رجال النبي (ص) كان على هذا الطراز وهذه الشاكلة. وهو مسوّر بصحابة من أمثال علي وسلمان الفارسي، ومحمد بن سلمة، وعثمان بن عفان، وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير، وأبي ذر وعمار بن ياسر. فَمَن مِن هؤلاء كان سيحني رأسه لعمر ليمرر عليه قانوناً خارجاً على قوانين الإسلام؟ وفي عهد كان كل صحابي حاكماً؟ ولم يكن أي من الرعية محكوماً، وكان للسكارى حق الاعتراض والمناقشة والرد على الخليفة وهم متلبسون باحتساء الخمرة، فيتفهم ردودهم ويتراجع عن خطأ وقع فيه مقابل ان يضع الحد في المخالف. هل كان أهل المدينة ينتظرون فقهاء القطيعة والمثالب لتلقينهم الصائب الشرعي، ويدلوهم على سواء السبيل؟ أم كان المسجد النبوي ساعتها ينتظر وصول السيد التيجاني السماوي، ليعلم الإمام علي وعمر بن الخطاب وأبا ذر وعماراً أصول دينهم ويرشدهم إلى الصراط المستقيم؟. أغلب الظن أن المثالبة إنما رأوا أنفسهم وتخيلوا مواقعهم في أسر سلطات قاهرة، وبإمرة سلطان معاصر، فكتبوا عن خوفهم إزاءه، وتصوروا حال الصحابة مع عمر، حالهم مع سلطان وقتهم، وإلاّ فلماذا لم ينشقوا على هؤلاء الحكام، ويفتحوا ملفات الفساد، ويطاردوهم على شاشات الفضاء، وفي الكتب المجلدة، فتركوهم وانصرفوا عنهم إلى محاكمة بناة الحضارة في ماضينا العادل؟. المستبصر الأردني أحمد حسين يعقوب: عمر حليف المنافقين ! وتتداخل صورة عمر في الكتابات المستشيعة وتشتبك خيوطها، فتصبح لعمر صورتان. واحدة عند أهل القطيعة وأخرى لدعاة المشاركة. وإذ يكتفي الأخيرون بالحديث عن مشتركات علي وعمر في إدارة المركز العالمي الجديد، يتخبط كتاب القطيعة في أحكامهم غير عابئين بمهارة التاريخ وأصول البحث ومجلس الحقيقة، فإذا عمر عند المستيشع الأردني المحامي أحمد حسين يعقوب رجل ليس له قوة من تاريخه، وإنما من قوة المنافقين الذين أحبوه حباً شديداً من يوم الرزية، وهو اليوم الذي حال فيه عمر وحزبه بين الرسول وبين كتابة ما أراد. وقد تابع المنافقون بشغف بالغ معارضات عمر بن الخطاب المتكررة لرسول الله واعتراضاته عليه، وقد أحيطوا علماً بارتيابه. والخلاصة والحديث مازال للأستاذ يعقوب أن المواجهة التي حدثت بين الرسول من جهة وعمر وحزبه من جهة ثانية في بيت الرسول، قد رفعت أسهم عمر بن الخطاب عند المنافقين إلى القمة. ومنذ ذلك التاريخ لم يرو راوٍ قط أن أحداً من المنافقين قد عارض عمر أو تخلف عن دعوته لأي أمر من الأمور. إن عمر بن الخطاب مدين بجزء كبير من نفوذه ووجوده للمنافقين والمرتزقة من الأعراب كما جاء في كتابه (المواجهة) الصادر عن دار الغدير عام 1996، ومن هؤلاء وهؤلاء تشكل حزب عمر. وعمر هو رئيس التحالف المعادي لآل محمد. وهنا من سيكون المصدق الرواية والرأي المؤرخ القديم الخارج من طينة كربلاء والدارس منذ الطفولة في حوزات النجف والقائل: إن أحداً من المؤرخين لم ينقل عن الإمام علي أنه وقف موقف المعارض لخلافة ابن الخطاب أو بدا منه ما يسيء إلى صلاته به، بل رضي لنفسه أن يكون كغيره من الناس لا يذكر عما مضى ولمن جاء من بعده إلاّ المحاسن، أم سنأخذ بالروايات التي ينقلها المتحولون من المشاركة إلى القطيعة والقائلون بأن المنافقين والمرتزقة هم الذين لم يعارضوا عمر؟. المستبصر المصري أحمد راسم نفيس: التشيع الممنوع في مصر يعلن الأستاذ أحمد راسم نفيس الذي يبدو أن حاسته الوطنية يعلو صوتها على أية حاسة أخرى، أنه تشيع إعجابا بالإمام الخميني وثورته الإسلامية وموقفها من إسرائيل. وهو بحكم تربيته المصرية يبدو أقل هجاءً للصحابة من زملائه المستبصرين. وإن كان لايخرج عن المنهج الاستبصاري ذاته في تسليط العتمة على إشراقة عمر في التاريخ الإسلامي. يستعرض الأستاذ نفيس في كتابه (التشيع ممنوع في مصر) وجهة نظره ضد الإجراءات الحكومية المتخذة ضد المصريين المتشيعين، وهذا الكتاب لا يُنصف المدرسة المصرية، ولعله يمس حياد التسنن المصري وموقعه وعدالته وعلميته. إن المصري لا يحتاج إلى التشيع حتى يحب أهل البيت أو يكتب عنهم. والمدرسة المصرية سنية إلى نهاية عصر الراشدين. فتتوقف عن مواصلة التسنن الأموي الشائع حاليا في البلدان العربية الإسلامية. ولعلي عرفت حجم الأذى الذي وقع على الحسين عندما قرأت كتاب عباس محمود العقاد عن أبي الشهداء. وكنت تلميذاً في الخمسينات لمؤرخ الفلسفة الإسلامية الدكتور علي سامي النشّار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، والتقيت بجعفر الصادق في كتاب الشيخ محمد أبو زهرة، وفي كتاب المستشار عبد الحليم الجندي، واستمتعت بالمرافعة التاريخية التي كتبتها عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ عن السيدة سكينة بنت الحسين. وتابعت شيخ الأزهر سليم البشري في حواراته الممتعة مع الفقيه الشيعي السيد شرف الدين. ودرست شرح نهج البلاغة للإمام الشيخ محمد عبده وأحببت إنصاف عبد الرحمن البدوي وسميرة الليثي وأحمد الشرباصي لدور الشيعة في الفكر الإسلامي. فما الذي يزعج الشيعي في مدرسة مصر؟ وماذا يريد أكثر مما توفره المدرسة المصرية التي انتصر عميدها طه حسين للإمام علي في كتابه \"علي وبنوه\" وفتح بذلك منهجاً إسلاميا يمتزج فيه التسنن والتشيع بمحمدية علي وعمر. أما أن يتصدى باسم التشيع كاتب مصري أو تونسي ليضع عمر في أحضان اليهود حاملاً راية الضلال، أو أن يثني آخرون في المدرسة الأخرى على قاتل الحسين فيُكرم ويصبح سبي أحفاد النبي(ص) مسكوتاً عنه أو مبرراً، فليس مكان هؤلاء مصر والقاهرة. إن هنالك مدناً أخرى تشتغل بالتقاذف والتشهير، ولو كنت في مكان أي مسؤول مصري لمنعت أي فريق من هؤلاء عن تلويث المدرسة المصرية. ليبقى الإمام محمد عبده عند منهجه، والعقاد مع أبي الشهداء، وطه حسين مع علي وبنيه. إن المصريين محمديون في عمريتهم وعلويتهم، ولا يجوز لطرف أن يخرق هذا النسيج بما يؤذي كرامة الإمامة ومقام الخلافة. المستبصر السوري عامر الكردي: النبي آدم يبغض عمر !. وأما المتحولون، أو المستبصرون، وهم مرة أخرى، علماء دين انتقلوا من التسنن إلى التشيّع، فلعلهم رأوا من مستصغر التشيع أن يظهر في زمن النبي محمد (ص)، فنقلوه إلى زمن النبي آدم، وأثبتوا بالدليل القاطع، وبالبرهان الناصع أن النبي آدم، ثم النبي نوح كانا على مذهب التشيّع!. أظن أن السادة المستبصرين يضحكون على عقول الأتباع الشيعة. ولايعقل أن يستخفوا بأنفسهم، ويضحكون على ذقونهم التي مازالت سوداء لم يخالطها إلا القليل من البياض. لكن المقصود أوسع مما نتخيل، إنهم يريدون الوصول إلى إشاعة مفهوم أن البشرية، من خلال أبيها آدم تناصب العداء لعمر، وأن الانشطار ضئيل وغير عادل، وأن المسلمين ليسوا سنة وشيعة، وإنما تتحد البشرية على كراهة عمر بن الخطاب منذ زمن النبي آدم، ثم النبي نوح إلى اليوم الذي أصبح الشيخ عامر الكردي مستبصراً، فأبصر النبي آدم بأم عينيه، وببصيرته حاملاً لواء القطيعة معلناً الحرب على صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وليس على بني آدم سوى اقتفاء سيرة أبيهم، وليس لهم سوى ذلك وظيفة في الحياة. المتحولون إلى التشيع: والسلم الأهلي في العراق سيحتاج (المتحولون) الى وقت غير قصير ليقتنع الناس بأن انتقالهم إلى المذهب الجديد ناجم عن مراجعة ذاتية، لأن عالم دين وطالب علم نشأ على عقيدة مذهبية حتى صار فيها فقيهاً أو داعية أو خطيباً سيصعب عليه الظهور بين عشية وضحاها في ثياب مذهب آخر. وإذا كان ذلك مألوفاً، والنفس البشرية مفتوحة ومتحركة والعقل الإنساني يتقبل الأمر ونقيضه، فمن غير المعقول أن يبذل المرء جهداً ويخترق حاجزاً نفسياً ويخرج على محيطه وذائقته ويتحمل ردود أفعالهم فتكون حصيلة المتحول كتاباً يستعيد المتحول فيه ثمالات الملا محمد باقر المجلسي ورواياته المتخصصة في النيل من شخصية إسلامية كان المتحول قبل عام وربما قبل شهر واقعاً تحت تأثيره الروحي والتربوي والعرفي. وسأضرب مثلاً بنفسي. فمنذ خمسين عاماً، وعمر بن الخطاب يشكل خطوط صورة مغرية للكتابة والتأليف، وقد استكملت أدواتي العلمية منذ تخرجي من كلية الآداب عام 1958، ولم يكن الوقت مناسبا إلا في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد اشتعال النيران الطائفية في العراق وانتقال الحرب من صفحات الكتب وأعمدة المنابر في فترة الحرب العراقية – الإيرانية، وماتلاها من تطورات في العراق إلى واجهات المنازل وأجساد الضحايا وسكاكين الذبح، فأصبحت الكتابة في عمر بن الخطاب وفي نقد الخطاب الطائفي واجبة وجوب الماء لإطفاء النار. وكان مما عجل في إصدار هذا الكتاب على سوء صحة كاتبه أن الفضائيات العربية صارت تنقل شهادات لعلماء دين من الشيعة يتنافسون على مسبة عمر بن الخطاب وأبي بكر، وكأنهم بهذا يوفرون (الدليل الشرعي)، والمسوغ الفقهي للانتحاريين الذين يستهدفون المدن والبلدات الشيعية بالسيارات المفخخة (نكالاً) لهم على شتمهم عمر وتشهيرهم بعائشة!!. ألا يعني هذا أن السلم الأهلي في العراق يرتبط بالكتابة التاريخية ابتداء من العصر النبوي وإبطال المناهج والوسائل والمستحدثات التي قدمها الشيخ علي الكركي ومدرسته؟ دون أن نغفل المدرسة الأموية التي سبقت السلطان طهماسب في أسلوب السب وشتم الإمام علي بأكثر من عشرة قرون. الـتنــويــر الشـــيعي الـمُشرق والمحدود التأثير الـمـدرســة الـمصرية: طبيعة المصريين الميّالة إلى الاعتدال، غلبت الأفكار والعقائد والاتجاهات المتشددة من أي مصدر صدرت، وأفرغت جانب التراكم الطائفي في المرحلة الفاطمية إزاء عمر بن الخطاب، مثلما أقصت التراكم الطائفي للمرحلة الأيوبية وأنتجت ثقافة ًإسلامية تستلهم في حيادها المذهبي روح زيد بن علي وممثله الفخري في العراق أبي حنيفة النعمان بن ثابت. ومع تواضع الأداء السياسي والفكري للزيدية في العصور المتأخرة حتى رُكنت مهملةً في تكايا اليمن المتوكلية، إلا أن التماس التأثير المكشوف على بعض المدارس العربية المتأخرة لموقفها العملي من الخلافة الراشدة يمكن رؤيته بسهولة في المدرسة المصرية وتأثيراتها العربية. إن طه حسين والعقاد ومحمد حسين هيكل وبنت الشاطىء وعبد الحليم الجندي وعبد الفتاح مقصود وعبد الرحمن الشرقاوي إنما يمثلون الخط المحمدي، والفهم الزيدي القائم على استلال عمر وأبي بكر وعثمان من العجينة الأموية، فشكلوا موقفاً وسطاً بين خطين، هما النهج الأموي من جهة والنهج الصفوي من جهة أخرى، وهذان يسعيان بل يقرّان نهائياً بانتماء عمر بن الخطاب وأبي بكر للنهج الأموي فيبدو سيّان عندهم عمر ومعاوية وأبا بكر ومروان بن الحكم. إن الشيعة الإمامية يرتاحون لخطاب يُعطي عمر للأمويين ويحملونه مسؤولية تأسيس الخط الأموي. إن المشاركة مبدأ عرضته المدرسة المصرية قبل أن يلتفت إليه فقهاء ومفكرون شيعة في تاريخ الإسلام. فقهاء المشاركة الفقيه الشيعي في مراتبه العليا مرجع وليس داعية؛ ينقطع عن المجتمع في وقت مبكر، فلا يعود صديقاً في المستشفى ولا يعزي آخر، ولا يتحدث في وسائل الإعلام، ولا يكتب في وسائل النشر، ويلازم بيته ولا يخرج إلا إلى الصلاة في صحن الإمام، الذي يقيم الفقيه حول ضريحه. وقد يرتب لمسؤول الدولة الأول موعد معه داخل الصحن. فإذا تحدث مع ضيفه فلا يكاد يسمع له صوت، ولولا حركة طفيفة في نهايات شعرات لحيته لما حسبته يتكلم!. إن تقاليد المرجعية صارمة، ويتفق عندها فقهاء القطيعة والمشاركة. لكن بعضهم خرج على هذه المحكومات الشرطية فصار يتحدث في السياسة اليومية ويقف خطيبا بين الأتباع، ويقود مظاهرة يعبر فيها الجسر من مدينة الكاظمية الشيعية إلى مدينة الأعظمية السنية كالشيخ الثائر الإمام محمد مهدي الخالصي ليصلي في مسجد أبي حنيفة. وقد يكتب في المجلات العربية ويراسل المؤسسات ويحضر المؤتمرات ويناظر الأدباء ويحقق دواوين الشعراء(*) ويكتب لبعضهم مقدمة الديوان ويمضي شهورا في جولات عربية كالمرجع الكبير الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء (1876 - 1954) والمرجع الحالي السيد محمد حسين فضل الله، وان كان الأخير أبطأ حركة من شيخه وأستاذه كاشف الغطاء. ويتفق هؤلاء المراجع في كونهم خارج المنهج الصفوي وهم لايرون مايضر (بالعامة) نافعا للشيعة، ولايرتاحون لحديث يثني على الإمام علي بن أبي طالب بهجاء عمر بن الخطاب، ولا يأخذون بروايات الفرقة والانقسام، أي ليسوا من دعاة القطيعة. إن كاشف الغطاء من رواد نظرية المشاركة يكتب في (أصل الشيعة وأصولها) نصا تترجرج أمامه أقانيم الهيكل الذي بناه الشيخ علي الكركي والملا محمد باقر المجلسي والسيد الكاظميني البروجردي!. ولم تكن المراجع العليا تشتغل بحقول الأدب والشعر، بل الاتجاه العام لايخلو من ازدراء بالشعر والأدب، ويعزو بعض المؤرخين ذلك إلى عجمة بعض المراجع الذين يفتقرون إلى الذائقة الأدبية. بنيما تجاوز هذه العقدة الفقهاء من أصول عربية وربما هجر بعضهم الدراسات الفقهية، وانحاز إلى الإبداع الأدبي كالجواهري وعبد الرزاق محي الدين ومهدي المخزومي ومحمد رضا الشبيبي، و حاول فريق آخر مزاوجة الأدب والفقه كالشيخ احمد الوائلي والسيد مصطفى جمال الدين، فلم يطغ أحدهما على الأخر. أما الفقهاء الأدباء فعميدهم محمد سعيد الحبوبي، وأبرزهم محمد الحسين كاشف الغطاء وجميع من وردت أسماؤهم في هذه الحاشية هم من أهل التشيع العربي القائلين بمبدأ المشاركة. وجرى التقييم عليهم في معظم الأحكام والروايات والدراسات في الحوزات الدينية. يقول نص المرجع الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء منقولا عن كتابه أصل الشيعة وأصولها الطبعة الثالثة الصادرة عن دار الأضواء في بيروت عام 2003، تحقيق العلامة الشيخ محمد جعفر شمس الدين. \" ثم لما ارتحل الرسول من هذه الدار إلى دار القرار، ورأى جمع من الصحابة أن لا تكون الخلافة لعلي(ع)، إما لصغر سنه، أو لأن قريشا كرهت أن تجتمع النبوة والخلافة لبني هاشم، زعما منهم أن النبوة والخلافة إليهم يضعونها حيث شاؤوا، أو لأمور أخرى لسنا في صدد البحث عنها ولكنه باتفاق الفريقين امتنع أولا عن البيعة، بل في صحيح البخاري في باب غزوة خيبر أنه لم يبايع إلا بعد ستة أشهر، وتبعه على ذلك جماعة من عيون الصحابة كالزبير وعمار والمقداد وآخرين. ثم لما رأى تخلفه يوجب فتقا في الإسلام لا يرتق، وكسراً لا يجبر، فكل واحد يعلم أن عليا ما كان يطلب الخلافة رغبة في الامرة، ولاحرصاً على الملك والغلبة والاثرة، وحديثه مع ابن عباس بذي قار مشهور، وإنما يريد تقوية الإسلام وتوسيع نطاقه ومد رواقه وإقامة الحق وإماتة الباطل، وحين رأى أن الخليفتين – أعني الخليفة الأول والثاني – بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح ولم يستأثرا ولم يستبدا، بايع وسالم وأغضى عما يراه حقا له محافظة على الإسلام أن تتصدع وحدته، وتتفرق كلمته، ويعود الناس الى جاهليتهم الأولى، وبقي شيعته منضوين تحت جناحه ومستنيرين بمصباحه، ولم يكن للشيعة والتشيع يومئذ مجال للظهور لأن الإسلام كان يجري على مناهجه القويمة، حتى إذا تميز الحق من الباطل، وتبين الرشد من الغي، وامتنع معاوية عن البيعة لعلي وحاربه في \" صفين\"، انضم بقية الصحابة إلى علي حتى قتل أكثرهم تحت رايته، وكان معه من عظماء أصحاب النبي(ص) ثمانون رجلا كلهم بدري عقبي كعمار بن ياسر وخزيمة ذي الشهادتين وأبي أيوب الأنصاري ونظرائهم \". لم يكتب الرواج والانتشار لنص صادر عن المرجع الإسلامي الكبير الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، لأنه يتعارض مع المناهج التي تستبد بالمؤسسات الدينية وتكاد تحتكر النتاجات الفقهية والفكرية قبل أن تتحول مؤخراً إلى مؤسسات سياسية بقي كاشف الغطاء دون الدرجات العليا في تقويمات هذه المؤسسة قياساً إلى من كانوا أقل منه علماً وعدلاً. ويسجل لكاتب السطور إنه يقود حملة منذ ثلاثين عاماً لتسليط الضوء على هذه الشخصية في مختلف جوانبها. وكان الشيخ كاشف الغطاء رائد الاتجاه الذي ساد الأوساط الإسلامية مؤخراً في تعارض حقيقي بين الإسلام والدول الاستعمارية والرأسمالية، منذ أن وضع \"المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون\". رداً على دعوة من الولايات المتحدة الأمريكية له بالاشتراك في مؤتمر إسلامي في مدينة بحمدون اللبنانية، للتنسيق المشترك ومواجهة التحديات في المنطقة. علي شريعتي: نظرية النطف الكسروية: نترك للدكتور علي شريعتي الاستفاضة في طرح وشرح ومناقشة نظريته في النطف الكسروية ولا بأس بعدها بمداخلة قد لا تبتعد عنها كثيراً. ففي ربيع الأبرار للزمخشري وهو من علماء السنة المشهورين أن لله خيرتين: من العرب بنو هاشم ومن العجم فارس. وأن الإمام زين العابدين علي بن الحسين معروف بين المحدثين بابن الخيرتين. إن الدكتور شريعتي استثمر إضطراب الرواية، وتعارضها مع بعضها للطعن بها، وإن كانت شائعة حتى يومنا هذا، عند المؤرخين ولدى القوميين الفرس والقوميين العرب. والثابت عندهم حصول سبي بنات كسرى يزدجرد، فإذا حدث ذلك في زمن عمر بن الخطاب, كما تروج الرواية فسيحدث السبي عام 18 للهجرة أو في أقصى تاريخ وهو العام 22 منها، فيكون كما يقول شريعتي ذلك سبباً في رفضها، وقد ولد الإمام علي بن الحسين في عام 38 للهجرة وقيل 37 للهجرة أي بعد الزواج المفترض بعشرين عاماً. لكن الإصرار على وقوع الأسر في زمن عمر، ينسجم مع فتح بلاد فارس في ذلك الوقت, والرغبة في صياغة حوار بين بنت كسرى أو بناته وبين الخليفة صحيح حيث تشير الرواية إلى أن بنت كسرى كانت تلعن الزمن الذي صار فيه سادة فارس أسارى تحت حكم رجل كعمر، وأن الإمام علي كان يترجم لعمر، وهذه وظيفة جديدة للإمام لم يتحدث عنها المؤرخون، ولم يُشَر إلى معرفة الإمام علي باللغة الفارسية. فإذا كانت الرواية قد أدخلته في علاقات (سرية) لا نعرفها مع بلاد فارس مكنته من إتقان الفارسية، فلم نعرف أية لغة فارسية منها كانت هذه وهم يتحدثون بأكثر من واحدة تختلف كلياً عن الأخرى. فهل أرادت الرواية أن توثق صلة الإمام بصحابي جليل كسلمان الفارسي واحتمال أنه تعلم منه لغته الأم، ولم يتحدث مؤرخ عن شيءٍ من هذا.؟. وإنما هي فرضية نفترضها. في العودة إلى الرواية، أراد عمر بيعها، فلم يوافق الإمام علي قائلاً: إن بنات الملوك لا تباع، ولو كنّ كفاراً، فأعطاها حق اختيار الزوج بنفسها فاختارت الإمام الحسين. والذي نعرفه أن كسرى يزدجر كان ينسحب من المدن، التي يحتلها المسلمون فيتراجع إلى مدينة أخرى، حتى استقر في خراسان، فتوقف الأحنف بن قيس عن ملاحقته، وبقي معزولاً في تلك الأصقاع إلى أن توفي في خلافة عثمان. فهل ترك كسرى بناته في المدائن عام 18 فأسرهن المسلمون؟ أم أنه انسحب مع عائلته وجيشه إلى ما بعد خراسان, وفي هذه الحالة، كيف أُخذت بنات كسرى أسارى؟. تقول رواية أخرى: إن اثنتين من بنات كسرى توفيتا عند النفاس، ومنهما زوجة الإمام الحسين، لكن وليدها عاش وهو زين العابدين. ويبدو أن الرواية لم تشأ ترك الإمام الحسين بلا زوجة فارسية, ولكي تستمر نظرية النطف، فقد قيل: إن بنت كسرى الأخرى تزوجت عبد الله بن عمر, وأنجبت ابنه سالم. وإن الثالثة تزوجت محمد بن أبي بكر فولدت منه القاسم. وبعد وفاة محمد بن أبي بكر تزوج الإمام الحسين أرملة بنت كسرى الثانية، وهي التي أشرفت على تربية زين العابدين. وفي رواية رابعة قيل: إن عثمان بعد فتح خراسان أخذ اثنتين فقط من بنات كسرى، وزوجهما للحسن والحسين وماتتا في النفاس. وحتى يتم التخلص من إشكالات أخرى، وتستقيم نظرية النطف، فقد زعمت رواية سادسة أن والياً للإمام علي قد حصل على اثنتين من بنات كسرى فتم زواج الحسين. وهكذا تعرضت بنات كسرى للأسر في ثلاثة عهود لثلاثة خلفاء, لكن الزوج هو الحسين في كل مرة ويشاركه شقيقه, أو ابن أبي بكر وعمر. وبعد أن أعلنوا عن وفاة بنت كسرى في النفاس، وقد وضعوا لها عدداً من الأسماء، تقدمت رواية جديدة أن بنت كسرى عاشت مع الحسين إلى معركة الطف، فألقت بنفسها في الفرات حزناً على مقتل الإمام،وطبيعي أن يروج لهذه الرواية لأنها تؤدي دوراً أكبر في ترسيخ النطف الفارسية،مما لو ماتت بنت كسرى في وقت مبكر ولم تشهد الفاجعة. تقول مصادر أخرى: إنه لم يكن أحد من أهل المدينة يرغب في نكاح الجواري حتى ولد علي بن الحسين،فصاروا يرغبون بالزواج منهن. وإذا كان الشيعة قد ذهبوا إلى الفرس بزواج الإمام الحسين من بنت كسرى, فلماذا لم تذهب العرب الأخرى بعد زواج عبد الله بن عمر ومحمد بن أبي بكر من بنتيه الأخريين إلى بلاد العجم ويصبحوا فرساً مثلما أمسى التشيع عليه في مشروع تعجيم الشيعة؟.. إن الحديث عن مصير بنات الملوك بعد الحروب يغري الرواة وناسجي القصص المثيرة منذ عهود تسبق كسرى، وحتى يومنا الذي يتحدث فيه الأستاذ محمد حسنين هيكل في تلفزيون الجزيرة عن شقيقات وبنات الملك فاروق بعد الثورة المصرية في يوليو 1952. وكنت شخصياً قد أوشكت أن أقنع الشريف المرحوم حسين بن علي والد الشريف علي بن الحسين، قبل ربع قرن لنشر قصة آخر بنات ملك الحجاز وزعيم الثورة العربية زوجته بديعة بنت الشريف الحسين بن علي، وهي الآن في العقد العاشر وما حدث لها بعد سقوط العرش الهاشمي في العراق عام 1958, فحالت أمور دون ذلك، إلى أن نشر الأستاذ فائق الشيخ علي كتاباً موسعاً عنها لم يأخذ مداه المفترض. عروس المدائن في المدينة: لم أجد مناصاً من أن أترك لقلم شريعتي وحده وبلغته المتدفقة وأصالته الإسلامية ودفاعه عن أهل البيت منقولاً عن كتابه التشيع الصفوي والتشيع العلوي يعالج أخطر رواية تداولها المؤرخون الإسلاميون وبقيت راسخة بالجذور التاريخية للتشيع الذي استقر في إيران. يروي العلامة المجلسي في بحار الأنوار(ج11 ص4) – بعد نقل أخبار حول زواج الإمام مثيرة للغثيان – إن والدة الإمام هي بنت يزدجرد التي جيء بها أسيرة في زمان الخليفة عمر، وقد أعجب بها الإمام الحسين، وتزوجها فولد له منها ابن واحد هو الإمام زين العابدين (ع)(*). من جهة نحن نعلم أن الإمام السجاد ولد عام 37هـ، أي بعد عشرين عاماً من زواج أمه من الإمام الحسين!. وقد صرحت هذه القصة بأن (شهر بانو) كانت من أسرى فتح المدائن، وأن عمر كان ينوي قتلها، ولكن الإمام علي هو الذي أنجاها من الموت، وواضح جداً أن واضعي هذه القصة هم من أنصار الشعوبية الإيرانية، وأنهم أرادوا من ذلك إظهار أن عليا(ع) كان يساند الساسانيين، ويدافع عنهم وذلك في مقابل عمر الذي كان عدوهم وهازم جيوشهم!. غير أن هؤلاء فاتهم أنهم حينما أرادوا إثبات أن الإمام السجاد هو حفيد يزدجرد وأمه شهربانو، أوقعوا أنفسهم في إشكال تاريخي عويص وهو لزوم أن يكون الإمام الحسين تزوج في العام 18 للهجرة (عمره حينها 15 سنة) بينما الإمام السجاد ولد العام 38 للهجرة، ومن المنصوص عليه أنه لم يولد له من شهر بانو سوى الإمام السجاد، وهذا يعني أنها لم تلد من الإمام الحسين إلا بعد مضي عشرين عاماً. غير أن العلامة المجلسي عندما تنبه إلى هذه المشكلة بالرواية حاول ترقيعها بالقول: إنه ليس من المستبعد أن تكون كلمة (عمر) الواردة في الرواية تصحيفاً لكلمة (عثمان) فيكون الزواج قد تم في عهد عثمان لا في عهد عمر!. والواقع أن هذه المحاولة – إذا قبلت – فإنها سوف تحل إشكال التفاوت الكبير بين وقت الزواج ووقت الولادة، ولكن إشكالا آخر أكثر إحراجا سوف يظهر فيها وهو طول المسافة الزمنية بين انكسار جيش يزدجرد وبين أسر بناته!. هذا مضافاً إلى أن الرواية تضمنت التصريح بأن الأسرى هم أسرى (المدائن) فهل يقول العلامة المجلسي أنها مصحفة أيضا؟. ويتطرق العلامة المجلسي إلى بيان اسم أم الإمام وهل هي سلامة أو خولة أو غزالة أو شاه زنان أو.. فيقول: إنهم جاءوا ببنت يزدجرد إلى المدينة وما أن وقعت عينها على عمر حتى غضبت وسبت عمر، فسبها هو أيضاً، وأمر بأن تباع شأن سائر الأسرى فاعترضه أمير المؤمنين بالقول: إن بنات الملوك لا تباع وتشترى، وإن كانوا كفاراً وأشار عليه بأن يزوجها رجلاً من المسلمين ويدفع صداقها من بيت المال! وفي ذيل هذه الرواية المنسوبة إلى الإمام الصادق، نصغي إلى الحوار الآتي بين الإمام علي وابنة يزدجرد: فقال \" جه نام داري أي كنيزك؟\" يعني ما اسمك ياصبية؟!. قالت: جهان شاه. فقال: بل شهربانويه. قالت: تلك اختي. قال:\" راست كفتي \" أي صدقت...! ويبدو أن الناقل (أو المختلق) لهذه الرواية، لم يكن يدري أن الإمام علي حتى لو سلمنا أنه تحدث معها بالفارسية، إلا أن اللغة التي كان سيتحدث بها لم تكن مفهومة عند بنت يزدجرد، وذلك لان الإمام يتحدث باللهجة الفارسية الدرية، وهي لهجة محلية لأهالي خراسان بينما كانت بنت يزدجرد تتحدث باللغة البهلوية الساسانية! هذا أولا، وثانياً أن عبارة \" أي كنيزك\" الواردة في الرواية من الواضح أنها من الاصطلاحات الرائجة في زمان (الراوي) لا في زمان الحدث. وإذا أمعنا النظر في الرواية نلاحظ شيئاً غريباً، وهو أن الإمام كان يخاطبها بالفارسية بينما هي تجيب بالعربية. والأغرب من ذلك التوجيه الذي ذكره العلامة المجلسي بإزاء تسمية الإمام لها بـ(شهربانويه) بدلاً من (جهان شاه) حيث أعزا العلامة ذلك إلى أن كلمة (شاه) هي من أسماء الله تعالى مستدلاً على ذلك بما جاء في الخبر من أن علة النهي عن الشطرنج وجود عبارة الشاه مات، ووالله أن الشاه لا يموت!!. شريعتي والعسكري: السيد مرتضى العسكري فقيه بدرجة آية الله وهو أكبر معمر بين فقهاء التشيع حالياً وسنه عبرت المئة، وهو عندي البقية الباقية من مؤرخي العصور الإسلامية كالطبري وابن الأثير واليعقوبي، حيث تتجاوز اهتماماته في التاريخ العام اهتماماته الفقهية، وهو صاحب كتاب معالم المدرستين وكتاب خمسون ومئة صحابي مختلق، والأخير على غرار كتابات طه حسين في الأدب الجاهلي. طلب السيد العسكري إلي في لقاء جمعنا في لندن منتصف الثمانينات الميلادي وبحضور السياسي العراقي سعد صالح جبر، أن أتتلمذ عليه قائلاً: إنه شديد الاعتزاز بأن أكون ثالث تلميذ له بعد السيد محمد باقر الصدر والدكتور داود العطار، وكان السيد العسكري قد أعد نقداً لكتابي في عبد الكريم قاسم، فاعتذرت له بأني من تلامذة الوردي وعارفي فضل شريعتي . فقال: وما المانع من أن يستقيم المرء بعد اعوجاج. وكان السيد العسكري قد تبنى حملة للرد على كتابات علي الوردي، ونشر كتاباً لإبطال ما جاء في وعاظ السلاطين للوردي في مطلع الخمسينات، مثلما تبنى حملة لاحقة ضد الدكتور علي شريعتي، فنشر بياناً مع فقهاء آخرين يصف شريعتي بماوصف به الوردي. ونقل شريعتي نص الهامش الذي كتبه السيد العسكري بخط يده عن البيان المذكور. وهنا نص السيد العسكري منقولاً عن التشيع العلوي والتشيع الصفوي. يقول السيد العسكري: متى كان عمر بن الخطاب شريف بني عدي، أما نسبه ففي كتاب الدرر بإسناده عن الحسن بن محبوب عن ابن الزيات عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: كانت صهاك جارية لعبد المطلب. وكانت ذات عجز وكانت ترعى الإبل وكانت من الحبشة، وكانت تميل إلى النكاح، فنظر إليها نفيل جد عمر في مرعى الإبل فوقع عليها فحملت منه بأم الخطاب، فلما ولدتها خافت من أهلها فجعلتها في صوف وألقتها بين أحشام مكة فوجدها هشام بن المغيرة بن الوليد فحملها إلى منزله وسماها بحنتمة، وكانت شيمة العرب من يربى يتيماً يتخذه ولداًَ، فلما بلغت حنتمة نظر إليها الخطاب فمال إليها وخطبها من هشام، فتزوجها، فأولد منها عمر، وكان الخطاب أباه وجده وخاله وكانت حنتمة أمه وأخته وعمته، وينسب إلى الصادق في هذا المعنى شعراً: من جــده خـاله ووالده وأمـه أختــه وعمتـه أجدر أن يبغض الوصي وأن ينكـر في الغـدير بيعـته ويواصل الدكتور علي شريعتي قائلاً: واكتفى بنقل هذا المقدار من الهوامش (العلمية) لهذه الشخصية العلمائية الصفوية، واعتقد أنها كافية لتوضيح طبيعة المنطق العلمي والديني الذي يتعاطى به رجالات التشيع الصفوي، واقتصر هنا على الإشارة إلى مفارقة طريفة وهي إنني أوعزت منزلة أبي بكر وعمر واللوبي الذي يعمل بالتنسيق معهما إلى زمان الجاهلية، أما الذين يصرون على أن أبا بكر وعمر لم يكونا قبل الإسلام سوى أولاد خدم وجامعي حطب فإنهم قد اعترفوا من حيث يشعرون أو لا يشعرون بأن الرجلين اكتسبا هذه المنزلة والمكانة من الإسلام لا من الأوضاع الاجتماعية والطبقية للجاهلية. وإذا كانت حمية شريعتي المفكر الشيعي الإيراني الفارسي على هذا القدر من العلو والتسامي والانفعال لدرأ الأذى عن عمر بن الخطاب فما الذي علي أن أقوله بعد وأي مبررات ستهدئ من روع الكتابة؟ لعلنا في مأزق يقف فيه عمر بن الخطاب حاجزاً نفسياً يقطع ما بعده ما قبله، فيستحيل مفكر ومؤرخ وفقيه بحجم مرتضى العسكري إلى سباب وشتام يدخل في أعراض الناس ولا أقول المسلمين، وأتوقف عن توصيف من جعله ابنا غير شرعي ونسب إلى أعظم أئمة الفقه الإسلامي الإمام الصادق شعراً من هذا القبيل المتردي. فما الذي سيتغير في أوساط تتلقى المعرفة بشحنة الكراهية؟ أما السباب والشتيمة فهي من أدوات الاستدلال في المنهج الصفوي. ويعقب شريعتي: إن القرآن ينهي عن السباب والشتيمة معتبراً أن الكلام الفاحش يعبر عن هبوط شخصية المتكلم قبل السامع. قال الإمام علي لأصحابه في حرب صفين: إني أكره لكم أن تكونوا سبَّابين. غير أن السباب والشتيمة يمثلان الشكل الأمثل، من أشكال الاستدلال في المنطق الصفوي. يشار إلى أن الترجمة الفارسية لكتاب نهج البلاغة تتحايل على النص عندما يتعلق بموقف ودي للإمام علي من عمر، وحتى في عبارته بمنع السب لجأ المترجم إلى التأويل قائلاً: ليس المراد من هذه العبارة هو عدم جواز شتم المخالف واللعن عليه، بل على العكس هذا واجب وتكليف. وبالعودة إلى لقائنا مع السيد العسكري في لندن فقد تناول الحديث الأوضاع السياسية في العراق وإيران، وفهمت من السياق قبل أن يسرني المرحوم صادق العطية الذي كان حاضراً هو الآخر، بأن زيارة آية الله العسكري إلى لندن تتصل بتلك الأوضاع، واحتمال إحداث انعطاف في المرجعية استعداداً لمرحلة ما بعد الإمام الخميني، واحتمال أن يكون للسيد العسكري دور في الانعطاف المفترض، لا سيما وأنه في جناح بعيداً عن اتجاهات الإمام الخميني الذي لم يعط للعسكري دوراً ما، وكانت الدائرة الصغرى حوله، تشير إليه بما يضعه في صف النظام الشامنشاهي. وبإحساس سياسي عالي الوتيرة، سارعت إلى كتابة مقال صحفي استعملت لأول مرة فيه مصطلح “العمائم البديلة” مشيراً إلى المجموعات المتطوعة للعمل في البرامج الغربية، والتي تركت طلابها الفقراء في حوزات قم، والسيدة زينب، واختارت الإقامة في دول القرار الغربي. وكان تيار عريض من المثقفين الإسلاميين الشيعة يشتركون في هذه الرؤية إزاء العمائم البديلة. وبشكل عام، فإن خطاً موجوداً بقوة داخل مؤسسة المرجعية يميل إلى التعامل الواقعي مع الدولة صاحبة القرار أو الدولة الرسمية أياً كانت ويسمى هؤلاء علماء “الحفيز” أي الأوفيس! وقد شكلوا جناحاً أثناء الثورة الإيرانية. برعاية من دولة قرار أوروبي ولهؤلاء ثلاث خصائص: ¥ الواقعية، والاعتدال، والبقاء بعيداً عن العمل الثوري الذي يتبناه فقهاء آخرون، والدعوة إلى عدم المشاركة في النشاط الوطني. ¥ تنصب فوق مستوى الحد المقبول، من العداء والكراهية للصحابة، ولعمر بن الخطاب بالذات. ¥ احتضان الأفكار والمشاريع المطروحة في السياسة الدولية. محمد باقر الصدر وشريعتي كان الإمام موسى الصدر من دعاة المشاركة الأقوياء، ومن رافضي منهج القطيعة ومنتقدي رجاله، ومروجيه، فلم يكن غريباً عليه إقامة مجلس تأبيني بوفاة الدكتور علي شريعتي، تناقلت وقائعه الصحافة اللبنانية، مما أثار استياء آية الله السيد مرتضى العسكري، فكتب إلى السيد موسى الصدر رسالة يلومه بعنف لإقامة مجلس فاتحة (للفاسق الفاجر المقبور علي شريعتي) وقاد السيد العسكري حملة ابتهاج برحيل خصمه المتنور. فكيف يجرؤ السيد الصدر على تكريمه في بيروت؟ أما موسى الصدر فكان جوابه، أنه بعث برسالة السيد العسكري كما هي مقرونة برسالة شخصية منه، إلى السيد محمد باقر الصدر في النجف الاشرف، الذي كتب بدوره رسالة تعنيف إلى السيد العسكري قائلاً له: من جعلك قيماً على الفكر الشيعي منتصراً لموقف الحزن على رحيل علي شريعتي، الذي سبق له القول بعد الاطلاع على رسالة للسيد محمد باقر الصدر في (الولاية) إن التشيع إذا طرح بهذا المفهوم فالمستقبل لهذا الطرح العظيم. والسيد محمد باقر الصدر كان في ذلك الوقت يتزعم الاتجاهات الجديدة للحوزة العلمية. وربما تنفس خصومه الصعداء لإقدام صدام حسين على إعدامه مع شقيقته بنت الهدى، فحُرم الإسلام من أخطر مفكريه المعاصرين والداعين إلى فهم جديد للتاريخ الإسلامي بما يعزز المشتركات، ويضعف المنهج التقليدي لفقهاء القطيعة بين المسلمين. إن الشيخ خير الله البصري، وهو من بناة العمل الإسلامي في العراق، يحتفظ بشهادة مثيرة حول هذا الالتباس. التشيع العراقي، والتشيع اللبناني. الفرق الملقوط بين مدرسة التشيع العراقي وشقيقتها اللبنانية أن المتنور في الأولى يطّل على الناس من خارجها، فكأن حركة التنوير تتوشج مع خيوط الانشقاق عن المؤسسة الدينية، وقد يكون المتنور رائداً علمانياً كعلي الوردي، أو تراثياً ماركسياً كهادي العلوي، ويندر أن يلتقي التنوير والانتظام في إطار الحوزة كحالة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء التي لم تتكرر في هذا الانتظام. أما في المدرسة اللبنانية، فقد يسطع نجم المتنور من مؤسسة التشيع، كما في مدرسة السيد محسن الأمين العاملي، والممتدة والمتفرعة إلى بعض أبنائه والمستقرة في حارة حريك في الضاحية الجنوبية، على عنوان السيد محمد حسين فضل الله، والواضحة المعالم في كتابات السيد هاني فحص. وتختلف المدرستان لدى الإسلاميين العراقيين واللبنانيين الذين يتغذون من الوريد الايراني، ففي الحالة العراقية يبدو الإسلاميون، وهم ألصق بجغرافيا إيران، ألصق بالمألوف التقليدي وأعراف الحوزة في تيار القطيعة، ولو أنهم تلامذةً وأحزاباً، محسوبون على الإمام الخميني وثورته. والسبب غير الواضح أن الإسلامي العراقي الشيعي قادم دائماً أو على الأكثر من سلالة دينية ذات نفوذ يستمد منها تراثه الحوزوي والعائلي، وكأنه في غنىً مادام في بركة الفيض النجفي، عن التأثر بالمدرسة الجديدة للإمام الخميني، حتى في جانبها السياسي، ولولا موقفه المتشدد من النظام العراقي في عهد صدام حسين، لكانت طرق الاتصال بالثورة الإسلامية الإيرانية أضعف مما صارت عليه في الثمانينات الميلادية كملاذ وممول لحركة المعارضة الإسلامية. والدليل أن الإسلاميين العراقيين المحسوبين حتى اللحظة على إيران يفضلون التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو عند الإمام الخميني تحالف شيطاني مريب. وفي الاتجاهات الفقهية، لم يُأخذ الإسلاميون العراقيون من مدرسة الإمام الخميني إلاّ القليل منهم رغبتها في صياغة خطاب المشاركة، وتستثنى من ذلك الجهود الخيرة للإمام السيد محمد باقر الحكيم. ويسجل على المدرسة العراقية الراهنة أنها لاتنتهي فقط إلى تراث القطيعة في التاريخ، بل إلى شيء من القطيعة مع المحيط العربي، وهو الأمر الذي يبرر بكونه استجابة طبيعية لقطيعة المحيط العربي ضد التشيع العراقي بعد تغيير النظام السياسي في نيسان 2003. ولطالما أشبعت رسائلي إلى السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله، بالإلحاح على ضرورة ميل الإسلاميين نحو جذورهم العربية، ولعله أقتنع بقبول الأفكار الدائرة حول الفصل بين العروبة والقومية العربية، وكون النبي محمد كان عربياً ولم يكن قومياً عربياً. أما المدرسة اللبنانية فهي ألصق بمحيطها العربي وبشخصيتها الوطنية. فهي مثلاً تستفيد من الوريد الإيراني وتندمج عقائدياً مع الثورة الإسلامية، لكنها تحتفظ بشيء من الاستقلالية التي ورثتها من التربية الليبرالية ومن جذور مدرسة الأمين العاملي وظروفها المحلية. وكرد على خطاب المشاركة السائد في التشيع اللبناني ظهرت كتابات في زخم تيار القطيعة وثقافتها الصفوية، فتنشر في بيروت أكثر الآراء تطرفاً ضد عمر بن الخطاب وصحابة النبي(ص). عمر بين المجلسي وشريعتي يقول علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق – الجزء الأول: إن الملا محمد باقر المجلسي الذي توفي في عام 1699، كان شديد التعصب لعقيدته، وقد أغرى الدولة باضطهاد جميع المخالفين، الذين كانوا موجودين في داخل الحدود الإيرانية، وقد أوقف الشاه الصفوي بعض أملاكه الخاصة في سبيل نسخ كتابه بحار الأنوار الذي يقع في (25) جزءاً وتوفيره للطلبة. ويُعد بحار الأنوار أضخم كتاب لدى الشيعة، وفي رأي بعض الباحثين ،والكلام للوردي، أن المجلسي أساء للتشيع بهذا الكتاب، أكثر مما نفعه؛ فهو قد جمع فيه كل ما عثر عليه من الأخبار والقصص والأساطير، لا فرق بين الغث والسمين منها، ثم وضعها في متناول كل من يريد الاغتراف منها، وجاء بعدئذ قرّاء التعزية وخطباء المنابر، فصاروا يأخذون منه ما يروق لهم، وبذا ملأوا أذهان الناس بالغلو والخرافة، وجعلوهم يحلقون في عالم من الأوهام. وقد تبنت الدولة القاجارية، هي الأخرى، هذا الكتاب فكان أول المؤلفات التي طبعت بعد دخول المطبعة الحجرية في إيران، وقد وردت إلى العراق منه نسخ كثيرة، مما أدى إلى انتشار معلوماته الغثة في أوساط الشعب العراقي على منوال ما حدث في إيران. ولك أن تختزل خمسين كتاباً صدر لجماعة \" المستبصرين \" بكونها استنسخت الكثير من تلك المعلومات في الكتب، التي صدرت لهؤلاء المتحولين. وكان الإمام الخميني قد أوقف طباعة أجزاء من موسوعة البحار حرصاً على وحدة المسلمين، وحفظ الأجيال الجديدة من تسرب تلك المعلومات إليها. والمجلسي متخصص في روايات التشهير بعمر بن الخطاب، حيث يمكن ردّ ما يتداوله الإعلاميون والمتعلمون والمتحدثون وبعض الفقهاء من معلومات حول عمر إلى مصادر المجلسي. ويشترك مع المجلسي مؤرخ موسوعي آخر، هو السيد البروجردي الكاظميني في كتابه جواهر الولاية. يقول علي شريعتي في كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي: إن المجلسي وهو أبرز وجوه التشيع الصفوي يرسم للإمام السجاد صورة أعتقد أن أعداء آل علي الذين نصبوا لهم السيف يخجلون من نسبتها إليه. فإن العزة والوقار والهيبة وإليها صفات معروفة لبني هاشم لاتنكرها حتى الجاهلية، وإن المجلسي ينقل أخباراً مثيرة للغثيان!. إن علي شريعتي يشك في علمية المجلسي، ويسخر من رواياته ويقدم نموذجاً لها قصة زواج الإمام الحسين من ابنة كسرى يزدجرد. المنهج الصفوي بدلاً من التشيع الصفوي قد نتجنب مصطلح التشيع الصفوي مااستطعنا إلى ذلك سبيلا،ً لأن فريقاً من السياسيين صاروا يلحون باستخدامه، من باب التشهير بالتشيع، في إطار مشروع تعجيم الشيعة، الذي ظهر لأول مرة أثناء الاحتلال البريطاني للعراق وتصدى الفقهاء الشيعة بشكل خاص له. ومن الأمانة العلمية أن كاتب السطور لم يكن مبتدع هذا المصطلح، حيث صدر لأول مرة من منابر حسينية إرشاد في طهران، على لسان المفكر الإسلامي الشهيد علي شريعتي، وإن كنت معنياً بالدور الصفوي في مصادرة التشيع قبل أن تترجم كتابات علي شريعتي إلى العربية بأكثر من عشر سنوات، وعندما اطلعت عليها في منتصف الثمانينات، وجدت أن المشترك بيننا يتسع باتساع الهوة ما بيننا وبين التشيع الصفوي. واكتشفت أن هذا المفكر الذي وجد ميتاً في شقته بلندن عام 1977، عن ثلاثة وأربعين عاماً، كان مثلي من المتأثرين بكتابات الدكتور علي الوردي. ومن جانب آخر يبدو الرجل وهو إيراني فارسي قح، كأنه من الدعاة القوميين العرب في منهجه الثوري الجديد، والذي دفع حياته ثمناً له. وإذا عزفنا عن استخدام مصطلح التشيع الصفوي، لذلك السبب، وأسباب أخرى فلا يعني عدم وجوده.وقد أنكر بعض المتحدثين من الإعلاميين الشيعة تقسيم التشيع إلى علوي وصفوي وقالوا بوحدته. فإذا اتفقت جدلاً مع هذا الرأي، فالراجح عندنا عدم إغفال المنهج الصفوي في البحث التاريخي، ووحدة القياس المذهبي وفي أولويات دعاته. والصفويون أسسوا أول إمبراطورية شيعية كسروية لمواجهة الدولة العثمانية، وأعطوا للفقيه سلطة ودوراً أساسياً في قيادة الدولة. وأقاموا مؤسسات ومعاهد ومجالس علمية وأعرافاً وتقاليد ليس من السهولة أن تنزاح عن تاريخ التشيع. صاحب نظرية النطف – تلميذ الخميني الكشف العلمي لانتحال رواية تزويج الإمام الحسين من بنت كسرى، وإنجابه منها الإمام علي زين العابدين، الوحيد الذي نجا من مجزرة الطف في كربلاء. وانتهت إليه الإمامة الرابعة سيصيب بالانكسار والخيبة كلاً من الفريقين المبتهجين برواية الزواج، ففي الجانب العربي يقدّم الزواج المفترض مادة تاريخية صالحة لدعاة تعجيم الشيعة. وجعل هذا الزواج سببا في الميل الشيعي لإيران(*)!. وقد بنيت على الرواية المنتحلة أحكام قومية تمس الانتماء العروبي للتشيع العراقي وسواه. وفي الجانب الفارسي يوفر الزواج مادة تاريخية صالحة لدعاة نظرية النطف، التي اكتشفها الدكتور علي شريعتي في الأساطير الإيرانية، ومن القصاصين الإيرانيين الذين لايتورعون عن إلقاء النطفة التي تمثل جوهرهم العنصري. ومظهر استمرارهم القومي، في رحم أعدائهم حفاظاً على هذا (الجوهر المقدس) من الاندثار، وقد يبادرون إلى انتحال علاقات مصاهرة من هذا القبيل، إذا أدرك صناع الأساطير أن سلالة معينة، هي في طريقها إلى الانقراض، فيمهدون إلى اختلاق قصص وأساطير لربط آخر حلقات السلسلة التي كانت هي السبب في الانقراض. وفي هذا السياق نستطيع أن نفهم الخلفيات التي تقف وراء افتعال زواج الإمام الحسين ابن بنت النبي، من شهربانو بنت الملك يزدجرد، حيث يمثل ذلك آخر محاولة يلجأ إليها الساسانيون في إنقاذ وجودهم من الانقراض. إن زواج فتى من بني هاشم بفتاة من بني يزدجرد، يعبر في الوجه الآخر من القضية، عن اقتران أول السلسلة الجديدة، بآخر حلقات السلسلة القديمة، والإمام كما قال فيه الشاعر: وإن غلاماً بين كسرى وهاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم وكأن نسبه القريشي – الهاشمي – العلوي لايؤهله لأن تناط عليه الكمالات البشرية. ولكن الأمر حصل مع الاسكندر، الذي يطيح بالسلالة الهخامنشية في إيران – ومن ثم يولد له منها أولاد وذرية، ويستمر بهم الجوهر محفوظاً، ولكن بعنوان إمبراطورية الاسكندر بعد إمبراطورية هخامنش، وقبلهم كان قوروش قد استمر وجوداً في صلب الماذيين. أما كيف تم الزواج المحمدي – الكسروي – فالقصة مستمرة: إذ سبق النبي جنوده في الوصول من المدينة إلى إيران بنفسه، لكي يعقد الصلح، وأنه دخل قصر يزدجرد قبل إسلام ابنته، وعقدها على حفيده الإمام الحسين، ثم جاءت فاطمة لتدخل كنتها في دين الإسلام. وهكذا دخل كسرى في أهل بيت الرسول، لكي تبقى القومية القديمة خالدة في المذهب الجديد، بتعبير الدكتور شريعتي ويصبح المذهب الجديد مركباً من الشاه، والنبي في نسب الإمام زين العابدين. إن الدكتور شريعتي كان سيموت بالعبقرية ميتة أبي تمام، أو يموت بالغيلة بعد الكشف الخطير، الذي لم نستعرض سوى جوانب منه. وهو ماحدث لعبقري التشيع العلوي – العربي – فيقول في النتائج المستهدفة من أسطورة الزواج الهاشمي الكسروي: 1- إظهار عمر بمنزلة العدو رقم واحد لعلي وشجب مناوأته لحامل لواء الإسلام. والحلقة الأولى في سلسلة أهل البيت وأبي الأئمة. وذلك انتقاماً من دور عمر البارز في القضاء على الدولة الساسانية، وتقويض وجودها. 2- إلقاء تبعة انقراض الدولة الساسانية على عمر لاعلى الإسلام. 3- تلقين الناس على أن الخلافة كانت تعادي السلطة الساسانية أما الإمامة فكانت بمنزلة المدافع عنها. 4- إن تسنن عمر هو عدو السلطنة الساسانية (قصة بنت يزدجرد) بينما كان علي محامياً عنها!!. 5- إن دخول إيران في الإسلام لم يقع إثر فتح المدائن بواسطة عمر، أو غزو المسلمين لإيران، بل هو نتيجة مجيء النبي وابنته فاطمة إلى المدائن ودخول قصر يزدجرد وعقد شهربانو لابنه الحسين – ومن ثم دعوتها إلى الإسلام. 6- إن يزدجرد آخر أكاسرة الساسانيين كان قد انكسر بواسطة عمر، وإن النبي هو الذي أعاد له شأنه ومكانته المرموقة بالمجتمع الإيراني. وذلك من خلال إدخاله في بيت النبي عبر أحدوثة الزواج ليصبح أحد طرفي السلسلة وطرفها الآخر هو النبوة. 7- إن بنت يزدجرد تمثل البقية الباقية من السلالة الساسانية وقد أسلمت بدعوة من فاطمة بنت النبي وزوَّجها النبي لابنه. وشفاعة علي لدى عمر نجَّت شهربانو من مخالبه. 8- إن عمر هو الذي حرم السلالة الساسانية من حق الحكم كما أنه حرم السلالة المحمدية من حق الخلافة. لم يتوقف علي شريعتي عند هذه المشارف الخطيرة. وكان لابد من أن ينتقل إلى مراحل أخرى يصبح فيها المرجع المجدد والإصلاحي الثوري في تاريخ التشيع. فقتل قبل اندلاع الثورة التي كان شريعتي مفكرها. ولم يكن ممكنا للإمام الخميني أن يقوم بدور تلميذه علي شريعتي في التصدي للمنهج الصفوي الكسروي على صعيد نظري، لكنه وفي مجمل مسالكه السياسية وفي خطابه الإعلامي بعد نجاح الثورة كان يعزز منهج الإسلام الواحد. إن المدخل الأرحب والأوضح إلى عالم الخميني. يمر أولا فوق ارض مفروشة بسجادة شريعتي، ومصنوعة من أوراقه المحمدية. علي شريعتي قتل في شقته بعد كشوفاته التاريخية والفلسفية، والقاتل ليس الشاه محمد رضا بهلوي وحده، بل معه الجماعات التي قطعت الطريق على عبقري الثورة التوحيدية، الذي كان متوقعاً له، لو عاش في الثورة أن يكون فيها المرجع المشترك الفكري لمسلمي إيران والمنطقة. استشهد علي شريعتي كما لو كان مجاهداً على الثغور في جيش الإسلام الذي أرسلته المدينة لفتح بلاد فارس غارقاً بمداد الحبر المسفوح، شاهداً وشهيداً على عدالة أهل البيت، عارفاً لامعترفاً فحسب، بالدور العمري في تحرير شعبه من نيران الشرك، وتطهير بلاده من الكسروية الصفوية، فاستحق من شيخه وإمامه الخميني إطلاق اسمه على شارع كبير في طهران وتأسيس منتدى خاص بفكره ومنهجه القويم. منبر الوائلي وهوية التشيع شكلت محاولة الوائلي تطوراً نقل المتحدث على المنبر من روزخون إلى مؤرخ أكاديمي، خرج من الحوزة الدينية ولم يخرج عليها، فكان يقدم عصارة جهده بكلام تتوازن فيه الجمل بحذر بالغ، وكرسّ الشيخ الوائلي القول بمنع أئمة أهل البيت، سبّ الصحابة، واعتمد على روايات التاريخ العام. في مؤلفات الطبري والبلاذري والمسعودي، فضلاً عن المصادر التاريخية الحديثة. وهو بين المكتبة والمحاضرة والكتاب. وقد برز له دور استثنائي، عندما كانت حرب على الأرض العراقية – الإيرانية تجرف غابات الجنود والنخيل وتزوّد الأسماك في شط العرب ونهر كارون بلحوم البشر.. وعلى الطروس وفي المكتبات ودور النشر، حرب استمرت إلى ما بعد توقف الحرب الأرضية. وقد دخل إلى ميدان الصراع متطوعون لإسعاف الفريقين، وانحدرت السجالات إلى قيعان الزيف والزلفى وامتهان الكرامات والطعن في أعراض المسلمين، وظهور مجلدات باهظة الكلفة لأسماء مجهولة، ما بين باكستان ولبنان، وعرفت جماعة \"المستبصرين\" التي كانت تواجه طعن الشيعة بطعن عمر، وترفع من شأن الإمام علي، الذي لا يحتاج إلى روافع بمنهج تنقيص الصحابة. في هذا المحتدم، وعند مزدحم الصراع، كتب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي (هوية التشيع). وكأنه كان يرد أصلاً على مرويات القطيعة. في الوقت الذي يواجه عند الطرف الآخر محاولات لتعجيم التشيع، وطعن الشيعة بإسلامهم، فقدم الوائلي أطروحته العلمية بترسيس الجذر العربي للتشيع، ومسقط رأسه الجزيرة العربية، وزعيمه هاشمي من قريش، ولسانه لسان عربي مبين، ودعوته إلى عروبة الخلافة، بخلافة الإمام القريشي، ووجوب الأذان وكتابة العقود بالعربية، فاستعرض لائحة بعلماء اللغة والنحو والصرف وهم من أهل التشيع. والوائلي صعب المراس، والأصعب في الانجرار إلى مساجلات الفرق، وكان ينأى بنفسه عن إشكالات العمل السياسي، ورفض زيارة إيران، كما رفضها كاتب السطور، مادامت الحرب قائمةً بين البلدين. وحصر حركة كتابه بالعصور الإسلامية المتقدمة، حتى لا ينزل إلى مشتجر الخلاف بعد الدولة الصفوية. وهو يبدأ مقدمة كتابه (بالصلاة والسلام على محمد وآله الأطهار، وأصحابه الأبرار والتابعين) وفي هوية التشيع الذي صدرت منه ثلاث طبعات في الثمانينات، ينقل من كتب التراجم مثلاً أن يحيى بن يعمر كان شيعياً من القائلين بتفضيل أهل البيت، من غير تنقيص لغيرهم، كما في وفيات الأعيان، وفي الاستيعاب أن أبا الطفيل عامر الليثي أدرك من حياة النبي ثماني سنوات، وقيل: إنه آخر من مات ممن أدرك النبي عن مئة عام. وكان محباً لعلي ومن أصحابه في مشاهده وكان ثقةً مضموناً، يعترف بفضل الشيخين إلاّ أنه يقدم علياً. رواد الحضارة العربية من أهل التشيع ويستعرض الشيخ الوائلي لائحة بأسماء الرواد الأوائل من بناة الحضارة العربية، ومؤسسي علومها وثقافاتها والمنسوبين إلى التشيع. وباستعراض المدونة أسماؤهم، لا تواجه قائلاً منهم بالقطيعة، وليس له نشاط سياسي خاص، ولم يتكتلوا في كوى حزبية أو طائفية ولا يعرف الواحد منهم إذا كان فعلاً من أهل التشيع أم من أهل السنة أو المعتزلة. وعلى بعضهم خلاف عند المؤرخين والتباس في انتماءاتهم، فيحسب بعضهم على هذا الفريق أو ذاك، لحياده وعلميته وتجانسه مع حركة الإمام علي وأصحابه الأوائل في حركة الدولة الراشدة. وهذه لائحة يقدمها الشيخ الوائلي في هوية التشيع لبعضهم قائلاً: فمن الرواد في علم السير والتواريخ عبد الله بن أبي رافع صاحب كتاب تسمية من شهد من الصحابة مع علي (ع)، ومحمد ابن اسحق صاحب السيرة النبوية، وجابر بن زيد الجعفي ومن الرواد في علم النحو: أبو الأسود الدؤلي، والخليل