بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » ما حــكــم حــلــق اللــحـــيـــــة ..؟؟!!

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:42 PM   #15
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
بسم الله الرحمن الرحيم


الحَمدُ للّهَ رَب العالَمينَ، الرحمَن الرَّحيم، وأشهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وحده لا شَريكَ لَهُ يَهدي مَن يَشاءُ إلى صِراط مستَقيم، وأشهَدُ أن مُحمَداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ صاحِبُ الهَديِ القَويمِ، صلى اللَهُ عليهِ وعلى آلِهِ وَمن سارَ على هُداهُ وَاقتَفى أثَرَهُ إلى يوم الفَصلِ العَظيمِ..
أمابَعدُ..
فإن اللهَ تَبارَكَ وَتَعالى نَصَبَ لهذا الدينِ المعالِمَ، وأقامَ بِما بينَ في الكِتابِ لأتْباعِ هذهِ الملةِ الدعائمَ، فَحَفِظَ ما تَستمِر بهِ الحُجةُ على الخَلقٍ ما بَقِيَت العَوالِمُ، فتلكَ المعالِمُ ظاهِرات، والدعائمُ ثابِتات، عصمةً لأهلِ العلمِ والإيمانِ، ونورا يَهتدي بهِ الراغِبُ من بَني الإتسانِ، فالحمد لله على عَظيمِ المنَّةِ، وواسِعِ الفَضلِ والرحمَةِ لهذهِ الأمةِ.
وَدونَ ذلكَ من مُكملاتِ الإيمانِ، وصالحِ عَمَلِ الإنسانِ، شَرائِعُ وأحكامٌ ، يَرِدُ متها الوارِدُ بحَسَبِ قَدرِ طَمَعِهِ فيما عندَ رَبهِ، وحرصهِ على زِيادَةِ القرب والتحليق في رِياضِ قُدْسِهِ، كَما قالَ اللّهُ تعالى في الحديثِ الإلهي: "ما تَقرب إلي عَندِي بشَيءٍ أحَب إلي مِما افتَرَضتُ عليهِ، وَما يَزالُ عَبدِي يَتَقرب إلي بالنوافلِ حَتى أحِبهُ ".
والنوافل ما زادَ من صالحِ العمَلِ على أمهاتِ الفَرائضِ والأصولِ، ومنْهُ كُلُ مُستَحب من القُرُبات.
كَما أن متهُ ما يَعود في تَقدير درَجَةِ حُكمِهِ إلى النظَرِ، ولم يَفْصِلْ في حُكمِهِ الخَبَر، فَمن بَدا لَه فيهِ وجه الطاعَةِ والقربةِ دَخَلَ في ذلكَ، سَواء عَده بنَظَرِهِ واجِباَ أو مَتدوباً، إذْ كل ما ليسَ مِما حكَمَ اللهُ وَرَسولهُ بفَرضَهِ فالقَولُ بفَرْضِهِ ظَن رَجَحَ لناظِرِ، وبنَدبِهِ ظَن مالَ إليهِ آخَر، ورُبما عتدَ ثالث لم يَبلُغ أن يَكونَ من قَبيلِ الظاهرِ، أي لم يَثبُت حُكمُهُ لخَفائهِ، وأرَدتُ بلفظ (الظاهر) مَعناهُ الأصولي، وَهُوَ اللفظُ الدال على المرادِ منهُ بنَفسِ صِيغَتِهِ من غَيرِ تَوقفِ على أمر خارجي، وليسَ المرادُ متهُ هُوَ المقصودَ أصالَة مِنَ السياقِ، ويَحتَمِلُ التأويلَ.
وهذا بابَ يَدخُلُهُ كل مَسائلِ الخلافِ في الفقهِ الإسلامي، وكل ما عادَ تَقديرُ حُكْمِهِ إلى الاجتِهادِ، وَلذلكَ وَسِعَ المتَنازِعَينِ فيهِ الدخول في رَحمَةِ اللّهَ بالأجرِ أو الأجرَينِ، كَما قالَ النبي : ((إِذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجتَهَدَ ثُمَّ أَصابَ فَلَهُ أَجْرانِ، وَإذا حَكَمَ فاجتَهَدَ ثُم أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ"، وَقَد قالَ اللّهُ تعالى: (مَا عَلَى المُحسِنِينَ مِن سبِيل وَإنَهُ غَفُور رَحِيم) التَّوبة:91،، فهذا في كُل مَن قَصَدَ الإحسانَ، أصابَهُ أو أخطأهُ.
وَالمقصودُ: أن يُدرِكَ من يَشتَغِلُ بفِقهِ شَرائعِ الإسلامِ أن الحق مَقطوع بهِ مُطلقاً في أصولِ الدينِ وَمقاصِدِهِ، لا في تَفاصيلِ شَرائعِهِ، فتلكَ للنَاسِ فيها الفُسحَةُ والسعَةُ.
فإذا استَحضَرتَ هذا المعنى، فاتظُر مَعي مِن بَعدُ متأملَا هذهِ المسألَةَ التي بينَ يَديناَ، وتعرف على منزِلَتِها في دينِ الإسلامِ من خلالِ ما وَرَدَ فيها من النقلِ، إذ هُوَ طَريقُ التعريفِ بحُكْمِها، ولاحِظ بنَفْس مُتجردة وعَقْلِ مُتفتحِ، وحيثُ بُغيَتُكَ الدليلُ من الكِتابِ والسنةِ فهو مَحل اتفاقِنا، فليسَ مِنا أحَد يَستَطيعُ المزايَدَةَ عليهِ، ولا الرضا بغيرِهِ.
ولَستُ أريدُ منكَ أن تَتتَهِيَ إلى ما انتَهَيتُ إليهِ، ولكني أرَدتُ أن أطلِعَكَ على نَظَرٍ قَد تَكونُ عتهُ غافلاً، كَما أرَدتُ أن تَعتَرِفَ بحقي في الرَأي كما تَراهُ لنَفسِكَ، إذْ نَستَقي جَميعاً من مَعينِ واحد. وَاعلَم أن هذا النقاش لا يقصد به الترف ، ولا الطَمَع في زائلٍ كَمن يَعْبُدُ اللّهَ على حَرف، بل يُعني بهِ تَشخيصَ واقع، بإبْرازِ قَدْرِ ما خَلَصَت إليهِ الأمةُ اليَوْمَ من تَعظيمِ مَسائلَ والمبالَغَةِ فيها إلى حَدٌ أن تكون قضايا مُفاصلَة في الدينِ، فيَفجُرُ بسَبِبها الأخُ أخاهُ، وُيفسقُهُ، وتارَة يُكفرُهُ، وُيقدَمُ آخَرُ وُيعَظمُ قَدرُهُ بسَبَبِ ما لَهُ من تلكَ المظاهرِ من حَظّ وافرٍ ، وَما يَبْلُغُ الأمْرُ ذاكَ، كالشأنِ في هذهِ المسألَةِ، وكمسألَةِ صِفَةِ اللباسِ، وكَثيرِ مِما يتصِلُ بجِنسِ النساءِ مِنَ الأحوالِ والأعمالِ، إلى قَضايا كَثيرَةٍ تُلامِسُ نُفوسَ المسلمينَ تتعلقُ بآدابِهم وأخلاقِهم وصِلاتِهم ببَعْضِهم، لا يَجوزُ الاستِهانَةُ بها بحال، ففَهمُها جُزْءٌ من فَهْمِ ذاتِنا وتَشخيصِ عِلَلِنا، وتَقديرُها منازِلَها جُزء من فَهمِ دينِنا، والمسألَهُ من هذهِ المسائلِ لا يَكمُنُ إشكالُها بالنظَرِ إليها من جِهَةِ جُزئيَّتِها، وإنما في منهجيةِ التفكيرِ ودَرَجَةِ التقديرِ عتدَ أصنافِ كَثيرَة من مُجتَمعاتِ المسلمينَ.
فَقد قالَ قائلْ: (حالِقُ اللحيَةِ فاسِقْ)!!
قلتُ: كَيفَ أفَسقُ مُسلماً بغيرِ حجًة من اللهَ ورَسولِهِ ، مُسلماً يَقِفُ إلى جانبي في صَف الصلاةِ، وحبه لدينِهِ وانتِصارُهُ لَهُ مِما يُنافَسُ فيهِ، ما بُرهانُ صِدقي في هذا الحكمِ عَليهِ، لو كانَ لي حَق أصلَا أن أنزلَ النَّاسَ مثلَ هذه المنازِل؟
وَحَيثُ حَكَم بفِسقه قالَ: (لا تَصِح إمامَتُه، وَلا يُقْبَلُ قُولُهُ، وَتُرَد شَهادَتُهُ) !!
فقلتُ: ماذا لو كانَ أقْرأَ الحاضِرينَ لكِتابِ اللهِ؟ والنبي يَقولُ: "يؤم القَومَ أقرأُهم لكِتابِ اللهَ "، ولم يَتقُل أحَدْ في صِفَةِ الإمامِ اعتِبارَ مَتظَرِ أو هَيئةِ، وإنما الأصلُ فيما دلت عليهِ النصوصُ: (مَن صَحَّت صَلاتُهُ لنفسِهِ، صحت صَلاتُهُ بغيرِهِ)، ومن يَزعُمُ أن حالِقَ اللحيَةِ لا تصح صَلاتُهُ لنَفسِهِ فإنه يَزعُمُ الباطِلَ، وَيفتَري على دينِ اللّهَ الكَذِبَ.
جُزئية يَنبني على الرأيِ فيها مثلُ هذا الفَهمِ، مِما يَقَعُ بمِثلِهِ الاعتِداءُ والظلمُ، ألا يَجدُرُ بأهلِ الذٌ كرِ أن يُبينوا قَدرَها للناسِ، ويَكشِفوا عن حَقيقَةِ ما حاطَها من الالتِباسِ؟
وليسَ العَجَبُ في وُرودِ مِثْلِ هذا الخَلَلِ من بَعضِ عامةِ المسلمينَ، وَلا بَعضِ المنتَسبينَ لطَلَبِ العُلومِ الدينيةِ، فهؤلاءِ بسَبَبِ ضَعفِ المقدماتِ العلميةِ الشَرعيةِ لدَيهِم، مَعَ استِفزازِ الواقِعِ، يَصيرونِ كَثيراَ إلى أعرافٍ وعاداتِ غايَةُ أمرِها في الشرعِ أن تَكونَ مُباحَة، فيعدونَها هويةً تَعريفيةَ، فتَنبني عليها المفاصَلَةُ بَينَهم وبينَ مَن سِواهُم، وأدنى ما يَكونُ منهُم أن يَعدوا من لم يتصور بتلكَ الصورَةِ دونَ مَن أتى بها في القَدرِ والمكانَةِ والدينِ، رأينا ذلكَ في صُوَر شَتَى، شأن مَن يُصلي كاشِفَ الرَّأسِ عتدَ بَعضِ المسلمينَ، فكَيفَ باللحيَةِ التي وَجَدُوا شُبْهَةَ الأثَرِ فيها فتعلَقوا بهِ؟
وإنما العَجَبُ أن يَصدُرَ مِثلُ هذا الرأيِ من مُشتَغل بالعلمِ مُنتَسبٍ إليهِ، مُتصدٍ للفَتْوَى وَبيانِ شَرائعِ الإسلامِ، فتَتوالى وتتواطَأُ الكُتُبُ والرسائلُ تأتي جَميعاً في سِياق التهويلِ والتعظيمِ، مُورِدَةً على المسلمينَ الحَرَجَ، خارِجَة في أكثَرِ الأحيانِ عن مَتهَجِ البَحثِ، ومُعمِلَة قواعِدَ النظَرِ، ومُتعديَة أدَبَ الفِكرِ، يَنطَلِقُ الكاتِبُ فيها من فِكرَة مُسلمَةِ لديهِ، بل لو قلتَ: من عَينِ الحَقيقَةِ عتدَهُ لم تُباعِد، فيأتي بَحثُهُ دِفاعاَ عَنِ الفِكرَةِ، لا طَريقاَ لاستِفادَةِ الحُكمِ.
لِذا منَ المقصودِ أصالة بهذا النقاش الإيقافُ على الحُكمِ الشَرعي، وقَدرِهِ في الأحكامِ، دونَ المبالَغَةِ وَلا التَّجاوُزِ، مُنطَلقاً من مُسلماتِ الأصولِ، مُتجرداً لِما تَقودُ إليهِ خلاصَةِ البَحْثِ.
كَما أن لي من مِثلِ هذاِ النقاش مآرِبَ أخرَى، هِيَ مُنبهات وإيقاظات وَمعالم على الطريقِ، مِن أهَمها ما يلي:
أولاً: تَجرئةُ أهلِ العلمِ على العَمَلِ على إعادَةِ النظَرِ في كُل ما يَرجِعُ إلى الاجتِهادِ في تَحريرِ حُكمِهِ، وعَدَمِ الخُضوعِ للاجتِهادِ السابقِ كحُكم مُسلَّم، فذلكَ إنما بُنِيَ على نَظَر، ولا يَخلو من أن يَكونَ متأثِّراً بزَمانِ ومَكانِ وحالِ من صارَ إليهِ.
ثانياً: الإبانَةُ عن حُكم من أحكامِ شَريعَةِ الإسلامِ المتعلقَةِ بأفعالِ المكلفينَ من مُتطَلَقِ اعتِبارِ الشموليةِ فيها، حيثُ جاءَت لتَستغرِقَ الحياةَ بتَفاصيلِها، وَذلكَ بإبرازِ مَنزِلَةِ ذلكَ الحُكمِ وقَدرِهِ وُجوباً، أو نَدباً، أو حُرمَة، أو كَراهة، أو إباحَةَ، وإظهارِ مَحلهِ وَدَرَجَتِهِ في التطبيقِ والامِتثّالِ.
مَعَ مُلاحَظَةِ أن جَميعَ أحكام الشريعَةِ واجِبَةُ القَبولِ، لا يُحَقرُ منها شَي: صَغيرِها وَكَبيرِها، فالًذي علَّمنا أن أصلَ الأصولِ (لا إلَهَ إلا اللّه)، هُوَ الذي علمنا استِحبابَ إماطَةِ الأذَى عَنِ الطريقِ، وعَدَّ الجَميعَ مِن شُعَبِ الإيمانِ.
عَن سَلمانَ الفارِسي، رَضِيَ اللهُ عنهُ، قيلَ لَهُ: قَد عَلَمَكُمْ نَبِيكم كُل شَيء حَتى قضاء الحاجة، قالَ: فَقالَ: أجَل، لَقَد نَهانا أن نستَقبِلَ القِبلَةَ لغائطِ أو بَول، أو أن نَستنجِيَ باليَمينِ، أو أن نَستنجِيَ بأقَل مِن ثَلاثَةِ أحجار، أو أن نَستنجِيَ برَجيع أو بِعَظمِ.
فهكَذا نُؤْمِنُ أن هذا الدينَ كَما علمَ أصولَ الإيمانِ وَقَواعِدَهُ علمَ فُروعَهُ وشُعَبَهُ، وكَما علَمَ العَقيدَةَ علمَ الأدَبَ، وكَما علمَ الصلاةَ علمَ الصِّلاتِ، حتَى استَغْرَقَ بِبَيانِهِ وشُمولِهِ كُل شَيء، فهُوَ الدٌينُ الكامِلُ الَذي لم يَدَعْ بَعْدَهُ لمستَدركٍ قَولًا، إذ ليسَ من شَيءِ خَلا متهُ حُكمُهُ.
ثالثاَ: إبرازُ الاعتِمادِ على الأدلَةِ الشرعيةِ من الكِتابِ العَزيزِ والسنَنِ النبويةِ لتَكونَ دائماً عتدَ مَن يؤمنُ باللهِ وَاليوم الاَخِرِ مَرجعيةَ الأحكامِ، وإليها تَستنِدُ آراءُ المجتهدينَ والحُكامِ، إذ هِيَ الحَكَمُ الفَصلُ فيما تَنازَعَ فيهِ الناسُ.
رابِعاَ: الإعلامُ بضَرورَةِ تَحريرِ صَحيحِ السنةِ، دَفعاَ للتعلقِ في الاَراءِ بِما لا أصلَ لهُ في الوَحيِ، أو بظَن ضَعيف مَرجوح لا يَحْسُنُ أن يُبنَى عليهِ رأيْ. وتَحريرِ النَّقلِ عَن عُلَماءِ الأمةِ، فكَم من رأي حُكِيَ عن إمامِ على غَيرِ وَجهِهِ؟ وكَم مِن إجماع ادُعِيَ فلا تَجِدُ إلا ما يَدل على نَقْضِهِ؟
خامِساً: إشعارُ المتعرٌضِ لإبانَةِ شَرائعِ الدينِ بان الثباتَ على التَقليدِ يُنافي التجديدَ، والخِلافَ لا يُرَد إلى الخِلافِ، والرأيَ قوي بحجتِهِ لا بقائِلِهِ. كَذلكَ، لا فِقْهَ مَعَ التِزامِ ظَاهِرِ الألفاظِ دونَ مَعانيها، ولا مَعَ التعلقِ بقَريبِ دَلالَتِها دونَ مَقاصِدها وَمَراميها. هذهِ المقاصِدُ وسِواها من بابِها ومَعناها، على مِثلها أقمتُ تَحريرَ هذهِ المساْلَةِ، مُستدلاً بثابتِ الخَبَرِ، ومستعملاً بَراهينَ النظَرِ.
كَما زِدتُ الاستِئناسَ بالآثارِ المرويةِ عن عُلماءِ السلَفِ، من الصحابَةِ والتَابعينَ، ثُم عن فُقهاءِ الأمةِ بَعدَهم، كالفُقَهاءِ الأربَعَةِ وأتْباعِهم وغَيرِهم من عُلَماءِ الملةِ والدينِ، ولا أرَجحُ مَذْهباً اْو رأياَ إلا بحسَبِ ثِقَلِهِ في ميزانِ الأثَرِ والنظَرِ.
فتَحَ اللهِ علينا وعليكَ، ورَزَقَكَ الاتصافَ وحسننَ القَصدِ ، ولم يَحرِمنا القَبولَ عندَهُ بمنهِ وفَضلِهِ.
والحمدُ للهَ أولاً وآخراً.
__________________
هلا وغلا :a
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:44 PM   #16
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
ا- حديِث جابر بن سَمُرةَ
عَن جابِرِ بنِ سَمُرَةَ، رَضِيَ اللّهُ عَتهُ، قالَ: كانَ رَسولُ اللَهِ (فذَكَرَ نَعتَ النبي ) وقالَ فيهِ: وَكانَ كَثيرَ شعر اللحية.
• حَدِيثَ صحيح.

2- حديِث علي بن أبىِ طالب
والرواية عنهُ في ذلكَ ثلاثَةُ أحاديثَ:
الحديث الأوَّل:
عَن وَلَدِهِ مُحمَّدِ ابن الحنَفيَّة، عَتهُ، رَضِيَ اللّهُ عَتهُ، قالَ:
كانَ رَسولُ اللّهَ ... كَث اللحية.
حَدِيث حَسَن.
الحديث الثاني:
عَن جُبَيرِ بنِ مُطعِم- اْو وَلَدِهِ نافِعِ- عن عَلي بنِ أبي طالِبٍ ، رَضِيَ اللّهُ عَتهُ، قالَ:
كانَ رَسولُ اللّهَ ضَخمَ الرأس وَاللحية.
حَدِيث صحِيحٌ .
الحديث الثًالث:
عَن وَلَدِهِ عُمَرَ بنِ عَلي بنِ أبي طالبٍ ، عَتهُ قالَ:
بَعَثَني رَسولُ اللّهِ إلى اليَمَنِ، فإنًي لأخْطُبُ يوما على الناسِ وَحَبرٌ مِن أحبارِ اليَهودِ واقِف في يَدِهِ سِفر يَتظُرُ فيهِ، فنادى إلي فقالَ: صِفْ لَنا أَبا القاسِمِ، فقالَ علي، رَضِيَ اللهُ عنهُ: رَسولُ الله ليسَ بالقَصيرِ وَلا بالطويلِ البائنِ... (فذَكَرَ الحديثَ) حتى قالَ: قالَ علي: ثم سَكَتُ، فقالَ ليَ الحَبرُ: وَماذا؟ قالَ علي: هذا ما يحضُرُني، قالَ الحَبْرُ: في عَيْنَيْهِ حُمرَة، حَسَنُ اللحية، حَسَنُ الفَمِ، تام الأذُنَيْنِ، يُقْبِلُ جَميعا، وُيدبِرُ جَميعا، فقالَ علي: هذه وَاللَهِ صِفَتُهُ... (وذكَرَ سائرَ الحديث).
*إسنادُهُ ضَعِيف جِدا.

3- حدبث البَراء بن عازب
عَنِ البَراءِ بنِ عازِب، رَضِيَ اللهُ عَتهُ، قالَ:
كانَ رَسولُ اللَهُ رجُلا مَربوعا، عَريضَ ما بيِنَ المَتكِبَيْنِ، كَثَّ اللحية، تَعلوهُ حُمرَة، جمتهُ إلى شَحمَتَي أُذُنَيهِ، لَقَد رأيتُهُ في حُلةٍ حَمْراءَ ما رأيتُ أحسن مِنْهُ.
*إسنادُهُ صَحِيحٌ .

4- حديث عبد الله بن عباس
عَن عوف بنِ أبي جَميلَةَ، عَن يَزيدَ الفارِسي، قالَ:
رَأَيتُ رَسولَ اللّهَ جمي! في النؤمِ زَمَنَ ابنِ عباس- قالَ: وَكانَ يَزيدُ يكتُبُ المَصاحِفَ- قالَ: فقُلتُ لابنِ عباس: إِني رَأَيتُ رَسولَ اللّهَ في النومِ، قالَ ابنُ عباس : فإن رَسولَ اللهَ كانَ يقولُ: "إِن الشيطانَ لا يَستَطيعُ أَن يَتَشَبهَ بي، فمَن رآني في النومِ فَقَد رآنِي "، فهَل تَستَطيعُ أن تَنْعَتَ لَنا هذا الرجُلَ الذي رَأَيتَ؟ قالَ: قلت: نعم، رأيت رَجُلا بينَ الرجلينِ، جِسمَهُ وَلَحْمَهُ، أَسْمَرَ إلى البَياضِ، حَسَنَ المَضحَكِ، أَكحَلَ العَينَينِ، جَميلَ دوائِرِ الوَجْهِ، قَدْ مَلأَت لحْيَتُهُ مِن هذه إلى هذه (وأشارَ بيَدِهِ إلى صُدغَيهِ)، حَتَّى كادَت تَمْلا نَحرَهُ، قالَ عَوْف: لا أدْري ما كانَ معَ هذا مِنَ النعتِ، قالَ: فقالَ ابنُ عباس : لو رأَيتهُ في اليَقَظَةِ ما استَطَعْتَ أن تَنعَتَهُ فَوْقَ هذا.
* إسنادُهُ صحيح.

5- حديث عبد بن أبي هالهَ التَميِمي
عَن الحَسَنِ بنِ علي، قالَ:
سَأَنتُ خاليَ هِتدَ بنَ أبي هالَةَ التَميمي- وَكانَ وَصافاً- عن حليَةِ النبي ، وَأنا اشتَهي أَن يَصِفَ لي منها شَيئا أَتَعَلَّقُ بهِ، فقالَ: كانَ رَسولُ الله فَخما مُفَخماً... (فذكَرَ حديثا طويلًا) وقالَ فيه: كَث اللحية.
*إسنادُهُ ضَعِيف جِدا.

6- حديث أبي هريرة
عَن أَبي هُرَيرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَتهُ، قالَ:
كانَ رَسُولُ الله ... حسَنَ اللحيَة 00. (الحديث).
إسنادُه ضَعِيف جدا.

7- حديث العَدَّاء بن خالد بن هَوذَة
عَن جَهضَمِ بنِ الضحَاكِ، قالَ:
مَرَرتُ بالزَّجَيحِ، فرَأَيْتُ بهِ شَيْخاً، قالُوا هذا العَدَاءُ بنُ خالِدِ بنِ هَودَةَ، فقالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهَ ، فقُلْتُ: صِفهُ لي، قالَ: كانَ حَسَنَ السَّبَلَةِ.
وكانَتِ العَرَبُ تُسَمي اللحيَةَ السبَلَةَ.
• إسنادُهُ صالِحٌ .

من الأحاديث غير الصريحة في صفة لحية النبي
8- حديث عائشة أم المؤمنين
عَق عَلقَمَةَ بنِ وقاص، قالَ: أَخبَرَتني عائِشَةُ، رَضِيَ اللّهُ عنها، قالَت:
خَرجتُ يومَ الخَندَقِ (فَذَكَرَت قِصةَ موتِ سَعدِ بنِ مُعاذ رَضِيَ اللّهُ عنهُ) وفي آخِرِها: قالَتْ عائِشَةُ: فَحَضَرَهُ رَسولُ اللهَ وَأبو بَكرٍ وعُمَرُ، قالَتْ: فَوالذي نَفسُ مُحمد بِيَدِهِ إني لأعرِفُ بُكاءَ عُمَرَ مِن بُكاءِ أبي بَكرِ وَأنا في حُجْرَتي، وكانوا كما قالَ اللّهُ :"رُحَمَاَءُ بينهم" الفتح: 29،.
قالَ عَلْقَمَةُ: قلت: أَي أُمَّة، فكَيفَ كانَ رَسولُ اللّهَ يَصْنَعُ؟ قالَتْ: كانَتْ عَينُهُ لا تدمَعُ على أَحَد، ولكنه كانَ إذا وَجِدَ فإنما هُوَ آخِذ بلحيتِهِ.
*إسنادُهُ حَسَن.

9- حديث خباب بن الأرت
عَن أَبي معمر عَبدِ اللهِ بنِ سَخْبَرَةَ الأزدي، قالَ: قلت لخَبابِ بنِ الأرَت: أَكانَ النبي يَقرأ في الظهرِ وَالعَصْرِ؟ قالَ: نعم، قالَ: قُلت: بأَيٌ شَيء كُنتُم تَعلَمونَ قِراءَتَهُ؟ قالَ: باضطِرابِ لحيتِهِ، أوفي لَفظ: بتَحَركِ لحيتِهِ،.
* حَدِيث صحيح.

10- حديِث عثمان بن عفان
عَن عُثمانَ بنِ عفانَ، رَضِيَ اللّهُ عنْهُ: أَن النبي توَضَأ فخلَلَ لحيتَهُ.
*إسنادُهُ حَسَن.

خلاصة هذه الأحاديث:
تَبَئنَ من التُّحقيقِ المتقدم أن الأحاديثَ المذكورَةَ في صِفَةِ لحية رَسولِ اللهَ منها الثابتُ ومِنها الضَّعيفُ المردودُ، والأحكامُ لا تُبنى إلا على النقلِ الثَّابتِ، فحاصِلُ ما ثَبَتتْ بهِ الأسانيدُ مِن ذلكَ:
أن النبي كانَت لهُ لحية، وُصِفَت بأنها:
1- كَثةٌ ، كما ثَبَتَ من حَديثِ علي بنِ أبي طالبِ والبَراءِ بنِ عازِبِ.
2- كَثيرةُ الشعرِ، كما صَح مِن حَديثِ جابِرِ بنِ سَمُرَةَ.
3- ضَخمَة، كَما صح مِن حَديثِ علي بنِ أبي طالبِ.
4- حَسَنَة، كما جاءَ في حَديثِ العَداءِ بنِ خالِدٍ .
وُيفَسِّرُ هذه الأوْصافَ أنها:
5- كانَت تَملأ مِنَ الصدغِ إلى الصُّدْغِ حَتى تكادَ تملأ نَحرَهُ، كَما صح من حَديثِ ابنِ عباس.
6- وكانَ يأخُذُ بِها إذا اهتم، كَما ثَبَتَ من حَديثِ عائِشَةَ.
7- وكانَ يُخَلًلُها بالماءِ في الوُضوءِ، كَما ثَبَتَ من حَديثِ عُثمانَ.
8- كما كانَ مَن خَلفَه يَعرِفُ أنه يقرأ في صَلاتَي الظهرِ والعَصرِ بِما يَرَونَهُ من حَرَكَةِ لحيتِهِ، كَما صح مِن حَديثِ خَبابِ بنِ الأرَت.
__________________
هلا وغلا :a
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:45 PM   #17
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
- الأحاديث الآمرة بإعفاء اللحى

--------------------------------------------------------------------------------

ا- حديث عبد الله بن عُمَر
وَلهُ عَتهُ أربَعُ طُرُقِ:
الطريق الأولى: روايةُ نافِعِ مولاهُ عَتهُ، ورواة عَتهُ جماعَة بألفاظ:
ا- عُمَرُ بنُ مُحمَّدِ بنِ زَيْدٍ ، عَن نافِع، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النبي قالَ:
"خالِفوا المُشرِكينَ، وَفًروا الفحى، وَأَحفُوا الشوارِبَ."
وكانَ ابنُ عُمَرَ إذا حَج أَوِ اعتَمَرَ قَبَضَ على لحيتِهِ فما فَضَلَ أَخَذَ.
• حَدِيث صحيح.

2- عُبَيدُالله بنُ عُمَرَ، عن نافِعٍ ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللّهُ عنهما، قالَ: قالَ رَسول اللْهِ :
"انهَكُوا (وفي لَفظ: أحفوا) الشَوارِبَ، وَأَعفوا اللحى".
* حَدِيث صَحِيحَ.

3- عَبْدُاللهَ بنُ عُمَرَ العُمَري، عَن نافِع، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النبيٌ قالَ: "أَعفوا اللحى، وَأَحفوا الشوارِبَ".
* إسنادُهُ صالحّ يُعتَبَرُ بهِ.

