بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » دُرر لا حصر لها (من يشتريها الأن ؟)

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 13-02-2008, 04:04 PM   #15
المثنى 2007
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 128
السلام عليكم
الدُره التاسعة


• لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها, وخداع الأمل لأربابه, وتملك الشيطان قياد النفوس, ورأوا الدولة للنفس الأمارة, لجأوا الى حصن التضرّع والالتجاء, كما يأوي العبد المذعور الى حرم سيده.

• شهوات الدنيا ك "لعب الخيال", ونظر الجاهل مقصور على الظاهر, فأما ذو العقل فيرى ما وراء الستر.

• لاح لهم المشتهى, فلما مدوا أيدي التناول بأن لأبصار البصائر خيط الفخ, فطاروا بأجنحة الحذر, وصوبوا الى الرحيل الثاني: {يا

ليت قومي يعلمون} يونس 26, تلمح القوم الجود, ففهموا المقصود, فأجمعوا الرحيل وشمروا للسير في سواء السبيل, فالناس مشتغلون بالفضلات, وهم في قطع الفلوات, وعصافير الهوى في وثاق الشبكة ينتظرون الذبح.

• وقع ثعلبان في شبكة, فقال أحدهم للآخر: أين الملتقى بعد هذا؟ فقال: بعد يومين في الدباغة.

• تالله ما كانت الأيام الا مناما, فاستيقظوا وقد حصلوا على الظفر.

• ما مضى من الدنيا أحلام, وما بقي منها أماني, والوقت ضائع بينهما.

• كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه, وولد لا يعذره, وجار لا يأمنه, وصاحب لا ينصحه, وشريك لا ينصفه, وعدو لا ينام عن معاداته, ونفس أمارة بالسوء, ودنيا متزيّنة, وهوى مرد, وشهوة غالبة له, وغضب قاهر, وشيطان مزين, وضعف مستول عليه. فان تولاه الله وجذبه

اليه انقهرت له هذه كلها, وان تخلى عنه ووكله الى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة.

• لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة اليهما, واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما, وعدلوا الى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ, عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم, وظلمة في قلوبهم, وكدر في أفهامهم, ومحق في عقولهم. وعمتهم هذه هذه الأمور وغلبت عليهم,

حتى ربي فيها الصغير, وهرم عليها الكبير, فلم يروها منكرا. فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مكان السنن, والنفس مقام العقل, والهوى مقام

الرشد, والضلال مقام الهدى, والمنكر مقام المعروف, والجهل مقام العلم, والرياء مقام الاخلاص, والباطل مقام الاخلاص, والباطل مقام الحق, والكذب

مقام الشرك, والمداهنة مقابل النصيحة, والظلم مقام العدل. فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور, وأهلها هم المشار اليهم فاذا رأيت دولة هذه الأمور قد

أقبلت, وراياته قد نصبت, وجيوشها قد ركبت, فبطن الأرض والله خير من ظهرها, وقلل الجبال خير مكن السهول, ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس.

اقشعرّت الأرض وأظلمت السماء, وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة, وذهبت البركات, وقلّت الخيرات, وهزلت الوحوش, وتكدرت الحياة

من فسق الظلمة, بكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة, وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات الى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة

المنكرات والقبائح. وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه, ومؤذن بليل بلاء قد أدلهم ظلامه. فاعزلوا عن الطريق هذا السيل بتوبة ممكنة وبابها

مفتوح. وكأنكم بالباب وقد أغلق, وبالرهن وقد غلق وبالجناح وقد علق {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} الشعراء 227.

• اشتر نفسك اليوم, فان السوق قائمة, والثمن موجود, والبضائع رخيصة, وسيأتي على تلك البضائع يوم لا تصل فيه الى قليل ولا

كثير: { ..وذلك يوم التغابن} التغابن 9, { ويوم يعض الظالم على يديه} الفرقان 27.

اذا أنت لم ترحل بزاد من التقى وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا

• العمل بغير اخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملاء جرابه رملا يثقله ولا ينفعه.
• اذا حملت على القلب هموه الدنيا وأثقالها, وتهاونت بأورادها التي هي قوته وحياته, كنت كالمسافر الذي يحمل دابته فوق طاقتها ولا يوفيها علفها, فما أسرع ما تقف به.

ومشتت العزمات ينفق عمره حيران لا ظفران ولا اخفاق
هل السائق العجلان يملك أمره فما كل سير اليعملات وخيد
رويدا بأخفاف المطى فانما تداس جباه تحتها وخدود

اليعمل : الناقة التي تعمل كثيرا, العذرة : خد البعير اذا أسرعت في المشي.
• من تلمح حلاوة العافية هانت عليه مرارة الصبر.
• الغاية أول في التقدير, آخر في الوجود, مبدأ في نظر العقل, منتهى في منازل الوصول.
• ألفت عجز العادة, فلو علت بك همّتك ربا المعالي لاحت لك أنوار العزائم.
• انما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور.



نزول همة الكساح دلاه في جب العذرة. الكساح: داء يصيب الابل, العذرة فناء البيت, وكذلك يقال للغائط.

• بينك وبين الفائزين جبل الهرم, نزلوا بين يديه ونزلت خلفه, فاطو فصل منزل, تلحق بالقوم.
• الدنيا مضمار سباق, وقد انعقد الغبار وخفى السابق, والناس في المضمار بين فارس وراجل وأصحاب حمر معقرة.

سوف ترى اذا انجلى الغبار أفرس تحتك أو حمار

• في الطبع شره, والحمية أوفق.
• لص الحرص لا يمشي الا في ظلام الهوى.
• حبة المشتهى تحت فخ التلف, فتفكر الذبح وقد هان الصبر.
• قوة الطمع في بلوغ الأمل توجب الاجتهاد في الطلب, وشدة الحذر من فوت المأمول.
• البخيل فقير لا يؤجر على فقره.
• الصبر على عطش الضر, ولا الشرب من شرعة منّ.
• تجوع الحرة, ولا تأكل بثدييها.
• لا تسأل سوى مولاك, فسؤال العبد غير سيده تشنيع عليه.
• غرس الخلوة يثمر الأنس.
• استوحش مما لا يدوم معك, واستأنس بمن لا يفارقك.
• عزلة الجاهل فساد, وأما عزلة العالم فمعها حذاؤها وسقاؤها.
• اذا اجتمع العقل واليقين في بيت العزلة, واستحضر الفكر وجرت بينهم مناجاة:

أتاك حديث لا يمل سماعه شهى الينا نثره ونظامه
اذا ذكرته النفس زال عناؤها وزال عن القلب المعنى ظلامه

