|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
20-03-2008, 09:14 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2008
البلد: الســـــــ بريدة ـــــعودية
المشاركات: 11
|
الاثاره عند عبدالله الغزامي
قرأت في جريدة الرياض للكاتب عبدالله الغزامي فيه نوع من الأثاره احببت أن انقلة لكم هنا
يرتبط معنى الظلم بدلالات القوة والمنعة، ووردت كلمة الظلم في النصوص لتعني ذلك وتشير إليه فالمتنبي يقول قولته المشهورة: والظلم من شيم النفوس/ فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم) وهو يرث هذا المعنى من المعطى الثقافي العام المتأسس في الشعر وفي السلوك، وزهير قد قال: ومن لا يظلم الناس يظلم (بضم ياء الأخيرة) ونقل ابن خلدون عن أعرابي سأله عبدالملك بن مروان عن الحجاج فقال: تركته يظلم وحده. لقد أورد زهير مقولته وسط أبيات شاعت تسميتها ثقافيا بأبيات الحكمة وهي من إحدى قصائد الحوليات التي تعني أن الشاعر تمعن في نصه سنة كاملة كي يخرجه للناس كاملاً ومنقحاً ومدروساً وقاطع الدلالة أي أنه يثبت المعاني بعد درسها والتمعن فيها، وبما أنه رجل حكيم ورجل عقل وصاحب موقف اجتماعي فإنه إذا جعل الظلم عنواناً سلوكياً فإنه يعني ما يقول خاصة أنه الشاعر الصادق الذي عرف عنه ثناؤه على هرم بن سنان لتدخله في وقف الحرب التي دارت بين العرب ردحا من الزمن، ورجل كهذا لا تكون كلمة الظلم عنده عبثية ولكنها تعني دلالات تتضمن معاني المنعة والهيبة وهي عنوان لثقافة فحولية يكون التوحش فيها جوهريا، ويعاود المصطلح في الظهور بمعناه هذا على لسان الأعرابي بين يدي عبدالملك بن مروان ليصف صاحبه بأعلى ما يراه من صفات تدل على القوة والتفرد، وهو ما يجعل المتنبي يرى الظلم شيمة وليس عيباً ويراه طبعاً نفسياً وقيمة أصلية لا تزول إلا بعلة حتى ليكون غير الظالم معلولا وناقص التكوين. هذا معنى أزلي لا يرد في النصوص فحسب بل إنه مسلك بشري يتجلى في سير السلاطين والعساكر وتواريخ الأمم، وكلما تملكت أمة زمام الأمور صارت مطلقة اليد في التصرف ومطلقة العقل في تسمية الأشياء، ومنها في زمننا هذا مصطلح الحرب الاستباقية وهي الحروب التي تقوم على الظن وعلى افتراض ما لم يقع، مثلها مثل الغزوات الأولى حيث إن الذين يتصدون للغزو وللحرب هم أولو القوة والبأس، حتى إن وصف الفرد أو القوم بالبأس هو من أهم وأجلى الصفات، ولقد ورد في الأمثال قولهم: رهبوت خير من رحموت (مجمع الأمثال 288/1)، وشرحه الميداني مؤكداً على أن الرهبة والترهيب خير من الرحمة واللين. ولكن القراءة المتتبعة لنظام القوة والمنعة في ثقافة البدو ستكشف لنا نظاماً مصاحباً يجاور نظام البأس ويرقيه أخلاقياً وينظم سلوكياته، وذلك هو قانون الوجه أو قطع الوجه، وهو قانون صحراوي بدوي له أصوله وله مقتضياته، وهو مبني على أن أهم ما في الإنسان هو وجهه بما أن الوجه هو العلامة الاتصالية الأهم فيما بين البشر، ووجهك هو أنت، وإذا كان البدوي ذا جاه كبير فهو ذو وجه رفيع، ووجهه هذا سيكون حصانة معنوية وجسدية لكل من يتسمى به فإذا حدث موقف خطير وصرخ المرء قائلاً: أنا بوجه فلان، فهو بهذا يلزم خصمه بمواجهة صاحب هذا الوجه الذي جرى النطق باسمه والاحتماء بوجهه، وهو هنا اسم ووجه أي قيمة معنوية وثقافية ونفسية، وعلى المتخاصمين أن يحترموا هذه التسمية وهذه الوجاهة وإلا فإن صاحب الوجه يصبح مسؤولاً عن إنصاف المتسمي بوجهه. ولقد جرت قصص كثيرة حيث صار الوجه حصانة ومنع حدوث الضرر، مثلما حصلت قصص أخرى تحولت إلى مناسبات دموية بسبب كسر الوجه أو قطع الوجه، وقطع الوجه أمر خطير وجليل ولا بد من غسل هذا العار بالدم الساخن في حالة خيانة الوجاهة حتى ولو بعد حين، ولا يهم أن يكون صاحب الوجه حاضراً أو سامعاً، بل يكفي أن