4- عَبدُ العَزيزِ بنُ أبي روَّاد، عَن نافِعٍ ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهَ :
"حُفوا شَوارِبَكُم، وَأَعفوا لِحاكُم ".
* إسْنادُهُ ضَعِيف.

6- أَبو مَعشَر نَجيح السندي، عَن نافِعِ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قالَ: أُمِرنا أَن نأخذ منَ الشًوارِبِ، ونُعفِيَ اللحى.
* إسنادُه ضَعيف.

الطَّريق الثانية:
روايةُ عَبدِ الرحمن بنِ عَلقَمَةَ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النبيِّ ، قالَ:
"أَحفوا (وفي لَفظ: حُفوا) الشوارِبَ، وَأَعفوا اللحى".
* إسنادُه صحِيح.
الطريق الثالثة:
روايةُ مَيمونِ بنِ مِهرانَ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قالَ: ذُكِرَ لِرَسولِ اللهَ المَجوسُ، فقالَ: (إنهُم يُوفُونَ سِبالَهُم، وَيحلِقونَ لِحاهُم، فَخالِفوهُم".
فكانَ ابنُ عُمَرَ يَجُر سِبالَهُ كَما تُجَر الشاةُ أَوِ البَعيرُ.
* إسنادُهُ حَسَن.

الطْريق الرابعة:
روايةُ مجاهدٍ ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهَ :
"خذوا مِن هذا، ودَعُوا هذا يعني يأخُذُ من عَتفَقَتِهِ وَيدَعُ لِحيَتَهُ."
اسنادُه واهٍ.


2- حديث أبىِ هريرة
ولهُ عَتهُ ثلاثُ طُرُق:
الطَّريق الأولى:
روايةُ عَبْدِالرحمن بنِ يَعقوبَ مولى الحُرَقَةِ، عنة، قالَ: قالَ رَسولُ اللهَ :
" جُزوا (وفي لفظ: أَحفوا) الشوارِبَ، وأَعفوا (وفي لَفظ: وَأَرخُوا) اللحى، وخالِفوا المَجوسَ).
* حَدِيث صحيح.

الطريق الثَّانية:
روايةُ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبد ِالرحمن، عن أبي هُرَيرَةَ، ولهُ عنهُ ثَلاثَةُ أسانيدَ:
1- عُمَرُ بنُ أبي سَلَمَةَ، عن أَبيهِ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهَ :
"قُصُّوا (وفي لَفط: أَحفوا) الشوارِبَ، وَأَعفوا اللحى).
وفي سِياقٍ : "أَعفوا اللحى، وَخُذُوا الشوارِبَ (وفي لَفظِ: خُذُوا مِنَ الشَوارِبِ)، وَغيروا شَيبَكُم، وَلا تَشَبهُوا باليَهودِ وَالنَّصارَى."
وفي سياق:"إِن أهل الشركِ يُعفُونَ شَوارِبَهُم، وًيحُفونَ لِحاهُمْ، فخالِفوهُمْ، فأَعفوا اللْحى، وَأَخفوا الشوارِبَ".
* إسْنادُهُ حَسَن.

2- محمد بنُ عبد الله بنِ أبي مريم، عن أَبي سَلَمَةَ، عن أَبي هريرة، عَنِ النبي ، قالَ:
"كانَ المَجوسُ تُعفي شَوارِبَها، وَتُحفي لِحاها، فخالِفوهُم، فَجُزوا شَوارِبَكُم، وَأَعفوا لِحاكُم".
* إسنادُه حَسَن.

3- يَحيى بنُ أبي كَثير، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عن أَبي هريرة، قالَ: قالَ رَسولُ اللّه :
"وَفروا اللحى، وَخُذُوا مِنَ الشَّوارِبِ، وَانْتِفوا الاَباطَ، وَاحْذُوا القُلفَتَينِ).
* إسنادُه ضَعِيفٌ جِدا.

الطَّريق الثالثة:
روايةُ الوَليدِ بنِ رَباحٍ ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهَ :
"إِن أهل الشركِ يُعفونَ شَوارِبَهُم، وُيحفونَ لِحاهُمْ، فخالِفوهُمْ، فأَعفوا اللحى، وَأَحفوا الشوارِبَ).
* إسنادُهُ ضَعِيف جِداً.

3- حديث أبي أمامة الباهلي
عَنْ أَبي أُمامَةَ، رَضِيَ اللّهُ عَتهُ، قالَ:
خَرَجَ رَسولُ اللّهَ على مَشيَخَة مِنَ الأنْصارِ بِيضِ لِحاهُمْ، فقالَ: "يا مَعشَرَ الأتصارِ، حَمروا وَصَفروا، وَخالِفوا أهل الكِتابِ "، فقُلنا: يا رَسولَ اللهِ، (إن أهل الكِتابِ يَتسَروَلُونَ وَلا يَأتزِرونَ؟ فقالَ رَسولُ اللّهَ : "تَسَروَلوا وَائتَزِروا؟ وَخالِفوا أهل الكِتابِ "، قالَ: فَقُلنا: يا رَسولَ اللهِ، إِن أَهل الكِتابِ يتَخَففونَ وَلا يَتتَعِلُونَ؟ فقالَ النبي : "فَتَخَففُوا وَانتَعلوا، وَخالِفُوا أهل الكِتاب"، قالَ: فَقُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ، إِنً أهل الكِتاب يَقُصونَ عَثانِينَهُمْ، وُيوَفَرونَ سِبالَهُم؟ قالَ: فَقالَ النبي "قصوا سِبالَكُم، وَوَفروا عَثانينَكُم، وَخالِفُوا أهل الكِتابِ".
* اسناده حَسن.

4- حديث عبد الله بن عباس
ولهُ عَتهُ ثلاثُ طُرُقٍ :
الطريق الأولى: عَنْ عَطاءِ بنِ أبي رَباح، عَنْهُ، قالَ:
لَما افتَتَحَ رَسُولُ اللهَ مَكَةَ قالَ: إِن اللّهَ وَرَسُولَهُ حَرمَ علَيْكُم شُربَ الخَمرِ وَثَمَنَها، وَحَرمَ عليكُم أكلَ المَيتَةِ وَثَمَنَها" وَقالَ: "قُصُّوا الشوارِبَ، وَأَحفُوا اللحى، وَلا تَمشُوا في الأشواقِ إلا وَعَلَيكُمُ الأزُرُ، إِنَّهُ لَيسَ مِنا مَن عَمِلَ سُنةَ غَيرِنا".
* إسنادُهُ ضَعِيف.

الطَريقُ الثانية: عِكرِمَة مولى ابنِ عَباس، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ، قالَ: قالَ رَسولُ اللّهِ : "أَوفوا اللحى، وقصوا الشًوارِبَ".
قالَ: "وكانَ ابراهيم عليهِ السلامُ خَليلُ الرحمن يوفِي لحْيَتَهُ ويقص شارِبه."
* إسناده ضَعيف جدا.

الطَريقُ الثالثة: أبو صالحٍ مولى أُم هانئ، عَنِ ابنِ عباس ، عَن رَسولِ اللّهَ ، قالَ :
"أَوفوا اللحى، وَقُصوا الشوارِبَ، وَخالِفُوا الأعاجِمَ".
إسنادُه مَوضُوع.

5- حديث أنس بن مالك
رواهُ عبد الله بنُ عبد الله بنِ أبي طَلحَةَ، عن أَنسٍ ، أَن النبي قالَ:
"خالِفُوا على المَجوسِ: جُزوا الشوارِبَ، وَأوفوا اللحى".
* إسنادُهُ ضَعِيف.

6- حديِث عبد الله بن عَمرو بن العاص
نُى وَى عن عَنرِو بنِ شُعَيب، عن أَببهِ، عن جَذهِ، أَن رَسولَ اللّهَ جمي!!
قالَ:
(أَحفوا الشًوارِبَ، وَأَعفوا اللحى، وانتِفوا الشعر الذي في الآنافِ).
* إسنادُه ضَعِيف بهذا التمام.

7- حديث عائشة أم المؤمنيِنَ
يُرْوَى عَن عائشَةَ، عَنِ النبي أنه قالَ:
(أعفوا اللحى، وأحفُوا الشوارِبَ).
* إسنادُهُ ضَعيفْ.

8- حَديث رَجلٍ من الأنصار
عَن رَجل مِنَ الأنصارِ، عَنِ النبِيِّ :
"أعفُوا لِحاكُم، وَلا تَشَبهُوا باليَهودِ".
اسناده ضَعيف.

9- قصةَ الكِسرَويين
في خَبَر مُطول ذَكَرَهُ محمد بنُ إسحاقَ، قالَ:
" كَتَبَ كِسرى إلى باذانَ وَهُوَ على اليَمَنِ: ابعَث إلى هذا الرجل الذي بالحِجازِ مِن عِتدِكَ رَجُلَينِ جَلدَينِ فليأتِياني بهِ، (فذَكَرَ القِصةَ وفيها بَعثُ رجُلَينِ إلى النبي ) حتى قالَ في الخَبَرِ:
وَقَد دخَلا على رَسولِ اللّهَ وَقَد حَلَقا لِحاهما وَأَعفَيا شَوارِبَهُما، فَكَرِهَ النظَرَ إليهِما، وقالَ: "ويلكُما، مَن أَمَرَكما بهذا؟ " قالا: أمَرَنا بهذا رَبنا (يعنيانِ كِسرى)، فقالَ رَسولُ اللّهَ : "لكن رَبي قَد أَمَرَني، بإعفاءِ لحيتي، وَقَصٌ شاربيِ) وذَكَرَ باقيَ الخَبَر.
* حَدِيثٌ ضَعِيف

خلاصة الروايات السابقة :
الرواياتُ عَنِ النبي في الأمرِ بإعفاءِ اللحيَةِ قَد تَلازَمَ فيها ذِكرُ الأمْرِ بالإعفاءِ معَ الأمرِ بإحفاءِ الشارِبِ في جميعِ الرواياتِ، وجميعُ ذلكَ يخْرُجُ مخرَجا واحِدا لا تَختَلِفُ فيهِ الأحاديثُ الثابتَةُ في المسألَةِ وغيرُ الثابتَةِ، وحاصِلُ التحقيقِ المُتقدم أن الأحاديثَ المرويةَ في ذلكَ عَنِ النبيٌ لا يثبُتُ منها إلا ثَلاثَةُ أحاديثَ، وَهِيَ: حَديثُ عَبدِاللّهَ بنِ عُمَرَ، وأَبي هريرة، وَأبي أُمامَةَ الباهِلي، والباقي بينَ ضَعيف وَضَعيف جِدا، وهِيَ: حَديثُ عَبْدِاللهَ بنِ عباس ، وَآَنسِ بنِ مالكِ، وعبد الله بنِ عَمرِو بنِ العاصِ، وعائِشةَ، وَرَجُلٍ من الأنصارِ، وحَديثُ قِصةِ الكِسرَويينِ الذينِ ذُكِرَ قدومُهُما على النبي حالقي رُءوسِهِما.
أما تحريرُ الألفاظِ الثابتَةِ فهي كالتالي:
ا- ألفاظُ حَديثِ عَبدِاللِّه بنِ عُمَرَ عَنِ النبي :
"خالِفوا المشركينَ (وفي لَفْظ: المجوسَ) وَفروا (وفي لفظ :أَوْفوا) اللحى، وَأَحْفوا (وفي لَفظٍ : حُفوا) (وفي لفظ : انهكوا) الشوارِبَ ".
وفي رِوايةِ عَنِ ابنِ عُمَرَ قالَ:
ذُكِرَ لِرَسولِ اللّهِ المَجوسُ، فقالَ: "إنهُم يوفون سبالهم، وًيحلِقونَ لِحاهُم، فَخالِفوهُم ".
هذه ألفاظُ رِوايَةِ ابنِ عُمَرَ، ورواهُ بعض الرواة بالمعنى بغيرِ لفظ النبي ، فقالَ: إن رَسولَ اللهَ أَمَرَ (وفي لَفظ: أَمَرَنا) بإحفاءِ الشْوارِبِ، وإعفاءِ اللحى.
وَجميعُ الوُجوهِ الثابتَةِ لحَديثِ ابنِ عمر على ذِكرِهِ مِن لفظ النبي ، سِوَى روايةِ واحِدَة ذُكِرَت على هذا اللفظ، وهيَ روايةُ أبي بكرِ بنِ نافِعِ عَن نافِعِ عَنِ ابنِ عُمَرَ، دونَ سائرِ مَن رواهُ عن نافع من الثقاتِ، ودونَ مَن تابعَ نافِعا عَن ابنِ عُمَرَ في أصح الطرقِ.
فالواجِبُ أن تُفَسرَ صيغَةُ (أَمَرَ) أو (أَمَرَنا) بالألفاظِ الصريحَةِ المتقدًمَةِ من كلامِ النبي .
وحَديثُ ابنِ عُمَرَ هذا حَديث واحِد، قَد جَمَعتُ لَكَ ألْفاظَهُ ليَظهَرَ باجتِماعِها دلالتُها.
2- ألفاظُ حَديثِ أبي هريرة عَنِ النبي :
"جُزوا (وفي لَقظ: أحفوا) (وفي لَفْظٍ : قصوا) (وفي لفظ: خُذُوا) الشوارِبَ (وفي لفظ: مِنَ الشوارِبِ)، وَأَعْفوا (وفي لفظ : وأَرْخُوا) اللحى، وخالِفوا المجوسَ،.
زاد في رواية:
"وغَيروا الشيبَ، وَلا تَشَبهُوا باليَهودِ وَالنصارى"، ولم يذكُر فيها (المجوس).
وفي رِواية:
"إِن أهل الشركِ يُعفُونَ شَوارِبَهُم، وًيحُفونَ لِحاهُم، فخالِفوهم، فأَعفوا اللحى، وَأحفوا الشوارِبَ. "
وفي رواية:
"كانَ المَجوسُ تُعفي شَوارِبَها، وَتُحفي لِحاها، فخالِفوهم، فَجُزوا شَوارِبَكُم، وَأَعفوا لِحاكمُ".
هذه ألفاظُ حَديثِ أبي هريرة، وجميعُها حَديث واحِدْ.
3- لفظ حَديثِ أبي أُمامَةَ:
ضِمنَ حَديث فيهِ خُروجُ النبيٌ إلى مَشيَخَةٍ مِنَ الأنصارِ بِيضِ لحاهم، وفيهِ:
"قالَ: فَقُلنا: يا رَسُولَ اللهِ، إِن أهل الكِتابِ يَقُصْونَ عَثانِينَهُمْ، وُيوَفرونَ سِبالَهم؟ قالَ: فَقالَ النبي :"قصوا سِبالَكم، وَوَفروا عَثانينَكُم، وَخالِفُوا أهل الكِتابِ ".

هذه الأحاديثُ الثلاثَةُ لا يثبُتُ عَنِ النبي في الأمرِ بإعفاءِ اللحية سواها، وهِيَ قاعِدةُ مَن يتكلمُ في هذه المسألةِ بأن النبي أَمَرَ بذلكَ.
وَلا بأسَ أن يُضَم إليها ما في الرٌوايَةِ المرسَلَةِ في مجيءِ بعض المَجوسِ إلى النبي ، وكانَ القادِمُ حالِقا لحيتَهُ مُرْسِلا شارِبَهُ، فأتكَرَ النبي صَنيعَهُ، وبينَ لَهُ أن دينَ الإسلامِ يأمُرُ بجَز الشاربِ وإرسالِ اللحية.
__________________
هلا وغلا :a
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:46 PM   #18
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
الأحاديث أن إعفاء اللحية من الفطرة

--------------------------------------------------------------------------------

ا- حديث عائشة أم المؤمنيِن
عَن عائِشَةَ، رَضِيَ اللّهُ عنها، قالَت: قالَ رَسُولُ اللهَ :
"عَشْر مِنَ الفِطرَةِ: قَص الشارِبِ، وَإِعفاءُ اللحيَةِ، والسواكُ، واشتنشاقُ الماءِ، وَقَص الأظفارِ، وَغسلُ البَراجِم، وَنَتفُ الابطِ، وَحَلقُ العانَةِ، وَانتِقاصُ الماءِ".
* إسنادُهُ ضَعِيف مَعلُول.

2- حديث عطاء بن أبىِ رباح مرسلًا
عَن عَطاءٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهَ :
"عَشر فُطِرَ عليهِن أبوكمُ إبراهيمُ: خَمسَ في الرأسِ، وَخَمس في الجَسَدِ، فأما التي في الرأس: فالمَضمَضَةُ، وَالاستِنشاقُ، والسسِّواكُ، وَقَص الشارِبِ، وَإبقاءُ اللًحيَةِ، وأما التي في الجَسَدِ: فنَتفُ الابِطِ، وَقَص الأظافِرِ، وَالخِتانُ، وَالاستِحدادُ، وَالاستِنجاءُ بالحِجارَةِ."
* إسْنادُهُ ضَعِيف.

3- حديث أبىِ هريرهَ
عَن أَبي هريرة، أَن رَسُولَ اللّهَ قالَ: "مِن فِطرَةِ الأسلامِ: الغسلُ يومَ الجُمُعَةِ، وَالاستِنانُ، وَأَخذُ الشارِبِ، وَاِعفاءُ اللحيَةِ، فإن المَجوسَ تُعفي شَوارِبَها وَتُحفي لِحاها، فخالِفوهم، فخُذُوا شَوارِبَكُم، وَأَعفوا لِحاكم."


4- حديث آخر لأبي هُرَيرَة
عَنْ أبي هريرة، قالَ:
إن يَمينَ مَلالكَةِ السماءِ: وَالذي زَينَ الزجالَ باللحى، وَالنساءَ با لذوائبِ."
حَديثْ مُنكَر جِدا.

خلاصة الروايات السابقة:
الرواياتُ عَنِ النبي في أن إعفاءَ اللحية مِن خِصالِ الفِطرَةِ لا يثبُتُ منها شيء، وهذه خُلاصَتُها:
1- حديثُ عائشةَ: منكَر.
2- حديثُ أبي هريرة: ضَعيفْ.
3- حديثُ عطاءِ بن أبي رَباحٍ : ضَعيفْ لا يُعتبَرُ بهِ.
والفِطرَةُ، أو سُنَنُ الفِطرَةِ التي ثَبَتَت بها الرواية عنِ النبيّ سِتُّ، هي: الخِتانُ، والاستِحدادُ وهُوَ حَلقُ العانَةِ، وقَصق الشارِبِ، وتقليمُ الأظفارِ، ونَتْفُ الإبِطِ، والسواكُ.
وثَبَتت الرٌوايةُ كذلكَ (وأخذُ) بدلَ (قَصُ الشارِب)، كَذلكَ: (والأخذُ مِنَ الشارٍبِ)، ولم يصح بلفظ (حَلق الشارِبِ). ولا يثبتُ إقحامُ شيءٍ غيرِ هذه الستً في خِصالِ الفِطرَةِ، وتُتظَرُ مشروعيةُ ما زادَ علَيها مِن غيرِ هذا الطريقِ
__________________
هلا وغلا :a
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:47 PM   #19
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
- الأحاديث في الأخذ من اللحية

--------------------------------------------------------------------------------

ا- حديث عبد الله بن عَمرو بن العاص
عَنْ عَمْرِو بنِ شُعيْبِ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدهِ:
أَنَ النبي كانَ يأخُذُ مِن لحيتِهِ مِن عَرْضِها وَطولها.
وفي لفظ : أَن رَسُولَ اللهِ كانَ يأخُذُ مِن عرض لحيته وطولِها بالسويةِ.
* حَديثْ ضَعِيف جِدا.

2- حدثِ عائِشةَ أم المؤمنينَ
عَن عائِشَةَ، مَرفوعاَ:
(خُذُوا مِن عَرضِ لِحاكُم، وأعفوا طولَها".
* حديث ضعيف.

3- حديِث معاوية بن أبي سفيان
عَن مَكحول، قالَ:
لما حَضَرَت مُعاويةَ- رَضِيَ اللّهُ عنهُ- الوَفاة جمع أهل بيتِهِ، وبَنو عَمًهِ حولَهُ، ثم قالَ لأم وَلَدِهِ: هَلُمي الوَديعة الْتي استودَعتُكِ، فجاءَت بسَفَطٍ مَخْتوم عليهِ قُفْل، قال: فًظننا أن فيهِ جَوهَرا، قالَ: إنما ادخَرتُ هذا لهذا اليومِ، ثم قالَ: افتحوه، فإذا فيهِ منديل فيهِ ثلاثةُ أثواب، ثم قالَ: هذا قَميصُ رَسول الله كَسانيهِ، وَهذا إزارُ رَسولِ الله كَسانيهِ لما رَجَعَ مِن حَجة الوداعِ، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هَب لي هذا الإزارَ الذي علَيك، قالَ: "إذا مَضَيتُ المنزِلَ وَجهْتُ بهِ إليكَ "، فلما مَضى المنزِلَ وَجهَ بهِ إليَّ، ثم إن رَسولَ اللّهَ دَعا بالحَجامِ فأَخَذَ مِن شعرهِ ولحيتِهِ، فقلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هَبْ لي هذا الشعر، قالَ: "خُذهُ يا مُعاوِيَةُ" فأخَذْتُهُ، فهُوَ هذا مَصرورٌ في هذا الثوبِ، فإذا أنا مُتْ فغَسلوني، وَحَنطوني، وَكَفنوني في قَميصِ رَسولِ اللّهَ ، وَوَزروني بإزارِ رَسولِ الله ، وَلُفوني في رِداءِ رَسُولِ اللّهِ ، وَخُذوا شعر رَسُولِ اللّهَ فاحْشوهُ بشِدقَيَ ومَنْخِرَِ، وذَروهُ على وجهي وَصَدري وسائِرِ جَسَدي، ثم خَلُوا بَيْني وبينَ أرحَمِ الراحمينَ."
* اسنادُه ضَعِيفٌ جِدا.

4- حديث أبىِ جعفر الباقر مرسلاً
عَن أَبي جَعفر محمد بنِ علي قالَ:
"كانَ رَسُولُ اللهَ يأخُذُ اللحيَةَ، فما طَلَعَ على الكَفً جزه.
* إسنادُهُ ضَعِيف.

5- حديث أبي سعيِد الخدرىِ
عَنْ أبي سعيد الخدري، قال: قالَ رَسولُ اللّهِ :
"لا يأحُذ احدُكم من طول لحيتِهِ، ولكن مِنَ الصدْغَينِ".
* إسناده ضعيف جدا.

6- حديث جابر بن عبد الله
عَنْ جابِرِ بنِ عبد الله، قالَ: رأَى النًبي رَجُلا مُجفَلَ الرأس وَاللحيَةِ (أي منتفش الشعر و اللحية)، فقالَ: (على ما يُشَوه أحدُكُم نَفسَه؟) قالَ: وَأَشارَ النبي إلى لحيتِهِ ورَأسِهِ، يقولُ: خُذ مِن لحيتِكَ وَرَأسِكَ.
* إسنادُه ضَعِيف جِدا.

7- حديِث عطاء بن يسار مرسلًا
عَن عَطاءِ بنِ يَسار، قالَ: كانَ رَسُولُ الله في المسجِدِ، فدَخَلَ رَجُلْ ثائِرَ الرَأسِ وَاللًحيَةِ، فأشارَ إليهِ رَسولُ اللهَ بيَدِهِ أَنِ اخرُج، كأنه يعني إصلاحَ شَعرِ رأسه ولحيته، ففعلَ الرجل، ثم رَجَعَ، فقالَ رَسُولُ اللّهَ : "أَليسَ هذا خيرا منْ أًن ياتيَ أحدُكُم ثائِرَ الرَّأسِ كأنهُ شَيطانْ؟ ".
* اسناده ضعيف.

8- حديث عبد الله بن عباس
عَنْ عبد الله بنِ عباس، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهَ :
"مِن سَعادَةِ المرءِ خِفةُ لحيتِهِ " وفي لَفظ: "عارِضَيهِ.
* حَدِيثْ مَوضُوع.

خلاصة الروايات السابقة:
الرًواياتُ الصَريحَةُ عَنِ النبي في الأخْذ من اللحية لا يثبُتُ منها شَيء، وجميعُها بينَ موضوعٍ كَذِب، أو واهي الاسناد، أو ضَعيفِ الإسنادِ جِدا، أو ضَعيف لا جابِرَ لهُ. وأحسن شَيءِ في ذلكَ مُرسَلُ عَطاء بن يسار الذي خرجَهُ مالكٌ في "الموطأ"، وليسَ فيهِ أخذُ النبي مِن لحيتِهِ، وإنما أمَرَ بإصلاحِ اللحية وتَهذيبِها.
وهذا المعنى لو صح تناوَلَ الأخذَ من اللحية صَريحاً.
والذي أفادَهُ التحريرُ لهذه المسألةِ معَ ضَعْفِ هذا المُرْسَلِ جوازُ ذلكَ، وأن مَفادَ هذا المُرسَل مُعتَضِدْ بالآثارِ الثابتةِ عنْ أصحاب النبي ، لا مِن جِهَةِ تقويةِ المُرسَلِ بالموقوفِ، وإنما لدَلالةِ الموقوفِ على إفادَةِ الرفعِ، على ما يأتي تحقيقُهُ لاحقاً بإذن الله.
__________________
هلا وغلا :a
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:47 PM   #20
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
-الآثار عن الصحابة في إعفاء اللحية و الأخذ منها

--------------------------------------------------------------------------------

ا- الرواية عن خمسهَ من الصحابه
عَن شُرَحبيلِ بنِ مسلِمٍ الخَولاني، قالَ: رأَيتُ خَمسَةً مِن أصحاب رَسُولِ اللّهَ يَقصون شواربهم، وُيعفونَ لِحاهم، ويُصَفرونَها: أبَو أُمامَةَ الباهلي، وعبد الله بن يسر، وَعُتبَةُ بنُ عَبدٍ الله السلمي، وَالحجَّاجُ بنُ عامِر الثمالي ، والمقدام بن معدي كَرِبَ الكِندي، كانوا يَقُصونَ شَوارِبَهم معَ طَرَفِ الشفة.
* إسناده جيد.

2- الرواية عن سبعه من الصحابهَ
عَنْ عُثمانَ بنِ عُبَيد ِاللّهِ بنِ رافِعٍ ، أنه:
رأى أبا سَعيدٍ الخُدرِي، وَجابِرَ بنَ عَبد ِاللهَ، وعَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ، وَسَلَمَةَ بنَ الأكْوَعِ، وَأبا أُسَيد البَدرِيَ، وَرافِعَ بنَ خَديجٍ ، وَأَنَس بنَ مالك، رَضِيَ اللهُ عنهُم، يأخُذونَ مِنَ الشوارِبِ كأخذ الحلق و يعفون اللحى، وًيتتِفونَ الآباطَ.
* إسناده صحيح.

3- الروايِهَ عن أنس بن مالك ووائلة بن الأسقع
عَن إسماعيلَ بن أبي خالدِ، قالَ:
رأيتُ أَنس بنَ مالكٍ وواثِلَةَ بنَ الأشقَعِ يُحفيان شواربهما، ويعفيانِ لحاهُما، وُيصَفًرانِها.
* إسناده صالح.

الآثار عن الصحابة في الأخذ من اللحية

ا- الروايِه عن جابر بن عبد الله
عَن جابِرِ بنِ عبد الله قالَ: كُنا نُعفي السًبالَ (الشارب) إلَا في حَج أو عُمرة.
* إسناده صحيح.

2- الروايهَ عن عبد الله بن عمر
الأثَرُ عتهُ في الأخْذِ مِنَ اللحية جاءَ مِن وُجوهِ ثلاثةِ:
الأول: عن نافِع:
أَن عبد الله بنَ عُمَرَ كانَ إذا أَفطَرَ مِن رَمَضانَ وَهُوَ يُريدُ الحَجَّ، لم يأخُذ مِن رَأسِهِ وَلا مِن لحيَتِهِ شيئا حتى يحُج.
وفي لفظ ثان: أَن عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ كانَ إذا حَلَقَ في حَج أو عُمرةَ، أَخَذَ مِن لحيَتِهِ وَشارِبِهِ.
وفي لفظ ثالثٍ : أَنهُ كانَ إذا حَلَقَ في الحَج أو العُمرَةِ قَبَضَ على لحيَتِهِ، ثم أَمَرَ فَسَوى أطرافَ لحيتِهِ.
وفي لفظ رابع: وكانَ ابنُ عُمَرَ إذا حَجَ أَوِ اعتَمَرَ قَبَضَ على لحيَتِهِ فَما فَضَلَ أَخَذَهُ.
وفي لَفْظٍ خامِسِ: كانَ ابنُ عُمَرَ يُعفي لحيتَهُ إلا في حَجً أو عمرة.

* آثار صَحيحة الأسانيد.

3- الرواية عن أبي هرَيرَة
عَن أَبي زُرعَةَ بنِ عَمرِو بنِ جَرير، قالَ:
كانَ أبو هريرة يَقبِضُ على لحيتِهِ ثم يأخُذُ ما فَضَلَ عَنِ القَبضَةِ.
* إسنادُهُ صَحيحٌ .

4- الرواية عن عليِ بن أبي طالب
عَنْ سِماكِ بنِ يَزيدَ، قالَ: كانَ علي يأخُذُ مِن لحيتِهِ مِما يَلي وَجْهَهُ.
* إسنادُهُ ضَعيف.

5- الرواية عن عمر بن الخطاب
عَنِ الحَسَنِ البَصريٌ قالَ:
كانَ رَجُلْ لا يَزالُ يأخُذُ مِن لحية عُمَرَ بنِ الخَطاب الشئ، قال: فَأَخَذَ يوما مِن لحيتِهِ، فَقَبَضَ عُمَرُ على يَدِهِ، فإذا ليس في يده شي.، فقالَ عُمَرُ: إِن المَلَقَ مِنَ الكَذِبِ، فَمَن أَخَذَ مِن لحية أخبه شيئا فليره إياهُ.
* إسنادُهُ ضَعيف.