• اذا خرجت من عدوك لفظة سفه, فلا تلحقها بمثلها تلقّحها, ونسل الخصام نسل مذموم.
• حميتك لنفسك أثر الجهل بها, فلو عرفتها حق معرفتها أعنت الخصم عليها.
• اذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ابتدأت بحراق القادح.
• أوثق غضبك بسلسلة الحلم, فانه كلب ان أفلت أتلف.
• من سبقت له سابقة السعادة, دل على الدليل قبل الطلب.
• اذا أراد القدر شخصا بذر في أرض قلبه بذر التوفيق, ثم سقاه بماء الرغبة والرهبة, ثم أقام عليه بأطوار المراقبة, واستخدم له حارس العلم, فاذا الزرع قائم على سوقه.
• اذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة, وردفه قمر العزيمة, أشرقت أرض القلب بنور ربها.
• اذا جن الليل تغالب النوم والسهر, فالخوف والشوق في مقدم عسكر اليقظة, والكسل والتواني في كتيبة الغفلة, فاذا حمل العزم حمل

على الميمنة فانهزمت جنود التفريط, فما يطلع الفجر الا وقد قسمت السهمان وبردت الغنيمة لأهلها.
• سفر الليل لا بطيقه الا مضمر المجاعة, النجائب في الأول, وحاملات الزاد في الأخير.
• لا تسأم الوقوف على الباب ولوطردت, ولا تقطع الاعتذار ولو ردت, فان فتح الباب للمقبولين دونك فاهجم هجوم الكذابين وادخل

دخول الطفيلية وابسط كف {وتصدّق علينا} يوسف 88.
• يا مستفتحا باب المعاش بغير اقليد التقوى (أي مفتاحها), كيف توسع طريق الخطايا وتشكو ضيق الزرع.
• لو وقفت عند مراد التقوى لم يفتك مراد.
• المعاصي سد في باب الكسب, و" ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه", جزء من حديث أخرجه ابن ماجه 2\1334 رقم 4022, وأحمد 5\277, عن ثوبان.

تالله ما جئتكم زائرا الا وجدت الأرض تطوي لي
ولا انثنى عزمي عن بابكم الا عثرت بأذيالي

• الأرواح هي الأشباح كالأطيار في الأبراج, وليس ما أعد للاستفراخ كمن هيىء للسباق.
• من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل يشغله.
• كن من أبناء الآخرة ولا تكن من أبناء الدنيا, فان الوليد يتبع الأم.
• الدنيا لا تساوي نقل أقدامك اليها, فكيف تعدو خلفها؟.
• الدنيا مجاز والآخرة وطن, والأوطار انما تطلب من الأوطان. الاجتماع بالخوان قسمان:


أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت, فهذا مضرّته أرجح من منفعته, وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت.
ثانيهما: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر, فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها, ولكن فيها ثلاث آفات:


الأولى: تزين بعضهم لبعض.
الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة. الثالثة: أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.

وبالجملة, فالاجتماع والخلطة لقاح امل للنفس الأمارة واما للقلب والنفس المطمئنة, والنتيجة مستفادة من اللقاح, فمن طاب لقاحه طابت ثمرته, وهكذا الأرواح الطيّبة لقاحها من الملك, والخبيثة لقاحها من الشيطان, وقد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين, والطيبين للطيبات وعكس ذلك. اقرأ الآية 26 من سورة النور.
المثنى 2007 غير متصل  
قديم(ـة) 15-02-2008, 02:32 PM   #16
المثنى 2007
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 128
السلام عليكم
الدُره العاشره


حبسان منجيان

طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سيره وطلبه الا بحبسين. حبس قلبه في طلبه ومطلوبه, وحبسه عن الالتفات الى غيرة. زحبس لسانه عما لا

يفيده, وحبسه على ذكر الله وما يزيد في ايمانه ومعرفته. وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات, وحبسها على الواجبات والمندوبات, فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن الى أوسع فضاه وأطيبه. ومتى لم يصبر على هذين الحبسين وفر منهما الى فضاء الشهوات أعقبه ذلك الحبس

الفظيع عند خروجه من الدنيا, فكل خارج من الدنيا اما متخلص من الحبس واما ذاهب الى الحبس. وبالله التوفيق.

ودّع ابن عون رجلا فقال: عليك بتقوى الله, فان المتقى ليست عليه وحشة.

وقال زيد بن أسلم: كام يقال: من اتقى الله أحبه الناس وان كرهوا.
وقال الثوري لابن أبي ذئب: ان اتقيت الله كفاك الناس, وان اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا.


وقال سليمان بن داود: أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا, وعلّمنا مما علّم الناس ومما لم يعلموا, فلم نجد شيئا أفضل من تقوى الله في السر

والعلانية, والعدل في الغضب والرضا, والقصد في الفقر والغنى.

وفي الزهد للامام أحمد أثر الهي: " ما من مخلوق اعتصم بمخلوق دونى الا قطعت أسباب السموات والأرض دونه, فان سألني لم أعطه, وان دعاني لم

أجبه, وان استغفرني لم أغفر له. وما من مخلوق اعتصم بي دون خلقي الا ضمنت له السموات والأرض رزقه, فان سألني أعطيته, وان دعاني أجبته, وان استغفرني غفرت له" ذكره السيوطي في مسانيد الجامع الكبير 2\123.
المثنى 2007 غير متصل  
قديم(ـة) 17-02-2008, 07:16 AM   #17
المثنى 2007
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 128
السلام عليكم
الدُره الحاديه عشر

تأثير شهادة أن لا اله الا الله عند الموت في تكفير السيئات

لشهادة أن لا اله الا الله عند الموت تأثير عظيم في تكفير السيئات واحباطها, لأنها شهادة من عبد

موقن بها عارف بمضمونها, قد ماتت منه الشهوات ولانت نفسه المتمردة, وانقادت بعد ابائها واستعصائها وأقبلت بعد اعراضها وذلت بعد عزها, وخرج منها حرصها على الدنيا وفضولها,

واستخذت بين يدي ربها فاطرها ومولاها الحق أذل ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته, وتجرد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وتحقق بطلانه, فزالت منها تلك المنازعات الي

كانت مشغولة بها, واجتمع همها على من أيقنت بالقدوم عليه والمصير اليه, فوجه العبد وجهه بكليته اليه, وأقبل بقلبه وروحه وهمه عليه. فاستسلم وحده ظاهرا وباطنا, واستوى سره وعلانيته فقال: "لا

اله الا الله" مخلصا من قلبه. وقد تخلص قلبه من التعلق بغيره والالتفات الى ما سواه. قد خرجت الدنيا كلها من قلبه. قد خرجت الدنيا كلها من قلبه, وشارف القدوم على ربه, وخمدت نيران شهوته, وامتلاء

قلبه من الآخرة, فصارت نصب عينيه, وصارت الدنيا وراء ظهره, فكانت تلك الشهادة الخالصة خاتمة عمله, فطهّرته من ذنوبه, وأدخلته على ربه, لأنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة, وافق ظاهرها

باطنها وسرها علا نيتها, فلو حصلت له الشهادة على هذا الوجه في أيام الصحة لاستوحش من الدنيا وأهلها, وفر الى الله من الناس, وأنس به دون ما سواه, لكنه شهد بها بقلب مشحون بالشهوات وحب

