[رجل الثلج]

أبدأ حديثي بنص اقتبسته من اقتصاديّ فاضل أتابع مايكتبه حيث يقول :

(( ان أدنى هدف محتمل لدورة النفط
الصاعدة الحالية هي 308 دولار للبرميل وهي لا تزال بعيدة جداإذن نغلق هذا الباب :
تغيرات جذرية وتاريخية يمر بها الإقتصاد العالمي
(س)تغير موازين العرض والطلب على الطاقة والسلع الأساسية
هذه التغيرات الكبيرة ينتج عنها اسواق صاعدة في أصول متعددة
من ضمنها النفط الذي هو الآن في حالة سوق صاعد تاريخي

الهدف المحتمل الأدنى لهذا السوق هو 308 دولار للبرميل
وهو لا يزال بعيدا جدا عن الأسعار الحالية
فالسوق سيواصل إرتفاعاته بصفة مستمرة في الزمن القادم
وكل نزول انما هو هامشي ومجرد تصحيح ))

إن كان النفط يرتفع كسلعة مضاربيّة فهو يأخذ شكلاً من أشكال السلع التي تكون فيها المضاربة على أشدها كالذهب والعملات والأسهم , وهذه تمّر بدورةٍ اقتصاديّة كبيرة كما يعبر عنها الاقتصاديون بالعشر سنوات , ولذا لن أدخل النفط في عمليّة الخلاف بين الاقتصاديين ذوي التحليل الأساسي والتحليل الفني , يهمني هو الارتفاع النفطي للنفط هل هو لأجل المضاربة أم لأجل الاستهلاك وكثرة الطلب عليه ؟ وموقع العجوز الشمطاء ( أمريكا ) في هذا الحالة ؟ وموقف الدول الخليجيّة التي تعد من أكبر الدول المصدرّة له ؟ ...

مع الارتفاع النفطي يبدأ التضخم المُخيف كيف بهذه الطريقة : الزيادة المستمرة في المعروض النقدي بنسب أعلى من الزيادة في المعروض السلع والخدمات يحرك مؤشر الأسعار إلى الأعلى , إذن تلك الزيادة الكبيرة في المعروض النقدي لا تجد لهاأي منفذ ولا طريق سوى الإستهلاك و المضاربة على الأصول الإستثمارية المتاحة مما حرك مؤشر الأسعار نحو الإرتفاع في كل شيئ , فسيولة كبيرة مقابل ماتحصله الدول من النفط وقلة في المعروض هذه السيولة تحتاج متنفس لأن يمتصها فإن لم تجد بدأ التضخم رويداً رويداً , ولذا قامت الدول بعمل الاكتتابات الضخمة لمص السيولة وتحويلها إلى أسهم فبقاء الإنسان مع سيولة كاش يعني احتراقها وفقدان قيمتها بوجود التضخم الكبير ...

هل أمريكا تريد هذا الارتفاع ؟

يبدو أن قاعدة ( كل عملٍ خلفه أمريكا ) أصبح قاصر النظرة , فهذه أمريكا هي دولة تريد البقاء وتصارع لأجل البقاء وتخطط لأن تكون دولة امبراطوريّة وقد أثرّت فيها النظريّة الدارونيّة الصراع من أجل البقاء , فهي تصنع العدو لأجل أن تستمر القوة والانتاج وغيرها , غير أنها يمر بها مايمر بالدول من عوامل السقوط , لأنها لاتصنع القدر ولاتعلم غيب قادم الأيام , فوعد كسينجر الذي قال سأجعل برميل النفط أرخص من برميل الماء , هو مؤشر على أن أمريكا لاتريد الارتفاع لأنه سيؤدي بها إلى مهلكة اقتصاديّة , فهي تقوم على الرأسماليّة ( وهوباختصار الفائدة الربويّة ) وتعني في السياسة سيطرة الطبقة البرجوازية القليلة على الأغلب ويصبح الأغلب مرهونين بما يريده البرجوازي ,
أليست هذه سلب للحريّة ؟ أليست هذه كسر لقاعدة التكافل الاجتماعي ؟ كل هذه الأمراض وغيرها ممّا يسببه ارتفاع النفط وتسلط الربا وآكليه من الطبقة البرجوازيّة إلى ظهور أمراضٍ تظهر ولو بعد حين وكما يقول المسيري في كتابه رحلته الفكريّة : ( إن العائلة الغربيّة في تربيتها لأولادها بين تضادين :
تربية رومانسيّة على الحب والحنان والتعاطف وبين التربيّة التي تخلق في الأولاد التربي على الصراع لأجل البقاء بعد أن يودّع بيته إلى رحاب المدينة الصناعيّة التي لاتعترف إلا بالمادة * بتصرف )

