|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
15-03-2008, 05:42 PM | #15 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 225
|
أكمل
أرجوك أكمل |
16-03-2008, 12:45 AM | #16 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
البخور ما أجمل الاخلاق أبو مشعل شكرا لكم على المرور الكريم موعدنا مع أنفاس صبح يوم الثلاثاء إلى ذلك الحين هاهو أديب يتمنى لكم ساعات معطرة بالحب والسلام والعطاء والسلام عليكم
__________________
عالم بنات ... بنات
|
16-03-2008, 06:05 AM | #17 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2005
المشاركات: 665
|
.
. . أديب الواصل بارك الله فيك وزادك الله علما وأدبا أعجبني نبض حرفك . . دم قريبا اخي اديب
__________________
. |
18-03-2008, 01:32 AM | #18 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
ـــ 3 ـــ لا تزال الإهانة التي ألقاها أبو مروان ترن في أذني ، تنخر عظمي ، تحرق كل مكنونات نفسي ، تصفع كل ما يتوافق مع الصفع في جسدي ، سأستفيد من خيبتي وأكرر المحاولة ، سأتحسس مواضع الدخول لدهاليز الغريب لأحظى ببعض أسراره . توطدت العلاقة بيني وبينه أبو فهد هو اللقب الذي أخبرني به ، فصرت بعدها أنعته به ، تبادلنا السجائر ، كان يدخن بنهم ، ذهبت به إلى المطاعم الشعبية والصينية والهندية في نواحي الدمام والخبر ، جلسنا على شاطئ البحر مرارا ، عبرنا الجسر إلى البحرين ، عرضت عليه فندقا نزلت فيه مسبقأ فأبى إلا أن ينزل في فندق حدده ، قال اسم ذلك الفندق وهو ينظر إلي بخبث ، آثر أن يستقل في غرفة منفردة ، تفهمت رغبته ، وجلست عنده طوال الليل برغبته تناولنا سلسلة طويلة من الأحاديث العامة ، ثم نمنا ، لأصحو مساءا بعد رنين الهاتف المتواصل من موظف الاستقبال ، قمت بإعياء ورهق شديدين رفعت سماعة الهاتف وأنا لا أدري أي أرض تقلني ، حتى سمعت الموظفة من الجانب الآخرتقول ــ مساء الخير أستاذ جعفر ــ مساء الخير ــ هل تود التجديد ليوم آخر . ــ لا ، شكرا سأغادر الآن . صحوت وأنا أحمل فوق ظهري وزري ووزر هذا الأشيمط ، وصلوات قد ضيعت ، وأوزار بين ذلك ، أخذت حماما دافئا وخرجت على عجل ، وأنا أغلق باب غرفتي وأحمل حقيبتي على عاتقي ، سمعت ضحكات وهمسات وقبل تصدر من غرفة أبي فهد ، فبابها كان مواربا ، حتى خرجت منه فتاة في أواخر عقدها الثالث ، طويلة وبيضاء وقد تعرى جسمها الأعلى ، لبست فوقه شال مرصع باللؤلؤ ، وظهر جزء من فخذها الأيسر الذي بدا من خلال شق طويل يبدأ من أسفل ساقها ، والتقت عيني بعيني أبي فهد الذي لم يبدو عليه أي ارتباك وكأنه يمارس أمرا عاديا ، دوت ضحكة مجلجلة من فمه ببواخه الكريه ، وناداني ليعرفني على المومس . ــ عزيزة من المغرب . وأشار إليها هذا صديقي جعفر . وأشار إلي قلت في نفسي معرفة الندامة ألقت طرفة قبيحة كقبحها ، وقبلته وانصرفت ــ سأنتظرك في البهو قلت ذلك وأنا أرمقه بحنق ، وكأنني سأصلح ما أفسده الدهر !! أنا وإياه وحدنا على الطاولة ، ننتظر وجبة الغداء قبل غروب الشمس بقليل ، لمحني وأنا اتفحص وجهه الذي تغير تماما عن ليلة البارحة ، فقد حلق لحيته تماما ولمعها حتى لكانها مرآة مصقولة ، وخفف شاربه بشكل كبير . ــ ألم تنم ؟ متى فعلت كل هذا !! . أطرق قليلا ثم رفع رأسه إلي وهو يقول : ـ هل رأيتني تدخلت في شأن من شئونك ــ أبدا . وهذا ما يزعجني ــ إذن لتكتف بما أمنحك ، ولا تنعنتني بالجلافة كما فعلت سابقا ، ربما لأنني اعتزلت الناس كثيرا لم أعد أتقن فن التعامل ، فلتمنحني فرصة تغيير نفسي بنفسي . ـ هل كنت تعرفها سابقا . ــ من ؟ ــ عزيزة قال بخبث وهو ينظر إلي ويبتسم ــ هل أعجبتك ؟ صمت وقد صوبت نظري إليه منتظرا جوابا آخر ، فأردف ـ جئت هنا كثيرا أنا وصديقي عبد الله ، وتعرفت عليها وعلى الكثيرات ـ لماذا ؟ ــ ماذا تعني ؟ ــ أنت تعرف ما أقصد !! ــ آآآه صمتنا قليلا حتى ينزل النادل ما بيده من أطباق ، قال لي أبو فهد بصوت منخفض ونظراته تتبع النادل الذي انصرف ــ ما الذي في البحرين يجعلنا نأتي إليها ــ الكثير ، الكثير أليس في البحرين إلا وجها واحدا . ــ إن لم يكن لديك أقارب أو أصدقاء ، ما الذي يجعلك تأتي إليها ، إن كل شئ هنا متوفر عندنا ، إلا ذلك الشيء الذي استفز مشاعرك و لا نحصل عليه هناك إلا بصعوبة . قل لي ما الذي جئت تفعله هنا ، وأنت في عنفوان شبابك وكامل قوتك . ــ إنك شهواني قذر ، إن لدي زوجة وأولاد ، ألا يمكن أن نفسر الأمور ونقيسها إلا على أطراف شهواتنا . إن التغيير والتعارف على مجتمعات أخرى من الأسباب المقنعة للمجيء إلى هنا . ــ كما قلت لك سابقا أنت وشأنك ، فلتدعني وشأني ، ثم حاول أن تحافظ على بعض ألفاظك ، أنا شهواني قذر ؟ ــ هل تدعي خلاف ذلك ؟ ــ لا أدعي ، لكن لا يجب أن تنعتني بها . إن في واقعنا أشياء كثيرة ، لو سميت بمسمياتها الحقيقية ، لجلس كل واحد في بيته معتزلا الآخرين ، أيها الجلف الجبان . قال كلمته الأخيرة وهو يضحك ليخفف من حدة الخلاف . تركنا البحرين خلف ظهورنا ورجعنا عبر جسر المحبة الطريق البري الوحيد الذي يربط المملكتين المتجاورتين ، مملكة شاسعة فيها من كل الألوان والأشكال والأطياف مما لا يمكن حصره ، ومملكة صغيرة تستلقي على ظهرها في الماء من كل الجهات ، لكنه لن يطهرها من الجنابة إلا إذا نوت ذلك. تغيرت ملامح العلاقة بيني وبينه ، لم أعد أكترث بأهل الحي ورغبة إشباع فضولهم ، ولا بأبي مروان وسخريته ، ولا بتكريس اللقب الذي نعتني به زملائي في العمل ، إنني الآن أشفق عليه ، أحاول أن أخفف من غلواء همومه ، وأرتب حياته المشتتة ، وأن أمسك خيوطا تدلني على مكمن البعثرة لديه ، خاصة بعد ان ارتاح من ناحيتي كثيرا ، وصرح لي بذلك ، ولم يتعرف على أحد سواي ، لكنه مع ذلك كله يخفي عني أشياء كثيرة ويصرح بذلك ، ويقول لو لم تقل لي ما اسمك لما سألتك عنه ، ويريد أن أعامله بالمثل . بعد ثلاثة أشهر من مجيئنا من البحرين أخبرني أنه سيسافر إلى دولة الهند لجلب بعض الأغراض التي يعلن عنها فيبيعها ويتكسب من ورائها ، مكث شهرا هناك ثم رجع قافلا إلى حي المحمدية ، اتصل بي بعد رجوعه ودعاني إلى وجبة العشاء ووعدني بأن تكون الوجبة دسمة ، تليق بمقام صديق عزيز ، وأشعرني بأن هناك مفاجأة تنتظرني ، في الوقت المحدد جئت إليه وأنا في شوق لمعرفة ما سيفاجئني به ، ربما تكون بضاعة ثمينة تحصل عليها من سفرته ، أو ربما سيبوح لي ببعض أسراره ، كان بانتظاري على الباب دلفت من باب بيته الخارجي ورائحة بهارات هندية تخترق أنفي ، قلت ممازحا ــ أهذه هي المفاجأة ، هل تلقيت دورة في طريقة الطبخ الهندي ؟ انصرف وهو يضحك ، وجاء بالقهوة ومعمول التمر ووضعهما على الطاولة . لم تطل حيرتي دخلت علينا وهي تحمل بعض الحلوى والسكريات ، فنظر إليها ونظر إلي وهو يبتسم وقال ــ لا تذهب بعيدا إنها زوجتي بهاء من الهند . وقفت مشدوها للحظات !! بالتأكيد هي من الهند ، فلباسها بألوانه وقطعه الكثيرة ، وظفيرتها التي تصل إلى منتهى ظهرها ، وقد شد شعرها من الأمام ، والقطعة المذهبة المعلقة على طرف أنفها من جهة اليسار ، كل هذه لا تدل إلا على شئ واحد اسمه نساء الهند ، هل يلزمني أن أسلم عليها !! لم أدخلها علي ؟ ألا يعرف تعاليمنا وعاداتنا !! هل هبط هذا الكائن من كوكب آخر ، هل مسحت ذاكرته الأصلية لتستبدل بمعلومات لا تمت إلينا بصلة ، غمزني وهو يقول ــ جئت بها حتى لا تطأ رجلي عتبة باب البحرين قلت وأنا لا أزال في ذهول ــ مبروك *****
*** *
__________________
عالم بنات ... بنات
|
18-03-2008, 01:03 PM | #19 | |||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
أخي الغالي محمد
من أجل هذه الدعوات سأكتب المزيد لا حرمك الله أجرها ودمت لمن تحب
__________________
عالم بنات ... بنات
|
|||||||||||||||||||
22-03-2008, 07:44 PM | #20 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
_ 4 _ في عام 1371 هـ كانت صرخته الأولى في عالم الوجود هناك في قلب منطقة عسير في خميس مشيط القريبة جدا من أبها وأحد رفيدة ، وفي المزارع والحقول الواقعة على ضفاف ثلاثة اودية كبيرة وادي بيشة ووادي تندحة ووادي عتود ، وبين تلك الجبال الشامخة برؤوسها جبل شكر وحمومة ثم الجبل الأشم العظيم جبل ضمك ، بين الوديان بسهولها وماءها المنساب الذي لا تعيق مسيره أي عوائق وبين الجبال بشموخها وصلابتها وقسوتها تكونت نفسية ذلك الشاب النحيل الجميل ، ذو السمرة المحببة ، ومن بين ثلاث بنات واحدة تصغره بالسن وهو يصغر الأخريان ، وتحت كنف والدين كل واحد منهما يحبه على حسب طريقته . توزعت أيام صباه بين المدرسة والمسجد والبيت وحقول الزرع والمرعى ، فما إن يخرج من المدرسة إلا ويخلع ملابس المدرسة ويلبس ثيابه الرثة ثم تلقاه يهش الماعز والغنم بعصاه ، يركب على هذه ، ويعانق العناق بلطف ، ويقسو على تلك العنيدة التي لا تتبع أخواتها وتتمطى بكسل ، ثم يرجع إلى الحقل فيسقي أحواض البرسيم والذرة ، ويصلح سواقيها ، كل ذلك كان يمر برتابة وملل مزعجين . فلم يكن لديه إخوة ذكور يساعدونه ويضحكون معه على مواقف الضحك القليلة التي تمر عليه ، كان يضحك على مثل تلك المواقف ثم لا يلبث أن يصمت فجأة عندما ينتبه إلى أن لا أحد حوله إلا الجبال الصامتة ، والبهائم الخرساء ، والأرض الجرداء ، فلا يملك حينها إلا كآبة تهبط عليه من كل اتجاه ، كانت أمه دائما ما تقول له ولأخواته أنها فقدت خمسة أولاد ذكور سواه ، لم يسقطوا من بطنها بسبب العمل وجهده ، بل كانت تلدهم ولادة طبيعية ، فإذا ما تم لهم سنة تقل بضعة أشهر أو تزيد ، يختارهم الله لجواره ، دون معرفة السبب أو البحث عنه ، وعندما يسألون عن السبب يقولون قضاء وقدر وكأن البحث عن السبب والتخلص منه ينافي الإيمان بالقضاء والقدر !! قالت له أخته الكبيرة فاطمة ذات يوم وهي تخاطبه وتخاطب أخته موضي وهم جالسون تحت شجرة الطلح الكبيرة أنها سمعت والدها مرة من المرات يصرخ في وجه أمها بعد موت أخيها الرابع ويزمجر بغضب ويقول أنت من قتل أولادي ولما سألته عن كيفية قتلهم قال إنك امرأة سمينة وتستغرقين في النوم ، وربما أنك نمت عليهم دون شعور منك بذلك . ضحك وضحكت أخته موضي وضحكت معهم فاطمة حتى دمعت عيونهم من الضحك وهم يتخيلون أمهم السمينة وقد كتمت على أنفاس أبنائها . قرر أن يكتفي بالمرحلة المتوسطة وأن يلتحق بعمل في الحرس عن طريق أحد أبناء عمه البعيدين ، والذين لهم نفوذ فيه ، وأخبر والدته بقراره وأراد منها أن تخبر والده ، تفاجأ كثيرا بموقف أمه كان يتوقع أن تحزن قليلا ثم تتفهم رغبته وتذعن له وتبارك قراره ، لكنها صدمت وبقيت أياما والكآبة تعلو وجهها والحزن لا يفارقها ، وصمت رجاء أن تزول هذه الغمة ، وظنت أنه عدل عن ما يزمع عليه ، فتحسنت حالتها ، فكلمها مرة أخرى ، فهجمت عليها جيوش الهم مرة أخرى ، كيف تفرط فيه وهو الناجي الوحيد من بين أبنائها ، كيف تتركه وهو العكاز الوحيد الذي ستتكأ عليه هي وزوجها الذي بدأ يقترب من شيخوخته . في أحد ليالي الشتاء المطيرة ، وحول نار دافئة في غرفة طينية ملحقة بالبيت ، كان والده يلعق يديه بعد أكل عريكة قامت أمه بصنعها ، غمز لوالدته وخرج ، بدأت والدته الكلام بتلعثم ، ولسان حالها يقول لا تطاوعه على مراده . صمت والده بعد أن انتهت من كلامها ، فلم تلمح على وجهه أي اهتمام او شعور من أي نوع . ـ أبو عبدالكريم ، هل سمعت ما قلت ؟ ... عبد الكريم يرغب الذهاب إلى الرياض . ـ نعم ، سمعت . ـ وهل ستوافقه على الذهاب . ـ ولم أمنعه ؟ هو رجل وقد اختار أمرا يعتقد أن فيه صلاحه . دخل عليهم عبد الكريم والفرح يغمره وهم في هذه الحالة وقبل يد والده ورأسه وقبل يد أمه وخرج وهي لما تزل في ذهول من قرار زوجها وسرعة البت فيه ، بعد رحيله بيوم سمعت نشيج زوجها وهو في الفراش ، وسمعته وهو يكتم حزنه عندما شعر بدخولها عليه . ومع بزوغ شمس الغد التي لم تعد تطلع عليهم وهم مجتمعون وبينما هي تسكب القهوة في فنجان زوجها الذي اتكأ على خشبة قد لفت بقطعة من القماش قالت : ـ لم أذنت له بالسفر في أول النهار؟ وقلبك سيتقطع عليه في آخره !! ـ تعنين بكائي ليلة البارحة ؟ إنني مثلك لا أود مفارقته لكنني لن أمنعه من أسباب الرزق لمجرد أنني أريد أن أراه صباح مساء ـ لكنه صغير على اتخاذ القرار الصائب . ـ عندما تزوجتك كنت في مثل سنه ، فهل كنت صغيرا على اتخاذ القرار الصائب ؟ أتذكرين تلك الليلة . اغتصبت ابتسامة من بين ركام الحزن . ثم قالت ـ من سيعمل معك في الحقل ومن سيرعى القطيع ؟ ـ سأتدبر الأمر !! وهو في طريقه إلى الحلم الذي طال انتظاره ، كان يتأمل المدن التي يمر عليها لأول مرة ، لم يكن يتوقع أن تتم الأمور بهذه السرعة ، كان يتوقع من والده تعنتا وممانعة طويلة ، إنها لم تتعد اللحظات القليلة ، إنه الآن في نشوة عارمة لا لأنه سيتخلص من العمل الشاق الذي كان يمارسه وحيدا من طلوع الشمس إلى أن تتضيف للغروب خلف الجبل وحسب . بل لأن هناك عدة ممنوعات قيدت متعته لسنين طويلة ، فلم يكن يسمح له بممارسة أي لهو مع لداته وهو المبرز في لعب كرة القدم في المدرسة على وجه الخصوص ، لم يكن يسمح له بمشاهدة التلفزيون ، شاهد أربعة أفلام عند عامل مزرعة الجيران المصري خلسة بعد صلاة العشاء ، بعد أن ينفحه قسطا من المال في كل مرة، وانطبعت في رأسه صورة شادية وهند رستم وتخيل فتاة أحلامه تشبه إلى حد بعيد الأخيرة بتمايلها وإغرائها ، وعندما يريد معاودة مشاهدة الفيلم تقل الكلفة إلى النصف ، فشاهد هذه الأفلام عشرات المرات في غالبها تكون المشاهدة مجانية ، لأن العامل يود من عبد الكريم قراءة بعض الرسائل ، أو لأنه كئيب ويود أن يشاركه أحد بالمشاهدة . دخل على ابن عمه في مكتبه الفخم الأنيق بعد انتظار دام أكثر من ساعة ، كانت صورة ابن عمه في مخيلته شيخا عجوزا أشيب الشعر إلا أنه رأى شابا لم يكمل الأربعين ، كلمه بالموضوع الذي جاء من أجله ، وعده خيرا ثم انصرف على أن يأتيه بعد ثلاثة أيام ، جاء بعدها في اليوم المحدد ليرجئه لمثلها مرة أخرى وقال له : ـ اتصل يا عبد الكريم قبل أن تأتي حتى لا تتعب نفسك بالمشاوير ـ لا عليك ، لو أردت أن آتي كل يوم لأتيت ، فأنا كما تعلم خالي من أي مشاغل . جاء إليه في اليوم المحدد فأخبره ابن عمه أنه كلم أحد أصحابه في تعليم البنات وأنه وجد له وظيفة في قسم نقل الطالبات والمشرفات ، استلم عمله من صديق ابن عمه البعيد بسرعة ، تقبلها على مضض ، فلم يكن يتمنى لنفسه هذه الوظيفة ، واستغرب من ابن عمه لم أبعده عن مكان عمله هل لأنه يأنف من وجوده معه في دائرة عمل واحدة ، لم يستسلم كثيرا لتخرصاته لوى عنقه وسار في دربه . بعد مرور ستة أسابيع جاءته رسالة من والده يخبره فيها أنه قد تم خطبة أخته موضي لأحد أبناء العم في جدة وستتزوج في نهاية ذلك الشهر ، أخذ إجازة قصيرة لمدة يومين وسافر خلالها على متن الطائرة ، ليتفاجأ بخطبة أخته فاطمة وهي التي تكبر موضي بسبع سنوات من قبل مطوع المسجد الجامع ، وهو الذي في سن والده تقريبا وعندما سألتها أختها الصغيرة زينب عن سبب قبولها أجابت بانكسار لأختها وله ـ كأنكم لا تعلمون أن لدي ولد وبنت من زوجي الأول ، وأنني و منذ وفاته أحس بأنني عبء ثقيل على أبي و لم يطرق بابنا طارق منذ ذلك الحين بارك لأختيه وودع والديه وزينب ثم عاد أدراجه إلى العاصمة العظيمة التي تجعل المرء يذهل عن أقرب الناس إليه بما فيها من صخب وضجيج . *****
*** *
__________________
عالم بنات ... بنات
|
22-03-2008, 08:02 PM | #21 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2007
البلد: القصــ بريدة ــيم
المشاركات: 1,333
|
أسلوب ساحر ,, و كفى ..
ننتظر .. |
23-03-2008, 10:59 PM | #22 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
إلى متى ؟ من الأعماق احييك على تواجدك ودمت لمن يحبك *** ** *
__________________
عالم بنات ... بنات
|
28-03-2008, 02:42 AM | #23 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
_ 5 _ خمسة من جيزان واثنان من الخميس تحت سقف بيت شعبي متواضع جدا ، قريب جدا من شارع البطحاء ، لم يكن يربط بينهم سوى البحث عن لقمة العيش والهروب من شظفها ، مر شهر رمضان وبعده عيد الفطر دون أن ينزل أي واحد منهم إلى أهله ، فلقد كانت الزيارة صعبة لا لبعد المسافة أو تكلفتها بل بسبب ما ينتظره أهاليهم وأقاربهم هناك من هدايا وشرهات وعادات مقيتة تثقل كواهلهم وتبعثر ما جمعوه طيلة الأشهر الماضية . كان عبد الكريم من بين هؤلاء السبعة ، لم يكن يرتاح لأي واحد منهم ، إلا ما كان من علي الجيزاني الذي كان يتقن الطبخ إلى أبعد حد ، وتعلم منه عبد الكريم طريقة بعض الطبخات إلا أنه لم يصل ولا إلى جزء بسيط من مستوى طبخه ، فكر في أن يبحث عن بيت صغير أو غرفة يستقل فيها إلا أن ذلك سيرهقه ماليا فعدل عن تفكيره وبقي الحال على ما هو عليه ، قسم النقل في رئاسة تعليم البنات كان يضم حينها أربعة موظفين بما فيهم رئيس القسم ، كان هو الشاب الوحيد من بينهم ، وكثيرا ما كان يتأخر عن العمل بسبب سهرة على فيلم أو لعب بلوت مع الجيازنة في السكن أو بسبب الملل والروتين في العمل ، هدده رئيسه أكثر من مرة وفي كل مرة كان يستل غضبه بهدوئه ووعوده التي لا يحتاج تبخرها إلا إلى يومين ، في صبح يوم مشرق وبينما كان يتمطى بملل على الكرسي الكئيب وقد لف شماغه على ذقنه وأمامه زميليه العجوزين منهمكين في العمل دخل عليهم الرئيس وقد أمسكت يده بيد شاب أبيض ، مستدير الوجه ، فمه مغلق ويعلوه شارب خفيف جدا ، نحيل الجسم طويله ، ذو شعر منسدل على كتفيه بعض الشئ ـ سلموا على زميلكم الجديد عبد الله قالها المدير ثم انصرف سلم عبد الله بدوره على من في المكتب ثم جلس على كرسي بجانب عبد الكريم خاطبه قائلا ـ أخوك عبد الكريم ويلقبونني أبو فهد ثم أردف لم يأت فهد بعد !! ولم تأت أمه !! عسى الله يعجل بمجيئها ابتسم عبد الله فبانت من خلالها أسنان صغيرة بعضها يعلو بعض لكنها في نفس الوقت جميلة ـ أنا أبو وليد ، لم تأت أمه ولا أعتقد أنها ستأتي لأنني لا أحب النساء !! فهو حتما لن يأتي تلاقت الأرواح فتعارفت وأتلفت سأله عبد الكريم ـ موظف جديد ؟ ـ لا .. كنت في قسم العلاقات العامة .. لا شغل ولا مشغلة ... فنقلت هنا تأديبا ! ـ يعني قسمنا لعنة !! ضحكوا جميعا ، ثم أردف عبد الكريم ـ وما سبب التأديب ؟ ـ يقولون تأخر وغياب ! والصحيح أنني لم أتعامل مع أحد المسئولين الكبار في يوم من الأيام ـ على كل حال مرحبا بك في وادي العجزة والمحنطين ! هؤلاء الذين أمامك تضبط ساعتك على مجيئهم ورواحهم ، ومحدثك ليس أقل شأنا منك فهو راعي غياب . وبعثك الله من أجل أن نكون جبهة ضد الآلية في العمل وعبد الكريم يهم بالدخول بعد يوم شاق من العمل قابله علي الجيزاني وقد ربط بطنه بشماغه ، ورائحة الطبخ تفوح من ثيابه وقال ـ جاء صباح هذا اليوم شاب تبدو عليه آثار النعمة ، وأعطاني هذه الورقة وأوصاني بأن أسلمها لك فض عبد الكريم الورقة على عجل وعلامات التعجب تعلو وجهه فإذا هي رسالة من زوج أخته موضي يخبره فيها أنه بالرياض مذيلا الورقة برقم هاتف ومكان السكن ، ويطلب منه الاتصال عاجلا بعد غروب الشمس في نفس اليوم كان عبد الكريم أمام الفندق المحدد استأذن زوج أخته بعد مجيئه بزمن قصير وتركهما وحدهما ، تفاجأ عبد الكريم حين ترامى لمسمعه صوت طفولي ينبعث من داخل الغرفة ، قطعت موضي حبل الأسئلة ـ إنها ابنتي سارة ـ ما شاء الله مبروك عليكم ، وتتربى بعزكم ، بهذه السرعة ؟ ـ عشرة أيام ونتم العام الأول ، لا أريد أن يمضي لقاءنا بالعتاب وإلا فان في الخاطر عليك أشياء تركته لتجلب ابنتها وعادت بسرعة وهي تحملها ، ناولته إياها وهي تقول ـ زوجي يقول أنها تشبه أمك كثيرا ـ لكن ليست سمينه ! أليس كذلك ؟ ضحكت ثم أردفت ـ حرام عليك أمي لم تصبح سمينة إلا بعد زواجها بسنوات ، وأيضا ليست مفرطة في السمن ! ضحكوا جميعا ثم صمتوا فترة ليقول بعدها ـ أعرف أنني مقصر ... و قطعت موضي كلامه ـ هل ستنزل في عيد الأضحى ، أم ستظل في الرياض كما فعلت في عيد الفطر! ـ سأنزل بإذن الله ... لم تقولي لي ما سبب مجيئكم للرياض ؟ ـ زوجي جاء يوقع على عقد مع شركة بريطانية ، وأنا جئت لأسلم عليك ، وأخبرك عن حال أبي قالت جملتها الأخيرة بتمهل واضطراب بادرها مستحثا ـ ما الذي جرى ... كيف حاله ؟ ـ في الحقيقة أبي.. أبي .. فقد بصره !! بسبب الفشل الكلوي وكبر السن ! ـ أصبح أعمى ؟ ... متى حدث هذا ؟ ـ قبل شهر من الآن ... صمتت قليلا ثم أردفت والحق يقال أن زوج أختي فاطمة وقف معهم وقفة رجل وكان يراجع بأبي المستشفى بين حين وآخر ... وأبى الرجل عليه أن يبيع البيت والمزرعة وعرض عليهم أن يبقوا في البيت تحت رعايته ... فقد كان أبي قرر أن يبيع البيت والمزرعة ويأتي إلى الرياض لتعيشوا معا في بيت واحد . لم يمض على هذا اللقاء شهر إلا وقد تم كل شيء ، اشترى أبو عبد الكريم بثمن البيت المتواضع والمزرعة فيلا من أحسن الفلل في ذلك الوقت تقع في حي الملز وفضل معه فضلة مال يستطيع من خلاله تزويج ابنه الوحيد ، وأكثر ما لفت انتباه عبد الكريم ذبول والديه البين للعيان ، وبالأخص والده ، مات ذلك الشيء الذي كان يروي عروقه ، بدا وديعا أكثر مما مضى ، يتدفق الحنان من بين جوانحه ، كان يمسك بيد ولده وهو منطرح على الفراش ويتكلم وهو يغالب دموعه ويحاول جهده ألا تخرج . ترك عبد الكريم ذلك البيت المتهالك وشلة الجيازنة والخميسي الوحيد غير آسف على هذا الفراق عدا طبخ علي الجيزاني الذي قدر انه لا يستطيع الاستغناء عنه ، ولكن في طبخ اخته زينب ما يسليه ، بدأت الأدوية تروح وتجيء في البيت وأصبح من جديد مسئولا مباشرا يثقل كاهله ويعيق حركته شيخان كبيران ، لا طاقة له بالتفرغ لواحد منهما فكيف بهما جميعا . *****
*** *
__________________
عالم بنات ... بنات
|
28-03-2008, 03:01 AM | #24 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
أحيطكم علما
أنني اجتمعت مع نفسي وقررت بعد طول مداولة أن يكون إنزال فصل من الحكاية يوم الثلاثاء من باب الواجب ويوم السبت نافلة لكم وكما ذكرت ليس لعدم استحقاقكم بل أنتم على العين والرأس ولكن لم أكن أتوقع أن يحاصرني الوقت بهذه الصورة وإن كان البعض يرى أن الفصل مجرد نقطة فأقول رويدك حتى تجتمع النقط لتكون سيلا بفضل الله ورحمته فلكم من خالص الود والتقدير *****
__________________
عالم بنات ... بنات
|
01-04-2008, 11:58 PM | #25 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
_ 6 _ كانت تسكب الماء الحار على الأواني في المطبخ عندما دخلت عليها أختها التي تكبرها بثلاثة عشر خريفا ، وقطعت سيل أفكارها وهي تقول ـ أتذكرين جارتنا أم عبد الكريم وابنتها زينب ؟ الذين كانوا عندنا في آخر زيارة زرتني فيها راحت تردد بينها وبين نفسها ـ أم عبد الكريم ! وزينب زينب ! ثم تذكرت ـ آآآآه ... الذين قلت أنهم قدموا من خميس مشيط ! ما شأنهم ؟ ـ جاءوا بالأمس وكلموني بشأنك يريدونك لولدهم عبد الكريم كانت الرياض ساعتها تستحم بحمرة المغيب ، وتلعب ريح طيبة بغيوم طفيفة تحوم في السماء لم تلبث إلا قليلا ، فقد أعقبتها عاصفة قادمة من الصحراء تزمجر بعنف فتبدد الأمل بتلك الغيوم ، ويهبط الظلام على العاصمة ويهجع الجميع في بيوتهم متقين زمجرة الرياح والصقيع الحاد . زفت أمي إلى أبي في ليلة غاب فيها القمر . وزفت عمتي زينب لزوجها بعد استدارة البدر لم يمض عليها وقت طويل لتكتشف أنها أصبحت خادمة وطباخة وممرضة لشيخين كبيرين وزوج لم تخف إعجابها به في بادئ الأمر ، لكنه مل منها مع كر الجديدين كما مل من كل شيء يحيط به ، كانت أمي تميل إلى القصر قليلا وذات خصر نحيل لكنها واسعة الأرداف والأكتاف والصدر ، شعرها فاحم ، كبيرة العينين كثيفة شعرالحاجب ، وبشرتها تتقلب بين البياض والسمرة ، كان في مثل سنها تماما فهي تعتبر عانس في حكم تلك الأيام ، لاعبها كما لاعبنا ، ضحك معها كما ضحك معنا ، أدخل البهجة على حياتها كما فعل معنا ، لكنه أبكاها طويلا كما أبكى كل من حوله ، إن الحياة ليست متعة ساعة ، وضحك وقبل ونوم ، إنها حياة بكل ما فيها من حلو ومر ، فرح وحزن ، سعادة وشقاء ، ضحك وبكاء ، بمجيء أمي بدأ يتحلل من المسئولية رويدا رويدا ، لأول مرة يسهر حتى هزيع متأخر من الليل ، قابلته بتجهم وغضب صارخين ، وقابلها بكل برود وبلا أدنى مبالاة ، ثم تعودت على ذلك مع مرور الأيام ، كما تعودت على كل قبائحه . كلما فتح مصراعا لليأس فتحت بابا للأمل ، حتى ذابت روحها بين يديها دون أن تحظى ببارق نور . في كل صباح كانت تهرب إلى مدرستها لتفرغ شحنات الغضب على طالباتها البائسات ، تزمجر وتتأفف وتضرب بكل حرية وكانت طبيعة عملها كمراقبة يبرر لها ممارسة هذا النوع من العنف ، حتى ليخيل للقادم أول مرة إلى المدرسة أنه أخطأ المرمى وقصد ثكنة عسكرية ، سألتها ذات مرة سؤالا جريئا ـ لم لم تطلبي الطلاق ؟ فأجابت بعقلانية متناهية ـ وهل كل الزوجات سعيدات مع أزواجهن ؟ ، إنني أسلي نفسي بلحظات الهناء العابرة ، ومما يسليني أيضا طيبة جدك وجدتك معي وشعورهم الجميل تجاهي فهم يقدرون صبري عليه وعليهم ، ثم إن طلبا مثل هذا يتطلب تحمل تبعاته ، هل أمضي وأنا أجر خلفي أكواما من اللحم البريء . خطوات ثقيلة على البلاط تصدر صوتا مزعجا في آخر الليل ، وصمت يخيم في غرفة الجلوس كان بابها مفتوحا والنور يسطع من خلاله ، كان جدي ميتا ، وجدتي وأمي على قيد الحياة يبكيانه وهما يحيطان به ، دخل بخطواته المترنحة ليعكر عليهما متعة البكاء وصفاءه ، نادته أمي وهي تبكي ـ أبوك مات كان موت جدي بعد ولادتي بسبعة أشهر وقبل ولادة أخي فهد بمثلها أحدث موت جدي في حياة جدتي وأمي بالتحديد فراغا هائلا فقد أحبته أمي كثيرا ، كان يحكي لها عن العادات والحكايات والعيش في الجنوب ، ويصبرها برفق وحنان على بليتها في زوجها ، وكان أكثر ما يسرها عندما تدخل عليه بالقهوة والتمر فيميل رأسه وكأنه يحاول اختلاس النظر إليها وهو الأعمى ـ فاطمة ؟ ـ صبحك الله بالخير ياعمي ـ هلا والله بابنتي تناوله تمرة من يدها ليده ، وبينما هو يلوكها بفمه ، تسكب فنجان القهوة المهيل ـ سم يا عم ـ سم الله عدوك ثم يسكب عليها دعوات وثناء وإطراء تزيل أمواجا من ركام الهم ، وتتنزل عليها كما الماء للظامئ في صحراء قاحلة في شدة القيظ تنازلت عمتاي موضي وزينب عن نصيبهما في البيت الكبير لجدتي وبقيت عمتي الكبرى فاطمة صامتة لم تطلب نصيبها ولم تتنازل عنه ، وبقي الحال على ما هو عليه . في مساء حزين عاد أبي بعد غياب دام هذه المرة ثلاثة أشهر ...... قبل مغادرته ودعته جدتي وهي تبكي ، أما أمي فضلت صامتة ، لم تتشبث به يوم الرحيل وأعينها مستهلة بالدمع كما فعلت أول مرة لأن عينيه بالمقابل لم تستهل ، وهو قبل كل ذلك وبعده لا يستحق ! بادر أول ما وطئت قدمه البيت بالسؤال عن فهد ليكحل عينه بمرآه فقد ولد بعد ذهابه بعشرين يوما أتت به جدتي فضمه وشمه ، وبدأ بملاعبتي وأخواتي كما كان يفعل في كل مرة وهو يوزع الألعاب والهدايا بعد عودة الأمور لطبيعتها سألته أمي ـ كيف سمحوا لك بهذه المدة الطويلة من الغياب ؟ قال وهو يقلب صحيفة بين يديه ـ لقد قدمت استقالتي قبل أن أذهب فقبلوها ! وكذلك فعل زميلي عبد الله وسنتشارك في مشروع حر أنا وإياه ثم قذف بالصحيفة جانبا وأمر بإغلاق الأنوار ، بعدها بدقائق راح يشخر في نوم عميق ! أقتمت الدنيا في عينيها ، غرقت في بحر من الهم ، تصورت الأيام القادمة وهي تلد ما حبلت به من كل جديد ، يا لعبد الله هذا كم تشمئز عندما يذكر اسمه ، إنه سبب كل مصائبها ، أشد عليها من ثلاث ضرائر ، أين كنت ؟ مع عبد الله ، من أين جئت ؟ من عند عبد الله ! ... مع من ستسافر ؟ ... مع عبد الله !! ... عبد الله !! ... عبد الله !!! *****
*** *
__________________
عالم بنات ... بنات
|
28-04-2008, 01:55 AM | #26 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
ـ 7 ـ ما إن جلست حتى بدأ كعادته ينادي زوجته الهندية بصوت عال ـ بهاء ، بهاء لم تفلح جميع الطرق والأساليب في إقناعه بعدم رغبتي في مجيء زوجته للسلام علي والجلوس معنا ـ ياخوي عادي لو كنا أنا وإياك في الخارج ألا نجلس سويا مع نساءنا ؟ ـ قد يكون ! لكنني الآن لا أريدها أن تجلس معنا ، جاملتك مرة .. مرتين ، لكن ! أن تجلس معنا بصفة دائمة فهذا مالا أريده أطلت بوجهها المستدير الأسمر وبضفيرتها الطويلة التي اتكئت على كتفها منتهية أسفل صدرها بمسافة طلب منها تقديم واجب الضيافة ثم انصرفت بسرعة ... التفت إلي وبصوت يلفه الغضب قال : ـ شفت الملعونة .. صارت حامل !! شككت أنه يقصد بهاء !! لا إنه لا يقصدها !! .. بل يقصدها!! ... ملعونة ؟ .. حامل ؟ ألا يوجد في قاموس هذا الرجل أفضل مما أسمع.... سألته بعد حيرة دامت بضع ثوان ـ من تقصد ؟ ـ وهل غير بهاء في الدار ؟!! ثم أردف اتفقنا أنا وإياها على عدم الإنجاب .. قلت لها ... لا أريد بيبي !! نو بيبي !! ومع ذلك لم تكترث لكلامي وحملت المشكلة أنني لم أعلم إلا قبل يومين وهي الآن ....... توقف عن الكلام فجأة ثم قال : ـ لقد رأيتها بعينيك قبل قليل هل هناك ما يدل على أنها حامل ؟ توقع في أي شهر هي من أشهر الحمل ؟ قلت وأنا لا أزال في مزيج من الذهول والغضب والحسرة ـ لا علم لي !! أجاب بسرعة ـ إنها في الشهر السادس !! تخيل !! .. أين كان ابنها في الأشهر الخالية لا أدري ؟؟ ربما ... أنه تكور داخل كل عضو من جسمها !! وليس في بطنها فحسب كما يكون عند النساء الطبيعيات ربما ! ... لا أدري !! هل تعتقد أن نساء الهند يكون حملهن بهذه الطريقة ؟ أطرق برأسه وكأنه لا ينتظر إجابة .. فلم أجبه وظللنا صامتين لا أدري لم قفزت مقولة أحد علماء الاجتماع لا أتذكر اسمه الآن إلى ذهني وأنا في هذه الحالة من الوجوم والصمت يقول الأصدقاء على أربعة أضرب الأول من يعين ويستعين ، ثانيهم من يعين ولا يستعين ، ثالثهم من لا يعين ولا يستعين ، رابعهم من لا يعين ويستعين ، وبالتأكيد فصاحبي عبد الكريم من النوع الرابع وربما يكون هناك أضرب أخرى للصداقة لم يذكرها عالم الاجتماع وهناك مصالح خفية خرجت من عنده وأنا أعاتب نفسي كما عاتبتها في كل مرة ألتقيه فيها ويزداد هذا العتاب المرة تلو الأخرى ما الذي يجعلني متمسكا بهذا الأخرق !! هل هو تشبثه بي ؟ .. أم عطفي ورحمتي به ؟ ... أم إثبات لمقدرتي على التوجيه واستكناه ما يبطنه ؟؟ .... أم أن الأمر مزيج من كل هذا وأشياء أخرى لا أعرفها . إنه بالفعل أخرق بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فهل أنا أعينه حتى أحصل على الخير؟؟ وهل صنعت له شيئا ؟ وهل هو يوافقني أو وافقني على شيء في السابق ؟ لقد قام بما يقرب من سبعة أعمال مختلفة في ما ينيف على الثلاث سنوات التي تعرفت بها عليه وتعلقت أو تعلق بي فيها !! لم يفلح في واحدة منها ، واستقر أخيرا على أن يعمل سائق أجرة بين الدمام والهفوف في الاحساء أو داخل الشرقية بكاملها وأبدى ارتياحه الكبير لهذا العمل بالذات بعد هذا اللقاء بشهرين ونصف وبعد انقطاع من قبلي وعدم مبالاة من قبله شاهدت رقمه عبر شاشة جوالي ! تساءلت في نفسي ما الذي يريده هذه المرة !! ضغطت على الأيقونة الخضراء وترامى إلى سمعي صوته الذي بت أكرهه وارتحت من سماعه طيلة هذه المدة ، بادرني وقد بدا القلق من خلال نتوءات صوته ـ جعفر .. أرجوك ، زوجتي بهاء ستلد وأنا الآن قريب من الأحساء ومعي زبائن سيستغرق إيصالهم ومن ثم الرجوع وقتا طويلا وأنا خائف جدا عليها !! ـ لا عليك ... سأتدبر الأمر أغلقت السماعة وأنا في غاية الحرج ، كيف لو رآني أحد الزملاء أو الأقارب وأنا معها في المستشفى ونقل ذلك إلى زوجتي أوإلى أهلها ؟ ثم قررت بعد تردد أن أخبر زوجتي وأن أطلب منها مرافقتي إلى المستشفى من باب فعل الخير وإلا فهي تكره هذا الرجل وتكره زوجته بالرغم من أنها لم ترها إلا مرة واحدة في رحلة إلى شاطيء نصف القمر ، وافقت زوجتي على مضض ، وأنا في الطريق تبادر إلى ذهني فجأة خاطر مزعج !! هل من الممكن أن يكون عذره هذا حيلة منه كي يتخلص من الذهاب بزوجته للمستشفى وإلا فهو هنا في الدمام !! ثم طردت هذا الهاجس بسرعة لأن صوته الذي سمعته بدا قلقا . بعد ثلاث ساعات كانت زوجتي في انتظار النساء وكنت أنا في الممر الطويل القريب من غرفة الولادة خرج الطبيب المصري ووجهه تعلوه ابتسامة وهو يقول ـ ألف مبروك جالك بنتين زي القمر والأم طيبة ولله الحمد كان يقول هذا الكلام وأبو فهد يدلف من الباب في أقصى الممر ، فأخبرت الطبيب بأن هذا زوجها فبادره بالخبر ، فلم يبد أي اهتمام مما أثار استغراب الطبيب ، وقمت بدوري فباركت له مع علمي التام بأنه لم يفرح !! ***
** *
__________________
عالم بنات ... بنات
|
28-04-2008, 01:59 AM | #27 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
_ 8 _ أحس بحنين يغمره لزوجته وأولاده ، كأن هاتين الطفلتين أيقظتاه من نوم استغرق فيه طويلا ، بنتان سمراوان كأمهما وأبيهما تجمعان بين سمرة العرب وسمرة الهند ، واشتاق كثيرا لصديق شبابه وزميله المحبب لفؤاده عبد الله ، لم يتردد هذه المرة في الاتصال به ، كان رقم جواله لا يزال عالقا في ذهنه يحفظه وحيدا من بين مئات الأرقام التي طمست من ذاكرته ، ضغط على الأرقام العشرة ثم همز الأيقونة الخضراء وقرب الجوال إلى أذنه بتؤدة ، جاءه الصوت من الطرف الآخر ـ أهلا وسهلا ... مراحب إنه هو بصوته لم يتغير وكلمة مراحب التي تنزلق على لسانه كالشهد ، صمت برهة من الزمن يبتلع ريقه ويعد الكلمة المناسبة التي يبدأ بها ـ أهلا ... قلنا مراحب !!......من ؟ ـ أبو وليد ؟؟ هذا جوال عبد الله ؟ ـ نعم معك عبد الله ! من أنت راح عبد الكريم يتمتم بأغنية لطلال المداح سمعاها معا عشرات المرات ـ مقادير ... مقادير ياقلب العنا .. مقادير وش ذنبي أنا مقادير ردد معه عبد الله الكلمة الأخيرة ومطها هو وإياه ثم صرخ صرخة عالية ـ عبد الكريم ... ما أنا بمصدق ... أربع سنين يا ظالم أين أنت يا صوت الأرض ؟ ـ أنا في قلب الشرقية بالدمام ـ لا تغلق جوالك خمس ساعات وأكون عندك !! رقم عبد الله يظهر من خلال رنين متصاعد فتتصاعد الأنفاس مع كل رنة ـ مراحب ... أنا في شارع ابن خلدون إلى أين أتجه ؟ بالفعل كانت المسافة تستغرق خمس ساعات إنها سهلة جدا لم إذن تأخر عن مكالمته طيلة هذه السنين ؟ وهل لقاؤه بأولاده لا يحتاج إلا لمثل هذه المكالمة أم أن الأمر فيه نوع من التعقيد ؟ أم أن العقد تبتدأ منه وإليه تنتهي . في مساء ذلك اليوم كانا يغذان السير بمحاذات شاطئ الخبر ، وكل واحد منهما غير مصدق أنه بجانب الآخر ، عاتبا بعضهما عتابا لطيفا فكل واحد منهما يكره العتاب كره الموت ، بعد فترة من الضحك وتذكر ما مضى مال أبو فهد على صديقه مستفسرا ـ هل تعرف شيئا عن أبنائي ؟ ـ نعم ! وهل أترك أبناء صديقي دون سؤال ؟ ما دمت تحن إليهم وتتشوق لسماع أخبارهم ! لم تركتهم ؟ آآووه نسيت أنك كنت معيونا !! ـ بدأنا بالاستهزاء !! ـ المعذرة ... هكذا قال لي أبناءك ، ربما أنت من قال لهم ! وربما هم من اخترع هذه الحجة لينجون بها من ألسنة الخلق وأقاويلهم ! ـ لا أنا من قال لهم ذلك ! كل من أخفق في شأن ما قال إنني معيون ، لا أدري كيف سيكون الحال لو لم تكن هذه العين موجودة في الشرع حتى ولو كانت مذكورة بشكل ضئيل جدا ، ويؤمن بها عامة الناس إيمان من يرى الشمس في رابعة النهار ، إنها الشماعة التي نعلق عليها انهزامنا ونقصنا ، لا بأس !! إن تحججنا بها أفضل بكثير من أن نتعرى أمام بعضنا البعض قال أبو وليد : ـ حسنا هل تريد الأخبار المفرحة أم السيئة ؟ ـ وهل هناك أخبارا سيئة ؟ ـ وهل نخلوا منها ، إنها لا تنفك عنا ! ـ حسنا إبدأ بالحسنة . ـ هل تريد أن أبدأ بفهد أم بوديع ؟ أم بأم فهد أم بخالد أم بالصغيرة حنين ـ إبدأ بأيهم شئت ! ـ حسنا ملامحك توحي بأنك تود سماع أخبار وديع .....وديع يا طويل العمر تخرج قبل عام من قسم الهندسة الكهربائية بتقدير عال جدا من جامعة الملك سعود ، وعين معيدا في نفس الكلية وسيبتعث قريبا ، أما فهد فتخرج من قسم التاريخ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتعين في السجن ـ في السجن ؟ تعني مدرسة السجن هناك !! ـ لا ، بل أدخل السجن ! ـ أعوذ بالله ! والسبب ؟ ـ إيمانه ببعض الأفكار الإرهابية ! ـ فهد ؟!! ـ نعم ـ فهد !!، كان لا يصلي إلا كرها ويكره التدين والمتدينين ! ـ نعم فهد ، بين عشية وضحاها انقلب فجأة وأطلق لحية طويله لو رأيته ما عرفته ، وقصر ثوبه إلى ركبته ، وراح يتكلم بأمور كبيرة لا نفهمها ـ وهل فعل شيئا وراء اعتناقه لهذا الفكر ؟ ـ لا لم يفعل شيئا حتى الآن ! ـ هل تعتقد أن السبب هو وديع ! ـ على العكس تماما ، صحيح أن وديع متدين ، وبنفس الهيئة لكنه يمقت هذا الفكر بشكل كبير ، وحصلت بينه وبين فهد نقاشات ومناوشات كنت طرفا فيها ، طبعا أنا الطرف المتفرج ! ـ نعم أعرفك غبي وأبله مثلي . ضحكا على هذه السخرية ، وبقيت ضحكة أبي وليد مجلجلة ، وأما أبو فهد فصمت فجأة وراح يئن في دوامة من التفكير المميت ، صمت بعدها أبو وليد ليسرد بقية الأخبار التي ليست ذا بال مقارنة بما ذكر أول الحديث ***