الحياة وأسبابها, ونفس مملوءة بطلب الحظوظ والالتفات الى غير الله. فلوتجردت كتجردها عند الموت لكان لها نبأ آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمي والله المستعان.
المثنى 2007 غير متصل  
قديم(ـة) 17-02-2008, 08:41 AM   #18
سامي بريدة
مشرف الساحة المفتوحة
 
صورة سامي بريدة الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2004
البلد: بريدة
المشاركات: 5,346
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخي المثنى
جهد رائع جداً جداً
تشكر عليه من الأعماق

جزاك الله خيرا
__________________
إذا مررت من هنا فتذكر

أن دعوة لأخيك بظهر الغيب سيكون لك مثلها

فلعل دعوة واحدة تسعدك بحياتك وبعد مماتك أنت ومن دعوت له
سامي بريدة غير متصل  
قديم(ـة) 19-02-2008, 07:07 AM   #19
المثنى 2007
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 128
السلام عليكم
الدُره الثانية عشر

ماذا يملك من أمره من ناصيته بيد الله ونفسه بيده, "وقلبه بين اصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء" جزء من حديث صحيح أخرجه مسلم في القدر برقم 2654 عن عبدالله بن عمرو بن العاص, ونصّه: " ان قلوب بني آدم كلها بين اصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء". وحياته بيده

وموته بيده وسعادته بيده وشقاوته بيده وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله باذنه ومشيئته. فلا يتحرك الا باذنه, ولايفعل الا بمشيئته.

ان وكله الى نفسه وكله الى عجز وضيعة, وتفريط وذنب وخطيئة. وان وكله الى غيره, وكله الى من لا يملك له ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وان تخلى عنه استولى عليه عدوّه وجعله أسيرا له. فهو لا غنى له عنه طرفة عين, بل هو مضطر اليه على مدى الأنفاس في كل ذرة من ذراته

ظاهرا وباطنا, فاقته تامة اليه. ومع ذلك فهو مختلف عنه معرض عنه, يتبغض اليه بمعصيته, مع شدة الضرورة اليه من كل وجه, قد صار لذكره نسيا, واتخذه وراءه ظهريا, هذا واليه مرجعه وبين يديه موقفه.

فرغ خاطرك للهم بما أمرت به ولا تشغله بما ضمن لك, فان الرزق والأجل قرينان مضمزنان. فما دام الأجل باقيا, كان الرزق آتيا واذا سد عليك بحكمته طريقا من طرقه, فتح لك برحمته طريقا أنفع لك منه. فتأمّل حال الجنين يأتيه غذاؤه, وهو الدم, من طريق واحدة وهو السرّة (الحبل السرّي),

فلما خرج من بطن الأم, وانقطعت تلك الطريق, فتح له طريقين اثنين وأجرى له فيهما رزقا أطيب وألذ من الأول, لبنا خالطا سائغا. فاذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقا أربع أكمل منها: طعامان وشرابان, فالطعامان من الحيوان والنبات, والشرابان من المياه والألبان وما

يضاف اليهما من المنافع والملاذ. فاذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة. لكنه سبحانه فتح له –ان كان سعيدا- طرقا ثمانية, وهي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها يشاء.

فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئا من الدنيا الا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له. وليس ذلك لغير المؤمن. فانه يمنعه الحظ الأدنى الخسيس, ولا يرضى له به ليعطيه الحظ الأعلى النفيس.

والعبد لجهله بمصالح نفسه, وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه, لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ادخر له. بل هو مولع بحب العاجل وان كان دنيئا, وبقلة الرغبة في الآجل وان كان عليا. ولو أنصف العبد ربه, وأنى له بذلك, لعلم أن فضله عليه فيما منعه من الدنيا ولذاتها ونعيمها وأعظم من

فضله عليه فيما آتاه من ذلك, فما منعه الا ليعطيه, ولا ابتلاه الا ليعافيه, ولا امتحنه الا ليصافيه, ولا أماته الا ليحييه, ولا أخرجه الى هذه الدار الا ليتأهب منها للقدوم عليه وليسلك الطريق الموصلة اليه. ف { جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورا} الفرقان 62, و { فأبى الظالمون الا كفورا} الاسراء 99, والله المستعان.

*من عرف نفسه اشتغل باصلاحها عن عيوب الناس, ومن عرف ربهاشتغل به عن هوى نفسه.

أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالخلاص, وعن نفسك بشهود المنّة, فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق.

*دخل الناس النار من ثلاث أبواب:

باب شبهة أورثت شكا في دين الله. وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته. وباب غضب أورث العدوان على خلقه.

*أصول الخطايا كلها ثلاث: الكبر: وهو الذي أصار ابليس الى ما أصاره. والحرص: وهو الذي أخرج آدم من الجنة. والحسد: وهو الذي جرّأ أحد ابني آدم على أخيه.

فمن وقي شر هذه الثلاثة فقد وقى الشر. فالكفر من الكبر, والمعاصي من الحرص, والبغي والظلم من الحسد.

*جعل الله بحكمته كل جزء من أجزاء ابن آدم, ظاهرة وباطنة, آله لشيء اذا استعمل فيه فهو كماله. فالعين آلة للنظر. والأذن آلة للسماع. والأنف آلة للشم. واللسان للنطق. والفرج للنكاح. واليد للبطش. والرجل للمشي. والقلب للتوحيد والمعرفة. والروح للمحبة. والعقل آلة للتفكر والتدبر لعواقب الأمور

الدينية والدنيوية وايثار ما ينبغي ايثاره واهمال ما ينبغي اهماله.

*أخسر الناس صفقة من اشتغل عن الله بنفسه, بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس.

*في السنن من حديث أبي سعيد يرفعه "اذا أصبح ابن آدم فان الأعضاء كلها تكفر اللسان, تقول: اتق الله, فانما نحن بك, فان استقمت استقمنا, وان اعوججت اعوججنا" حديث حسن أخرجه الترمذي في الزهد 4\523 رقم 2407, وأحمد وابن المبارك, وابن السني, وأبو نعيم, والبيهقي والسيوطي.

قوله:" تكفر اللسان", قيل: معناه تخضع له, وفي الحديث: ان الصحابة لما دخلوا على النجاشي لم يكفروا له, حديث دخول الصحابة على النجاشي أخرجه أحمد في المسند 1\202, 5\290, عن أم سلمة باسناد صحيح, وابن هشام في السيرة. أي لم يسجدوا له ويخضعوا. ولذلك قال له عمرو بن العاص : أيها الملك انهم لا يكفرون لك.

