بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » حـصـاد الإنـتـرنـت » "اســـتـــمــــتـــــع بــــحــــيــــاتــــك"..للدكتور محمد العريفي....(موضوع متجدد)

حـصـاد الإنـتـرنـت حصاد شبكة الإنترنت و المواضيع المنقولة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 06-06-2008, 11:11 PM   #127
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148

الكرم..

قال لهم: من سيدكم؟
قالوا:سيدنا فلان..على أننا نبخّله..
فقال:وأي داء أدوأُ من البخل؟!! بل سيدكم الأبيض الجعد فلان..
هكذا جرى النقاش بين إحدى القبائل وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلموا فسألهم عن سيدهم ليُقره عليهم بعد إسلامهم أو يغيره..
نعم وأي داء أدوأ من البخل..
ما أقبح البخل وما أعرض الناس عنه..وما أثقله عليهم..
مساكين البخلاء..تجد أحدهم لا يكاد يقيم في بيته وليمة لأصحابه يتحبب بها إليهم..
ولا يكاد يهدي هدية..
ولا يدا يعتني بجمال مظهره..
ولا يهتم بزكاء رائحته..توفيراً للمال..ورضاً بالدون..
أما الكريم فهو مفضال على أصحابه..
قريب من أحبابه..
إن اشتاقوا للاجتماع ولأنس ففي بيته..
وإن نقص على أحدهم شيء تفضل عليه به..
فيأسر نفوسهم بكرمه...
ويستعبد قلوبهم بإحسانه..
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسان إحسان
وينبغي عند إكرام غيرك أن تكون نيتك حسنة..للتآلف مع إخوانك المسلمين..وكسب مودتهم..والتقرب إلى الله بالإحسان إليهم..
لا لأجل شهرة أو رئاسة أو كسب مديحهم وثنائهم..
قال صلى الله عليه وسلم:أول من تسعر بهم النار ثلاثة..وذكر منهم رجلاً كان ينفق ليُقال جواد أي كريم..فلم يعمل ابتغاء وجه الخالق وإنما ابتغى وجه المخلوق..رياء وسمعة..وإليك الحديث كاملاً:
قال سفيان:دخلت المدينة..فإذا أنا برجل قد اجتمع الناس عليه..
فقلت:من هذا؟
قالوا:أو هريرة..
فدنوت منه حتى قعدت بين يديه..وهو يحدث الناس..
فلما سكت وخلا .. قلت: أنشدك الله..بحقّ وحقّ..لما حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وعلمته..
فقال أبو هريرة:أفعلُ..لأحدثك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم..عقلته وعلمته..
ثم نشغ أبو هريرة نشغة(شهق)..فمكث قليلاً..ثم أفاق..
فقال:لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم..وأنا وهو في هذا البيت..ليس فيه أحد غيري وغيره..ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى..فمكث بذلك..ثم أفاق..ومسح وجهه..
فقال:أفعل.. لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم..وأنا وهو في هذا البيت..ليس فيه أحد غيري وغيره..ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى..ثم مال خاراً على وجهه..وأسندته طويلاً..ثم أفاق..
فقال:حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن الله عز وجل إذا كان يوم القيامة..نزل إلى العباد ليقضي بينهم..وكل أمة جاثية..
فأول من يدعو به:
رجل جمع القرآن..
ورجل يقتل في سبيل الله..
ورجل كثير المال..
فيقول الله للقارئ:ألم أعلمك ما أنزلتُ على رسولي؟
قال:بلى يا رب..
قال:فماذا عملت فيما علمت؟
قال:كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار..
فيقول الله له:كذبتَ..
وتقول الملائكة له:كذبت..
فيقول الله عز وجل:أردت أن يقال:فلان قارئ..
فقد قيل.. (أي:حصّلت جزاءك في الدنيا لأنك مراء بأعمالك تريد ثناء الناس وقد أخذته لأن الناس أثنوا عليك وقالوا:فلان قارئ)..
ويؤتى بصاحب المال فيقول:ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟
قال:بلى..
قال:فماذا عملت فيما أتيتك؟
قال:كنت أصل الرحم..وأتصدق..
فيقول الله:كذبت..
وتقول الملائكة:كذبت..
ويقول الله:بل أردت أن يقال:فلان جواد..
فقد قيل ذلك..
ويؤتى بالرجل الذي قتل في سبيل الله..
فيقال له:فيم قتلت؟
فيقول:أمرت بالجهاد في سبيلك..فقاتلتُ حتى قُتلت..
فيقول الله:كذبت..
وتقول الملائكة له: كذبت..
ويقول الله:بل أردت أن يقال:فلان جريء..فقد قيل ذلك..
قال أبو هريرة رضي الله عنه:ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال:
يا أبا هريرة..أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسعر بهم النار يوم القيامة....رواه الترمذي والحاكم وهو صحيح..
فإذا أحسنت النية في كرمك فأبشر بالخير..
وأولى من تحسن إليهم ليحبونك ويكرمونك..أهل بيتك..الأم..الأب..الزوجة..الأولاد..
ثم الأقرب فالأقرب..
ابدأ بنفسك ثم بمن تعول..وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول..
ولا بد من التفريق بين الكرم والإسراف..
مشى رجل في شارع قديم فمر ببيت متهالك..فإذا فتاة صغيرة قد جلست على عبتة الباب بثياب رثة..وهيئة فقيرة..
فسألها:من أنت؟
قالت:أنا ابنة حاتم الطائي..
فقال:عجباً!!ابنة حاتم الطائي الكريم والجواد..على هذا الحال؟!!
فقالت:كرمُ أبي صيّرنا إلى ما ترى!!
والله تعالى يقول:"ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً مدحوراً"..فالكريم ممدوح..لكن المسرف مذموم..لذا نهاك الله عن القبض والبسط..وأمرك بالاعتدال..أمسك العصا من النصف..
ولا تك فيها مفرطاً أو مفرطاً ** كلا طرفي قصد الأمور ذميم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس..ولم يكن جشعاً ينظر في مصلحة نفسه ولا يلتفت إلى غيره..كلا..
قال أبو هريرة رضي الله عنه:والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد على الأرض من الجوع..وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع..
ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه من المسجد..فمر أبو بكر..
فسألته عن آية من كتاب الله..ما سألته إلا لسيتتبعني-أي ليقول لي:اتبعني إلى بيتي_..فلم يفعل..
ثم مرّ عمر..فسألته عن آية من كتاب الله..ما سألته إلا ليستتبعني..فمرّ فلم يفعل..
كان الصحابة في جوع وحاجة شديدة..فكان إذا جاء لأحدهم ضيف..ربما لم يجد له ما يطعمه..
ثم مرّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم..فتبسّم حين رآني..وعرف ما في وجهي وما في نفسي..
ثم قال:أبا هر..
قلت:لبيك يا رسول الله..
قال:اِلْحقْ..
ومضى .. فاتبعته..فدخل بيته..فاستأذن..فأذن لي..فدخلت..
فوجد لبناً في قدح..فقال:من أين هذا اللبن؟
قالوا:أهداه لك فلان..أو فلان..
قال:أبا هر..قلت:لبيك يا رسول الله..
قال:اِلْحقْ أهل الصفة..فادعهم لي..
وأهل الصفة أضياف الإسلام..فهم قوم يدخلون في الإسلام..ويتركون ديارهم ويسكنون المدينة..في المسجد..لا يأوون إلى الأهل ولا إلى مال..
فكان صلى الله عليه وسلم يعطف عليهم..فإذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً..وإذا أتته هدية أرسل إليهم..وأصاب منها وأشركهم فيها..
فساءني ذلك..
وقلت في نفسي: وما هذا اللبن في أهل الصفة!!
كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها..فإذا جاءوا..أمرني..فكنت أنا أعطيهم..وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن..
ولم يكن من طاعة الله..وطاعة رسوله بدٌ..
فأتيتهم..فدعوتهم..فأقبلوا..فأذن لهم..وأخذوا مجالسهم من البيت..
فقال صلى الله عليه وسلم:يا أبا هر..
قلت:لبيك يا رسول الله..
قال: خذ .. فأعطهم..
فأخذت القدح..
فجعلت أُعطيه الرجل فيشرب حتى يروي..ثم يرد عليّ القدح..
فأعطيه الآخر..فيشرب حتى يروي..ثم يرد علي القدح..
فأعطيه الأخر فيشرب حتى يروي..ثم يرد علي القدح..
حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ..وقد روي القوم كلهم..
فأخذ القدح فوضعه على يده..فنظر إليّ فتبتسم..
فقال:أبا هر..
قلت: لبيك يا رسول الله..
قال:بقيت أنا وأنت؟
قلت:صدقت يا رسول الله..
قال:اقعد فاشرب..
فقعدت فشربت..
فقال:اشرب..فشربت..
فما زال يقول:اشرب..حتى قلت: لا .. والذي بعثك بالحق..ما أجد له مسلكاً..
قال:فأرني..فأعطيته القدح..فحمد الله وسمّى..وشرب الفضلة....رواه البخاري..
وللكرم أسرار..
أحياناً لا تتكرم على الشخص مباشرة..وإنما تتكرم على من يحبهم..فيحبك..
زارني أحد الأصدقاء يوماً..وكان يحمل كيساً فيه عدد من الحلويات والألعاب..
أظنها لم تكلفه بضعة ريالات..ناولني إياها وقال:هذه للأولاد..فرح بها الصغار..وفرحت بها أنا لأنه أشعرني أنه يحب إدخال السرور على أولادي..
كان أحد السلف عالماً..لكنه كان فقيراً..
فكان طلابه يهدون إليه بين فترة وأخرى أنواعاً من الهدايا..تمر..دقيق..
وكان الطالي إذا أهدى إليه..لم يزل الشيخ مكرماً له مقبلاً عليه ما دامت هديته باقية..فإذا انتهت..رجع إلى طبعه الأول..
فكّر أحد طلابه بهدية يحملها إلى الشيخ..تكون معقولة الثمن..وتطول مدة بقائها..فأهدى إليه كيس ملح..
فالملح ثمنه قليل..ويطول بقاؤه في البيت لأنه لا يُستعمل منه إلا الشيء اليسير..فقد يكفي الكيس الواحد لمدة سنة أو سنتين..
ولو استشرتني في هديتين ستهدي إحداهما لصديق..أولاهما زجاجة عطر رائع..ثمين..أو ساعة حائطية تكتب عليها إهداء باسمه..لاخترت الساعة..
لأنها يطول بقؤها..ويراها دائماً..وربما يكون ثمنها أقل..
أذكر أن احد طلابي أهديته ساعة حائطية فيها إهداه باسمه..
تخرج من الكلية..ومرت السنين..
ثم زرت إحدى المدن لإلقاء محاضرة فتفاجأت به يحضر المحاضرة ويدعوني إلى بيته..
فلما دخلت مجلس الضيوف فإذا به يشير إلى الساعة المعلقة على الحائط..ويقول:هذه أغلى هدية عندي..
وقد مر على تخرجه سبع سنين..
بقي أن تعلم أن هذه الساعة لم تكلف إلا شيئاً يسيراً..لكن قيمتها المعنوية أعلى وأكبر..



وجهة نظر..
كسب قلوب الناس فرص قد لا تتكرر..
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 08-06-2008, 03:25 AM   #128
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148

كف الأذى..

كان الناس يبغضونه..ما يكاد أحد يسلم من أذاه..
إن سلمت من يده فلن تسلم من لسانه..وإن فاته أن يجلدك بسوط لسانه في حضرتك فلن يفوته أن يجلدك في غيبتك..
فعلاً..كان رجلاً مكروهاً..أثقل على الناس من صُم الجبال الراسيات..
وإذا تأملت أحوال الناس فسوف تصل إلي يقين بأنه لا يؤذي غالباً إلا من كان عنده نعمة تفوق من يقابله..
فالقوي يتجرأ على إيذاء الضعيف..يدفعه بيده..أو يركله برجله..يضرب ويحقّر..فيصير أسداً عليه لكنه في الحروب نعامة!!
والغني يتعدى على الفقير..فيهينه في المجالس..يقاطعه في كلامه..
أما صاحب المنصب والجاه..فله حظ كبير من ذلك..
وقل مثل ذلك فيمن جعل الله نسبه رفيعاً..
وهؤلاء في الحقيقة..إضافة إلى بغض الناس لهم..وتمنيهم زوال عزهم..وفرحهم بمصائبهم..هم أيضاً مفلسون..
وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم..وقد جلس مع أصحابه يوماً..
فقال لهم:أتدرون ما المفلس؟
قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع..
فقال:إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة..وصيام..وزكاة..
ويأتي قد شتم هذا..
وقذف هذا..

وأكل مال هذا..
وسفك دم هذا..
وضرب هذا..
فيعطى هذا من حسناته..وهذا من حسناته..فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه..أخذ من خطاياهم فطرحت عليه..ثم طرح في النار..

لذا كان يتجنب صلى الله عليه وسلم أذى الناس بشتى أشكاله..
قالت عائشة رضي الله عنها:
ما ضرب رسول الله صلى الله لعيه وسلم شيئاً قط بيده..ولا امرأة..ولا خادماً..إلا أن يجاهد في سبيل الله..
وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه..إلا أن ينتهك شيء من محارم الله..فينتقم لله عز و جل..