تروي له القصة أو أن تتسرب إليه، وتجري مكافأة من يحترمها ويثني عليه مثلما تجري معاقبة من يخل بها، والعقاب خطير ودموي، ومن ذلك ما رواه ابن عبيد في مخطوطه النجم اللامع (ص 338)، عن ثلاثة رجال أحدهم حضري كان يصحب بدويين من قبيلتين مختلفتين من أجل حماية طريقه في الصحراء، وكان مع الحضري مبلغ من المال إضافة إلى الرواحل والزاد، وفي الطريق همَّ أحد الرفيقين بالغدر وطمع بالمال، وأثناء المنام استل الغادر سكينا وقتل رفيقه البدوي أولاً ثم التفت للحضري الذي فر بعد أن تيقظ على صوت العدوان، ولكن الغادر لحق به حتى طعنه على خاصرته وتركه بعد أن ظن أنه قد مات وأخذ المال والرواحل، غير أن الحضري لم يمت ولجأ إلى غار جبل مكث فيه يوماً وليلة والذئاب تحف به من حول الغار وكان يراها رأي العين ويكاد يلمسها وتلمسه لولا أنها تهيبت منه بسبب رائحة البارود في ملابسه، وصارت نجاته على يد ركب من البدو حلوا في المكان طلباً للعشب، ولما رأوه أخذوا بيده وساعدوه وأخذوا منه قصته ونقلوها إلى شيخ القبيلة التي ينتمي إليها الغادر، وكان الغادر قد فر إلى مكان بعيد، وهذا ما قتضى تتبعه واستعمال الحيلة لرده حيث أرسل شيخ قبيلته وفداً يقول له إن صاحبيه البدوي والحضري معاَ لم يموتا وأنه قد جرى تعويضهما وأن الأمر انتهى وعرضوا عليه أن يعود ويعاشر القوم بدلاً من العيش مشرداً وخائفاً من فعلته، فعاد ليجد شيخه ينتظره بوجه غاضب على هذا الخائن للرفقة فأخذه الشيخ وأركبه على حمار وصبغ وجهه بالرماد وربطه على قدميه ويديه وترك شابين يدوران به على بيوت القبيلة ويقولان هذا جزاء الخائن، وبعد ذلك بأيام جاء أخوه ومسك السكين نفسها وسلخ بها وجه هذا الأخ الخائن واقتلع الأنف والفم والعينين، وأرسل الوجه المسلوخ بعينيه وأنفه إلى الرجل الحضري مع رسالة تقول هذا هو قاطع الوجه. ويقول ابن عبيد في هذا السياق (إن أغلب ما يجزع منه الأعرابي من ضده هو الغدر إذا عامله أو جاوره أو أمنه - ص 301). هذا ما يجعلنا نصل إلى معادلة دلالية دقيقة تحدد المسافة بين مفهوم الظلم الذي تتغنى به النصوص، وبين مفهوم الغدر الذي تعاقب عليه عقاباً صارماً وكثيراً ما تجد في نصوص الشعر ثناء على عدو محارب لأنه لم يغدر ولم يباغت ولم يخفر ذمة ولم ينتهك عرضاً، أي الثناء على الحرب النظيفة مقابل الحرب القذرة، وتأتي صفات الفروسية مرتبطة بالغزو والقوة والمنعة مع الترفع عن الغدر وكسر العهود وتبييت الخيانة. وفي هذا يأتي مفهوم قطع الوجه على أنه أحد معاني الحياة الصحراوية حيث لا وجود لسلطة قانونية أو مادية فتحل محلها السلطة المعنوية، ويصير الوجه بمثابة الحصانة الأخلاقية الحامية، وهي كلمة يطلقها اللسان في لحظة القنوط واليأس المطلق، وبما أنه كذلك فلا بد من تحصينها كقيمة حامية، وهذا ما يجعل السامعين لها يستشعرون المسؤولية الأخلاقية في تبليغ القصة. وهنا نصل للملمح المهم في هذا المصطلح لأنه مصطلح لا يتم ولا يتحقق إلا عبر الإبلاغ عنه، وأنت إذا تحصنت بوجه فإن أول شروط هذه الحصانة أن يكون فلان هذا حصناً منيعاً له وزن ومقام وله قدرة على تحمل هذه الوجاهة، ثم إن فلانا هذا يكون حصنا منيعاً له وزن ومقام وله قدرة على تحمل هذه الوجاهة، ثم إن فلانا هذا يكون في الغالب الأعم غائباً وبعيدا، وغيابه هذا هو ما يخلق مسؤولية لغوية في نقل الحادثة وإبلاغ الشخص عن القصة مهما طال الزمن أو بعد المكان، وأي شاهد على الحدث لا بد أن ينقل الخبر فإن لم يفعل فهو شريك في الخيانة، كما أن المستغيث هو بالضرورة أجنبي عن صاحب الوجه وقد لا يعرفه ولكنه يدرك مقامه وشأنه بما يسمعه عنه، وهذا يضاعف من موقف الوجاهة حيث تصير حصانة ثقافية لغوية، وقيمة الإنسان هنا هي كنز لغوي ورصيد ثقافي تجب صيانته. |
الإشارات المرجعية |
|
|