بن أحمد إمام البصريين، ومحمد بن الحسين الرواسي إمام الكوفيين وأستاذ الكسائي والفراء، وعطاء بن أبي الأسود الدؤلي، ويحيى المبرد بن يعمر العدواني، ويحيى بن زياد الفراء، وبكر بن محمد أبو عثمان المازني، ومحمد بن يزيد أبو العباس المبرد، وثعلبة بن ميمون أبو إسحق النحوي، ومحمد بن يحيى أبو بكر الصولي، وأبو علي الفارسي الحسن بن علي، والأخفش الأول أحمد بن عمران، ومحمد بن العباس أبو بكر الخوارزمي، الذي يقول عنه الثعالبي في يتيمة الدهر: نابغة الدهر وبحر الأدب وعيلم النظم والنثر وعالم الظرف والفضل، كان يجمع بين الفصاحة والبلاغة ويحاضر بأخبار العرب وأيامها ويدرس كتب اللغة والنحو والشعر، والتنوخي علي بن محمد، والمرزباني محمد بن عمران صاحب التصانيف الرائعة في علوم العربية، وملك النحاة الحسن بن هاني، ومعاذ الفراء واضع علم التصريف، وعثمان بن جني أبو الفتح وأبان بن عثمان الأحمر، ويعقوب بن السكيت صاحب إصلاح المنطق، وأبو بكر بن دريد صاحب الجمهرة، ومحمد بن عمران المرزباني صاحب المفصل في علم البيان وصفي الدين الحلي صاحب الكافية في البديع والعالم النحوي الحسين بن محمد صاحب كتاب صنعة الشعر، والخ. وعن ابن خلدون صاحب المقدمة، أن أصحاب علي عندما فاتته الخلافة اكتفوا بالتأفف والأسف. بمعنى أنه ينفي ضمنياً حركة المقاطعة وفي هذه الاستشهادات يستشرف الوائلي قيم المشاركة نائياً عن نظرية القطيعة. وعلى صعيد شخصي، كنت والشيخ الوائلي نلتقي ثنائياً، ولم يشترك معنا في دمشق بأعمال المعارضة، وكان يدعوني سراً ليقرأني قصيدةً في الحنين لبغداد. فأحفظ بعض مقاطعها. وأتمثل بها في مقابلاتي شرط عدم الإشارة إلى قائلها. وكان أول المتبرعين للمرضى والفقراء والمحتاجين. ولما أبلغه الأطباء باقتراب أجله، بعد إصابته بالسرطان، طلب حمله إلى العراق في الأسبوع الأول من سقوط النظام العراقي في نيسان 2003 فتوفي بعد يوم من وصوله وسار في موكب تشييعه ثلاثة ملايين حزين، في أكبر جنازة. فكان ذلك استفتاءً شعبياً بفضله وحياده وتوازنه، وانتصاراً لمنبر المشاركة على روزخون القطيعة. الروافض لم يطلق على أصحاب الإمام علي مصطلح الرافضة وقد شاركوا في إدارة الدولة الجديدة، لكن وصف أتباعه، وعلى وجه الدقة الشيعة، بأنهم روافض يتعارض مع أمرين: الأول ذهاب أصحاب الإمام إلى مذهب المشاركة وإنهاء القطيعة. والثاني أن الأغلبية المطلقة للمراجع السنية وأقوال أئمة المذاهب ودعاتهم حتى اليوم تؤكد بيعة الإمام علي وعدم مواصلة اعتكافه أكثر من ستة أشهر، وقيل أقل من ذلك. وهذا إقرار بأن أصحاب الإمام وشيعته لم يكونوا من الروافض، إذ لا يستقيم القول بالمشاركة والقول بالرفض. فإما أن يكونوا مشاركين، وهذا ما عليه المراجع السنية وما يقول به أهل التشيع قبل ظهور نظرية القطيعة فهم ليسوا روافض، وإما أن يكونوا مقاطعين للأبد. ويصح قول القائلين بالقطيعة، فهم روافض. ويكون أهل السنة من دعاة القطيعة لا المشاركة والقائل بالرفض هو القائل بالقطيعة. سواءً كان من أهل التسنن أم من أهل التشيع وحجم القائلين بالقطيعة سينتعش، وتتكرس نظريتهم، وتكسب دعاةً جدداً، والدليل أن الشيعة روافض، بمنطوق سني، فكيف يدعو كاتب السطور إلى نظرية المشاركة التي لا يؤيدها أهل السنة بهذا المنطوق؟. إن طعن الشيعة بمصطلح الرافضة يؤكد عدم حصول البيعة لأبي بكر وعمر، وأن الإمام علي كان بالفعل جليس البيت، لم يغادره منذ وفاة النبي حتى ظهور اسمه في مجلس الشورى. وهذا نصر مبين لما يسمونه الآن بالمنهج الصفوي القائم على رفض الإمام علي وأصحابه المشاركة في دولة أبي بكر وعمر. فيلتقي المتشدد من أهل القطيعة، وهم من يسمونهم الصفويين مع المتشددين الذين يصمون الشيعة بالروافض في الكتب والخطب والمقابلات التلفزيونية، ظانين أنهم يدفعون بهذا الكلام الأذى عن الشيخين. واصل الرافضة في قواميس اللغة (كل جندٍ تركوا قائدهم) والرافضة فرقة منهم. والرافضة فرقة من الشيعة قال الأصمعي: سمّوا بذلك، لأنهم بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له تبّرأ من الشيخين. فقال: لا.. إنهما وزيرا جدي. فتركوه ورفضوه وأرّفضوا عنه، والرافضة غير الشيعة كما الناصبة غير السنة، وكان العقاد يستخدم هذا الفصل عندما يذكر أحدهما. وإن الفقيه الشيخ أحمد الوائلي ينفي في كتابه (هوية التشيع) أن يكون أصحاب زيد طلبوا منه البراءة من الشيخين، ويهاجم قائلاً: 1- إن هؤلاء الذين طلبوا البراءة لو كانوا شيعة، فلا بد أنهم حريصون على نصر زيد وكسب المعركة ضرورة أن مصيرهم مرتبط بمصير زيد، فإذا هزم فمعنى ذلك القضاء عليهم قضاءً تاما،ً خاصة وأن خصومهم الأمويين، الذين يقتلون على الظنة والتهمة كل من يميل إلى آل أبي طالب، فما الذي دفعهم إلى خلق هذه البلبلة، التي أدت إلى انفضاض جند زيد عنه، وبالتالي إلى خسارته للمعركة فموته شهيداً على أيدي الأمويين، فلا بد أن يكون هؤلاء ليسوا من الشيعة، وإنما هم جماعة مندسة أرادت إحداث البلبلة للقضاء على زيد واحتمال كسبه للمعركة. 2- وعلى فرض التنزل والقول بوجود فرقة خاصة من رأيها رفض الشيخين، فما معنى سحب هذا اللقب على كل شيعي يوالي أهل البيت، حتى أصبح هذا الأمر من المسلمات. 3- إرادة لسحب اللقب وهو رافضي على كل شيعي، مبالغة في التشهير بهم وشحن المشاعر ضدهم، مما سنلمح كثيراً من الأمثلة له، ومما يؤيد على أنها تتمشى مع تخطيط شامل يستهدف محاصرة التشيع والتشهير به وبكل وسيلة سليمة كانت أم لا. 4- قد يقال: إنه لاشك في وجود جماعة شتّامين للصحابة، فما هو السبب في كونهم من هذا الصنف في حين تدعون أن الشتم لا تقره الشيعة ولا أئمتهم، وللجواب على هذا السؤال لا بد من الرجوع إلى مجموعة من الأسباب تشكل فعلاً عنيفاً استوجب رد الفعل. منها المطاردة والتنكيل المروع للشيعة وبالشيعة وما تعرضوا له من قتل وإبادة على الظنة والتهمة وفي أحسن الحالات الملاحقة لهم والمحاربة برزقهم ومنعهم عن عطائهم من بيت المال وفرض الضرائب عليهم وعزلهم اجتماعياً وسياسياً وبوسع القارئ الرجوع إلى التاريخ الأموي في الكوفة وغيرها من المدن الشيعية ليقف بنفسه على ما وصلت إليه الحالة وما انتهى إليه ولاة الأمويين من قسوة ومن هبوط في الإنسانية إلى مستويات يتبرأ منها في العهدين الأموي والعباسي. إن مثل هذا الاضطهاد يستلزم التنفيس عن الكبت، فقد يكون هذا التنفيس في عمل ايجابي، وقد يكون سلبياً فيلجأ إلى هذا الشتم. ولسنا نبرر ذلك بحال من الأحوال، إن الذي أسس لهذه الظاهرة هم الأمويون أنفسهم، لأنهم شتمواً الإمام علياً على المنابر ثمانين سنة، واستمر هذا الوضع حتى أن محاولة الرجل الطيب عمر بن العزيز لم تنجح في منع الشتم. 5- انتهى نص الشيخ الوائلي، فنقول: إذا كان الأمويون يشتمون على منابرهم الإمام علياً، وينتقصون أهل البيت كما في المصادر السنية بشكل عام. فهل رد الفعل على الأمويين بشتم الخلفاء الراشدين. وعمر بالذات يشتم في كتب تتوالى في الصدور بطبعات جديدة في حملة منظمة، وعلى القنوات الفضائية. فما علاقة ظلم بني العباس أبناء عمومتهم العلويين وكلاهما من الفرع الهاشمي بسب عمر وطعنه بلا هوادة ودون هدنة؟. وهل سيغضب أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل لنقد بني أمية وبني العباس؟. تنوير شيعي تنهض حركة تنويرية في الإحساء والقطيف، فيكتب الدكتور توفيق سيف في الاستبداد ونظرية السلطة في الفكر الشيعي. والدكتور فؤاد إبراهيم في الفقيه والدولة، وحمزة الحسن وزكي الميلاد في المنشور من الأبحاث وتتمحور اتجاهاتهم الفكرية نحو نظرية المشاركة أو على الأقل، تنزيه الملة من شوائب السلطنة الصفوية. يقول الدكتور فؤاد إبراهيم في كتابه المرجعي (الفقيه والدولة – الفكر السياسي الشيعي) الصادر عن المكتبة الأدبية في بيروت سنة 1988. \"إن الشاه إسماعيل الصفوي يرمي من وراء ميثولوجيا غارقة في الغيبوبة والخرافة إلى إضفاء وشاح من القدسية على سلطانة. مما يجعله جامعاً لرئاسة الدين والدولة، وبالتالي إلى انتفاء الحاجة إلى اقتسام السلطة مع العلماء. فقد جمع السلطتين الدينية والدنيوية. وإن إدماج العلماء في جهاز الدولة في أيامه لم يتجاوز مهمة ترويج التشيع وولاية الأمور الحسبية\"(*). وفي توق منه إلى تحصيل الاصطفاف الشيعي الجماهيري وكسب تعاطف رجال الدين الشيعة، قام الشاه إسماعيل باعمار المشهد العلوي في النجف، والمشهد الحسيني في كربلاء، وبناء حرم الكاظميين، وتشييد جامع الصفويين بجوار حرم الكاظم على مقربة من بغداد. وفي حقيقة الأمر أن التشيع لم يكن يعني بالنسبة للشاه إسماعيل إلا بمقدار ما يعزز سلطانه السياسي، فلم يتجاوز التشيع الصفوي في عهد الشاه إسماعيل \" مسائل سطحية استحدثها في عصره أو أحيي مواتها كاضطهاد أهل السنة وسب أعداء الشيعة في مختلف العصور وتنظيم الاحتفال بذكرى استشهاد الحسين على النحو المبالغ فيه. فتماهي الصفويين في التشيع كان في أجلى مقاصده إيجاد هوية سياسية للدولة وإضفاء مشروعية على السلطان الصفوي، ولذلك فإن الإحياء الصفوي للتشيع طال أدوات الإثارة والتعبئة لا أدوات التوعية في المذهب الشيعي، الأمر الذي افقد التشيع صورته الأصلية، حين أضفى وشاحاً من التعصب والخرافية والغيبوبة على المذهب الشيعي لجهة تحصين الدولة وضمان استقلال إيران، وتحويله في مرحلة لاحقة إلى أداة للتوسع، فالتشيع الصفوي كان سياسياً بدرجة أساس. وسنقف قليلاً عند أهم نتائج واستخلاصات دراسة العقل السياسي – الأيدلوجي الصفوي، ولعلنا نجد في تحليل د. علي شريعتي للتشيع الصفوي في جملة من كتاباته مادة ثرية ومفيدة للغاية في هذا الموضوع، وقد اظهر شريعتي كفاءة عالية، قل نظيرها في الوسط الإيراني والشيعي بوجه عام. إن التوظيف السياسي الصفوي للمذهب الشيعي في بناء الشرعية السياسية والدينية لسلطانها، وإحالة التشيع إلى أيدلوجيا قومية سياسية للدولة الصفوية، انتهت إلى شبه قطيعة مع المذهب الشيعي نفسه، بل أن الدولة الصفوية، الوارث التاريخي والمذهبي للدولة البويهية أضفت لونها الخاص على المذهب الشيعي الذي أفادت منه تحصين الدولة واستعملته خطاباً للتعبئة العامة وإن تطلب في أحيان كثيرة إضفاء مسحات عقدية مستحدثة على المذهب الشيعي كالتصوف والاعتزال، أفضت حسب د. علي شريعتي إلى نشوء \" خليط من فلسفة النظام الحاكم والروح القومية والتصوف، وأن هذا الخليط الكيماوي الذي غطي بلواء التشيع واسمه، إنما يدفع نحو الانحطاط ويبرره، وهو أعدى أعداء التشيع العلوي نفسه. هذا الخليط نفسه يؤول إلى ترويض التشيع وابتزازه، يسلب منه مضمونه الحقيقي ويحيله إلى مجرد أداة دعائية تعبوية محضة، أو حسب د. شريعتي إلى تشيع المصلحة لا تشيع الحقيقة. وقد لا نذهب مع الدكتور فؤاد ابراهيم في اعتبار الدولة الصفوية الوارث التاريخي والمذهبي للدولة البويهية في أكثر من وجه. إن اتجاهات البويهيين تتحدد برؤية زيدية ملتزمة بإمامة زيد بن علي وإقراره بخلافة أبي بكر وعمر. فيما قامت الدولة الصفوية على أساس البراءة منها وجعل سبهما بما يقابل إعلان الشهادة للمسلم. وكان موقف البويهيين إيجابياً من الدولة العباسية. على الأقل في استمرار عمل الخليفة. وثالث الفروق بينهما، أن البويهيين وإن استحدثوا بعض الطقوس الحسينية، فقد كانوا أقرب إلى فهم الحضارة العربية فاندمجوا بها. إن الصفويين كانوا مؤسسي تيار القطيعة، والبويهيون دعاة مشاركة. هاشم الحسني: كسر القطيعة و بواقعية الإمام على خلاف غالبية مؤرخي القطيعة من المرتبطين بالمؤسسة الدينية، ينفرد المؤرخ هاشم معروف الحسني بموقف ثالث ويكسر مناهج القطيعة ويقر بعلاقات طيبة بين الإمام علي وعمر بن الخطاب ويطرح مسوغاً للإمام علي على ضوء مبدأ الأمر الواقع وأخلاقيات الإمام ومسؤوليته الشرعية إزاء صراع الإسلام مع الإمبراطوريات المجاورة. وهذه مرتبة متقدمة في الكتابات عند مؤرخي التشيع الملتزمين بمناهجه التقليدية والتزامه بالمقولات الشيعية المصادق عليها. لكنه لا يقول بالقطيعة ولا يضع الإمام في معتكف العزلة جليس البيت ثلاثة عشر عاماً حسب روايات أهل القطيعة، و لايذهب برواية كسر ضلع الزهراء إلى مراتب عليا، لكنه يشير إلى ضرر أو أضرار أوقعها عمر بن الخطاب بابنة النبي (ص) لعدم أخذه بالوصية وحرمان ابن عمها من الخلافة الأولى وموافقة أبي بكر وعمر وفاطمة الزهراء عند مرضها، لكنه يستخدم السيناريو التقليدي، الذي لايقلل من أهمية الاعتراف بوقوع الزيارة وحديث أبي بكر للزهراء. وفي ما يشبه الاقتحام وبحمية علوية في الرد الضمني على القائلين بعزلة الامام والمسلمون يواجهون الامبراطوريات ويقيمون دولة كبرى في الشرق يقول المؤرخ الحسني: ”أما أمير المؤمنيين(ع) فلم ينقل أحد من المؤرخين أنه وقف موقف المعارض لخلافة ابن الخطاب، أو بدا منه ما يسيء إلى صلاته به، بل رضي لنفسه أن يكون كغيره من الناس، لا يذكر لمن مضى ولمن جاء من بعده إلا المحاسن، ولا ينطق إلا بلسان البررة الأطهار، يمنحه النصيحة ويزوده برأيه كلما أشكل عليه أمر من الأمور أو طرأ حادث جديد لم يسبق له نظير في حياتهم من قبل تسيره مصلحة الإسلام وحدها ولا ينظر إلى الحكم والحاكمين إلا من هذه الزاوية، ومادام الإسلام يسير بتلك السرعة في ماوراء حدود الحجاز وعروش أولئك الحكام تتهاوى تحت أقدام الفاتحين، وأصوات المؤذنين تنطلق من الأعالي والسهول ومن على سطح الكنائس ومن كل مكان، مادام الإسلام يسير بتلك السرعة والمسلمون بخير لا يهمه من تولى الحكم وكيف تولاه، وطالما كان يردد على مسامع الناس ويلقي عليهم من دروسه الرائعة، والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلا عليّ خاصة. لقد ساهم أمير المؤمنين في الحياة العامة ما وسعه، وأدى ما عليه للجمهور من تعليم وتفقيه وقضاء على مدى أوسع مما أداه في عهد أبي بكر حيث اقتضت الظروف ذلك. ويحدث التاريخ عن عمر بن الخطاب بأنه كان يحترم قوله، ويقف عند رأيه حتى في غير التشريع، ويقول: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن، وتنص المرويات على أن أمير المؤمنين هو الذي وضع للمسلمين تاريخهم الذي أرخوا به و لايزال حتى اليوم. ولقد جاء في ذلك أن رجلاً جاء إلى ابن الخطاب يخاصم آخر ببدين له عليه ومعه صك مكتوب فيه استحقاق أصل المال وأنه يستحق شعبان، فلما ألقى بصره عليه أدرك مواضع النقص وتوجه إلى الدائن يسأله أي شعبان هذا؟ أشعبان هذه السنة أم التي بعدها. وأجابه الطرف الآخر، ولكنه لم يكن ليطمئن لقوله مادام كل منهما يدعي أمراً والكتابة لم تنص بصراحة على تاريخ الأداء، والناس يوم ذاك لم يكن لديهم تاريخ خاص فكان بعضهم يؤرخ بعام الفيل، وآخرون يعتمدون تاريخ الدولة المجاورة لهم، فأجمع رأي ابن الخطاب على أن يضع للمسلمين تاريخاً يعتمدونه في أمورهم، فجمع الصحابة ليقف على رأيهم في هذا الموضوع واختلفت آراؤهم في ذلك أشد الاختلاف، وكادوا أن يتفرقوا بدون أن ينتهوا إلى نتيجة حاسمة، لولا أن علياً(ع) قد أقبل عليهم بالمعهود من رأيه السديد، واتجه إليه ابن الخطاب يسأله، فقال(ع) نؤرخ بهجرة الرسول من مكة إلى المدينة، فأعجب عمر بن الخطاب برأيه وهتف يقول: لازلت موفقاً يا أبا الحسن. واقترن رأيه هذا بإعجاب الحضور أيضاً لأن هجرة الرسول كانت البداية لانتصار الإسلام على الشرك وحدثاً تاريخياً لعله من أبرز الأحداث في تاريخ الدعوة من حيث نتائجه، يذكرنا بالتضحيات الجسام التي قدمها علي بن أبي طالب لينتشر الإسلام في شرق الأرض وغربها. وجاء في شرح النهج عن الحسن بن محمد السبتي أنه قرأ في كتاب أن عمر بن الخطاب نزلت به نازلة فقام لها وقعد لمن عنده من الحضور: يا معشر من حضر ما تقولون في هذا الأمر، فقالوا يا أمير المؤمنين: أنت المنفزع، فغضب وقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً} أما والله إني وإياكم لنعلم بجدتها والخبير بها، فقالوا: كأنك أردت علي بن أبي طالب، فقال: وأنى يعدل بي عنه، وهل طفحت حرة بمثله؟ قالوا فلو دعوته يا أمير المؤمنين، فقال: هيهات أن هناك شمخاً من هاشم وأثره من علم ولحمة من رسول الله، إن علياً يؤتى ولا يأتي فامضوا بنا إليه فمضوا نحوه. لقد كان علي(ع) يتمنى أن يكون ولو جندياً مع أولئك الغزاة إلى ماوراء الحدود وما داموا يحملون إلى تلك البلاد رسالة محمد(ص) التي كان يفنى في سبيلها ولا يفكر بغيرها، ولا يضره إذا تحققت أهدافه أن يكون أميراً أو مأموراً، وطالما كان يرمي بنظراته تلك الجموع المدججة بالسلاح تودع المدينة في طريقها لخارج الحجاز ويتمنى لو يتاح له أن يكون معهم حيث يريدون ولكن ذلك كان محظوراً عليه وعلى غيره من كبار الصحابة فيعود طاوياً قلبه على هم جديد فوق ماطواه عليه من هموم وأحزان. لقد اختزل الحسني في هذا النص عناصر منهج آخر يتعارض مع فكر القطيعة ومروياتها ومخيلتها، فالإمام علي في هذه الرؤية التي يتبناها كتابنا هي موقع الإمام علي في نفس عمر وتقويمه له شامخاً عزيزاً. وفي المقارنة بين صورة الإمام علي عند عمر وصورته عند أهل القطيعة قبل وبعد أن تلتقطها الدولة الصفوية، فتنزل بالإمام علي منازل تمس أنفته، وهو على حمار ووراءه فاطمة، يطرق أبواب الأنصار وحوله ولداه الحسن والحسين فإلى أي مشهد ينتهي مريدو الإمام والسائرون على مدرسة أهل البيت، أعلى حمارٍ في جنح الليل وحيداً إلا من ابنة الرسول وابنيه يبحث عن نصير فلا يستجيب له أحدٌ من الأنصار أم هو في ضمير عمر ووجدانه (يُؤتى ولا يأتي) ؟. التشيّع العلماني على مذهب المصريين المدرسة المصرية عند العلمانيين العراقيين من أصول شيعية علي الوردي رائداً يحدد الدكتور علي الوردي ثنائية الانقسام بفصل موسع من كتابه (مهزلة العقل البشري).على ضوء قوانين علم الاجتماع، وببساطة وعفويّة وبحياد وشجاعة رائدة مما يوجبُ علينا التوقف عن السرد والاستطراد، لنفسح المجال لرؤية الوردي أن تأخذ مداها الكامل، باعتباره أول عالم اجتماع وأديب ينتسب إلى أسرة شيعية فيسخر من المنهج الصفوي ورواياته مثلما ينتقد المنهج الأموي في تفسير التاريخ الإسلامي، والذي يبدو أن علي شريعتي، قد تأثر بمنهج الوردي أو أن الوردي هو الذي أيقظ في روح هذا المفكر عنفوان الاحتجاج والتمرد. يقول علي الوردي: أصبح النزاع بين الشيعة وأهل السنة في العصور المتأخرة، كأنه نزاع بين علي وعمر. وصار الناس يطلقون على الشيعة اسم \"ربع علي\" وعلى أهل السنة \" ربع عمر\". وظهر هذا بجلاءٍ في العراق في العهد العثماني يوم كان التنافس شديداً بين الصفويين والعثمانيين. وانهمك العوام في هذا الموضوع انهماكاً غريباً حتى خيل للناظر أن علياً وعمر كانا في حياتهما متباغضين تباغضاً عنيفاً. وأخذ المداحون والقصاصون يزيدون في النار لهيباً. فكان كل فريق منهم يبالغ في تبيان فضائل صاحبه ليكسف بها فضائل خصمه المزعوم. ومن يدرس الكتب التي تخرجها المطابع في أيامنا هذه حول هذا الموضوع يجد أثر ذلك واضحاً. ولا يجب أن نضع أصابعنا على ما جاء في هذه الكتب، لكي لا نزيد في الطنبور نغمة جديدة. ومشكلة العقل البشري أنه إذا ركّز انتباهه على مناقب شخص أو على مثالبه، استطاع أن يأتي منها بشيءٍ كثير. فهو إذا أحبّ شخصاً استطاع أن يجعل كل أعماله مناقب، وإذا أبغضه حولها إلى مثالب. وهذا أمر نلاحظه في حياتنا اليومية. فالمحبوب هو فاضل في جميع أعماله وأقواله. وإذا رأينا منه شيئاً يستوجب المذمة أو اللوم لجأنا إلى منطق التبرير والتسويغ وقلبناه إلى حق لا مراء فيه. سألني بعض الأجانب عن هذا النزاع بين علي وعمر، ما هو مصدره ومنشؤه؟ وهذا السؤال له أهميته الاجتماعية. فالأجانب حين يقرأون تاريخ الإسلام الأول يجدون الصفاء تاماً بين علي وعمر. فقد تزوج عمر من ابنة علي، وتولى أصحاب علي الولايات المهمة في عهد عمر. وكان عمر يستشير علياً في كثير من القضايا ويمدحه، كذلك كان علي يمدح عمر في حياته وبعد مماته كما جاء في نهج البلاغة. فما هو السبب الذي جعلهما متباعدين بعد موتهما بينما كانا في حياتهما متقاربين تقارباً واضحاً؟ هنا يأتي الافلاطونيون فيحاولون أن يفسروا هذه الظاهرة الاجتماعية العجيبة بمنطقهم البالي العتيق. يقول فريق منهم: \"إن السبب كله راجع إلى الملعون بن الملعون عبد الله بن سبأ، فهو الذي صوّر علياً بصورة المبغض لعمر، وهو الذي هدم الإسلام بهذا التفريق الشائن\". ويأتي الفريق الآخر فيقول: \"كلا وألف كلا إن السبب هو عمر نفسه. إذ كان يكره علياً كراهة عميقة ويريد الإضرار به والانتقاص من فضله الذي كان كالشمس في رابعة النهار \". إن البحوث الاجتماعية تخالف هذين الرأيين معاً. فالرأي الأول تافه لا يعتد به. فليس من السهل على شخص واحد، مهما كان عبقرياً في دهائه وحيلته، أن يعبث بالإسلام ذلك العبث الهائل، دون أن يصده صاد أو يعاقبه أحد. أما الرأي الثاني فهو سخيف لا تقره وقائع التاريخ فلو كان عمر يكره علياً كرها شديداً لما تزوج من ابنته ولما ولّى أصحابه في الولايات المهمة. لا ننكر أنه قد حدث شيء من الخصومة والمنابذة بين علي وعمر بعد وفاة النبي مباشرة، لاسيما في حياة السيدة فاطمة. وقد أشار إلى ذلك كثير من المؤرخين. ولكن ذلك كان أمراً مؤقتاً انتهى بموت فاطمة كما هو معروف. حيث يقول بعض الغلاة: إن علياً كان يداري بعمر من باب التقية وأنه رضي بتزويج ابنته منه بعد أن هدده عمر تهديداً شديداً. وذهب بعضهم إلى القول بأن عمر لم يتزوج ابنة علي بالذات، إنما تزوج امرأة من الجن على صورتها بينما كانت ابنة علي لا تزال في بيت أبيها عذراء. إن هذه الأقاويل يمكن أن يتحدث العوام بها في المقاهي، ولكنها غير جديرة أن تطرح على بساط البحث العلمي. الواقع أن علياً وعمر وأبا بكر كانوا من حزب واحد، وهو حزب الثورة المحمدية. ولهذا وجدناهم يناوئون قريشاً ويفضلون عليها سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي. أما ما حدث بينهم من خصومة طفيفة في يوم من الأيام فلا يستوجب أن يكون شعاراً لنزاع اجتماعي عام يقتل الناس فيه ويتلاعنون. من الحقائق التي يجب أن يفهمها هؤلاء المغفلون: أن عمر وعلياً كانا من حزب واحد واتجاه متقارب. ولا يستطيع أي مؤرخ أن ينكر أن أصحاب علي أيدوا عمر في خلافته كما أن أصحاب عمر أيدوا علي في خلافته. فالصحابة الذين اشتهروا بالتشيع لعلي كانوا في عهد عمر عمالاً وقُواداً يأتمرون بأمر الخليفة ويخدمون الإسلام بالتعاون معه. نخص بالذكر منهم: عمار بن ياسر وسلمان الفارسي والبراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وحجر بن عدى وهاشم المرقال ومالك الأشتر والأحنف بن قيس وعدى بن حاتم الطائي. وعندما سافر عمر إلى الشام ولّى علياً مكانه في المدينة. ونجد من الناحية الأخرى أن الذين بايعوا عمر وآزروه في خلافته هم أنفسهم الذين بايعوا علياً بعد ذلك وقاتلوا تحت رايته. بايع علياً أكثر المهاجرين والأنصار. وهذا أمر لا مجال للشك فيه. وقد صرح علي غير مرة أنه بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر من قبل. فلم يرد عليه أو يكذب دعواه أحد. يقول الألوسي: إن ثمانمائة من أصحاب بيعة الرضوان كانوا يقاتلون معاوية تحت راية علي في صفين. وقد قتل منهم ثلاثمائة. وأصحاب بيعة الرضوان هؤلاء هم نخبة الصحابة وقوام المهاجرين والأنصار. وقد حدثت بيعة الرضوان في عام الحديبية حيث جدد المهاجرون والأنصار بيعتهم للنبي وعزموا على الموت. وهم إذن يختلفون عن أولئك الناس الذين دخلوا الإسلام بعد الفتح وكان كثير منهم منافقين، حيث أسلموا رهبة أو رغبة. إن هذه الوثائق التاريخية الصارخة يجب أن تكون موضع نظر لدى الشيعة وأهل السنة. وعليهم أن يفهموها قبل أن ينشغلوا بجدلهم العقيم الذي لا طائل وراءه. ماركسي وعلماني.. ونموذجه عمري !. وجدت في حياة شقيقي هادي العلوي أكثر من عشرين خصلة مستلهمة من تراث عمر بن الخطاب، عثرت عليها فيما بعد أثناء دراستي له. أوشك هادي أن يمزق ستائر منزلي في الشام، كما مزق عمر ستائر يزيد بن أبي سفيان يوم قدم إلى الشام. ورفض هادي أن يركب معي في سيارتي، قائلاً: إن عمر بن الخطاب كان يحرم على نفسه ركوب البرذون، وهي نوع من الحمير والبغال العالية والمدربة والمفضلة عند الأغنياء، وقال: إنها تقابل المرسيدس في أيامنا هذه، ولو كان عمر حياً لما فضل غير السيارات الروسية، ولحرّم امتطاء السيارات الفارهة. وجاءني مرة طالباً أن أشتري منه كيساً من الرز البسمتي الممتاز الذي اعتاد أن يبعثه صديقه من البحرين فيتقبله على ألا يدخل بيته ويفرض عليّ شراءه بثمنه ما يزيد على (300) كيلو من الرز التايلندي الشعبي، ليوزعه على عوائل عراقية في حي السيدة زينب على أن أقوم أنا بالتوزيع، وهو معي. وكان يقول للإسلاميين هناك: لماذا لا توزعون بطونكم وتتشبهون بعلي إن كنتم من مدرسة أهل البيت. ولا أقول عمر لبعده وبعدكم عنه؟. وكان يشير بذلك إلى رواية تقول: إن عمر بن الخطاب كان يذهب إلى القصاب الذي يدير (ملحمة) كبيرة تابعة للزبير بن العوام وهي الوحيدة في المدينة، فإذا رأى رجلاً اشترى لحماً يومين متتاليين ضربه بالدرة قائلاً: ألا طويت بطنك لجارك وابن عمك؟. وطلب إليّ مرةً أن استنسخ على الآلة الكاتبة نسخاً من تعاليم عمر وتعريفه بأصحاب الكروش كما يسميهم الماركسيون، وهم المبطانون بمصطلح العرب. أيها الناس إياكم والبطنة عن الطعام فإنها مكسلة عن الصلاة، مفسدة للجسم، مورثة للسقم وعليكم بالقصد في قوتكم، فإنه أدنى من الصلاح. ويذكر ابن الجوزي كما يقول الصلابي أن عمر رأى رجلاً عظيم البطن، فقال: ما هذا؟ قال: بركة من الله. فقال عمر: بل عذاب من الله. وكان الجواهري يستلهم عمر بصب العذاب على تلك الكروش في قصيدته. (أطبق دجى): أطبق على هذي الكروش يمُطِّها شـحمٌ مـذاب وينتقد هادي العلوي موقف أغنياء التشيع ومؤسساتهم الدينية إزاء العراقيين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، فانتزعت أموالهم ونهبت محلاتهم التجارية، وشرّد الآخرون لأسباب سياسية فتشاركوا العيش في غرف مظلمة في حي السيدة زينب بالشام. وكأنهم دخلوا في سنواتهم إلى عام الرمادة المستمر سوى أنهم رعية بلا راع، وفقراء بلا عمر، وشيعة بلا علي. وكأنه يشـير إلى موائـد عمـر في عام الرمادة، التي اتسعت لعشرة آلاف، فضلاً عن (50) ألفاً يرسل إليهم الطعام في المدينة، فيما عشرات الآلاف من العراقيين لم يجدوا في رمضان مايكسرون به الصوم في ساعة الإفطار. وموائد ممثلي بعض المرجعيات الدينية، لا ترقى إليها سوى موائد الأمويين في عزّ خلافتهم. وهادي العلوي يطبق على نفسه معتقداته الفكرية، فإذا دوّن نصاً في الزهد سارع إلى الأخذ به في حياته البسيطة، وكان يقرّ بنظرية القدوة. والنموذج المشع والمؤثر في المجتمع. ويعطي لعمر بن الخطاب نصيباً أوفر للنموذج الجاذب وفي أبحاثه النظرية تلتحم السير المحمدية مع بعضها في ثلاثية أبي بكر وعمر وعلي. يقول في كتابه \"خلاصات في السياسة والفكر السياسي في الإسلام\": فهناك نصوص تتحدث عن تفاعل أحادي بين الدولة والمجتمع يترتب عليه تغير متناسب في أخلاقية الشعب باتجاه السياسة الرسمية السائدة. ويحدث التغير من خلال تأثير ميكانيكي يعتمد على فكرة النموذج والقدوة. وعن ابن الأثير يقول هادي العلوي: كان الوليد بن عبد الملك صاحب بناء واتخاذ المصانع والضياع، فكان الناس يلتقون في زمانه فيسأل بعضهم بعضاً عن البناء. وكان سليمان صاحب طعام ونكاح فكان الناس يسأل بعضهم بعضاً عن النكاح والطعام. وكان عمر بن عبد العزيز صاحب عبادة فكان الناس يسأل بعضهم بعضاً عن الخبر: وماوردك الليلة وكم تحفظ من القرآن وكم تصوم من الشهر..؟ يريد ابن الأثير من هذه الحكاية، التي لا تخلو من مبالغة، تأكيد تبعية سلوك الناس للخليفة، بوصفه قدوة لهم. والتبعية هنا مباشرة وبسيطة تتمثل في ملاحظة سلوك الخليفة والاقتداء به عن وعي وقصد. وترجع فكرة القدوة إلى وقت مبكر، وقد نص القرآن على ضرورة الاقتداء بالنبي(ص) كأسوة حسنة للمؤمنين، تبصرهم بأبعاد السلوك المثالي. وهناك تصور مقارب يرد في روايات من عهد عمر. ففي الطبري: لما جيء بسيف كسرى ومنطقته وزِبرِجه إلى عمر قال: إن قوماً أدوا هذا لذوو أمانة.\" فعقب علي بن أبي طالب: \" إنك عففت فعفت الرعية\". ويتردد رأي في نفس المعنى يقول ابن سعد وابن الجوزي: إن عمر كتب به في جملة وصاياه إلى عماله. وإحدى صيغه تقول:\" إن الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإذا رتع الإمام رتعوا \" وتصدر هذه الملاحظات عن فكرة القدوة، فرجل الحكم إذا كان نزيهاً لزم الناس – ومنهم المسؤولون الثانويون- جانب العفة. وإذا كان سارقاً فلنا أن نتوقع أن يكون الناس سراقاً مثله (هل يحتاج العربي المعاصر إلى دليل نظري على صحة هذه القاعدة؟). وهنا ترتد سياسة السلطة على المجتمع، فتكسبه صبغتها الخاصة بها. بهذا المعنى ترد عبارة ينسبها ابن شعبة إلى علي بن أبي طالب تقول:\" الناس بأمرائهم أشبه منهم بآبائهم..\". الخليلي والشرقي والجواهري : إن حركة التنوير في سلالات التشيع العراقي المعاصر لم تتوقف عند الدكتور علي الوردي الذي ظهرت كتاباته في وقت متقارب مع الإعلان الشيعي الأول الفريد الصادر عن المرجع الكبير محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه (أصل الشيعة وأصولها) في مطلع الخمسينات، حول مبايعة الإمام علي الشيخين والعمل المشترك معهما. ولو أتيح لباحث أن يتخصص بهذا الحقل لاتسعت أمامه فرص الكتابة لتشمل باحثين وشعراء كجعفر الخليلي والشيخ علي الشرقي والمؤرخ هاشم معروف الحسني، والشيخ عبد الله النعمة ومحسن الأمين العاملي في لبنان. إن جعفر الخليلي مثلاً وضع موسوعة العتبات المقدسة، وصارت مرجعاً للدراسات الدينية والأكاديمية، لكنه لم يوفق في تعميم نموذجه المستقل في الأوساط الدينية التي كان قريباً منها. أما الشيخ علي الشرقي، وهو فقيه وكان أستاذاً للجواهري، وابن عمته فلم يقترب من النزاعات الطائفية، وبقي بعيداًَ عن منهج نقد الصحابة، وكان يرى من الأفضل للأجيال القادمة، وللمجتمع الإسلامي المعاصر أن ينأى عن دوران الحديث حول الخلافات التي حصلت في العصور الإسلامية واجترار روايات النزاع قائلاً: وخل واقعة الجملوالنحل تعمل للعسلأرأيت مزرعـــة البصـل ؟ دع عنك مروان الحمارللسع نعمل دائماًبلـــدي رؤوس كــــله أما الجواهري، أهم شاعر في تاريخ العرب المعاصر، وهو نجفي من سلالة فقهاء، فقد نأى بنفسه عن تداول لغة النزاع، وتأخذ الحوزات العلمية عليه أنه لم يلتفت مرة خلال ثمانين عاماً من تجربته الشعرية إلى القبب الذهبية حوله فيشير إليها بقصيدة أو بيت أو شطر. وفي استقرائي الخاص، أنه كان يفضل أي مدينة في العالم على مدينته ومسقط رأسه النجف، مما حداني إلى إثارة هذا الجانب في جلسة تلفزيونية نقلت من بغداد عام 1969، واشترك فيها علامة النحو الكوفي الدكتور مهدي المخزومي، والشاعران شاذل طاقة وشفيق الكمالي، وكاتب السطور بالإضافة إلى مدير الجلسة، إذ قلت: إن الجواهري نجفي عاق، وعقوقه هي التي أنجبت شاعراً من هذا الطراز. وبشكل عام، فقد تحرر الكتاب القوميون واليساريون الشيعة من عقدة عمر في ميراثهم الطويل، كما تجاوزتها دوائر الصراع، ونأى عنها في وقت مبكر، الزعيم السياسي ورئيس المجمع اللغوي العراقي الشيخ محمد رضا الشبيبي وشقيقه الشاعر محمد باقر الشبيبي والدكتور عبد الرزاق محي الدين، وهم في دائرة التشيع الديني لكنهم لم يقتربوا من تدوين ذلك في كتاب أو مقالة. من تجارب المشاركة العلوية العمرية بعد أن انتهى الإمام الخميني من تأسيس جمهوريته العلوية، وجدنا التجربة العمرية شاخصة. جمهورية الخميني العلوية والتجربة العمرية في تاريخ الفقه الشيعي الحديث ينفرد المفكر الفقيه الإيراني شيخ الإسلام محمد حسين النائيني ـ نزيل النجف في العراق ـ برأي خطير، وهو يدلل على مشروعية تولي غير المجتهدين للسلطة الإسلامية، فيقرر، كما يقول المفكر السعودي الشيعي توفيق السيف(*)، ترجيح رأي الولي النوعي، في مجال عمله ومشروعية عمله تبعاً لترجيحاته اذا كان مأذونا في الولاية. إن الولي النوعي المقصود هنا هو صاحب الكفاءة، الذي يتولى عملا من أعمال الدولة، فيكون صاحب اختصاص فيه. وهذا مشابه لما ذهب إليه قليل من الفقهاء الذين اشترطوا الخبرة النوعية في صاحب الولاية مثل كاشف الغطاء والخميني. وفي هذا الرأي اعتراف ضمني، وإن لم يُصرح به بصواب نظرية عمر بن الخطاب في اعتماد (غير المجتهدين) ولاة وأمراء ممن يطلق عليهم الشيخ النائيني في رسالته المثيرة: (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) الولي النوعي. ويفهم الدكتور توفيق السيف أن الخبرة النوعية في أمر الولاية مقدمة على الاجتهاد في الفقه بالمعنى المتداول مع الاحتياط ونيل الأذن من الفقيه الأعلى. أصدر عمر بن الخطاب بعد الإطاحة بالسلالة الكسروية، أمراً أبلغه سعد بن أبي وقاص يستصفي ماكان لآل كسرى، ومن لجّ معهم من الدهاقين والقادة، من أموال، ووجد عمر كما يقول محمود شلبي في كتابه حياة عمر، طبقتين في بلاد فارس، عالية شامخة ظالمة