[عبد الملك الرشيد .]

﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) ﴾ [الأحزاب/60-62]


﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ﴾ [الفرقان/31]

الحمد لله معز الإسلام بنصره ومذل الكفر والنفاق بقهره ، والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير محمد بن عبد الله خاتم الرسل وسيد ولد آدم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الله سبحانه وتعالى لما أن أراد أن ينتشل أهل الزيغ والضلالة من ظلمات التيه والعمى إلى رحابة الدين والهدى = اختار خير الناس وأقومهم وأزكاهم نسباً وأصلا ، ثم ربّاه وعلّمه ووقاه وهداه وكفاه ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) ﴾ [الضحى/6-8] ، وزكّى الله سمعه ، وبصره ، وفؤاده ، وشرح صدره ، ووضع عنه وزره ، ورفع ذِكره ، وجعله خاتم النبيين ، واختاره من بين العالمين لتبليغ هذا الدين إلى الناس كافة .
وما زال الناس جميعا مؤمنهم وكافرهم يشهدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة والعقل والرشاد والبصيرة ، أما المؤمنون فيؤمنون مع ذا بأنه رسول كريم فيطيعونه ويأتمرون بأمره وينتهون عما نهى عنه .
ولقد أرسل إليّ بعض الإخوة كتابات لدعي سمّى نفسه ( قرطبة ) فيها من الاستهزاء بمقام الأنبياء ما تقشعر منه جلود أهل التوحيد ، وطلب إليّ أن أبيّن ما أعلم من حكم الله فيه ، وقد قال الله عز وجل ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) ﴾ [البقرة/159] ، وقال ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [آل عمران/187] ، وجاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) .
فأقول وبالله التوفيق : إن المتسمي بـ ( قرطبة ) كافرٌ مرتدٌ عن دين الإسلام يجب إقامة الحد عليه ردةً .


وبيان ذلك من ثلاثة فصول :



الفصل الأول : في تأصيل مسألة التكفير العيني .

اعلم وفقك الله أن التكفير العيني حكم شرعي له شروط وموانع وأحوال .
وشروط التكفير العيني ثلاثة :
الشرط الأول : أن يكون الفاعل للكفر مكلفاً ( بالغاً عاقلاً ) متعمّداً قاصداً لفعله مختاراً له بإرادته .
الشرط الثاني : أن يكون القول أو الفعل من المكلف صريح الدلالة على الكفر ، وأن يكون الدليل الشرعي صريح الدلالة على التكفير .
الشرط الثالث : أن يثبت الفعل على الفاعل بطريق شرعي صحيح .
فهذه ثلاثة شروط تختص بالفاعل والفعل والإثبات .