6- الروايهَ عن عبد الله بن عباس
عَنِ ابن عَبًاس أنًه قالَ في قولِهِ: (ثُمَ ليَقْضُوا تَفَثَهُم) (الحج:29)
قالَ:
التًفَثُ: حَلقُ الرأس، وَأَخْذٌ مِنَ الشاربَينِ، ونَتفُ الإبِطِ، وَحَلقُ العانَةِ، وَقَص الأظْفارِ، والأخذُ مِنَ العارِضَينِ، وَرَميُ الجِمارِ، وَالموقف بعَرَفَةَ وَالمُزدَلِفَةِ.
وفي لفظ: التفَثُ: الرميُ، وَالذبحُ، وَالحَلقُ، وَالتَقصيرُ، والأخذُ مِنَ الشارِبِ والأظفارِ واللحيَةِ.
* إسنادُه صحيح.


7- الروايِه عمن أدركهم عَطاء بن أبىِ رَباح والحسن البصري

عَنْ عَطاءِ بنِ أبي رَباحٍ ، قالَ:
كانُوا يُحِبونَ أن يُعفوا اللحية إلا في حَج أَؤ عُمرَةٍ .
* إسنادُهُ صحيح.

خلاصة الروايات السابقة:
لم يُنقل في شَيء مِنَ الأثَرِ أن أحَدا مِن أصحاب النبي كانَ يَحلِقُ لحيتَهُ، والًذي جاءَت بهِ الأخبارُ عَن طائفةِ منهم صَريحا انهُم كانُوا يُعفونَ لِحاهم، كما تقدم ذكرُهُ عَنْ: أبي سَعيدٍ الخُدرِيِّ، وَجابِرِ بنِ عَبْد ِاللّهَ الأنصاريٌ ، وعبد الله بنِ عُمَرَ بنِ الخَطًابِ، وً سَلَمَةَ بنِ الأكوَعِ، وَأبي أُسَيدِ البَدْرِيٌ ، وَرافِعِ بنِ خَديجٍ ، وسَهلِ بنِ سَعدٍ الساعِديٌ ، وأبي هُرَيرَةَ، وَأَنَسِ بنِ مالكٍ ، وأبي أُمامَةَ الباهلي، وعبد الله بنِ بُسرِ المازِنيً، وَعُتبَةَ بنِ عَبدِ السالَمِي، وَالحجاجِ بنِ عامِر الثمالي، وَالمِقدامِ بنِ مَعدي كَرِبَ الكِندي، وَواثِلَةَ بنِ الأسقَع، وأبي رافِعِ مولى النبي ، رَضِيَ اللّهُ عنهُم. فهؤلاءِ سِتَةَ عَشَرَ نَفسا مِنَ الصَحابَةِ كانُوا يُعْفونَ لحاهُم، ليسَ لَهُم مُخالِف. والأخبارُ عتهُم كذلكَ تلازَمَ فيها ذِكرُ الأخْذِ مِنَ الشَارِبِ معَ إعفاءِ اللحيَةِ، فكانُوا يأخُذونَ من الشَوارِبِ أَخذا مُفسرا بأنهم:
ا- يقصونَها معَ طَرَفِ الشفَةِ، هذا عن طائفةٍ .
2- يقضونَها كأخذِ الحَلْقِ، أو أَخي الحَلقِ، وهذا عن طائفةِ.

أما الأخْذُ مِنَ اللحية:
فقَد أخْبَرَ جابِرُ بنُ عَبْد ِاللهَ الأنصاري أنهُم كانوا يأخذون منها في المناسِكِ الحَج أوِ العُمرَةِ، وحَكى ذلكَ بصيغةِ الجَمعِ (كنا)، وحكى مثلَ ذلكَ عَنِ الناسِ عَطاءُ بنُ أبي رَباح. وصَخ مِن وُجوه عن عبد الله بنِ عُمَرَ بنِ الخَطاب أنه كان بأخُذ من لِحْيَتِهِ في الحَج والعُمرَةِ، يَفعَلُ ذلكَ إذا حَلَقَ رأسَه، وكان يعفي لحيتَهُ في سائِرِ الأوقاتِ.
وَكانَ عَبدُ اللهَ بنُ عباس يَرَى الأخذَ مِنَ اللحية والعارضين من قَضاءِ التفَثِ في النسُكِ، كما قالَ اللّهُ تعالى: (ثم ليقضوا تفثهم) الحج: 29.
وأما الأخذُ منها في غيرِ نُسُكٍ ففيهِ مَجئ الرواية مطلقة عن أبي هريرة أنه كانَ يأخُذُ مِن لحيتِهِ، وبمَعناهُ ما رُوِيَ عَن الحسن البصري أنَهُم كانوا يُرخصونَ في الأخذِ منها.
ولم يَقُل أَحَدٌ مِنَ الصحابَةِ: لا يَحل ذلكَ في نسكِ أو غَيرِ نُسُكٍ ، ولم يَأت بخِلافِ هذه الآثارِ شَئ..
وأما مِقدارُ ما يُؤخَذُ مِنَ اللًحيَةِ:
فإن الرٌ وايةَ عَنِ ابنِ عُمَرَ وأبي هريرة جاءت بأنهما كانا يأخُذانِ من طُولِها، يَقبِضُ أحدُهُما على لحيتهِ بكَفه، فما زاد على القَبضَةِ مِن أسفَلِ اللحية جَزهُ.
وأما سائِرُ أطرافِ اللحيَةِ فَقَد صَح عَنِ ابنِ عُمَرَ أنه كانَ يأمُرُ الحجامَ الذي يأخُذُ من لحيتِه أن يُسَويَ أطرافَها. وأمَا ابنُ عباس فحينَ فسرَ قَضاءَ التفَثِ ذَكَرَ فيهِ الأخذَ مِنَ العارِضَينِ، كما ذكَرَ الأخْذَ مِنَ اللحية، ولم يَحُد لذلكَ حَدا، كما أن جابِرَ بنَ عبدِالله وعَطاءَ بنَ أبي رَباح حينَ ذكَرا صنيعَ التَاسِ في الأخْذِ من اللحية في النسُكِ لم يذْكُرا للأخذِ حَدا.
هذه مَذاهب الصحابَةِ في اللحية، لا يُعرَفُ عنهم غيرُها.
__________________
هلا وغلا :a

آخر من قام بالتعديل ابوغريب; بتاريخ 14-12-2006 الساعة 10:01 PM.
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:48 PM   #21
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
الآثار عن التابعين في الأخذ من اللحية

--------------------------------------------------------------------------------

ا- الروايهَ عن الحسَن البصريِ وابن سيرين
عَن أبي هِلالٍ الراسبيٌ قالَ: سأَلتُ الحَسَن وابن سيرين (يعني عَنِ اللحيَةِ)؟ فقالا: لا بَأسَ أَن تأخُذَ مِن طولِ لحيتك.
* إسنادُه حَسَن.

2- الروايِة عن القاسم بن محمد
عَن أَفلَحَ بنِ حُمَيدِ، قالَ: كانَ القاسِم إذا حلق رأسَة أخَذَ مِن لحيتِهِ وَشارِبِهِ.
* إسنادُهُ صَحيح.

3- الروايِه عن سالم بن عبد الله بن عُمَر
عَنْ سالمِ بنِ عبد الله بنِ عُمَرَ: أنه كانَ إذا أرادَ أَن يُحْرِمَ دَعا بالجَلَمَينِ (آلة يجز بها الشعر و الصوف كالمقص) فقَص شارِبَهُ وأَخَذَ مِن لِحيَتِهِ قبْلَ أن يَرْكَبَ، وقبلَ أن يُهِلَ مُحرِماَ.
* أثر ضَعيفْ.

4- الرواية عن طاوس بن كَيسان
عَن طاوُس: انه كانَ يأخُذُ مِن لحيتِهِ، ولا يوجِبُهُ.
* إسنادُهُ صالح.

5- الروايِة عن مجاهد بن جبر
عَنْ مُجاهِدٍ في قولِهِ تعالى في المناسكِ: (ثم ليقضوا تفثهم) الحج: 29، قالَ: حَلقُ الرأسِ، وَحَلقُ العانَةِ، وَقَص الأظفارِ، وقص الشارِبِ، وَرَمْيُ الجِمارِ، وَقَص اللحية.
* إسنادُهُ صحيح.

6- الرواية عن محمد بن كعب القُرَظي
عَن محمد بنِ كَعبٍ القُرَظي أنه كانَ يقولُ في هذه الاَيةِ: (ثُمَ ليَقضُوا تَفَثَهُمْ) الحج: 29،: رَميُ الجِمارِ، وَذَبحُ الذبيحَةِ، وَأَخْذٌ مِن الشارِبَينِ وَاللحية والأظفارِ.
* إسنادُهُ حَسَنٌ .

7- الروايِهَ عن إبراهيِمَ بن يِزيد النخعي
عَن إبراهيمَ قالَ: كانُوا يُنَظفونَ لِحاهُمْ ويأخذون من عَوارِضِها.
وفي لَفْظٍ : كانوا يأخُذونَ مِن جَوانِبِها وُينَطفونَها، يعني اللحية.
وفي رواية: كانَ إبراهيمُ يأخُذُ مِن عارِضِ لحيتِهِ.
* إسنادُه صحيح.

خلاصة الروايات السابقة:
الاَئارُ عَن طَبَقَةِ مَن رأى أصحابَ النبي في الأخذِ مِنَ اللحية جاءَت على وِفاقِ ما تقدم ذكْرهُ عَن أصحاب رَسول الله و حاصل الرواياتِ عتهُم في ذلكَ يدل على:
1- جَوازِ الأخْذِ مِنها في النسُكِ، كما ثبَتَ عَن مجاهِد بن جبر المَكي ومحمد بنِ كَعبٍ القُرَظِي في تفسيرِ قَضاءِ التًفثِ، وكما نُقِلَ عَن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ أنه كانَ يفعَلُهُ قَبلَ إحرامهِ.
2- إباحَتِهِمُ الأخْذَ من اللحية مِن غيرِ حَد ولا تَوقيتِ، كما جاءَت به الرواية إفتاءَ مِن مذهَبِ الحَسَنِ البَصري ومحمد بنِ سيرينَ، وكما جاءَ عَنِ القاسِمِ بنِ محمد بنِ أبي بكرٍ الصديقِ وطاوُسِ بنِ كَيسانَ اليَماني مِن فِعلِهِما.
3- جَوازِ تنظيفِها بالأخذِ مِن جَوانِبِها، كما حَكاهُ إبراهيمُ بنُ يزيدَ النخعي عَمن شَهِدَ مِنَ الناسِ، وكانَ هُوَ نفسُهُ يَقعَلُ ذلكَ. هذه المذاهبُ عن بعض أئمةِ التابعينَ لا يُعرَفُ عتهُم أو عَن غيرِهم في زمانِهم خِلافُها في شيءِ مِن ذلكَ.
__________________
هلا وغلا :a
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:49 PM   #22
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
حكم إعفاء اللحية في دلالة النصوص الثابتة

--------------------------------------------------------------------------------

أولا: دلالة النصوص الواردة في صفة لحية النبي
الأحاديثُ الوارِدَةُ في صِفَةِ رَسُولِ اللهَ الخَلقيةِ وَصَفَت لحيَتَهُ بأنها:
ا- كَثة.
والمعنى: كَثيرةُ الشعر بكَثرَةِ أصولِها مَعَ قِصَير فيها وجُعودَة.
قالَ أبو عُبَيد القاسِمُ بنُ سَلام في شرح هذه اللفظَةِ: "الكُثوثَةُ: أن تكونَ اللحية غَيرَ دَقيقَةٍ وَلا طَويلَةِ، ولكِن فيها كَثاثَةَ مِن غِيرِ عِظَمِ وَلا طُولٍ " (المعجم الكبير للطبراني).
وقالَ ابنُ أبي ثابِتٍ اللغوي: "يقالُ للحية إذا قَصُرَ شعرها وَكَثُرَ: أنها لَكَثةْ".
وفي "القاموسِ " (مادة "كثث"):، كَثت اللحية كَثاثَة وكُثوثَةَ وكَثَثاً: كَثُرَت أصولُها، وَكَثُفَتْ، وَ قَصُرَتْ، وَجَعِدَتْ ".

2- كَثيرةُ الشَعرِ.
وهذه الصًفةُ تناسَبَتْ معَ الوَصفِ السابِقِ كما تقدم في معناهُ.

3- ضَخمَة.
والضخامَةُ: العِظمُ. قالَ ابنُ فارِسٍ في (مقاييس اللغة): "الضادُ والخاءُ والميمُ أصل صحيح يدل على عِظَم في الشيءِ".
وهذا دال على أن لحية التَبي كانَت عَظيمَةَ، لكن العِظَمَ معنى مجمَلْ يحتاجُ إلى تفسيرِ، وأحسن ما يُفيدُ حقيقَتَهُ إعادَةُ إجمالِهِ لما تضمنَتِ الأوصافُ الأخرى مِنَ الدلالةِ الواضِحَةِ.

4- حَسَنَةْ.
والحسنُ جمالُ الهَيئَةِ والصورَةِ، وجائز أن يكونَ ذلكَ في خَلقِها ونَباتِها، كما يجوزُ أن يكونَ مِن جِهَةِ عنايَتِهِ بِها، والمعنَيانِ مُجتَمِعانِ مُتصوَرانِ في صِفَةِ النبي .
فأما حُسنُهُ الخَلقي فقد دلت عليهِ نُصوصْ صَحيحَة، منها حديثُ البَراءِ بنِ عازِبٍ ، رَضِيَ اللهُ عَتهُ، قالَ: كانَ رَسُولُ اللّهَ أَحْسَنَ الناسِ وجهاً.
وفي روايةِ: سُئِلَ البَراءُ: أكانَ وجه النبي مِثلَ السَّيفِ؟ قالَ: بَل مِثْلَ القَمَرِ (حديث صحيح).
وعَنْ جابِرِ بنِ سَمُرَةَ قالَ: كانَ رَسولُ اللهَ قد شمط مقدم رَأسِهِ ولحيتِهِ، وكانَ إذا ادهَنَ لَم يَتبَين، وإذا شَعِثَ رَأسه (تفرق شعره و انتشر) تبيْن، وكان كَثيرَ شعر اللحية. فقالَ رَجُلٌ : وجههُ مِثلُ السيفِ؟ قال: لا، بك كان مِثلَ الشمسِ والقَمَرِ، وكانَ مستَديرا، ورأيتُ الخاتَمَ عِتدَ كَتِفِهِ مِثل بيضة الحَمامَةِ يُشبِهُ جَسَدَهُ (حديث صحيح).
فهذا حُسنُ صِفَتِهِ الخَلقيةِ ، أما اعتِناؤهُ بهَيئَتِهِ وإكْرامُهُ لشعرهِ فهُوَ الآمِرُ لأمتِهِ بذلكَ، وما كانَ كذلكَ فهُوَ أولى الناسِ بهِ.
وذلكَ كما ثَبَتَ عَنْ أبي هُرَيرَةَ، أن رَسولَ اللّهَ قالَ: "مَن كانَ لَهُ شعر فَلْيُكرِمْهُ".

5- وكانَت لحيتُهُ تملأ ما بينَ صُدغَيهِ حتى تكادَ تَمْلأ نَحرَهُ.
الصدغانِ في مَعناهُما أقوال:
(1) هما الموضِعانِ من جانِبَي الرأس حيثُ يلتَقي شَعْرُ الرَأسِ وشعرُ اللحية.
(2) هُما ما بينَ لِحاظَي العَينَينِ إلى أصلِ الأذُنِ.
(3) هُما ما انحَدَرَ مِنَ الرأس من جانِبَي الوجه إلى موضِعِ الماضغِ الذي يتحركُ إذا مَضَغَ الإتسانُ.
(4) مَوْصِلُ ما بينَ اللحية والرأس إلى أسفَلَ من القَرنَيْنِ، والقَرنانِ حَرفا جانِبَي الرأس.

وَهذه المعاني غيرُ مُتخالفةِ، فأتمها آخِرُها، وما قَبْلَهُ من بابِ تسميَةِ الجُزْءِ باسمِ الكُل، أو تكونُ جميعا من بابِ المُشتَرَكِ الذي يُعينُ المُرادُ بهِ بالقَرينَةِ.
وما جاءَ في صِفَةِ لحية النبي أنها كانَت تَملأ ما بينَ صُدغَيهِ حتى تكادَ تملأ نَحرَهُ مُفسَّرٌ بنَفْسِهِ، وأن الصدغينِ فيهِ جانِبا الوَجْهِ إلى أسفَلَ مِنْ حرفي جانِبَي الرأس، وفيهِ كثافَةُ الشعر مِن أسفل جانِبَيِ الرأس، ثم تَتزِلُ طولًا حتَى تكادَ تَملأ منهُ النحرَ، والنحرُ موضِعُ القِلادَةِ حيثُ تكونُ الثُّغرَةُ أسفل الرََّقَبَةِ وفوقَ الصدرِ.
فالبينيةُ الممتلِئَةُ إنما هي ما بينَ الجانِبَينِ من أسفل حيثُ تنحَدِر اللحية مِنَ الوجه.
وهذه هي ضَخامَةُ لحيَةِ النبي ، وهوَ الذي كانَ يُهيئُ لمَن خَلفَهُ في الصلاةِ أن يَعْلَمَ بحرَكَتِها أنه يقرَا في السريةِ حيثُ كانَت لضَخامَتِها ومَلئِها ما بينَ الصُّدْغينِ يراها مَن خَلْفَهُ مِنَ الجانِبَينِ.
وحيثُ إنها تكادُ تملا نَحرَهُ فيهِ إشارَة إلى طولِ المتحدرِ منها بِمِقْدارِ دونَ بُلوغِ الصَّدرِ، فإنها لو بَلَغَتِ الصدرَ لَغَطتِ النحرَ، وهِيَ لم تكُن تملأ النحرَ إنما تُقارِبُ، وكانَ ذلكَ الطولُ كافِيا لإمكانِ الأخذِ بها أو القَبضِ عليها عتدَ الاهتِمامِ، كما أن ذلكَ الطولَ معَ الكثاثَةِ يُناسِبُ تخليلَها عتدَ الوُضوءِ.
هذه صِفَةُ لحية النبيً التي ثَبَتَت بذِكرها الأخبارُ.
ولفا كانَ نَباتُ اللحية أمرا فِطرِيا خَلقيا يَستَوي فيهِ جِتسُ الرًجالِ، لم يَكُن يصلُحُ أن يُعَد مُجردُ أن النبي كانَت لهُ لحية دَليلا على أنها مِن شَعائِرِ الدينِ.
نعم، في إبقاءِ النبي لها دليلْ على أنها جائِزَة حَسَنَة، فإنَّه لا يَفعلُ القَبيحَ، وهذه قاعِدة في الأفعالِ والتروكِ الجِبِلِّيةِ مِمَا لا يتصِلُ بخِطابِ التكليفِ، فإن أدنى دَرجاتِهِ إباحَةُ ذلكَ الفِعلِ أو التركِ لمُجردِ أن النبي فَعَلَهُ أو تَرَكَهُ، إذْ لو كانَ فيهِ محذور لفعَلَ خِلافَهُ. كَذلكَ، كانَتِ اللحية عادَةَ جارِية في الناسِ قَبْلَ الإسلامِ، واستَمرت بعدَهُ، ولم يكُن وجودُها بمُجزدِهِ دَليلا على إسلامِ صاحِبِها، فَضلًا عَنْ أن تكونَ دَليلا على تقواهُ وصَلاحِهِ.
فَقَد قالَ اللهُ تعالى مِن قَبْلُ عَن هارونَ عليهِ السلامُ في قولهِ لأخيهِ موسى عليهِ السلامُ: (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي..) طه: 94،
فهذا رَسولَ مِن رُسُلِ اللهِ كانَت لهُ لحية.
وعَن أَنَسِ بنِ مالكِ، رَضِيَ اللّهُ عتهُ، قالَ: قالَ النبي يومَ بَدر: "مَن يَتظُرُ ما فَعَلَ أبو جَهلِ؟ " فاتطَلَقَ ابنُ مَسعودٍ فوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابنا عَفْراءَ حتى بَرَدَ، فأَخَذَ بِلحيتِهِ، فقالَ: أَنتَ! أبا جَهلِ، قالَ: وهَل فَوقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَومُه أو قالَ قَتَلتُمُوهُ؟ (حديث صحيح).
فهذا عَدُو اللّهِ أبو جَهل كانَت لَهُ لحية. وفي حَديثِ أُم سَلَمَةَ في قِصَةِ الهِجرَةِ إلى الحَبَشَةِ حينَ قرا جعفرُ بنُ أبي طالِبِ صَدرا مِن سُورةِ مريم على النجاشِيِّ، قالَتْ: فبَكى وَاللهِ النجاشِي حتَى أَخْضَلَ لحيتَهُ .
فهذا النجاشِي مَلِكُ الحَبَشَةِ كانَ نصرانِيا، وكانَت لَهُ لِحْيَةٌ .
وعَنْ جابِرِ بنِ عبد الله، قالَ: أُتِيَ بأَبي قُحافَةَ يومَ فَتْحِ مكَّةَ ورَأْسُهُ ولحيتُهُ كالثغامَةِ بَياضا، فقالَ رَسُولُ اللّهَ ِ: "غَيروا هذا بِشَيءٍ واجْتَنِبُوا السو ادَ ".
فهذا أبو قُحافَةَ والِدُ أبي بكْرٍ الصًدًيقِ أُتِيَ بهِ ليُسْلِمَ يومَ الفَتْحِ وهوَ على تلكَ الصًفَةِ، فكانَ ذا لحية في الجاهليةِ والإسْلامِ.
وهذه أمثلة تَحكِي واقِعَ الناسِ يومَئذٍ ، كانَت اللحيةُ عنْدَ الرجالِ عادةً جارية وحالَا مُتبَعا، عتدَ مُسلِمِهم وكافِرِهم، سِوى ما سيأتي ذكرُهُ عَنِ المجوسِ فإنَّهم رُبما كانُوا يَحْلِقونَها عادةَ لَهم.
فهذا المقدارُ مِما يتصلُ باللحية لا يَدل على اعْتبارها منْ شعائر الدِّينِ.
فإنْ قيلَ: نَعَمْ كانَت كذلكَ، لكن جاءَت شَريعَة الاسلام بنقْل تلْكَ العادَةِ إلى شَعيرةٍ بأمرِ رَسُولِ اللهَ بِها.
قلت: موضِعُ تقريرِ ذلكَ الكلامُ على النوعِ الثاني من الأحاديث الثابتَةِ في اللًحيةِ مِنَ السننِ القوليةِ، وسيأتي بيانُ وُجوه دلالاتها، لكنْ المقامَ هُنا في تحريرِ دلالةِ الصفَةِ النبويةِ، فإنه قَد ظَهر انها كانت من بابِ العادَةِ، وأنه لا يُعرَفُ رجُلٌ دخَلَ الإسلامَ على عَهد النبي كان يَحلِقُ لحيتَهُ، فلمَا أسلَمَ أعفاها، وإنما كانَت عادةَ المسلمين وغيرهم، ولم تكُن بمُجرَدِها علامةً على إسلامِ ولا تَقوَى ولا دين.
نَعَمْ، استَفَدنا مِن صِفَةِ لحية النبي أدنى ما يكون من المشروعيةِ، وهُوَ إباحَةُ اتخاذِ اللحية لا غَير، أما ما يزيد على الإباحةِ فهذا مِما يُطْلَبُ مِن أدلةِ أُخْرى، فتأمل ما سيأتي في المحور الثاني.
__________________
هلا وغلا :a
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:50 PM   #23
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
تحرير مذاهب الفقهاء في إعفاء اللحية

--------------------------------------------------------------------------------

نتَناوَلُ في هذا المبحث ذِكرَ مذاهِب العُلماءِ في حُكمِ حَلقِ اللحيَهَ خاصَّةً، أما الأخذُ منها دونَ حَلْقِها فسيأَتي تقريرُهُ مِن خِلالِ النصوصِ، مُلْحَقا بذِكرِ القائلينَ بهِ أو المُخالفينَ له، معَ تحريرِ الراجِحِ في فَضلِ خاصّ.
أما كلامُهُم في حَلقِ اللحية، فاعلَم أنه بالاستِقراءِ لمذاهِبِ السَّلَفِ يُمكِنُ تَحريرُ ذلكَ بِما يأتي:
ا- كانَت اللحية عادة جارية في أصحابِ النبي في حياتِهِ وبعدَ موتِهِ، ولا يُعرَفُ أن أحَدا مِنَ الصحابَةِ حَلَقَ لحيتَهُ، ومِثلُهُم التابعُونَ بعدَهُم.
2- لم يتكلَم أَحَد مِنَ الصحابَةِ ولا التابعينَ في حُكمِ حَلقِ اللحية، كَما لم يتكلم أحَدْ بأن الشريعَةَ جاءَت بفَرضِ إعفائها.
ولا يخفى في العِلمِ أن مُجرَدَ اتخاذِهم لها لا يدل على فَرضِها، كما لا يدل على حُرمَةِ حَلقِها، لِما تقدم أن بيناهُ ان اتخاذَهُم لها لم يولَدْ معَ إسْلامِهمْ، إنما كانَ عادة جارية في مجتَمَعِهِمْ قَبْلَ الإسلامِ أبْقَتْها الشريعَةُ ولم تُبطِلْها.
فلو نَسَبَ إتسان لأحَدِ مِنَ الصحابَةِ إنه أوجَبَ إعفاءَ اللحية وحرمَ حَلقَها فعليهِ إثباتُ ذلكَ، ولا سَبيلَ لهُ إليهِ.
كما لا سَبيلَ لمَن يدعي أنهُم أباحوا حَلقَ اللحية ورخصوا فيهِ.
فإِن قالَ قائلْ هُنا: فحلقُها مُحدَث حيثُ لم يَعرِفوهُ.
قُلنا: نعم، هُوَ مُحدَثْ ، لكن المُحدَثَ في أمرِ العاداتِ لا يتناوَلُهُ حُكمُ المُحدَثاتِ في العِباداتِ، والنَّاسُ قد يَصطَلِحونَ على عادةٍ لم تَكُن سالِفَة في عُرفِهم، فتَمضي فيهم حتى تكونَ عُرفا شائِعا، فهذا لا يُتكَرُ لمجردِ كونهِ مِن المُحدَثاتِ، إنَّما يُتكَرُ لكونهِ عُرفا مُخالِفا للأدلةِ الشرعيةِ، فإن لم يُخالِف كانَ على الأصل في العاداتِ، وهُوَ الإباحَةُ.
فحَلقُ اللحية لو أتكِرَ فلا يُتكَرُ مِن جِهَةِ أنه مُحدَث، إنَّما يُتكَرُ لكونِهِ على خِلافِ الأدلةِ الشرعيةِ، وهَل هُوَ كذلكَ؟ هذا يعُودُ بنا إلى التفصيلِ المتقدم في المبحَثِ الأخيرِ مِن الفَصلِ السابِقِ.
وأما الأخذُ مِنَ اللحية فقد تقدم في الآثارِ عَنِ الصَحابَةِ والتَابعينَ أتهُم كانُوا يقعَلونَهُ في النسُكِ أو غيرِهِ مِن غَيرِ نكيرِ يُعرَفُ عَنْ أحَدِ، وستأتي لهُ زيادَةُ تقريرِ.
كما يدل الاستِقراءُ على أن الأمرَ بَقِيَ على ما ذكَرتُ في شَأنِ اللًحيَةِ عَنِ الصَحابَةِ والتابعِينَ عِتدَ مَن جاءَ بعدَهُم مِنَ الفُقهاءِ والأئمة، كالإمامَينِ أبي حنيفَةَ ومالكٍ ، فالشَافِعي، فأحمَدَ، ومَن كانَ في طبقَتِهم مِن إخوانِهم وأقرانِهِمْ.
فلا يُعرَفُ عَن أبي حَنيفَةَ في شيءِ مِن أقوالِهِ المنقولَةِ عِتدَ أصحابهِ أنه تكلَمَ في حُكمِ حَلقِ اللحية، وإنما عَتهُ الكلامُ في الأخذِ مِنْها، ومِثلُهُ المنقولُ عن مالكٍ نَفسِهِ، أما الشَافعِيُّ فقَد ذكَرَ الفَقيهُ نجمُ الدينِ ابنُ الرِّفعَةِ أحَدُ فُقَهاءِ أصحابهِ إنه نَص في كتابِ "الأم " على حُرْمَةِ حَلقِ اللحية، فإِن صح هذا فيكونُ أقدَمَ تصريح يَصِلُ إلينا بتَحريمِ حَلقِ اللحية، وكِبارُ أئمَةِ الشافعية حينَ تعرضوا إلى هذه المسألةِ لا يذكُرونَ إلا كَراهَةَ حَلقِ اللحية، ولو كانَ الشافعيُّ قد نص على التَحريمِ فالمظنونُ أن لا يَفوتَهُم ذكرُهُ، كما سَيأتي عن جَماعَةِ مِنْهُم.
وأقولُ: كِتابُ "الأم " عَنِ الشَافعيً بجُمْلِتِه مَحفوظٌ ، وأوْجَدَنا الاستِقراءُ لهُ من عِبارَةِ الشَافعي ما أبانَ عن رأيِهِ في الأخْذِ مِنَ اللحية في (الطهارَةِ) و (غَسلِ الميتِ) و (الحَج)، وشَيء ذَكَرَه في (جِراحِ العَمْدِ) و (الديات)، وألصَقُ ذلكَ بِما عُزِيَ لابنِ الرفْعَةِ، قول الشافعي في (جِراحِ العَمْدِ): "وَلَو حَلَقَهُ حلاقٌ ، فنبَتَ شعرهُ كَما كانَ أوْ أجْوَدَ، لم يَكُن عليهِ شَيء، والحِلاقُ ليسَ بجِنايَةِ، لأن فيهِ نُسُكا في الرأس، وليسَ فيهِ كَثيرُ ألَم، وهُوَ وإن كانَ في اللحية لا يَجوز، فليسَ فيهِ كَثيرُ ألَيم وَلا ذَهابُ شَعر، لأتَه يُستَخْلَفُ ".
فابنُ الرفعَةِ فيما أحسَبُ أرادَ قولَه: "وَهُوَ وإن كانَ في اللحية لا يَجوزُ"، وليسَ عَنِ الشَّافعي في "الأم " ما هُوَ اْقرَبُ إلى ما ذَكَرَ ابنُ الرقعَةِ من هذا النص، واللّهُ أعلَمُ، وكأن سائرَ الأصحاب مِمَّن تقدم ابنَ الرفعَةِ من مُحققي الشَافعيَّةِ كالرَافعي والنوَوي، لم يرَوْا هذا عَنِ الشافعي نصا في التحريمِ، كَما فَهِمَهُ ابنُ الرفعَةِ.
وأمَا أحمَدُ بنُ حَنبلٍ فإن أصحابهُ حَفِظوا من كَلامِهِ وفِعْلِهِ الأخْذَ مِنَ اللحية، ولم يَذكُروا لهُ شيئا صريحا في حَلْقِها كما سأذكُرُ عِباراتِهِ في ذلكَ في الفَصلِ المخصصِ له، إتما قد يَصيرُ بعْضُهُم مِن بعْدِهِ إلى ما كانَ يختارُهُ من عَدَمِ مُجاوزَةِ القَبْضَةِ في الأخذِ مِنَ اللحية كدَليلِ على مَنْعِهِ الحَلقَ، وهذا تُحْتَمَلُ إضافَتُهُ إليهِ، لكن لا يُمْكِنُ الجَزْمُ بأتهُ كانَ يذهَبُ إلى حُرْمَةِ حَلْقِ اللحية.
ثُم صارَت عِبارَةُ تحريمِ حَلقِ اللحية تُذكَرُ بعدَ الفُقهاءِ الأربعةِ، ومِتهُم مَن يذْكُرُ عِبارَةَ الكَراهَةِ، وهِيَ بمعنى الكَراهَةِ التنزيهيةِ لا التحريميةِ، إلَا أنَّ الحنفية كما نص بعض فقهائهِم إذا أطلَقوا الكَراهَةَ ولم يُبينوها فهِيَ التَحريميةُ ، ورُبما عَبرَ بعضهم بفَرْضِ أو وُجوبِ إعفاءِ اللِّحيَةِ، وبَعضُهم بنَدبِ إعفاءِ اللحيَةِ، فإليكَ تِلكَ العِباراتِ مُلحَقَةَ بتحريرِ دلالَتِها:

ا- عندَ فقهاء الحنفية:
صَرحَ بعض أعيانِهم، كالكاساني (المتوفى سنة: 587 هـ) بأن حَلقَ اللحية من بابِ المُثلَةِ.
وقالَ الكَمالُ ابنُ الهُمامِ (المتوفى سنة: 681 هـ) بعدَ أن ذكَرَ المذهَبَ في الأخذِ مِنَ اللحيَةِ: "يُحمَلُ الإعْفاءُ على إعْفائها مِن أن يأخُذَ غالِبَها أو كُلها، كَما هُوَ فعل مَجوسِ الأعاجِمِ مِن حَلقِ لِحاهُم، كَما يُشاهَدُ في الهُنودِ وبَعضِ أجناسِ الفِرتج، فيَقَعُ بذلكَ الجَمعُ بينَ الرواياتِ، ويؤيدُ إرادَةَ هذا ما في مُسلِمٍ عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عتهُ عَنِ النبيٌ عليهِ الضَلاةُ والسلامُ: (جُزوا الشوارِبَ، وأعْفوا اللحى، خالِفوا المجوسَ) فهذهِ الجُملَةُ واقِعَةْ موقِعَ التعليلِ، وأما الأخذُ منها وهِيَ دونَ ذلكَ كَما يَقعَلُهُ بعض المغاربَةِ ومُخنثَةُ الرجالِ فلم يُبِحْهُ أحَد".
وهذا الكلامُ نَقَلَهُ مَن بعدَ ابنِ الهُمامِ مِنَ الحنفية عتهُ، كما فَعلَ زَينُ الدينِ ابنُ نُجَيْم (المتوفى سنة: 970 هـ) في "البحر الرائق" والعَلاءُ الحَصفَكي (المتوفى سنة: 1088 هـ) في "الدرٌ المُختارِ" والعلامةُ ابنُ عابِدينَ (المتوفى سنة52 هـ) في "حاشيتِهِ".
وَهذا أيضا مِن تحريراتِ ابنِ الهُمامِ في شرح المذهَبِ في مسألةِ الأخْذِ مِنَ اللحية، كَما إنه منصوص عليهِ عتدَهُم عَنِ الإمامِ أبي حنيفةَ وَصاحِبَيهِ، ورأوهُ مشروعا للأثَرِ فيهِ عَنِ ابنِ عُمَرَ وغيرِهِ، فلما كانَ المذهَبُ كذلكَ في الأخذِ مِنَ اللحية، فكيفَ التوفيقُ بينَهُ وبينَ الأمْرِ بإعفانها الوارِدِ في الأحاديثِ؟ فكانَ ما ذكرتُهُ عَنِ ابنِ الهُمامِ إنما هوَ في هذا، كَما صرًحَ بهِ ابنُ عابِدينَ.
نعم، إنه قالَ في الحَلقِ في آخِرِ الشئ المذكورِ:"لم يُبِحهُ أحَذ"، وَهذا صَوابْ كما قررنا دلالةَ النصوصِ عليهِ، فإن مخالَفَةَ المجوسِ ومَن يوافِقُهُم في حَلقِ اللحية مأمور بِها تميزا للمُسلمِ عَتهُم، وأن مُشابَهَتَهُم في هَذيِهم ذلكَ مكروهَةْ، فإن قصَدَها المسلِمُ بغَيرِ سَبَبٍ صَحيحِ فقد تشبهَ بهم، والتشبهُ مُحرم بهذا الاعتِبارِ.
فَصَدَقَ ابنُ الهُمامِ في أنَّ ذلك الفِعلَ لم يُبِحهُ أحَدٌ ، وعَدَمُ الإباحَةِ لا يعني التَحريمَ، إنما الإباحَةُ واحِد مِنَ الأحكامَ التكليفيةِ الخَمْسَةِ، ومِتها: الكراهَةُ، والتحريمُ، فما الذي أرادَهُ ابنُ الهُمامِ؟ هذا ما يُمكِنُ أن يُفسرَهُ كلامُ غيرِهِ مِن فقَهاءِ المذهَبِ.
لكن صرحَ بالتحريمِ مِنَ الحنفية غيرُهُ، فقالَ الحَصفَكي في "الذر المُختارِ" : "وَلا بأْسَ بنَتفِ الشيبِ، وأَخذِ أطْرافِ اللحية، والسنةُ فيها القَبضَةُ، وفيهِ (أي: المُجتَبى مِن كُتُبِهم): قَطَعَت شعر رأسِها (يعني المرأةَ) أَثِمَت ولُعِنَت، زادَ في البزازية: وإِنْ بإذنِ الزوْجِ) لأنًه لا طاعَةَ لمخلوق في معصيَةِ الخالِقِ، ولِذا يحرُمُ على الرجل قَطعُ لحيتِهِ، وَالمعنى المؤثرُ التشبهُ بالرجالِ ".
قُلتُ: فهذا صَريح في تفسيرِ مذهَبِ مَن تكلمَ حول هذه المسألةِ مِن فُقَهاءِ الحنفية في إنهم يقولونَ بتحريمِ حَفتن اللحية، ولم يتعقب المحققُ ابنُ عابِدينَ هذا الكَلامَ بشيء، مِما يشعر بقرارِهِ، بل إني وجدتُهُ في موضِعِ آخَرَ قالَ في حَلقِ شعرِ الرأس في الحج: (هذا في حَق الرجل، وُيكرَهُ للمرأةِ، لأنهُ مُثلَة في حقها، كحَلقِ الرَّجُلِ لحيتَهُ).
وقالَ: "وفي (المُختَبى) و (اليَنابيع) وغييرهما: لا بأسَ بأخْذِ أطرافِ اللحية إذا طالَت، ولا بِنَتْف الشبب إلا على وجه التزيينِ، وَلا بالأخذِ مِن حاجِبِهِ وشعرِ وجههِ، ما لم يشبة فعل المخنثين، ولا يَحلِق شعر حَلقِهِ، وعَن أبي يوسُفَ: لا بأسَ بهِ ".
فحاصِلُ هذا الذي سُقتُ عَن ابنِ الهمام، وما ذكَرَهُ صاحِبُ "الدر" وابنُ عابدينَ عن غيرِهِ مِن شُروحِ المذهَبِ أو مِن كَلامِ نَفسِهِ، هوَ مذهَبُ الحنفية، وهُوَ تَحريمُهُم حَلقَ اللحية، لِما فيهِ مِنَ التشبهِ بالمَجوسِ، أو النساءِ، أو لأنهُ مُثلَة.

2- عتدَ فقهاء المالكية:
ما اطلَعتُ عليهِ مِنَ النقلِ عَنْ أئمةِ المالكية مِنَ النص الصريحِ عَنْ أئمةِ المذهَبِ في تحريمِ حَلقِ اللحية أقدَمُهُ ما نقلَهُ بعضهُم عَنِ "التمهيدِ": "ويحرُمُ حَلقُ اللحية"، وذِكرُ "التمهيد"ا للمالكية يَعني كِتابَ الحافظِ ابنِ عَبد ِالبَرٌ في شَرحِ "الموطأ"، ولم أجِد فيهِ شَيئا من هذا.
وَصَرحَ بالتحريمِ بعض شُراحِ "الرسالةِ" لابن أبي زَيدٍ ، وبعضُ شُراحِ "مُختصر خَليلِ" مِن مُتأخري المالكيةِ.
وقالَ الشيخُ علي محفوظ: "مَذهَبُ السَّادَةِ المالكية حُرْمَةُ حَلقِ اللحية، وكَذا قَصها إذا كانَ يحصُلُ بهِ مُثلَةْ، وأما إذا طالَتْ قَليلا وكانَ القَص لا يَحصُلُ بهِ مُثلَةْ فهُوَ خِلافُ الأولَى أو مكروه، كَما يُؤخَذُ مِن (شرح الرسالة) لأبي الحَسَنِ، و (حاشيته) للعَلامَةِ العَدوي".
قلتُ: والذي وجدتُهُ من كلامِ أبي الحَسَنِ المالكيٌ شارحِ الرسالةِ المسمَى "كفاية الطَالب " بخُصوصِ حَلقِ اللحية أنه عدها بِدعَةً، وأما العَدوي فقدْ زادَ في "حاشيتِهِ على كفايةِ الطالب" قولَة: "بدعة مُحرمةٌ في اللحية في حق الرجل ".
وقالَ أبو العباس أحمَدُ بنُ عُمَرَ القُرطُبي (المتوفى سنة: 656 هـ): "لا يَجُوزُ حَلقُها، وَلا نَتفُها، وَلا قَصُ الكَثيرِ مِتها، فأما أخذُ ما تَطايرَ متها وَما يُشَوٌهُ وَيدعو إلى الشهرَةَ، طُولًا وعَرضا، فحَسَنْ عتدَ مالك وغيرِه من السلَفِ ".
قلت: هَذا الذي ذكَرتُ عَنِ المالكية يقتَصِرُ عليهِ كثير مِنَ المؤلفينَ في حكمِ "إعفاء اللحية" مِما يُصورُ في أذْهانِ كثير مِنَ الناس أنهُ المذْهَبُ، فيُغَر بمَظِنةِ الاتفاقِ عليهِ عتدَ عُلماءِ المذهَبِ، والإتصافُ في مِثلِ هذا يوجِبُ أن يُذكَرَ الاختِلافُ إن وُجِدَ، والتحقيقُ إنه موجود عنْدَ المالكية في هذه القضيةِ.
قالَ القاضي عِياض (المتوفى سنة: 544 هـ): "وَكُرِهَ قَصها وَحَلقُها وَتَحريقُها، وقَدْ جاءَ الحديثُ بذَم ذلكَ، وسُنةُ الأعاجِمِ حَلقُها وَجَزها وتوفيرُ الشوارِبِ "، حتَّى قالَ: "أما الاخذُ مِن طولِها وَعَرضِها فَحَسَنٌ ، وتُكرَهُ الشهرَةُ في تَعظيمِها وتَخليَتها، كَما تكرَهُ في قَصها وَجَزها".
فهَذا القاضِي عِياض مِمَن إليهِ المنتَهى فىِ مَعرفةِ مذْهَبِ مالك، مَعَ الدرايَةِ بالنقلِ، لم يذكُر في حَلقِ اللحيَةِ غيرَ الكَراهَةِ، وهِيَ عتدَ غيرِ الحنفية كَراهَةُ التنزيهِ لا التحريمِ.
وأحسَبُهُ لاختِلافِ مذهَبِ المالكية في ذلكَ قالَ العلامَةُ محمد بنُ عَبد الباقي الزرْقاني المالكي (المتوفى سنة: 1122 هـ) في "شرح الموطَأ" في شرح روايةِ مالك لحَديثِ ابنِ عُمَرَ: (ان رَسولَ اللّهَ أمَرَ بإحفاءِ الشوارِبِ وإعفاءِ اللحى): "أمَرَ: نَدبا، وقيلَ: وجوباَ".
فهذا يُحصًلُ أن للمالكية وَجْهَينِ في حَلقِ اللحية: الكراهَةَ، والتحريمَ، أو وجهينِ في إعفائها: الندبَ، والوُجوبَ.
واختِلافُهُم يَعودُ إلى دلالةِ صيغَةِ الأمرِ بالإعفاءِ، أو المُخالَفَةِ، فمَن أجراهُ على أصلِ دلالةِ الصيغَةِ قالَ بالوُجوبِ وتحريمِ ضِدهِ، ومَن تأملَ العِلَلَ والقرائِنَ قالَ بالندبِ وكَراهَةِ ضِدهِ، كَما ان المُحرٌمَ منهُم استدل لقولهِ أيضا بأن فيهِ مُثلَة.

3- عِتدَ فُقَهاءِ الشافعية:
مِنَ الأقدَمينَ مِنَ الشافعية مِمن صرحَ بتحريمِ حَلقِ اللحية الفَقيهُ أبو عبد الله الحُسَينُ بن الحَسَنِ الحَليمي (المتوفى سنة: 403 هـ)، فقالَ: "لا يَحِل لأحَدِ أَن يحلِقَ لحيتَهُ وَلا حاجِبَيهِ، وإن كانَ لَهُ أن يَحلِقَ سِبالَهُ، لأن لحَلقِهِ فائدةً، وهِيَ أن لا يَعلَقَ بهِ مِن دَسَمِ الطعامِ ورائحَتِهِ ما يُكرَهُ، بِخِلافِ حَلقِ اللحيَةِ فإنهُ هُجنَة وَشُهرَة وَتَشَبه بالنساءِ، فهُوَ كَجَب الذكَرِ".
أقولُ: كون القول يُذكَرُ عن فقيه مُنتَسِب إلى مذهب من المذاهب الفقهيةِ، لا يَغني أن يكونَ ذلكَ القول هُوَ المذهَبَ، إنما يذكَر على أنه وَجة فيهِ، وَما قالَهُ الحَليمي ليسَ قول المحققينَ مِن فُقهاءِ الشافعيْة، ولِذا قالَ الحافِظُ ابنُ الملقنِ (المتوفى سنة: 854) بعْدَ نَقلِهِ كلامَه: "وما ذكَرَة في حَق اللحيَةِ حَسَنْ، وِإن كانَ المعروفُ في المذهَبِ الكَرا هَةَ".
قلتُ: والقول بالكَراهَةِ هُوَ المعتَمَدُ عتدَ مُحققي المذهَبِ.
وَمِمن صَرحَ بالكَراهَةِ من أعيانِ الشافعية: الخطابي (المتوفى سنة: 388 هـ)، فقالَ: "أما إعفاءُ اللحية، فهُوَ إرسالُها وتوفيرُها، كُرِهَ لَنا أن نَقصها كَفِعلِ بعض الأعاجِمِ، وكانَ زِي آلِ كِسرَى قَص اللحى وتوفيرَ الشوارِبِ، فنَدَبَ النبيُ ِ أمتهُ إلى مُخالفتِهم في الزي والهيئَةِ).
والغزالي (المتوفى سنة: 505 هـ) وبَعدَه النوَوي (المتوفى سنة:676 هـ)، فذكَرا خِصالا مكروهَة فىِ اللحية مِتها بعِبارَةِ النووي: "نَتفُها في أول طُلوعِها وتَخفيفها بالموسى إيثارا للمُرودَةِ واستِصحابا للصبا وحُسنِ الوجه، وهذه الخَصلَةُ مِن أقْبَحِها).
وذكَرَها النوويُ في "شرحِ صحيح مسلم " فجَعَلَها اثنَتي عَشْرَةَ خَصلَة، فكانَتِ الأخيرةُ: "حَلْقَها، إلا إذا نَبَتَتْ للمرأَةِ لحية فيُستَحبُّ حَلْقُها".
وَهذا فيهِ التفريقُ بينَ مُجردِ الحَلْقِ، وبينَ النتفِ أو الحَلقِ لها في أول طلوعِها تَصابِيا، ولا يخفى الفَرقُ بينَهُما جُملَةَ.
وبِناءَ على القول بالكَراهَةِ ذَهَبَ بعض متأخري الشافعيةِ إلى جَوازِ التَعزيرِ بحَلقِ اللحية، وَإن كانَ المذهَبُ على تَركِ التَّعزيرِ بذلكَ حتى على قول مَن يَرى كَراهَةَ حَلقِ اللحية لا تَحريمَهُ.
ونَقَلَ في "شرحِ العُبابِ " مِن كُتُبِ الشافعية عَنِ الشيخَينِ (يعني الرافِعي) (المتوفَّى سنة: 623 هـ) والنووي، قالا: "يُكْرَهُ حَلقُ اللحيَةِ"، وتعقبَهُ صاحِبُ "شرح العُباب" وغيرُهُ باعتِراضِ الفقيهِ نجمِ الدينِ ابنِ الرفعَةِ (المتوفى سنة: 710) بأن الشَافعيَ نَص على التحريمِ في "الأم"، كما ذُكِرَ عن غيرِ واحِدِ مِنْ أعيانِ الشافعية.
قلت: وَالذي أراهُ جَمعا بينَ المشهورِ عَنِ الأصحاب، وَما حَكاهُ ابنُ الرفعَةِ وسَبَقَت حِكايَتُه من نَص الشَافعي، أن في المذهَبِ وجهينِ:
الأول، وهُوَ المنصوصُ عَنِ الشافعيً: أن حلقَ اللحية لا يَجوزُ.
والثاني، وهُوَ اختِيارُ مُحققي الأصحاب: أن حَلقَها مَكروه.

4- عِتدَ فُقَهاءِ الحَنابِلَةِ:
لا يَذْكُرُ نَقَلَةُ مذْهَبِ أحمَدَ أن أحَدا مِن أصحابِهِ وأتباعِهِ قالَ بحُرمَةِ حَلقِ اللحيَةِ، إلى زمَنِ شيخِ الإسلامِ تقي الدينِ ابنِ تيميةَ (المتوفى سنة: 728 هـ)، فإن عامةَ متأخريهم يُعولونَ على اخْتِيارِهِ، وأما المذهَبُ قَبلَهُ فعَلى استِحبابِ إعفاءِ اللحيَةِ.
فهذ قالَ الفَقيِهُ ابنُ مُفلِحٍ (المتوفى سنة: 763 هـ): "وذَكَرَ ابنُ حَزم الإجماعَ أن قَص الشارِبِ وإعفاءَ اللحية فَرض، وأطلَقَ أصحابنا وغيرُهُم الاستِحبابَ، ثم ذكَرَ حديثَ الأمرِ بالمُخالَفَةِ للمشركينَ والمجوسِ وحديثَ زيدِ بنِ أرقَمَ في الأخذِ مِنَ الشارِبِ، وقالَ:"وهذه الصيغَةُ تَقتَضي عِتدَ أصحابنا التحريمَ".
وَقالَ ابنُ مُفلحٍ : "ويُسَن أن يُعفيَ لحيتَه" ولم يُجاوِزْ هذا القَدرَ في حُكمِ الإعفاءِ، وهِيَ عِبارَةُ الاستِحبابِ.
وَظاهِرُ قولهِ المتقدِّمِ: "وأطلَق أصحابُنا وغيرُهُم الاستِحْبابَ" الاستِدراكُ على ابنِ حَزم في ادعاءِ الفَرضيةِ في الأمرينِ: قَصٌ الشارِبِ وإعفاءِ اللحية، نعم، أوردَ النصوصَ الآمِرَةَ بالمُخالَفَة مُلزِما الحنابِلَةَ بِما جَرَوا عليهِ في مذهَبِهم أن هذه الصيغَةَ تَقتَضيهِ، فالجاري على طريقتِهم القول بالتحريمِ، لكنهم معَ ذلكَ لم يقولوا به، إلا ما حَكاهُ عَنْ شيخِهِ شيخِ الإسْلامِ ابنِ تيميةَ إنه قالَ: "ويحرُمُ حَلقُها".
وهذه العِبارَةُ قالَها ابنُ تيميةَ في "الاختِياراتِ"، وَحكاها عنْهُ مَن جاءَ بعدَهُ، منهُم ابنُ مُفلِح، والمَرداوي (المتوفى سنة: 885 هـ) في "الاتصافِ"، ومنصور البَهوتي (المتوفى سنة: 1051 هـ) في "شرحِ المنتهى"، و" الروضِ المُربعِ "، وغيرُهُم.
فحاصِلُ مذهَبِ الحَنابِلَةِ وجهانِ:
الأول: إعفاءُ اللحية مُستَحب، وعليهِ فغايَةُ ما يُقابِلُ ذلكَ: الكَراهَةُ.
والثاني: حَلقُ اللحية مُحرَمْ.

5- عِتدَ ابنِ حَزمٍ (المتوفى سنة: 456 هـ):
قالَ: "وأما فَرضُ قَص الشارِبِ وإعفاءِ اللحية " فساقَ حَديثَ ابنِ عُمَرَ الآمِرَ بالمُخالَفَةِ بالإعفاءِ والإحفاءِ.
وقالَ في "مراتب الإنجماعِ" : "واتفَقُوا ان حَلقَ جميعِ اللحية مُثلَة لا تَجوزُ"، وقالَ: "واتفَقوا ان قَصق الشارِبِ وَقَطعَ الأظفارِ وَحَلقَ العانَةِ وَنَتْفَ الإبِطِ حَسَن، واختَلفوا في حَلقِ الشارِبِ".
وتقدَّمَ عَنِ ابنِ مفلِح حكايَةُ الإجماعِ عَنِ ابنِ حَزم في أن قَص الشَارِبِ وإعفاءَ اللحية فَرضٌ ، ولعلَهُ أخَذَهُ مِن هذا وإن لم يُطابِقهُ.
وعلى هذا مِنَ المُلاحَظَةِ: أن الإجماعَ المُدَعى على فَرضيةِ قَصٌ الشارِبِ مُتَقفق بنَفسِ قول ابنِ حَريم في اتفاقهم على أنه حَسَنٌ ، والوَصفُ بالحُسنِ إنما يُناسبُ المندوبَ لا الفَرضَ، وأكثَرُهُم على أن قَص الشَارِبِ مُسْتَحب، بل قالَ البَغَوي (المتوفى سنة: 516 هـ) في التعليقِ على خِصالِ الفِطرَةِ وفيها قَص الشارِبِ: "وهذه الخِصالُ كلها سُنَن، إلا الخِتانَ فَقَدِ اختَلَفَ أهل العِلمِ بهِ " ، فهذا مُشعِرٌ بالاتفاقِ على سُنيتِهِ، بك صرحَ بذلكَ النووي فقالَ: "وأما قَص الشَارِبِ فمُتفق على إنه سُنةٌ".
فهذا وارِد على ما ذكَرَهُ ابنُ حَزمٍ بالنقْضِ إن صحت دعوَى الإجماعِ عتهُ في الشارِبِ.
وخُذ منه مِثالا على ضَعف الثقَةِ بدَعاوى الإجماعاتِ.
أما ما ادعاهُ ابنُ حَزمِ مِنَ الاتفاقِ على أن حَلقَ جَميعِ اللحية مُثلَة لا تَجوزُ، فصَواب في أن المُثلَةَ لا تَجوزُ، لكن تَسليمُ أن يكونَ حَلقُ اللحية مُثلَة موضِعُ نَظَر، فقَطعُ الشعرِ ليسَ كَقَطعِ العُضوِ، وسيأتي بيانُهُ بأظهَرَ مِما هُنا، والمقصودُ أن دعوَى الاتفاقِ هيَ مِن قَبيلِ عَدَمِ العِلمِ بالمُخالِفِ، وقد ذكَرتُ آنِفا أن السلَفَ لا يَعرِفونَ حَلقَ اللحية ولا يُعرَفُ فِعلُهُ عن أَحَد، وإليهِ يَرجع قول مَن وَصَفَهُ بالمُثلَةِ على ما سأبينُهُ، فحيثُ لم يجِدِ ابنُ حَزْمٍ مَن قالَ بإباحَةِ حَلْقِ اللًحيَةِ مِنَ السلَفِ ومُتقدمي العُلماءِ، جعَلَ ذلكَ منهُم بمَنزلةِ الاتفاقِ على المنعِ، معَ أنه كما قدمتُ لم يأتِ عتهُم القول بتحريمِ حَلقِ اللحية، بل صورَتُهُ مُحدَثَة، فينبغي أن لا يُتسَبَ إلى المتقدمينَ قول بخُصوصِ ذلكَ لم يَقولوهُ، ولا يكفي تصريحُ بعضهم بأن فِعلَهُ مُثلَة أن يكونَ مُثلَة عتدَ جميعِهم.