وعموماً..من استعمل هذه النعم لأذى الناس بغضوه..وقد يبتليه الله في دنياه قبل أخراه..فيشفي صدروهم..
أذكر أن أحد الأصدقاء من طلبة العلم وحفظة القرآن..كان رجلاً صالحاً..يأتيه بعض الناس أحياناً يقرأ عليهم شيئاً من القرآن كرقية شرعية..وقد شفى الله تعالى على يده من شاء..
دخل عليه يوماً من الأيام رجل تبدو عليه علامات الثراء..
جلس بين يدي الشيخ وقال: يا شيخ..أنا عندي آلام في يدي اليسرى تكاد تقتلني..لا أنام في ليل..ولا أرتاح في نهار..
ذهبت إلى عدد كبير من الأطباء..
أجروا لي الفحوصات..عملوا تمارين..فما وجدت فائدة أبداً..الألم يزيد ويشتد حتى انقلبت حياتي عذاباً..
يا شيخ..أنا تاجر وعندي عدد من المؤسسات والشركات..فأخشى أن أكون أُصبت بعين حاسدة..أو وضع لي أحد الأشرار سحراً..
قال الشيخ:
قرأت عليه سورة الفاتحة..وآية الكرسي..وسورة الإخلاص والمعوذتين..
لم يظهر عليه تأثر!!
خرج من عندي شاكراً..رجع إليّ بعد أيام يشكو الألم نفسه..
قرأت عليه..ذهب ورجع..وقرأت عليه..لم يظهر عليه أي تحسن..

قلت له لما اشتد عليه الألم:
قد يكون ما أصابك هو عقوبة على شي فعلته..من ظلم أحد الضعفاء..أو أكل حقوقهم..
أو ظلمت أحداً في ماله فمنعته حقه..أو غير ذلك..فإن كان هناك شيء من ذلك فسارع إلى التوبة مما جنيت..وأعد الحقوق إلى أهلها..واستغفر الله مما مضى..
التاجر لم يرق له كلامي..وقال-بكبر-:أبداً ما ظلمت أحداً..ولم أعتدِ على شيء من حقوق الناس..وأشكرك على نصيحتك..
وخرج..مرت أيام وغاب الرجل عني..خشيت أن يكون وجد عليّ في نفسه..ولكن لا عليّ فهي نصيحة أسديتها إليه..
تفاجأت به يوماً في مكان ما.. لقيني فأقبل إليّ مسلماً مسروراً..
سألته:هاه..ما الأخبار؟
قال: الحمد لله..الآن يدي بخير..بغير طب ولا علاج!!
قلت: كيف؟
قال: لما خرجت من عندك..جعلت أفكر في نصيحتك..وأستعيد شريط ذكرياتي في ذهني..وأفكر!!
ترى هل ظلمت أحداً؟!
هل أكلت حق أحد؟!
فتذكرت أني قبل سنوات لما كنت أبني قصري..كان بجانبه أرض رغبت في ضمها إليه ليكون أجمل..كانت الأرض ملكاً لامرأة أرملة توفي زوجها وخلّف أيتاماً..
أردتها أن تبيع الأرض فأبت..وقالت:وماذا أفعل لقيمة الأرض..بل تبقى لهؤلاء الأيتام حتى يكبروا..أخشى أن أبيعها ويتشتت المال..
أرسلت مراراً لشرائها..وهي تأبى ذلك..
قلت: فماذا فعلت؟
قال:انتزعت الأرض منها بطرقي الخاصة..
قلت: طرقك الخاصة!!
قال: نعم.. علاقاتي الواسعة..ومعارفي..استخرجت ترخيصاً ببناء الأرض وضممتها إلى أرضي..
قلت: وأم الأيتام؟!!
قال: سَمِعَتْ بما حصل لأرضها فكانت تأتي وتصرخ بالعمال الذين يعملون لتمنعهم من البناء..وهم يضحكون منها يظنونها مجنونة..
وفي الواقع أنني أنا المجنون ليس هي..
كانت تبكي وترفع يديها إلى السماء..هذا ما رأيته بعيني..ولعل دعاءها في ظلمة الليل كان أعظم..
قلت:هاه..أكمل..
قال: رحت أسأل وأبحث عنها..حتى عثرت عليها..فبكيتُ واعتذرتُ.. ولا زلتُ بها حتى قبلت مني تعويضاً عن تلك الأرض..ودعت لي وسامحتني..
فو الله ما إن خفضت يديها..حتى دبّت العافية في بدني..
ثم أطرق التاجر برأسه قليلاً..ثم رفعه وقال:ونفعني دعاؤها-بإذن الله- نفعاً عجز عنه طب الأطباء..




قالوا..
نامت عيونك والمظلوم منته *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 08-06-2008, 03:37 AM   #129
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148
لا للعداوات..

تجد أن الناس عند التعامل معهم لهم طبائع..
منهم الغضوب ومنهم البارد..
ومنهم الذكي ومنهم الغبي..
والمتعلم والجاهل..
ومنهم حسن الظن وسيء الظن..و:
من عامل الناس لاقى منهم نصباً ** فإن سَوْسَهمُ بغيٌ وطغيان

فالظالم يغفل عن ظلمه ويرى أنه أعدل الناس..
والغبي يرى أنه أذكى الناس..
والأخرق السفيه..يرى أنه حكيم زمانه!!
أذكر لما كنت شاباً-وأظنني لا أزال كذلك-
أعني لما كنت في أوائل الدراسة الثانوية..أقبل علينا ضيف ثقيل..لا أدري هل أكمل دراسته الابتدائية أم لا؟ لكن الذي أجزم به أنه يقرأ ويكتب..
وكنت مشغولاً وقت دخوله بمسألة شرعية لم أجد لها جواباً..
وضعت له ما يوضع للضيف من قرى..ثم تناولت الهاتف وجعلت أكرر الاتصال بالشيخ الإمام عبد العزيز بن باز-رحمه الله- لسؤاله عنها..لم أجد الشيخ..
رآني صاحبي منشغلاً إلى هذا الحد..فسألني: بمن تتصل..قلت::بالشيخ ابن باز..عندي استفتاء مهم..
فبادرني قائلاً بكل ثقة:سبحان الله..ابن باز وأنا موجود؟!!
تجد من الناس كثيرين كذلك..فتحمل ثقلهم..وعاملهم بلطف..واكسبهم..
حاول بقدر استطاعتك أن لا تكسب عداوات..فلم تبعث عليهم وكيلاً..
أنقذ ما يمكن إنقاذه..ولا تعذب نفسك..



خاطرة..
الحياة أقصر من أن تشغلها باكتساب عداوات..
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 08-06-2008, 07:42 PM   #130
بسمة تحدي
روضَةٌ مِن أشْجَار الرَبيعْ !
 
صورة بسمة تحدي الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
البلد: B U R A Y D A H
المشاركات: 3,358
بارك الله فيك وجعله من موازين اعمااااااااااااااالك الحسنه يارب ..!

__________________

العــــابرة!
سيبقى عهدكِ كامناً عمق القلوب ص1
لن أنساك مااحيت غفر الله لكِ ذنوبك جميعاً وجمعنا بكِ في جنة الفردوس أمين ص1.
بسمة تحدي غير متصل  
قديم(ـة) 09-06-2008, 03:42 AM   #131
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148
آمين وإياك أختي الفاضلة ( بسمة تحدي)
وجميل شكري وتقديري لمرورك العطر,,



دمت بكل خير..
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 09-06-2008, 03:43 AM   #132
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148

اللسان..مَلِكُ!!

تأملت فيما يحدث التباغض والشقاق بين الناس .. ويجعل بعضهم أثقل من الجبل على الآخرين .. فلا يحبون رؤيته ولا مجالسته .. ولا السفر معه .. ولا حضور وليمة هو مدعو إليها .. وجدت أن أكثر ما يوصل الشخص إلى هذا المستوى البغيض هو اللسان..
فكم من خصومات وقعت بين أخوان .. وأزواج .. و .. بسبب مسبة أو غيبة أو شتم..!!
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده *** فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

نحن نستطيع أن نوصل أفكارنا للآخرين بأساليب حسنة .. فلماذا نلجأ للآخرين بأساليب حسنة .. فلماذا نلجأ للأساليب القبيحة؟!
ذُكر أن ملكاً معظماً رأى في منامه أن أسنانه تساقطت..فاستدعى أحد المعبرين..وقص عليه الرؤيا وسأله عن تعبيرها؟!
فتغير المعبر لما سمعها .. وجعل يردد:أعوذ بالله..أعوذ بالله..
فزع الملك وقال: ما تعبير رؤياي؟!
فقال المعبّر: تمضي عليك السنين .. ويموت أولادك وأهلك جميعاً..وتبقى في ملكك وحدك..
فصاح الملك .. وغضب..وسب ولعن..وأمر بالمعبر أن يسحب ويجلد..
ثم دعا بمعبر آخر..وقص عليه الرؤيا..وسأله عن تعبيرها..فابتهج ذاك المعبر..وتبسم..وأظهر البشاشة..وقال: أبشر..خير..خير..أيها الملك..
قال الملك: ما تعبير الرؤيا؟
قال المعبر:هذا معناه أنه سيطول عمرك جداً..حتى تكون آخر أهلك موتاً..وتبقى طول عمرك ملكاً..
فاستبشر الملك وأمر له بالأعطيات .. وبقي راضياً عليه .. ساخطاً على الآخر!!
مع أنك لو تأملت لوجدت أن التعبيرين متماثلان متطابقان .. لكن الأول عبر بأسلوب والآخر عبر بأسلوب آخر..
نعم .. اللسان سيّد من السّادات..
وفي الحديث .. قال صلى الله عليه وسلم:إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان..فتقول: اتق الله فينا .. فإنما نحن بك..فإن استقمت استقمنا..وإن اعوججت اعوججنا..

نعم والله إنه لسيد..
سيد في خطبة الجمعة..وسيد في الإصلاح بين الناس..
وسيد في التسويق.ز
وسيد في المحاماة..ولا يعني هذا أنه إذا فقده الإنسان .. انتهت حياته .. كلا بل صاحب الهمة يبقى بطلاً مهما فقد من قدرات..
لم يكن أبو عبد الله يختلف كثيراً عن بقية أصدقائي..لكنه-والله يشهد- من أحرصهم على الخير .. له عدة نشاطات دعوية من أبرزها ما يقوم به أثناء عمله..
فهو يعمل مُترجماً في معهد الصم البكم..
اتصل بي يوماً وقال:
ما رأيك أن أحضر إلى مسجدك اثنين من منسوبي معهد الصم لإلقاء كلمة على المصلين..
تعجبت!!وقلت:صمٌ يلقون كلمة على ناطقين؟
قال: نعم .. وليكن مجيئنا يوم الأحد..
انتظرت يوم الأحد بفارغ الصبر..
وجاء الموعد..وقفت عند باب المسجد أنتظر .. فإذا بأبي عبد الله يقبل بسيارته..
وقف قريباً من الباب .. نزل ومع رجلان..
أحدهما كان يمشي بجانبه .. والثاني قد أمسكه أبو عبد الله يقوده بيده..
نظرت إلى الأول فإذا هو أصم أبكم .. ولا يسمع ولا يتكلم..لكنه يرى..
والثاني أصم .. أبكم .. أعمى.. لا يسمع ولا يتكلم ولا يرى..
مددت يدي وصافحت أبا عبد الله .. كان الذي عن يمينه – وعلمت بعدها أن اسمه أحمد- ينظر إليّ مبتسماً .. فمددت يدي إليه مصافحاً..
فقال لي أبو عبد الله-وأشار إلى الأعمى-:سلّم أيضاً على فايز..
قلت: السلام عليكم..فايز..
فقال أبو عبد الله:أمسك يده..هو لا يسمعك ولا يراك..
جعلت يدي في يده.. فشدني وهزّ يدي..
دخل الجميع إلى المسجد..
وبعد الصلاة جلس أبو عبد الله على الكرسي وعن يمينه أحمد..وعن يساره فايز..
كان الناس ينظرون مندهشين..لم يتعودوا أن يجلس على كرسي المحاضرات أصم..
التفت أبو عبد الله إلى أحمد وأشار إليه..فبدأ أحمد يشير بيده..والناس ينظرون..لم يفهموا شيئاً..فأشرت إلى أبي عبد الله..ليترجم لنا..فإشارات أحمد لا يفهمها إلا الصم..أو من كان متعلماً للغة الصم فاقترب إلى كبر الصوت وقال:
أحمد يحكي لكم قصة هدايته..ويقول لكم..ولدت أصم..ونشأت في جدة..وكان أهلي يهملونني..لا يلتفتون إليّ..كنت أرى الناس يذهبون إلى المسجد..ولا أدري لماذا؟
أرى أبي أحياناً يفرش سجادته ويركع ويسجد..ولا أدري ماذا يفعل..
وإذا سألت أهلي عن شيء..احتقروني ولم يجيبوني..
ثم سكت أبو عبد الله والتفت إلى أحمد وأشار له..فواصل أحمد حديثه..وأخذ يشير بيديه..ثم تغير وجهه..وكـأنه تأثر..
خفض أبو عبد الله رأسه..ثم بكى أحمد..وأجهش بالبكاء..تأثر كثير من الناس..لا يدرون لماذا يبكي..
واصل حديثه وإشاراته بتأثر..ثم توقف..
فقال أبو عبد الله: أحمد يحكي لكم الآن فترة التحول في حياته..وكيف أنه عرف الله والصلاة بسبب شخص عطف عليه وعلمه..وكيف أنه لما بدأ يصلي شعر بقدر قربه من الله..
وتخيّل الأجر العظيم لبلائه..وكيف أنه ذاق حلاوة الإيمان..
ومضى أبو عبد الله يحكي لنا قصة أحمد..
كان أكثر الناس مشدوداً متأثراً..
لكني كنت منشغلاً!!
أنظر إلى أحمد تارة..وإلى فايز تارة أخرى..
وأقول في نفسي..هاهو أحمد يرى ويعرف لغة الإشارة..وأبو عبد الله يتفاهم معه بالإشارة..
تُرى كيف سيتفاهم مع فايز..وهو لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم..!!
انتهى أحمد من كلمته..ومضى يمسح بقايا دموعه..
التفت أبو عبد الله إلى فايز..
قلت في نفسي:هه؟؟ ماذا سيفعل؟!!
ضرب أبو عبد الله بأصابعه على ركبة فايز..فانطلق فايز كالسهم..وألقى كلمة مؤثرة..تدري كيف ألقاها؟
بالكلام؟كلا..فهو أبكم..لا يتكلم..
بالإشارة؟كلا..فهو أعمى..لم يتعلم لغة الإشارة..
ألقى الكلمة بـ(اللمس)..نعم باللمس..
يجعل أبو عبد الله (المترجم) يده بين يدي فايز..فيلمسه فايز لمسات معينة..يفهم منها المترجم مراده..ثم يمضي يحكي لنا ما فهمه من فايز..وقد يستغرق ذلك ربع ساعة..
وفايز ساكن هادئ لا يدري هل انتهى المترجم أم لا ..لأنه لا يسمع ولا يرى..
فإذا انتهى المترجم من كلامه..ضرب ركبة فايز..فيمد فايز يده..فيضع المترجم يده بين يديه..ثم يلمسه فايز للمسات أخر..
ظل الناس يتنقلون بأعينهم بين فايز والمترجم..
بين عجب تارة..وإعجاب أخرى..وجعل فايز يحث الناس على التوبة..
كان أحياناً يمسك أذنيه..وأحياناً لسانه..وأحياناً يضع كفيه على عينيه..لم نفهم ما يردي حتى ترجم لنا أبو عبد الله..فإذا هو يأمر الناس بحفظ الأسماع والأبصار عن الحرام..
كنت أنظر إلى الناس..
فأرى بعضهم يتمتم: سبحان الله..
وبعضهم يهمس إلى الذي بجانبه..وبعضهم يتابع بشغف..
وبعضهم يبكي..
أما أنا فقد ذهبت بعييييييداً..أخذت أقارن بين قدراته وقدراتهم..ثم أقارن بين خدمته للدين وخدمتهم..
الهم الذي يحمله رجل أعمى أصم أبكم..لعله يعدل الهم الذي يحمله هؤلاء جميعاً..
والناس ألف منهم كواحد *** وواحد كالألف إن أمر عنا
رجل محدود القدرات..لكنه يحترق في سبيل خدمة هذا الدين..
يشعر أنه جندي من جنود الإسلام..مسئول عن كل عاص ومقصر..
كان يحرك يديه بحرقة..وكأنه يقول:
يا تارك الصلاة إلى مت؟
يا مطلق البصر في الحرام إلى متى..؟
يا واقعاً في الفواحش؟
يا آكلاً للحرام؟
بل يا واقعاً في الشرك؟
كلكم إلى متى؟
أما يكفي حرب الأعداء لديننا..فتحاربونه أنتم أيضاً!!
كان المسكين يتلون وجهه ويعتصر ليستطيع إخراج من في صدره..تأثر الناس كثيراً..
لم ألتفت إليهم..لكني سمعت بكاء وتسبيحات..
انتهى فايز من كلمته..وقام..
يمسك أبو عبد الله بيده..تزاحم الناس عليه يسلمون..
كنت أراه يسلم على الناس..وأحس أنه يشعر أن الناس عنده سواسية..يسلم على الجميع..لا يفرق بين ملك ومملوك..ورئيس ومرؤوس..وأمير ومأمور..
يسلم عليه الأغنياء والفقراء..والعامة والوجهاء..والجميع عنده سواء..كنت أقول في نفسي ليت بعض النفعيين مثلك يا فايز..
أخذ أبو عبد الله بيد فايز..ومضى به خارجاً من المسجد..
أخذت أمشي بجانبهما..وهما متوجهان للسيارة..والمترجم وفايز يتمازحان في سعادة غامرة..
آآآه ما أحقر الدنيا..
كم من أحد لم يُصب بربع مصابك يا فايز ولم يستطع أن ينتصر على الضيق والحزن..
أين أصحاب الأمراض المزمنة..فشل كلوي..شلل..جلطات..سكري..إعاقات..
لماذا لا يستمتعون بحياتهم..ويتكيفون مع واقعهم..
ما أجمل أن يبتلي الله عبده ثم ينظر إلى قلبه فيراه شاركاً راضياً محتسباً..
مرت الأيام..ولا تزال صورة فايز مرسومة أمام ناظري..
فإذا كان فايز نجح في حياته..وكسب محبة الناس..وهو أعمى وأبكم وأصم..فما بالك بمن أعطاه الله لساناً ناطقاً..وبصراً نافذاً..وسمعاً واعياً؟!
فاستعمل لسانك في كسب الناس..والتحبب إليهم..



