[أبو معاذk]

لجم العقول بالتقدير المقبول

لا اشك لحظة واحدة بأنه ليس وراء منع الحاصلين على تقدير مقبول من الالتحاق ببرامج الدراسات العليا إلا إحساس القائمين على الامر بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم لتطوير نوعية وجودة التعليم في الاردن والنهوض به الى المستوى الذي يتطلبه الاصلاح الشامل في كل الميادين والذي يشكل فيه التعليم الركيزة الاساس والمنطلق الاهم، واذا اخذنا في الاعتبار بعض الاخفاقات التي تظهر بين الحين والاخر في مخرجات التعليم العالي فان هذا القرار يبدو مقبولا اذا نظرنا اليه من هذه الزاوية، لكن ثمة زوايا كثيرة اخرى تجعلنا نتوقف امامها لنطرح وجهات نظر مختلفة ومن بينها بالطبع وجهات نظر المتضررين من هذا القرار، واعتقد ان اصحاب العلاقة باصدار هذا القرار لديهم من سعة الصدر وبعد النظر ما يجعلهم في المركز القوي الذي يستمعون فيه للرأي الاخر ومن جانبي فانني سأطرح هذا الرأي على شكل تساؤلات حتى لا اجزم سلفا ان ما اطرحه هو الصحيح بعينه خاصة ونحن لا نعلم شيئا عن حجم المشكلة ولا عن الدراسة التي اجريت بشأنها ان كانت قد اجريت مثل هذه الدراسة ولا عن التوصيات او البدائل المنبثقة عنها واول هذه التساؤلات: هل يبدو ذلك معقولا ان نضع قيودا ونبني سدودا امام ابنائنا الراغبين بتطوير قدراتهم العلمية حتى لو كانوا حاصلين على تقدير مقبول؟ أليس في ذلك تبسيط في حل المشكلة اشبه ما يكون ببتر الاصبع اذا ظهرت فيه ثالوله؟ واي ضرر للوطن لو زادت فيه شريحة الناس المتعلمين تعليما عاليا وزادت بهذه الزيادة مساحة الثقافة الافقية لمجموع الشعب الاردني؟

أليس في ذلك رفع لقدرة الدولة على السبق والمنافسة العالمية اذا كانت هذه القدرة تقاس بمحصلة الاداء القومي لجهد كل الشعب ومجموع افراد كل دولة وليس فقط باداء الاقلية المتميزة؟ صحيح ان المتميزين ثروة نوعية كبيرة للوطن لكن ماذا يضير الوطن لو كان هؤلاء المتميزون مردوفين بقاعدة عريضة من المتعلمين تعليما عاليا أليس هذا افضل بكثير من ان يبقى حملة التقدير المقبول مقموعين بمستوى تقديرهم؟ ثم من قال ان العلامات التي بموجبها يتحدد التقدير اذا كان مقبولا او جيدا او جيد جدا هي المعيار الوحيد للنجاح والتميز المستقبلي؟ أليس بيننا حالات كثيرة كان اصحابها حاصلين على تقدير مقبول وعندما اكملوا دراساتهم العليا ابدعوا في مجالات عملهم؟ فكما يقول التربويون المتخصصون «فان داخل كل انسان موهبة دفينة حتى لو كان معوقا وهذه الموهبة توجب علينا ان نفتح امام المستزيدين من التعليم كل قنوات النمو لنحول هؤلاء من اعباء الى فرص واعدة». أليس في قرار التعليم العالي هذا نوع من شبه الاحتكار لفئة دون فئة والافضل من ذلك كله ان نطلق للخيول اعنتها ويكون الميدان هو الفيصل؟

اننا نتفهم تماما ان الموضوع لو كان متعلقا ببرنامج تنفذه وتموله الحكومة فمن حق «التعليم العالي» ان نضع الاسس والمعايير لقبول الملتحقين بهذا البرنامج ومنها اقتصار القبول على حملة التقادير الجيدة، لكن اذا كان الامر متعلقا على سبيل المثال بمحام يحمل شهادة البكالوريوس بتقدير مقبول ويرغب بتحسين قدراته وتطويرها لينعكس ذلك على مستوى عمله ومكتبه فأي منطق هذا الذي يحرمه من هذا الحق خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار ان التعليم الصحيح هو الذي يلبي حاجة دفينة في الانسان ورغبة ملحة في المعرفة ولا اعتقد ان مستوى التقدير يمكن ان يقف عائقا امام اي طالب للعلم من البحث عن المعلومة وهو الجوهر الحقيقي للعملية التعليمية. وما ينطبق على المحامي ينطبق على المهندس والطبيب وكثيرين غيرهم.

