بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » سلسلة بناء الذات ... عن أي شيء نتحدث ؟

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 15-10-2007, 03:24 AM   #1
ثائر بن ثائر
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 63
سلسلة بناء الذات ... عن أي شيء نتحدث ؟

بناء الذات ... عن أي شيء نتحدث؟

الحديث عن أي موضوع يكتسب قدرا من الأهمية والاختصاص من عدة موجبات ، من أظهرها في العقل الموضوع المتحدث عنه ، فبقدر أهميته واختصاصه تكون أهمية الموضوع ، وقديما قيل ( شرف العلم بشرف المعلوم ) ، والحديث عن الذات وبنائها بناء شموليا اكتسب أهميته لحديثه عن أخص ما يملكه الإنسان وهي ذاته التي بين جنبيه !

وإذا تأملنا الخطاب الرباني – في القران والسنة – تحصل لدينا أن ثمة اعتناء ظاهر في بناء الذات بناء شموليا في كافة عناصرها وهي الروح والعقل والجسد ، وهذا الاعتناء من الشارع نراه يأتي متنوعا باختلاف مورد السياق ، فتراه تارة في سياق التكاليف وتارة في سياق القصص وتارة في سياق الترغيب والترهيب وغبرها من السياقات ، فبناء الروح بالإيمان وتزكيتها نراه ظاهرا في جملة من الشرائع كالصلاة قال تعالى: ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) والزكاة وذلك في مثل قوله تعالى: ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) والصوم قال سبحانه( وأن تصوموا خير لكم ) وغير ذلك من الأحكام ، بل إنك إذا تتبعت سياق آيات الأحكام وأحاديثها وجدت أن من أخص مقاصد الشارع فيها تزكية الروح بالإيمان وتطيرها مما يناقض ذلك أو يزاحمه ، وهذا في عموم الأحكام الفرض منها والمندوب ابتداء بأفرض الفروض وهو التوحيد وانتهاء بإماطة الأذى عن الطريق ، وكذلك نرى البناء الروحي يأتي ظاهرا في سياق الترغيب والترهيب إذ يتحصل منه لمن تدبر أخص مقامات البناء الروحي وهما مقامي الخوف والرجاء قال تعالى ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ) ، والسياقات في القران والسنة ظاهرة في الاعتناء بهذا البناء وتحصيله .
وأما البناء العقلي – الذي جعله الله مناط تشريف هذا المخلوق عن سائر أجناس الحيوانات – فإن الاعتناء به جاء في جملة من السياقات ، كان من أظهرها تعظيم أهمية البناء العلمي وبيان شرف من حمل العلم والفقه ، قال تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) وقال سبحانه (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) وقال صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين )، بل إن ثمة قدرا من العلم هو من قبيل ما لايعذر المسلم بجهله كأصول الإسلام والإيمان مما نتحصل من أن البناء العقلي بالعلم والمعرفة من أظهر مقاصد الخطاب الرباني ، وثمة سياقات أخر في النصوص توجه إلى البناء العقلي كالدعوة لأخذ العبرة من الأحداث ، والدعوة إلى الحراك العقلي في مثل قوله تعالى ( أفلا تعقلون ) ( أفلا تفكرون ) .
والبناء الجسماني نراه ظاهرا في جملة من فروع الشريعة يأتي في مقدمها الجهاد والحج والصوم ، ولا أظهر في الاعتناء بهذا المقام من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) ، مما يتحصل أن بناء الذات هو من أخص مقاصد الشارع إذ قد ظهر ذلك في جملة من السياقات كان بعضها ما تقدم.

وإذا نظرنا إلى ما نعايشه في واقعنا من انفتاح هائل في ظل عولمة شاملة – فكرية وأخلاقية واقتصادية – قد جاوزت الجدران الاسمنتية ودخلت في قعر البيوت فإن هذه العولمة لا تتم مواجهتها بانعزال تام عن الواقع وانكفاء على الذات بدعوى طلب السلامة والعافية ، بل إن هذا سلبيه وهروب من الواقع لا يرضاه الإسلام الذي من أظهر ما ينميه في أفراده الإيجابية والواقعية ، ولا تتم المواجهة بانفتاح مطلق لا يحمل صاحبه أدنى المقومات التي تحافظ على استقلال الهوية وتميزها ، وتنمي لديه حس الاعتزاز بدينه وثوابته ، مما ينشئ عن هذا الانفتاح المطلق قابلية للتقلبات الفكرية وإعجاب مطلق بالحضارة المادية الغربية ، غير الفتن الأخلاقية التي نواجهها في صورة سيل عارم من الشهوات التي تستهدف أبناء هذه الأمة وتنخ في ذواتهم ، بل إن بناء الحصانة الذاتية الشمولية هي الطريق المحقق في ظل هذه العولمة الشاملة ، وذلك لما تنشئه من استقلال في الهوية وتميز في المبادئ ومناعة إيمانية تمنع من الانزلاق في هذه الفتن ولا تمانع من الاستفادة مما عند الآخرين فيما تميزوا به .

