|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
23-08-2010, 11:46 PM | #29 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة الثالثة عشرة : اقتداء الفاضل بالمفضول : قال الله تعالى : {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (90) سورة الأنعام . تتحدث هذه الآية عن أنبياء الله تعالى الوارد ذكرهم في سورة الأنعام , وأن الله هداهم وأمر نبيهم بالاقتداء بهم . فاسم الإشارة : أولئك يعود على أنبياء الله تعالى المذكورين قبل هذه الآية , وذلك في لآيات التالية : {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ , وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ , وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ , وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (83-86) سورة الأنعام . وهؤلاء الأنبياء عليهم السلام هم صفوة خلقه , منذ بدء الخليقة إلى نهايتها , وأفضلهم وأكرمهم وأشرفهم هو خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم , ومع ذلك فإن الله تعالى يأمر هذا النبي العظيم بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء , ولو كانوا أقل منه منزلة , لأن الحق أحقُّ أن يُتَّبَع . والسورة الكريمة ( سورة الأنعام ) مليئة بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالأنبياء قبله , والاتعاظ بسيرتهم , لأنهم واجهوا في ذات الله من العَنَتِ والضيق من قومهم مثل ما واجهه صلى الله عليه وسلم فصبروا واحتسبوا , فليكن في ذلك قدوة لك يا محمد على صبرك واحتسابك . {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} (10) سورة الأنعام , {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (34) سورة الأنعام . وإن قصص الأنبياء عليهم السلام تثبيت لمقام خاتم المرسلين , لأن له فيهم أسوة حسنة , {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (120) سورة هود . نعود للآية في أول الوقفة . الآية مبدوءة باسم الإشارة ( أولئك ) وهو مكون من ( أولاء ) وكاف الخطاب , وهو جمع لاسم الإشارة : ذا , وقد يبدأ بهاء التنبيه فيقال : هؤلاء , ولكن حين تأتي كاف الخطاب في آخرها فإن الهاء في أولها تحذف لئلا تجتمع الزوائد على اسم الإشارة , فلا يقول : هؤلائك . واسم الإشارة هنا يعود على الأنبياء , فَتَمَّ جَمْعُه , والمخاطب به واحد وهو محمد صلى الله عليه وسلم , فتم إفراد حرف الخطاب وهو الكاف , ولو كان المخاطب جماعة ذكور أو جماعة إناث لأتى الضمير مطابقاً لحال المخاطبين كما قال تعالى : {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ} (43) سورة القمر . والبدء باسم الإشارة هنا دال على تعظيم المشار إليه كما قال تعالى : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (2) سورة البقرة , {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } (88) سورة الأنعام . ثم أتى بعد اسم الإشارة اسم الموصول : الذين , وهو اسم مبهم لا يفهم إلا بصلته , وأتت الصلة بأعظم وصف وأشرفه , فقال : الذين هَدَى الله , أي هداهم الله , فأتى بالفعل مجرداً عن ضمير المفعول , ومتصلاً بالفاعل , ربما لعظم اتصال الهداية بالله تعالى , ولأن المهديين ( وهم الرسل ) معروفون بما سبق من الآيات , فلم يُحْتَجْ إلى إعادة الضمير , إضافة إلى أن الضمير مكني عنه قبلاً باسم الإشارة الدال على التعظيم . ثم قال سبحانه : فَبهداهم اقتدِه , الفاء سببية تدل على أن ما بعدها مُسَبَّبٌّ عما قبلها , أي أن هداية الله سبب للأمر بالاقتداء , والجار والمجرور ( بهداهم ) متعلق بالفعل بعده ( اقتدِ ) وقُدِّمَ الجار والمجرور لإرادة الحصر , أي لا تقتدِ إلا بِهُداهم , كما قال تعالى : { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (122) سورة آل عمران . ونسبة الهُدى إلى الأنبياء بعد نسبته إلى الله فيه إضافة تشريف لأنبيائه عليهم السلام . ثم ( اقْتَدِ ) أمرٌ من الله لنبيه بأن يقتديَ بهؤلاءِ القوم العظماء . والهاء هنا للسكت , وهو ما يسمى بالوقف , كما قال تعالى : { لَمْ يَتَسَنَّهْ } (259) سورة البقرة . وكأن الله تعالى أراد أن يبين أن الصلة بين محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء تنتهي بالاقتداء , ونِعمَ القدوة والمقتدِي والمقْتَدى به . ومن خلال هذا العرض الموجز للآية يتبين لنا كيف أن الله تعالى يأمر نبيّه أ يقتدي بمن دونه في الفضل ؛ لأنهم على الحق والهدى , ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة , فَحَقٌّ على المسلم أن يَقْبَلَ الحقَّ مهما كان , وأن يقتدِيَ بِمَن يحمل الحق ولو كان أقل منه فضلاً أو علماً . 13 / 9 / 1431 هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
24-08-2010, 06:43 AM | #30 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 206
|
بارك الله فيكم يا شيخ علي، فنحن أحوج ما نكون في شهر القرآن إلى مثل هذه الفتوحات الربانية.
