Guest
تاريخ التسجيل: Oct 2007
البلد: في قلب يوسف - عليه السلام - .
المشاركات: 46
|
.. .. .. جـنـايـة الأجـداد في قـولـهـم : ( بـيـن الـصـلاتـيـن ) .. .. ..
لا أزال المقرَّب من أبي بين سائر ( باقي ) إخوتي , إذ لا يفتأ – حفظه الله – أن يذكِّرني بيوسف وأبيه يعقوب – عليهما السلام - , إنه لا يزال يشعر براحة عارمة كلما كنت بجانبه , يحفني بأبوته كما يحفني بثنائه المتواصل على ما أقوم به , فإذا الحنان الأبوي يضوع في قربه , ويغشاني منه كما كان يغشاني مذْ كنت طفلاً .
أبي في العقد السابع من العمر , وتشدني إليه لهجته القديمة التي يستعملها لداته وأضرابه من كبار السن , فلها نوطة عجيبة في مسمعي , أعشقها , وأطلبها كلما رأيت شفتيه تتأهبان للتموج , وأنتظرها كلما حرَّر لسانه من سجن أسنانه , فكأن اللفظة الواحدة من هاته اللهجة تأسرني , وتقيد فكري بلجام غليظ , حتى يئيض قلبي إلى رهين صوته الأجش .
تتدلى ساعة ذات عقارب طويلة من جيب قميصه , فلا يُحسن أن يضعها في يده , إذ يطالعها لأوقات الصلاة وحسب , أما مواعيده ؛ فلها توقيت آخر قلما رأيت أبناء جيلنا يؤقتون بها , فهي حصر على من كان في سنه أو يقاربه , ولغة ألفها حين كان الأجداد في شبابهم يعتدُّون بها , وإني وإن كنت لا أصنع صنعه في توقيته ؛ إلا أنني أعرفه كما أعرف مواطن عقارب الساعة حين تشير بلا مضض .
توقيت أبي كما هذه المواقيت : الضحى , اضحي , بين الصلاتين , عقب عشوين , مسيان , مسيان الضعـيِّف . . . عقب الصلاة , وقد يكون تأريخًا , فيقول : القابلة . . . بمعنى ليلة الغد , وقد أجد تناقضًا حين يضرب موعدًا لي , فأراه يقول حرصًا منه : صل معي في المسجد , فما أدري كيف تضيع الساعات في تلك المواقيت , بينما يحرص على الثانية الزمنية في موعد مسجده ؟ !
جناية الأجداد على آبائنا قد انتقلت إلينا نحن الأبناء , فرحنا لا نطلب اهتمامًا بالوقت , ولا نراعي أهميته , وإنما قد نقدم ساعة , أو نؤخر ساعة , وكأن هذه الساعة من العبث لا وجود لها في وقتنا , وكأنها غير داخلة في زمرة الوقت الذي يرحل عنا سريعًا .
كثير من كبار السن اليوم في أيديهم وجيوب قمصانهم ساعات , لكنهم لا يوقتون الوقت بها , وإنما ينطقون بتلك المواقيت التي لا تعود إلى وقت معلوم بالثانية كما تصنع دقة آلة الساعة , فكان أن ورثنا عنهم عدم إحساسنا بالوقت , فيروح اليوم , والشهر , والسنة , فلا نكاد نقيم للوقت الضائع وزنًا , فتأخرنا في نجاحنا وتقدمنا , ولم نجد للتطور طريقًا , فأي شيء يتحسر عليه المرء إن لم يتحسر على وقته الفارط بما لا يفيد ؟ !
محبكم قرطبة , , , 
|