وانما خضعت للسان لأنه بريد القلب وترجمانه والواسطة بينه وبين الأعضاء. وقولها:"انما نحن بك", أي نجاتنا بك وهلاكنا بك, ولهذا قالت :" فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا".
المثنى 2007 غير متصل  
قديم(ـة) 22-02-2008, 11:33 PM   #20
المثنى 2007
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 128
الدُره الثالثه عشر

علماء السوء

علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون اليها الناس بأقوالهم ويدعونهم الى النار بأفعالهم, فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا: قالت أفعالهم:لا تسمعوا

منهم. فلو كان ما دعوا اليه حقا كانوا أول المستجيبين له, فهم في الصورة أدلاء وفي الحقيقة قطّاع طرق. اذا كان الله وحده حظك ومرادك فالفضل كله

تابع لك يزدلف اليك, أي أنواعه تبدأ به, واذا كان حظك ما تنال منه, فالفضل موقوف عنك لأنه بيده تابع له, فعل من أفعاله, فاذا حصل لك, حصل

لك الفضل بطريق الضمن والتبع, واذا كان الفضل مقصودك, لم يحصل الله بطريق الضمن والتبع, فان كنت قد عرفته, وأنست به, ثم سقطت الى طلب

الفضل, حرمك اياه عقوبة لك ففاتك الله وفاتك الفضل.


الدُره الرايعة عشر
لما سلم آدم أصل العبودية لم يقدح فيه الذنب:" ابن آدم, لة لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا, لقيتك بقرابه مغفرة" أخرجه مسلم في الذكر والدعاء 4\2068 (22) عن أبي ذر. وابن ماجه الترمذي وأحمد, وقراب الأرض هو ما يقارب ملأها, بكسر القاف.

لما علم السيد أن ذنب عبده لم يكن قصدا لمخالفته ولا قدحا في حكمته, علمه كيف يعتذر اليه: { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه }البقرة 37. العبد لا يريد بمعصيته مخالفة سيده ولا الجرأة على محارمه, ولكن غلبات الطبع, وتزيين النفس والشيطان, وقهر الهوى, والثقة بالعفو, ورجاء المغفرة, هذا من جانب العبد.

وأما من جانب الربوبية فجريان الحكم, واظهار عز الربوبية وذل العبودية وكمال الاحتياج, وظهور آثار الأسماء الحسنى: كالعفو والغفور والتوّاب والحليم, لمن جاء تائبا نادما, والمنتقم والعدل وذي البطش الشديد لمن أصر ولزم المعرّة (الاثم والجناية).

فهو سبحانه يريد أن يري عبده تفرده بالكمال, ونقص العبد وحاجته اليه. ويشهده كمال قدرته وعزته, وكمال مغفرته وعفوه ورحمته, وكمال بره وستره, وحلمه وتجاوزه وصفحه, وأن رحمته به احسان اليه لا معارضة, وأنه ان لم يتغمّده برحمته وفضله فانه هالك لا محالة,* لما ورد في الحديث الذي أخرجه البخاري في المرض 10\109, عن أبي هريرة يرفعه:" لن يدخل أحد منكم عمله الجنة, قالوا ولا أنت. قال ولا أنا الا أن يتغمدني الله برحمته.

كم في تقدير الذنب من حكمة, وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من مصلحة ورحمة. التوبة من الذنب كشرب الدواء للعليل, ورب علة كانت سبب الصحة.

لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجساد بالعلل

لولا تقدير الذنب لهلك ابن آدم من العجب.

ذنب يذل به أحب اليه من طاعة يدل بها عليه.

شمعة النصر انما تنزل من شمعدان الانكسار.

لا يكرم العبد نفسه بمثل اهانتها, ولا يعزها بمثل ذلها, ولا يريحها بمثل تعبها, كما قيل:

سأتعب نفسي أو أصادف راحة فان هوان النفس في كرم النفس

ولا يشبعها بمثل جوعها, وات يؤمنها بمثل خوفها, ولا يؤنسها بمثل وحشتها من كل ما سوى بارئها وفاطرها ولا يميتها بمثل اماتتها, كما قيل:

موت النفوس حياتها من شاء أن يحيا يمت

شراب الهوى حلو ولكنه يورث الشرق(الغصة من الحلق), منم تذكر خنق الفخ هان عليه هجران الحبة.

يا معرقلا في شرك الهوىّ جمزة(العدو السريع)! عزم وقد خرقت الشبكة.

لا بد من نفوذ القدر فاجنح للسلم. له ملك السموات للأرض, واستقرض منك حبة فبخلت بها, وخلق سبعة أبحر وأحب منها دمعة فقحطت عينيك بها.

اطلاق البصر ينفش في القلب صورة المنظور, والقلب كعبة, والمعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام.

لذات الدنيا كسوداء وقد غلبت عليك, والحور العين يعجبن من سوء اختيارك عليهن, غير أن زوبعة الهوى اذا ثارت سفت في عين البصيرة فخفيت الجادة.

سبحان الله, تزينت الجنة للخطّاب فجدوا في تحصيل المهر, وتعرّف رب العزة الى المحبين بأسمائه وصفاته فعملوا على اللقاء وأنت مشغول بالجيف.

لا مكن من لسواك منه قلبه ولك اللسان مع الوداد الكاذب

المعرفة بساط لا يطأ عليه الا مقرب, والمحبة نشيد لا يطرب عليه الا محب مغرم.

الحب غدير في صحراء ليست بها جادة, فلهذا قل وارده.

المحب يهرب الى العزلة والخلوة بمحبوبه والأنس بذكره كهرب الحوت الى الماء والطفل الى أمه.

وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك القلب بالسر خاليا

ليس للعابد مستراح الا تحت شجرة طوبى, ولا للمحب قرار الا يوم المزيد. اشتغل به في الحياة يكفك ما بعد الموت.

يا منفقا بضاعة العمر في مخالفة حبيبه والبعد منه, ليس في أعدائك أضر عليك منه.

ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه

الهمة العليّة من استعد صاحبحه للقاء الحبيب, وقدم التقادم بين يدي الملتقى, فاستبشر عند القدوم:{ وقدّموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشّر المؤمنين} البقرة 223.

تالله ما عدا عليك العدو الا بعد أن تولى عنك الولي, فلا تظن أن الشيطان غلب, ولكن الحافظ أعرض.

احذر نفسك, فما أصابك بلاء قط الا منها, ولا تهادنها فوالله ما أكرمها من لم يهنها, ولا أعزها من لم يذلها, ولا جبرها من لم يكسرها, ولا أراحها من لم يتعبها, ولا أمنها من لم يخوفها, ولا فرحها من لم يحزنها.

سبحان الله, ظاهرك متجمل بلباس التقوى, وباطنك باطية(اناء) لخمر الهوى, فكلما طيبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته, فتباعد منك الصادقون, وانحاز اليك الفاسقون.

يدخل عليك لص الهوى وأنت في زاوية التعبد فلا يرى منك طردا له, فلا يزال بك حتى يخرجك من المسجد.

أصدق في الطلب وقد جاءتك النعونة.

قال رجل لمعروف: علمني المحبة, فقال: المحبة لا تجيء بالتعليم.