حقيقة..
الإنسان لا لحمة يؤكل..ولا جلد يلبس..
فماذا فيه غير حلاوة اللسان!!
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 10-06-2008, 03:00 AM   #133
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148
اضبط لسانك..

إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالاً يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة..
هكذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم الناس من إطلاق الكلام على عواهنه..دون النظر في العواقب..
عدم ضبط اللسان قد يؤدي إلى المهالك..
احفظ لسانك أيها الإنسان *** لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه *** كانت تهاب لقاءه الشجعان


كم من امرأة طلقها زوجها بسبب لسانها..
يختلف معها..فتردد قائلة له:
طلقني..أتحداك تطلقني..إن كنت رجلاً طلقني!!
فيأمرها بالسكوت..
يصرخ بها..
ينهرها..
يشتد الأمر بينهما..فينهدم البناء..ويطلقها..
لذا أمر صلى الله عليه وسلم الشخص إذا غضب أن يسكت..نعم يسكت..لأنه إن لم يضبط لسانه أرداه في المهالك..
يموت الفتى من زلة بلسانه ** وليس يموت المرء من زلة الرجل
أذكر أني دخلت قبل فترة في مشكلة بين عائلتين للإصلاح بينهما..
وقصة الخلاف:أن رجلاً عاقلاً كبيراً في السن أظنه قد تجاوز الستين من عمره..
خرج في نزهة صيد مع مجموعة من أصدقاءه..وسنهم جميعاً متقاربة..

دارت بينهم الأحاديث وذكريات الصبا..
ثم تكلموا عن أراض لأجدادهم بالقرية..فثار خلاف بين اثنين منهم حول أحد الأراضي يملكها أحدهما وادعى الآخر أنها لجده!!
اشتد بينهما النقاش حتى قال مالك الأرض لصاحبه:
والله لئن رأيتك قريباً من أرضي لأفرغن هذا في رأسك..
ثم تناول بندقية الصيد التي بجانبه ووجهها أعلى من رأس صاحبه بمترين أو ثلاثة ثم أطلق منها رصاصة..
ثار الرجلان وكادا أن يقتتلان..لكن أصحابهما هدؤوهما..
وتفرقوا إلى بيوتهم..
لم يستطع الرجل الذي اُطلِقَ الرصاص أن ينام من شدة الغضب..
طلع عليه الصبح إلا وقد أجمع أن يشفي غيظه من صاحبه..فحمل سلاحاً من نوع"كلاشينكوف" ومضى يبحث عن صاحبه..حتى رآه في سيارته عند مدرسة بنات..
كان صاحبه متقاعداً من وظيفته ويعمل سائقاً لسيارة خاصة لنقل المدرسات..وقد أوقف سيارته عند باب المدرسة وجلس داخلها ينتظر خروجهن..
وبجانبه مجموعة من السيارات تشبه سيارته كلها مخصصة لنقل المدرسات أو الطالبات.
اختبأ الرجل خلف شجرة بعيدة لئلا يُنتبه إليه..وكان ضعيف البصر..ووجه سلاحه إلى السائق الذي بدأ من ملامحه أنه صاحبه..وحاول جاهداً أن يسدد الطلقة إلى رأسه..
ثم ضغط على الزناد..ودوى صوت الرصاص وانطلقت ثلاث رصاصات واستقرت في رأس السائق..
ثار الناس واضطربوا..وفزعت الطالبات..وارتفع الصراخ..واجتمع رجل الشرطة..وأحاطوا بالمنطقة..والرجل قد همشت الطلقات جمجمته..ومات..
أما القاتل فقد توجه بكل هدووووء إلى مخفر الشرطة وأخبرهم بالقصة..وقال:
أنا قتلت فلاناً..والآن قد شفيت صدري فاقتلوني أو أحرقوني أو اسجنوني..افعلوا ما شئتم..
أدخوله إلى غرف التوقيف..
وخرج الضابط لمعاينة مكان الحادث..فلما اطلع على بطاقة المقتول فإذا المفاجأة الكبرى!!
إذا بالقتيل ليس هو صاحبه الذي أراد أن يشفي صدره منه وإنما هو شخص آخر ليس له دخل بالقضية..
فأقبل الضابط يمشي بسرعة , والرجل المسن المقصود بالقتل يمشي بجانبه..حتى أدخله مخفر الشرطة وأوقفه أمام الزنزانة..وقال:
يا فلان! أتدعي أنك قتلت هذا؟! الرصاص أصاب شخصاً آخر!!
فصرخ المسكين وأصابته حالة هستيرية..ثم أغمي عليه ومكث في غيبوبة أياماً..
ثم شفي وأدخل السجن وحكم عليه القاضي الشرعي بإقامة حد القتل عليه..
وصدق أبو بكر لما قال:
ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان..
لا أنسى خبر ذلك الخليفة الذي جلس يوماً مع نديمه..يضاحكه ويمازحه..فلعب الشيطان برؤوسهما فشربا خمراً..
فلما غابت العقول..وسيطرت أم الخبائث..وصار الواحد منهما أضل من الحمار..التفت الخليفة إلى حاجبه وأشار له النديم وقال:اقتلوه..
وكان الخليفة إذا أمر أمراً لم يراجع فيه..
فانطلق الحاجب إلى النديم وتله برجليه..وهو يصرخ..ويستغيث بالخليفة..والخليفة يضحك ويردد:اقتلوه..اقتلوه..
فقتلوه..وألقوه في بئر مهجورة..
فلما أصبح الخليفة..اشتاق إلى من يؤانسه..فقال: ادعوا لي نديمي فلان..
قالوا:قتلناه!!
قال:قتلتموه؟!!
من قتله؟!
ولماذا؟
ومن أمركم؟!
وجعل يدافع عبراته..
فقالوا:أنت أمرتنا البارحة..وأخبروه بالقصة..
فسكت..وخفض رأسه متندماً ثم قال:
ربّ كلمة قالت لصاحبها دعني..

أعود وأقول:
كم من شخص نفّر الناس عن شخصه..وبغّضهم في نفسه..وجر إلى نفسه الويلات بسبب عدم ضبطه للسانه..
قال ابن الجوزي:
ومن العجب أن من الناس من يقوى على التحرز من أكل الحرام..ومن الزنا..والسرقة..لكنه لا يقوى على أن يتحرز من حركة لسانه..فيتلكم في أعراض الناس..ولا يقدر على منع نفسه من ذلك..




عجيبة..
الحيوان لسانه طويل ولا ينطق..
والإنسان لسانه قصير ولا يصمت!!

.
.
؛
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 12-06-2008, 03:42 AM   #134
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148
المفتاح..