ودليل ضرر أمريكا الرهن العقاري وانهيار البنوك ولذا حين نقرأ هذا الخبر :
(قرر "ستي بنك" وهو أكبر مصرف في الولايات المتحدة الاستغناء عن خدمات 30ألف من العاملين عنده والذين يشكلون 10بالمائة من العاملين في مصارفه المختلفة في العالم هذا اضافة الى 4300من العاملين الذين سبق وأعلن البنك انه سيستغني عن خدماتهم. وقد جاءت هذه الخطوة بعد التدهور السريع في أسعار أسهم البنك في اسواق المال، فقد انخفضت قيمة الاسهم مساء الاربعاء بمعدل 4.3بالمائة. وقد وصل ثمن السهم الواحد الى 21.75دولارا وهو سعر لم يشهده البنك منذ عام 1998م ويقول متحدث باسم البنك ان قيمة السهم الواحد انخفضت منذ بداية عام و 2008بمعدل 25بالمائة. ولم يسعف ستي بنك انه حصل في شهر تشرين الثاني - نوفمبر من العام الماضي على 7.5مليارات دولار من صندوق الاستثمار الحكومي لابوظبي، كما اعلن البنك في شهر كانون الثاني - يناير 2008انه استطاع تجنيد مبلغ 14.5مليار دولار من مصادر استثمار أخرى من بينها صناديق استثمارات حكومية من الكويت وسنغافورة، ولكن يبدو ان هذه الأموال لن تكون كافية لانقاذ البنك.)
والآخر (بنك لهمان برذرز رابع اكبر مصرف في امريكا يترنح الان )
وهذا أيضاً (اكبر خامس بنك عالمي يعمل لاكثر من 85 عاما اسمه بيرستيرنز
سعره قبل 7 أشهر 153 دولار
سعره الاسبوع قبل الماضي 59 دولار
سعره يوم الجمعه الماضي 30 دولار
وبعد فضيحة الرهن العقاري مذا حدث للسهم في يوم واحد
السهم كان اغلاقه يوم الجمعه 30 دولار ومع افتتاح الاسواق العالميه اليوم ووصل في يوم واحد وبالتحديد اليوم من 30 دولار الى 2.5 دولار واغلق عند 4.8 دولار (السهم انهار من 150 دولار الى 2.5 دولار بسبب الرهن العقاري والبنك اعلن افلاسه وهناك محاولات لشراء حصص السهم بمبلغ 2 دولار) ...

وطبعاً لايخفى عليك تملك بعض المستثمرين الخليجيين في هذه البنوك الربويّة , فالوليد يملك في سيتي جروب وقد رفع حصته منه ...فنحن يرتفع لدينا النفط وأمريكا تتأثر والتجار عندنا يعالجون مشاكلهم على حسابنا , إنها عملية دوران في حلقة واحدة ...!
فهل كل مايحصل تفرح به أمريكا ؟
شعبها يترك بيوته في ظل تقليل الفائدة أو خفضها , شعب لعبت فيه الفائدة والبنوك, شعب حكومته ساذجة توّرطت بالعراق وأفغانستان واحترقت فيها أموالهم وأبناؤهم ...
أليس هذا دليل على اشتداد الخناق عليها وبقي عليها البحث عن مَخرج ؟؟..
في النهاية يعلنون الركود الاقتصادي ...وإن استمر الركود فكساد وتعلم أن كساد تعني حرب أهليّة على لقمة عيش كماحصل في الحرب العالميّة الثانية ..وحينها لايبقى سوى براءة كل ولاية من صاحبتها فتكون الولايات المتحده ولايات متحاربة مفككة .. يبدو هذا خيالاً لكن الخيال قد يكون حقيقة وهذا الدب الأحمر أمام أعيننا سقط وتفكك ودروس التاريخ وسنن الكون واحد ...والله حي قيوم لايزول !

وارتباط الريال بالدولار أخذ بعداً خلافياً فمن يرى عودة الدولار لقيمته إلى من يرى أن الدولار باي باي بالعربي ... نحن ليس لنا سوى التفرج كالعادة

أما مواجهة التضخم فهي في الأساس واجب على أي دولة أن تغطي نسب التضخم التي حدثت من عام 1400 حتى 1429 وحين تقوم بذلك فما يزود عن قيمة التضخم تصبح مكرمة على قولتهم لكن أن يصبح الواجب على الدولة فعله في مقابلة التضخم هي مكرمة فهي لعب على الذقون ...

بقي أن أشير إلى أن استراتجيّة القاعدة واضحة المعالم في استنزاف الاقتصاد الأمريكي , والبعض يرى أن القاعدة ساذجة بناء على رفضه لها والبعض يضخمها بناءًا على حبه لها !
لكن حين النظر بعين التحليل فإن القاعدة استطاعت جلب أمريكا لحلبة الصراع وخط التماس , واستهداف عصب الحياة الامريكية , وقالوا بفلسفة بسيطة ( معبرين عن استراتيجيتهم في الصراع ) : أمريكا كالثور الهائج لابد أن تضربه بقوةٍ مع رأسه حتى ينزف قليلاً قليلاً وسيهيج أكثر حتى يفقد صوابه ثمّ في الأخير سيخر جثة هامدة .. وهذا مافعلوه في نيويورك ومنهاتن .. وقبلها كول ...ثمّ التفرج على هذا الثور حتى يسقط ... وهاهو بوش يرحل وقد توّرط في أفغانستان والعراق .. بعد ان كان يظن أنه سياكل العراق ويصبح النفط في يده ... والآن يخططون للخروج من هذا المأزق العصيب ....ولذا بعضنا يقول : أمريكا صنعت دعاية القاعدة والآخر يقول القاعدة أسقطت أمريكا ... في هذا الحوار البيزنطي أقول يبقى جميع الاحتمالات قائمة والحقيقة تظهر في النهاية فإما تنتهي القاعدة وتزول وإما تسقط أمريكا وتكون تأريخاً ...

وكلام كثير ليس هذا مقامه ...

فعوامل السقوط تظهر , ودعاية المؤامرة بدأت تختفي , والشعوب الخليجية تنتظر فزّاعاً ينقذها من جنون الفقر والتضخم ...فاللهم رحماك بنا ...




شكراً لك على مواضيع تُحرّك السّاكن يا أخي الفاضل ...!