خلاصة المبحث الثاني
هذه آراءُ المذاهِبِ المشهورةِ في حُكم حَلقِ اللحية، وَحاصِلُها: أنهُ لا يُعرَفُ القول بالإباحَةِ المُطلَقَةِ عِتدَ أَحَدٍ مِنَ العُلَماءِ، إنما في مذاهِبِ أكثَرَهم وجهانِ:
الأول: كراهَةُ حَلقِ اللحية، وُيقابِلُهُ: نَدْبُ إعفائها، وهذا أحَدُ الوجهينِ للمالكية والشافعية والحَنابِلَةِ، وليسَ مِن شواذ مذاهِبِهم.
والثاني: تَحريمُ حَلقِ اللحية، وُيقابِلُهُ: وُجوب إعفأنها، وَهذا مذهَبُ الحَنَفيَّةِ، وهُوَ الوَجْهُ الاَخَرُ للمالكيةِ والشافعية والحَنابِلَةِ.
وقَد عَلِمْتَ بالتَفصيلِ المتقدم أن نِسْبَةَ القوْلِ بالتحريمِ قولا واحدا للمَذاهِبِ الأربعةِ خَطَأ عليها، وأمَا نِسبَتُهُ إلى نَفْس الأئمةِ الأربعَة المجتهدينَ فباطل، وإن صح أن الشافعي قالَ بهِ فلم يأْتِ بمِثلِهِ نَقلْ عَنِ الثلاثَةِ الاَخرينَ.
وإذا اخْتَلَفَت مذاهِبُ الفُقهاءِ وَجَبَ تحكيمُ نُصوصِ الوَحيِ وتَرجيحُ الراجِحِ بحُجتِهِ، لا الرد إلى نَفْسِ الخِلافِ، وهذا هُوَ السبَبُ الذي صيرني أوً لَا إلى جمعِ أدلةِ المسألةِ الثابتَةِ مِن جِهَةِ النَّقلِ، ثم بيانِ دلالتِها، مِما خَلَصتُ منه إلى:
1- أن الشَريعَةَ إنما أمَرَت بإعفاءِ اللحيَةِ كَما أمَرَت بقَص الشَارِبِ، لتَمييزِ شخصيةِ المسلِمِ بعلامةٍ بارزة عن غيرِ المسلِمِ، وتلكَ العلامَةُ لا تُطْلَبُ إلَا حيثُ تكونُ الشخصيةُ الإسلاميةُ مُتمكنَةِ مِن إظهارِ ذلكَ.
2- وحُكمُها إِن طُلِبَت مندوبَة حَسَنَةْ، وتركُها مكروة، ما لم يَقصِدِ المسلمُ التشبهَ بغيرِ المسلمينَ، والقَصدُ فعل القَلبِ، فالتَّشبهُ مُحرمْ.
فإذا تعذرَ التَميزُ أو التَمييزُ بتلكَ العَلامَةِ لم تكُن مطلوبَة، بل قد يطلَبُ خِلافُها، على ما تقدم مِنَ التفصيلِ.
فتأمل مَذاهِبَ الفُقهاءِ في ضَؤءِ ذلكَ.
وأما تَهويلُ بعض الناسِ مِن شأنِ هذه القضيةِ، خصوصا بعض أهل زَمانِنا، كَزَعمِهم أنها علامَةُ الرجولَةِ، وسَمتُ الصالحينَ، وشعارُ الوَقارِ، وأن خِلافَ ذلكَ علامَةُ التأنثِ والتخنثِ، ومسخْ للفِطرَةِ، وسُقوطْ بالمروءَةِ، فهذه ألفاظُ وُغَاظِ سِمَنُها في العِلمِ لا يَعدو مفرَداتِها، إذ لا يُغني في إفادَةِ الحُكمِ الشرعىً أن تُقالَ فيهِ هذهِ العِباراتُ، فالحُكمُ إنَّما يَثبُتُ بأدلتِهِ لا بِما صاغَتْهُ الظنونُ.
وَما يُعَدْ سَمتا للصالحينَ من الصوَرِ والهَيئاتِ يَجِبُ أن يَعودَ تَقديرُهُ إلى دَليلِ الشرعِ، لا إلى ما تواطأت عليهِ الأعرافُ الخاصة، كالَّذي رأيناهُ وَنشأنا عليهِ في بيئاتِ مَن يَتتَسِبُ إلى العلمِ أو التدينِ في بلادِ المسلمينَ، مثلُ اختِصاصِ الشَيخِ وإمامِ المسجِدِ بزِي مِنَ اللباسِ كعِمامَة مخصوصَةِ وجُبة مخصوصَة إِذا رُئيَ أُشيرَ لهُ مِن بُعد وعُرِفَ، يَقولونَ: هذا سَمتُ الصالحينَ، وشعارُ العُلماءِ والمُقدمينَ، وسَبَبُ الوَقارِ والتعظيمِ.
فَكم تُغَر بذلكَ العامهُ؟ وَكَم يُستَغل من طائفَةِ فتتوصلُ بهِ إلى أغراضِها؟ وإن كنتُ أستَثني من ذلكَ آخَرينَ حَسِبوهُ هَدْيا وَسُنةَ، على أني لم أرَ ذلكَ في كِتابِ ولا صَحيحِ سُنةٍ ، وإنما رأيتُ في هَديِ القُدوَةِ الأكبَرِ أن الرجل الغَريبَ كانَ يأتي مجلِسَهُ وهُوَ عليهِ الصلاةُ والسلام جالِس بينَ أصحابهِ لا يُميزُهُ عتهُم لِباس ولا هيئَة، فيقول: (أيكُم مُحمد؟) فيدلونَهُ عليهِ ، وما عُرِفَ فىِ السنةِ اختِصاص المُقدمينَ في العلمِ والدينِ بصُوَرِ وهَيئاتٍ تميًزُهُم عَن سائِرِ المسلمينَ.
وأمَا أن يوصَفَ بالتأنثِ والتخنثِ وسُقوطِ المروءَةِ مَن لم يُعف لحيتهُ حَلَقها أو قَصرَها، فذلكَ من مُبتَذَلِ الكلامِ، بل فاحِشِهِ وقَبيحِهِ، مُنافٍ لعِفةِ اللسانِ، وقد قالَ النبي : "لَيسَ المؤمِنُ بالطغانِ، وَلا اللعَّانِ، وَلا الفاحِشِ، وَلا البَذيءِ" ، وقالَ:"مَن كانَ يؤمنُ باللهِ وَاليوم الآخَرِ فَليَقُل خَيرا أو لِيَصمُتْ"، وقيلَ: مَن عَد كَلامَهُ مِن عَمَلِهِ، قَل كَلامُهُ إلا فيما يَغنيهِ.
والمقصودُ أن هذه العِباراتِ المفخمَةَ لا تَعدو أن تَكونَ مِن فَضْلِ الكَلامِ، لا تُقدًمُ قَليلا أو كثيرا في تَثبيت حُكم، فَضلا عن إفادَتِهِ، وإنما الحُجةُ في الأحكامِ للأدلةِ، وقد ذكَرتُ مِن قَبلُ أن تقريرَ حُكمِ هذه المسألةِ يَرجع إلى أحاديثَ ثلاثه أمَرَت بإعفاءِ اللحيهَ وقَص الشاربِ مُخالَفَة لغيرِ المسلمينَ، فأما التعلقُ بِما سِوى ذلكَ في شأنِ اللحية فليسَ فيهِ شي تصح دلالتُهُ، على ما سأستَقصيهِ في المبحث التالي.
__________________
هلا وغلا :a
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:51 PM   #24
ليث الغاب
عـضـو
 
صورة ليث الغاب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2003
البلد: حيث الهدوء كان !
المشاركات: 1,241
الله المستعان .
نُقل عن السلف بعامّة تدافع الفتوى ، ذكر ذلك الغزالي في الإحياء وابن الجوزي رحم الله الجميع .
وهنا نرى التهافت على الترجيح والكلام في مسائل يتوقف يعض العلماء عن الترجيح فيها!

عجباَ والله !!
صار يناقش في أمور الدين كلُ من هبّ ودب !
صار يتكلم في أمور الدين من يهرف بما لا يعرف !

هذا يرجّح ما يروقُ له ويعجبه !
متى أخذ الدين بالهوى إليكم تحيكم الهوى :
اقتباس
وهو قول معتبر تميل إليه النفس .

ومتى كان الدين ما تطمئن إليه نفسك ؟
ثم من أنت حتى تطمئن لقول من الأقوال ؟ !
هل حويت أصول العلم وفروعه حتى تقول هذا !!

أمور الدين يا إخوة لا تؤخذ من مجاهيل لا يعرف من هم ، بل يؤخذ العلم من أهله لا من يتبع ما تهواه نفسه ويطمئن إليه قلبه .
أمر يندى له الجبين هنا؛ أن يُـتكلم في الدين من لم يحفظ أصول العلم فضلاً عن فروعه .
والله لو تكلمنا في العلوم البشرية كما يتكلم الإخوة هنا في أمور الدين لرأينا التهجم والرمي بالجهل وقلة الفهم والعلم .

والتجرؤ على الفتيا أمر خطير جداً
فاتقوا الله ودعوا الفتيا لأهلها ولا تضربوا الدين بعضه ببعض.
فإنّ الله سائلٌ عن كل مايلفظ منكم والله المستعان .


وفقَ الله الجميع لما يحب ويرضى .

.:: ليثُ الغاب ::.
ليث الغاب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:51 PM   #25
أبـو خـبـيـب
عـضـو
 
صورة أبـو خـبـيـب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 1,382
اقتباس
أن حلق اللحية عند من يقول بتحريمها , تعتبر من الصغائر .

وأنا هنا لا أقلل من حجم الصغيرة , ولكني في نفس الوقت أرجو ألا تـُضخم الصغيرة وكأنها كبيرة .



أخي المتزن . .

حلق اللحية صغيرة فعلاً . .


لكن تذكر . .

(لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار)


والمشاهد أن حليق اللحية لا يحلقها مرة واحدة ثم يدعها . .

إنما يواظب على حلقها . .

مع علم أغلبهم بالحكم . .


أسأل الله أن يجعلني وإياكـ مباركين أينما كنا . .


.

.

.
__________________
( لو كانت الدنيا تبراً يفنى والآخرة خزفاً يبقى لكان ينبغي للعاقل إيثار الخزف الباقي على التبر الفاني ،

فكيف والدنيا خزف فانٍ والآخرة تبرٌ باقٍ )


يحيى بن معاذ _ رحمه الله _

أبـو خـبـيـب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:51 PM   #26
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
مناقشة أستدلالات المبالغين في حكم إعفاء اللحية

--------------------------------------------------------------------------------

إن الأحكامَ الشرعيةَ تتفاوَتُ منازِلُها بتفاوُتِ ما يتَّصلُ بها مِنَ المصالحِ المُرادِ في الشرعِ تحصيلُها، أو المفاسِدِ المُرادِ في الشَرعِ إزالَتُها أو تَقليلُها، فمباني الإسلامِ الخَمسَةُ ليسَت كسائرِ الواجِباتِ، وهيَ فيما بينَها مُتفاوتةْ، فلَيسَت درَجَةُ الصومِ كدرجَةِ الصلاةِ، وُيقابِلُ ذلكَ المُحرماتُ، فحُرمَةُ السرقةِ دونَ حُرمَةِ القَتْلِ، وفي الذنوبِ كبائرُ وصَغائرُ، وفي الكَبائرِ مُوبِقات ودونَها، وكذلكَ تجِدُ التَفاوُتَ في المندوباتِ والمكروهاتِ، والنظَرُ فىِ قَدرِ التفاوُتِ وتمييزِ درجاتِ الأحكامِ يعودُ إلى النص، أو إلى أثَرَ ذلكَ الحُكمِ في التَطبيقِ مِن جِهَةِ ما ينبني على امتِثالِهِ مِنَ المصالحِ الراجِحَةِ أو عَدَمِها.
فقضيةُ اللحية مما يجبُ أن تُراعى فيهِ هذه الحِسبَةُ، وتُميزُ درجَتُهُ في الأحكامِ بالحيثيةِ المذكورةِ، وقد قدمتُ لكَ درجَتَهُ بهذا الاعتِبارِ، وأنه لا يعدو أن يكونَ حُكما في هيئةِ قُصِدَ بهِ صورة تُميزُ المسلمَ عَنْ غيرِهِ في وَضْعِ التَمكنِ، ومُجردُ فِعلِها مِن خِلالِ النصوصِ الواردةِ فيها لا ترقى إلى الوُجوبِ، بل هي مُستحبة، ولا يرقى تَركُها إلى التَحريمِ، بل هُوَ مكروه.
لكن هذا لم يَكتَفِ بهِ كثير مِمن تكلمَ في حُكمِ اللحيَةِ، قليلْ مِنَ السابقينَ مِنَ الفُقهاءِ وأكثرُهُم مِنَ المعاصرينَ، وقالُوا: لم يقتَصر ما وَرَدَ في اللحيَةِ على الأحاديثِ الثلاثةِ الآمِرَةِ بها لأجلِ مخالفةِ الكُفارِ، وإنما فيها محاذيرُ شرعيةْ أخرى، تُصيرُ الإعفاءَ فَرضا، والحَلْقَ مُحرَما، ولم تكتفِ طائفَة- مَمَن أشَرتُ إليهِ آخِرَ المبحث السابق- بوَصفِ الحُكمِ بالفرضيةِ فِعلَا، والتحريمِ تركاً، وهُوَ الأليَقُ في العِلمِ، وإنما جاوَزت ذلكَ إلى ألفاظ مُستَقبَحَة لم تَجرِ نُصوصُ الشرعِ ولا الآثارُ باستِعمالِها، مِما ينبغي أن يتنزهَ عتهُ مَن يتكلمُ في دينِ اللَهِ، وإنما قَصدُوا بذلكَ التهويلَ والتفخيمَ حَملا للمُخاطَبينَ مِنَ المسلمينَ على امتِثالِهِ وتَقبيحا لفِعلِ ضِدهِ، مِما رتبَ عليهِ كثيرا مِن فُروعِ الأحكامِ سبَّبَتها تلكَ المُبالَغاتُ، بل صيرت حُكمَ مسأله مُختَلَف فيها أعظَمَ في الذكرِ مِن مسائلِ الدينِ المُتفَقِ عليها.
فيقولونَ: حَلقُ اللحية كبيرة، وتارةَ: فِسق، وتارة: جَهالَةْ وسَفَهَ، وتارة: أنوثَةْ، وتارة: تخنثْ، وتارةَ: مسخ وتَشوية، وتارة: لوطية، وتارةً: أشَدُ مِنَ الزنا واللواطِ وشُرْبِ الخَمرِ، لأن صاحِبَها مُتلبس بها لا يتوبُ، وتارة وهيَ أشدها: كُفر!!!.
والذي نعلَمُهُ مِن دينِ الإسلامِ أن الكُفرَ هُوَ أن يَفتَريَ الإنسانُ على اللّهِ الكَذِبَ.
أما كانَ يكفي هؤلاءِ أن يقولوا: حَلقُ اللحية بفَهمِنا محرم، وفَهْمُنا صواب يحتَمِلُ الخَطَأ، وفَهمُ غيرِنا خطأ يحتَمِلُ الصوابَ، أما عَلِمُوا كيفَ يُفرقونَ بينَ حُكمٍ مُستفاد مِن قَطعي النصوصِ دلالةَ، وحُكمٍ مِن ظنِّيِّها؟ إنهم يُحبونَ لأنْفُسِهم أن يُعْذَروا لو أخطأُوا، أفما كانَ يجدُرُ بهم أن يَعْذُروا مَن خالَفَهُم في ذلكَ؟ فإن الأوصافَ المتقدمةَ إذا كانَت في نظَرِ هؤلاءِ تلحَقُ مَن يحلِقُ لحيتَهُ، فكيفَ الشأنُ بمَن أفتاهُ أو رخَّصَ لهُ بِناء على القول بالكَراهَةِ، أو حتَى بالإباحَةِ؟ فتأمل كَم يجر التَنطُعُ على صاحِبِهِ مِن فَسادِ الرَأيِ والوُقوعِ في الظلمِ؟!
ولَستُ متعرضا في هذا الفَصلِ لدَفعِ هذا الفاحِشِ البَذيءِ مِنَ القول، وإنما لِما تمسكَ بهِ هؤلاءِ أو بعضهُمْ مِنْ وجوهِ الاسْتدلالِ لبعْضِ ما استَنْتَجوا منه بعض هذه الأحكامِ، وسأجري على ذِكْرِ القول ودَليلِهِ دونَ ذِكرِ مَن قالَهُ، لأن القائِلَ لا يخلو مِن أن يكونَ عالما فاضِلًا واستدلالهُ بذلكَ مِن زَلاتِهِ، فتركُ تسميتِهِ أجمَلُ إكراما لهُ، أو مُتَعالما مُتكلًفا وهذا يُطمَرُ ولا يُذكَرُ.
فاعلَم أنَّ تلكَ الاستدلالاتِ تَرجع إلى جَمعِ وجوه مُختلفة مِنَ الأدلَةِ يزيدُ ضم بعضها إلى بعْضِ في قوَةِ الحُكمِ، ومِن حيثُ الإجمالُ، لا رَيبَ أن الدليلَ على المسألةِ قدْ تتعدَدُ أفرادُهُ فيخْلُصُ مِن مَجموعِها ما لا يدل عليهِ بَعْضُها، فالكلامُ إنما يقَعُ في صحَةِ الاستدلالِ، فلو ثَبَتَ فلا مانِعَ مِن إفادَةِ قوةِ الحُكْمِ.
فهَلْ يصح الاسْتِدْلالُ بأكْثَرَ مِن دلالةِ تلكَ الأحاديثِ الثلاثةِ: حَديثِ ابنِ عُمَرَ، وأبي هُرَيرَةَ، وأبي أُمامَةَ، وما تضمنَتْ مِنَ الأمرِ بالمُخالفَةِ للكُفارِ بإعْفاءِ اللحية وقَصً الشارِبِ، وتِلكَ قد تقدم وجهها وما تدلُّ عليهِ بِما لا يرْقى إلى مُبالَغاتِ مَن جَعَلَ قضيةَ اللحية مِن أمورِ الإسْلامِ الكِبارِ وفرائضهِ المتحتمَةِ، وحَلْقَها مِن المعاصي الكِبارِ والمآثِمِ العَظيمَةِ.

فادعى طائفه الاستِدلالَ بالوُجوهِ التاليةِ:

الوَجهُ الأول، قالوا: اعفاءُ اللحيَةِ مِنَ الفِطرَةِ، وحَلقُها أو قَصها الشديدُ خروجٌ عَنٍ الفِطرَةِ.
وبَنَوا ذلكَ جَميعا على حَديثِ عائِشةَ "عَشر مِن الفِطرَةِ " وفيهِ: إعفاءُ اللحية.
وعليهِ قالوا: إعفاءُ اللحية فِطرَة، والإسلامُ دينُ الفِطرَةِ، ولذلكَ كانَتْ سَمتَ الأنبياءِ عليهِم الصلاةُ والسلام.
واستَشهَدوا لذلكَ بِما جاءَ في صِفَةِ بعض الأنبياءِ، وذكَروا في هذا ما ثَبتَ أن النبي كانَتْ لهُ لحية، وذلكَ مِمَا جَرى مِنه موافقة للفِطرَةِ التي كانَ عليها أبوهُ إبراهيمُ الخليلُ ، فإنَّ نبيَّنا قالَ فيما جاءَ عتهُ مِن صِفَةِ الأنبياءِ ليلةَ الإسراءِ: "أَنا أَشبَهُ وَلَدِ إبراهيمَ به" ، فكونُهُ يُشبِهُ إبراهيمَ، وأنه كانَت لهُ لحية، دَليل على أن إبراهيمَ كانَت لهُ لحية ، وهِيَ مِما بَقِيَ في العَرَبِ مِن مِلتِهِ، حتى اتخَذَها نبيُّنا اتباعا للفِطرَةِ التي كانَ عليها إبراهيمُ الخليلُ.
وكذلكَ ذكَرَ اللهُ عن هارونَ عليهِ السلامُ: (يابن أُم لا تأخذ بلحيتي) طه: 94،، وهذا مِن اتًباعِ وَلَدِ إبراهيمَ عليهِ السلام لسُنتِهِ.
ومنْهُمْ مَن ِذْكُرُ في هذا خَبَرا غَريبا جِدا، وهُوَ ما رُوِيَ عن هِشامِ بنِ العاصِ الأمَوي قالَ: بُعِثتُ أنا ورجُل آخَرُ مِن قُرَيش إلى هِرَقلَ، فذكَرَ قِصةَ لقاءِ هِرَقَلَ، وفيها أنه أراهُم صوَرَ الأنبياءِ، فرأوا صورَةَ نوح، وأنه (حَسَنُ اللحية)، وإبراهيمَ، وأنه (أبيَضُ اللحية)، وعِيسى، وانه (شَديدُ سَوادِ اللًحيَةِ).
قالُوا: فهذا هديُ الأنبياءِ علَيهِمُ السَّلامُ، فلَولا ان مِنَ الفِطرَةِ اتخاذَها لَما اتخذوها.
وكذلكَ، فإنها حينَ تكونُ مِن هَدي الأنبياءِ فهِيَ مِما أُمِرَ نَبينا بالاقتِداءِ بهِ، كَما قالَ تعالى :
( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) الأنعام: 95،.

وعَنِ العوامِ بنِ حَوشَب قالَ: سألتُ مُجاهِدا عَنْ سَجدَةِ في (ص )؟ فقالَ: سألتُ ابنَ عباس: مِن أينَ سَجَدتَ؟ فقالَ: أوَ ما تَقرأُ: (وَمِن ذُرِّيته داوود و سليمان) الأنعام: 84،، (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) الأنعام: 90،، فكانَ داوُدُ مِمَن أُمِرَ نبيكُم أَن يقتَديَ بهِ، فَسَجَدَها داوُدُ عليهِ السلامُ، فسَجَدَها رَسولُ اللّهَ .
وأقولُ: أما الاستِدلالُ بأنَ إعْفاءَ اللحيَةِ مِنَ الفِطرَةِ بحَديثِ عائشةَ المُشارِ إليهِ، فقد بينْتُ أنهُ حَديثْ مُنْكَر لا يثبُتُ إسنادُهُ، فارجِغ إليهِ في البابِ الأول.
فإذا لم يثبُتْ افْتَقَرَ إلى بُرهان ثابتِ للقول بهِ.

وَلوْ سَلَمنا أن إعفاءَ اللحية مِن خِصالِ الفِطرَةِ، فليسَ في ذلكَ غيرُ إثْباتِ الحُسنِ، وأقصى ما يُفيدُ الاستِحبابَ، وقدِ اتفقوا أن خِصالَ الفِطرَةِ الثابتَةَ كتقليمِ الأظافِرِ وحَلقِ العانَةِ والسواكِ وقَص الشارِبِ ونَتْفِ الإبِطِ مُسْتَحبات، وخالَفَ قَليل مِنَ العُلماءِ في بعض ذلكَ، سِوى الخِتانِ فأكثرهُم على فرضيتِهِ، وهذا شائعَ في كُتُبِ العِلْمِ، وليْسَ من مَقصودِنا التعرضُ لتَفصيلِهِ.
وَجديرَ أن يُفْهَمَ في هذا المقامِ ان الفِطرَةَ لفظ يُرادُ بهِ في نُصوصِ الكِتابِ والسنةِ حَقيقةٌ واحِدَة، يتنوَعُ فيهِ تعبيرُ الناسِ، أو يُسمْونَه ببعْضِ أجزائِهِ، ذلكَ المعنى هُوَ الدينُ، وهُوَ الإسلامُ، وهُوَ السنةُ والهَدي، وهُوَ السلامةُ مِنَ الشركِ والباطِل.
قالَ اللّهُ :

( فَأَقمْ وَجهَكَ لِلدِينِ حنَيفا فِطرَتَ اَللَّهِ اَلَتِى فَطَرَ اَلنَاسَ عَلَيهَا لَا تبَدِيلَ لِخلقِ اللَهِ ذَلِكَ الدِينُ القيم) الروم: 30،.

وعَنْ أَبي هريرة، رَضِيَ اللهُ عَتهُ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهَ: "ما مِن مَولودٍ إلا يولَدُ على الفِطْرَةِ، فأبواهُ يُهوٌدانِهِ وُينصرانِهِ أو يُمَجًسانِهِ، كَما تُتتَجُ البَهيمَةُ بَهيمَة جَمعاءَ، هَل تُحِسونَ فيها مِن جَدعاءَ؟"
وعَنْ عِياضِ بنِ حِمارِ المُجاشِعِي، رَضِيَ اللّهُ عنْهُ: اَن رَسولَ اللّهِ قالَ ذاتَ يوم في خُطبَتِهِ: "أَلَا إنَّ رَبي أَمَرَني أنْ أُعَلمَكُم ما جَهِلتُم، مِما عَلمَني يومِي هذا: كُل مال نَحَلتُة عَبدا حَلال، وإني خَلَقتُ عِبادِي حُنَفاءَ كُلهم، وإنهُم أتَتهُمُ الشياطينُ فاجتالَتهم عن دينهم، وَحَرمَت عليهم ما أَحللتُ لَهُم، وأَمَرَتهُم أن يُشرِكُوا بي ما لَم أنْزل بهِ سُلطانا، و أمَرتهُم أن يُغَيروا خَلقي".
فهذا الحديثُ والذي قَبلَهُ يُفسرُ أحدُهما الاَخَرَ، فالفِطرَةُ هيَ الحَنيفيةُ، والحَنيفُ: السالِمُ مِنَ الشركِ والمعاصِي، ولِذلكَ تجتالُهُ الشياطينُ بعدَ الوِلادَةِ فأبواهُ يُصيرانِهِ يهوديا أو نَصرانيا أو مجوسِيا أو غيرَ ذلكَ مِن أديانِ الكُفرِ.
وحيثُ لم يذكُرِ النبي الإسلامَ فذلكَ لأنه دينُ اللّهَ الذي يكونونَ عليهِ حينَ يولَدونَ، وهُوَ الفِطرَة، قالَ تعالى: "إنَ اَلدين عند الله الإسلام " آل عِمران:19، وهُوَ الدينُ القيمُ.
والنصوصُ المؤيدةُ لهذا المعنى واردة في مواضِعَ مِن حَديثِ النبي فإذا كانتِ الفِطرَةُ هيَ دينَ الإسلامِ فيكونُ المُرادُ بِما أُضيفَ إليها أن ذلكَ مِن دينِ الإسلامِ، واذا كانَ جميعُ الدينِ فِطرَة فجميعُ شعائرهِ فِطرَة، فحينَ يذكُرُ النبي قص الشاربِ ونَتفَ الإبِطِ وشِبهَها أنها مِنَ الفِطرَةِ، فذلكَ دليل على أنها مِنَ الإسلامِ.
ومُجردُ نِسبَةِ كون الشيءِ مِنَ الإسلامِ لا تَكفي أن تُعطِيَهُ حُكمَ الإلزامِ بهِ، فالواجِبُ مِنَ الإسلامِ والمندوبُ والمُباحُ كذلكَ، وإنما تُعرَفُ درجَةُ الشيئِ مِنْ ذلكَ مِن نُصوصِ أخرى غيرِ الإضافَةِ إلى الفِطرَةِ، نعم أدنى ما تُفيدُهُ هذه النًسبةُ حُسنُ ذلكَ الفِعلِ.
فلو صح أن إعفاءَ اللحية مِما ثَبتَ البُرهانُ أنه مِنَ الفِطرَةِ، فهيَ إضافَةْ مُفيدَة لحُسنِهِ، وحيثُ قررنا أن كُل شَعائرِ الدينِ فِطْرَة، والدينَ يُستَفادُ مِن عُمومِ الهَديِ النبوي، واللحيَةَ مِما أبقاهُ النبي ولم يُزِلْهُ كما شرعَ إزالَةَ شعر الإبِطِ مَثَلا، فذلكَ دليلْ على حُسنِها، وأنها فِطرَة بهذا الاعْتِبارِ، لكنها لا تعدو أن تكونَ فَضيلَة مُجردةَ، ويحتاجُ تَصييرُها بمنزلةِ المطلوبِ المأمورِ بتَحصيلِهِ نَدبا أو وجوبا إلى دليلٍ آخَرَ، فهذا لا ينتَهِضُ وحدَهُ.
وأما كون بعض النصوصِ ذكَرَتِ اللحية عَنْ بعض أنبياءِ اللّهَ عليهِمُ الصلاةُ والسلام، فليسَ في مُجردِ الخَبَرِ ما يدل على أنها مِنَ الشرائِعِ المأمورِ بها، خُصوصا أن إعفاءَ اللحية مِن بابِ التروكِ، والتروكُ قد تَقَعُ مُجرَدة عنِ القَصدِ، ولو زَعَمَ زاعِمْ أنها وَقَعَت منهُم امتِثالًا لأمرٍ فقد قالَ بغَيرِ عِلمِ، فإتَهُ لم يَرِد شي مِن ذلكَ، بِخِلافِ ما تأولهُ ابنُ عباس رَضِيَ اللّهُ عنهُما بخُصوصِ سَجدَةِ ص، فإنها فعل ، والسجودُ عِبادَة في نَفسِهِ، ونَباتُ الشعَرِ ليسَ عِبادَة في نَفسِهِ، وليسَ فِعْلا للمُكلَّفِ.
وذلكَ الخَبَرُ في صُوَرِ الأنبياءِ وإِن قالَ الحافِظ ابن كثير في "التفسير" (3/232):" إسنادُهُ لا بأسَ بهِ"، فليسَ الأمرُ كما قالَ، وإنما فيهِ مَن لا يُعْرَفُ، وقَدْ أخرَجَهُ البيهقي في كتاب "دلائل النبوة" (1/385-390)، ولا يَشْفَعُ لهُ أن أخرَجَهُ أبو نُعيم في "دلائله" (رقم: 13) فإسنادُهُ ظاهِرُ الضعف.
وفيهِ إطلاع هرَقلَ لهِشامِ بن العاصِ ومَن كانَ معَهُ على صوَرِ جَماعَة مِن الأنبياءِ عليهِم الصلاةُ والسلام، لم تُذكَرِ اللحية في روايةِ البيهقيٌ إلا عن هؤلاءِ الثلاثَةِ، زادَ في روايةِ أبي نُعيم ذكرَها عَن موسى وهارونَ عليهما السلام.
ومِما قَد يُستَطرَفُ أَن قالَ هِشام في الخَبَرِ في روايةِ البيهقي: ففتَحَ بَيْتا وقُفلا، واستَخْرَجَ حَريرةَ سوداءَ فَنَشَرَها، فإذا فيها صورة حَمراءُ، وإذا فيها رَجُلٌ ضَخمُ العَينَينِ، عَظيمُ الأليَتينِ، لم أرَ مِثلَ طولِ عُنُقِهِ، وإذا لَيسَتْ لهُ لحية، وإذا لَهُ ضَفيرَتانِ، أحسن ما خَلَقَ اللهُ، قالَ: هَل تَعرفونَ هذا؟ قُلنا: لا، قالَ: هذا آدَمُ عليهِ السلام، وإذا هُوَ أكثَرُ الناسِ شعرا.
حتَى قالَ: ثم فَتَحَ باباً آخَرَ، فاستَخْرَجَ حَريرة بَيضاءَ، فيها صورةَ كأنها صورةُ آدَمَ، كأن وجههُ الشمسُ، فقالَ: هَل تَعرفونَ هذا؟ قُلنا: لا، قالَ : هذا يوسُفُ عليهِ السًلامُ.
قُلْتُ: فتأمل وجه الطرافَةِ، أن آدَمَ عليهِ السلامُ ليس لهُ لحية، ويوسُفَ عليهِ السلام مِثلُهُ، فلِماذا صح للمستدلْ بهذا الخَبَرِ أن يحتج على شرعيةِ اللحية بأنها كانَت لنوحِ وابراهيمَ وعِيسى عليهِمُ السلام، ولا يصح لمُخالفِهِ أن يَستدل بعَدمِ اللحيَةِ لآدَمَ عليهِ السَّلامُ معَ أن آدَمَ بنَص الخَبَرِ كانَ كثيرَ الشعر، ولماذا لا يصح الاستدلال بشَبَهِ يوسفَ لأبيهِ آدَمَ معَ ما عُرِفَ مِن جمالِ يوسُفَ أن يكونَ عَدَمُ اللحية مِنَ الحُسنِ والجَمالِ؟
لستُ أُصححُ للكلام في مَسائلِ الدينِ استِدلالَا ضَعيفا كهذا، وإنما أبَرهِنُ بهِ على ما يقع مِن بعض الناسِ مِنَ التكلُّفِ في الاسْتدلالِ للمسائلِ الشرعيةِ، فلا يُغني أحدَهُم نُصوصُ الكِتابِ والسُّنةِ الثابِتَةِ حتَى يَصيروا إلى مِثلِ هذه الأخبارِ.
ومِن غيرِ احتِياجِ إلى مِثلِها لقائلِ أن يقولَ: كانَت اللِّحيَةُ مِن سَمتِ الأنبياءِ عليهِمُ السلامُ، لكن هذا كما أشرتُ آنِفا لا يُفيدُ أكثَرَ مِن حُسنِها، وأنً اتخاذَها ليسَ مُنافِيا للفِطرَةِ، ولا بَشاعَة كَما قد يَصِفُهُ بعض مَرضى القُلوبِ.