المدح..هو مفتاح القلوب..
نعم..من أجمل مهارات الكلام أن تكون مبدعاً في تعويد نفسك على اكتشاف صواب الآخرين..ومدحهم والثاء عليهم به..قبل الانتباه إلى خطئهم..
ويتأكد ذلك عندما تريد أن تنبه شخصاً إلى خطأ ما..
كثير من الناس يرُدّ النصيحة لا لأجل تكبره عنها..أو عدم اقتناعه بخطئه..وإنما لأن الناصح لم يسلك الطريق الصحيح لتقديم النصيحة..
هب أنك ذهبت إلى مستشفى حكومي لعلاج..
فلما أقبلت إلى موظف الاستقبال فإذا وراء الزجاج شاب مراهق يقلب جريدة بين يديه..وبيده سيجارة..غير مبال بما حوله..
وإذا شيخ كبير أعمى يقف متعباً في يده اليمنى طفل صغير..وفي الأخرى ورقة مراجعة ينتظر أن يحوله الموظف إلى الطبيب..
وإذا بجانبه عجوز كبيرة بيدها طفلة تبكي وقد تمكنت الحمى من جدسها..وتنتظر أيضاً الموظف أن يفرغ من قراءة أخبار ناديه المفضل..ليحولها لطبيب الأطفال..
لما رأيت المنظر ثارت أعصابك-ولا نلومك على ذلك- فصرخت بالموظف:
هيه!! أنت جالس في مستشفى أو في..ما تخاف الله؟!!
المرضى يئنون من الألم وأنت تقرأ جريدة!!
لا..وتدخن أيضاً!!
والله عجب..مثلك ما يربيه إلا شكوى لمدير المستشفى..أو المفروض أن تفصل من عملك..
وبدأت تقذف هذه العبارات كالبرق عليه..
هب أنه..لم يرد عليك..ولم يقابل صراخك بصراخ..
هب فعلاً أنه ألقى جريدته..وأنهى تحويل المرضى إلى الأطباء..
هل تعتبر نفسك نجحت في حل المشكلة؟!
كلا..أنت هنا عالجت الموقف لكنك لم تعالج المشكلة..لأنه وإن استجاب لك الآن إلا أنه سيعود إلى تصرفه المشين غداً وبعد غدٍ..
إذن كيف أتصرف؟!1
تعال إليه واكظم غيظك..
تعامل مع الموقف بعقل لا بعاطفة..
لا تدع المناظر المؤذية تؤثر في تصرفاتك..
ابتسم , وإن كنت مغضباً,وإن كانت الابتسامة صفراء لا مشكلة..ابتسم..وق:
السلام عليكم..سيرد وهو ينظر إلى صورة لاعبه المفضل:عليكم السلام..انتظر لحظة..
قل أي كلمة تجعله يلتفت إليك..كأن تقول:كيف الحال؟..مساك الله بالخير..
سيرفع رأسه –حتماً- إليك ويقول: الحمد لله بخير..في هذه المرحلة تكون قد قطعت نصف المشوار..
تلطف إليه بأي عبارة تمدحه بها..
قل له مثلاً:تصدق!!المفروض أن مثلك ما يعمل في استقبال مستشفى..
سيتغير ويقول:لماذا؟
قل:لأن هذا الوجه المنير إذا رآه المريض زال مرضه فلا يحتاج إلى طبيب..
سيبتسم متعجباً من جرأتك-يا بطل-..وتنبلج أساريره..وقد صار الآن مهيئاً لقبول النصيحة..
ويقول:ماذا عندك؟
عندها قل:يا أخي الحبيب ترى هذا الشيخ الكبير..وهذه العجوز المسكينة..ليتك تنهي لهما إجراءات الدخول على الطبيب..
سيتناول أوراقهما..ويحولهما للطبيب..ثم يتناول ورقتك..فإذا انتهى منك وسلمك الورقة..
فقل له:سبحان الله..هذه أول مرة أراك ومع ذلك فقد دخلت إلى قلبي..لا أدري كيف!!
والله إنك أحب إليّ من آلاف الناس..(وفعلاً أنت صادق فهو مسلم أحب إليك حتماً من ملايين الكفار)..
سيفرح ويشكر لك لطفك..
فقل:وعندي كلمات أود أن تسمعها لكني أخاف أن تغضبك..
سيقول:لا..لا..تفضل..
عندها قدم له النصيحة..
أنت قد منّ الله عليك بهذه الوظيفة ..وفي واجهة المستشفى..وأنت قدوة لغيرك..فليتك تتلطف قليلاً مع المراجعين..وتهتم بهم..لعل دعوة صالحة ترفع لك في ظلمة الليل من فم عجوز عابدة..أو شيخ زاهد..
أجزم أنه سيخفض رأسه وأنت تتكلم..ويردد:أشكرك..جزاك الله خير..
وكذلك استعمل هذه الأساليب مع كل شخص تعالج سلوكه..
مثل شخص يتهاون بالصلاة..
أو أب يهمل بناته فيتكشفن..ويتساهل بالحجاب..
أو شاب عاق لوالديه..
لأجل أن يقلبوا منك لا بد أن تمارس المهارات المناسبة..
نعم..استخدم العبارات اللطيفة في إصلاح خطأ الآخر..كن مؤدباً..محترماً لرأيه..قل ل:أنا ما أنصحك إلا لأني أعلم..أنك تقبل النصح..
وفي التنزيل العزيز يقول الله:"إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة"..
وقد كان المربي الحكيم صلى الله عليه وسلم يستعمل طرقاً ومهارات تجعل من يعدل سلوكهم لا يملكون إلا أن يقبلوا منه..
أراد صلى الله عليه وسلم يوماً أن يعلم معاذ بن جبل ذكراً يقوله بعد الصلاة..
فأقبل إلى معاذ وقال:يا معاذ..والله إني أحبك..فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول:اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك..
بالله عليك..ما علاقة المقطع الأول من الكلام " والله إني أحبك"
بالمقطع الثاني"لا تدعن أن تقول اللهم أعني على ذكرك "؟!
قد يكون الأنسب لقوله إني أحبك أن يقول بعدها وأريد أن أزوجك ابنتي-مثلاً- أو أعطيك مالاً..أو أدعوك إلى طعام..
ولكن أن يتبع خبر المحبة تعليمه ذكراً من أذكار الصلاة..!! فهذا يحتاج إلى تأمل..
أتدري ما موقع قوله:"والله إني أحبك"؟ إنه التهيئة لقبول النصيحة..بمشاعر صادقة..فإذا ارتاحت نفس معاذ واستبشر,أعطاه النصيحة..
وفي موقف آخر..
قبض صلى الله عليه وسلم يد عبد الله بن مسعود بيده اليمنى,ثم وضع يده اليسرى فوقها,كنوع من العطف والتهيئة,ثم قال:
يا عبد الله..إذا جلست في التشهد فقل:التحيات لله والصلوات والطيبات,السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته..
حفظها عبد الله ووعاها..
ومضت السنين ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فكان عبد الله يفخر بذلك ويقول:علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه..
وفي يوم آخر لاحظ صلى الله عليه وسلم أن عمر رضي الله عنه إذا طاف بالكعبة وحاذى الحجر الأسود..زاحم الناس وقبّله..وكان صلباً قوي البدن..وربما زاحم الضعفاء..
فأراد صلى الله عليه وسلم أن يقدم له النصيحة ..فقال-على سبيل التهيئة لقبول النصيحة-:
يا عمر إنك رجل قوي..فرح عمر بهذا الثناء..
فقال صلى الله عليه وسلم:فلا تزاحم عند الحجر..
ومرة أراد أن يصح ابن عمر بقيام الليل..فقال:نِعْم الرجل عبد لله لو كان يقوم الليل..
وفي رواية قال:يا عبد الله لا تكن مثل فلان..كان يقوم الليل..فترك قيام الليل..
نعم .. كن صلى الله عليه وسلم يستعمل هذا الأسلوب الرائع مع جميع الناس..ومع الوجهاء خاصة..
في بداية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ..كان الناس بيم مقبل ومدبر..
وكان رجل في المدينة اسمه سويد بن الصامت وكان رجلاً شريفاً في قومه..عاقلاً شاعراً..يحفظ كلام الحكماء..حتى قيل إنه يحفظ كل ما روي عن لقمان الحكيم..
حتى بلغ من إعجاب الناس به أنهم كانوا يسمونه : الكامل..لِجَلَدِه وشعره..وشرفه ونسبه..
وهو الذي يقول:
ألا رب من تدعو صديقاً ولو ترى**مقالته بالغيب ساءك ما يفري
مقالته كالشهد ما كان شاهداً**وبالغيب مأثور على ثغرة النحر
يسرك باديه وتحت أديمه**نميمة غش تبتري عقب الظهر
تبين لك العينان ما هو كاتم**من الغل والبغضاء بالنظر الشرز


قدم سويد بن الصامت يوماً إلى مكة حاجاً..أو معتمراً..
فتحدث الناس بدخوله مكة..وأقبلوا لرؤيته..
فسمع النبي صلى الله عليه وسلم به فأقبل عليه ..فدعها إلى الله..وإلى الإسلام..وجعل يحدثه بالتوحيد والرسالة وأنه نبي يوحى إليه قرآن..وأن هذا القرآن هو كلام الله تعالى..فيه عبر وأحكام..
فقال له سويد:فلعل الذي معك مثل الذي معي؟!
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:ما الذي معك؟!
قال:معي مجلة لقمان-يعني حكة لقمان-..
فلم يعنفه صلى الله عليه وسلم أو يحقره..-مع أنه يضاهي كلام الله بكلام البشر-..وإنما تلطف معه..
وقال صلى الله عليه وسلم : اعرضها علي..
فشرع سويد يقرأ ما يحفظ من كلام لقمان وحِكَمه..
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه بكل هدوووء..
فلما انتهى سويد..
قال له صلى الله عليه وسلم:إن هذا لكلام حسن..
ثم قال-مشوقاً لسويد-:والذي معي أفضل من هذا..قرآن أنوله تعالى علي..هو هدى ونور..
ثم تلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن..ودعاه إلى الإسلام..
وسويد يستمع منصتاً..
فما فرغ صلى الله عليه وسلم من كلامه..
ظهر على سويد التأثر..وقال:إن هذا لقول حسن..
ثم انصرف سويد عن النبي صلى الله عليه وسلم..ولا يزال متأثراً بما سمع..فقدم المدينة على قومه..فلم يلبث أن وقع قتال بين قبيلتي الأوس والخزرج..وكان من قبيلة الأوس فقتلته الخزرج..
وذلك قبل أن يهاجر الني صلى عليه وسلم إلى المدينة..
ولا يُدْرى هل أسلم أم لا؟ وإن كان رجال من قومه يقولون:إنا لنراه قد قتل وهو مسلم..
فتأمل في تعامله صلى الله عليه وسلم معه..وكيف ملكه بأخلاقه ولم يعنّف عليه..



باختصار..
أسرف في المديح..واقتصد في النقد..
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 13-06-2008, 04:01 AM   #135
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148
الرصيد العاطفي

تصورات الناس عنا نحن الذين نضعها..
فلو لقيك شخص في السوق فعبس في وجهك..
ثم لقيك في بقالة..فعبس في وجهك أيضاً..
ثم صادفته في عرس..فلقيك عابساً!!
لرسمت عنه صورة قاتمة في مخيلتك..فإذا رأيت صورته أو سمعت اسمه في مكان تبادر إلى ذهنك ذاك الوجه العابس..
أليس كذلك؟
ولو لقيك شخص بابتسامة في موقف..
ثم ابتسم في لقاء آخر..وثالث..
لانطبع في ذهنك عنه صورة مشرقة..
هذا فيمن لا يكون بينك وبينه علاقة دائمة وإنما هي لقاءات عابرة..
أما الأشخاص الذي نلقاهم دائماً كزوجة وأولاد..وزملاء في مكتب..وجيران في حارة..فإن تعاملنا معهم لن يكون بأسلوب واحد دائماً..
نعم هو سيروننا ضاحكين لطيفين..لكنهم حتماً سيروننا تارة غاضبين..وتارة عابسين..أو مخاصمين ..أو شاتمين..لأننا بشر..
وبالتالي فإن محبتهم لنا تتحدد على حسب طغيان حسناتنا عندهم أو سيئاتنا..
أو قل:تتحدد محبتهم لنا بحسب مقدار الرصيد العاطفي الذي في حسابنا عندهم..
كيف؟!
عندما يقع لك موقف جميل
مع إنسان فإنك تضيف إلى سجل ذكرياته ذكرى جميلة عنك..
أو بعبارة أخرى تفتح لك في قلبه حساباً تودع فيه محبة لك واحتراماً..ثم تتولى بعد ذلك زيادة رصيدك العاطفي أو السحب منه..
فكل ابتسامة تقابله بها..
تزيد من رصيدك العاطفي عنده..وكل هدية..تزيد رصيدك العاطفي..وكل مجاملة ..تزيد رصيدك العاطفي..
وكل إهانة تقع منك له..أو مسبة..أو شتم..فأنك تسحب من رصيدك العاطفي..
وبالتالي
إذا كان رصيدك العاطفي عنده كثيراً..ووقعت يوماً ما ف أغاظه فسحبت من رصيدك العاطفي مقداراً معيناً..
فإن هذا لن يؤثر كثيراً لأن رصيدك العاطفي عنده كثير..
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بألف شفيع

أما إن لم يكن عنده لك رصيد عاطفي وجعلت تسحب من الرصيد وليس فيه شيء أصلاً..فإن حسابك عنده سيكون بالناقص!!
وبالتالي قد يقع في قلبه لك كره..أو استثقال..لأنك تسحب من رصيدك العاطفي ولا تودع..
ألم تسمع يوماً عن زوجة طلقها زوجها..فإذا سئلت عن سبب الطلاق قال:السبب تافه..طلب مني الذهاب معه لزيارة أخته فرفضت..فغضب وجعل يسبني ويشتمني ثم طلقني!!
ولو تأملت بذكاء في سبب الطلاق..لما وجدت السبب هو هذا الموقف التافه..وإنما هذا الموقف هو القشة التي قصمت ظهر البعير!!
فقد ذُكر أن رجلاً كان له جمل قوي..فأراد سفراً..فجعل يحمل متاعه عليه..ويربطه على ظهره..والجمل متماسك..حتى كوّم على ظهره ما يحمله أربعة جمال..
فبدأ البعير يهتز من ثقل الحمل والناس يصيحون بالرجل:يكفي ما حملت عليه..
فأخذ حزمة من تبن وقال:هذه خفيفة وهي آخر المتاع..فلما طرحها على ظهره سقط البعير على الأرض..فصارت قصته مثلاً..
وقيل:قشة قصمت ظهر بعير!!
ولو تفكرت لرأيت أن القشة مظلومة فليست هي التي قصمت ظهر البعير وإنما انقصم ظهره بسبب تراكمات كبار صبر البعير على أولها..وصبر..وصبر..حتى لم يطق صبراً..فانقصم ظهره بشيء صغير..
وهكذا المرأة التي طلقها زوجها..أجزم أن السبب ليس هو تركها زيارة أخته فحسب..وإنما تراكمات قبله..من:
عصيان لطلباته..
عدم تحقيق لرغباته..
عدم تحببها إليه..
تكبرها عليه..
عدم احترام رأيه..
فهي تسحب دوماً من رصيدها العاطفي عنده دون أن تودع فيه شيء..وتجرح ولا تداوي..
وهو يحتمل ويحتمل..حتى جاء هذا الموقف فقصم ظهر البعير..
ولو أنها اعتنت بكثرة الإيداع في رصيدها العاطفي..من:
حسن لقاء له..
وتغنج ودلال..

وتحبب إليه..
وممازحة وخفة ظل..
وعناية بطعامه ولباسه..
واحترام لرأيه..

لصار رصيدها العاطفي كبيراً..وملكت مليارات حبّ في قلبه..وبالتالي لن يضر لو وقع موقف سحبت به من رصيدها العاطفي..لأن سيئاتها ستغوص في بحر حسناتها..
وقل مثل ذلك في الطالب
المشاكس الذي يقع منه موقف صغير فيغضب المدرس غضباً شديداً..وقد يضربه ويطرده من الفصل..و..
ثم يقول الطالب-مشتكياً-:زميلي فلان يقع في أخطاء أكثر مني..ولا يعاتبونه..
أما أنا فما فعلت شيئاً هي مجرد نكتة أطلقتها من غير استئذان..
ولا ينتبه إلى أن هذه النكتة هي القشة التي قصمت ظهر البعير..لأنه يجرح ولا يداوي..
قل مثله في زملاء تخاصموا..أو جيران تنازعوا..
إذن..نحن نحتاج دائماً إلى أن نودع في قلب كل واحد نلقاه رصيداً عاطفياً..
الزوج يتحين الفرص ليودع في قلب زوجته..ويسجل نقاطاً أكثر وأكثر..
والزوجة تحتاج أيضاً..
والولد يحتاج أن يودع في قلب والده..
والمدرس مع طلابه..والأخ مع أخيه..
بل حتى المدير مع من هم تحت إدارته..يحتاج إلى ذلك..