** *
__________________
عالم بنات ... بنات
|
28-04-2008, 02:14 AM | #28 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
_ 9 _ في اليوم الثاني كان الوقت عصرا وهما يسبحان في مياه شاطئ نصف القمر ، وقد خلا البحر إلا منهما وبعض المتجولين القليلين في مثل هذا اليوم من أيام الدراسة ، كانت يد عبد الكريم تعبث بصفحة الماء ، عندما استأذنه عبد الله بأن يسأله سؤالا تلجلج به لسانه طويلا ـ تفضل , وإن كنت أنت أعرف الناس بي وبطبيعتي . ـ قبل هذه السنوات التي غبت فيها عني وعن أبناءك كنت لا تفارقني وتغيب عن أهلك ولا تغيب عني وكان غيابك عنهم قليلا بالنسبة لهذا الانقطاع الطويل ، فما الذي دعاك لهذا الهروب أجاب عبد الكريم بعد فترة صمت وانشغال برؤية قارب وآخر ـ الحقيقة أنني لا أعرف ! ..... ربما يكون فشلي في إدارة البيت هو السبب ، ربما يكون السبب هو شخصية زوجتي أم فهد ، التي يرى الأولاد أنها تقوم مقامي في كثير من الأحيان ، فأنا ألعب دورا ثانويا أو أقل من الثانوي في البيت ، حاولت هي بشتى السبل أن تغير من طبيعتي أن تظهر للأولاد هيبتي ومكانتي لكنها تصطدم بالواقع ، والأولاد لم يعودوا صغارا لا يفهمون ما الذي يدور حولهم ، ربما أنني لم أجد حبا حالما مع أم فهد ، ربما تكون طبيعتي التي نشأت عليها من محاولة تسللي من أن أكون مسؤولا عن أي شخص هي السبب ، ربما تكون كل هذه الأسباب مجتمعة ، وبعد وفاة أمي لم يعد لي رغبة في البقاء والاستمرار في حياة كهذه ، فرأيت من الأفضل لي ولهم الهروب صوت قارب يقترب منهم جدا كتب عليه خفر السواحل كان يمتطيه شاب يلبس نظارة شمسية خاطبهم محذرا بعد السلام عليهم ـ لو ترجعون قليلا عن هذه المنطقة لكان أفضل ، إنها منطقة خطرة أجابه عبد الله بسرعة ـ إننا نجيد السباحة . ـ الخطورة ليست من هذه الناحية بالنسبة لكم ، الخطورة عليكم من هذه القوارب التي ربما لا تشاهدكم وهي تسير خلف هذا الحاجز الذي تجاوزتموه تفهموا الأمر وتراجعوا بعد أن شكروه ، وفرح عبد الله بهذا الموقف حتى يغير مجرى الحديث الذي لم يعد بحاجة إلى تلقي زيادة كلام فيه ، فقد اتضحت له الصورة كاملة وإن لم يقتنع بالتصرف الذي اتخذه صديقه . ـ ألا تريد أن نستعيد الذكريات الماضية ونسافر إلى دبي أو إلى المنامة ! عرض هذا العرض عبد الله ليخرج عبد الكريم من بوتقة الهم لكنه أعاده إليه ـ وماذا أفعل بزوجتي بهاء وابنتي ؟ لا أحد لهم في هذه الدنيا غيري . ـ ها أنت مسؤول من جديد ومكبل بقيود اجتماعية ثقيلة ، لم لم تفعل مثلي فأنا حتى الآن لم أتزوج ! وأفكر في الزواج قريبا فقط من أجل أن يأتيني أولاد وإلا فإن بغضي للنساء لا يعادله بغض !! ـ صدقت ... إنني أصبحت مسؤولا من جديد ! قال هذا الكلام وهو يفكر ثم أردف ـ.. إن الظروف غالبا هي التي تصنع أقدارنا ، وهي جزء من القدر الإلهي ، لقد تزوجت فاطمة من أجل إلحاح أبوي علي فقد كانت أختي زينب قد خطبت وكان من المناسب وجود بديل عنها ، وزواجي من ناهد كان عن حب وإعجاب ولم تدم طويلا فقد اختارها الله لجواره ، وأما زواجي من بهاء الهندية فقد تزوجتها لأبتعد عن ألسنة الناس ونهشها وإلا فهي خادمة !! فأصبحت بعد ذلك زوجة وأما لأولادي ، إنه القدر يا عزيزي قال عبد الله وهو يضغط على كل كلمة يقولها وكأنه أحد أبطال مسلسل تاريخي ـ إنني أرى أن المرأة هي الشيطان الذي نتحدث عنه كثيرا ونستعيذ منه صباح مساء ، ولا ينفك عن ذاكرتي ذلك البيت الذي يقول إن النساء شياطين خلقن لنا .. نعوذ بالله من شر الشياطين ويبدو أن ذلك الشاعر الذي عارض هذا البيت فقال إن النساء رياحين خلقن لنا ... وكلنا يشتهي شم الرياحين كان في الأشهر الأولى من أشهر الزواج ويبدو لي أيضا أنه ندم أشد الندم على هذا البيت الذي قاله في ليلة حالمة ! ضحكا جميعا ثم قال عبد الكريم ـ ما شاء الله أصبحت شاعرا بعد مفارقتي ! ـ إن بغضي للنساء جعلني شاعرا إنني لا أحفظ من هرطقة الشعراء إلا هذين البيتين لتعلقهما بالشيطانة ! كانت أصواتهما وضحكاتهما تسمعان كنهاية فيلم سينمائي من بعيد وهما يهمان بالخروج من البحر والشمس بقرصها الدائري تودعهما غارقة في البحر ، ويتذكران تفاصيل مغامراتهما ورحلاتهما مشهدا مشهدا وحركة حركة ، ويحتفظان بالصور الجميلة التي التقطاها من تلك الرحلات فعبد الله لا يزال يعلق تلك الصورة في غرفته والتي التقطها في أحد زياراتهم إلى الكويت وهي تضمه مع اللاعب الخليجي جاسم يعقوب هداف دورة الخليج الثالثة والرابعة ، كان عبد الكريم يقف عن يمينه وهو عن يساره ، والصورة التي تجمعه مع فريد الأطرش ، رجع ذات يوم إلى الغرفة التي استقلاها في بنسيون مسز جين الهولندية في حي الزمالك فقال لعبد الكريم ـ إنني شاهدت فريد الأطرش قبل قليل عند باب البنسيون ـ بحق ! ، متى ؟ أين هو ؟ ـ قبل قليل ! ـ يارجل ! قل كلاما غير هذا فريد الأطرش في هذا الحي ! ثم أخرج عبد الله الصورة ، فصرخ عبد الكريم وهو يفرك عينيه ـ أيها السافل لم لم تخبرني بوجوده ـ كانت لحظات سريعة ، حتى أنا لم أصدق نفسي ! سافرا إلى جميع دول الخليج وإلى دول الشام ومصر والهند وبعض الدول الأوروبية والمغرب العربي ، كانا يرحلان كطائرين غريدين فرا من قفص داما فيه طويلا ، ثم لا يلبثان إلا قليلا حتى يرجعا إلى ذلك القفص رغما عنهما ، كانت نتيجة أحد تلك الأسفار حبه الأزلي لناهد ، وزواجه منها ، كان يتطلع دائما إلى حب من ذلك النوع ، يخرجه من قهر الواقع وسطوته ، ويحلق فيه بجناحين يخفقان في كل اتجاه ، إنه هذه المرة يختارها بنفسه ، لا تلجئه الظروف لها ، كانت البداية عندما نزلا هو وعبد الله في مصر للمرة الثالثة ، لم تكن حالهم هذه المرة كحالهم حين وطئتها أقدامهم أول مرة إن رؤية الأشياء للمرة الأولى لها طعم خاص ، كانت نظراتهم تلتهم كل شيء حينما هبطت الطائرة مطار القاهرة الدولي ، نزلوا ذلك البنسيون الذي دلهم عليه الأسطى شوقي ، ثم شاهدا النيل لأول مرة وهو يجري...وما دامت المياه تجري فالحياة تجري .. فباريس قامت قرب نهر السين ، و لندن قرب نهر التايمز ، و بغداد قرب نهري الفرات و دجلة ، و دمشق قرب نهر بردى ، وهاهي القاهرة تحتضن نهر النيل بين جنبيها ، كان تخطيط عبد الله لهذه الرحلة يقضي بأن يستأجرا سيارة مرسيدس فخمة وأن يغيرا مكان السكن الذي كانا ينزلان فيه في كل مرة إلى أحد الفنادق الضخمة ، وفعلا تم لهما ذلك بسهولة ، إلا أنهما لم ينسيا بنسيون مدام جين فقد زاراه في أحد أيام هذه الرحلة ، كانا يسهران الليل كله وينامان قبل طلوع الشمس إلى قبيل العصر ، في صباح ذلك اليوم الساخن بهوائه وكل أحداثه والذي لا يمكن أن ينمحي عن ذاكرته مهما تعاقبت الأيام والليالي ، وفي تمام الساعة العاشرة ، انقطع التيار الكهربائي فجأة وعليه انطفأ جهاز التكييف ، أحس عبد الكريم بالهدوء يغمر جو الغرفة ، واستمر في النوم مدة ما تحمله الغرفة من بقايا برودة جهاز التكييف ، لكن هذه المدة لم تدم طويلا ، فقد كان لا يتحمل الحر على الإطلاق ، قام من سريره وشاهد صديقه في السرير المقابل لم يبد أي تململ ، لبس البدلة وقصد المصعد الكهربائي ونسي أنه لا يتحرك إلا مع التيار الكهربائي تأفف من هذه المصيبة ونزل من على الدرج إلى البهو كان موظف الاستقبال قائم على رأس بعض العمال الذين كانوا قد فتحوا خطوطا متشابكة من أسلاك الكهرباء ، كلمه بشأن هذا الانقطاع ، فأجابه الموظف بكل احترام ـ معليش يا أفندم سنحاول إصلاح الكهرباء بأقصى سرعة . جلس على أريكة مريحة في البهو ، وبدأ بقراءة صحيفة الأهرام وهواء عليل يزور حينا ويختفي يعبر إليه عبر بوابة الفندق الواسعة ، وأصوات معدات إصلاح الكهرباء تصم الأذن ، لم يتحمل هذا الإزعاج ، فهم بالصعود مرة أخرى لعل عبد الله أحس بهذا الانقطاع فقام من نومه ، كان لزاما عليه أن يصعد السلالم حتى يصل إلى غرفته في الدور الخامس ، فتح باب الغرفة كان شخير صديقه يسمع من خلف الباب ، ما هذا إنه لم يغير شيئا من هيئته !! ، فكر في أن يشاهد التلفزيون ونسي للمرة الثانية أنه لا يمكن أن يعمل دون تيار كهربائي ، إن الحياة جحيم بلا كهرباء ، ونحن ملوك به ، نزل إلى الشارع قاصدا النيل فقد كان لا يبعد عن الفندق إلا خطوات ، وصل إلى النيل بمياهه التي تميل إلى الرمادية ، وأصوات غناء تأتي إليه من قارب ليس بالبعيد ، رجع بخطوات متثاقلة وكان اللقاء ، في المقهى القابع تحت الفندق المجاور للفندق الذي يقطنانه رآها لأول مرة ، إنه جمال يفوق الوصف ، رآها بعينين عسليتين واسعتين ، وشفتان قرمزيتان قد انضما إلى بعض بإحكام ، وأنف مستقيم نحيل معتدل ، كانت تلبس بلوزة بلون تفاحي ، وتنورة قصيرة بلون بني فاتح ، ويدها تمتد لإيقاف سائق أجرة ، أسرع الخطو إلى الغرفة ليأخذ مفتاح المرسيدس ومن ثم إيصالها إلى حيث تشاء ، لم يعر أي اهتمام للطوابق الخمسة بدرجها الطويل وهو راجع كان كل ما يشغل تفكيره هل سبقه إليها أحد أم لا ؟ ، دخل الغرفة بسرعة بحث عن المفتاح في بدلة عبد الله لم يجده ، كان عليه إيقاظ صديقه الذي لم يغير من حالته سوى أنه التحف باللحاف بشكل يدعو للشفقة ، دله على مكان المفتاح ثم رجع للشخير مرة أخرى ، أطل من بوابة الفندق ليرى هل هي ما تزال في مكانها لم يجدها ، أصابته غمة لم تفتأ إلا قليلا حيث رآها تخرج من ذلك المقهى ، أدار المفتاح على عجل ، وحرك السيارة التي أحدثت كفراتها صريرا مزعجا جراء سرعته بتحريكها ، إنه الآن يقف بجوارها ، فتح نافذة الراكب : ـ صباح الخير يا آنسة ـ أهلا صباح الخير افترت عن ثغرها ابتسامة فافتر الكون في داخله بكل جماله ـ هل تودين أن أوصلك لمكان معين ؟ ـ أنت ! أشار بإيماءة من رأسه بالإيجاب ، وهو منبهر بحركاتها المعجونة بالتعجب ـ على هذه السيارة ؟ ـ نعم قالها وهو يشك أنه صاحبها صوتا التفتت بسرعة إلى الوراء ونادت شخصا كان يتربع على كرسي داخل المقهى وينفث الدخان من فمه ـ عم يالله تعال بسرعة . جاء ذلك المتربع السمين وهو يدفع أمامه كرشا كبيرا وقد لبس ثوبا شتويا وقد فتحت أزراره العلوية وتحت ذلك الثوب ومن خلال تلك الأزرار المفتوحة تظهر فانيلة قذرة قد اصفر لونها حتى تحول إلى السواد من طول رقدتها على جسده ، ركبت هي في المقعد الخلفي وركب ذلك الضخم في المرتبة الأمامية وهو يقول ـ يا صلاة النبي ، والبيه حيوصلنا بكم . تحركت السيارة وهو يقول ـ سأوصلكم مقابل أن تفرجوني على الأماكن السياحية في المحروسة أجابت بكل حبور وهي تطالع عينيه من خلال المرآة الأمامية ، وهو يختلس النظر إليها ـ يا خبر ، اللي تؤمر فيه يا أفندم . قال صاحب الكرش ـ حضرتك ، بنتي ناهد مرشدة سياحية ... قطعت كلامه ، وهي تضحك وتحرك شعرها وهي تقول ـ على خفيف طبعا . مضت النصف ساعة كلمح البصر ، أنزلهم في حي السيدة زينب على أن يأتي في اليوم التالي مع صديقه ليصحبا ناهد في رحلة سياحية ، ما يزال التيار الكهربائي منقطع وعبد الله نائم ، لكن تيارا من نوع آخر يسري في عروقه أنساه ذلك التيار الكريه ، دخل على عبد الله وصدى أغنية عبد الحليم تتردد على لسانه وهو يوقظ صديقه ـ أول مرة تحب ياقلبي وأول يوم أتهنا اشتعل التيار في عروق الأجهزة والمصابيح وبقي ذلك التيار يجري في أوردته *** ** *
__________________
عالم بنات ... بنات
|
الإشارات المرجعية |
|
|