وكيف يمكن ان نكبح جماح هؤلاء ونحن نعلم ان المعرفة تتضاعف كل ثمانية عشر شهرا مرة واحدة على الاقل وان التعليم صار مرتبطا بحاجات المجتمع الحقيقية وان حاجة هؤلاء الناس لتطوير اعمالهم تفرض عليهم ان يطوروا مستواهم العلمي؟

اننا نتفهم تماما حرص القائمين على التعليم العالي على تطوير المناهج واشتراط الاسس والمعايير التي يجب ان تتوفر في من يقومون بمهمة التدريس في الجامعات ونوع الشهادات والتخصصات والتقديرات المطلوبة لهم، ونتفهم ان يكون هنالك معايير لاداء الجامعات نفسها واجراء تقييم منهجي ومستمر لمخرجات التعليم فيها بما في ذلك عدم التهاون في عملية تخريج الدارسين ونوعية وجودة البحوث وخاصة في الدراسات العليا، لكن على وجه العموم فان اقامة السدود امام الراغبين في مواصلة تعليمهم هو اشبه ما يكون بلجم الزرع عن النمو بحجة اننا نريد انتاجا متميزا والاصل ان نوفر الوسائل الكفيلة بهذا التميز، هذا ناهيك على ان طلب العلم من المهد الى اللحد حق طبيعي للانسان وضرورة من ضرورات ناموس الكون، فاذا كنا نواصل غذاءنا لنعيش فيجب علينا ان نواصل تعليمنا لتظل عقولنا عامرة بالمعرفة.

وفي النهاية اريد ان اشير الى امر في غاية الاهمية وهو ان الحصول على تقدير مقبول في المرحلة الجامعية الاولى غالبا ما يكون متأثرا ومرتبطا بالمرحلة الثانوية التي طالما وقفت الحالة المادية والاجتماعية عائقا كبيرا في التحصيل العلمي للطلاب الفقراء لعدم قدرتهم بالحصول على الدعم الدراسي الذي يلقاه الطلاب الميسورون المردوفون بالدروس الخصوصية والدورات الصيفية في المعاهد الخاصة ويمتد هذا الاثر الى المرحلة الجامعية الاولى، ومع ان هذه ليست قواعد مطلقة لكنها ظاهرة ملموسة، وما اريد ان اخلص اليه هو ان الحاصلين على التقدير المقبول غالبا ما يكونون منتمين الى طبقة اجتماعية بعينها حالت ظروفهم المادية المتراكمة من حصولهم على التقدير الذي يرغبون به لذلك فان منعهم من مواصلة دراستهم العليا يبعد المسافات بينهم وبين المنتمين الى الطبقة الميسورة واعتقد ان ذلك سيؤثر تأثيرا غير مباشر عن اللحمة الاجتماعية والوطنية ولربما ينتج عنه شيء من الاحباط والشعور بالظلم والتحيز الى فئة دون فئة في النسيج الوطني الذي نحرص فيه جميعا ان يكون ابناء هذا الوطن متساوين في الفرص وخاصة اذا كان الامر متعلقا بالحصول على المعرفة.

هاشم القضاة

[زهير العمري]

كلام سمين أخي أبومعاذ , ولكن تمنيت أن يكون هناك توثيق لهذا المقال ؛ لأني أريد قرأته من المصدر , ولي تعليق آخر بإذن الله

[أبو معاذk]

ولا يهمك!
وهذا الرابط:
http://alrai.com/pages.php?opinion_id=3067