هو الشوق مدلولا على مقتل الفتى اذا لم يعد صبا بلقيا حبيبه

ليس العجب من قوله يحبونه, انما العجب من قوله يحبهم.

ليس العجب من فقير مسكين يحب محسنا اليه, انما العجب من محسن يحب فقيرا مسكينا.
المثنى 2007 غير متصل  
قديم(ـة) 24-02-2008, 05:44 PM   #21
المثنى 2007
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 128
السلام عليكم
الدُره الخامسة عشر
من المواعظ والحكم

يا أيها الأعزل احذر فراسة المتقى, فانه يرى عورة عملك من وراء ستر "اتقوا فراسة المؤمن" أخرجه الترمذي في التفسير 5\278(3127).

سبحان الله:

في النفس كبر ابليس, وحسد قابيل, وعتو عاد, وطغيان ثمود, وجرأة نمرود, واستطالة فرعون, وبغى قارون, وقحّة هامان (أي لؤم), وهوى بلعام (عرّاف أرسله ملك ليلعن بني اسرائيل فبارك ولم يلعن), وحيل أصحاب السبت, وتمرّد الوليد, وجهل أبي جهل.

وفيها من أخلاق البهائم حرص الغراب, وشره الكلب, ورعونة الطاووس, ودناءة الجعل, وعقوق الضب, وحقد الجمل, ووثوب الفهد, وصولة الأسد, وفسق الفأرة, وخبث الحية, وعبث القرد, وجمع النملة, ومكر الثعلب, وخفة الفراش, ونوم الضبع.

غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك. فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الجند, ولا تصلح سلعته لعقد: {ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} التوبة 111, فما اشترى الا سلعة هذبها الايمان, فخرجت من طبعها الى بلد سكانه التائبون العابدون.

سلم المبيع قبل أن يتلف في يدك فلا يقبله المشتري, قد علم المشتري بعيب السلعة قبل أن يشتريها, فسلمها لك والأمان من الرد.

قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها, والثمن المبذول فيها, والمنادي عليها, فاذا كان المشترى عظيما, والثمن خطيرا, والمنادي جليلا, كانت السلعة نفيسة.

يا من هو من أرباب الخبرة, هل عرفت قيمة نفسك؟ انما خلقت الأكوان كلها لك.

يا من غذى بلبان البر, وقلب بأيدي الألطاف, كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة, وصورة وأنت المعنى, وصدف وأنت الدر, ومخيض وأنت الزبد.

منشور اختيارنا لك واضح الخط, ولكن استخراجك ضعيف.

متى رمت طلبي فاطلبني عندك, اطلبني منك تجدني قريبا, ولا تطلبني من غيرك فأنا أقرب اليك منه.

لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالمعاصي, انما أبعدنا ابليس اذ لم يسجد لك, وأنت في صلب أبيك, فواعجبا كيف صالحته وتركتنا! لو كان في قلبك محبة لبان أثرها على جسدك.

ولما ادعيت الحب قالت كذبتني ألست أرى الأعضاء منك كواسيا

لو تغذى القلب بالمحبة لذهبت عنه بطنة الشهوات.

ولو كنت عذري الصبابة لم تكن بطينا وأنساك الهوى كثرة الأكل

لو صحّت محبتك لاستوحشت ممن لا يذكرك بالحبيب. واعجبا لمن يدعي المحبة, ويحتاج الى من يذكره بمحبوبه, فلا يذكره الا بمذكر. أقل ما في المحبة أنها لا تنسيك تذكر المحبوب.
ذكرتك لا أني نسيتك ساعة وأيسر ما في الذكر ذكر لساني



اذا سافر المحب للقاء محبوبه, ركبت جنوده معه, فكان الحب في مقدمة العسكر, والرجاء يحدو بالمطى, والشوق يسوقها, والخوف يجمعها على الطريق, فاذا شارف قدوم بلد الوصل, خرجت تقادم الحبيب باللقاء.

فداو سقما بجسم أنت متلفه وأبرد غراما بقلب أنت مضرمه
ولا تكلني على بعد الديار الى صبري الضعيف فصبري أنت تعلمه
تلق قلبي فقد أرسلته عجلا الى لقائك والأشواق تقدمه

فاذا دخل على الحبيب أفيضت عليه الخلع من كل ناحية, ليمتحن أيسكن اليها فتكون حظه, أم يكون التفاته الى من ألبسه اياها.

ملأوا مراكب القلوب متاعا لا تنفق الا على الملك, فلما هبت رياح السحر أقلعت تلك المراكب, فما طلع الفجر الا وهي بالميناء.

قطعوا بادية الهوى بأقدام الجد, فما كان الا القليل حتى قدموا من السفر, فأعقبهم الراحة في طريق التلقي, فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح الأبد.

فرّغ القوم قلوبهم من الشواغل فضربت فيها سرادقات المحبة, فأقاموا العيون تحرس تارّة وترش أخرى.

سرداق المحبة لا يضرب الا في قاع نزه فارغ.

نزّه فؤادك من سوانا وألقنا فجنابنا حل لكل منزّه
والصبر طلسم لكنز وصالنا من حل ذا الطلسم, فاز بكنزه

اعرف قدر ما ضاع منك وابك بكاء من يدري مقدار الفائت.
لو تخيلت قرب الأحباب لأقمت المأتم على بعدك.
لو استنشقت ريح الأسحار لأفاق منك قلبك المخمور.
من استطال الطريق ضعف مشيه.

وما أنت بالمشتاق, ان قلت بيننا طوال الليالي, أو بعيد المفاوز

أما علمت أن الصادق: اذا هم ألقى بين عينيه عزمه.
اذا نزل آب في القلب حل آذار في العين.
هان سهر الحرّاس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك.
من لاح له حال الآخرة هان عليه فراق الدنيا. اذا لاح للباشق الصيد نسي مألوف الكف.
يا أقدام الصبر احملي بقي القليل. تذكر حلاوة الوصال يهن عليك مر المجاهدة.

قد علمت أين المنزل فاحد لها تسر. أعلى الهمم همة من استعد صاحبها للقاء الحبيب, وقدم القادم بين يدي الملتقى, فاستبشر بالرضا عند قدوم:{ وقدموا لأنفسكم}. الجنة ترضى منك بأداء الفرائض, والنار تندفع عنك بترك المعاصي, والمحبة لا تقنع منك الا ببذل الروح.

لله!! ما أحلى زمان تسعى فيه أقدام الطاعة على أرض الاشتياق.

لما سلم القوم النفوس الى رائض الشرع, علمها الوفاق على خلاف الطبع فاستقامت مع الطاعة, كيف دارت معها.