الوجه الثاني، قالُوا: اللحيَةُ علامةُ الرجولَةِ، وعَدَمُها علامَةُ الأنوثَةِ، ففي إزالتِها تشبه بالنًساءِ، وهُوَ مُحرم.
وَيذكُرونَ النصوصَ الحديثيةَ الوارِدَةَ في مَتعِ تشبهِ الرجالِ بالنساءِ.
وأقولُ: هذه مسألة تحتاجُ إلى تحريرِ، ما هُوَ المقصودُ بما منَعَتهُ الشَريعَةُ مِن تشبهِ الرجالِ بالنساءِ أو العَكسِ؟ فَهمُ ذلكَ مِما يندرجُ تحتَهُ كثير مِنَ المسائلِ.
وَقبْلَ سِياقِ النصوصِ الوارِدَةِ في هذهِ القضيةِ ومُناقَشَتِها، أذْكُرُ مُقدمتَينِ تُساعِدانِ على تصوُرِ المقْصودِ:
الأولى: نعْلَمُ أن النِّساءَ شَقائقُ الرجالِ،كما ثبت عن النبي قال : "إنما النساءُ شَقائِقُ الرجالِ " .
قالَ ابنُ الأثيرِ: "أي نَظائرُهُم وأمثالُهُم في الأخْلاق والطّباعِ، كإنهن شُقِقنَ منهُم، ولان حواءَ خُلِقَتْ مِن آدَمَ عليهِ السلام".
فهذا فيهِ الاشتِراكُ بينَ الجِنْسَيْنِ في كُلً شيء، فهو اصلْ في الشَرعِ، فإذا قامَ البُرهانُ على استِثناءِ صِرنا إلى إخراج صورته وحكمنا بخُصوصيتِهِ بكُل جِنْسٍ ، وأبقَيْنا ما عَدا ذلكَ على اصل الاشتراك، فشيءٌ يخْتَص بهِ الرجالُ وآخَرُ يخْتَص بهِ النساء بمقتضى الخلقِ والتكوينِ، فذلكَ بُرهانُ الاستِثناءِ بِما ليسَ للعَبدِ فيه إرادة، كالذْكر للرجل دونَ المرأَة، ومثلُهُ لا يتعلقُ بهِ تكليفَ مِن جِهَةِ أن يكونَ مطلوبا مِن المُكلفِ أو غيرَ مطلوبِ، وشَيء يختَص بهِ الرٌجالُ وآخَرُ يختَص بهِ النساءُ بمُقتَضى الشرعِ، فهُوَ كذلكَ بُرهانُ الاستِثناءِ فيهِ فيما استثناهُ الشرعُ، ويبقى الاشتِراكُ فيما عَداهُ، وهذا النوعُ تتصلُ بهِ قُدرَةُ العَبدِ ويَقعُ بمِثْلِهِ التَكليفُ، كإباحَةِ التحلي بالذهَبِ للنساءِ دونَ الرجالِ.
والمقدمه الثانيَه: التشبهُ تفعلٌ ، ولا يَقَعُ إلا بِقَصدِ، فإنْ وَقَعَ بغيرِ قَصدِ فهُوَ شَبَهْ، فإذا كانَ المنعُ للتشبهِ فيَجِب إذا أن يُراعى فيهِ قَصدُ المُشابَهَة لا حُصولُها اتفاقا، وقد تقدم ذكرُ هذه المسألةِ.
فاحفَظ هاتَينِ المقدٌمَتَينِ لتَدبرِ النصوصِ النبويةِ الوارِدَةِ في مَتعِ التشبهِ لكُل مِنَ الجِتسَينِ بالآخَرِ، والتي هيَ:
1- عَنِ ابنِ عباس، رَضِيَ اللهُ عتهُما، قالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللّهَ المُتشبهينَ مِنَ الرجالِ بالنساءِ، وَالمُتَشبهاتِ مِنَ النساءِ بالرجالِ.
وفي رِواية: لَعَنَ النبي المُخئثينَ مِنَ الرجالِ، وَالمُترجلاتِ مِنَ النساءِ، وقالَ: "أَخرِجوهُم مِن بُيوتِكُم" قالَ: فأخْرَجَ النبي فُلانا، وأخْرَج عُمَرُ فُلانا.
وفي روايةِ: لَعَنَ رَسُولُ اللهَ المُخنثينَ مِن الرجالِ، وَالمُذكَراتِ مِنَ النساءِ.
2- وعَن أَبي هُرَيرَةَ، رَضِيَ اللهُ عتهُ، قالَ: لَعَنَ رَسُول الله الرجُلَ يلبَسُ لِبسَةَ المرأَةِ، والمرأَةَ تَلبَسُ لِبسَةَ الرجل.
3- وَعنِ ابنِ أبي مُلَيكَةَ، قالَ: قيلَ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها: امرأةً تَلبَسُ النعلَ؟ فقالَتْ: لَعَنَ رَسُولُ اللّهَ الرجلةَ مِنَ النساءِ.
فهذه الأحاديثُ هِيَ الصحيحةُ في هذه المسألةِ، وألفاظها يُفَسرُ بعضها بعضا، ومَعنى التشبهِ فيها هُوَ: تَرَجلُ أو تَذَكرُ المرأَةِ، أيْ: تجعَلُ نَفسَها كالرجلِ أو الذكَرِ، وتخنْثُ الرجل، وهو: أن يجعَلَ نَفْسَهُ كالمرأةِ.
لكنْ في أي شيءٍ ؟
حَديثُ أبي هُرَيْرَةَ حدَدَ صورةَ، وهُوَ هَيْئَةُ اللُبْسِ، فيَلْبَسُ الرجل ما هُوَ من ثِيابِ النساءِ، وتَلبَسُ المرأَةُ ما هُوَ مِن ثِياب الرٌجالِ، هذا هُوَ الظاهِرُ القَريبُ مِنَ اللفظِ، ويصحّ أن يكونَ المعنى أَبْعَدَ مِن أن يُرادَ بهِ الثيِابُ، بل هُوَ المعنى المترجحُ هُنا لدلالةِ لَفْظِ التَخنث والترجل وعُمومِ لفظ التشبهِ، واللبسَه تكونُ كِنايَةً عنِ الحالَةِ المُتلبسِ بها، فيندرجُ تحتَها الثيابُ في ألوانِها واْنواعِها وهَيئاتِ خِياطَتِها وطَريقَةِ ارتِدائها، وما يتقمَصُهُ الشخصُ مِن الحَرَكاتِ والتصرُفاتِ والأصواتِ وغيرِ ذلكَ مِما يعود إلى الطبائعِ ولا يكونُ مِن طبيعَةِ ذلكَ الشَخْصِ، بل يكونُ طَبعاً لغيرِهِ، فحيثُ تقمصَهُ فقدْ تشبهَ بصاحِبِ ذلكَ الطبعِ وتخلقَ بخُلُقِهِ وتلبسَ بهيئتِهِ وحالَتِهِ.
فإذا تبينَ هذا المعنى كانَتْ دلالةُ الأحاديثِ: لَعنَ الرجل يتقمصُ صِفَةَ النساءِ بأخْذِهِ لطِباعِهن التي هي لهُن في الأصل لا يُشاركُهُن فيها الرجالُ، ولَعنَ المرأةِ تتقمصُ صفَةَ الرجالِ في طِباعِهِمُ التي هي لهُم في الأصْلِ لا يُشارِكُهُم فيها النِّساءُ.
وحيثُ إن مرْجِعَ ذلكَ إلى الطباعِ والخَصائِصِ فالمُشاهَدُ أنَّ طبائِعَ الخَلْقِ وخَصائِصَهُم نوعانِ:
الأول: فِطريَّة خَلقية، كالحَرَكاتِ والسَّكَناتِ، فإن جِنْسَ النساءِ مطبوع على الرقةِ واللُيونَةِ والنعومَةِ، فتأتي الحركاتُ مُجانِسَةً لهذا الطبْعِ، فللمرأةِ مِشْيَتُها وقِعْدَتُها وتثنيها ورقةُ صوْتها بالكلامِ، وغيرُ ذلكَ
مِمَا يتناسَبُ معَ صِفَةِ اللينِ، وإنما سميت (أنثى) لذلكَ، وبِخِلافِهِ طَبعُ الرجل، وناسَبَهُ أن تكونَ لهُ وَظيفَةُ القِوامَةِ وعليهِ المسؤوليةُ والرِّعايَةُ.
والثاني: كَسبية، تُحصلُ بالقَصدِ إليها مِنَ الإنسانِ، كنَوعِ لِباسِ كَثوب وغِطاءِ رأسٍ أو نِعالِ أو حِلية، أو صِفَةِ ثَوبٍ بطول أو قِصَر أو لَون أو سَعَةِ أو ضِيق، أو غيرِ ذلكَ، وهذه قِسمانِ:
أولهُما: ما فَصَلَ فيهِ حُكمُ اللهِ ورَسولِهِ ، كإباحَةِ الذهَبِ والحَريرِ للنساءِ وتَحريمِهِ على الرجالِ، فهذا يُصارُ إلى تحديدِ الفَضلِ فيهِ بينَ الجِتسَينِ إلى حُكمِ اللهَ وَرَسولِهِ ، فمن خالَفَ الحُكمَ الشرعي في ذلكَ فقد تشبهَ بالجِتسِ الآخَرِ.
وثانيهِما: ما ليسَ فيهِ حُكم مِنَ اللّهَ ورَسولِهِ يَفصِلُ بينَ الجِنسَينِ، فهذا يتفاوَتُ وَيخْتَلِفُ زَمانا ومكانا، وكُل ما فَقَدَ الحَدَّ في الشَرعِ فحدهُ يُعرَفُ بالعُزفِ، فالبيئةُ تُحددُ أن يكونَ هذا مِن خَصائصِ الرجالِ أو مِن خَصائصِ النساءِ، فإذا جَرى الناسُ في بَلَدٍ على زِي خاص بالرجالِ فرُئيَ مثلُهُ على امرأةٍ مِن نِساءِ ذلكَ البَلَدِ تَزيت بهِ فقد تشبهَت بالرٌجالِ، ولو جَرَوا على زي خاصّ بالنًساءِ فرُئيَ رجُل قد تزئى بمِثلهِ فقَدْ تشبهَ بالنساءِ، ولا يصح أن تُعدَّى أعرافُ بَلَد وزَمان إلى غيرِ ذلكَ البَلَدِ وغيرِ ذلكَ الزمانِ، وتمييزُ كُلٌ جِتسِ عَنِ الآخَرِ في صفات أمر قد جَرَتْ عليهِ مُجتَمعاتُ النَّاسِ حتَى في غَيرِ بلادِ المسلمينَ كَما قَد رأينا ذلكَ، فاختِلافُ الأحوالِ في ذلكَ مما تقتَضيهِ فِطرَةُ الذكورَةِ والأنوثَةِ، فيَميلُ العاقِلُ بأصلِ خَلقِهِ إلى الفِعلِ المُلائمِ لِما فَطَرَهُ الله علمِهِ، وإنَّما يَقَعُ تشبهُ الجِنسِ بالآخَرِ في صِفاتِهِ وأحوالِهِ شُذوذا في مُجتَمعاتِ الناسِ.
فعلى هذه القِسمَةِ التي ذكَرتُ يتبينُ أن التشبهَ مِن أحَدِ الجِتسَينِ بالآخَرِ يُتصورُ وقوعُهُ في النَّوعِ الثانىِ، وهُوَ الطباعُ الكَسبيةُ، لأن التشبهَ فعل المُكلفِ وكَسبُهُ، أما ما لا يَدَ للإتسانِ فيهِ فلا لَومَ عليهِ ولا مؤاخَذَةَ تَلحَقُهُ بسبَبِهِ، فلو ألقيَ على رجُلِ مِن خَصائصِ النساءِ ما اْشْبَهَهُن فيهِ بفِطرَتِهِ مِن غيرِ تصنعٍ ليكونَ مثلَهُن، كالمُخنَّثِ الذي تقَعُ حركاتُهُ وسَكَناتُهُ وربما كَلامُهُ كما يَقَعُ مِنَ النًساءِ ولا يِدَ لهُ في ذلكَ، فهذا ليسَ مُتشبها بالنساءِ وإن أشْبَهَهُن، والشَريعَةُ مُنزهَة عن أن تؤاخِذَ مَن هذا وَصفُهُ بأن خَلَقَهُ اللّهُ كذلكَ.
أما ما يَقَعُ مِنَ المُشابَهَةِ بكَسبِ الإتسانِ، فتقدَّمَ أن ما أُبيحَ لجِتسٍ وحُرمَ على الآخَرِ مِن الأحوالِ والهيئاتِ، إذا تلبسَ بهِ مَن مُنِعَ منهُ فَقَد تشبهَ بمَن أبيحَ لهُ التلبسُ بهِ.
وما لم تحكُم الشريعَةُ بأنه لهذا الجِتسِ أو ذاكَ فالعُزفُ حاكِمٌ فيهِ، وحُكمُ العُزفِ بالضفةِ التي تقدم بيانُها.

اللحية في ضوء ما تقدم:
ابتداءً قَص اللِّحيَةِ معَ بقاءِ بعض الشعر وان قَصُرَ ليسَ واردا في هذه المسألةِ، وكذلكَ مَن حَلَقَ بعْضَها وأبقى بعضها، لأن المعنى عندَ مَنِ استدل بنُصوصِ النهي عنِ التشبهِ هُوَ أن يكونَ وَجْهُ الرجل كوجه المرأَةِ خاليا مِنَ الشعرِ، وهذا يُتصوَرُ في إزالَةِ الرَّجلِ جميعَ ما ينبتُ مِنَ الشَعَرِ في الوجه سِوى الحاجِبَينِ والأجفانِ، فإن هذه الصفةَ هىِ التي تُساوي الجِنسَ الآخَرَ وتُماثِلُهُ.
فإذا تخيلنا ذلكَ، فهَلْ هذا مِنَ التشبُّهِ بمجردِ الفِعلِ مِن قِبَل الرجل؟
وعلى القسمَةِ المتقدِّمَةِ، فإن الرجل تَتبُتُ لهُ اللحية والشارب خَلقا، بخِلافِ المرأةِ، فكانَت صِفَةً كونيةً ليسَ للرجل كَسب في تحصيلها.
لكن البَحثَ في إزالَةِ الرجل لَها بقَصد، هَل يُلحقه بالنْساء حيثُ إن المرأةَ في الأصْلِ لا شَعْرَ لها كَلحيَةِ أو شارِب ؟
لم تأت الشَريعَةُ بشيءٍ يُصارُ إليهِ بخُصوصِ ذلكَ، ونقدم أن العلةَ التي لأجْلِها امِرَ بقَص الشَارِبِ واعفاءِ اللحيَةِ هيَ مخالفة الكفار، وقد بينا وجههُ، ولم يَنُصَ الشَّارعُ على علَةِ أخْرى بخصوص ذلك، وهنا مسألةٌ : وُجودُ الرجل والمرأَةِ حاصِلٌ في كُل مجتمع ،ووجود الكافر معَ المسلِمِ قَد يخلو منهُ المُجتَمَعُ حيثُ لا يكون الا مسلم، كما كانَ الشَأنُ في المدينَة حينَ أخْرِجَ منها اليَهودُ فتمحضت للمسلمين، أو يكونُ جِتسُ الكُفًارِ في المجتَمَع المسلمِ قليلا نادرا، فكيف صح أن يَعْتَبِرَ الشرعُ ما كانَ قليلَا نادرا علة لتعليقِ الحكْم به، دون ما كان كَثيرا شائعا مِما هُوَ أولى بالذكْرِ منْهُ لو صح التعليل به؟
هذا إلزام للمتعلقِ بمسألةِ التشبهِ بالنساء في امرِ حلق اللْحيَةِ.
والمعنى: أن التعليلَ بالتْشبهِ بالنساء لو كانَ صالحا كمناط للحُكْمِ لعُلقَ بهِ، لانه أولى مِن جِهَةِ عُمومِ البَلوى بهِ، فحيثُ لم يُعتَبَر، دل ذلكَ بإشارَتِهِ على أنه ليسَ علة للحُكمِ.
وأيضاً، فلو صح التعليلُ لمتعِ حَلقِ اللحية بكونهِ تشبها بالنساءِ، فما هُوَ القول في الشارِبِ؟ فنَباتُ الشارِبِ واللحية في الوجه مِن خَصائِصِ الزجالِ دونَ النساءِ خَلقا، والشريعَةُ أمَرَت بقَص الشارِبِ قَصا شَديدا يُشْبِهُ الحَلقَ، والحَلقُ وإن لم تَطلُبهُ الشريعَةُ فإنها لم تَنهَ عَتهُ، ولذلكَ ذهَبَ إلى الجوازِ فيهِ كثير مِنَ العُلماءِ، وإزالةُ الشارِب بالحَلقِ مُزيل لهذه العلامةِ الكونيةِ كفارق بينَ جِنسِ الرجل والمرأةِ،َ فإذا كانَ المعنى استواءَ الرجل معَ المرأةِ في عَدَمِ العلامَةِ باللحية فكذلكَ يَقَعُ الاستواءُ بحَلْقِ الشارِبِ، والواقِعُ شاهِد بأن شعر الشارِبِ علامةٌ للرجل في أكثَرِ مجتَمعاتِ النَّاسِ اليومَ حينَ فَشا في المسلمينَ حَلقُ اللحية، فإذا كانَ المقصودُ بقاءَ علامَةِ تَمييز في الوجه فهيَ بأدنى ما يكونُ فيهِ مِن شَعر في اللحيَةِ أو في الشارِبِ يراهُ الناظِرُ.
فهذا وَجة آخَرُ دال على إبطالِ العِلةِ المذكورةِ كعلةٍ صالحة لتعليقِ حُكمِ منْعِ حَلقِ اللحية بها.
فإذا عُدنا بالمسألةِ إلى ما تقدم مِن التقسيمِ لخصائصِ الرجالِ والنساءِ كانَت هذه الجُزئيةُ مندرجة تحتَ ما لم تنصَّ عليهِ الشَريعَةُ مِن تلكَ الخصائصِ، لأن الشريعَةَ قذ جعَلَتِ العلةَ غيرَهُ، فحيثُ فقدنا تحديدَ الشرعِ في اعتِبارِهِ علَةَ بَقِيَ لَنا النظَرُ في العُرفِ، فإن كانَ العُرْفُ أبقى اللحية علامةً مؤثرة في إلحاقِ مَن يحلِقُ لحيتَهُ بالنساءِ وَيجعَلُ الحالِقَ مؤنثا أو مخنثا بذلكَ الحَلقِ مُخرِجا له مِن جِنْسِ الرجالِ مُلحِقا إياهُ بجِنسِ النساءِ، كانَ العُزفُ حاكِما بتشبهِهِ بالنساءِ، أما إذا جَرى العُرفُ بتِلكَ العادَةِ معَ بقاءِ وَصفِ الرجولَةِ لفاعِلِهِ، لم يصح أن يُقالَ:
تشبهَ بالنساءِ ولَحِقَهُ الوَعيدُ باللَّعْنَةِ، بل يَصيرُ ذلكَ مِنَ التكلفِ في حَمْلِ أدلَّةِ الشَّرْعِ على غيرِ وُجوهِها.
وعُرْفُ التاسِ اليومَ شاهِدٌ في أكْثَرِ المُجتَمعات أن مَن حَلَقَ لحْيَتَهُ مِنَ الرجالِ لم يتخلَقْ بأخْلاقِ النساءِ بمجردِ حلق اللحية، وتقدم أن التَشبهَ بالنًساءِ تقمُصُ الرجل في شخصية المرأة وتلبسه بهيئتها فيُكْسِبُهُ ذلكَ مِن صِفاتِها وأخْلاقِها، حتَى يَصح وَصفُهُ بكونه (مخنثاً)، والمخنثُ عنْدَ أهْلِ اللّسانِ مِنَ التخنثِ، وهُو: التثني والتْكسر، وهذا حالُ المرأةِ للينِها، وهُوَ وَصْف ليسَ بشائع في عُرف الناس عنْد من يَحْلِقُ لحْيَتَهُ.
ومِنَ الخطأ أن نُغفلَ حقيقةَ التشبهِ والمعنى الذي تهي عته لأجله، فالمُختثُ الذي أخْرَجَهُ النبي والآخَرُ الذي أخْرجه عمر كما في حديثِ ابنِ عباس المتقدم، لم يأت إنهما كانا حالقبن لحيتيهما، ولو كانا كذلكَ لنُقِلَ، كَما لم يُتقَل أنهما كانا أمرَدين، والأصل انهما كانتْ لهُما لحية، ومع وُجودِ هذه العَلامَةِ وُصِفا بالتخنث ، وفيهْ أنْ وجودَ اللحية لا يعني الرجولَةَ بمُجرَّدِهِ، كَما لا يُنافي ان يوصف ذو اللحية بالتخئثِ إذا تشبهَ بالنساءِ في أنوثتهِن.
كذلكَ، لا يصح التعلُقُ بصورة مُشابهَة تقع بين الرجل والمرأَةِ وإن كانَ في بعْضِ ما هُوَ ميزة لأحَدِ الجنسين حتْى يكونَ أريدَ بها التَشبهُ، وتقدم أن شرحْتُ أن التشبهَ تفعلْ لا يقع الا مقرونا بقَصدِ المشابَهَةِ، لا بمجردِ اتفاقِ الصورةِ، وإلا فمن خلِق أمرَدَ لا شَعرَ في وجْهِهِ وأشبَهَ المرأةَ حتى في نعومَةِ وجهِه، عليهِ أن يغيرَ من صِفَةِ نفْسِهِ لئلا يُلحَقَ بالنِّساءِ، وهذا لا عبرَةَ بهِ في التحقيقِ، لأنه وإِن أشْبَهَ المرأةَ إلَّا أنه لم يتشبه بها، وإنَّما نصت الأحاديثُ على منعِ التشبهِ!

فحاصِل تحريرِ هذه المسألةِ يتلخْص في:
ا- لم تعلًلِ الشريعَةُ حَلقَ اللحية بمُشابَهَةِ النساءِ، ولم تربِطهُ بشيءٍ من ذلكَ، بل علقتهُ بمشابَهَةِ الكفارِ.
2- نهَتِ الشريعَةُ عَن قَصدِ الرجل إلى مُشابَهَةِ المرأةِ والعَكسِ قَصدا يُكسِبُ كُل جِتسٍ طِباعَ الجِتسِ الآخَرِ فتترجلُ المرأةُ ويتخنثُ الرجل، على ذلكَ دلت الأحاديثُ الواردةُ في النهي عَنِ التشبه بينَهما.
3- زوالُ بعض الفَوارقِ بينَ الجِتسينِ لا يُلْحِقُ أحدَهُما بالاَخِرِ بمجردِهِ، فقدْ أذِنَتِ الشريعَةُ بإزالَةِ الشارِبِ وهُوَ فارق خَلقي بينَ الرجل و المرأةِ.
4- التخنثُ له حَقيقة مُدرَكَة في عُزفِ الناسِ، وربما أطلِقَ على أهلِهِ في عُرفِ أهل زمانِنا بـ(الجِتس الثالث)، وليسَ في عُرفِهم أن مجرَدَ حَلقِ اللحية معَ شيوعِهِ فيهِم وانتِشارِهِ ممَا يُصيرُ الرجل مِن هذا الجِتسِ، بل شخصيةُ الرجل عتدَهُم متميزة وإن حَلَقَ لحيتَهُ، بل ربما كانَ في أولئكَ المخنثينَ من لهُ لحية.
فاستدلالُ مَن حرمَ حَفقَ اللحية بكونهِ مِنَ التشبُّهِ بالنساءِ زيادة على الشرعِ، وتكلف في الاستدلال، ولا مصداقيةَ لهُ في الواقِعِ إلا مِن جِهَةِ ما تخيلَهُ صاحِبُ الدعوى، فلم يزَلِ الناسُ في هذا الزمانِ يميزونَ الرجل مِنَ المرأةِ مِن غيرِ اعتِبارِ اللحية.
ولا يَرِدُ هُنا فَسادُ حالِ الناسِ في هذا الزمانِ كاعتِراض على اعتِبارِنا لعُرفِهم في هذه المسألةِ، وذلكَ أن اعتِبارَ العُرفِ ليسَ في إقرارهم على مُخالَفَةِ الشرعِ، إنما في عَدَمِ إلحاقِهِم جِتسَ الرجل بالمرأةِ بحَلقِهِ للحيَتهِ معَ شُيوعِ ذلكَ فيهم، بل حالُ الناسِ اليومَ في هذه القضيةِ أحسن شيءِ للاعتِبارِ في هذه المسألةِ، فإن بعض السابقينَ حينَ عدوا حلقَ اللحية من بابِ التشبهِ بالنساءِ لم يكُن قَد شاعَ فيهِم ذلكَ الفِعلُ وإنَّما بَنَوهُ على ما في اللحيَةِ من فارق خَلقي بينَ الرجل والمرأةِ، وإزالَتُهُ تُلحِقُه بها، قالوا ذلكَ نَظرا، ونحنُ نقولُ: الواقِعُ لم يُلحِقِ الرجل بالمرأةِ حقيقةَ بمجردِ حَلقِ لحيَتِه معَ انتِشارِ هذا الفِعلِ في الناسِ، فتأمل.

الوجه الثالث، قالُوا: اللحية للرجل مِن خَلقِ اللهَ الَّذي لا يحل تغييرُهُ الا بإذنِ مِنَ الشَّارعِ، وحَلقُها مِن نَنييرِهِ الذي لم يأذَق بهِ الشارعُ.
وَيذكُرونَ فىِ هذا ما وَرَدَ في المتعِ من تغييرِ خَلقِ اللهِ، وهُوَ آيَة في كِتابِ اللهِ، وَحَديثْ عَن رَسُولِ اللهَ .
فأما الآيةُ ففي قوْلِهِ تعالى:" إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ الله وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)" النساء 117-119
وأما الحديثُ فعَن عَبدِاللهَ بنِ مَسعود، رَضِيَ اللهُ عَتهُ، قالَ: لَعَنَ اللهُ الواشِماتِ، والمتوشماتِ، وَالمتَنَمصات، وَالمُتفلجاتِ للحسن، المُغيِّراتِ خَلقَ اللهِ".
قالَ: فبَلَغَ امرأةً في البيتِ يُقالُ لَها أُم يعقوبَ، فجاءَت إليهِ، فقالَتْ: بَلَغَني أتكَ قُلْتَ كَيتَ وَكَيتَ؟ فقالَ: ما لي لا ألعَنُ مَن لَعَنَ رَسُولُ اللّهَ ، وهُوَ، في كِتابِ اللّهِ؟ فقالَت: إني لأقْرأ ما بينَ لوحَيْهِ، فما وجدتُهُ، فقالَ: إن كُتتِ قَرَأْتِيهِ فقَدْ وجدتيهِ، أما قَرَأْتِ: (وما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر 7 ؟ قالَتْ: بَلى، قالَ، فإن النبي نَهى عَنْهُ، قالَتْ: إني لأظُن أهْلَكَ يَفْعَلونَ، قالَ: اذهَبي فاتظُري، فنَظَرَتْ فلمْ تَرَ مِن حاجَتِها شيئا، فجاءَتْ فقالَتْ: ما رأيتُ شيئا، قالَ: لو كانَت كذلكَ لم تُجامِعنا.
قالوا: لُعِنَت فاعِلَةُ الوَشمِ والمفعولُ بها ذلكَ، والمفعولُ بها النمصُ، والَّتي تُفرًجُ بينَ أسنانها المتلاصِقَةِ، يفعَلنَ ذلكً يرِدنَ الجَمالَ، واللعنَةُ بسَبَبِ تَغييرهن خَلقَ اللهِ، حيثُ خُلِقنَ على صفةِ فعَمَدنَ إلى تغييرِها بتلكَ الأفعالِ، والرجل تنبتُ له اللحية بخَلقِ اللهَ فيتعمدُ إزالَتَها، فهُوَ يُغيرُ خَلقَ اللّهَ كذلكَ، فتُصيبُهُ اللعنَةُ بهذا الفِعلِ.
ومَن ذهَبَ إلى هذا القول قالَ: الأصل حُرمَةُ تغييرِ خَلقِ اللّهَ إلا بإذنٍ مِنَ الشريعَةِ، فيُستَثنى قَص الشارِبِ وَحَلقُ العانَةِ ونَتفُ الإبِطِ وتقليمُ الأظفارِ والخِتانُ وشِبهُها، لأن الشريعَةَ أمَرَت بذلكَ، ويبقى ما لم يَرِد بهِ الإذنُ على الحُرمَةِ.
وأقول: نعم، إن اللهَ تعالى جعَلَ تغيِيرَ خَلقِهِ مِما يأمُرُ بهِ الشيطانُ الذي لَعَنَهُ وأبعَدَهُ، وفي طاعَتِهِ في أمرِهِ معصيةُ اللّهَ تعالى ورَسولِهِ ، لكن قَبلَ تقريرِ صحةِ أو خَطَا الاستدلال بهذا في أمرِ اللحية لا بُد مِن فَهمِ المرادِ بتغييرِ خَلقِ الله.