أما موانع التكفير التي تمنع من إيقاع الحكم الشرعي على المتلبّس به فإن أهل الأصول يقولون : ( عدم الشرط مانع من موانع الحكم ، وعدم المانع شرط من شروطه ) فكل شرط عُدم فهو مانع يمنع من إيقاع الحكم الشرعي .
وسنبسط القول في الموانع للحاجة إليها ولأنها قد تخفى على كثير من طلبة العلم اليوم .
فالموانع ثلاثة :
المانع الأول : أن يكون الفاعل للكفر صغيراً ، أو مجنوناً ، أو مخطئاً كمن سبق لسانه أو حكى الكفر على لسان غيره أو تكلّم بكفر وهو لا يعلم معناه .
أو أن يكون جاهلاً ، والجهل لا يعذر به في المسائل الظاهرة أو ما كان معلوماً من الدين بالضرورة ، ويزول العذر بالجهل ببلوغ القرآن لقوله تعالى ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام/19] ، وقوله تعالى ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء/15] ، وقال الشيخان إبراهيم ومحمد أبناء الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ ، والشيخ سليمان بن سحمان رحمهم الله : ( لكن الشخص المعيّن إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر بها تاركها وهذا في المسائل الخفيّة التي يخفى دليلها عند بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ..... وأما ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله ) عقيدة الموحدين ص451 .
وقالت اللجنة الدائمة في فتاواها ( ومن عاش في بلاد يسمع فيها بالدعوة إلى الإسلام وغيره ، ثم لا يؤمن ولا يطلب الحق من أهله ، فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلاميّة وأصر على الكفر ) [فتاوى اللجنة 2/97 ] .
أو أن يكون مكرهاً ، ودليله قوله تعالى ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ﴾ [النحل/106] .
وقد ذكر العلماء شروطاً للإكراه نوردها استطراداً ، فمنها :
1- أن يغلب على ظن المكرَه لأنه إذا امتنع أُوقِع ما هُدد به .
2- ألا يتمادى المُكرَه زيادةً على ما يمكن أن يزيل عنه البلاء .
3- أن يكون ما يُهدد به مما لا طاقة له به كالضرب الشديد وتقطيع الأعضاء والتحريق بالنار والقتل ونحوها .
5- أن هذا الإكراه إنما هو بالنطق بالكفر أو فعله ثم العودة إلى إظهار الإسلام ، أما الإكراه على الإقامة على الكفر فهو لا يعذر به .
وقد اختلف العلماء في صحّة الإكراه بالتهديد القولي فقط وذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يصح إلا أن يُوقَع به التهديد فعلا .
أو أن يكون متأولاً ، والتأويل هو : وضع الدليل الشرعي في غير موضعه باجتهاد ، أو شبهة تنشأ من عدم فهم دلالة النص ، أو فهمه فهماً خاطئاً ، أو ظن غير الدليل دليلا ، أو الاستدلال بحديث ضعيف ظُن صحيحا ، فيقدم المتأول على الكفر وهو لا يراه كفراً .
والتأويل المقبول يكون بأمرين : الأول : أن يكون للمتأول مستند من دليل شرعي .
والثاني : أن يكون مستند من لغة العرب .
فما لم يكن فيه أحد هذين الأمرين فهو محض رأي وهوى عُبر عنه بسمى التأويل .
وقد نقل القاضي عياض عن العلماء قولهم ( ادعاء التأويل في لفظ صراح لا يقبل ) [الشفا 2/217 ط : دار الفكر ]
والخطأ في التأويل يسقط بإقامة الحجة على المتأول بدليل قصّة شرب قدامة بن مظعون الخمر في زمن عمر متأولاً الآية ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة/93] فاستتابه عمر رضي الله عنه فتاب فجلده حد الخمر ولم يقتله ردةً . [ مصنف عبد الرزاق 9/240 ، ومصنف ابن أبي شيبة 6/503]

وإقامة الحجة تكون بتبليغها للمكلّف سواء فهمها أم لا ، وهي مسألة دقيقة يغفل عنها طلبة العلم ، يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) ﴾ [التوبة/115] ولم يقل : ( حتى يتبيّن لهم ) . أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر للشيخ عبد العزيز العبد الله الراحجي
وكذلك يدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلّم من حديث أبي هريرة ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) مسلم 153 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين : بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدرة على العمل به . فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي ) الفتاوى 20/59
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ( فإذا كان المعين، يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه ، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يُعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله : ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ﴾ [الأنعام/25] ، وقوله ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال/22] ) [ الدرر السنيّة 10/68 ، وانظر الرسالة الثالثة والثلاثون من الرسائل الشخصيّة ] .
ويقول الشيخ محمد ابن إبراهيم رحمه الله تعالى ( فإذا أوضحتْ له الحجة بالبيان الكافي كَفَر سواء فهم أو قال : ما فهمت ، أو فهم وأنكر ..... وأما ما عُلم بالضرورة أن رسول الله جاء به وخالفه فهذا يكفر بمجرد ذلك ولا يحتاج إلى تعريف سواء في الأصول أو الفروع ما لم يكن حديث عهد بإسلام ) الفتاوى 1/74 .
وأقوال أئمة الدعوة في هذا كثيرة جداً وقد ألف الشيخ عبد الله أبا بطين رسالته ( معنى إقامة الحجة والفرق بين إقامة الحجة وفهمها ) وهي رسالة جيدة في هذا الباب .
وقد أطلنا في هذا المانع لما رأيناه من غفلة عنه عند جماهير طلبة العلم فكانت الإطالة مستحبة في هذا الموضع .
المانع الثاني : أن يكون القول أو الفعل غير صريح في الدلالة على الكفر ، أو أن يكون الدليل الشرعي غير صريح في التكفير بأن يكون غير قاطع في الدلالة على أن هذا الفعل كفراً .