واني اذا اصطكت رقاب مطيهم وثوب حاد بالرفاق عجول
أخالف بين الراحتين على الحشا وأنظر أني ملثم فأميل
المثنى 2007 غير متصل  
قديم(ـة) 04-03-2008, 05:24 PM   #22
المثنى 2007
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 128
أصول المعاصي


كلها, كبارها وصغارها, ثلاثة: تعلق القلب بغير الله, وطاعة القوة الغضبية, والقوة الشهوانية, وهي الشرك والظلم والفواحش. فغاية التعلق بغير الله شرك وأن يدعى معه اله آخر. وغاية القوة الغضبية القتل. وغاية طاعة القوة الشهوانية الزنا. ولهذل جمع الله سبحانه بين الثلاثة في قوله:{ والذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله الا بالحق ولا يزنون} الفرقان 68.

وهذه الثلاثة يدعو بعضها الى بعض, قالشرك يدعو الى الظلم والفواحش, كما أن الاخلاص والتوحيد يصرفهما عن صاحبه, قال تعالى:{ كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين} يوسف 24. فالسوء: العشق, والفحشاء: الزنا.

وكذلك الظلم يدعو الى الشرك والفاحشة, فان الشرك أظلم الظلم, كما أن أعدل العدل التوحيد. فالعدل قرين التوحيد, والظلم قرين الشرك, ولهذا يجمع سبحانه بينهما. أما الأول ففي قوله:{ شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط}آل عمران 18. وأما الثاني فكقوله تعالى: {ان الشرك

لظلم عظيم} لقمان 13. والفاحشة تدعو الى الشرك والظلم, ولا سيما اذا قويت ارادتها ولم تحصل الا بنوع من الظلم والاستعانة بالسحر والشيطان. وقد جمع سبحانه بين الزنى والشرك في قوله: { الزاني لا ينكح الا زانبة أو مشركة والزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين} النور 3.

فهذه الثلاثة يجر بعضها الى بعض ويأمر بعضها ببعض. ولهذا كلما كان القلب أضعف توحيدا وأعظم شركا كان أكثر فاحشة وأعظم تعلقا بالصور وعشقا لها. ونظير هذا قوله تعالى:{ فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون *والذين يجتنبون


كبائر الاثم والفواحش واذا ما غضبوا هم يغفرون} الشورى 36-37. فأخبر أن ماعنده خير لمن آمن به وتوكل عليه, وهذا هو التوحيد. ثم قال:{ والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش} فهذا اجتناب داعي القوة الشهوانية. ثم قال: {واذا ما غضبوا هم يغفرون}, فهذا مخالفة القوة الغضبية, فجمع بين التوحيد والعفة والعدل التى هي جماع الخير كله.



من أصبح وليس همه الا الله تعالى

اذا أصبح العبد وأمسى وليس همه الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها, وحمل عنه كل ما أهمه, وفرغ قلبه لمحبته, ولسانه لذكره, وجوارحه لطاعته. وان أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها وأنكادها! ووكله الى نفسه, فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق, ولسانه عن ذكره

بذكرهم, وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم, فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره, كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره. فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بل بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته. قال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين}


الزخرف 36. قال سفيان بن عيينة: لا تأتون بمثل مشهور للعرب الا جئتكم به من القرآن. فقال له قائل: فأين في القرآن "أعط أخاك تمرة فان لم يقبل فأعطه جمرة؟" فقال في قوله: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطانا}.
المثنى 2007 غير متصل  
قديم(ـة) 04-03-2008, 05:29 PM   #23
المثنى 2007
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 128
السلام عليكم
الدُره السابعة عشر

التوكل على الله نوعان

أحدهما: توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية, أو دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية.

والثاني: التوكل على الله في حصول ما يحبه هو ويرضاه من الايمان واليقين والجهاد والدعوة اليه.

وبين النوعين من الفضل مالا يحصيه الا الله. فمتى توكل عليه العبد في النوع الثاني حق توكله كفاه النوع الأول تمام الكفاية. ومتى توكل عليه في النوع الأول دون الثاني كفاه أيضا, لكن لا يكون له علقبة المتوكل فيما يحبه ويرضاه.



فأعظم التوكل عليه التوكل في الهداية, وتجريد التوحيد, ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاد أهل الباطل, فهذا توكل الرسل وخاصّة أتباعهم. والتوكل تارة يكون توكل اضطرار والجاء, بحيث لا يجد العبد ملجأ ولا أزرا الا التوكل, كما اذا ضاقت عليه الأسباب وضاقت عليه نفسه وظن أن لا

ملجأ من الله الا اليه, وهذا لا يتخلف عنه الفرج والتيسير البتة. وتارة يكون توكل اختيار, وذلك التوكل مع وجود السبب المفضى الى المراد, فان كان

السبب مأمور به ذم على تركه. وان قام بالسبب, وترك التوكل, ذم على تركه أيضا, فانه واجب باتفاق الأمة ونص القرآن, والواجب القيام بهما,

والجمع بينهما. وان كان السبب محرما, حرم عليه مباشرته, وتوحد السبب في حقه في التوكل, فلم يبق سبب سواه, فان التوكل من أقوى الأسباب في حصول المراد, ودفع المكروه, بل هو أقوى الأسباب على الاطلاق.

وان كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل أو لا يضعفه؟ فان أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت همك فتركه أولى, وان لم يضعفه فمباشرته أولى؛ لأن حكمة أحكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب فلا تعطل حكمته مهما أمكنك القيام بها, ولا سيما اذا فعلته عبودية, فتكون قد أتيت


بعبودية القلب بالتوكل, وعبودية الجوارح بالسبب المنوي به القربة. والذي يحقق التوكل القيام بالأسباب المأمور بها, فمن عطلها لم يصح توكله كما أن القيام بالأسباب المفضية الى حصول الخير يحقق رجاءه, فمن لم يقم بها كان رجاؤه تمنيّا, كما أن من عطّلها يكون توكله عجزا وعجزه توكلا.

وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده, فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد والركون اليها, كما لا ينفعه قوله: توكلت


على الله, مع اعتماده على غيره وركونه اليه وثقته به, فتوكل السان شيء وتوكل القلب شيء آخر, كما أن توبة اللسان مع اصرار القلب شيء, وتوبة


القلب وان لم ينطق اللسان شيء آخر. فقول العبد: توكلت على الله, مع اعتماد قلبه على غيره, مثل قوله: تبت الى الله, وهو مصر على معصيته مرتكب لها.
المثنى 2007 غير متصل  
قديم(ـة) 04-03-2008, 05:32 PM   #24
المثنى 2007
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 128
السلام عليكم
الدُره الثامنة عشر

شكوى الجاهل من الله

الجاهل يشكو الله الى الناس, وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو اليه, فانه لو عرف ربه لما شكاه, ولو عرف الناس لما شكا اليهم. ورأى بعض السلف رجلا يشكو الى رجل فاقته وضرورته, فقال: يا هذا, والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك الى من لا يرحمك, وفي ذلك قيل:

واذا شكوت الى ابن آدم انما تشكو الرحيم الى الذي لا يرحم

والعارف انما يشكو الى الله وحده. وأعرف العارفين من جعل شكواه الى الله من نفسه لا من الناس, فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه, فهو ناظر الى قوله تعالى:{ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الشورى 30, وقوله:{وما أصابك من سيئة فمن نفسك} النساء 79, وقوله:{ أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم} آل عمران 165.