توضيح المرادِ بتغيير خلقِ الله:
إنَّ أحسن ما يُفسًرُ الوَحيَ وحي مثلُهُ، وإنما يُصارُ إلى تفسيرِ أهلِ اللسانِ حينَ يُفقَدُ البيانُ في نَفسِ نُصوصِ الكِتابِ والسُّنةِ.
وقَد دلَ القرآنَ على أن خَلقَ اللهَ لَفظ يُرادُ بهِ فِعلُ الخَلقِ لهُ تعالى، وهُوَ صِفَة مِن صِفاتِهِ فهُوَ الخالِقُ سُبحاتهُ وتعالى، ويُرادُ بهِ مَخلوقُهُ ومَصنوعُهُ، فإنَّ كُل شيء خَلقُهُ وصَتعَتُهُ، والتًغيير والتبديلُ لفِعلِهِ تعالى ليسَ بمقدورٍ للخَلائقِ، فإنه يَقعَلُ ما يَشاءُ، فهذا المعنى للخَلقِ ليس للشيطان و أتباعه فيه نصيب، فتعين أن يراد بتغيير خلق الله مخلوقه تعالى.
و جاء في كتاب الله نظير لهذه الآية، و ذلك قوله تعالى :"فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم" الروم 30
فزاد هذه الآية تفسيرا للمقصود بخلق الله، و هو على قول جمهور أهل التفسير: دين الله الذي فطر عليه الخلق.
و هذا المعنى أولى من غيره بدليل ما رواه عياض المجاشعي: أن رسول الله قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا: كل مال نحلته عبدا حلال ، و إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، و أنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، و حرمت عليهم ما أحللت لهم، و أمرتهم أن يشركوا بي مالم أنزل به سلطانا"..
و هذا تقدم بيانه في تفسير الفطرة، و أنها دين الإسلام، و هي خلق الله تعالى .
فهذه الدلالة ظاهرة في معنى "خلق الله" الذي يأمر الشيطان بتغييره.
و هذا التبديل المنفي في الآية هو عند أهل التفسير على وجهين:
الأول: لا تبدلوا دين الله، فيكون خبرا معناه الطلب.
و الثاني: فطرة الله ثابته لا تتغير في جميع خلقه، فإنهم جميعاً يولدون حنفاء، و إنما يقع التغيير لفطرة الله التي هي دينه بفعل الشياطين و أوليائهم.
و هذا المعنى ظاهر من الحديثين المتقدمين بما لا مزيد عليه.
فيتحصل منه أن الشياطين تأمر بغيير دين الله بالشرك و تحريم الحلال و تحليل الحرام، هذا تفسير رسول الله فيما رواه عن ربه تعالى، و هو مغنٍ عن تكلف التفسير بالرأي.
و منه يتبين أن تغيير خلق الله ليس مرادا به الصورة المخلوقة.
أما اندراج بعض أنواع التغيير لبعض صورة الإنسان أو الحيوان تحت تغيير خلق الله، فهو لأن ذلك الفعل مما حرم الله و رسوله. و الشياطين تأمر أولياءها بتحليل الحرام.
و على هذا يتنزل حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، في الوشم و غيره، فإن هذه الأفعال الوشم و النمص و التفلج منهي عنها، ففعلها من تغيير دين الله لما فيه من طاعة للشيطان في أمره بمخالفة الشرع.
و على هذا فإزالة شئ من البدن يرجع فيه من حيث الحكم إلى ما قضت به الشريعة في كل جزئية منه، و هو راجع في جملته إلى هذه القسمة:
1- منطوق بشرعيته، وجوباً أو ندباً ، كما في خصال الفطرة: كقص الشارب و نتف الإبط و حلق العانة و الختان.
2- منطوق بمَتعِهِ، كالوَشمِ، والنمصِ، وهُوَ تدقيقُ الحاجبينِ، والتفلجِ، والتمثيلِ بقَطعِ الأعضاءِ مِنَ البَدنِ عقوبة، والخِصاءِ.
3- مسكوت عنهُ، والقاعِدَةُ في كُل مسكوتٍ عتهُ أن يكونَ على الإباحَةِ، ومِنْهُ إزالَةُ الشعر ينبُتُ على الرقَبَةِ والقَفا والصدرِ والرجلينِ، وأنواعُ الزيناتِ التي تتخذُها النساءُ مِما لم يُنَص في الشرعِ على منْعِهِ مِن الأصباغِ وغيرِها.

أين موضع اللحية من هذه القسمة؟
إذا تبينَ المقصودُ بتغييرِ خَلقِ اللهِ، وأنه ليسَ بنص في منْعِ جُزئيةِ مِنَ التغييرِ بإزالةِ شيء أو إضافتِهِ إلى البَدَنِ إلا أن يَرِدَ الدليلُ على كون تلكَ الجُزئيةِ مِمَّا نَطَقَتِ الشريعَةُ بمَنْعِهِ، ففي هذا إلغاءُ اعْتِبارِ هذه الآيةِ دليلَا صالحا للاحتِجاجِ بهِ في مسألةِ اللحية، وإنما يُتظَرُ فيما قَضَت بهِ الشريعَةُ في حُكمِ اللحية فيكونُ هُوَ المُعتَبَرَ.
وهذا قد تقدم شرحهُ وبيانُهُ، وكانَ المقصودُ هنا التظَرَ فيما استدل بهِ المُبالِغونَ في حُكمِ إعفاءِ اللحية وحَلقِها.
وقَد حاوَلَ هؤلاءِ المُبالِغونَ تقويةَ ما ذهَبوا إليهِ في هذا الاستدلال بشَيئ ذكَروهُ في النهيِ عَنِ التمثيلِ بالشعَرِ، والنهي عَنِ النتفِ، والمعنى عتدَهُم في النتفِ والحَلقِ واحِد، وأورَدوا في ذلكَ ثلاثةَ أحاديثَ، هي:
1- حَديثُ: "مَن مَثلَ بالشَعرِ فلَيسَ لهُ عتدَ اللَه خَلاق ".
قالَ ابنُ الأثيرِ: "مُثلَةُ الشعَرِ: حَلقُهُ مِنَ الخُدودِ، وقيلَ: نَتْفُهُ أو تغييرُهُ بالسواد" .
2- ما رواهُ ابنُ عساكِر عَن عُمَرَ بنِ عَبد ِالعَزيزِ، قالَ: إن حَلْقَ اللحية مُثلَة، وإن رَسولَ اللّهَ نَهى عَنِ المُثلَةِ.
3- حَديثُ أبي رَيْحانَةَ، قالَ: نَهى رَسُولُ اللّهَ عَنْ عَشرَ: عَنِ الوَشرِ، وَالوَشمِ، وَالنتْفِ، وعَنْ مُكامَعَةِ الرجل الرجل بغيرِ شِعارٍ ، وعَن مُكامَعَةِ المرأةِ المرأَةَ بغيرِ شِعارِ ، وأن يَجعَلَ الرجل في أسْفَلِ ثِيابِهِ حَريرا مِثلَ الأعاجمِ، وأن يَجْعَلَ على مَنْكِبَيْهِ مِثْلَ الأعاجِمِ، وعَنِ النهبى، ورُكوبِ النمورِ، ولُبوسِ الخاتَمِ إلا لِذي سلْطانِ.
واسْتَشهَدوا لما جاءَ في هذا الحديثِ مِنَ التهي عَنِ النتفِ بِما صح مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ وغيرِهِ في لَعنِ النامصاتِ والمتنمصاتِ.
و أقولُ:
صحَ عنِ الإمامِ مُحمَدِ بنِ سيرينَ قوْلُهُ: "انظروا عَمن تأخُذونَ هذا الحديثَ، فإنهُ دينُكُم"، وفي لفظ: "إِن هذا العِلْمَ دينٌ ، فانْظُروا عَمَن تأخُذونَ دينَكُم ".
وأهلُ العِلمِ يختَلفونَ في العَمَلِ بالحديثِ الضعيفِ في فَضائلِ الأعمالِ، لا في الأحكامِ ومعرفةِ الحلالِ والحرامِ كالشأنِ هُنا، ونَص يُفيدُ التحريمَ يجِبُ أن يثبُتَ نقلُهُ ليصح الاستدلال بهِ، وما ذُكِرَ هُنا فبعضُهُ لا يثبتُ أصلا مِن جِهَةِ النقلِ، ثم إن جميعَهُ لا يصلُحُ مِن جِهَةِ الدلالةِ.

فالأول في التمثيلِ بالشعَرِ: حديث ضعيف الإسناد.. فيسقط الاستدلال به.
والثاني في أن حَلقَ اللحية مُثلَة، ونُهِيَ عَنِ المُثلَةِ: فإسناد الحكاية ضعيف جدا.. فسقط الاستدلال به ايضا..
و لكن نقول.. ورد النهي عن المُثلة في أحاديث أخرى.. لذا نحتاج أن نفهم ما هي "المُثلة" أصلا؟

تفسير المثلة:
وحيثُ إن قضيةَ المُثلَةِ قد وَرَدَت هُنا فلنُحررْ معناها، ثم نَنظُرُ مِن خِلالِهِ إمكانَ اتدِراجِ حَلقِ اللحية فيما يُعَد مُثلَة، وكذلكَ حَلقُ الشارِبِ، بل والرأشِ كَما في هذه الرواية عن عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزيزِ على ضَعفها أو على ما دل عليهِ الحديثُ الضعيفُ قَبلَها من النهي عَنِ التمثيلِ بالشعَرِ.
قالَ ابنُ فارِس في أصلِ هذه اللفظةِ: "الميمُ والثاءُ واللامُ أصلْ صحيح يدل على مُناظَرَةِ الشيئِ للشيئِ، وهذا مِثْلُ هذا أي: نَظيرُهُ، والمِثلُ والمِثال في معنًى واحِد، قالَ: وقوْلُهم: (مَثَّلَ بهِ) إذا نكلَ، هُوَ مِن هذا، لان المعنى فيهِ أنه إذا نُكلَ بهِ جُعِلَ ذلكَ مِثالا لكل من صَنَعَ ذلكَ الصَنيعَ أو أرادَ صُنعَهُ، ويقولونَ: (مَثلَ بالقَتيل) جَدعه، وَالمَثُلاتُ مِن هذا أيضا، أي: العُقوباتُ التي تزْجُرُ عَن مِثلٍ ما وَقعَت لأجلِهِ، وواحِدَتُها مَثُلَة كَسَمُرَةٍ وصَدُقَةٍ ، ويحتَمِلُ أنها التي تنْزل بالإتسانِ فتجعَلُ مِثالا ينزَجِرُ بهِ وَيرتَدِعُ غَيرُهُ.
وقالَ الجوهَري: "وَمَثَلَ بهِ يَمثُل مثلْا: اي نَكلَ بهِ، والاسمُ المُثلَةُ".
وفي "اللسانِ": "مَثَلَ بالرجلِ يَمثل مَثلا ومُثلَة، ومَثلَ، كِلاهُما: نَكلَ بهِ، وهِيَ المَثُلَةُ والمُثلَةُ".
قُلْتُ: فحاصِلُ هذا ان المُثلَةَ هي: النكالُ الذي يَجْعَلُ مَن فُعِلَ بهِ مَثلا لغَيرِهِ وعِبرة.
ولِذا لَمَا كانَ الحيوانُ لا وَجْهَ لتَعذيبِهِ جُعِلَ التمثيلُ بهِ مُحرَّما مُطْلَقا، وقَدْ صح عَنِ ابنِ عُمَرَ إنه مَر على قومٍ وَقَدْ نَصَبوا دَجاجَةَ حَيةَ يَرمونَها، فقالَ: إن رَسُولَ اللهَ لَعَنَ مَن مَثلَ بالبَهائِمِ، وفي لفظ: بالحيَوانِ.
وحُرًمَ وَشمُ البَهائِمِ في وُجوهِها، ورُخصَ في غيرِ الوَجْهِ للحاجَةِ إليهِ لتَمييزِها.
وأما الإتسانُ، فإن اللّهَ تعالى شَرَعَ في حقهِ بعض العُقوباتِ البدنية، فصارَتِ استِثناء مِن عُمومِ التَهي عَن المُثْلَةِ، كَقَطْعِ يَدِ السارِقِ، وفي الاستِثناءِ تحقيقُ المقصودِ مِنَ الزجْرِ والردع عَن معصيَةِ اللَهِ، وهذا لا يُطْلَبُ في البَهائمِ.
أما ما لم يَرِدِ التنصيصُ عليهِ مِنَ العُقوباتِ البدنيةِ للإتسانِ فمنهُ ما أعطَتِ الشريعَةُ للحاكِمِ فيهِ ما تقتَضيهِ المصلَحَةُ مِنَ التعزيرِ، لكنه مشروط بأن لا يَكونَ علامَةَ ثابتةً في المُعزرِ، فليسَ فيهِ قَطعُ عُضْو ولا شَقهُ ولا كَيهُ بنارٍ ولا ما أشبَهَ ذلكَ مِما يتركُ أثرا يكون سَبَبا لإشارَةِ الناسِ إليهِ بهِ وتعييرِهِ لأجلِهِ بخَطيئتِهِ.
وَمِن هذا حَلقُ الشَعر، كَشَعرِ الرأسِ أوِ اللحية أو الشارِبِ أو الحاجِبَينِ، فإن ذلكَ إذا فُعِلَ على وجه الإهانَةِ والتحقير للمَحلوقِ كانَ عُقوبَة، وهُوَ مُثلَةْ، لأنه عُقوبَة لم يأذَن بها الشرعُ، لا مِن جِهَةِ أن الحَلقَ في نَفْسِهِ ممنوعْ، فإن حَلقَ الرأس مُباح أصالَة، وهوَ مطلوب في النسُكِ، وإنما المنعُ مِن جِهَةِ العُقوبة بذلكَ، ففيهِ اعتِداة على جُزْء مِنَ بَدَنِ الآخَرِ لم تأذن بهِ الشريعَةُ.
وَيشبَهُ أن يكونَ مِن هذا ما حَدثَ به قَيس بنُ أبي حازِم، قالَ:
استَعمَلَ عُمَرُ (يعني ابنَ الخطاب)- رَضِيَ اللهُ عَتهُ- رَجُلا مِنَ الأنْصارِ، فنَزَلَ بعَظيمِ أهل الحِيرةِ عند ِالمسيحِ بنِ بقَيلَةَ، فأمالَ عليهِ بالطعامِ والشرابِ ما دَعا بهِ، فاحتُبِسَ عليهِ بالهَزلِ، فدَعا الرجل فمَسَحَ بلحيتِهِ، فرَكِبَ إلى عُمَرَ، رَضيَ اللهُ عتة، فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، قَد خَدَمتُ كِسرى وقَيصَرَ فما أتى إلي في مُلكِ أحَد مِنْهُم ما أتى إلي في مُلكِكَ، قالَ: وما ذاكَ؟ قالَ: نَزَلَ بي عامِلُكَ فُلانْ فأمَلْنا عليهِ بالطعامِ والشرابِ ما دَعا بهِ، فاحتُبِسَ بالهَزلِ، فَدعاني فمسحَ بلحيتي، فأرْسَلَ إليهِ عُمَرُ، رَضِيَ الله عتهُ، فقالَ: هيه! أمالَ عليكَ بالطعامِ والشرابِ ما دَعَوتَ بهِ، ثم مَسَحتَ بِلحيتِهِ؟ واللهِ لولا أن تكونَ سُنة ما تركتُ في لحيتِكَ طاقَةً إلا نَتَفتُها، ولكنِ اذهَب فواللهِ لا تَلي لي عَمَلَا أبَدا.

ومِن هذا قِصةُ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيز المتقدٌمَةُ في إتكارِهِ على عُبَيدَةَ السلَميً عُقوبَتَهُ بحَلقِ الرأس واللحية.
وينبَغي أن يكونَ من هذا المعنى حَديثُ التمثيلِ بالشَعرِ المتقدم على ضَعفهِ، وهُوَ أن يُعاقَبَ إتسان بحَلْقِ شعرهِ أو نَتْفِهِ اْو حَرقِهِ.
هذا التأويلُ هُوَ المتفِقُ معَ معنى المُثلَةِ في اللِّسانِ، فإذا تبينَ، لم يكُن هُناكَ وجه لرَبطِ ما وَرَدَ في المُثلَةِ بمسألَةِ حُكْمِ حَلْقِ اللحية الذي يقَعُ بفِعلِ صاحِبِها، كما لا يُعَد مِنَ المُثلَةِ لو حَلَقَ شعر رأْسِهِ.
لكن يَنبغي أن يُلاحَظَ ان بعض العُلماءِ جاوَزَ هذا المعنى اللغوي الشرعي فعَد بعضَ ما خرجَ عَنِ المألوفِ من التَصرفاتِ بالبَدَنِ مُثْلَةً، وكأن الوجه عندَهُم فيهِ أن صاحِبَهُ يجعَلُ نفْسَهُ بذلكَ الصنيعِ مِثالا يُشارُ اليهِ ويُعابُ بهِ، وهذا وإنِ اتجَهَ إلا إنه ليسَ الأصل في معنى اللفظِ إنما هوَ توسعٌ في الاصطلاحِ، ومنهُ عَد الإمامِ مالك رحِمَهُ اللهُ حَلقَ الشارِبِ مُثلَة، حيثُ إتَه فعل لم يُعهَد ولا أصلَ لهُ عتدَهُ في أدلةِ الشرعِ، خُصوصا معَ مُراعاتِهِ ما جَرى عليهِ عَمَلُ أهل المدينَةِ.
وما ذكَرَهُ أبو مُحمد ابنُ حَزْمِ فيما تقدم إيرادُهُ من قولِهِ عَنِ العُلماءِ أنهم سمَوا حَلْقَ اللحية مُثْلَة، فهذا وارِدٌ على هذينِ التَفسيرينِ: اللُغوي الشَرعي المتقدٌمِ، وهوَ النكالُ والعُقوبَة يُقعَلُ بالغيرِ، كما في أثرِ عُمَرَ بنِ عَبد ِالعَزيزِ الضعيفِ، والاصطِلاحي الّذي أجرَيْتُ عليهِ قولَ مالكٍ في الشَّارِبِ.
والمطلوبُ أن يُراعى في تفسيرِ الألفاظِ في هذا المقام ما دل عليهِ اللسانُ والشَرعُ، وبهِ يجِبُ أن تُحاكَمَ مُصطلَحاتُ الفقهاء.

وأمَا حديثُ أبي رَيحانَةَ في النهي عَنِ النتفِ:
فهُوَ حَديث ضَعيف من جهة إسناده.
ومَوضِعُ الشَاهِدِ منه هوَ النهيُ عَنِ النتفِ، والنتفُ: نَزْعُ الشَعر، فالقول بمَدلولِ هذا الحديثِ يمنَعُ مِن نَتفِ الشعرِ مِنَ البَدَنِ مُطلَقا إلا ما وَرَدَ في الإبِطِ خاصة، لكن حيثُ لم يثبُتِ الحديثُ فلا مُسوغَ للقول بالنهي عن ذلكَ، إلا أن يُكْرَهَ لِما فيهِ مِنَ الإيلامِ.
وأما تقويةُ ذلكَ بِما وَرَدَ مِنَ النَّهي عَنِ النمصِ، فهذا يَصحُ إذا كانَ النمصُ مُطلَقَ النتفِ لا نَتفا مُعينا، واذا كانَ الحكْمُ متعديا النساءَ لأنه وردَ فيهِن.
فأما معنى النمصِ عندَ أهل اللسانِ فمنهُم مَن أطْلَقَهُ على نَتفِ الشعرِ بِلا قَيد، ومنهم مَن قَيدَهُ بشعر الوجه، ومِتهُم مَن زادَهُ تفسيرا بشعر الجَبينِ، وهذا الأخيرُ راعى في تفسيرِهِ عُرفَ الاستِعمالِ في تفسيرِ حَديثِ النبي .
وأيُّ ذلكَ هُوَ المُرادُ على التحقيقِ في حَديثِ رَسُولِ اللّهَ ؟
إِن قيلَ: كُل نَتْفِ، فقَدْ عَلِمنا بالنَّص استِحْبابَ نَتْفِ الإبِطِ للرجالِ والنِّساءِ، ولا يُسَمى نَمصاً.
وِإن قيلَ: نَتْفُ شعر الوجه جميعا، فالحديثُ وَرَدَ في النساءِ، والحُكمُ للغالِبِ الأعَم، والغالِبُ الأعَم أن المرأةَ لا ينبُتُ لَها الشعَرُ إلا في موضِعِ الجَبينِ، وهوَ الحاجِبانِ.
فيترجحُ أن يُرادَ بالنَّمصِ نَتْفُ شعر الحاجِبَينِ كما يَقولُهُ بعْضُ الفُقَهاءِ، لَيسَ نَتْفا مُطلَقاً.
فإذا تبينَ أن يكونَ هذا مُرادَ الحديثِ، فهَل يصحُّ تعديتُه للرجالِ؟
الحديثُ نَص في النساءِ، والشريعَةُ جَرَتْ على منهاج واضِح فىِ خِطابِ المُكلفينَ، فحيثُ يُرادُ بالخِطابِ أن يكونَ شامِلَا للجِتسَينِ يأتي بلفظ التذكيرِ، أمَا مجيئهُ بلفظ التأنيثِ يُرادُ بهِ الذكورُ معَ الإناثِ فعلى خِلافِ ما جَرَت بهِ سُنةُ التشريعِ، فالأصل أن يكونَ هذا الحُكمُ مِما يختَصُّ بهِ النساءُ.
لكن التعديةَ قد تكونُ بطريقِ القِياسِ، وهذا صَحيحْ هُنا، فإن التَزينَ خُلُقُ النساءِ، والرجالُ دونَهن فيهِ طَبعا وشَرعا، والنمصُ تفعَلُهُ النساءُ تجملًا وتزينا، فإذا مُنِعَ منهُ مَن الزينَةُ طَبعُها، فأولى ان تمنَعَ مِنْهُ مَن هُوَ دونَها في ذلكَ المعنى، وهُوَ الرجل.
وعليهِ فيصح القول: النمصُ مُنِعَتْ منهُ النساء نَصا، فَيُمنَعُ منْهُ الرجالُ بطَريقِ الأولى، كَما عَدَينا الحُكْمَ بنَفْسِ الطريقِ للرجالِ في مَتعِ الوَشمِ.
وَحيثُ تقدم أن النمصَ هُوَ نَتْف شعر الحاجِبَينِ، فذلكَ ذاتُه مُحرمُ على الرجالِ، وتعديتُهُ إلى الشْارِبِ واللحية خارجْ عن دلالةِ النصق والقِياسِ.

مفارقة:
الذينَ اْورَدوا حديثَ النمصِ لم يَستَدلوا بهِ لمنْعِ نَتْفِ شَعرِ اللحية، إنما لمنعِ حَلقِ اللحية، وهذا خطا بَينٌ ، فإن النتفَ غيرُ الحَلْقِ، النتفُ نزع للشعَرِ، والحَلقُ قَطعٌ لَهُ، النتْفُ مؤلِمٌ بِخِلافِ الحَلقِ، النًتفُ يوهِمُ المرودَةَ إذ لا يُبقِي أثرَ الشَعَر بخِلافِ الحَلْقِ، النَّتفُ يُضْعِفُ نَباتَ الشعرِ والحَلقُ يُقوٌيهِ، فكيفَ يصحُّ الإلحاقُ والمُساواةُ؟!
هذا الاستدلال آخِرُ ما أردتُ إيرادَهُ مِمَا تعلقَ بهِ المُبالِغونَ في حُكْمِ حَلْقِ اللحية مِما أضافوهُ للشرْعِ، وأرجو أن أكونَ بينْتُ لكَ وجوهَهُ دونَ تكلُفٍ بِما أسقَطَ تلكَ المُبالغاتِ التي قد شاعَت أمثالُها في عُرْفِ كثيرِ مِن المُحدَثينِ، بِما لا يُعْرَفُ مثلُه في الاستِدلالِ عنْدَ أهل العِلْمِ المتقدِّمينَ، والمقصودُ أن تُعطى المسائِلُ الشرعيَّةُ حقَّها، كَما تُستَفادُ مِن أدلتِها البينَةِ دونَ مُبالَغة أو تكلفٍ .

الخلاصهَ
إن الفِقهَ يجبُ أن يَستَنِدَ إلى علامات شرعيةٍ بارزةٍ تُبقي الفَقيهَ على الطريقِ وتَخفَظُهُ مِنَ الزلَلِ، لا إلى أوهام وظُنون يحسَبُها الظمآنُ ماء حتى إذا جاءَها لم يَجِدها شيئاَ.
ورَحِمَ اللّهُ مَنِ انتَهى إلى ما سَمِعَ، والمؤمِنُ وَقافْ عتدَ النقلِ، يُنزِّلُ كُلَ شيءٍ ما نزلَهُ اللّهُ ورَسولُهُ من غيرِ زيادةٍ ولا تكلف.
وَمسألةُ اللحية مِمَّا نزلَتْهُ الشَّريعَةُ منزِلَتَهُ التي أغنَت عنِ الزيادَةِ، ومَن أعيَتْهُ مسألةْ شرعية فبَحَثَ عن حُكْمِ اللهَ تعالى ورَسولِهِ فيها، فوجَدَ الحُكمَ في صَراحَةِ الأدلةِ بخُصوصِ تلكَ المسألةِ، فذلكَ مِنَ الشَّرعِ بُرهان على إلغاءِ طلَبِ حُكْمِها عن طَريقِ الاجْتِهادِ فىِ ظنياتِ الألفاظِ.
وحيثُ إن الشَريعَةَ نَطَقَتْ في ثلاثةِ أحاديثَ تتصلُ باللحية بالأمْرِ بمخالَفَةِ الكُفَّارِ في إعْفائها، وشَرَحَت النصوصُ دلالةَ ذلكَ الأمْرِ، فذلكَ مُغنِ عنِ الاستِدراكِ عليهِ بأدلة لا تثبتُ نَقلا ولا دلالةَ، أو لا تثبتُ دلالة، بل تضمَنَت المُفارَقاتِ المُفسِدَةَ للاستدلال بها، وغايَةُ المقصودِ عندَ المستدل بها تفخيمُ شأنِ اللحية، ولا يصح أن يُفخم ويعظَمَ شيء بأكْثَرَ مِمَّا فخمَهُ وعظمَهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، وإنما ذلكَ بأدلْتِه الصريحَةِ البَيًنَةِ.
وَحاصِلُ ما شَرَحتُهُ هنا: تَفنيدُ ما زادت طائْفة الاستِدلالَ بهِ على الأحاديثِ الثلاثةِ الآمرةِ بقص الشارب واعفاء اللْحيَةِ مُخالفةً للكُفارِ، وخُلاصتُهُ:
ا- قالوا: إعفاءُ اللحيَةِ مِنَ الفِطرةِ.
وَقلتُ: لا يثبتُ بهِ الحديثُ، على أن الفطرة هي ركن الإسلام بجَميعِ شرائعهِ، وإعفاءُ اللًحيَةِ وقَص الشاربِ حيث ثبتت مشروعيتهما لأجلِ مخالَفَةِ الكفارِ، فهما مِنَ الفطرةِ، أي مِن الذين بهذا الاعتبار.
وهذا لا يزيدُ في رَفعِ درجَةِ الحُكمِ فَي الاستحباب االذي شرحتُة مِن قَبلُ.

2- وقالُوا: اللحية مِن سَمتِ الأنبباء عليهم السلام.
وقُلْتُ: إِن صح إطلاقُهُ فهُوَ دليل حسنِها، لا درجة حكمها.

3- وقالُوا: حَلقُ اللحيَةِ تشبهْ بالنساء.
وقُلتُ: ليسَ كذلكَ، ولِذا لم يُعلل به الشارع، وارجِع إلى تفصيلِهِ.

4- وقالُوا: حَلقُ اللحيَةِ تغيير لخَلقِ اللهِ.
وقلتُ: المرادُ بخَلقِ اللهَ في النصوصِ التي استُدِل بها لذلكَ: دينه، و ذلك بدلالة القرآن و الحديث الصحيح ، و تغييره إنما هو بتحليل الحرام و تحريم الحلال، و بعبارة أخرى: هو شرائع الدين، فمن بدل شيئا من شرائع الدين فقد بدل خلق الله، و في الدين : واجب و مندوب و حرام و مكروه و مبارح، و كما تطلب تلك الأحكام من أدلة الشرع الخاصة بها، فكذلك اللحية ، ثم لا يحل لأحد أن يغير حكم اللحية عما حكم فيها الله تعالى و رسوله.

5- و قالوا: حلق اللحية مُثلة.
و قلت: أخطأتم في تفسير المثلة، فالمثلة: التنكيل و العقوبة البندية، فمن حُلقت لحيته أو رأسه أو قطع منه عضو فقد مُثِّل به، إلا فيما أذِن به الله و رسوله أن يُعاقب بمثله، لكن من حلق رأسه أو لحيته بفعل نفسه لا اعتداء من أحد عليه فلا مثلة في ذلك.