المانع الثالث : أن يكون الفعل المكفّر غير ثابتٍ الثبوت الشرعي ، من نقصِ شاهدٍ كما في قصّة زيد ابن الأرقم مع عبد الله بن أبي بن سلول التي رواها البخاري حين قال ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرج الأعز منها الأذل ) ، أو أن يكون أحد الشهود غير عدل .

ومن هنا يتبين أنه في مقابل شرط التكليف ( البلوغ والعقل ) يكون مانع الصغر والجنون ، وفي مقابل شرط القصد مانع الخطأ ، ومقابل شرط العمد مانع التأويل ، ويقابل شرط الاختيار مانع الإكراه ، ومقابل شرط كون الفعل صريحاً في الدلالة على الكفر والدليل الشرعي صريحا في التكفير مانع انتفائهما ، ومقابل شرط إثبات الفعل إثباتاً شرعياً مانع انتفاء هذا الإثبات .






الفصل الثاني :

قال قرطبة ( فالنبي هنا لم يكن مثقفًا واعيًا بتلك الثقافات التي حوله , وكل ما يأتيه من أمر العباد والشرائع فهو وحي يوحى إليه , فليس كل ما يخبر به ناشئ من عنده , بل هو من غيره ولم يكن وليد العلم , فهو يتلقى العلم ثم يُخبر عنه , فليس كأحد المثقفين حين يتعلم العلم ثم يُحدِّث به , بل كان يتلقاه وهو لم يبلغ الجهد فيه
لذلك ؛ فالنبي لا يمت للثقافة بشكل من الأشكال , وليس وليد علم , ولم يأخذ العلم عن أحد تعلّمًا , وإنما من الوحي فحسب , وشتان بين من يفني عمره في العلم وبين من يأخذ المعلومة حاضرة كما محركات البحث اليوم .

انتظار الوحي قد يتبعه فقر النبي لفن الإدارة , فهو لم يستطع التعامل مع الأحداث التي كانت في عصره , بل نراه ينتظر ذلك الوحي . ) أ-هـ .

قلتُ :

لو قيل لأي رجل إنك لا تمت للثقافة بشكل من الأشكال ، وشتان بينك وبين من يفني عمره في العلم ، بل أنت تنتظر أوامر لتنفذها ، فأنت كمحركات البحث تعطى معلومة حاضرة . أتراه يرضى ؟؟ أم تراه يعدها مفخرة ؟؟

بل أنا أتحدى قرطبة أن يكتب باسمه الصريح أو حتى بالمستعار ويوجه هذه الرسالة إلى رجل من رجالات الدولة . دونك غازي القصيبي اكتب له يا قرطبة بأنه لا يمت للثقافة بشكل من الأشكال وليس وليد علم وأنه يأخذ المعلومة من الملك فحسب ، وشتان بينه وبين من يفني عمره في العلم وبين من يأخذ المعلومة حاضرة كما محركات البحث اليوم .
قل له بأن عنده فقر لفن الإدارة , فهو لم يستطع التعامل مع الأحداث, بل نراه ينتظر ذلك الأمر من الملك .
قل هذا له إن كنت شجاعاً ..
هان عليك ملك الملوك جبار السموات والأرض ، من إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون ، فآذيت صفيّه وخليله وخاتم أنبيائه بسفه من القول مردود ، ولم تعلم أن الله يمهل ولا يهمل ، وأنه ما جعل الدنيا إلا ليبلوا خلقه أيعبدوه ؟ .
والله إن الألم ليعتصر الفؤاد وهو يرى هذه الحثالة من المرتدين ممن تكلّم بلساننا ، وسكن في ديارنا ، ويعلّم أبنائنا ، تلبسوا بلبوس أهل العلم والعلم منهم براء ، وتزينوا بالشهادات ، فما أغنت عنهم شهاداتهم أمام العلم الحق شيئا ، فهم غثاء كغثاء السيل ، فلما رأوا أن علومهم لا تجعل منهم علماء بل ولا أدباء عمدوا إلى موائد اللئام ( في السفارات الأجنبية ) فصاروا متسولين فيها يسترقون النظر ويخطفون اللقمة بسعادة وظفر ، ثم يقولون : هانحن أتينا بالجديد ، ولم نُسبق إلى التجديد ! .

وأنا أشهد بالله العظيم أن ( قرطبة ) قد سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنقّص من قدره بنفي العلم عنه ، وأنه كمحركات البحث ، وأنه شتان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من يفني عمره في العلم ( ولو كان كافراً ملحداً ) ، وأن عند النبي فقر في فن الإدارة ! .