باختصار..
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بألف شفيع
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 15-06-2008, 09:42 PM   #136
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148
الساحر..

الكلام ببلاش..يا أخي سمّعها كلمة حلوة..
هكذا بدأت المسكينة تعاتب زوجها..
صحيح هو ما قصر معها في طعام لا لباس..ولكنه لم يكن يسحرها بمعسول الكلام..!!
ويجمع العقلاء أن أهم صفات البائع الماهر أن يكون ساحراً في كلامه..فيردد:
من عيوني..
تفضل..
خل الحساب علينا..
تعبك راحة..
وتزيد قيمة البائع كلما زادت عباراته جمالاً..فإن أضاف إلى حسن العبارة جودة في وصف السلعة..وقدرة على إقناع الزبون بالشراء..صار قد اكتسب نوراً على نور..
ويجمع المجربون أن:
من أهم صفات السكرتير أن يكون لسانه عذباً..وعباراته حلوة..فيطرب الأسماع بقوله:سمْ..أبشر.(.نحن خدامينك)..
وربما شغفت زوجة بزوجها حباً..وهو كثير البخل قليل الجمال..لكنه يسحرها بعباراته..
أذكر أن شاباً مراهقاً كان مغرماً بمغازلة الفتيات..وكان له قدرة عجيبة على الإيقاع بهن..وكم من مسكينة صارت متيمة بحبه..عالقة بشراكة..ومن العجب أنه لم يكن يملك سيارة فارهة يغريهن بركوبها..ولم تكن جيبه مليئة بالمال ليغدق عليهن الهدايا..
ولا تظنن أنه أوتي وسامة أو جمالاً..كلا..فإني أسأل لله لك أن لا تبتلى بالنظر إلى وجهه!!
لكن فكّية كانا يحتضنان لساناً..لو كلّم به حجراً لغلقه..أو شَعْراً لحلقه..ولو غمسه في نهر لدفّقه..أو واسى به عاشقاً لصعقه..
فكان يصطاد الفتيات بلسانه اصطياداً..بل يسحرهن سحراً..
وحديثها السحر الحلال لو أنه *** لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت *** ود المحدث أنها لم توجز

ومن نظر في السيرة والتاريخ رأى عجباً..
أقبل يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة رجال سادة ف قومهم..
قيس بن عاصم..
والزبرقان بن بدر..
وعمرو بن الأهتم..
وكلهم من قبيلة تميم..
بدؤوا يتفاخرون..
فقال الزبرقان:يا رسول الله ..أنا سيد تميم..والمطاع فيهم..والمجاب فيهم..أمنعهم من الظلم..وآخذ لهم بحقوقهم..
ثم أشار إلى السيد الآخر عمرو بن الأهتم..وقال وهذا يعلم ذاك..
فأثنى عليه عمرو وقال:والله يا رسول الله ..إنه لشديد العارضة..مانع لجانبه..مطاع في ناديه..
ثم سكت عمرو..ولم يبالغ في الثناء..
كان الزبرقان ينتظر ثناءً طويلاًً..لكن عمرو اختصر..
فغضب الزبرقان ..وودّ لو أن عمرواً زاد في الثناء..وظن أنه حسده على سيادته..
فقال الزبرقان:والله يا رسول الله..لقد علم ما قال..وما منعه أن يتكلم به إلا الحسد..
فغضب عمرو..وقال:أنا أحسدك؟!!فو الله إنك لئيم الخال..حديث المال..أحمق الموالد..مضيّع في العشيرة..
والله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولاً..وما كذبت فيما قلت آخر..لكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمتُ..وغضبت فقلتُ أقبح ما وجدت..ووالله لقد صدقت في الأمرين جميعاً..
فعجب صلى الله عليه وسلم من سرعة حجته..وقوة بيانه..ومهارات لسانه..
فقال:إن من البيان لسحراً..إن من البيان لسحراً..
فكن مبدعاً في مهارات لسانك..فلو:
قال لك:ناولني القلم..
قل:من عيوني..تفضل..
ولو قال:لكن يا فلان عندي طلب ..فقل:
أطلب عيوني .. سمْ..
أريد منك خدمة:تفضل..خدمنا أناساً ما يساوون أثر رجليك..
مارس هذا الأسلوب الذي يدغدغ المشاعر..مع أمك ..
نعم أسمعها كلمات رقيقة لينة..
مع أبيك ..زوجتك .. أولادك .. زملائك .. فهذا الأسلوب لا يخسرك شيئاً .. وتسحر به الآخرين..وتزيل ما في نفوسهم..
وانظر إلى حال الأنصار رضي الله عنه بعد معركة حنين..
الأنصار الذين قاتلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بدر..
ثم قتلوا في أحد..
وحوصروا في الخندق..
ولا زالوا معه يقاتلون ويقتلون..حتى فتحوا معه مكة..ثم مضوا إلى معركة حنين..
ففي الصحيحين:أن القتال اشتد أول معركة حنين..وانكشف الناس وتفرق الجيش عن رسول الله!
وكان جيش الطائف قوياً ..فإذا الهزيمة تلوح أمام المسلمين..
فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه .. فإذا هم يفرون من بين يديه!!
فصاح بالأنصار ..ياااا معشر الأنصار..
فقالوا : لبيك يا رسول الله .. وعادوا إليه .. فصفوا بين يديه..ولا زالوا يدفعون العدو بسيوفهم ..ويفدون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحورهم..حتى فرّ الكفار وانتصر المسلمين..
وبعدما انتهت المعركة..وجمعت الغنائم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم..أخذوا ينظرون إليها..
وكل واحد منهم يتذكر أولاده الجوعى..وأهله الفقراء..ويرجو أن يناله من هذه الغنائم شيء يوسع به عليهم..
فبينما هم على ذلك..
فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم ..يدعو الأقرع بن حابس,وكان حديث عهد بإسلام,فهو ما أسلم إلا قبل أيام في فتح مكة..فيعطيه مائة من الإبل..
ثم يدعو أبا سفيان ويعطيه مائة من الإبل..
ولا يزال يقسم النعم..بين أقوام من أهل مكة..
ما بذلوا بذل الأنصار..
ولا جاهدوا جهادهم..
ولا ضحوا تضحيتهم..
فلما رأى الأنصار لذلك..قال بعضهم لبعض:يغفر الله لرسول الله..يعطي قريشاً ويتركنا..وسيوفنا تقطر من دمائهم!!
فلما رأى سيدهم سعد بن عبادة رضي الله عنه ذلك..دخل على سول الله صلى الله عليه وسلم..فقال:يا رسول الله ..إن أصحابك من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم..
فعجب صلى الله عليه وسلم وقال:وما ذاك؟!!
قال:لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت..قسمت في قومك(يعني أهل مكة)..وأعطيت عطاياً عظاماً..في قبائل العرب..ولم يكن في الأنصار منه شيء..
فقال صلى الله عليه وسلم:فأين أنت من ذلك يا سعد؟
قال:يا رسول الله..ما أنا إلا امرؤ من قومي..
شعر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر يحتاج إلى علاج يدخل القلوب لا الجيوب..
فقال:فاجمع لي قومك..
فلما اجتمعوا..أتاهم رسول الله..فحمد الله وأثنى عليه..
ثم قال:يا معشر الأنصار..ما قالة بلغتني عنكم؟
قالوا:أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً وأما ناس منا حديثه أسنانهم فقالوا:يغفر الله لرسول الله يعطي قريش ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم!!
فقال صلى الله عليه وسلم:يا معشر الأنصار..ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي..
قالوا:بلى و لله ورسوله..المنة والفضل..
ثم سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم..وسكتوا..
وانتظر .. وانتظروا..
فقال:ألا تجيبوني يا معشر الأنصار..
قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله..ولله ولرسوله المنة والفضل..
قال:أما والله لو شئتم لقلتم..فلصَدَقتم ولصُدِّقتم..
لو شئتم لقلتم:أتيتنا مكذباً فصدقناك..
ومخذولاً فنصرناك..
وطريداً فآويناك..
وعائلاً فواسيناك..
ثم بدأ صلى الله عليه وسلم يهزّ المشاعر..ويحرك القلوب..فقال: يا معشر الأنصار..أوجدتم على رسول الله في أنفسكم..في لُعاعة من الدنيا..وتألفت بها قوماً ليسلموا..ووكلتم إلى إسلامهم..إن قريشاً حديثوا عهد بجاهلية ومصيبة(يعني ما أصاب قريشاً من قتل وحرب في فيتح مكة)..وإني أردت أن أجبرهم..وأتألفهم..
ألا ترضون يا معشر الأنصار..أن يذهب الناس بالشاة والبعير..وترجعون برسول الله صلى الله لعيه وسلم إلى بيوتكم؟!
لو سلك الناس وادياً أو شعباً..وسلكت الأنصار وادياً أو شعبا..لسلكت وادي الأنصار..أو شعب الأنصار..
فو الذي نفس محمد بيده..إنه لولا الهجرة..لكنت امرءاً من الأنصار..اللهم ارحم الأنصار..وأبناء الأنصار..وأبناء أبناء الأنصار..
فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم..وقالوا:رضينا برسول الله قَسْماً وحظاً..
ثم انصرف رسول الله وتفرقوا..
فياااا لله العجب..ما أروع نبينا صلى الله عليه وسلم..
بل إنك بالعبارات الجميلة تستطيع أن تخدّر الناس أحياناً..
ذُكر أنه كان في صعيد مصر رجل غني متسلط اشتهر بالسم:"الباشا" كان يملك فدادين من المزارع..كان متغطرساً يمارس أصناف الإذلال على المزارعين الصغار..
دارت الزمان دورته فأصاب أرضه ما أتلفها..
فأصبح فقيراً بعد غناء..كسيراً..جاع أولاده وهو ليس عنده مصدر يتكسب منه..ولا يعرف صنعة غير الزراعة..لكن أرضه تالفة..
فخرج يبحث عن عمل..أي عمل..
أقبل على مزرعة لأحد الفلاحين الضعفاء الذين ذاقوا من إذلاله قديماً..دخل عليه..وقال بكل مذلة:هل أجد عندك عملاً..أقطف الثمر..أو أنقي الحبوب..أو أقلم الأشجار..أو..
فثار المزارع في وجهه وقال:أنت تعمل عندي!!أنت المتكبر المتغطرس..الحمد لله أن استجاب دعاءنا عليك وأذلّك..
ثم طرده من بستانه..
مضى يجرّ قدمي خيبته..حتى دخل بستاناً آخر..فإذا بفلاح له معه ذكريات أليمة..فطرده كما طرده الأول..
مضى الباشا(!!) المسكين لا يلوي على شيء..ولا يريد أن يرجع إلى أولاده خالياً..
مر على مزرعة لفلاح ثالث..فدخل ليجرب حظه معه..
رآه الفلاح فانبهر..وقد ذاق أيضاً من إذلاله من قبل..
قال الباشا:أنا أبحث عن عمل..أولادي جوعى..
فأراد الفلاح أن يذله..وأن ينتقم منه بأسلوب ذكي..
فقال له:أهلا أيها الباشا!!نوّرت بستاني!!من مثلي اليوم!
الباشا الكبير يدخل أرضي!!أنت الباشا الكبير..أنت الباشا الوجيه!!أنت...وجعل يخدّره بهذه العبارات..حتى صار الباشا منوماً تنويماً مغناطيسياً!!
ثم قال الفلاح:مرحباً ثم أهلاً..عندي عمل..لكني لا أدري هل يناسبك أم لا؟
قال الباشا:وما هو؟
قال : اليوم سوف أحرث الأرض..وعندي محراث يجره ثوران..ثور أبيض وثور أسود..والثور الأسود اليوم مريض ولا يستطيع أن يعمل..والثور الأبيض لا يطيق جر الحراثة وحده..فأريدك أن تقوم اليوم بوظيفة الثور الأسود..فأنت قوي أيها الباشا..أنت قائد..أنت رئيس..تسير في الأمام دائماً..
توجه الباشا بكل كبرياء إلى الحراثة..ووقف بجانب الثور الأبيض..أقبل المزارع إليه وبداً بالثور الأبيض وربطه بالحبال ليجر المحراث..
ثم توجه إلى الباشا وهو يردد قائلاً: يا أحسن باشا في العالم..يا قوي..يا بطل..والباشا يلتفت في زهو..
ثم ربط الحبال في كتفي الباشا..وركب هو على الحراثة معه السوط!!
وصاح:امش..وضرب ظهر الثور فتحرك..وتحرك الباشا يجر المحراث..
والفلاح يردد:جميل يا باشا..ممتاز يا ملك..
ويضرب ظهر الثور..ويصيح:أقوى يا باشا..أحسن يا باشا!!
والباشا المسكين لم يتعود على ذلك..لكنه كان يجر بكل قوته..من الصباح حتى غابت الشمس..وكأنه غائب العقل..
فلما انتهى..فك الفلاح عنه الحبال..وهو يقول:والله شغلك جميل يا باشا..هذا أحسن يوم مر علي يا باشا..
ثم ناوله بضعة جنيهات..ومضى الباشا إلى بيته..
دخل على أولاده..وقد تقرحت كتفاه..وسالت الدماء من أسفل قدميه..والعقر يغرق ثيابه..و..لكنه لا يزال منتشياً مخدراً..
سأله أولاده:هاه..هل وجدت عملاً؟!
فقال –بكل فخر-:نعم .. أنا الباشا..كيف لا أجد عملاً!
فقالوا:فماذا اشتغلت؟!
فقال:اشتغلت..هاه!!اشتغلت!! وبدأ يصحو من تخديره..ويدرك ما أصابه..
سكت قليلاً ثم قال:اشتغلت ثوراً!!!