إن السنة الإلهية قد جرت في أن منطلق نهضة الأمم والشعوب إنما تكون ببناء أفرادها الذين يتحصل من مجموعهم بناء أمة أو حضارة بذاتها ، وعلى العكس من ذلك فإن الانحطاط إنما يأتي من تقصير في بناء أفرادها ، فمتى ما أرادت أمة النهوض والارتقاء في سلم البناء الحضاري فليكن منطلقها ببناء ذوات أفرادها بناءا شموليا تحقيقا لقوله تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).
ثائر بن ثائر غير متصل   الرد باقتباس


قديم(ـة) 15-10-2007, 03:54 AM   #2
وحيد المعنى
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2003
البلد: كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
المشاركات: 7,209


شكراً لكـ عزيزي على هذه الكلمات الرائــعــة ، ومتى ما أصبح الفرد قادرا على امتلاك ناصيته فإنه سيملك إرادة الفعل والقدرة على التأثير ، لذلك فإن أزمة الأمة الحقيقية هي فقدان الفرد المسلم لقدرته على التحكم بذاته، وهذه الأزمة خلَّفت ركامًا هائلاً من الضعف، والوهن، والتخلف، والتبعية، وتعجبني هذه المقولة لـ - ( أندري موريس . )
يقول
" كثيراً ما نترك العنان لأنفسنا لنغضب من أمور بسيطة يتعين علينا أن نسقطها من تفكيرنا وننساها . نحن نضيع ساعات لا يمكن تعويضها في التفكير في أحزان سننساها وسينساها الجميع بمرور الوقت . فلنقلع عن العيش بهذه الطريقة ، ولنكرس حياتنا لأعمال وأفكار عظيمة ، ولمشاعر وأحاسيس حقيقية تستحق الاهتمام . "

يذكر انه ذهب أحد المصارعين الكبار مع مجموعة من الشباب إلى أحد المشائخ فقالوا له: إن هذا بطل في المصارعة و حاز على ميداليات ذهبية فالتفت إليه الشيخ و قال له إن كنت بطلا ( صارع نفسك التي بين جنبيك).

فيتضح مما سبق ان من اصعب الصراعات الصراع مع النفس ولكنه أمر ليس بالمستحيل وأيضا ليس باليسير .



خاتمة ..

" ما يرهقك ليس الجبل الذي تحاول تسلقه ، ولكنها حبة الرمل الموجودة داخل حذاءك " .
( – روبرت سيرفيس .)

واكرر شكري لكـ حبيبنا ...
دمت وعين ربي تحرسكـ



__________________

يــــارب يــــارب يــــارب
اشـفـي والـدتـي عـاجـلاً غـيـر آجـل

وحيد المعنى غير متصل   الرد باقتباس
قديم(ـة) 15-10-2007, 04:26 AM   #3
waaaled
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 16
حقيقة لا أعرف من منكما أوجه لك الشكر
فكل كلمة تسابق أختها في روعة الصياغة ودلالة المعنى


(( " ما يرهقك ليس الجبل الذي تحاول تسلقه ، ولكنها حبة الرمل الموجودة داخل حذاءك " . ))
waaaled غير متصل   الرد باقتباس
قديم(ـة) 15-10-2007, 06:40 AM   #4
ثائر بن ثائر
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 63
( لذلك فإن أزمة الأمة الحقيقية هي فقدان الفرد المسلم لقدرته على التحكم بذاته، وهذه الأزمة خلَّفت ركامًا هائلاً من الضعف، والوهن، والتخلف، والتبعية)

أشكرك أخي وحيد المعنى على هذا الكلام الرائع الذي يعتبر تشخيصا دقيقا لأساس جملة كثيرة من المصائب التي تواجهها الأمة .... لك تحياتي .

أشكرك على توجيه الشكر أخي waaaied ولا نحرم من توجيهاتك وملاحظاتك ... لك تحياتي
ثائر بن ثائر غير متصل   الرد باقتباس
قديم(ـة) 15-10-2007, 08:08 PM   #5
وحيد المعنى
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2003
البلد: كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
المشاركات: 7,209
اقتباس
المشاركة الأساسية كتبها waaaled
حقيقة لا أعرف من منكما أوجه لك الشكر
فكل كلمة تسابق أختها في روعة الصياغة ودلالة المعنى


(( " ما يرهقك ليس الجبل الذي تحاول تسلقه ، ولكنها حبة الرمل الموجودة داخل حذاءك " . ))

العفو عزيزي
__________________

يــــارب يــــارب يــــارب
اشـفـي والـدتـي عـاجـلاً غـيـر آجـل

وحيد المعنى غير متصل   الرد باقتباس
قديم(ـة) 19-10-2007, 07:53 AM   #6
ثائر بن ثائر
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 63
ننبه الأخوة القراء الأكارم إلى أن هذا المقال هو بداية لسلسلة من المقالات الهادفة إلى بناء الذات بناء شموليا ، كي تتحق نهضة الأمة بنهوض جملة من أفرادها منطلقا من قوله تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ) .... وفي انتظار ملاحظاتكم وتوجيهاتكم السديدة !
ثائر بن ثائر غير متصل   الرد باقتباس
إضافة رد

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 07:57 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)