فالمراتب ثلاثة: أخسها أن تشكو الله الى خلقه, وأعلاها أن تشكو نفسك الى الله, وأوسطها أن تشكو خلقه اليه.








[52] (قاعدة جليلة)حول الآية الكريمة
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول}


قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله



يحول بين المرء وقلبه وأنه اليه تحشرون} الأنفال 24, فتضمنت هذه الآية أمورا, أحدها: أن الحياة النافعة انما تحصل بالاستجابة له ورسوله, فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له, وان كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات. فالحياةالحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا. فهؤلاء هم الأحياء وان ماتوا, وغيرهم أموات وان كانوا أحياء الأبدان. ولهذا كان أكمل الناس حياة وأكملهم استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم, فان كل ما دعا اليه ففيه الحياة, فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة, وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول صلى الله عليه وسلم.

قال مجاهد: {لما يحييكم} يعني للحق, وقال قتادة: هو هذا القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة. وقال السدي: هو الاسلام أحياهم بعد موتهم بالكفر. وقال ابن اسحاق: عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير: واللفظ له:{لما يحييكم} يعني للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل, وقوّاكم بعد الضعف, ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم. كلها من ابن كثير 2\297. وكل هذه عبارات عن حقيقة واحدة وهي القيام بما جاء به الرسول ظاهرا وباطنا.

قال الواحدي: والأكثرون على أن معنى قوله:{ لما يحييكم} هو الجهاد. وهو قول ابن اسحاق واختيار أكثر أهل المعاني.

قال الفراء: اذا دعاكم الى احياء أمركم بجهاد عدوكم يريد انما يقوي بالحرب والجهاد, فلو تركوا الجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم.

قلت: الجهاد من أعظم ما يحييهم به في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة. أما في الدنيا فان قوتهم وقهرهم لعدوهم بالجهاد.

وأما في البرزخ فقد قال تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران 169.

وأما في الآخرة فان حظ المجاهدين والشهداء من حياتها ونعيمها أعظم من حظ غيرهم. ولهذا قال تبن قتيبة: {لما يحييكم} يعني الشهادة. وقال بعض المفسرين: { لما يحييكم} يعني الجنة. فانها دار الحيوان وفيها الحياة الدائمة الطيبة. حكاه أبو علي الجرجاني.

والآية تناول هذا كله, فان الايمان والقرآن والجهاد تحيي القلوب الحياة الطيبة. وكمال الحياة في الجنة, والرسول داع الى الايمان والى الجنة, فهو داع الى الحياة في الدنيا والآخرة. والانسان مضطر الى نوعين من الحياة: حياة بدنه التي بها يدرك النافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضرّه. ومتى نقصت فيه هذه ناله من الألم والضعف بحسب ذلك. ولذلك كانت حياة المريض والمحزون وصاحب الهم والغم والخوف والفقر والذل دون حياة من هو معافى من ذلك. وحياة قلبه وروحه التي بها يميز بين الحق والباطل والغي والرشاد والهوى والضلال, فيختار الحق على ضده. فتفيد هذه الحياة قوة التمييز بين النافع والضار في العلوم والارادات والأعمال. وتفيد قوة الايمان والارادة والحب للحق, وقوة البغض والكراهة للباطل.

فشعوره وتمييزه وحبه ونفرته بحسب نصيبه من هذه الحياة, كما أن البدن الحي يكون شعوره واحساسه بالنافع والمؤلم أتم, ويكون ميله الى النافع ونفرته عن المؤلم أعظم. فهذا بحسب حياة البدن, وذاك بحسب حياة القلب. فاذا بطلت حياته بطل تمييزه. وان كان له نوع تمييز لم يكن فيه قوة يؤثر بها النافع على الضار. كما أن الانسان لا حياة له حتى ينفخ فيه الملك, الذي هو رسول الله (الملك الذي ينفخ الروح في الانسان بأمر الله), من روحه, فيصير حيا بذلك النفخ. وكان قبل ذلك من جملة الأموات. وكذلك لا حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الروح الذي ألقى اليه, قال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده} النحل2, وقال :{ يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده} غافر 15, وقال:{ وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} الشورى 52. فأخبر أن وحيه روح ونور, فالحياة والاستنارة موقوفة على نفخ الرسول الملكي, فمن أصابه نفخ الرسول الملكي ونفخ الرسول البشري حصلت له الحياتان.

ومن حصل له نفخ الملك دون نفخ الرسول حصلت له احدى الحياتين وفاتته الأخرى, قال تعالى:{ أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}الأنعام 122, فجمع له بين النور والحياة كما جمع لمن أعرض عن كتابه بين الموت والظلمة. قال ابن عباس وجميع المفسرين: كان كافرا ضالا فهديناه. تفسير ابن كثير 2\172.

وقوله:{ وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} يتضمن أمورا:
أحدهما: أنه يمشي في الناس بالنور وهم في الظلمة, فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم الليل فضلوا ولم يهتدوا للطريق. وآخر معه نور يمشي في الطريق ويراها ويرى ما يحذره فيها.

وثانيها: أنه يمشي فيهم بنوره فهم يقتبسون منه لحاجتهم الى النور.

وثالثها: أنه يمشي بنوره يوم القيامة على الصراط اذا بقي أهل الشرك والنفاق في الظلمات شركهم ونفاقهم.

وقوله:{ اعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} الأنفال 24. المشهور في الآية أنه يحول بين المؤمن وبين الكفر, وبين الكافر وبين الايمان. ويحول بين أهل طاعته وبين معصيته, وبين أهل معصيته وبين طاعته, وهذا قول ابن عباس وجمهور المفسرين.

وفي الآية قول آخر أن المعنى أنه سبحانه قريب من قلبه لا تخفى عليه خافية, فهو بينه وبين قلبه. ذكره الواحدي عن قتادة, وكان هذا أنسب بالسياق, لأن الاستجابة أصلها بالقلب فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب, فان الله سبحانه بين العبد وبين قلبه فيعلم هل استجاب له قلبه وهل أضمر ذلك أو أضمر خلافه.

وعل القول الأول, فوجه المناسبة أنكم ان تثاقلتم عن الاستجابة وأبطأتم عنها فلا تأمنوا أن يحول الله بينكم وبين قلوبكم فلا يمكنكم بعد ذلك من الاستجابة عقوبة لكم على تركها بعد وضوح الحق واستبانته, فيكون قوله:{ ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} الأنعام 110. وقوله:{ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} الصف 5. وقوله:{ فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل} الأعراف 101. ففي الآية تحذير عن ترك الاستجابة بالقلب وان استجاب بالجوارح.