* وها هنا إضافة فائدة بالنسبة لدعاء الصائم؛ فإن الأحاديث المرفوعة فيه لا تخلو من مقال، بل قيل إنه لم يصح في ذلك شيء، لكن لعل الأمر كان مشهورًا عند السلف. ثم إن إدخال آية الدعاء بين آيات الصيام له دلالة لمن تأمله، قال ابن كثير في تفسيره -(1/509)-: "وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء، متخللة بين أحكام الصيام؛ إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر..."، ثم ساق عددًا من الأحاديث الواردة في ذلك . |
24-08-2010, 06:56 AM | #31 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
شكراً أخي ( يرموك ) على إطلالتك , وجزاك الله خيراً على ما أتحفتنا به من فوائد جليلة .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
24-08-2010, 06:59 AM | #32 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة الرابعة عشرة : الإحسان للوالدين. قال تعالى : {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ , وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } (152) سورة الأنعام هذه الآية بداية الوصايا العشر التي بين الله لعباده فيها المحرمات والواجبات , وقد تكلم المفسرون على تفسير الآيات بما لا مزيد عليهم , ولكني أقف هنا وقفة يسيرة حول قوله تعالى :" وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " . وحين نتأمل الآية كاملة نجد أنها اشتملت على عدة محرمات عظيمة جاء التعبير بالنهي عنها صراحة : ( لا تشركوا , ولا تقتلوا أولادكم , ولا تقربوا الفواحش , ولا تقتلوا النفس , ولا تقربوا مال اليتيم ) خمس نواهٍ متتالية لبيان هذه المحرمات التي أمر ربنا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلوها علينا , ولكن بين هذه النواهي انسَلَّتْ جملة عظيمة لا تفيد النهي , وإنما تفيد الأمر المؤكد , وهي قوله تعالى : " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " . والمعنى والله أعلم : وأحْسِنُوا بالوالدين إحساناً , فالجار والمجرور ( بالوالدين ) متعلق بفعل محذوف دلّ عليه المصدر بعده , والتقدير : وأحسِنُوا , والمصدر ( إحسانا ) مفعول مطلق يفيد التوكيد . فنلحظ أن هذه الجملة تفيد أمراً بين منهيات : لا تشركوا > نهي وبالوالدين إحسانا > أمر ولا تقتلوا أولادكم > نهي ولا تقربوا الفواحش > نهي ولا تقتلوا النفس > نهي ولا تقربوا مال اليتيم > نهي السؤال المطروح هنا : ما الحكمة من وضع هذه الجملة هنا ؟ ولماذا جاءت بهذه الصيغة ؟ ولماذا أتت بعد النهي عن الشرك ؟ الجواب والله أعلم : أن الجملة هذه وضعت هنا لبيان عظيم شأن الوالدين , وعظيم حقهما , وأن الله تعالى يحث على برهما والإحسان إليهما , واختلف التعبير من النهي إلى الأمر لِشَدّ الانتباه لشيء عظيم , كما قال تعالى : {لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} (162) سورة النساء , فاختلف التعبير بلفظ : ( المقيمين الصلاة ) فجاء منصوباً بين مرفوعات لِشَدِّ الانتباه إلى هذه الشعيرة العظيمة . وجاء التعبير بهذه الصيغة صيغة الأمر , ولم يأت بالنهي , فلم يقل : ولا تهينوا والديكم مثلاً , لبيان أن الأصل في الإنسان إكرام والديه , ولكن المطلوب هنا شيء أكثر من مجرد الإكرام والاحترام , المطلوب هنا هو درجة الإحسان التام , إلى درجة مراعاة الكلمة الصغيرة التي تؤذيهما , فلا تخرج من فيك أيها الولد كما قال تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (23) سورة الإسراء . وأتى الأمر بالإحسان إلى الوالدين بعد النهي عن الشرك , لبيان عظيم حق الوالدين , وأنه يأتي بعد حق الله تعالى , فالله تعالى هو المنعِمُ والمربي سبحانه , والوالدان لهما الفضل بعد الله تعالى بالإنعام عليك وتربيتك , فليس أحد أحق بالإحسان له وطاعته بعد الله تعالى من الوالدين . وقد قرن الله تعالى حق الوالدين بحقه وتوحيده في أكثر من آية كما قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } (83) سورة البقرة , وقال سبحانه : {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (36) سورة النساء , وقال تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (23) سورة الإسراء , وقال تعالى : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (14) سورة لقمان . ونلحظ هنا إطلاق التعبير بالوالدين دون أي وصف آخر , فيكفي أن يكونا والديك لتحسنَ إليهما , من غير شرط لدينهما أو صلاحهما أو استقامتهما . قد يقول قائل : أليس حق النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته مقدمة على حق الوالدين وطاعتهما ؟ فلماذا قرن الله حق الوالدين بحقه , ولم يقرن حق رسوله بحقه ؟ فالجواب : أن حق الرسول صلى الله عليه وسلم داخل في حق الله تعالى , فقوله : " لا تشركوا به شيئاً " تعني التوحيد وإخلاص العبادة لله , وهذا التوحيد من أين سنأخذه ونعرفه ؟ إنما هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من الكتاب والحكمة , ولأن إرضاء الله تعالى وطاعته إرضاء لرسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة له كما قال تعالى : { وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} (62) سورة التوبة , وقرن الله طاعة رسوله بطاعة الله تعالى : {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } (80) سورة النساء . والأدلة على ذلك كثيرة متظافرة . والله تعالى أعلم , وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين . 14 / 9 / 1431 هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
25-08-2010, 09:23 AM | #33 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة الخامسة عشرة : حينما يكون التطهر مَثْلَباً ( قوم لوط أنموذجاً ) . قال الله تعالى : {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(82) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} (84) سورة الأعراف . تتحدث الآيات عن قوم لوط وتكذيبهم لنبي الله تعالى لوطٍ عليه السلام , والقصة معروفة واردةٌ في كتاب الله في أكثر من موضع وأكثر من سياق . وأقف هنا وقفة يسيرة مع قوله تعالى : " أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ " حكاية عن جواب قوم لوط لنبيهم الكريم . فهؤلاء القوم لم يجدوا عيباً في هذا النبي الكريم وأهله إلا أنهم قوم يَتَطَهَّرُون ! فالطهارة واجتناب الخبائث في عُرْفِ هؤلاء القوم الذين انتكست فطرتهم من الأمور الموجبة للطرد من ديارهم , وإخراج كل من اتصف بها , لئلا يشوه قذارتهم بطهارته . هؤلاء قوم اشتهروا بفعل الفاحشة الشاذة جهاراً نهاراً {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ } (29) سورة العنكبوت . وحينئذٍ فأولئك أمة احترفت النجس والقذر , ولم يعد لديهم طاقة بمصاحبة أهل الطهر والصيانة والعفاف ! أي أمةٍ هذه التي تستحق المسخ من الوجود ؟ أيُّ أمة تلك التي قلبت الأخلاق عاليها سافلها ؟ فجاء عقابهم الشديد بمثل ما أفرزته أخلاقهم الخبيثة {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} (82) سورة هود . وكلُّ الأمم على مر التاريخ لا تقيم للطهارة والنقاء وزنا لا تستحق أن تكون أمة صالحة , فحينما تنتشر الفواحش بأنواعها من بِغَاءٍ وشُذوذ في مجتمعٍ ما فإنه ليس للصالحين والمتطهرين مكانٌ فيه , ذلكم أن الطهارة والنقاء لا تجتمع مع ضدها ونقيضها . وحينما نتأمل ديننا الإسلامي الحنيف نجد أنه عني بجانب الطهارة والنقاء من جميع جوانبها , فطهارة النكاح , وطهارة العبادة , وطهارة الملبس , وطهارة المكان , وطهارة البدن , كلها معتبرة شرعاً . فطهارة المنكح : أباح الله تعالى النكاح , وحرم