تمتلك كثيراً. وأغلبية مستضعفة لا تمتلك شيئا، فصادر أملاك آل كسرى وأملاك الكبراء والأمراء والدهاقين، فأصبحت تلك الأملاك ملكاً للدولة، لا يجوز التعامل فيه، ولا بيعه، ولاشراؤه، حبساً على منفعة الناس، وكانت تلك من قرارات التأميم المبكرة في تاريخ البشرية، كما اعتبر الأراضي الزراعية المؤممة ملكاً خاصاً للدولة يعمل فيها الفلاحون القدماء أنفسهم، وجعل المنافع العامة من مجاري المياه وسلك البريد ملكاً عاماً أيضاً. وأقول كشاهد ومراقب لتاريخ الثورة الإسلامية في إيران، إن الخميني طبق هذه الإجراءات عند إطاحته بنظام كسرى بحذافيرها، فصادر ممتلكات الأسرة الكسروية ووزع أراضي الإقطاعيين على الفلاحين، وجعلها أملاكاً للدولة، رغم أن صعوبات واجهته من داخل المؤسسة في المضي بمشروع الثورة الزراعية. ليس تشابه التجربتين والمرحلتين، وكلتاهما أدت لتحويل بلاد فارس من نظام كسروي إلى نظام إسلامي، مقتصراً على السلوك الخاص والسمات الشخصية كالورع والزهد والتواضع وإنما في تشابه الإجراءات كما أسلفنا. ونضيف أن الخميني لم يوصِ بدور لابنه في خلافته، وإنما ترك الأمر لمجلس الخبراء، الذي يشبه مجلس الشورى عند عمر، وكما أُبعد عبد الله بن عمر عن دور أساسي في اختيار الخلف، أبعد أحمد الخميني عن دور له حسب وصية والده. وتوفي عمر، ولم يترك إرثاً لأحد من ابناءه، وهو الذي كانت عليه عائلة الخميني بعد رحيله. وعلى ما كانت عليه مهابة عمر وعلو مكانته مؤسساً لأول دولة عربية بالخارطة الحالية للوطن العربي، وعلى ما فيه من شجاعة ونفوذ، فقد سمحت بعض قوى العراق ومحلات بغدادية بجعله شخصية كاريكاتورية، ومادة للكوميديا الجاهلية، تغري الصبيان والسوقة بتسخيفه والضحك عليه، سُمح أيضاً، وفي البلد نفسه، لأن يتحول الخميني بتقواه ومهابته وشجاعته وزهده وعزمه، إلى مادة للكوميديا، في مسرحيات يشترك فيها سقطة القوم بسفسان الكلام. ولو كان الخميني في دوره هذا فقيهاً عربياً سنياً، وثورته في بلد عربي سني، لنعمت الأمة بعصر جديد من العصور المحمدية العلوية، وقد أحال بينه وبين هذا الحلم أنه إيراني، والمنطقة عربية، وشيعي والمنطقة سنية، ولهذا كنت أكرر القول في نشاطي السياسي والإعلامي، إن حرب النيابة الأمريكية لتحجيم ثورة الخميني لم تكن ضرورية، فهذه الثورة محجمة بالعاملين إياهما، ومحددة الحركة بحدود إيران، وبالحجم السكاني للمسلمين الشيعة في المحيط السني الواسع. وفي الختام سيكون الاعتراف أو السؤال: بأن الخميني، مادام من أتباع الإمام علي، فلم جعلتم مشترك إجراءاته شبيهاً لسنة عمر ونهجه، ولماذا قد أقحمنا عمر فيها. فأقول: إن الجواب هو السؤال فحيثما كان الفقيه ملتزما بالسياسة الإسلامية، مقيداً بقيودها، فسيكون صعباً تصنيف اتجاهات الدولة إلى علوية وعمرية، لتوحدهما بتوحد المصدر. وسيكون في الوقت ذاته، سهلاً على المصنفين أن ينسبوا المنهج السياسي وأسلوب الحكم إلى أي منهما، فيكون محسوباً على الإمام علي أم على عمر بن الخطاب. وسيكون من باب التوفيق، والإصابة لمنهج الكتاب، وعنوانه، ومضمونه أن العلوي الخالص لوجه الله والمحمدي المتصل بعقيدته هو العمري الخالص لوجه الله المتصل بعقيدته. وفي سوى ذلك، فالمسلمون على نهج التنقيص، سواء كان المستهدف علياً أم عمر. إن التركيز على هذا الفصل هو خلاصة هذا المنهج، الذي يأبى المتنقصون من الطرفين أن يطلوا عليه بروح محمدية وبروح الحياد المنهجي. ولو كان حكام العراق على هذا الفهم، أو لو كانوا عمريين، لحافظوا على إبقاء الخميني في ظاهر الكوفة، يقود المسلمين من العراق كما فعل عمر من قبل، لا أن يطرد إلى بلد غير عربي، وغير مسلم، فتفقد الكوفة دوراً مفصلياً لها، كان يمكن أن يتصل بدورها الأول، وباعتبارها قاهرة الدولة الساسانية. لم أكن أجهل هذا ونحن في الأيام الأخيرة من صلتنا المشتركة مع صدام حسين، وكان نائباً فسألته هذا السؤال، وكنا على الحدود الإيرانية، لماذا لم ندعم الثورة الإيرانية، وهي تطارد مؤسسات الموساد والمنظمات الماسونية والدعاة الإسرائيليين هناك. فقال بالنص الحرفي: (إن ربعك غشوني) فمن هم ربعي؟. ربما قصد بهم علماء الحوزة المتواطئين مع السلطة، والذين كانوا يهزؤون من الخميني ونفوذه، أو من المنظمة الحزبية في النجف التي كتبت لصدام حسين شيئاً من هذا القبيل. فلم يتصور أن للخميني هذه القدرة. وتقضي الصدف، بلغة علمانية، وإرادة الله، بلغة دينية أن تكون مدة ولاية عمر على رأس الدولة تمتد إلى 128 شهراً. وولاية الخميني تمتد إلى 136 شهراً. فيقترب الزمان بالمكان وتتقارب التجارب، ولم يترك سوى شهور قليلة هي بقدر الخلاف في الاجتهاد بين تجربتين عاشتهما إيران في صراعها ضد السلالات الكسروية. على خطى عمر: فكما رفض عمر أن تفرش على عباءته في المسجد النبوي تيجان كسرى وصولجانه وخزائن الماس والذهب، رفض الخميني أن يقترب من رؤية هذا العرش المرصع بالماس. وكما فضل عمر بن الخطاب صحن الخزف على الأواني المصنوعة من الذهب والمرصعة باللؤلؤ، فتركها ووزع ثمنها للمستحقين، أو أعادها إلى بيت المال، وجلس على حصيرته في المسجد النبوي، يقضم كسرة الخبز اليابس ويرطِّبُها بقليل من اللبن في صحن الطين، جلس الخميني على حصيره في مصلى جمران ووجبته وجبة عمر، وهي وجبة النبي (ص) يشارك ابنته وزوجها. أجل إن عاطفتنا تتسع، فتقفز من الذاكرة الملتهبة إلى شبكة العين صورة رسمها الشاعر محمد مهدي الجواهري لأبي العلاء المعري، فخرجت منه، ومن المعري إلى من كانوا ظاهرة في التاريخ البشري، أنبياء بحجم محمد (ص)، وأئمة بحجم علي، وخلفاء بحجم عمر، وفقهاء من طراز الخميني: على الحصير وكـوز الماء يرفده وذهنـه ورفوف تحمـل الكتبا أقام بالضجـة الدنيا وأقعـدها شيخ أطل عليها مشفقاً حـدبا بكى لأوجاع ماضيها وحاضرها وشامَ مسـتقبلاً منها ومرتقبـا حِّنا على كل مغصوب فضمده وشجَّ من كان أياً كان مغتصبـا وإذا تجرأنا على نقل ما تحدث وتتحدث به كتب ودراسات لمفكرين إسلاميين من غير المدرسة السلفية، وأخرى علمانية من ضمنها المدرسة المصرية المحايدة، فسنكون في مواجهة فقهية صعبة، وعناوين تتحدث عن اجتهاد عمر بن الخطاب في أكثر من موضع، وهي تسير باتجاهين متعاكسين. إن طه حسين وعلي الوردي وهادي العلوي مثلاً يشيرون إلى تلك المواضع كأدلة على قدرة عمر على الاجتهاد وقوته على محاورة النص، وفهمه الضرورة بطريقته الخاصة بينما تسعى كتب المذاهب والفرق للتشهير بعمر وطعنه بالخروج على النصوص التي لا اجتهاد فيها. وشمل اجتهاد عمر منع عطاء المؤلفة قلوبهم. وإمضاء طلاق الثلاث بكلمة واحدة، ونهى عن رواية الحديث، وكان يأبى كتابة السنن ويدرأ الحد بسبب الاضطرار، ويأبى قسمة الأرض في بلاد فارس بين المسلمين الذين فتحوها. وله اجتهاد خاص عزله عن غيره من البلاد. إن المدرسة المصرية أقرب إلى المعقول والرضا في تفسير اجتهادات عمر، من المدرسة السعودية التي تقلل ماوسعها ذلك من أمر الاجتهاد، وتحصره بما يجعل عمر تابعاً مثل غيره خشية من أن يوصم بالابتداع أو البدعة. أما المدرسة الصفوية فهي تتلقف اجتهادات عمر، لا للفخر به، كما يفعل المصريون، وإنما للتشهير والتجريح والتدليل على عدم التزامه بنصوص القرآن. وبالمصطلح المعاصر يصبح عمر بن الخطاب تحريفياً عند هذا الفريق!. وكان فقهاء التشيع في إيران والعراق قد طعنوا الخميني بالتحريف، ولأن الخلاف في الحوزات الدينية يتخذ طابعاً تشهيرياً، تطرف بعضهم، فصار يطالب بتطهير الكأس التي يشرب ابنه مصطفى، إشارة إلى ارتداده عن الدين فتحاشوا حضور دروسه ومجالسه إلا القليل منهم. وفي السياق نفسه، واجه الخميني بعد الثورة الإسلامية في إيران، خصومات فقهية لدى أغلبية الفقهاء المحافظين الذين ينكرون عليه إقامة الدولة الإمامية بغياب (الإمام المعصوم)، وهم من يصطلح عليهم بـ (الحجتية)، فضلاً عن عامة فقهاء التشيع الذين لا يأخذون بالولاية المطلقة للفقيه، ويحصرونها بالاحوال الشخصية دون التوسع بها. إن ولاية الفقيه حسب المنظور الخميني، والتي يتطير من ذكرها الفقهاء شيعة وسنّة، هي الاسم الشيعي الذي استخدمه الخميني بما يعادل مفهوم الخلافة السنية. فكما الخليفة خليفة رسول الله (ص) بعد رحيله، فولاية الفقيه هي خلافة الإمام الغائب والنيابة عنه. وصلاحيات الولي الفقيه والخليفة واحدة، وهي في الحالتين ليست طرازاً من الدكتاتورية والاستبداد الفردي بأمور المجتمع، وإنما مركز سياسي وفقهي وديني، له حق إرسال الجند إلى الثغور وحمايتها، وجباية أموال الخراج، والصدقة، وما إلى ذلك من الأمور الحسبية. ومع تمتع الصحابة بحق الاجتهاد، يبقى الرأي الأخير لما يقره الخليفة، وهكذا الأمر في ولاية الفقيه. وعرف اهتمام عمر بشؤون الرعية، وكان عام المجاعة امتحاناً ربانياً وانسانياً لرؤية عمر على الطبيعة، فجاع مع جوع المدينة، واستحال وهو الخليفة شخصاً من فقرائها لا يأكل ما لا يقدر عليه جياع البدو النازحين ممن ضربهم القحط والجفاف، فشحب لونه، ومال وجهه إلى الجفاف، وبدا عليه ما يبدو على الجياع في مشاهد التاريخ والحاضر فسمي (ابو العيال). ولا عجب، فهؤلاء هم دفاعه الشعبي ومركز قوته بعد الله. وعلى هذه الصورة كانت حياة الخميني، وإن لم يمر في إيران عام الرمادة وكان يقول: إن الحفاة هم أولياء نعمتنا، ولو عملنا لهم العمر بعد العمر فلن نرد لهم الجميل. إن الحفاة الجياع هم القادرون على منع الطغاة من اعتقالنا وسجننا. ومن يعتمد عليهم بعد الله، فلا يفكر بأنه سيهلك تحت وطأة الطغاة. وفي خطبته الأولى كرر عمر بن الخطاب مبدأ القوة والتواضع، وفقر الحاكم في ثراء الدولة، وأقسم أن يأخذ الحق من القوي إلى الضعيف. يقول طه حسين في الفتنة الكبرى: \"إن سنة عمر جرت على أن يسمع من الرعية كل ما يعيبون على ولاتهم، بمشهد من هؤلاء الولاة والعمال، أو من يغيب منهم، وكان يحقق كل ما يرفع إليه من ذلك، تحرياً للعدل وإبراء لذمته أمام الله والناس\". وهذا أسلوب يأخذ به أهل الديمقراطيات الغربية تحت قبة البرلمان، أو في صحف تنبه وتترك التحقيق لمؤسسات القانون، وكان عمر يترك الولاة يعملون فيراقبهم بعيونه وبمؤسسة البريد. أما الخميني، فيقول المفكر والمرجع الإسلامي محمد حسين فضل الله في كتاب ثورة الفقيه ودولته الذي ساهم كاتب السطور بتدوين فصل مع كتاب آخرين: إنه أي الخميني كان يترك للمسؤولين أن يعيشوا تجربتهم، وكان يراقبها، فإذا أخطأوا في موقف أو كلمة أو ما أشبه ذلك كان ينبههم. ومن الإيجابيات الكبيرة التي تسجل له أنه كان ينبههم إلى ذلك من خلال الشعب أو في الهواء الطلق، ولم يكن ينبههم في السر، حتى يتعلم الشعب أن لا يعيش المجاملات وأجواء ماوراء الكواليس، بل كان يؤمن بالوضوح. فلما كان واضحاً مع الناس. كان يريد للمسؤولين أن يكونوا واضحين معه. وكان يريد أن يكون واضحاً مع الشعب في تنبيه المسؤولين على أخطائهم. وفي سياسة التعيينات ينهج الخميني أسلوباً مرّ بمرحلتين فقد أختار في أول الأمر التكنوقراط والليبراليين وأهل الإدارة، وإن لم يكونوا من قدامى الإسلاميين، فاختار الليبرالي مهدي بازركان لرئاسة الوزراء، وبني صدر لرئاسة الجمهورية، وإبراهيم يزدي للخارجية، ففشلت التجربة، فعاد إلى الأدوات الإسلامية من رجال الثورة ليكونوا على رأس قيادات الدولة ومراتبها المتقدمة. ولعل شجاعته، كما يقول السيد فضل الله، أنه كان يتراجع عما يتبين فشله من خلال التجربة. لعل السيد محمد حسين فضل الله يشير إلى مبدأ في سياسة الإمام علي يقدم على عدم حجب الأسرار عن الرعية، وكان الإمام علي يفتح لجيشه وأصحابه قلبه، فلا يخفي عليهم شيئاً مما يفكر القيام به، مادام يواجه المتصدين، وهو ما كان عليه عمر بن الخطاب الذي أثار مناقشة القضايا حتى الاستراتيجية منها في جلسات مفتوحة على أرض المسجد النبوي في المدينة. أقول: لو وضعت هذه الفقرة ونسبت إلى عمر بن الخطاب، أما كانت سليمة، سوى أن تراتب المرحلتين مختلف، فقد بدأ عمر بن الخطاب بإسناد الولايات والإمارات لأصحاب القدم في الإسلام، فعين عمار بن ياسر على الكوفة وسلمان الفارسي على المدائن، ثم اكتشف بالتجربة أنهم لم يكونوا حازمين وحاسمين في ضبط مجتمع يخرج إلى الحياة الجديدة من بين قسوة القحط وعنفوان القبيلة، فاستبدلهم بالتكنوقراط ممن يمتلكون مهارة قريش وتجربتها في الزعامة والإدارة والقيادة. كالمغيرة بن شعبة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، فابتلي عمر على عمره. لتعيينه المتأخرين في الإسلام، مثلما ابتلي الخميني في المدرسة الليبرالية، أنه استبدل أهل الدراية والتجربة بأهل التقوى ودعاة الثورية. انتقدت مصادر مختلفة أن يزج عمر بجيشه إلى الثغور في ظروف صعبة، مما أوقع في جيشه خسائر بشرية شملت قادة كباراً كالنعمان بن مقرن والمثنى بن حارثة. ومصادر كثيرة انتقدت الخميني، أنه زج بأتباعه لمواجهة غير متكافئة مع قوى الجيش، فمشت الدبابات على أجسادهم. أما عمر فقد تعهد في وقت مبكر من استلامه المسؤولية للناس أن لا يلقيهم في المهالك ولا يجمرهم في الثغور، لكنها الحرب، فالذين يقتلون هم ليسوا ضحايا سياسيين حصدتهم أجهزة عمر وسلطته. وفي حالة الثورة الخمينية كانت تعاليم الخميني تركز على المواجهة المباشرة بين الشعب الإيراني، وسلطته الكسروية بدلا من طرق ثورية أخرى تستخدم الاغتيال السياسي وتفجير المؤسسات وتفخيخ السيارات. النطفة التي قتلت عمر من وراءها ؟... سادة قريش أم عبيدها، أم ارتداد المدن المفتوحة؟. الإمام علي يحذر من اغتيال عمر هل استشرف الإمام علي مصير صاحبه الذي ستقتله بلاد فارس، فحذره قبيل معركة نهاوند عام 21 للهجرة، من التوجه إلى أرض الميدان وقيادة جيش الفتح، وتحصين المدن المفتوحة لمواجهة حركة انتقاض فيها أوشكت أن تهدد مركز الكوفة؟ لقد أصغى عمر بن الخطاب لرأي الإمام، وأخذ به، وأنت أمير العرب وأصل العرب فإذا اقتربت منهم اشتد كَلَبُهم عليك.. وانفرط العقد والنظام! وكأن مسامع الهرمزان الذي كان حاضراً في المسجد النبوي قد اتسعت مرتين لالتقاط الإنذار، ولعله فكر بطريقة أيسر، فإذا لم يذهب “المطلوب” سنذهب إليه، ولماذا نذهب؟ ونحن على بعد ذراعين منه غير محروس، وغير مسلح... وخفق الخنجر المسموم ـ غير خفق الدرة!. أما عمر فلأنه تخصص باستبطان العرب وقادتهم، فلم يكن يولي أي حَذَر سيأتيه من سبي فارسي أنقذ رأسه من التدحرج تحت قدميه، ولا سيخيفه مولى من عبيد قريش، والحذر المفترض سيتجه إلى سادة قريش، وليس إلى عبيدها!! وقد طغى على سريرته حسن الظن بمن أحسن بهم الظن، فيصرع فاتح العراق، والمدائن، وميديا وخرا سان وبيت المقدس، وبرقة... بخنجر، لم يستطل هامته المديدة، ولا استطال قريباَ من القلب، فأصاب إصابة في النصف الأسفل، وهي الحدود السفلى لمبغى الاغتيال. النطفة القاتلة لا نظن باحثاً سيضيف إلى دراما مقتل عمر المحكمة الحلقات بعد أن أغلق عثمان بن عفان ملف الاغتيال بمهارة مشهودة، وأفرج عن عبيد الله بتسديد دية الهرمزان، الذي لم يكن له ولي أمر فصار الخليفة الجديد ولي أمره. وقاتل عمر بالإجماع التاريخي هو فيروز أبو لؤلؤة المجوسي مولى المغيرة بن شعبة، وأداة القتل خنجر مسموم له نصلان ومقبض من الوسط. وسبب القتل المعلن عدم انتصار عمر له في شكواه من ثقل الضريبة التي يتقاضاها منه المغيرة بن شعبة، والسبب المجمع عليه أن أبا لؤلؤة ثأر لبني قومه الفرس الذين غلبهم عمر وأخذت جيوشه نساءهم أسرى. تبدو حادثة اغتيال عمر شبيهة باغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي عام 1963، إذ قتل القاتل ولم يعرف خيوط الجريمة بعد نصف قرن وما زال من وراء القاتل مجهولاً. وفي مقتل عمر لم يجر تحقيق مع شهادة الشاهد عبد الرحمن بن أبي بكر أنه رأى الهرمزان مع جفينة، مولى لسعد بن أبي وقاص، جاء به من العراق وكان نصرانياً مع أبي لؤلؤة ورأى الشاهد خنجراً يسقط على الأرض هو ذاته الذي استخدم في قتل عمر. مما يعده عباس محمود العقاد سيناريو مؤامرة مخطط لها. فثار عبيد الله بن عمر عند سماعه كلام عبد الرحمن بن أبي بكر فقتل الهرمزان وجفينة وبنتاً صغيرة لأبي لؤلؤة. ووجه الشبه بين اغتيال عمر واغتيال كنيدي ورود رواية في أكثر من مصدر تشير إلى شخص يدعى ذو البرنس العراقي وقد خرج من مكان ما ليضع البرنس فوق أبي لؤلؤة، وكأنه يصطاده كما تصاد السمكة بالشباك، وانتهى الأمر بالقول إن أبا لؤلؤة قتل نفسه لأنه أحس بأنه سيقتل. يمكن الشك بأن ذا البرنس هو الذي قتل أبا لؤلؤة، أما من يكون هذا فليس لنا من الأدلة ما يساعدنا على كشف هويته، وهناك احتمالان كلاهما يرتبط بمخطط الاغتيال. إما أن يكون من قريش أو أن يكون مكلفاً من قبل ذات المجموعة الفارسية التي خططت لاغتيال عمر بقتل القاتل. وفي نظرنا أن حادثة الاغتيال تمتد إلى أبعد مما ذهب إليه الأستاذ العقاد والقائلون بنظريته. وأغلب الظن عندنا أن اغتيال عمر يرتبط بحركة فارسية مضادة بدأت عام 21 للهجرة، بانتفاضات في نهاوند واصطخر ومناطق أخرى نجح فيها الفرس من إخراج الإدارة العربية، فاضطر عمر بن الخطاب إلى إعادة فتحها، وبقيت مناطق قلقة، ولم يمض على الوجود العربي سوى ثلاثة أعوام في بعض المناطق، وعام في مدن أخرى، وهي مدة غير كافية لتثبيت الاستقرار وقد تركت مدن كثيرة على مجوسيتها مقابل دفع الجزية. وكان اغتيال عمر، سينعش الحركات المضادة هناك والبدء بانتفاضات لإعادة النظام الكسروي لا سيما وأن أحد أهم أمرائهم وهو الهرمزان موجود قريباً من عمر وهو عقل استراتيجي ومخطط، ولعله هو صاحب فكرة اغتيال عمر بن الخطاب، ولم تكن شهادة عبد الرحمن بن أبي بكر عابرة. هـل شاركت قريش بقتله؟ يقول بعض الباحثين بمسؤولية قريش المحتملة باغتيال عمر، وقد أثقل عليها وأرهقها وأخذها من حلاقيمها، وما كان غيره قادراً على تطبيع قريش وترويضها. وهي وجهة نظر فيها كثير مما يغري القارئ الأخذ بها، ومن أهم من أشار إلى مسؤولية قريش الدكتور علي الوردي في كتابه (مهزلة العقل البشري) وهادي العلوي في كتابه (الاغتيال في الإسلام). يقول الوردي: إن عمر انتهج سياسة خاصة للعطاء حسب منزلة الرجل في الدين وسابقته في الإسلام وجهاده في سبيله، فغضبت قريش لأنها أخر الناس إسلاماً وأقلهم سابقة فيه، وبقيت قريش تكره عمر وتكره خلافته حتى قتل, ويقال أنها هي التي حرضت على قتله. يقول هادي العلوي متشككاً بدور لقريش في اغتيال عمر، إن خيوط مؤامرة خفية تتجمع في مجمل ما يروى في قصة اغتيال عمر قد تكون حيكت من خارج المجموعة الفارسية الصغيرة التي اتهمت بالتواطؤ مع القاتل. ولعل عبيد الله بن عمر كان مطلعاًَ، أو على الأقل متحسساً بملابسات من هذا القبيل حين هدد بقتل آخرين قال إنهم اشتركوا في الجريمة، إذ صح ما نقله الطبري. وقد حال الإسراع بالقبض عليه دون تنفيذ تهديداته، وبالتالي أدى إلى كتمان أسماء كان يمكن أن تظهر للعلن مع لمعان سيف الولد الموتور.. ولكن لماذا لم يتفوه عبيد الله بذكر هذه الأسماء بعد أن قبض عليه.؟ هنا قد نجد أنفسنا أمام سر آخر يتعين علينا كي نستشفه أن نعرف من كان يقصدهم عبيد الله بالتهديد. وهم في حالتنا هذه أحد ثلاثة: قريش أو أنصار علي بن أبي طالب، أو ورثة وأعوان سعد بن عبادة. وكان هؤلاء الثلاثة قد استقطبوا في جبهتين متخاصمتين ستخوضان حرباً أهلية بعد قليل، تضم الأولى قريشاً وتضم الثانية الفريقين الآخرين. وقريش هي التي استلمت الخلافة في شخص عثمان، وهي التي احتجزت عبيد الله وتحكمت فيه. وبالتالي فلو أنه كان يقصد بتهديده الفريق الآخر، فقد كان من مصلحتها أن لا يسكت لكنه وقد سكت لا بد أن يكون المقصود بالتهديد رجال من قريش وبالطبع فإن قريش، الحاكمة، تملك القدرة على إسكاته. وثمة عامل هام يفترض أنه أثر على موقف عبيد الله وهو مطالبة علي بن أبي طالب بإعدامه لقتله الهرمزان، وكان علي يصدر في هذه المطالبة عن موقف شرعي بحت. وعلي معروف بعدم مرونته في هذا الجانب، وقد لج في مطالبة عثمان بعد استخلافه بإعدام عبيد الله إلى أن حسم عثمان القضية بتخريج قانوني قال فيه إنه، أي عثمان، ولي الهرمزان لأن الهرمزان لا ولي له (يقصد ليس له أقرباء يطالبون بدمه، وفي هذه الحالة يكون الخليفة هو الولي) وإنه بالتالي قد تنازل عن دمه وقرر العفو عن قاتله. وهكذا وجد عبيد الله نفسه في حماية قريش والأمويين بالأخص فكان من الطبيعي أن ينحاز إليهم ويعتبر قضية والده منتهية إلى هذا الحد. لا مجال مع ذلك لأي قدر من الجزم بنتيجة قاطعة. وإن كنت لألمح من الضجيج الذي أثاره القدماء والمتأخرون من رواة التاريخ حول هذه “الجريمة الفارسية” دوراً في التميع والتستر رأينا له منذ عشرين سنة مثالاً في تقرير لجنة وارن الأمريكية حول ملابسات اغتيال جون كنيدي رئيس الولايات المتحدة، الذي دخلت سياسته في تعارض الفئات الأكثر تطرفاً في قيادة الإمبريالية الأميركية. ومعروف أن هذا التقرير لم يفعل رغم لغته القانونية المحكمة أكثر من إلقاء ضوء أسود على الأسماء التي وقفت وراء القاتل الفرد إوز والد. وبقدر ما بقي الكشف عن قتلة كندي الأصليين شبه متعذر قد يكون بقي كذلك بالنسبة لقتلة الخليفة الثاني للمسلمين... على أننا لنملك حق البت في الحقيقة التالية، وهي أن مقتل عمر قد استجاب لمصالح اجتماعية إن لم تكن هي التي دبرت قتله، فإنها كانت المستفيد الأوحد من هذه العملية، وأنه ليبدو لنا الآن دون أن نجد حافزاً إضافياً لمواصلة الطخ على أبي لؤلؤة المجوسي، أن الفاتح العظيم قد ذهب ضحية ـ محتومة ـ لتلك المفارقة الكبرى (التي تكررت أيضاُ في خلافة علي بن أبي طالب، وانتهت إلى المصير المماثل الذي سنقصه بعد قليل) بين سياسة تقوم على الفتوحات ـ أي بناء إمبراطورية ـ وتسعى في الوقت نفسه لإقامة نظام داخلي في توزيع المنهوبات يقوم على التساوي بل ويسعى لمصادرة أموال الأغنياء (قادة الفتح ومؤسسي الإمبراطورية) وتوزيعها على الجنود... إن من يفكر في المساواة، وفي أي إطار كانت، لا يستطيع أن يبني إمبراطورية، ولا شك أيضاً أن من يبني إمبراطورية لا يسعه أن يسلك سلوك عمر. لقد خلق عمر بهذه السياسة المزدوجة تناقضاً لم يكن ممكناً حله إلا باستخلاف عثمان بن عفان ، وهو الخيار الوحيد الذي أمكن معه لتاريخ الإسلام أن يأخذ مساره اللاحق، ولم يكن خنجر أبو لؤلؤة غير الرافعة التي اختارتها المسيرة لإزاحة عقبة ناشزة في مجراها. الشيعة وحادثة الاغتيال: ينحدر علي الوردي وهادي العلوي من أسر شيعية رغم علمانيتهما، لكن الاستشهاد بهما لا يصلح اعتباره موقفاً شيعياً. إن الموقف الشيعي يخضع هو الآخر لانقسام المؤرخين بين القطيعة والمشاركة. وطبيعي أن يكون دعاة المشاركين ميالين إلى الرواية المصادق عليها في التاريخ الإسلامي العام، والتي أخذ بها محمد حسين هيكل في كتابه (الفاروق) والعقاد في عبقرية عمر والوردي والعلوي. وينزلق دعاة القطيعة بمرويات شاذة، لو أخذ بها لوضعت المصادر العربية للتاريخ في محرقة النفايات ولاهتزت الأسس العقلية والنفسية للقارئ العربي وعلاقته بتاريخه الإسلامي إذ يصل المروي عند العلامة محمد جميل حمود في كتابه (إفحام الفحول) إلى القول بأن مقتل عمر جاء بإرادة إلهية وبطعنة نافذة من أبي لؤلؤة رضي الله عنه بسبب تجاوزه على عرض الإمام علي والحيلولة الإلهية دون تحقيق زواج عمر من أم كلثوم. وينحدر المتخيل إلى قيعان القطيعة فيقدم الشيخ المذكور رواية على لسانه بأن الإمام علي ربما كان هو الذي أمر بقتل عمر بن الخطاب. وكأنه يريد أن يضع الإمام علياً في الطرف المساند لانتفاضات المدن المفتوحة، والحمد الله أني لم أقرأ في مكان آخر مثل هذه الشهادة التي ربما يكون الشيخ حمود قد استقاها من مصدر ليس بعيداً عن نطفة أبي لؤلؤة. شهادة مؤرخ شيعي معتدل: وسيكون الجريء والجديد معاً أن يتبنى مؤرخ شيعي معتدل ومحافظ هو السيد هاشم معروف الحسني النظرية القائلة بمسؤولية قريش في اغتيال عمر كما جاء في كتابه (سيرة الأئمة الاثنى عشر) مما يلزمه الاعتراف الضمني والرد الصريح على كتاب القطيعة ومنهم الأستاذ المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب، وقد جعلوا عمر بن الخطاب رئيساً للتحالف القرشي ضد أهل البيت وزعيم المواجهة ضد النبي وواضع الأسس الأولى لإقامة الدولة الأموية. إن معنى اتهام قريش بقتل عمر أو المشاركة في اغتياله أن الخليفة كان على نهج آخر غير نهجها، فيسقط منهج التسويغ الفقهي لإدانة عمر، وكأنه اعتراف بمحمديته في مواجهة قريش، وعدالته وصدق المروي عنه في كتب التاريخ وضعف القائلين بالقطيعة، وكانت قريش التي قتلت الحسين بفرعها الأموي، هي ذاتها التي قتلت قبله عمر بن الخطاب، فكيف سيواجه المؤرخ الشيعي هذا الإشكال؟. استخدم السيد الحسني أفعال الاحتمالات وأفعال الشكوك وأسند الاعتراف بفضائل عمر باستخدام الفعل المبني للمجهول مثل قيل عنه أو بإسنادها إلى الجانب السني واستخدام أفعال مثل تظاهر عمر بذلك. لكن النتيجة كانت لصالح عمر الذي ظهر في هذه الشهادة التي سننقل نصها يتمشى على خط محمد (ص) وقريش ما فتئت تكيد له. لا أشك أن قراءاً كثيرين سيضيقون ذرعاً بهذا النص، وقد لا يتقبلون صياغاته ومضامينه، والمفترض بهؤلاء القراء أن يتريثوا قليلاً مع نص لا يستطيع مؤرخ رسمي شيعي ملتزم أن يذهب إليه فكيف إلى أبعد منه؟ “إن المؤرخين القدامى والمحدثين يروون قصة وفاة عمر بن الخطاب ولا يقفون عند أسبابها وملابساتها، بينما يحاول بعض المتأخرين من الكتاب أن يضعوا حولها أكثر من علامة استفهام ولكن بتحفظ لعدم توفر الأدلة المادية على التآمر والتخطيط لاغتياله. وعندما يعود الباحث إلى الأسباب التي أدت للحادث، لا يجد عند المؤرخين سبباً سوى ما يدعونه من أن الخليفة لم يتجاوب مع أبي لؤلؤة في تخفيض الضريبة بعد أن عرف منه أنه يتقن أكثر من صنعة، وهذا السبب بنظري بعيد للغاية، إذا كان للضريبة من تأثير على حياة العبد من الناحية الاقتصادية فمن اللازم أن يحقد على مولاه وينتقم لنفسه منه، لأن الضريبة تعود لصالح المغيرة مولاه ولا شأن للخليفة بها ولا هي تعود إلى بيت المال ليكون الأمر منها إلى الخليفة نفسه، لذلك فإني أرجح أن تكون أسباب الجريمة أبعد من ذلك، ومن غير المستبعد أن تكون داخلية ومن صنع أولئك الذين ضيق عليهم عمر بن الخطاب، ولم تتسع صدورهم لحزمه وصلابته ورقابته الدائمة لجميع تصرفاتهم، وكان يتظاهر في الشطر الأخير من حياته بالتقشف والعطف على الفقراء والصراحة في محاسبة ولاته، على ما كان يبدر منهم من التصرفات مما يتيح لمحبيه أن يطروه بالعدل ويضربوا الأمثال بعدله، وبلغ من السطوة والهيبة حتى دانت له رقاع واسعة من الأمصار، كان من في أقصاها يخاف درته، وهو في الحجاز، ولقد قال عمرو بن العاص يوماً: لعن الله زماناً صرت فيه عاملاً لعمر بن الخطاب، والله لقد رأيته وأباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية لا تتجاوز ركبتيه وعلى عنقه حزمة حطب، ورأيت العاص بن وائل في مزرارة الديباج، كما كان المغيرة يحقد عليه أيضاً لأنه عزله عن البصرة بعد اتهامه بالزنا وشهود الثلاثة عليه، وقد درأ الحد عنه لأن الشاهد الرابع زياد بن عبيد لم يكن صريحاً في شهادته، وكان كلما رآه بعد ذلك يقول له: كلما رأيتك خفت أن يرجمني الله بحجارة من السماء. على أن رواية عبد الرحمن بن أبي بكر تدل على اشتراك جفينة غلام سعد بن أبي وقاص في الجريمة، وسعد بن أبي وقاص لم يكن على صلة حسنة بابن الخطاب، هذا بالإضافة إلى نبوءة كعب الأحبار بالجريمة قبل وقوعها، وكعب هذا كان على صلة متينة بالمغيرة بن شعبة وجميع المنافقين الذين لا يهمهم إلا الهدم والتخريب. وما كان لعبد مملوك في تلك الفترة من تاريخ المسلمين أن يقدم على جريمة من هذا النوع تهز الدولة التي دانت لها رقاع واسعة من الأمصار، لمجرد أنه لم يتوسط له من مولاه بتخفيض الضريبة عنه، كما يدعي المؤرخون، ولم يكن ذلك إلا نتيجة لعمل مدروس ومتفق عليه بين هؤلاء الذين ثقل عليهم وجود الخليفة، وكانوا يضمرون له العداء والكراهية وكان هو بدوره يفاجئهم بما يسيء إليهم. إن أبا سفيان استطال حياة عمر بن الخطاب وخاف أن تتطور الأمور لغير صالحهم لا سيما بعد المصاهرة التي تمت بين علي (ع) وعمر بن الخطاب، وبعد التصريحات التي كان يعلنها ابن الخطاب في مجالسه، وفي محاوراته بحق علي بن أبي طالب كما ذكرنا بعضها، وقوله: حق لمثله أن يتيه والله لولا سيفه لما قام عمود الإسلام، وهو أقضي الأمة وذو سابقتها وشرفها، وقوله: إن وليها حملهم على كتاب الله وسنة رسوله وقوله لأمير المؤمنين: أما والله لقد أرادك الحق ولكن أبى قومك، إلى غير ذلك من تصريحاته التي تركت عامة الناس يظنون أنها لن تعدوه، وبلا شك فإن الحزب الأموي كان من أبرز العاملين في هذا الاتجاه وذلك كله يؤكد بأن اغتيال عمر بن الخطاب كان نتيجة مؤامرة مدروسة” . وعن موقف الإمام علي من خلافة عثمان يقول السيد الحسني، بما لا يرتاح إليه دعاة القطيعة: “ لقد وقف علي (ع) بين تلك الجماهير التي احتشدت في ذلك اليوم يخاطبهم بالمنطق السليم، الذي اعتاد أن يخاطب به الناس، ليكشف لهم الخط الذي سيمضي عليه في هذا العهد الجديد، فقال: أيها الناس لقد علمتم أني أحق الناس بهذا الأمر من غيري، أما وقد انتهى الأمر إلى ما ترون، فو الله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن جور إلا علي خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفة. وهكذا سالم أمير المؤمنين (ع) وبايع لعثمان كما بايعه الناس ومضى في السبيل الذي اختاره لنفسه يعمل ما وسعه العمل في سبيل الصالح العام، لا يبخل عليهم بآرائه، ولا بكل إمكانياته إذا أرادوها في سبيل الإسلام وانتشاره كما سالم وساير من كان قبله”. المشهد الأخير: علي وعمر في حقائب الصراع يخرج سؤال من محبس اللسان، عن فاعلية الانقسام، وانشقاق ثنائي حيوي وناشط ومتحرك منذ مطلع التاريخ الهجري، حتى قرنه الرابع عشر. وهل كان ما حصل في يوم السقيفة عنيفاً بحيث استمر الخلاف حياً. وحضارات قامت، وأخرى نامت، وحروب كونية ومواثيق سلام، ومؤتمرات عالمية، وانهيار إمبراطوريات الشرق. وظهور قارات جديدة وقوى عالمية. أحصت دموع المطاط في الغابات الاستوائية، وحفرت في مناجم إفريقيا مناجم الذهب، واستخرجت النفط من أعماق الربع الخالي، ومن أعماق البحار... والمسلمون يتقاتلون على حق الولاية بعد رحيل نبيهم صلى الله عليه وسلم! ويأخذ الصراع شكل اللواء الأبدي بين اثنين من بناة المشروع الإسلامي منذ سنواته الأولى! أغلب الظن أنها حيوية الإسلام، توجب حيوية خصمه ومحيطه ولو كان الإسلام خاملاًً مثل كثير من الأديان الخاملة في أقصى الشرق، لما أثار اهتمام الحضارات والأمم، ولما استمرت أحداثه الأولى حية ونشطة حتى أيامنا هذه. لكنها فتنة الإقتتال تخرج من داخله والطائفية مجالها الذي يجتذب صراع الدول إليها. وليست هي وليدة الاستعمار العالمي الجديد، وقد ولدت قبله بأكثر من ألف عام؟! قد لا تكتشف ظاهرة، أن الطائفية في العراق، هي ليست صراعاً عقائدياً ولا مذهبياً، ولا هي من صراع الأفكار. إن الطائفية في العراق شكل من أشكال الصراع على السلطة، فهل ينبغي إلغاء السلطة لإلغاء الطائفية أم توزيعها على مستحقيها على قواعد يتفق عليها. أظننا اقتربنا من حاشية الإشكال، فالتوزيع الرديء وغير العادل للمواقع العليا والامتيازات “والحقائب” مسؤول إلى حد كبير عن تردى الأوضاع الاجتماعية في هذا البلد وامتداداته العربية الإسلامية. حدث ذلك في العراق البريطاني ـ السني. ويحدث الآن في العراق الأمريكي ـ الشيعي. فهل سينتهي الخلاف برحيل البريطانيين والأمريكيين أم ستكون المواجهة أشرس وأضرى؟. إن توزيع السلطة سيكون باهظ الكلفة، وصعباً ما دام يمس الحقائب، والمصالح المباشرة: باعتبار السلطة، مصدر الامتيازات الكبرى، وسيتشبث أي فريق، سني سابق أم شيعي لاحق، بحقائب الامتيازات مستعيناً بالعوامل المباحة وغير المباحة، على مستوى محلي ـ وإقليمي ـ ودولي. وبسبب ذلك كان للعاملين الأخيرين دور في صناعة القرار دائماً، أما المحلي فمن السهولة إدخاله إلى معادلة الصراع على الامتيازات، فهذه الحقائب الوزارية هي حصة عمر بن الخطاب، وهذه الحقائب الوزارية هي من حصة علي بن أبي طالب، وأن السياسيين مجرد وكلاء أمناء على الأمانة. فهل يجوز لرجل السلطة في العراق البريطاني أن يضحى بحصة عمر بن الخطاب وأبي حنيفة؟ وماذا يقول الشيعي في العراق الأمريكي للإمام علي وللإمام جعفر الصادق، لو أنه تنازل عن حقائبه إلى غريمه السني؟! وكان علي بن أبي طالب ومعه أهل البيت، هم الذين لا يوافقون على إمعان النظر في توزيع السلطة بما يجعل العراقيين يعيشون بسلام!. فإذا استحال تقسيم السلطة على قواعد العدل والإنصاف وصعب ذلك على السنة، ما قبل سقوط نظام صدام حسين، وإذا ما أستأثر الشيعة بالحصة الكبرى بعد السقوط وصعب عليهم تقسيم السلطة على قواعد الوفاق الوطني والمشاركة وليس المحاصصة الرقمية، فإن الحل الأسلم، هو تقسيم الدولة، حتى تتوفر سلطة خاصة لكل طرف في دولته الخاصة، وقد يكتفي أحدهم بأربعة سنتيمترات لتشكل عالمه الكبير، فيغمس فيها إبهامه ويبصم جيناته على وثيقة الاستقلال! وسيشعر عمر بن الخطاب بارتياح لم يشعر به عند فتح نهاوند، وسيفرح الإمام علي فرحه برؤية صاحبه الحذيفة بن اليمان رافعاً لواء الإسلام في تلك المدينة. لقد أقحم رجال الإسلام ومؤسسو دولته الكبرى ليتحملوا مسؤولية إحدى مكوناتها، وتقسيم دولة قتل من أجل تحريرها المثنى بن حارثة، والنعمان بن المقرن، وعمر بن الخطاب. ما السبب أذن؟! هل هي حيوية النطفة التي قتلت عمر؟ أم هي حيوية عمر وكلاهما موجود في التاريخ ومقيم في الحاضر؟ إن القاعدة القانونية في الشرائع الوثنية والسماوية واحدة إزاء حادثة القتل... فالقتيل طالب، والقاتل مطلوب!. والقتيل هنا، هو عمر بن الخطاب، والمطلوب هنا هو عمر بن الخطاب، وهي مع أنها غرست في أمعائه نصلين من السم، فما تزال النطفة ذاتها تترافع لتجريم القتيل على المنابر وفي المجالس والمدارس، وفوق مذهبات الكتب والأوراد منذ ألف وأربعمائة وأربع سنوات!. وما موقع الإمام علي في هذه المرافعة الدائمة، وهو قامع الانشقاق منذ يوم السقيفة؟. أتراها شخصية الإمام هذه المرة وموحياتها الروحية تثير الأسى والحزن والغضب، لفقده الخلافة الأولى مع حصوله على الإمامة الأولى؟ ولماذا لم يظهر الوجوم والتجهم على محياه الكريم، وتظهر آثار حزنه على وجوه أتباعه البررة بعد أربعة عشر قرناً؟. أن المعروض التاريخي الأمين يتحدث عن ثنائية مشاركة بين علي وعمر، فكيف استحالت بعد رحيلهما إلى رحاب الخلد، إلى ثنائية كراهية وخصومة لا تنقطع؟! ولماذا الخصومة كبرى في العراق، والشيعة في الجوار يعيشون حياتهم الطبيعية ويعيشها أهل السنة. أهو الجوار الإيراني ـ التركي؟ ربما كان ذلك صحيحاً، لكن قبل مائة عام! وإذا توقفنا قليلاً، سنجد هؤلاء المؤسسين من رجال الإسلام الأول، وقد صيروا أوراقاً انتخابية، ولافتات للناخبين، فيوضع فاتح خيبر على لائحة المرشحين، وفاتح بيت المقدس على لائحة المقاطعين! وليتهما مكثا عند صناديق الاقتراع... لا حيث تحمل صناديق الديناميت، وصناديق الموتى. أغلب الظن أنها حيوية الإسلام وشخوصه في العصر والمكان أوجبت حيوية خصمه وانفعال محيطه . ولو كان خاملاًً شأن كثير من أديان الجوار ، لما آثار اهتمام الحضارات والأمم، ولما استمرت أحداثه حية ونشطة في سلبها وإيجابها . لكنها فتنة الاقتتال تخرج من داخله، والطائفية جاذب آلي وذاتي الحركة، لصراع الدول، وليست، هي، كما نوهم أنفسنا وأجيالنا، وافداً غريباً تسلسل إلى بلداننا على غفلة منا! ولربما ولدت قبل مولد الدول الاستعمارية الحديثة بألف عام هجري، وارتبطت كالاستعمار العالمي بالمصالح الدولية وقوانين الصراع، وهي ساعدت الإدارة الاستعمارية، على تدوير شؤونها وتسهيل خياراتها، ومن الطبيعي أن تستفيد السياسات المحلية من عامل قوي ومؤثر لم تستخف بفاعليته إمبراطوريات قديمة وجديدة . وفي العراق ومحيطه – أحياناً – تبدو الطائفية شكلا من أشكال الصراع على السلطة، وليست انقساما اجتماعيا، إنما الانقسام ناجم أصلاً من هذا الصراع . فجرى توظيف ثنائية الضد العلوي– العمري – لتوفير مسوغات شرعية للاستئثار بالسلطة والحصول على حقائب وزارية، ستوفر لحامليها حلم الوصول السهل للامتيازات العسيرة !. وبهذه البساطة أصبح عمر بن الخطاب ورقة سياسية، والإمام علي ورقة انتخابية. وكل منهما مجرد لافتة معلقة على خرائب المتقاتلين. وأدخلت ثنائية عمر وعلي في طريقة التوزيع الردىء وغير العادل لامتيازات السلطة. حدث ذلك في العراق البريطاني السني القرار، ويحدث ذلك في العراق الأمريكي الشيعي القرار. ولأن التنازل عن الحقائب الوزارية باهظ الكلفة، وتوزيع السلطة على أسس العدل والإنصاف سيؤثر على حجم المنافع من الحيازات السياسية والاجتماعية والمالية، فقد يصبح توزيع الدولة، إجراءاً قابلاً للعمل به وشعاراً يطرح على الأتباع المهددين بالموت والخوف من الموت. وسيوفر أكثر من سلطة للمتصارعين عليها، مادام توزيع الدولة أيسر من توزيع السلطة !. أما التشاهر في خطاب الملاعنة الموجود في التاريخ، والمقيم في الحاضر، فقد تيسرت له سبل الانتشار الفضائي، واختُرقت حصانات التاريخ، وحقائق الهوية، فتصبح الكوفة جمجمة العجم، ورأس الكفر. وفي منهج التلاعن، تستعيد القطيعة حيويتها، وتخترق القاعدة القانونية، التي أجمعت عليها الشرائع الوثنية والسماوية، ولم يعد القاتل مطلوباً، والقتيل طالباً على جانبي الصراع. ففي فقه الخلاف المعاصر، القاتل هو الطالب ، والمطلوب هو القتيل!. والنطفة التي قتلت عمر بن الخطاب ما تزال تترافع على تجريم القتيل في المجالس والمدارس وعلى مذهّبات الكتب، وشاشات الفضاء. والعصبة التي تقتل الفقراء الباحثين عند الفجر عمن يشتري قوة عملهم بقوت أطفالهم، يُفجَرون بمفخخات المجاهدين!. الساعين إلى تحرير العراق، رافعين لواء الفاروق عمر بدعم فضائي لتجريم الضحايا بعد أن خُوِّل مذيع الفضاء صلاحية القاضي، الذي يصدر الأحكام على الهواء ، وعمر يُقتل في العراق عند كل صورة متلفزة مرتين!. مرة بمناهج القطيعة ، وحيوية النطفة، ومرة بمناهج التكفير وحيوية الفتوى، فيوضع محرر العراق وفاتح بيت المقدس على لائحة الإتهام .. وليت الإمام الأول والخليفة الثاني يمكثان عند صناديق الإقتراع .. لا حيث تحمل صناديق الديناميت ، فتلتحق بها صناديق الموتى. وفي النزاعات الطائفية، توري العقول والأذهان، فتقدح بأفكار جديدة وأساليب عجيبة، وينجح الشيعة العراقيون بعد الاحتلال الأمريكي، في عرض مشهد جذاب للرأي العام العالمي، ومؤسسات المجتمع المدني، كدعاة مشاركة متحمسين لصناديق الاقتراع، وسن دستور دائم بعد أكثر من أربعين سنة على إلغائه عام 1958م، وأتباعهم يتحاشون أن يجوسوا مساحب الدم في طريقهم إلى صناديق الاقتراع، والطرف الآخر مصمم على القطيعة وضرب المقترعين وصناديق الاقتراع بما يتيسر له من القنابل البشرية، مما ترك انطباعاً عن الجانب الشيعي لدى الرأي العام العالمي، لاسيما في الغرب، قد يصحح لديهم الانطباع السائد، والذي تركته الثورة الخمينية، في عنفوانها المعادي للغرب، ثم تبنته تنظيمات سنية على رأسها القاعدة، حيث لا يتورع أتباعها عن الوقوف أمام عدسات الانترنت، وقد يحمل التابع القاعدي بأطراف أصابعه، رأساً مقطوعاً من شعره فيضع الرأس في سطل مليء بالدم، ويظهر هؤلاء الأتباع في مشهد ينقله موقع القاعدة على الانترنت، لرجال ملثمين يذبحون على الهواء إنساناً مختطفاً. وقد تصور عمليات خاطفة، لإحراق حاملات الجنائز مع من فيها من أحياء، عند منطقة «اليوسفية» وهي مضارب لقبيلة أخوال كاتب السطور. لقد تعثرت القاعدة ومعها الكثير من سنة العراق، «بمطب استعماري» ومصيدة ماهرة. لا بأس أن نطلق عليها مصطلح «تبشيع الخصم» في الحرب النفسية لتأليب المجتمع المحلي والدولي على «ارتكابات الخصم» ونشرها بحرية النشر على الرأي العام العالمي. مما يسهل للخصم الأول تنفيذ برامجه العسكرية وهو في غمرة الحرب الأمريكية على السنة، لجعل المغير المتوحش على قرى الطين وكأنه يرش المبيدات الزراعية، على الحقول ! فلم يتحرك الشارع العربي ذو الأغلبية السنية المطلقة احتجاجاً على رشوش الصواريخ العملاقة فوق سقوف مصنوعة من جذوع النخيل في بلدات الفرات الأعلى وحتى تخوم الفلوجة.. ولو تذكرنا للحظة رد الفعل العربي على قصف بور سعيد والإسماعيلية. أثناء العدوان على مصر في حرب السويس 1956م، وقارنا ما كان عليه الشارع العربي والبيت العربي، والوجدان العربي، مع ما حصل في الحرب على الفلوجة و الأنبار، وحديثة، لاقتنعنا قليلاً بأن القصور لا يتصل بحالة الانكماش القومي وظاهرة التراجع العربي الطويل، فحسب، بقدر ما يتصل بالناتج العلمي لنظرية «تبشيع الخصم» والممارسات التي تهللت لها وجوه المذيعات وأصابع المشاركين المرحبين بمشاهد الرؤوس المقطوعة في براميل القمامة. إن نظرية تبشيع الخصم، أخذت بها إسرائيل منذ حرب فلسطين الأولى عام 1948، وكنت قد سألت اللواء طاهر الزبيدي. معاون قائد القوات العربية في تلك الحرب، وقد عاش أيامه الأخيرة وحيداً في داره بمدينة اليرموك، عن تمرير إشاعة كان العراقيون يتفاخرون بها، وتقول: إن الجيش العراقي كان إذا ألقى القبض على يهودي، وضعه في مرجل من الماء المغلي حتى يتفسخ لحمه.. وعظامه! قال اللواء الزبيدي ربما كان القصد تخويف اليهود، فقلت، ولكن اليهود يعرفون أن ذلك لم يحدث، وأن الإدارة الإسرائيلية كانت تسعى لإرساء مفهوم أنها تحارب العرب باعتبارهم متوحشين ومصاصي دماء، وتأتي الإشاعة العراقية التي ربما خرجت في سياق الحرب النفسية لتدعم منهج اليهود في الحرب مع العرب، وذلك بتبشيع صورتهم أمام الرأي العام العالمي، والغربي الذي تعتمد على دعمه وتأييده بالدرجة الأولى. يبدو أن ما حصل من ذبح على الهواء، وحرق جنائز على الطريق، كان نموذجاً ممتازاً لتصوير المعارضة السنية بما صور به العرب في الحروب الإسرائيلية، لكنها هذه المرة خبرٌ يقين ومصادق عليه ومنشور بإرادة فاعليه. لكن جهات سنية عراقية لها عراقة في السياسة المدنية، كالحزب الإسلامي، والإسلاميين المستقلين والعلمانيين السنة، الذين لم تعد لهم قوة مساوية، لجموح القاعدة قد تداركوا هذا المنزلق، وصححوا المعادلة وعادوا بالسنة إلى ميراثهم الطويل في إدارة السلطة، بذكاء وخبرة، فأعلنوا مشاركتهم في الاستفتاء على الدستور، والدخول في العملية السياسية، وما يترتب عليها من التزامات ومخاطر، صوناً لميراثهم المدني، فلم يتفهم موقفهم العادل والخطير، لا رجال القاعدة، الذين يفتقرون إلى تجارب العمل المدني، ولا الشيوخ المؤيدون لأسلوب القاعدة، فضلاً عن حساسية الجانب الشيعي المتزاحم على السلطة، والذي كان عليه أن يستوعب بصدر أوسع هذا الخيار العراقي السني، فيتنازل أو يتواضع عن شروط الحوار مع هذا القادم إلى السلم الأهلي، من بين أنقاض الجثث. فحصر السنة القادمون إلى العملية السياسية بين فكي الصراع . ومن جانب آخر فقد تسبب استهداف القاعدة المعماريات الإسلامية الشيعية، وتفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء، في تأجيج عاطفي وطائفي، لدى قوة شيعية كبيرة كانت تحاول الوقوف على الحياد في الصراع الطائفي. فاندفع التيار الصدري وجناحه العسكري جيش المهدي إلى ميدان الاقتتال بما لديه من حشود بشرية ومساحات جغرافية تحيط ببغداد، ففقدت اللوجستية السنية أهم مراكز قوتها. وكان الناتج العام قد ألقى بظلاله السوداء على عموم أرض السواد، لكن المأزق الأكبر مابرح يحاصر الحزب الإسلامي والعلمانيين السنة ممن يسميهم الدكتور علي الوردي «ربع عمر» الذين لم يعودوا قادرين على المواصلة السلمية ولا قادرين على المقاطعة، التي تخلي العراق من قوة التوازن التي بها تنتصب قامته وتنتظم خطواته . ومن جانبنا فما زلنا ننتظر لحظة اللقاء بين ربع عمر وربع علي، ليعودوا إلى الصلاة في المسجد النبوي ، ويستكملا ثمانية عشر ألف صلاة مشتركة بين علي وعمر هناك. وبذلك يختتم الحُلم القَصي... يتبع ....
__________________
***إنَّ الصعوبات هي تحدّ خلاق لأنه يستحث الرّد عليها *** |
![]() |
![]() |
#2 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2007
المشاركات: 273
|
الفهرس الاهداء 5 أول الكلام 7 الكرادة والكتاب 9 ثنائية الكتاب 11 السفر إلى إبن حنتمة 15 الباب الأول كونية عمر ـ البرية ـ والدولة ـ والرعية في وضح البرية 23 جاذبية المعروض التاريخي 25 المكون البري 26 فتى عكاظ 30 قامته تربو على مترين 31 هل وأد ابنته 31 البرية أم الجندية 32 أسلم على طريقته البرية: بالصوت أم بصدمة الصوت 35 مناقشة الرواية 39 رقم اسلامه 67 41 دولة المشروع المحمدي 43 عبقري السقيفة 45 الحذر من شبح القيصرية 47 سياسة التعيينات 50 الاستبطان العمري وتوزيع المسؤوليات 54 الاستفادة من الخبراء 55 إلزام الوالي بالكشف عن أمواله 56 يمنع دخول الولاة والأمراء ليلاً 56 يحول الوالي إلى راعي غنم 57 نظرية منع التراكم 57 عمر والمعارضة السياسية 58 مناشير عمرية ضد أمراء الدولة 60 مظاهرة على بابه 61 الطباق العمري 62 خلافة السلم الأهلي 65 مفهوم جديد للدولة ونظام سياسي خاص 66 سياسته القرشية عمر وعثمان 71 الإسلام وقريش 73 حلاقيم قريش 77 عمر وخالد بن الوليد 81 المغيرة وأم جميل 83 عمر ومحكمة نورنبرغ للأبي سفيان 84 عمر والسلفية 85 مستطرف الرعية احترام الكرامة الإنسانية 91 إعفاء المعيل من خدمة العلم 91 أبو العيال يخاطب الذاهبين إلى الثغور 92 يجوع ما جاع الناس 92 عزل المصابين بأمرض معدية 94 يحفظ عروبة المسيحي حتى لاينفره من الإسلام 94 عهد عمر للنصارى في بيت المقدس 95 سفط نهاوند 96 خضيراء الوالي 96 يمنع زوجاته من السياسة 97 يمنع التشهير بشارب الخمرة 98 ينفي الوسيم البطران! 98 ينزع ثياب الحيطان 99 يفضل لغة الصحافة 99 جرائم الجنس في عهده 101 الجنس والمشاهير 102 أربعة خلفاء وأربعة دعاوى 104 العفو عن الهرمزان 104 سياسته العلوية علي المؤسس لا المستشار 109 في يوم السقيفة 111 الفقه المشترك 115 الإمام علي يقترح على عمر: التاريخ الهجري 119 الإمام علي يؤيد مخصصات لعمر 119 علي ينصح بذهاب عمر إلى فلسطين 119 الإمام علي لا ينصح عمر بالذهاب إلى بلاد فارس 120 عمر يبسط رداءه للإمام علي 122 عمر يقبل رأس الإمام علي 123 عمر للإمام الحسين: انتم على الرأس 123 عطاء أهل البيت في عهده 125 عمر والعلويون ضد الاجتثاث 126 الإمام علي يرثي عمر 130 أحد عشر عاماً و 18 الف صلاة 130 عمر والعراقيون العراق العمري 135 الكوفة جمجمة العرب 139 أهل الكوفة ليسوا عراقيين! 143 نخلة العراق أم زيتون الشام 144 المثالب الجليلة المجتهدات العمرية 147 يستهدي بالنص لتوليد النصوص 148 تحريم زواج المتعة 149 الصلاة خير من النوم 152 هل كان الزهد مطلوباً في ثراء الفتوحات؟ 153 ليس لعمر حكم ووصايا 157 أجلاء اليهود والنصارى عن جزيرة العرب 159 إحراق عمر مكتبة الاسكندرية 161 إبطال الرواية 163 لم تكن الرواية شيعية 164 شطحات الدرة 165 هل اغتال سعد بن عبادة؟ 168 العراق ميدان الحروب المحمولة! ميدان مفضل للحروب! 173 عمر في الحروب المحمولة 176 عمر في الحرب العراقية ـ الإيرانية 179 استباحة العثمانيين وحصانة الصفويين 182 فروق طائفية 184 عمر والمصالحة العراقية 187 لم يبق إمام إلا وقتله هذا الضرب 189 الباب الثاني: عمر في المنظور الشيعي فقه القطيعة وفقهاء المثالب! عمر والقطيعة.. المناصفة الخاسرة 195 فقهاء التنقيص! 198 ثنائية القطيعة والمشاركة 200 رضي الله عنه وعليه السلام 205 روزه خون القطيعة! 208 تشريع قانون لسب عمر 209 المجلسي رائداً 211 أفحام الفحول: الشيخ محمد جميل حمود 213 أبو لؤلؤة رضي الله عنه 214 موقف الدولة الإيرانية حالياً 216 السيد كاظم القزويني: الإمام علي جليس البيت 216 كسر ضلع الزهراء 220 التنافس على قصور الكوثرية في الجنة 223 القطيعة ستحاصر الشيعة العرب 228 مثالب المستبصرين مثالب المستبصرين 233 روزه خون السوربون عمر ضال.. وجاهل.. ومعارض للاسلام! 234 المثالب التيجانية! 235 عمر حليف المنافقين! 238 التشيع الممنوع في مصر 239 النبي آدم يبغض عمر! 241 المتحولون إلى التشيع: والسلم الأهلي في العراق 241 التنويــر الشيعي المدرسة المصرية 245 فقهاء المشاركة 245 علي شريعتي: نظرية النطف الكسروية 249 عروس المدائن في المدينة 251 شريعتي والعسكري 254 محمد باقر الصدر وشريعتي 257 التشيع العراقي، والتشيع اللبناني 258 عمر بين المجلسي وشريعتي 260 المنهج الصفوي بدلاً من التشيع الصفوي 261 صاحب نظرية النطف – تلميذ الخميني 262 منبر الوائلي وهوية التشيع 265 رواد الحضارة العربية من أهل التشيع 267 الروافض 268 تنوير شيعي 271 كسر القطيعة و بواقعية الإمام 273 التشيع العلماني على مذهب المصري علي الوردي رائداً 279 ماركسي وعلماني.. ونموذجه عمري! 282 الخليلي والشرقي والجواهري 285 من تجارب المشاركة العلوية العمرية جمهورية الخميني العلوية والتجربة العمرية 291 على خطى عمر 294 النطفة التي قتلت عمر الإمام علي يحذر من اغتيال عمر 303 النطفة القاتلة 303 هـل شاركت قريش بقتله؟ 305 الشيعة وحادثة الاغتيال 307 شهادة مؤرخ شيعي معتدل 308 المشهد الأخير علي وعمر في حقائب الصراع 312 الفهرس 321)). ( أ- هـ)
__________________
***إنَّ الصعوبات هي تحدّ خلاق لأنه يستحث الرّد عليها *** |
![]() |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|