فإذا علم المرء أنه لا أحد يرضى بأن يوصف بأنه لا يمت للثقافة بشكل من الأشكال ، وأن هذا الوصف انتقاص لمقام النبوة ، فإن من المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة أن المنتقص من النبي صلى الله عليه وسلم كافر مرتد ، قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ﴾ [الفرقان/31] .

وقال سبحانه ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) ﴾ [الأنعام/10، 11] .

وقال ﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) ﴾ [التوبة/64-66]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر ... وقد دلّت الآية على أن كل من تنقّص رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاداً أو هازلاً فقد كفر ) الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 28 .


وقال الله سبحانه وتعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) ﴾ [الحجرات/2]
قال شيخ الإسلام عند هذه الآية : ( ولا يحبط الأعمال غير الكفر – كما دلّت على ذلك النصوص – فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي ، والجهر له بالقول يُخاف من أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك ، وأن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له ، واستخفاف به وإن لم يقصد الرافع ، فإن الأذى والاستخفاف المقصود المتعمّد كفرٌ بطريق الأولى ) الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 136.

وقال القاضي عياض ( دلّت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما يجب من الحقوق للنبى صلى الله عليه وسلم وما يتعين له من بر وتوقير وتعظيم وإكرام وبحسب هذا حرم الله تعالى أذاه في كتابه وأجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) ﴾ [الأحزاب/57] ، وقال: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) ﴾ [التوبة/61] ، وقال الله تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) ﴾ [الأحزاب/53] ) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/926


وقد أجمع العلماء على كفر من سب أو تنقّص النبي صلى الله عليه وسلّم ونقل الإجماع منهم : إسحاق ابن راهويه ( التمهيد 4/226 ) ، ومحمد بن سحنون المالكي ( الشفا 2/933 ) ، وأبو بكر الفارسي الشافعي ( فتح الباري 12/281 ) .

قال القاضي عياض ( اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عابه ، أو ألحق به نقصا في نفسه ، أو نسبه ، أو دينه ، أو خصلة من خصاله ، أو عرض به ، أو شبهة بشيء على طريق السب له ، أو الإزراء عليه ، أو التصغير لشأنه ، أو الغض منه والعيب له ، فهو ساب له ؛ والحكم فيه حكم الساب يقتل ... وكذلك من لعنه ، أو دعا عليه ، أو تمنى مضرة له ، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم ، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام ، وهجر ومنكر من القول وزور ، أو عيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه ، أو غمطه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه ، وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرا )

وقال ابن تيمية في كلام نفيس ( إن اشتقاق الإيمان من الأمن الذي هو الإقرار والطمأنينة ، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد ، وإذا كان كذلك فالسب إهانة واستخفاف ، والانقياد للأمر إكرام وإعزاز ، ومحال أن يهين القلب من انقاد له وخضع واستسلم ، أو يستخف به . فإذا حصل في القلب استخفاف واستهانة امتنع أن يكون فيه انقياد أو استسلام فلا يكون فيه إيمان ) الصارم ص519

قال الإمام أحمد ( من شتم النبي صلى الله عليه وسلّم أو تنقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل ) المسائل المروية عن أحمد ص2/59 .

وقال أبو يوسف ( وأيما مسلم سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كذبه أو عابه أو تنقصه فقد كفر بالله وبانت منه امرأته ) الخراج لأبي يوسف 293 .





الفصل الثالث : في إثبات الكفر بشروطه وانتفاء الموانع .


رأينا الكفر البواح من أقوال قرطبة ، وهو عاقلٌ ، عالمٌ ، مكلّفٌ ، متعمدٌ ، قاصدٌ لهذا المعنى ، مختارٌ غير مكره .

وقوله لا يدخل في التأويل الذي فصلناه لأن احترام النبي ، وتوقيره ، وعدم تنقصه من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة وقد سبق بيان عدم دخول هذا .

فإن قيل : بل هو متأوّل ، وكلامه محتمل .
قلنا : لو لم نجعل هذه من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة فإنه لا وجه سائغ لتأويله من حيث الدليل الشرعي ولا من حيث اللغة ؛ فانتفى الشرط الذي اشترطناه .