السفاح , وحتى الوطء بين الزوجين لم يجعله الله تعالى إلا طاهراً نظيفاً : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (222) سورة البقرة . وطهاة العبادة : شرع الله الطهارة والوضوء للصلاة ناصاً سبحانه على أنها طهارة عظيمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (6) سورة المائدة . وطهارة الملبس : يبينها قوله تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف . وطهارة البدن يبينها قوله تعالى : " وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ " . وطهارة البقعة والمكان يبينها قوله تعالى : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (125) سورة البقرة . والأدلة على هذا الموضوع أكثر من أن نحصرها في مثل هذا الموضوع المقتضب , فلله الحمد والمنة على الدين الحق الذي جاء بالطهر والنقاء , وحرم كل ما يلوث هذه المنقبة الإسلامية العظيمة التي سار عليها الأنبياء المكرمون عليهم السلام . مواقف لغوية حول آيات لوط السابقة : قوله تعالى : ( ولوطاً ) : مفعول به لفعلٍ محذوف تقديره : وأرسلنا لوطاً . قوله : ( أتأتونَ ) استفهام داخل على فعلٍ مضارع , والتعبير هنا بالفعل المضارع دال على التجدد والاستمرار بالعمل القبيح , فهم يأتون الرجال مكررين عملهم ومستمرين عليه . قوله : ( ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين ) : هذه الجملة دلت بأسلوبها على أن عمل قوم لوط لم يحصل في تاريخ الإنسانية جمعاء قبل هؤلاء القوم الأنجاس , فكلمة : ( أحد ) نكرة تفيد العموم بلفظها , وتفيد العموم بدخول ( مِنْ ) عليها , وتفيد العموم لأنها نكرة في سياق النفي .ثم جاء العموم الآخر بختام الآية ( من العالمين ) , وليس بعد هذا العموم والتأكيد شيء . قوله : ( مسرفون ) اسم فاعل ناسب ما قبله , لأنه لما قال : ( ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين ) ناسَبَ أن يصفهم بالإسراف وتعدي الحدّ , لأن من يعمل عملاً سيئاً لم يُسبق إليه يكون عادة بسبب السَّرَف الذي يصيبه إلى أن يتجاوز المحدود والمعقول . وأيُّ مجاوزة للمحدود والمعقول أعظم مما يفعله قوم لوط ؟ إذن فهو الإسْرَاف بعينه . ونلحظ هنا أيضاً أنه قال ( مسرفون ) فعبر بالاسم , ولم يقل : تسرفون كما قال : تأتون ؟ والعلة في ذلك والله أعلم أن الإسرَافَ – غالباً - طبعٌ في النفس لا يتغير , والاسم يدل على الثبات دائماً . قوله : ( وما كان جواب قومه إلا أن .. ) أسلوب تعجبي كريم لبيان أن ردهم لكلام لوط عليه السلام أمر عجيب , فهؤلاء قومٌ بلغت فيهم الخسة والقذارة مبلغاً أنهم لم يجدوا جواباً جميلاً مقنعاً يجيبون به هذا النبي الكريم إلا أن أمروا بإخراجه وأهله ؟؟ وقد تكرر هذا الأسلوب في القرآن الكريم أربع مرات , ثلاث منها في قصة لوط وقومه : {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (56) سورة النمل , {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } (29) سورة العنكبوت ,وموضعٌ واحد في قصة إبراهيم وقومه {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (24) سورة العنكبوت . وهي أجوبة ظاهرة لكل متأمل أنها تدل على خسة في الطباع , وعدم مقارعة الحجة بالحجة , فيأتي التعجب القرآن بأن هؤلاء لم يجدوا جواباً إلا هذا ؟! . قوله : يتطهرون : جاء التعبير بالمضارع هنا لبيان التجدد والاستمرار في الحدث وهو التطهر , مضاداً لنجاستهم السابقة ( تأتون الرجال ) . قوله : ( أهله ) يطلق الأهل ويراد بهم الزوجة كما قال تعالى : { قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (25) سورة يوسف . ويطلق ويراد بهم ذوو الرجل وأبناؤهم وعشيرته كما في هذه الآية وآيات كثيرة . وقوله : ( الغابرين ) الغابر : من الأضداد يطلق على الماضي : غبر الشيء إذا مضى , ويطلق على الباقي , يقال : غبرتُ في المكان أي أقمت فيه , والغابرين هنا : الباقين [ الأضداد لابن الأنباري ص 129 ] . قوله ( مطراً ) المطر في القرآن لم يرد إلا في العذاب , وهو كثير , وقد أشار إلى ذلك الجاحظ في كتابه البيان والتبيين : 1 / 20 , والتنكير هنا ( مطراً ) لعله يراد به التهويل والتخويف , بأنه مطر عظيم شديد البأس . قوله : فانظر كيف .... هنا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يقرأ القرآن بالنظر في مصير هؤلاء القوم , إما بالنظر المعنوي , وهو نظر الاعتبار والتفكر , وإما النظر الحسي في قرية سدوم غربي الأردن في مكانها المعروف حالياً . وانتهت الآيات بلفظ ( المجرمين ) الدال على أنهم اتصفوا بهذا الوصف الشنيع , فكذبوا رسول الله , واستمروا على فعل الفاحشة المنكرة ( إتيان الرجال ) , وحاولوا طرد نبي الله تعالى عليه السلام , وأي إجرام أشد من هذا ؟ . هذا ما لدي هنا والله أسأل أن يرزقنا فهمَ كتابِه العزيز , والتأمل في آياته , والله أعلم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين . 15 / 9 / 1431 هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
26-08-2010, 07:37 AM | #34 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة السادسة عشرة : فروق بين التائبين : قال الله تعالى : {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (149) سورة الأعراف . قرأتُ هذه الآية فتذكرتُ آية آدم عليه السلام وتوبتَه في أول السورة حين قال هو وزَوْجُه – عليهما السلام - : {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (23) سورة الأعراف . فذهب بي الخيال إلى الفرق بين التوبتين هنا , والفرق بين الكلامين , وكلام الله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . فآدم عليه السلام بَدأ بالمغفرة قبل الرحمة , وآية بني إسرائيل بُدِئَ فيها بالرحمة قبل المغفرة , والفرق بين التعبيرين والله أعلم : أن آدم عليه السلام أحسن دعاء , وأكمل توبة من بني إسرائيل , ولذلك بدأ بقوله ( ربنا ظلمنا أنفسنا ) وهذا اعترافٌ بالخطأ ابتداءً , وهو خطأ يسير ( الأكل من الشجرة ) في مقابل خطأ بين إسرائيل العظيم ( عبادة العجل ) . فبيّنَ آدمُ وزوجه عليهما السلام أنهما ظلما أنفسهما بالأكل من الشجرة وعصيان أمر ربهما سبحانه , ولهذا ابتدآ التوبة بقولهما ( ربَّنا ) , وسميا الخطيئة ظُلماً لأنفسهما , لأنهما سيتحملان تعبة هذه الخطيئة , ولن يقع الذنب إلا عليهما أنفسِهما , فهما قد ظلما أنفسهما بهذا العصيان ( وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) . ثم قال آدمُ ملتمساً من ربه تعالى أن يغفر له هذا الذنب والخطيئة ( لئن لم يغفر لنا ) , فبدأ بالمغفرة لأن الذنب الحاصل منهما يحتاج مغفرة من ربهما سبحانه بعد اعترافهما بذنبهما , وإذا حصلت المغفرة فلم يبق إلا أمرٌ واحد , وهو أن يَرْحَمَهُمَا ربُّهُما بإبقائهما في الجنة بعد توبتهما . أما بنو إسرائيل فالأمر مختلف , فتوبتهم أقل من توبة آدم , مع عظيم ذنبهم , وسوء جرمهم , ولذلك جاء التعبير ( ولما سُقِطَ في أيديهم ) أي : لما جاءهم موسى عرفوا أنهم قد أذنبوا فقلبوا أيديهم حَسْرَةً , وعضُّوا أصابِعَهم نَدَماً , ورأوا أنهم قد ضلوا : أي علموا ضلالهم وعِصيانهم , قالوا : لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا , فبدؤوا بالرحمة قبل المغفرة لأنهم يطلبون من الله تعالى أن يرحمهم أولاً , وأن ينظر إليهم بعين الرحمة الواسعة منه سبحانه , ثم يغفر لهم بعد ذلك , وإن حصل لهم ذلك فقد حصل مرادهم , وإن لم يحصل الأمران كانوا من الخاسرين , وكأنهم لم يكونوا جازمين بمغفرة ذنوبهم لعظيم ذنبهم من جانب , ولقلة إيمانهم وضعف ثقتهم بربهم من جانبٍ آخر , ولهذا لم يعترفوا بظلم أنفسهم كما فعل آدم عليه السلام , وإنما سُقِطَ الأمر في أيديهم من غير اختيارهم كما يقال : سُقِطَ في يده إذا وقع في أمرٍ يوجب الندامة كما قال تعالى : {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا } (42) سورة الكهف , وحينئذ يَعَضُّ يديه ندامة على سوء ما صنع : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} (27) سورة الفرقان . هذا ما تبيَّنَ لي في الفرق بين الآيتين الكريمتين فإن أصبتُ فمن الله , وإن أخطأتُ فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله وأتوب إليه . 