دأب أحد المشرفين في هذه الساحة على أن يطلعنا على أمواتنا , فخلناه كما الحانوتي الذي يتبادر إلى أذهاننا من أنه بلباس أسود , وبنداء متكرر حين التشييع كما في الدول العربية الشقيقة .
على أن الحانوتي قلما يكون متزوجًا , فهو منبوذ من المجتمع ؛ ذلك لأنه لا يدخل البيوت إلا لميت , فيتشاءم منه الناس , ويحبذون الابتعاد عنه ما أمكن , فهو كما هادم اللذات ومفرق الجماعات .
إن الإخبار عن الوفيات أمر يدعو إلى التقزز والاشمئزاز , كأن يطالع أحدنا صفحة الوفيات , أو أن تكون شرفة منـزله مطلة على إحدى المقابر , إنها تذكره بالآخرة حين يزورها , لكنها تميت فيه القلب حين يطالعها مجاورة صباح مساء .
الحانوتي , وصاحب صفحة الوفيات , والساكن بجوار المقبرة ؛ قلوبهم لا مشاعر فيها ولا أحاسيس , كما حفّار القبور , وكما مغسل الموتى , وكما الأطباء الجراحون الذين يُعملون الشق والبعج في البطون , فيستخرجون الأمعاء والأعضاء ليضعوها في أطباقهم من غير أن يطرف لهم جفن .