6- و قالوا : حلق اللحية كالنمص و النتف، و قد نُهي عنهما.
و قلت: النمص نتف شعر الحاجبين، ولا يثبت في النهي عن مطلق النتف نص، و اللحية ليست الحاجب، ثم إن النتف و الحلق يفترقان، فلا يصح الإلحاق.
هذا إيجاز القول في ذلك ، و تفصيله فيما تقدم.
__________________
هلا وغلا :a

آخر من قام بالتعديل ابوغريب; بتاريخ 14-12-2006 الساعة 10:05 PM.
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:53 PM   #27
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
حكم تهذيب اللحية و تحسين هيئتها

--------------------------------------------------------------------------------

اتخاذُ اللّحيَةِ مِنِ اتخاذِ الشَعرِ، وقدْ جاءَت الشريعة بالحث على إكرامِ الشعر، كما قالَ النبي : "مَن كانَ لَهُ شَعْر فليكرمه".
وإكرامُ الشعر يندرجُ تحَتَهُ مِن الأفعالِ تَجميل صورته وهيئتِهِ، وتَنظيفُهُ، ودَهنُهُ، وصَبغُهُ، وتَرجيلُهُ، وغيرُ ذلكَ بما يرجع إلى معرفةِ السنن فيه إلى مواضِعِهِ كُكُتُبِ الأدَبِ واللباسِ مِن كتب السنة.
والجانِبُ المقصودُ بالبيانِ مِن ذلكَ هُوَ الوَصْف الذي يسوغ او ينبغي أن تكونَ عليهِ اللحية مِن جِهَةِ طولِها وقِصَرِها وعَرضها، وتسوية أطرافها.
هذه مسألة لم يَرِدْ في سُنةِ النبي شيء يثبُتُ بهِ النقْلُ يدل فيها على سُنيةِ الأخذِ مِن شَعْرِ اللحية وتَهذيبِها، ورُوَيت في ذلكَ أحاديثُ تقدم في البابِ الأول بيانُ عَدَمِ ثُبوتِ شَيءٍ منها، وجَميعُها بينَ موضوعِ كَذِب، أو واهي الإسنادِ، أو ضَعيفٍ جِدا، أو ضَعيفِ لا جابِرَ لهُ.
وأحسن شَيئ في ذلكَ حَديث مُرسلْ فيهِ أمرُ النبي بإصلاحِ اللحية وتهذيبِها.
ومعَ عَدَمِ صحةِ شيء عَنِ النبي في الأخذِ من اللِّحيَةِ وتهذيبِها، إلا أن الآثارَ عَنِ السلَفِ مِن أصحابهِ رَضِيَ اللّهُ عتهُم ومَن بَعدَهُم على جَوازِ ذلكَ، وتقدم سِياقُ الآثارِ في البابِ الأول عَمن وَرَدَ عتهُ ذلكَ مِن الصحابَةِ والتابعينَ، ولخضتُ لكَ هُناكَ مذاهِبَهُم فيها بعدَ تفصيلِ القول في ثُبوتِ نقلِها.

وحاصِل ذلكَ جواز تهذيبِ اللحية بالاخذِ منها، وإليكَ تقريرَه مِن وجوهٍ :
الأول: ورودُ الأمرِ بإصْلاحِ شَعْرِ اللحية في خبر مُرسلٍ عضدَهُ صحَةُ العَمَلِ بذلكَ عن أصحاب النَبيٌ مِن غيرِ اعتِراضِ من اْحَدِ منهُم، معَ الأمْرِ الشرعي بالتجملِ وإكرامِ الشعر، ذلكَ بُرهان كافٍ للدلالةِ على أن تحسينَ هيئةِ اللحية بالأخذِ منها مطلوب حَسَنٌ في الدِّينِ، وغيرُ مُنافٍ لأمرِهِ بالإعفاءِ على أي دَرَجَةِ تصرفَ ذلكَ الأمرُ.
الثاني: أصح مَا رُوِيَ فيهِ الأمرُ بإعفاءِ اللحى حَديثُ ابنِ عُمَرَ وأبي هُرَيرَةَ، وقد صح عنهما جميعا أنهُما كانا يأخُذانِ مِنَ اللحيَةِ، وهُما أعْلَمُ بِما روَيا عن رَسولِ اللّهَ .
ولا يُتصؤَرُ إنهما نَسِيا في ذلكَ ما سَمِعاهُ مِنَ النبي مع شُيوعِ الرواية بالإعْفاءِ من حَديثِهِما، بل كانَ الرَّجُلُ يُحدثُ عَنِ ابنِ عُمَرَ أئه كانَ يأخُذُ من لحيَتِهِ في نفْسِ الوَقتِ الذي يُحدثُ عتهُ فيه بحَديثِ الأمْرِ بالإعْفاءِ.
وفي صَنيعِهما إشعار بمراعاةِ عِلةِ الأمرِ بالإعفاءِ، فلما رأيا المُخالَفَةَ لغيرِ المسلمينَ حاصِلَةً بتركِ حَلقِ اللْحيَةِ وبالأخذِ مِنَ الشَّارِبِ لم يكُن عنْدَهما مِن بأسِ في أن تكونَ اللحية على هيئة حسَنَةِ مُرتَّبةٍ ، ولم يكن ذلكَ مُنافِيا للمأمورِ به.
وقالَ الفقيهُ أبو عُمَرَ ابنُ عَبدِ البر: "قَد صح عَنِ ابنِ عُمَرَ في الأخْذِ مِنَ اللحيَةِ، وهُوَ الذي رَوى عَنِ النبيئ لمجرو أنهُ أمَرَ باِحْفاءِ الشوارِبِ وِإعفاءِ اللحى، وهُوَ أعلَم بِما رَوى".
الثالث: المعهودُ عَنِ ابنِ عمًرَ خاصْةَ أنه كانَ شَديدَ المُتابَعَةِ لهَدْيِ النبيٌ في كُل شَيءِ، حتى أنه عرِفَ بالتكلفِ في اتًباعِ آثارِ رَسولِ اللّهَ ، كَما صحت بذلك الأخبارُ:
فعَن مُجاهِدِ قالَ: كُنا معَ ابنِ غمَرَ في سَفَرِ، فمرَّ بمكانٍ فحادَ عتهُ، فسُئِلَْ لمَ فعَلتَ؟ فقالَ: رأيتُ رَسولَ اللّهَ فعَلَ هذا فَفَعَلتُ.
و غيره من الروايات الكثيرة..
و أن يقال : تأول الأخذ من اللحية لأجل النسك، فهذا لا أصل له في المناسك، و هو و إن فعله في حج أو عمرة فليس هناك ما يدل على إرادة النسك ، كذلك إنما يفعله إذا حل، كما يسوغ له عند إذ نتف الإبط و حلق العانة، كما صح عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : "ثم ليقضوا تفثهم" ، و ليس ذلك من المناسك.
قال ابن عبد البر :"في أخذ ابن عمر من آخر لحيته في الحج دليل على جواز ذلك في غير الحج.. لأنه لو كان غير جائز لما جاز في الحج"
الرابع : كان ابن عمر يفعل ذلك في الحج و العمرة، و هذا من ثلاثة كانوا من أعلم أصحاب النبي بالمناسك وإليهِم مَرجع الناسِ في الفتوى والأحكامِ، بلْ في خبرِ جابِرٍ حكايَةُ ذلكَ عَنِ الجميعِ، ولا يُعرَفُ لهُم مُخالِف أو مُعارِضْ في زمانِهِمْ، معَ شُيِوعِ أمرِ اللحيَةِ وظُهورِهِ إذ هُوَ علامَةٌ في الوجوهِ، لهُوَ مِن أظهَرِ البراهينِ على أنه كانَ سائغا جائزا حَسَنا، وإلا لَما صح هذا التَواطؤ مِن أعيانِ فُقهاءِ الصحابَةِ وموضِعِ قُدْوَتِهِمْ.
الخامسُ: إذا عُدتَ بأمْرِ اللحية إلى المعنى الَّذي قدمتُ شَرْحَهُ، وهُوَ أن الأفرَ بإعفائها جاءَ لعلَةِ المُخالَفَةِ لغَيرِ المسلممِنَ في حَلْقِهم لَها وإعفائِهم للشوارِبِ، لاحَظتَ أن تحقيقَ المُخالَفَةِ حاصِلٌ بوُجودِ مُسمَّى اللحيَةِ وقَصِّ الشَارِبِ، ولَيسَت الإطالَةُ معنى مقصودا لذاتِهِ إذا تحققَتِ المُخالَفَةُ.

مقدار ما يؤخذ من اللحية:
المأثورُ عن أصْحابِ النبي أن ابنَ عُمَرَ وأبا هُرَيْرَةَ كانا يأخُذانِ مِنَ اللحية، يقْبِضانِ عليها بالكَف، فما زادَ مِن شعرها قَطَعاهُ، كما كانَ ابنُ عُمَرَ يأمُرُ مَن كانَ يأخُذُ مِن طولِ لحْيَتِهِ أن يُسويَ أطرافَها.
وما جاءَ مِنَ الإذنِ عَنِ ابنِ عباس ، وحِكايَةِ الفِعلِ عَن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ وعَطاءِ بنِ أبي رَباحٍ عَنِ الناسِ، ليسَ فيهِ حَد للأخْذِ، وعَنِ ابنِ عباس جوازُ الأخْذِ مِن العارِضَينِ.
ولَيسَ مَذهَبُ مَن فَعَلَ القَبضَةَ أنه رآها حَدا لا تحلُ مُجاوزَتُهُ، إنَّما هُوَ اخْتِيار.
ولِذلكَ جاءَتِ المذاهِبُ عَنِ التابعينَ كمُجاهد المكي ومُحمدِ بنِ كعبٍ القُرَظي والحَسَنِ البَصري وابنِ سيرينَ والقاسِمِ بنِ محمْدِ وطاوُس اليَماني وغيرِهِمْ، إنهم كانوا يَرَوْنَ الأخذَ مِنَ اللحيَةِ مِن غيرِ مراعاة للتَحديدِ بالقَبضَةِ، وذكَرَ إبراهيمُ النخَعي عمَن أدرَكَ مِنَ الناسِ أنًهُم كانوا يُنظفونَها بالأخذِ مِن عوارِضِها.
أما الفُقهاءُ بعدَهُم فالمنقولُ عَن جُمهُورِهم جوازُ الأخْذِ مِنَ اللحيَةِ وتَحْسينُ هيئتِها، على خِلافٍ في المقدارِ في اختِيارِ القَبضَةِ أو مُجاراةِ العُرفِ في هيئَتِها، أو مُطْلَقا ما لم يكُن أخذا فاحِشا شَديدا.

و الخلاصة :
فهذه جُملَةُ مذاهِبِ أهل العِلمِ، وحاصِلُها:
1- لم يَقُل أحَد منهُم: لا يجوزُ الأخذُ من اللحية.
2- نص جمهُورُهُم على جوازِ الأخذِ مِنَ اللحية من طولِها وعَرضِها.
3- قيدَ بعضُهُم الأخْذَ مِن طولِها بِما فَضَلَ عَن قَبضَةِ الكَف.
4- مَن لم يُقيًد بالقَبضَةِ قالَ: يأخُذُ منها أخذا حَسَنا، لا شَديدا فيُخفيها إخفاءً.
5- كَراهَةُ الاخذِ منها لم تؤثَر عَنِ الصحابَةِ، بل المأثورُ عَنِ الصحابَةِ الأخذُ منها، وكذلكَ جُمهورُ أئمةِ التابعينَ.
6- الأخذُ مِنَ اللحية لا يُعارِضُ الأمرَ بالإعْفاءِ: أما لأن الإعفاءَ مقصود بهِ مخالَفَة غَيرِ المسلمينَ الذينَ يحلِقونَ لحاهُم أو يحفونَها، فتَكونُ أي إطالَةٍ لها محققة لتلك المخالفَةِ، خُصوصا معَ تلازُمِ ذلكَ معَ قَص الشارِبِ.
و أما لأن المأمورَ به أن تُحفى الشواربُ وان تعفى اللحى من ذلكَ الإخفاءِ، لا أن لا تُمس.
وفِعلُ الصحابَةِ في الأخذِ منها كان مشهورا شائعا من غيرِ نكيرٍ ، فكل مَن استدل بالإجماعِ السكوتي لزمه قبول ذلكَ كدَليلٍ ، ومَن لم يحتج بالإجماعِ السكوتي لزِمَهُ قبول ذلكَ كتفسيرِ مِنَ الصحابَةِ لحديثِ رَسولِ اللّهَ ، فهُم أعلَمُ باللسانِ والمُرادِ، خُصوصا مَن روى عَته الأمرَ بالإعفاءِ وكانَ يأخُذُ من لحيَتهِ كابنِ عُمَرَ وأبي هريرة.
ولغَةُ ابنِ عُمَرَ وأبي هريرة في تَفسيرِ مُرادِ الشارعِ أولى بالقَبولِ والاحتِجاجِ مِن لُغَةِ الخَليلِ والأصمعي وأبي عُبيد في تَفسيرِ غَريبِ الألفاظِ، وأصولُ الفقهِ عندَهُما أولى بالاعتِمادِ مِنَ الأصولِ بعدَ وضعِها.
و الوُقوفُ على ما جاءَ بهِ الخَبَرُْ واجِب، لكن معَ تأملِ فِقْهه المُرادِ بهِ، لا جُمودا، فأمرُ اللحيَةِ كما تقدم شرحُهُ ليسَ عِبادة مَحضَةَ لا سبيلَ إلى إدراكِ المُرادِ بها، وإنما وَرَدَ لعلةٍ ، فليُعلنَ بها، ولا تُحمَلُ مذاهِبُ الصحابَةِ ونَقَلةِ الأثَرِ ومَن عُرِفوا بالوقوفِ عتدَ الخَبَرِ على الشذوذِ والخطا، وتُصححُ بمُقابِلِها مذاهِبُ متأخرَة لا يُعرَفُ فضل أهلِها في مَعرفَةِ الشرائعِ وإدراكِ مَقاصِدِها على التحقيقِ إلا بمقدارِ ما وافَقوا فيهِ السلَفَ.

و المقصود:
أن تحسينَ هيئةِ اللحية لمَنِ اتخَذَها مطلوب حَسَنْ، لا بأسَ أن يأخُذَ من طولِها وعَرضِها، وُيسوٌيَ أطرافَها، وله أن يُزيلَ ما تحتَ حَلقِهِ وعلى رقبتِهِ بالموسى فذلكَ ليسَ من اللحية، كما تقدم في تعريفِ اللًحيَةِ.
وُيكرَهُ أن تكونَ لهُ اللًحيَةُ العَظيمَةُ التي يُشارُ إليهِ بسَبَبِها، فان الشهرَةَ مَذمومةْ، ورُبما كانَت غُرورا ومَهلَكَة.
__________________
هلا وغلا :a
ابوغريب غير متصل  
قديم(ـة) 14-12-2006, 09:53 PM   #28
ابوغريب
عـضـو
 
صورة ابوغريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: بريدة
المشاركات: 572
الكلمة الأخيرة

--------------------------------------------------------------------------------

بَعدَ هذِهِ الدِّراسَةِ المستَوْعِبَةِ المستَعرِضَةِ بالتحقيقِ والتنقيحِ للنُّصوصِ في مَوضوعِ (اللحية) من السنَنِ والآثارِ، مَعَ اعتِبارِ بَيان أهلِ العلمِ وخِلافِهم، يَنتَهي بي هذا البَحثُ بخُصوصِ ذلكَ إلى النتائج التالِيَة:

أوّلا تَعريفُ اللحية:
اللحية هِيَ الشعر النابِتُ على الذقَنِ والعارِضَينِ من وجه الرجل.
وليسَ منها ما يَتبُتُ شاذا على غير العارِضَينِ من الخدين، ولا شعر العَتفَقَةِ، ولا ما ينبُتُ أسفَلَ الذقن على الرقَبَة، فليسَ ذلكَ لحيَةً.

ثانياً: خلاصَةُ الدراسَةِ الحديثيةِ:
ا- ما ثَبَتَ بهِ النقلُ في صِفَةِ النبيٌ ، أنه كانَ لهُ لحية، مَوصوفَة بكونِها: حَسَنَة، كَثة، ضَخمَة، كَثيرَةَ الشعر: تَملا من الصدْغِ إلى الصدغ حتَى تَكادُ تملا نَحرَهُ، وَكانَ يأخُذُ بها إذا اهتَم، وُيخلًلُها بالماء إذا تَوضا، وَيعرِفُ مَن خَلفَهُ في الصلاةِ السريَّة أنه يَقرا فيها بِما يَرَونَهُ من حَرَكَةِ لحيتِه .
2- الأحاديثُ القوليَّةُ الآمِرَةُ بإعفاءِ اللحية ثَبَتَتِ الرٌوايَةُ بِها عَن ثَلاثَةِ من الصحابَةِ، في ثَلاثَةِ أحاديثَ: عَن عبد الله بنِ عُمَرَ، وأبي هريرة، وأبي أمامَةَ الباهلي.
وهذهِ الأحاديثُ الثلاثَةُ جَميعا جاءَت بالأمرِ بإعفاءِ اللحية وقَص الشَاربِ، مُعللة الأمرَ بمُخالَفَةِ من يفعَلُ عَكسَ ذلكَ بهما من غيرِ المسلمينَ.
3- مارُوِيَ في عَد اعفاءِ اللحية مِن سُنَنِ الفِطرَةِ لا يَثْبُتُ منه شيءٌ من جِهَةِ الروايَة.
4- الأحاديثُ المرويةُ عَنِ النبي في الأخذِ مِنَ اللحية، لم يَثبُت منها شَيئ.
5- الآثارُ المرويةِ عَنِ الصحابَةِ في شأنِ اللحية جاءَت عن نَفَرِ كَثيرِ منهُم بإعفائها صَراحَة.
6- الأخْذُ منها وتَهذيبُها وتَحسينُ هيئَتِها ثَبتَ عَنِ الصحابَةِ العَمَلُ بهِ، وذلكَ في دلالَةِ النقولِ الثابِتَةِ عن جُمهورِهم، وكَذا عَنِ التَابعينَ، وعليهِ مَذاهِبُ الفِقْهِ المتْبوعَةُ، دونَ نَكيرٍ من أحَدٍ البتَةَ، فذلكَ جارِ على طَريقَةِ مَن يحتج بالإجماعِ السُّكوتي.
ولم أجِدْ مَن ذَكَرَ مَتعَ مَسًها وتَهذيبِها في رأي مَن سَلَفَ، سِوى شَيء شاذ مُحدَثِ في زَمانِنا.
7- وَمِنَ السلَفِ مَن كانَ يأخُذُ منها بحَد، كأخْذِ ما فَضَلَ عن قَبضةِ الكَف، وتَوقيتِ كالحج والعُمرَةِ، ومنهم مَن كانَ يأخُذُ منها دونَ اعتِبارِ حَد وَلا تَوقيت، حيثُ جاءَ النقْل عنهم بالإطلاق، ومنهم مَن ثَبَتَ عنهُ اْيْضا شَرعيةُ الأخذِ من العارِضَين.
8- كَما دَل الاستِقراءُ للنقلِ أن إعفاءَ اللحية مِما جرى في عرف الناسِ قَبلَ الإسلامِ، ولم تُلغه شَريعَةُ الإسلامِ، وإنما ابقته على ما جَرَى بهِ العُرفُ.
9- وَدَل الاستِقراءُ أيضا على أن حلقَ اللحية اختِيارا من صاحِبِها لم يُذْكَر عن صَحابيً ولا تابعي، ولا يُعرَفُ في المجتَمَعِ الإسلامي في صَدرِ الإسلام.
10- مَذاهبُ الفِقهِ المتبوعَةُ عتدَ أهل السنةِ في شأنِ إعفاءِ اللحية لم يأتِ في شَيءٍ منها إباحَةُ حَلْقِ اللحية، وإنما فيهِ عِتدَ أكثَرِهم وَجهانِ: أولهما: كَراهَةُ حَلقِها، وُيقابِلُهُ: نَدْبُ إعفائها، وهذا أحَد الوجهينِ للمالكية والشافعية والحَنابِلَةِ.
وثانيهما: تَحريمُ حَلقِها، ويُقابُلُه: وُجوبُ إعفانها، وهُوَ مَذهَبُ الحنفية، والوجه الاَخَرُ للمذاهِبِ الثلاثَةِ السابِقَةِ.

ثالثاً: خلاصَةُ الدِّراسَةِ الفقهيةِ:
ا- دلً اتخاذُ النبي للحية الحَسَنَةِ على مَشروعيتِها لاباحَتِها، وَيكونُ فَضيلَة إذا اقتَرَنَ بقَصدِ المشابَهَةِ للنبي .
2- دَلالَةُ النُّصوصِ الآمِرَةِ بإعفاءِ اللحية لا تتجاوَزُ الاستِحبابَ عنْدَ ؤجودِ مُقتَضي المخالَفَةِ لغيرِ المسلمينَ؟ من أجلِ أن تلكَ المُخالفَةَ فيما يَرجِع للمظاهِرِ والهَيئاتِ، ومنها اللحية، لم تُساعِدِ النصوصُ في حُكْمِها في الدلالَةِ على أكثَرَ من الندْبِ، وإنما يُسْتَثنى حالُ مَن يَقصِدُ مُشابَهَةِ غيرِ المسلمينَ في هيئَتهم الظاهِرَةِ بحلقِ اللحية، دونَ مُقتَضى لتلكَ المشابَهَةِ، فذلكَ قَصْدْ مُحرَّمٌ .
3- العُرْفُ مؤثرْ في بابِ العاداتِ، والسُّنةُ في العُرفِ مُجاراتُهُ إلَا في مُخالفَةِ الشرعِ، وحَيثُ قُلنا باستِحباب إعفاءِ اللحية بعلَّتِهِ، فلا يوصَفُ تَركُ المندوبِ بكونهِ مُخالفةَ للشَرْعِ.
وعليهِ، فلو شاعَ عُرفُ المسلمينَ في مَكانٍ بحَلْقِ الرجالِ لِحاهُم، وأصبَحَ إعفاءُ اللحية شُذوذا وشُهرَة، فمُوافَقَةُ العُرْفِ أوفَقُ للسنةِ، إذ لا يُحقَقُ إعفاءُ اللحية حينئذ مَصلحة مَقصودَةَ للشرعِ، وهُوَ إعفاؤُها إظهارا لتميُّزِ للمسلِمِ، وحيثُ إن الحُكمَ المعللَ بعلة يَدورُ مَعَ علَتِهِ وجودا وعَدما، وانتَفَت العلةُ هُنا إذ انتَفَت مصلحَةُ التميزِ، فتَسقُطُ بذلكَ فائِدَةُ الامتِثالِ للأحاديثِ الثلاثَةِ الآمِرَةِ بإعفاءِ اللحية.
4- القُدرَةُ والتمكُنُ والأمنُ على النفسِ أشياء مُعتَبَرة لامتِثالِ إبرازِ المخالَفَةِ لغيرِ المسلمِ في الهيئَةِ الطاهِرَةِ، وَقَد يَقتَضي حالُ المسلمِ في مَكانٍ أو زَمانِ أن يُظهِرَ مُوافَقَةَ غيرِ المسلمينَ من أهل بيئَتِهِ في العلامَةِ الظاهِرَة، فيسقُطُ في حقهِ مَشروعيةُ المخالَفَةِ في ذلكَ، بل لا يكونُ مَذموما حتى مَعَ قَصدِ المشابَهَةِ لهم إذا كانَ يَفْعَلُ ذلكَ لمصلَحَةِ راجِحَةِ له في دينِهِ، إذ الأمرُ الشرعي بذلكَ وَردَ في ظَرْفِ التمكُنِ.
5- لو شاعَ إعفاءُ اللحية من مُسلم وَغيرِهِ في مُجتَمَعٍ ، لم يؤمر المسلمُ بالحلقِ مُخالَفَة لغيرِه، وإنما يُطلَبُ التميزُ بشَرطِهِ (وهُوَ التمكن) بغيرِ ذلكَ من الهَيئاتِ، وَلا يَكونُ إعفاءُ اللحية حينئذِ من تلكَ العلاماتِ الفارِقَةِ المطلوبَةِ، وذلكَ مِن أجلِ أن الحُسنَ في اتًخاذِها ذاتي، لِذا اتخَذها النبي في الوَقْتِ الذي كانَ اتخاذُها فيهِ من عادَةِ المشْرِكينَ من أهل بيئَتِهِ.
6- الاستِدلالُ بما هُو خارج عن النصوصِ المباشِرَةِ في إعفاءِ اللحية لتَثبيتِ فَرضِ إعفائها، كادعاءِ أن حَلقَها خُروجْ عَنِ الفِطرَةِ، وأنه مُشابَهَة للنساءِ، وأنه مُثلَة، وَمُحدَثْ، وتَغيير لخلقِ اللهَ، فكلْهُ مِما بينت ضَعفه وخطأهُ.
7- اتخاذُ اللحية مِن اتخاذِ الشعر، والسنةُ لمن كانَ لهُ شعر أن يُكرِمَهُ وُيحسِنَ هَيئَتَهُ ومَنظَرَهُ، بقَص مُناسبِ، وتَرتيب وتَرجيلِ ودَهْنِ وإصلاحِ وصَنع وغَيرِ ذلكَ مِما يُوافِقُ الهَيئَةَ الحسَنَةَ، وبذلكَ جاءَت الآثارُ ومَذاهِب أهل العلمِ، كَما كانَ مَتظَرُ لحية النبيٌ حَسَناً.
أما إهمالُها وتَركُها مُبَعثَرَة ثائِرَة فذلكَ قَبيح في المنظَرِ لا يَتناسَبُ مَعَ مَقاصِدِ الشرعِ وَغاياتِهِ، وَيقبُحُ أكثَرُ إذا كانَ صاحِبُهُ يُظهِرُ ذلكَ على أنه السنةُ، فهُو يُسيء بذلكَ إلى النبي الموصوفِ بحُسنِ لحيتِهِ وَجمالِ مَنظَرَهِ وهَيئَتِهِ.
أما مَن رأى قُدسيةَ شعر لحيتِهِ، فيَستعظِمُ أخذَ شعرةٍ متها تَحسينا لهيئَتِها، فهذا على غيرِ هَديِ النبي ، حيثُ لم نَرَ لهذا الصنيعِ أصلَا في سُنةٍ ولا أثَرٍ ، بل وَنجدنا بعض غيرِ المسلمينَ يُعظمونَ مَس شَيءٍ من شعر اللحية دِيانَة.

وَأختِمُ هذا بالقول:
مَعَ ما بينْتُ فيم سبق، وصِرتُ إليهِ مِنَ النتائجِ، فأنا أرى- كغَيري- اللحية اليَومَ تَشيعُ في كَثيير مِنَ المتدينينَ على أنها- فيما يَرَونَ - سُنةْ، أو واجِب، أحتَرِمُ لَهُم ذلكَ، فذَلكَ منهُم فَهمٌ مَرجعهُ إلى الاجتِهادِ، وليسَ مِن حَرَج على من يَقعَلُ ذلكَ قاصِدا الخيرَ، كما لا حَرَجَ على مَن أذرَكَ ما تقدًمَ أو بعضهُ اْو قلدَ مُفتيا من عُلماءِ المسلمينَ فحَلَقَ لحيتَه معَ الدينِ والأدَبِ وحُسنِ الخُلُقِ.
وإنما الحَرَجُ على طائفَة مِنَ المسلمينَ عَظمَت هذهِ المسألَةَ وبالَغَت فيها مِمن يَرى حُرمَةَ حَلقِ اللحية، حتى أعطَوها مِنَ القُدسيةِ أن جَعَلُوا حالِقَها مُرتكبا لكَبيرَةِ، بل تَناوَلَ بَعْضُهم بهذا الوَصْفِ مَن يَعتَني بهَيئَتِها بالأخْذِ متها وتَرتيبِها.
والقول لهذهِ الطائفَة: ائتونا ببُرهانِ غيرِ ما فصلتُ في هذا البحثِ يُبلغُ هذهِ المسألَةَ ما بلغتُموها، ولا أراكُم إلا عاجِزينَ عن ذلكَ، وسَتَرجعونَ إلى نَفسِ ما بينت مُستقصِيا هُنا، وعندَئذِ أقولُ: قَد أوجَدَني النظَرُ في هذا البَيانِ غيرَ ما أوجَدَكُم، ولم تَفصِل النصوصُ في خلافِنا، فبالله عليكُم ما كانَ هذا بابُهُ من مَسائلِ الشرعِ كَيفَ يَستقيمُ وَصفُ المخالفِ فيهِ بارتِكابِ كَبيرَة!
كَذلكَ أقولُ: اتقوا اللهَ ، وكُفوا عن عَد اللحية مِيزانا تَحسُبونَ بهِ مَقاديرَ التقوى عتدَ غَيرِكُم، فكَم مِن ذي عَقْلٍ ورأيٍ ودين وَفَضلٍ لا لِحيَةَ لَهُ؟ وكَم فيمَن تَمس لحيتُهُ سُرتَهُ ألصَقُ حالًا بعبد الله بنِ أبيٌ بن سَلول؟ واللّهُ المستَعانُ!
وَما أحْسَنَ قول أبي عُمَرَ ابنِ عَبد ِالبَر الأتدَلُسي: "الشَعرُ والحَلْقُ لا يُغْنِيانِ يوم القِيامَةِ شَيئا، وإنما المُجازاةُ على النياتِ وَالأعمالِ، فرُبَّ مَحلوقِ خَيرْ من ذِي شَعْرِ، ورُب ذِي شَعْر رَجُلا صالحاَ".
وَقالَ سُفيانُ بنُ حُسَيْنٍ الواسِطيُ، وَكانَ مُؤدٌباً: أتَدري ما السمتُ الصَالحُ؟ ليسَ هُوَ بحَلقِ الشاربِ، وَلا تَشميرِ الثوبِ، وإنما هُوَ لُزومُ طَريقِ القَومِ، إذا فَعَلَ ذلكَ قيلَ: قَدْ أصابَ السمتَ.
وتَدري ما الاقتِصادُ؟ هُوَ المشْيُ الذي ليسَ فيهِ غُلو وَلا تَقصير.
نَسْألُ اللهَ أن يهْدِيَنا سَواءَ السبيلِ، وأن يَعمُرَ قُلوبنا بالعلم المورِثِ لخَشيَتِهِ، ويُعيذَنا مِن الرياءِ والنفاقِ والخُروجِ عَنِ الصراطِ المستَقيمِ، وأستَعفرُهُ من ظلْمِ نَفْسي وتَفريطي في جَتبِهِ، إنه هُوَ الغفور الرحيم.
سُبحانَكَ اللهُم وبَحَمدِكَ، لا إلَهَ إلا أتتَ، استغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
وَالحَمدُ للهِ رَبٌ العالَمينَ.
__________________
هلا وغلا :a
ابوغريب غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 05:32 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)