قرار..
اختر أطيب الكلام كما تختار أطيب الثمر..
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 16-06-2008, 09:51 PM   #137
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال!!

من أصعب اللحظات أن يقصدك صاحب حاجة..ثم يرجع خائباً غير مقضية حاجته..
نعم قضاء حاجات الناس طاعة عظيمة..
ولو لم يكن فيها إلا قوله صلى الله عليه وسلم:لئن أمشي مع أخي في حاجة حتى أثبتها له,أحب إلي من أعتكف في مسجدي هذا شهراً لكفى في فضلها..
لكن بعض الحاجات يصعب قضاؤها..
فليس كل من طلب منك أن تسلفه مالاً قدرت على إعطائه..
ولا كل من طلب منك مرافقته في سفر قدرت على تلبية طلبه..ولا كل من طلب حاجة معك كقلم أو ساعة أو غيرها..استطعت إعطاءها له..
والمشكلة أن أكثر الناس إذا لم تلبِّ حاجاتهم وجدوا عليك في أنفسهم..وقد يذمونك في المجالس..ويتهمونك تارة بالبخل..وتارة بالأنانية..وتارة..
إذن ما العمل؟!
كن ماهراً في الخروج من الموقف..فإذا طلب منك أحد شيئاً ولم تستطع قضاءه فعلى الأقل رده بعبارات جميلة..كما قال:
لا خيل عندك تهديها ولا مال *** فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
فلو علم الشخص بأنك ستسافر إلى مدينة معينة..فجاءك وقال:أريدك أن تشتري لي حاجة من المدينة التي أنت مسافر إليها..
وأنت لا رغبة لك في قضاء حاجته لأي سبب..
فكيف تجيب؟
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال..
قل له:والله يا فلان أتمنى أن أخدمك بعيوني..وأنت أحب إلي من أناس كثر..لكني أخشى أن يضيق وقتي..وعندي بعض الظروف تمنعني من إحضارها..و..
ولو دعاك إلى وليمة وأردت أن تعتذر وخشيت أن يجد في نفسه عليك..فقدم مقدمات..قل-مثلاً-أنا ما أعتبرك إلا كواحد من إخواني..وأنت من أغلى الناس إلى قلبي..لكني مشغول الليلة..
وأنت لم تكذب فقد يكون شغلك هذا جلسة مع أولادك..أو قراءة في كتاب..أو نوم!! فهي كلها أشغال..
وقد كان نبينا وقرّة أعيننا محمد صلى الله عليه وسلم يملك الناس بأخلاق يأسر بها قلوبهم..
انظر إليه عليه السلام..وقد جلس مع أصحابه الكرام..فحدثهم عن البيت الحرام..وفضل العمرة والإحرام..فطارت أفئدتهم شوقاً إلى ذاك المقام..
فأمرهم بالتجهز للرحيل إليه..وحثهم على التسابق عليه..
فما لبثوا أن تجهزوا..وحملوا سلاحهم وتحرزوا..
فخرج صلى الله عليه وسلم مع ألف وأربعمائة من أصحابه..مهللين بالعمرة ملبين..يتسابقون إلى البلد الأمين..
فلما اقتربوا من جبال مكة..بركت القصواء-ناقة النبي عليه السلام-..فحاول أن يبعثها لتسير..فأبت عليه..
فقال الناس:خلأت القصواء..(أي عصت)..
فقال صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء..وما ذاك لها بخلق..ولكن حسبها حابس الفيل(يعني فيل أبرهة لما أقبل به مع جيش من اليمن يريد هدم الكعبة فحبسهم الله عن ذلك)..
ثم قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يسألوني خُطة يعظمون فيها حرمات الله..إلا أعطيتهم إياها..
ثم زجر ناقته فوثبت..
فتوجه إلى مكة ..حتى نزل بالحديبية قريباً من مكة..
فتسامع به كفار قريش..فخرج إليه كبارهم ليردوه عن مكة..فأبى إلا أن يدخلها معتمراً..
فما زالت البعوث بينه وبين قريش تتوالى..
حتى أقبل عليه سهل بن عمرو..فصالح النبي صلى الله عليه وسلم على أن يعودوا إلى المدينة..ويعتمروا في العام القادم..
ثم كتبوا بينهم صلحاً عاماً..وفيه:
اشترط سهيل..أنه لا يخرج من مكة مسلم مستضعف يريد المدينة..إلا ردّ إلى مكة..أما من خرج من المدينة وجاء إلى مكة مرتداً إلى الكفر..فيُقبل في مكة!!
فقال المسلمون:سبحان الله!!من جاءنا مسلماً نرده إلى الكافرين!!كيف نرده إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟!
فبينما هم كذلك إذ أقبل عليهم .. شاب يسير على الرمضاء..يرفل في قيوده..وهو يصيح:يا رسول الله..
فنظروا إليه..فإذا هو أوب جندل ولد سهيل بن عمرو..وكان قد أسلم فعذبه أبوه وحبسه..
فلما سمع بالمسلمين..تفلّت من الحبس وأقبل بجر قيوده..تسيل جراحه دماً..وتفيض عيونه دمعاً..ثم رمى بجسده المتهالك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم..والمسلمون ينظرون إليه..
فلما رآه سهيل..غضب!!كيف تفلت هذا الفتى من حبسه!..ثم صاح بأعلى صوته:
هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إليّ..
فقال صلى الله عليه وسلم:إنا لم نقض الكتاب بعد..
فقال سهيل:فو الله إذاً لا أصالحك على شيء أبداً..
فقال صلى الله عليه وسلمِ:فأجزه لي..
قال: ما أنا بمجزيه لك..
قال صلى الله عليه وسلم:بلى فافعل..
قال: ما أنا بفاعل..
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم..فقد كان بأبي هو وأمي حريصاً على تقريب قريش إلى الإسلام قدر المستطاع..ولم يشأ أن يجعل مشكلة مسلم واحد تعطل صلحاً كاملاً..
وقام سهيل سريعاً إلى ولده يجره بقيوده..وأبو جندل يصيح ويستغيث بالمسلمين..
يقول:أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً..ألا ترون ما قد لقيت من العذاب..ولا زال يستغيث بهم حتى غاب عنهم..
والمسلمون تذوب أفئدتهم حزناً عليه..
فتى في ريعان الشباب..يُشدد عليه العذاب..وينقل من العيش الرغيد..إلى البلاء الشديد..وهو ابن سيد من السادات..طالما تنعم بالملذات..وتلذذ بالشهوات..
ثم يجر أمام المسلمين بقيوده..ليعاد إلى سجنه وحديده..وهو لا يملكون له شيئاً..
مضى أبو جندل إلى مكة وحيداً..يسأل ربه الثبات على الدين..والعصمة واليقين..
أما المسلمون فقد رجعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة..وهم في خنق شديد على الكافرين..وحزن على المسلمين المستضعفين..
ثم اشتد العذاب على الضعفاء في مكة..حتى لم يطيقوا له احتمالاً..
فبدأ أبو جندل..وصاحبه أو بصير..والمستضعفون في مكة ..يحاولون التفلت من قيودهم..
حتى استطاع أبو بصير رضي الله عنه أن يهرب من حبسه..فمضى من ساعته إلى المدينة..يحمله الشوق..ويحدوه الأمل..في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه..
مضى يطوي قفار الصحراء..تحترق قدماه على الرمضاء..
حتى وصل المدينة..فتوجه إلى مسجدها..
فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد مع أصحابه..إذ دخل عليهم أبو بصير..عليه أثر العذاب..ووعثاء السفر..وهو أشعث أغبر..
فما كاد يلتقط أنفاسه..حتى أقبل رجلان من كفار قريش فدخلا المسجد..
فلما رآهما أبو بصير..فزع واضطرب..وعادت إليه صورة العذاب..فإذا هما يصيحان:
يا محمد..رده إلينا..العهد الذي جعلت لنا..
فتذكر النبي صلى الله عليه وسلم عهده لقريش أن يرد إليهم من يأتيه من مكة..فأشار إلى أبي بصير..أن يخرج من المدينة..فخرج معهما أبو بصير..
فلما جاوزا المدينة..نزلا لطعام..,جلس أحدهما عند أبي بصير..وغاب الآخر ليقضي حاجته..
فأخرج القاعد عند أبي بصير سيفه..ثم أخذ يهزه..ويقول مستهتراً بأبي بصير:
لأضربن بسيفي هذا في الأوس والخزرج يوماً إلى الليل..
فقال له أبو بصير:والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً..
فقال:أجل والله إنه لجيد لقد جربت به..ثم جربت..
فقال أبو بصير:أرني أنظر إليه..
فناوله إياه!
فما كاد السيف يستقر في يده..حتى رفعه ثم هوى به على رقبة الرجل فأطار رأسه..
فلما رجع الآخر من حاجته..رأى جسد صاحبه مفرقاً..مجندلاً ممزقاً..ففزع..وفرّ حتى أتى المدينة..فدخل المسجد يعدو..
فلما رآه صلى الله عليه وسلم مقبلاً..فزعاً..قال:لقد رأى هذا ذعراً!
فلما وقف بين يديه صلى الله عليه وسلم صاح من شدة الفزع..قال:قًُتِل والله صاحبي..وإني لمقتول..
فلم يلبث أن دخل عليهم أبو بصير..تلتمع عيناه شرراً..والسيف في يده يقطر دماً..
فقال:يا نبي الله..قد أوفى الله ذمتك..قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم..فضمني إليكم..
قال صلى الله عليه وسلم: لا ..
فصاح أبو بصير بأعلى صوته ..وقال:أو..يا رسول الله..أعطني رجالاً أفتح لك مكة..
فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بشجاعته..لكنه لا يستطيع أن ينفذ له طلبه فبينه وبين أهل مكة عهد..لكنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يرده بلطف..فليسعد النطق إن لم يسعد الحال..
التفت صلى الله عليه وسلم على أصحابه وقال مادحاً لأبي بصير:
ويل أمه!! مسعِّر حرب لو كان معه رجال..
فكانت هذه الكلمات بمثابة التخفيف والاعتذار من أبي بصير..
وظل أبو بصير واقفاً عند باب المسجد ينتظر إذن النبي صلى الله عليه وسلم له بالمكوث في المدينة..
لكنه صلى الله عليه وسلم تذكر عهده مع قريش فأمر أبا بصير بالخروج من المدينة..فسمع أبو بصير وأطاع..
نعم..وما حمل في نفسه على الدين..ولا انقلب عدواً للمسلمين..
فهو يرجو ما عند الحليم الكريم..ومن الثواب العظيم..الذي من أجله ترك أهله..وفارق ولده..وأعتب نفسه..وعذب جسده..
خرج أبو بصير من المدينة..فاحتار أين يذهب..ففي مكة عذاب وقيود..وفي المدينة مواثيق وعهود..فمضى إلى سيف البحر على ساحل البحر الأحمر..فنزل هناك..في صحراء قاحلة..لا أنيس فيها ولا جليس..
فتسامع به المسلمون المستضعفون بمكة..فعلموا أن باب فرج انفتح لهم..فالمسلمون في المدينة لا يقبلونهم..والكفار في مكة يعذبونهم..
فتفلت أبو جندل من قيوده..فلحق بأبي بصير..
ثم جعل المسلمون يتوافدون إليه في مكانه..حتى كثر عددهم..واشتدت قوتهم..فجعلت لا تمر يهم قافلة تجارة لقريش..إلا اعترضوا لها..
فلما كثر ذلك على قريش..أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناشدونه بالله أن يضمهم إليه..
فأرسل إليهم أن يأتوا المدينة..
فلما وصل إليهم الكتاب..استبشروا وفرحوا..لكن أبا بصير كان قد نزل به مرض الموت..وهو يردد قائلاً:
ربي العلي الكبير من ينصر الله فسوف يُنصر..فلما دخلوا عليه وأخبروه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم بسكنى المدينة..وأن غربتهم انتهت..وحاجتهم قضيت..ونفوسهم أمنت..
استبشر أبو بصير..ثم قال وهو يصارع الموت:
أروني كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فناولوه إياه..
فأخذه فقبله..ثم جعله على صدره..وقال:
أشهد أن لا إله إلا الله..وأشهد أن محمداً رسول الله..
أشهد أن لا إله إلا الله..وأشهد أن محمداً رسول الله..
ثم شهق ومات..
فرحم الله أبا بصير..وصلى على نبي الرحمة وسلم تسليماً كثيراً..

ومن الإسعاد بالنطق والسحر بالكلام..أن تراعي من معك إذا جاملك..وتتلطف معه..
ذكر أم امرأة فقيرة اضطجعت بجانب زوجها على فراش عتيق..في كوخ قديم..جدرانه مرقعة..وسقفه من جذوع النخل..
فجالت ببصرها تنظر إلى جدران بيتها..ثم ركّزت بصرها إلى السقف..وسرحت بكفرها بعيداً..ثم قالت:تدري ماذا ~أتمنى؟
قال:هاه!! ماذا تتمنين؟
قال:أتمنى أن نملك بيتاً كبيراً تسعد فيه مع أولادك..وتدعو إليه أصدقاءك..ونملك سيارة فارهة..ترتاح إذا سقتها..
يزيد راتبك ضعفين حتى تسدد ديونك..و..
ومضت المسكينة تسرد بحماس أسباب السعادة التي تتمناها له..
والرجل غارق في أحلام خيبته..يائس من صلاح حاله..لا يملك أية مهارة من مهارات الكلام..
فلما تعبت قال له:وأنت ماذا تتمنى؟!
فنظر إلى السقف طويلاً ثم قال:أتمنى أن ينطلق جذع من هذا السقف ويقع على رأسك فيقسمه نصفين!!