وفي الآية سر آخر: وهو أنه جمع لهم بين الشرع والأمر به, وهو الاستجابة, وبين القدر والايمان به, فهي كقوله تعالى: { لمن شاء منكم أن يستقيم* وما تشاءون الا أن يشاء الله رب العالمين} التكوير 28,29, وقوله:{ فمن شاء ذكره. وما يذكرون الا أن يشاء الله} المدثر55,56, والله أعلم
المثنى 2007 غير متصل  
قديم(ـة) 05-03-2008, 11:58 PM   #25
المثنى 2007
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 128
[CENTER]السلام عليكم
الدُره التاسعة عشر
{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}


قوله تعالى:{ كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شرّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} البقرة 216, وقوله عزّ وجلّ:{ فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء 19. فالآية الأولى في الجهاد الذي هو كمال

القوة الغضبية خشية على نفسه منه, والثانية في النكاح الذي هو كمال القوة الشهوانية.

فالعبد يكره مواجهة عدوه بقوته الغضبية خشية على نفسه منه, وهذا المكروه خير له في معاشه ومعاده, ويجب الموادعة والمتاركة, وهذا المحبوب شر له في معاشه ومعاده.

وكذلك يكره المرأة لوصف من أوصافها وله في امساكها خير كثير لا يعرفه. ويحب المرأة لوصف من أوصافها وله في امساكها شر كثير لا يعرفه. فالانسان كما وصفه به خالقه ظلوم جهول, فلا ينبغي أن يجعل المعيار على ما يضرّه وينفعه ميله وحبه ونفرته وبغضه, بل المعيار على ذلك ما اختاره الله له بأمره ونهيه.

فأنفع الأشياء له على الاطلاق طاعة ربه بظاهره وباطنه, وأضر الأشياء عليه على الاطلاق معصيته بظاهره وباطنه, فاذا قام بطاعته وعبوديته مخلصا له فكل ما يجري عليه مما يكره يكون خيرا له, واذا تخلى عن طاعته وعبوديته فكل ما هو فيه من محبوب هو شر له. فمن صحت له معرفة ربه

والفقه في أسمائه وصفاته, علم يقينا أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع التيلا يحصيحا علمه وفكره, بل مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يحب.

فعامة مصالح النفوس في مكروهاتها, كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها. فانظر الى غارس جنة من الجنات خبير بالفلاحة غرس جنة وتعاهدها بالسقي والاصلاح حتى أثمرت أشجارها, فأقبل عليها يفصل أوصالها ويقطع أغصانها لعلمه أنها لو خليّت على حالها لم تطب ثمرتها,

فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة, حتى اذا اتحدت بها والتحمت وأعطت ثمرتها أقبل يقلمها ويقطع أغصانها الضعيفة التي تذهب قوتها, ويذيقها ألم القطع والحديد لمصلحتها وكمالها, لتصلح ثمرتها أن تكون بحضرة الملوك. ثم لا يدعها ودواعي طبعها من الشرب كل وقت, بل يعطشها وقتا ويسقيها وقتا,

ولا يترك عليها الماء دائما وان كان ذلك أنضر لورقها وأسرع لنباتها. ثم يعمد الى تلك الزينة التي زينت بها من الأوراق فيلقي عنها كثيرا منها, لأن تلك الزينة تحول بين ثمرتها وبين كمال نضجها واستوائها كما في شجر العنب ونحوه. فهو يقطع أعضاءها بالحديد, ويلقي عنها كثيرا من زينتها,


وذلك عين مصلحتها. فلو أنها ذات تمييز وادراك كالحيوان, لتوهمت أن ذلك افساد لها واضرار بها, وانما هو عين مصلحتها.

وكذلك الأب الشفيق على ولده العالم بمصلحته, اذا رأى مصلحته في اخراج الدم الفاسد عنه, بضع جلده وقطع عروقه وأذاقه الألم الشديد. وان رأى شفاءه في قطع عضو من أعضائه أبانه عنه (أي قطعه), كل ذلك رحمة به وشفقة عليه. وان رأى مصلحته في أن يمسك عنه العطاء لم يعطه ولم يوسع


عليه, لعلمه أن ذلك أكبر الأسباب الى فساده وهلاكه. وكذلك يمنعه كثيرا من شهواته حمية له ومصلحة لا بخلا عليه.

فأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعلم العالمين, الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ومن آبائهم وأمهاتهم, اذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيرا لهم من أن لا ينزله بهم, نظرا منه لهم واحسانا اليهم ولطفا بهم, ولو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم علما وارادة وعملا, لكنه سبحانه


تعالى تولى تدبير أمورهم بموجب علمه وحكمته ورحمته, أحبوا أم كرهوا, فعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته فلم يتهموه في شيء من أحكامه, وخفى ذلك على الجهال به وبأسمائه وصفاته, فنازعوه تدبيره, وقدحوا في حكمته, ولم ينقادوا لحكمه, وعارضوا حكمه بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساتهم الجائرة, فلا لربهم عرفوا, ولا لمصالحهم حصلوا, والله الموفق.

ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه نعيمها الا نعيم جنة الآخرة, فانه لا يزال راضيا عن ربه, والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفين, فانه طيب النفس بما يجري عليها من المقادير التى هي عين اختيار الله له, وطمأنينته الى أحكامه الدينية, وهذا هو الرضا بالله ربا

وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا. وما ذاق طعم الايمان من لم يحصل له ذلك. وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره, فكلما كان بذلك كان به أرضى. فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة, لا يخرج عن ذلك البتة كما قال صلى الله


عليه وسلم في الدعاء المشهور: " اللهم اني عبدك, ابن عبدك, ابن أمتك, ناصيتي بيدك, ماض فيّ حكمك, عدل في قضاؤك, أسألك بكل اسم هو لك, سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علّمته أحدا من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء


حزني, وذهاب همي وغمي, ما قالها أحد قط الا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرجا". قالوا: أفلا نتعلمهن يا رسول الله؟ قال: " بلى ينبغي لمن يسمعهن أن يتعلمهن.", أخرجه أحمد في المسند 1\391,452, وابن السني في عمل اليوم والليلة ص104 رقم 339,340, وغيرهم.

والمقصود قوله "عدل فيّ قضاؤك", وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو ألم وسبب ذلك, فهو الذي قضى بالسبب وقضى بالمسبب وهو عدل في هذا القضاء. وهذا القضاء خير للمؤمن كم قال صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء الا كان خيرا له, وليس ذلك الا للمؤمن." أحمد في المسند 3\117,184, عن أنس بن مالك.

قال العلامة ابن القيم: فسألت شيخنا "الامام الجليل ابن تيمية" هل يدخل في ذلك قضاء الذنب؟ فقال: نعم بشرطه, فأجمل في لفظة "بشرطه" ما يترتب على الذنب من الآثار المحبوبة لله من التوبة والانكسار والندم والخضوع والذل والبكاء وغير ذلك.[/CENTER
المثنى 2007 غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 07:15 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)