فإن قيل : كلامه لا يحمل انتقاصاً للنبي ، ولا سباً له ؛ فليس في الكتاب ولا في السنة أن من قال بأن النبي كمحركات البحث يكفر .
قلنا : إن السب والتنقص للنبي عائد إلى العرف ، فما كان في عُرف الناس سبا وانتقاصاً كان في حق الله عز وجل ، وحق رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحق الصحابة سبا . وإلى هذا أشار شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله ( السب هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف ، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح ونحوه ) الصارم ص 561 ، وقال في موضع آخر ( فما كان في العرف سباً فهو الذي يجب أن ننزل عليه كلام الصحابة والعلماء ) الصارم ص 477 .

فلذا كان قرطبة بعينه كافراً مرتداً يجب إقامة حد القتل عليه وتنطبق جميع أحكام المرتدين عليه .


تنبيه :
أقول لإخوتي في الله من طلبة العلم مذكراً لهم بقول الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله تعالى حين قال : ( وأما إن كان المكفِّر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره إلى نصٍ وبرهان من كتاب الله ، وسنة نبيّه ، وقد رأى كفراً بواحاً كالشرك بالله وعبادة ما سواه ، والاستهزاء به تعالى ، أوآياته ، أو رسله ، أو تكذيبهم ، أو كراهة ما أنزل الله من الهدى ودين الحق ، أو جحد صفات الله تعالى ، أو نعوت جلاله ، ونحو ذلك ، فالمكفِّر بهذا وأمثاله مصيبٌ مأجورٌ مطيعٌ لله ورسوله صلى الله عليه وسلّم ) الدرر السنية ص12/261 .

وإني ليأخذني العجب كل مأخذ حين أعلم من المسلمين من لا زال يلاطف ( قرطبة ) ويلين له القول ، مع علمه بسبه للنبي صلى الله عليه وسلّم وانتقاصه له ، ولو سب هذا أباه أو أخاه أو قبيلته لهجره وأعرض عنه وأغلظ له القول !
ألا فليتق الله من هذا شأنه ولا يجعلنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أهون الناس إليه ، وأين هو من غيرة الصحابة رضوان الله عليهم ، فهذا أحد الصحابة أعمى وضعيف وله أم ولد به رفيقه وله بارّة ، فسبت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فما ترونه صنع ؟
وليتأمل الغيور هذه الواقعة التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم ليأخذ منها العبر والدروس .
روى أبو داود ( 4361 ) والنسائي ( 7/99 )عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن أعمى كانت له أم ولد، تشتم النبي صلى الله عليه وسلّم ، وتقع فيه ، فينهاها فلا تنتهي ، ويزجرها فال تنزجر ، قال : فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلّم وتشتمه ، فأخذ المِغْوَل فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها .. فلما أصبح ذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فجمع الناس فقال : ( أنشد الله رجلاً فعل ما فعل ، لي عليه حق ، إلا قام ) فقام الأعمى يتخطى الناس ، وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر ، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة ، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك ، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا اشهدوا أن دمها هدر ) .
زاد النسائي : (وكانت بي لطيفة رفيقة ) .
والمِغْوَل: سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه، وقيل: حديدة دقيقة لها حد ماض ( عون المعبود ).


اللهم ثبتنا على هداك حتى نلقاك ، اللهم إنا نعوذ بك من الخطل والزلل ، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم ونستغفرك لما لا نعلم ..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .

عبد اللطيف بن محمد الرشيد

[مدحت شوقي بريده]

تسلم يمينك ..

كلام مؤصل ومقنع ..

[صاحب سمو طبعي]

هل قرطبة هذا أصم
أما معتوه
بل هو والله تأئه أذل
لا بارك الله لك بأناملك
التي كتبت
وبعيونك التي وصفت
والله وتالله
انهو لهذا الارهاب
صورة مع التحيه
الى المحاكم وأهل الراي

[هها بس]

مسكين قرطبة ... ألا تشفع له أخطائه الإملائية الكثيرة لينال الصفح ؟

[فنتاستكـ]

أستاذ قرطية
الله يبشرك بالخير
لعل كل جديدك تنقله هناك
وتكتفي ..
وتخلينا براحتنا ,,

[الصباخ]

بارك الله فيك وسدد على الحق خطاك.