حديث..
سألوه صلى الله عليه وسلم:ما أكثر ما يدخل الناس النار؟
فقال:هذا وهذا..يعني الفرج واللسان..
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 19-06-2008, 03:25 AM   #138
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148

الدعاء..

لا أعني هنا الكلام عن فضل الدعاء.وآدابه وشروط إجابته..فهذا ليس له علاقة مباشرة بما نناقشه هنا"مهارات التعامل مع الناس"..
وإنما أعني:كيف تجعل الدعاء مهارة في كسب الناس؟
وأول ذلك أن تدعو الله أيضاً أن يهديك إلى أحسن الأخلاق..كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يدعو قائلاً:"اللهم لك الحمد..لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغف لي ذنوبي لا يغفر الذنوب إلا أنت اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها إنه لا يصرف سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير بيديك..."

نعود إلى أصل كلامنا..كيف تجعل الدعاء مهارة في كسب قلوب الناس..؟
الناس عموماً يحبون الدعاء لهم..حتى عند السلام عليهم ولقائهم يفرحون إن دعوت لهم..فمع قولك:كيف الحال وما الأخبار؟أضف إليها:الله يحرسك..الله يجعلك مباركاً..الله يثبت قلبك..
ولا تكن عبارات دعائك مستهلكة أو اعتيادية مثل:الله يوفقك..الله يحفظك..نعم هي دعاء حسن لكن السامع اعتاد عليه حتى لم يعد يرن في أذنه عند سماعه..
وإن قابلت أحداً معه أولاده..فادع لهم وهو يسمع..الله يُقِرُّ بهم عينك..الله يجمع شملكم..الله يرزقك برهم..ونحو ذلك..
أنا أحكي هذا عن تجربة..لقد جربته كثيراً كثيراً..فرأيته يسلب قلوب الناس سلباً..
دعيت في ليلة من ليالي شهر رمضان قبل سنتين إلى لقاء مباشر في إحدى القنوات الفضائية..كان اللقاء حول أحوال العبادة في رمضان..وكان انعقاد اللقاء في مكة المكرمة فر غرفة بأحد الفنادق مطلة على الحرم..
كنا نتحدث عن رمضان..والمشاهدون يرون خلفنا من خلال النافذة التي خلفنا المعتمرين والطائفين خلفنا على الهواء مباشرة..
كان المنظر مهيباً..حتى إن مقدم البرنامج رق قلبه وبكى أثناء الحلقة..
وكان الجو إيمانياً..ما أفسد علينا إلا أحد المصورين!!
كان هذا المصور يمسك كاميرا التصوير بيد..واليد الثانية فيها سيجارة!!وكأنه يريد أن لا تضيع عليه لحظة من ليل رمضان إلا وقد أشبع رئتيه سيجاراً!!
أزعجني هذا كثيراً..وخنقني وصاحبي الدخان..
لكن لم يكن بد من الصبر..فاللقاء مباشر..وما حيلة المضطر إلا ركوبها!!
مضت ساعة كاملة ..وانتهى اللقاء بسلام..
أقبل إليّ المصور-والسيجارة في يده-شاكراً مثنياً..فشددت على يده وقلت..
وأنت أيضاً أشكرك على مشاركتك في تصوير البرامج الدينية..ولي إليك كلمة لعلك تقبلها..قال:تفضل .. تفضل..
قلت:الدخان والسجا..
فقاطعني:لا تنصحني..والله ما فيه فائدة يا شيخ..
قلت:طيب اسمع مني..أنت تعلم أن السجاير حرام وأن الله يقول..
فقاطعني مرة أخرى:يا شيخ لا تضع وقتك..أنا مضى لي أكثر من أربعين سنة وأنا أدخن..الدخان يجري في عروقي..ما فيه فااائدة..كان غيرك أشطر!!
قلت:يعني ما فيه فائدة؟!!
فأحرج منى وقال:ادع لي..ادع لي..
فأمسكت يده وقلت:تعال معي..
قال:إلى أين؟
قلت:تعال ننظر إلى الكعبة..
فوقفنا عند النافذة المطلة على الحرم..فإذا كل شبر فيه مليء بالناس..ما بين راكع وساجد..ومعتمر وباك..وكان المنظر فعلاً مؤثراً..
قلت:هل ترى هؤلاء؟
قال:نعم..
قلت:جاؤوا من كل مكان..بيض وسود..عرب وأعجام..أغنياء وفقراء..كلهم يدعون الله أن يتقبل منهم ويغفر لهم..
قال:صحيح..صحيح..
قلت:أفلا تتمنى أن يعطيك الله ما يعطيهم؟
قال:بلى..
قلت:ارفع يديك..سأدعو لك..وأمّن على دعائي..
رفعت يدي وقلت:اللهم اغفر له..قال:آمين..قلا:اللهم ارفع درجته واجمعه مع أحبابه في الجنة..اللهم..
ولا زلت أدعو حتى رق قلبه وبكى..وأخذ يردد:آمين..آمين..
فلما أردت أن أختم الدعاء..قلت:اللهم إن ترك التدخين فاستجب هذا الدعاء وإن لم يتركه فاحرمه منه..
فانفجر الرجل باكياً..وغطى وجهه بيديه وخرج من الغرفة..
مضت عدة شهور..فدعيت إلى مقر تلك القناة للقاء مباشر..فلما دخلت المبنى فإذا برجل بدين يقبل عليّ ثم يسلم عليّ بحرارة..ويقبل رأسي..وينحني على يدي ليقبلها..وهو متأثر جداً..
فقلت له:شكر الله لطفك..وأدبك..أقدر لك محبتك..لكن اسمح لي فأنا لم أعرفك..
فقال:هل تذكر المصور الذي نصحته قبل سنتين ليترك التدخين؟!
قلت: نعم..
قال: أنا هو..والله ياشيخ إني لم أدخل سيجارة في فمي منذ تلك اللحظة..
وما دام أني فتحت كتاب ذكرياتي فلأزيدك بها..وما أجمل الذكريات إذا كانت سارة..

في موسم الحج قبل ثلاث سنوات..ذهبت لإلقاء كلمة في إحدى حملات الحج الكبرى في صلاة العصر..بعد الكلمة ازدحم الناس يسألون ويسلمون..حاولت التخلص السريع لارتباطي بمحاضرة بعدهم فوراً في حملة أخرى..
لاحظت من بينهم شاب يقدم رجلاً ويؤخر أخرى..مستحٍ أن يزاحم الناس..
التفتُ إليه..ومددت يدي نحوه فصافحني..ثم سألته في وسط الزحام..:عندك سؤال؟
قال:نعم..
فجررته إليّ والناس مزدحمون..حتى اقترب..
قلت:ما سؤالك؟
فقال وهو مستعجل:ذهبت لرمي الجمرات..معي جدتي وأختي..وكان زحاماً شديداً..و..انتهى من سؤاله..فأجبته عليه..
شممت منه خلال ذلك رائحة دخان..فتبسمت وسألته:تدخن؟
قال:نعم..
قلت:أسأل الله أن يغفر لك..ويتقبل حجك..إن تركت التدخين من هذه اللحظة..
سكت الشاب..كان واضحاً من وجهه متأثراً بالكلام..
مضت ثمانية أشهر..فذهبت لإلقاء محاضرة في إحدى المدن..أقبلت إلى المسجد..فإذا شاب وقور ينتظرني عند بابه..تفاجأت به لما رآني..يقبل عليّ متحمساً ويسلم بحرارة .. لم أعرفه..لكني بادلته السلام والترحيب..
قال:هل عرفتني..
قلت:أشكر لك لطفك..ومحبتك..لكني لم أعرفك..
قال:هل تذكر الشاب المدخن الذي قابلته في الحج..ونصحته بترك التدخين؟
قلت:نعم..نعم..
قال:أنا هو..أبشرك ولله الحمد أني ما وضعت السيجارة في فمي منذ نلك اللحظة..تركت التدخين..فصلحت كثير من أمور حياتي..
هززت يده مشجعاً..ومضيت..وقد أيقنت أن الدعاء للناس في وجوههم..وهم يسمعون..ربما يكون أكثر تأثيراً من النصح المباشر..
ومثله لو رأيت شاباً باراً بأبيه..فقلت له:جزاك الله خيراً..الله يوفقك..الله يجعل أولادك بارين بك..
بلا شك أن هذا الدعاء سيكون دافعاً له أكثر..
كان النبي الكريم..عليه أفضل الصلاة والتسليم..مبدعاً في استعمال الدعاء لدعوة الناس وكسبهم والتأثير فيهم لتقريبهم للدين..
الطفيل بن عمرو كان سيداً مطاعاً في قبيلته دوس..
قدم مكة يوماًُ في حاجة..فلما دخلها..رآه أشراف قريش..فأقبلوا عليه..وقالوا:من أنت؟
قال :أنا الطفيل بن عمرو..سيد دوس..
فخافت قريش أن يقابل الطفيل النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل في الإسلام..
فقالوا:إن هاهنا رجل في مكة يزعم أنه نبي..فاحذر أن تجلس معه أو تسمع كلامه..فإنه ساحر..إن استمعت إليه ذهب بعقلك..
قال الطفيل:فوا الله ما زالوا بي يخوفونني منه..حتى أجمعتُ ألا أسمع منه شيئاً..ولا أكلمه..بل حشوت في أذني كرسفا-وهو القطن- خوفاً من أن يبلغني شيء من قوله..وأنا مارّ به..
قال الطفيل:فغدوت إلى المسجد..فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة..فقمت منه قريباً..فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله..
فسمعت كلاماً حسناً..
فقلت في نفس:واثكل أمي! والله إني لرجل لبيب..ما يخفى عليّ الحسنُ من القبيح..فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول..فإن كان الذي به حسناً قبلته..وإن كان قبيحاً تركته..فمكثت حتى قضى صلاته..
فلما قام منصرفاً إلى بيته تبعته..حتى إذا دخل بيته دخلت عليه..فقلت:
يا محمد..إن قومك قالوا لي كذا وكذا..ووالله ما برحوا يخوفونني منك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك..وقد سمعت منك قولاً حسناً..فاعرض عليّ أمرك..
فابتهج النبي عليه الصلاة والسلام..وفرح..وعرض الإسلام على لطفيل..وتلا عليه القرآن..
فتفكر الطفيل في حاله..فإذا كل يوم يعيشه يزيده من الله بعداً..وإذا هو يعبد حجراً!!
لا يسمع دعاءه إذا دعاه..ولا يجيب نداءه إذا ناداه..وهذا الحق قد تبين له..
ثم بدأ الطفيل يتفكر في عاقبة إسلامه..
كيف يغير دينه ودين آبائه!!
ماذا سيقول الناس عنه؟!
حياته التي عاشها!..
أمواله التي جمعها!..
أهله!..
ولده!..
جيرانه!..
خِلانه!..
كل هذا سيضطرب..
سكت الطفيل..يفكر..
يوازن بين دنياه وآخرته..
وفجأة إذا به يضرب بدنياه عرض الحائط..
نعم سوف يستقيم على الدين..وليرض من يرضى..وليسخط من يسخط..
وماذا يكون أهل الأرض..إذا رضي أهل السماء..
ماله ورزقه بيد من في السماء..
صحته وسقمه بيد من في السماء..
منصبه وجاهه بيد من في السماء..
بل حياته وموته بيد من في السماء..
فإذا رضي أهل السماء..فلا عليه ما فاته من الدنيا..
إذا أحبه الله..فليبغضه بعدها من شاء..وليتنكر له من شاء..وليستهزئ به من شاء..
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب

نعم..أسلم الطفيل في مكانه..وشهد شهادة الحق..
ثم ارتفعت همته..فقال:يا نبي الله..إني امرؤ مطاع في قومي..وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام..
ثم خرج الطفيل من مكة..مسرعاً إلى قومه..حاملاً همّ هذا الدين..يصعد به جبل..وينزل به واد..حتى وصل ديار قومه..
فلما دخلها..أقبل إليه أبوه..وكان شيخاً كبيراً..كبر سنه واقتربت منيته وهو يعبد الأصنام..فأراد الطفيل أن يتّبع معه أسلوباً حازماً يدعوه به إلى الإسلام..
فقال الطفيل:إليك عني يا أبت..فلست منك ولست مني..
فزع أبوه وقال:ولمَ يا بني؟
قال:أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم..
قال الأب:أي بنيّ ديني دينك..
قال:فاذهب واغتسل وطهر ثيابكِ..ثم ائتني حتى أعلمك مما عُلّمت..
فذهب أبوه واغتسل وطهر ثيابه..ثم جاء فعرض عليه الإسلام فأسلم..
ثم مشى الطفيل إلى بيته..فأتته زوجته مرحبة..
فقال:إليك عني..فلستُ منكِ ولستِ مني..
قالت:ولم؟بأبي أنت وأمي..
قال:فرّق بيني وبينك الإسلام..وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم..
قالت: فديني دينك..
قال:فاذهبي فتطهري..ثم ارجعي إليّ..فولّته ظهرها ذاهبة..
ثم خافت من صنمهم أن يعاقبها في أولادها إن تركت عبادته..فرجعت إليه وقالت:
بأبي أنت وأمي..أما تخشى على الصبية من ذي الشرى..؟
وذو الشرى صنم عندهم يعبدونه..وكانوا يرون أن من ترك عبادته أصابه أو أصاب ولده بأذى..
فقال الطفيل:اذهبي..أنا ضامن لك أن لا يضرهم ذو الشرى..
فذهبت فاغتسلت..ثم عرض عليها الإسلام فأسلمت..
ثم جعل الطفيل يطوف في قومه..يدعوهم إلى الإسلام بيتاً بيتاً..
يقبل عليهم في نواديهم..
ويقف عليهم في طرقتهم..
لكنهم أَبَوْا إلا عبادة الأصنام..فغضب الطفيل,,وذهب إلى مكة..
فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله..إن دوْساً عصت وأبت..يا رسول الله فادع الله عليهم..
فتغير وجه النبي عليه الصلاة والسلام..ورفع يديه إلى السماء..فقال الطفيل في نفسه:هلكت دوْس..فإذا بالرحيم الشفيق صلى الله عليه وسلم..يقول:"اللهم اهد دوساً..اللهم اهد دوساً..ثم التفت إلى الطفيل وقال:ارجع إلى قومك..فادعهم..وأفق بهم..
فرجع إليهم..فلم يزل بهم..حتى أسلموا..
نعم .. ما أحسن قرع أبواب السماء..ليس مع الطفيل وقومه فقط..وإنما غيرهم كثير..
كان المسلمون في بداية الدعوة النبوية قلّة..لم يتعدوا ثمانية وثلاثون رجلاً..
ألحّ أبو بكر يوماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور أمام الناس بالدعوة والجهر بالإسلام..
فقال صلى الله عليه وسلم:يا أبا بكر..إنا قليل..
كان أبو بكر رضي الله عنه متحمساً..فلم يزل يلحّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمعوا فخرجوا..يتقدمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم..
توجهوا إلى المسجد الحرام..تفرقوا في نواحي المسجد..كل رجل في عشيرته..وقام أبو بكر في الناس خطيباً..يدعو إلى الإسلام..ويذم آلهتهم..
ثار المشركون على المسلمين..فضربوهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً..كان المشركون كثير..فتفرق المسلمون..أقبل جمع من المشركين إلى أبي بكر..وضربوه ضرباً شديداً..فوقع على الأرض في شدة الرمضاء..
فدنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة..فجعل يضربه بنعلين مخصوفين..ويفركهما على وجهه..ثم قام على بطن أبي بكر..حتى سالت الدماء من وجه أبي بكر..وتمزق لحم وجهه..حتى ما يعرف فمه من أنفه..
وجاء بنو تيم قبيلة أبي بكر..يتعادَوْن..وابعدوا الناس عن أبي بكر,,حملوه في ثوب حتى أدخلوه منزله..وهم لا يشكّون أنه ميت..ثم رجع قومه بن تيم..فدخلوا المسجد..وجعلوا يصرخون في المشركين..يقولون:
والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة..ثم رجعوا إلى أبي بكر..وهو مغمى عليه..لا يدرون..حي أو ميت!!
ظل أبو قحافة والد أبي بكر..مع قومه..واقفين عند أبي بكر..يكلمونه..فلا يجيبهم..
وأمه تبكي عند رأسه..
فلما كان آخر النهار..فتح عينيه..فكان أول كلمة قالها: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم..؟!
كان يهيم برسول الله صلى الله عليه وسلم حباً..يخاف عليه أكثر مما يخاف على نفسه..
كان كل من حوله..أبوه..أمه..قومه..مشركين..فغضبوا..جعلوا يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم..ثم قاموا..وقالوا لأم أبي بكر:أطعميه شيئاً أو اسقيه..
فجعلت أمه تلح عليه..وهو يردد قائلاً:ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم..؟
فقالت:والله ما لي علم بصاحبك..
فقال:اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب..فسليها عنه..
وكان أم جميل مسلمة تكتم إسلامها..
خرجت أمه حتى جاءت أم وجميل..
فقال:إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله؟!
فقالت: ما أعرف أبا بكر..ولا محمد بن عبد الله..لكن أتحبين أن أمضي معك إلى ابنك؟
قال:نعم..
فمضت معها..حتى دخلت على أبي بكر..
فوجدته صريعاً دنفاً..ممزق الوجه..مرهق الجسد..فلما رأته أم جميل صاحت..وقالت:والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر..وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم..
التفت إليها أبو بكر بعينين مرهقتين..وجسد مصاب..ووجه ممزق ..وقلب ملئ بمحبة الدين..وقال:
فما فعل رسول الله صلى عليه وسلم..
وكانت أم أبي بكر بجانبها..فخافت أم جميل أن يُفْضح أمر إسلامها..فيؤذوها..
فقالت:يا أبا بكر..هذه أمه تسمع..
قال:فلا شيء عليك منها..
قالت:أبشر..فرسول الله صلى الله عليه وسلم..سالم صالح..
قال:فأين هو؟
قالت:في داري أبي الأرقم..
فقالت أمه:قد علمت خبر صاحبك..فقم فكل طعاماً ..أو اشرب..
قال:فإن لله عليّ أن لا أذوق طعاماً ولا شراباً..حتى أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيني..
فانتظرتا..حتى هدأ الناس..خرجتا به يجرّ خطاه على الأرض من شدة الإعياء..فذهبتا به إلى بيت أبي الأرقم..حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فلما دخل فإذا وجه جريح..ودماء تسيل..وثياب ممزقة..فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم..فأكب عليه النبي صلى الله عليه وسلم يقبله..وأكبّ عليه المسلمون يقبلونه.
ورقّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة..حتى ظهر التأثر على وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم..
فأراد أبو بكر أن يخفف عليه..فقال:بأبي وأمي يا رسول الله..ليس من بأس..إلا ما نال الفاسق من وجهي..
ثم قال أبو بكر..وهو البطل الذي يحمل همّ الدعوة..ويحسن استثمار المواقف مهما كان حاله..
كان جريحاً..جائعاً عطشان..ومع ذلك.قال:يا رسول الله..هذه أمي برة بوالديها وأنت مبارك..فادعها إلى الله عز وجل..وادع الله لها..عسى الله أن يستنقذها بك من النار..
فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم..ثم دعاها إلى الله عز وجل..فأسلمت فوراً في مكانها..
كان الدعاء أصلاً من الأصول التي يتعاملون بها..
أسلم أبو هريرة رضي الله عنه..وبقيت أمه كافرة..كان يدعوها إلى الإسلام تأبى..
فدعاها يوماً..وألحّ فأسمعته في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره..
فضاق صدر أبي هريرة بذلك..وذهب إلى رسول الله وهو يبكي..فقال:
يا رسول الله..إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي..وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره..
فادع الله يا رسول الله أن يهدي أم أبي هريرة إلى الإسلام..فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم..فرجع أبو هريرة إلى أمه..فلما كان على الباب..فإذا هو مغلق..فحركه ليدخل..فإذا بأمه تفتح له الباب..وتقول:أشهد أن لا إله إلا الله..وأن محمداً رسول الله..
فرجع أبو هريرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي من الفرح..وجعل يقول:أبشر يا رسول الله..قد استجاب الله دعوتك..
وهدى الله أم هريرة إلى الإسلام..
ثم قال أبو هريرة:يا رسول الله..أدع الله أن يحبّبني وأمي إلى عباده المؤمنين..ويحببهم إلينا..
فقال صلى الله عليه وسلم:اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين..وحببهم إليهما..
قال أبو هريرة:فما على الأرض مؤمن ولا مؤمنة..إلا وهو يحبني وأحبه..



إضاءة..
"وقال ربكم ادعوني أستجب لكم".
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 20-06-2008, 03:47 AM   #139
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148
الترقيع!!

أحياناً عند ممارستنا لبعض المهارات مع الآخرين نكتشف بأننا أخطأنا تقدير المهارة المناسبة للشخص..أو قد نكون وضعناها في غير موضعها..
مثل من رأى شاباً وسيماً..فأراد أن يمارس معه مهارة"كن لماحاً" فقال له:
ما شاء الله ما هذه الثياب الجميلة والرونق البهي والوجه المسفر..
ثم بَدَلَ أن يقول:ما أسعد زوجتك بك..قال:يا ليتك بنتاً حتى أتزوجك!!!
مزحة ثقييييلة جداً..أليس كذلك؟!
قال أحد الزملاء:
في الجامعة كان لدي طالب بليد لكن الله تعالى عوضه عن بلادته بشيء من الوسامة..وكان يجلس في آخر القاعة دائماً..ويسرح بفكره بعييييداً..
كنت أطلب منه دائماً أن يجلس في الأمام ليتابع..وهو يتغافل عن ذلك..كنت أجتنب إحراجه أو إحراج غيره من الطلاب فهم كبار في المرحلة الجامعية..
دخلت يوماً فإذا هو منشغل آخر القاعة كعادته..فلما جلست على الكرسي قلت له:
يا عبد المحسن ..تعال في الأمام..
فقال:يا دكتور مكاني مناسب وأنتبه معك..
فقلت:"يا أخي اقترب قليلاً خلنا نشوف خدودك الحلوة"..التفت بعض الطلاب إليه معلقين..فانقلب وجهه أحمر..
شعرت أني وقعت في حفرة..فقلت-مُرقّعاً-:"الله يا هي بتنبسط البنت اللي بتتزوجك..أما هؤلاء فسيتعبون ليجدوا من توافق على الزواج بهم!!"..
ثم بدأت في شرح الدرس فوراً دون أن أترك فرصة لأحد ليفكر في الموقف أصلاً..
تبسم الطالب وانبلجت أساريره وجلس في المقدمة..
وإن كانت هذه الأخطاء قد تقع في بداية التدرب على ممارسة المهارات لكنها سرعان ما تزول..
وأحياناً يكون تصرفك المحرج للآخرين أو المحزن لهم ليس خاطئاً..لكن الموقف يفرضه علينا..مثل أن يختلف اثنان من زملائك..فترى أن الحق مع أحدهما فتقف معه..وقد تعاتب الآخر..
أو قد يقع ذلك بين اثنين من أولادك أو طلابك أو جيرانك..أو غيرهم..
فما الحل؟
هل نسمح لهذه المواقف أن تفقدنا الناس واحداً تلو الآخر..ونحن نتعب في استقطابهم والتحبب إليهم..؟!
كلا..
إذن ما التصرف الصحيح؟
الجواب:أنك إذا أحسست أن أحداً ضاق صدره من كلمة صدرت منك..أو تضايق من تصرف معين فسارع فوراً إلى مداواة الجرح قبل أن يلتهب..باستعمال أي مهارة أخرى مناسبة..
كيف؟!
خذ مثالاً..
كانت مكة قبل أن يفتحها المسلمون تحت قبضة كفار قريش..وكانوا قد ضيقوا على المسلمين المستضعفين فيها..وسيطروا على أبناء المسلمين الذين هاجروا ولم يستطيعوا أخذ أبنائهم معهم..فعلاً كانت حال المسلمين عصيبة..
أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمراً فردته قريش..وكان ما كان من قصة الحديبية..
وكتب صلى الله عليه وسلم بينه وبين قريش صلحاً..واتفق معهم أن يرجع إلى المدينة من غير عمرة على أن يأتي في العام القادم ويعتمر..
ومضى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة..
وبعد سنة أقبل صلى الله عليه وسلم مع أصحابه محرمين ملبين..ودخلوا مكة..واعتمروا..ولبث فيها أربعة أيام..
فلما توجه خارجاً منها إلى المدينة تبعته طفلة صغيرة هي ابنة حمرة رضي الله عنه..وكان قد قتل في معركة أحد..
وبقيت ابنته يتيمة في مكة..
أخذت الصغيرة تنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم..تقول:يا عم يا عم..وكان علي رضي الله عنه يسير بجانب النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجته الصالحة فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم..فتناولها علي رضي الله عنه بيدها وناولها لفاطمة وقال:دونك ابنة عمك..فحملتها فاطمة..
فلما رآها زيد رضي الله عنه..تذكر أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قد آخى بينه وبين حمزة لما هاجر إلى المدينة..فأقبل زيد ثم وهو يقول:بنت أخي..أنا أحق بها..
أقبل جعفر وقال:ابنة عمي وخالتها زوجتي..يعني أسماء بنت عميس زوجته..وأنا أحق بها..
فقال علي:أنا أخذتها وهي ابنة عمي..
فلما رأى صلى الله عليه وسلم اختلافهم..قضى بها لخالتها ودفعها إلى جعفر ليكفلها..وقال:"الخالة بمنزلة الأم"..
ثم خشي صلى الله عليه وسلم أن يجد علي أو زيد في نفسيهما..لما نزعها منهما..
فقال مواسياً لعلي:"أنت مني وأنا منك"..
قال لزيد:"أنت أخونا ومولانا"..
ثم التفت إلى جعفر وقال:"أشبهت خَلْقي وخُلُقي"..
فانظر كيف كان صلى الله عليه وسلم حكيماً ماهراً في غسل قلوب الآخرين وكسب محبتهم..
طيب..ما رأيك أن نعود إلى قصة صاحبنا الذي قال:يا ليتك بنتاً حتى أتزوجك!!
كيف يرقع ما خرّق؟!!
بين يديه عدة أبواب للهرب..
منها أن يدخل في موضوع آخر مباشرة-لئلا يترك للسامع فرصة ليفكر في الجملة الجارحة التي سمعها منه-فيقول مثلاً-:الله يرزقك حورية أجمل منك..قل:آمين..
أو طرح موضوعاً بعيداً تماماً..كأن يسأله عن أخيه المسافر..أو سيارته الجديدة..أو نحوها..لئلا يترك له أو لغيره من السامعين حوله أي فرصة للوقوع في الحرج..



تجربة..
ليس العيب أن تخطئ إنما العيب أن تصر على خطئك..
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 20-06-2008, 04:10 PM   #140
بعير البحار
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 91
الله يجزاك الف خير ع الموضوع الرائع

الله يكتب لك اجر كل من استفاد منهـ

مع التحية
.
بعير البحار غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 11:16 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)