[خالدي نجد]

خالد عبد العزيز الحمادا
في يوم السبت 5 شعبان اطلعت على مقالة للأخ الدكتور علي شويل القرني يتحدث فيها عن مراكز التغيير والأطراف، وهي نظرية أن تغيُّر المركز يغيِّر الأطراف، وعندما أراد أن يطبّقها على أرضنا وبلدنا جعل جدة هي مركز التغيير، وأنها - أي جدة - على تواصل مع القاهرة وبيروت، فهي على رأي الدكتور ربَّان السفينة وقائده المبحر نحو التغيير الحضاري، بينما منطقة القصيم عامة، وبريدة خاصة، مراكز الثقل التي ستقاوم هذا التغيير؛ لأن بريدة والقصيم عموماً كما أكد ذلك الكاتب تحبِّذ العودة إلى الوراء والتمسك بثقافة قديمة، فهي لا تميل إلى التجديد ولا إلى التغيير. طبعاً هذا ما فهمته من مقالة الدكتور، وحتى لا تأخذنا السطور بعيداً في شرح نظرية الكاتب فإنني لا أوافق الكاتب على ذلك، وأخالفه الرأي لأمرين:
أولهما: أن جدة لا تقع في وسط المملكة، بل على الأطراف، فكيف ستكون رسول التغيير ونموذجه للمملكة وهي قابعة على طرف وعلى حدود المملكة؟! ومن المعروف أن المركز الذي سيكون محل تغيير وتأثير على الأطراف لا بد أن تتهيأ له الظروف الجغرافية، فيكون موقعه مؤهلاً جغرافياً ومتوسطاً خرائطياً، وجدة في تصوُّري ينقصها الكثير من ذلك.
أما الأمر الثاني: وهو ما دفعني للمشاركة بهذا التعليق أنه جعل بريدة مقاومة للتجديد، وهذا تصوُّر خاطئ وقراءة سطحية لهذه المدينة العميقة بثقافتها، والواعية في نظرتها للحياة، والمتحضرة في معيشتها وفي سائر تعاملاتها. وإذا كان المقياس الحضاري عند الدكتور هو رواج (حضارة القشور) فأنا مقياسي الحضاري هو التأصل بالعقيدة والتمسك بالمبدأ والاعتزاز بتاريخي وثقافتي وعدم الانسلاخ والذوبان في حضارة الأمم الأخرى الجارفة، فأنا أدخل إلى معترك الحضارة بشجاعة وبقوة وبوعي، أقلِّب فيها فما ينفعني ويقودني إلى الأمام آخذه وأقبله، وما يؤثر عليّ ويضرني أرفضه وأنبذه ولا أقبله. أما أن أنبذ تاريخي وثقافتي وأقبل كل إفرازات المدنية بلا فلترة ولا وعي فهذا انهزام وعجز وتخلُّف لا تقدُّم وتحضُّر. وبحكم ثقافة وتأصيل ووعي أهالي بريدة فهذه هي نظرتهم؛ لا يرفضون المدنية والتحضر، بل يدعون إليهما ويتسابقون، لكنهم ضد أي انسلاخ أو ذوبان أو أن يتخفّفوا من لباسهم ويعبثوا بأشكالهم، أو أن يتركوا أكلاتهم الشعبية المفضلة ويحدثوا زحاماً على المطاعم الأمريكية والغربية بحجة أن هذا من التحضر والتقدم. ثم إن بريدة بحكم استراتيجية موقعها وجغرافيته وتواصلها مع الأطراف داخلياً وخارجياً وثقلها العقدي والثقافي والتاريخي والمجتمعي مؤهلة لأن تكون مركز تغيير مؤثر؛ نظراً إلى ثقافة أهلها ووعيهم وبُعد آفاقهم وتوسُّع عقولهم وتحضُّرها من كثرة اطلاعهم وتجريبهم وبحثهم وعمق قراءتهم؛ فمجتمع بريدة من أوائل المجتمعات القارئة في المملكة؛ لأن أول مكتبة أنشئت في بريدة، أضفْ إلى ذلك دروس العلم وحلقات الذكر والمجالس الثقافية التي كانت تعقد منذ زمن في بريدة؛ لذلك خرَّجت بريدة علماء ومفكرين صداهم في الآفاق. وأيضاً مما يجعل بريدة مركزاً مؤثراً تواصلها مع المحيط الخارجي منذ زمن بعيد؛ فرجالها الأوائل وقوافلها التجارية كانت تطوف البلدان وتجوب الديار؛ فهي على تواصل تجاري وتبادل ثقافي على مدار العام عن طريق القافلة التجارية (العقيلات)، فوصلت هذه القافلة إلى كل مكان حتى تجاوزت البحار وقطعت القفار، فوصلت إلى مصر والسودان والشام وسائر البلدان، فأخذت وأعطت وباعت واشترت، فمنهم من جلس هناك وفتح بيته وأقام مجالسه العلمية والثقافية للزائرين والمقيمين، وأيضاً تجار العقيلات ليسوا فقط أصحاب تجارة وبيع وشراء، وإنما كانوا على مستوى رفيع من العلم والثقافة والمبادئ والقيم الرفيعة، فكانوا رسل معرفة ومصادر خير للبلدان المجاورة. إذنْ، هذا التواصل المعرفي والاقتصادي لتجار العقيلات لا شك أنه انعكس على مجتمع القصيم عامة وبريدة خاصة بالتوعية والتثقيف، وجعل المجتمع على دراية ومعرفة وتحضُّر بما يدور في المحيط الخارجي، وأيضاً هذا مما يؤهِّل بريدة لأن تكون مركز تأثير وتغيير على الأطراف المجاورة لها، وأن ينفي عنها الرؤية الغائمة التي يفهمها بعض الناس عن بريدة، وعلى رأسهم سعادة الدكتور، من أنها متمسكة بثقافة قديمة.وأخيراً، دعني أقول لك أخي الدكتور عليّ: إن بريدة مع تحضُّر العقول، لا حضارة القشور.

الرابط في جريدة الجزيرة اليوم الاحد 09/09/2007م
http://www.al-jazirah.com/277650/rv7.htm

[ツحـبـر شـفـافツ]

!!

اقتباس أنا أدخل إلى معترك الحضارة بشجاعة وبقوة وبوعي، أقلِّب فيها فما ينفعني ويقودني إلى الأمام آخذه وأقبله، وما يؤثر عليّ ويضرني أرفضه وأنبذه ولا أقبله. أما أن أنبذ تاريخي وثقافتي وأقبل كل إفرازات المدنية بلا فلترة ولا وعي فهذا انهزام وعجز وتخلُّف لا تقدُّم وتحضُّر.

ونقولهاااااااا جميعاً ..

بريدة مع حضارة العقول لا مع حضارة القشور!!

رد رائع ..

تسلم ..

تحياااتي ..