ليت الأمر يتعدى إلى المحاكم حتى يعرف قرطبة قول الشرع فيه أمام جمعٍ من المسلمين.

[حقيقة]

لا فض فوك ..
ولا عدمك محبوك ..

فوالله إنها لكلمة حقٍ قل من ينطقها لفشو منهج الإرجاء ..

زادك الله علماً وجعلك غصةً في حلق أعداء الدين ..

[.:انــجــريــنــد:.]

احسنت يا عبدالملك

بارك الله فيك

وجزاك الله خير

[الاسباطي]

اقتباس فأقول وبالله التوفيق : إن المتسمي بـ ( قرطبة ) كافرٌ مرتدٌ عن دين الإسلام يجب إقامة الحد عليه ردةً .

أخي أعتقد إنك استعجلت في الحكم على الرجل قبل مقابلته ونقاشه في أفكاره
نعم قرطبة أخطأ خطأ كبيرا وتجاوز كثيرا ولكن التكفير أمره الى القضاء والقضاة
اللهم أصلح حال هذا الانسان وأكفه شر نفسه والشيطان وأكفنا شره
وجزاك الله خير
هذا رأيي والله المستعان

[سليل العز]

اللهم أذل من أراد دينك او نبيك بسوء و أشغله في نفسه و رد كيده في نحره


لا فض فوك

و خيرنا من ذب عن عرض سيدنا و نبينا محمد و ألجم من يريد عرضه

[وهج السنابك]

تكفير ؟؟؟

خط أحمر لا أستطيع الإقتراب منه ولا حتى شكر الكاتب فشكره دليل على الموافقة ولا أريد أن آتي يوم القيامة
وأنا قد فعلت فعلاً يسعني عدم فعله ...!

[الصباخ]

اقتباس المشاركة الأساسية كتبها وهج السنابك تكفير ؟؟؟ خط أحمر لا أستطيع الإقتراب منه ولا حتى شكر الكاتب فشكره دليل على الموافقة ولا أريد أن آتي يوم القيامة وأنا قد فعلت فعلاً يسعني عدم فعله ...!

لو قرأت ماقاله قرطبة، لما ترددت بشكر الكاتب على مقاله.

[(عذب/؟/الإحساس)]

أقول مستعينا بالله..

الأخ عبد الملك.. جمع الأدلة والبراهين ووثق دليله ومقولته بالكلام الذي قاله المدعو قرطبه والذي جعل عبد الملك يطلق الحكم...

لكن حكم التكفير أمر خطير جدا... فكما نعلم لو أن كل من علل تعليلا أو قرأ دليلا جاز له التكفير وصار تكفيره للأخرين صائبا... لكفّر كل شخص من حوله ولنشبت الصراعات والمعارك...

ووالله أني لا أعرف عبد الملك ولا أعرف قرطبه...
ولكن شدني أمر التكفير فأقول ليتنا لا نتسرع ونبعث بكلام قرطبه إلى من له حق الحكم والتعليل وأيضا نبعث بكلام عبد الملك إذا ذلك العالم... ونرى الإجابة الشافية على أمر كهذا

أسأل الله بمنه وكرمه أن يعفو عن كل مخطئ ومذنب وأن يهدي كل تائه وأن يظهر الحق عيانا جليا


أقول للأخ ( أبو مشعل : ليتك أجدت في تعبيرك واستخدمت ألفاظا تعبر عن شخصيتك... فكل كلمة محسوبه وكل لفظ إما أن يحسب لك أو عليك في ميزان الله وفي نظرة الخلق لك )

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

[خيااال نجد]

بسم الله الرحمن الرحيم

اشكرك اخي عبد الملك الرشيد على مجودك الموفق واسال الله لك السداد .

فعلن اجابه علميه واضحه مع الشرح .

اخي ابو مشعل : لا تاخذك الحميه الجاهليه بقرطبه فانت انسان ذا عقل ولا يغيب عنك ما قاله الريبظ المسمي نفسه بقرطبه فهو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليك ان كنت تعرف قرطبة شخصيا ان تنصحه وتدعوه للتوبه قبل فوات الاوان فان كلامك هذا دليل موافقتك لهذا الفاسق ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم والراضي كالفاعل .


اللهم عليك بكل من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم شل اركانه واعمي بصره وارنا به عجائب قدرتك يارب العالمين والحق به اللهم كل من ايده ومشى ممشاه .