16 / 9 / 1431 هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
26-08-2010, 04:28 PM | #35 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Feb 2009
البلد: في قلوب أحبائي
المشاركات: 135
|
الله يجزاك خير وينفع بك الإسلام والمسلمين، فائدة جميلة ووقفة رائعة.
|
26-08-2010, 05:53 PM | #36 |
Registered User
تاريخ التسجيل: Feb 2008
البلد: alriyadh + buraydah
المشاركات: 3,889
|
جزيت خيرآ
|
27-08-2010, 03:37 AM | #37 |
عضو فعّال
تاريخ التسجيل: Nov 2007
البلد: في فؤآدٍ يهوآني ق1
المشاركات: 6,538
|
رفع الله قدرَك وأعلى شأنَك
__________________
|
27-08-2010, 08:24 AM | #38 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة السابعة عشرة : الكافي هو الله وحده لا شريك له . قال الله تعالى : {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} (62) سورة الأنفال وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (64) سورة الأنفال . كلمة ( حَسْبُكَ ) معناها : يَكْفِيكَ , كما تقول العرب : حسبك درهم , أي يكفيك درهم , والكفاية هنا في الآيتين هي كفاية النصرة والتأييد والحفظ والتمكين , وهذه الكفاية خاصة بالله تعالى لا يشاركه فيها أحدٌ غيرُه سبحانه , ولذلك قال تعالى : ( فإنَّ حَسْبَكَ الله ) ولفظ الجلالة هنا خبر إنَّ وهو في الأصل مسند إليه , وتأخير المسند إليه يفيد الحصر , كما تقول : القادِمُ محمد , أي لا قادمَ إلا محمد , وكما قال تعالى : {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} (196) سورة الأعراف , أي : لا ولِيَّ لي إلا الله تعالى . والحسْبُ ( بمعنى الكفاية ) جاء في القرآن مسنداً إلى الله تعالى وحده لا شريك له ؛ إذ لا كافي إلا الله , ولا ناصر إلا الله , وكفي بالله وليا وكفى بالله نصيراً , ومن ذلك قوله تعالى : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173) سورة آل عمران فالمؤمنون هنا : قالوا : حَسْبنا الله , ولم يُشركوا معه أحداً في الكفاية سبحانه , قال ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا : ( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) . رواه البخاري . وقال تعالى : {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (129) سورة التوبة فالله تعالى يأمر نبيه أن يسلم أمره إلى الله وحده , وأن يعلن أنه لا كافي له ولا ناصر إلا الله تعالى ( فَقُلْ : حَسْبِيَ اللّهُ ) . وقال تعالى : {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (38) سورة الزمر إعادة أخرى لتكرار هذه الكلمة العظيمة ( حسبي الله ) وهو وحده جل جلاله الكافي والنصير . وقال تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } (3) سورة الطلاق , أي لا كافي له إلا هو جل جلاله . وهذا المعنى العميق بإسناد الكفاية والنصرة إلى الله تعالى وحده لا شريك له , يربي ربنا عباده عليه , ويذكرهم به وأنه لا ناصر لهم إلا الله , فيقول سبحانه : {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160) سورة آل عمران , بل ويعنف سبحانه المنافقين بعد غزوة تبوك حينما لم يسندوا الكفاية إلى الله وحده , ولم يرضوا بما قُسِمَ لهم فقال سبحانه : {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ} (59) سورة التوبة . فتأمل معي – رعاك الله – كيف نسب العطاء والإيتاء إلى الله ورسوله مرتين : (مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) (سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ ) ؛ لأن الله تعالى هو المعطي الحق , ورسوله صلى الله عليه وسلم القائم بأمر ربه , المعطي بما عنده من الله . أما الحسْبُ والكفاية فهي من الله تعالى وحده لا شريك له , ولذلك قال : (وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ ) . وهذا المعنى الذي قررناه هنا في إسناد الحسب والكفاية لله وحده يبين لنا وهْمَ بعض النحويين في إعراب قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (64) سورة الأنفال , فأعربوا : ( ومَنْ اتبعك ) بأنه معطوف على لفظ الجلالة , والمعنى أن الله سبحانه يكيفك , والمؤمنون كذلك يكفونك . وهذا المعنى غير صحيح إطلاقاً , فهو وإن صح نحوياً إلا أنه لا يصح معنىً كما قرره القرآن الكريم , والقرآن يفسر بعضه بعضاً , فالكافي هو الله تعالى وحده لا شريك , كما أسلفنا من الآيات البينات , وكما قال تعالى : {قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (17) سورة الأحزاب . والإعراب الصحيح للآية : أن يكون ( مَنْ ) معطوفاً على ( الكاف في حسبك ) فيكون في محل خفض , أي حسبك الله وحسب من اتبعك , ولكن يعتري هذا الإعراب مشكلة نحوية أخرى , وهي مسألة عطف الظاهر على الضمير المجرور بدون إعادة الخافض , ويمكن أن نتلافى هذا الإشكال بأن يكون العطف من باب عطف الجمل , ويكون ( مَنْ ) مفعولاً به لفعل محذوف دل عليه ما قبله والتقدير : حسبك الله , ويكفي من اتبعك من المؤمنين . [ انظر : التبيان في إعراب القرآن للعكبري : 631 ] . وأي إعراب اخترنا فهو أحسن من أن نجعل ( مَنْ ) في محل رفع عطفاً على لفظ الجلالة ؛ لأن المعنى لا يستقيم كما أسلفنا , والإعراب فرعُ المعنى كما أن المعنى فرع الإعراب . ولا نقول بعد هذا إلا كما قال المؤمنون المتقون : حسبنا الله ونعم الوكيل , ولو طبقنا هذا المعنى العظيم في حياتنا , وفوضنا أمرنا إلى الله تعالى لأصبحنا من عباد الله المقربين , واقتدينا بعباد الله وأنبيائه : {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (11) {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } (12) سورة إبراهيم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 17 / 9 / 1431 هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
28-08-2010, 07:57 AM | #39 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة الثامنة عشرة : بعضٌ من صفات أهل النفاق : من المعلوم أن سورة التوبة جاءت فاضحةً للمنافقين , وبياناً لكثير من صفاتهم الدنيئة ومواقفهم السيئة تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين , ولعلي أشير هنا بإيجاز إلى صفتين اتصفوا بهما يعضد بعضهما بعضاً : الصفة الأولى : أهل النفاق جُبَناء . قال الله تعالى : {وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} (57) سورة التوبة . تتحدثُ الآيتان الكريمتان عن صفة خسيسة في المنافقين , وهي الخوف والجبن , فهم يحلفون بالله إنهم لَمِنَ المؤمنين , ولكنَّ الله تعالى يبين أنهم ليسوا منكم أيها المؤمنون , بل هم قوم جبناء ( يَفْرَقُون ) عند حدوث المعضلات والخروج للقاء العدو , ويخافون من المشركين فيتظاهرون بالإسلام تقِيّةً . ومعنى ( يَفْرَقُون) أي : يخافون , والفَرَق : هو الخوف , وجاء التعبير بالمضارع ( يفرَقون ) لبيان أن الخوف متجدد معهم في كل حالة , ومستمر معهم في حياتهم , فالمضارع أخذ من الفعل التجدد , ومن الاسم الاستمرارية , فدل على الأمرين . ثم بيَّنَ تعالى أنهم لو يجدون مكاناً يختبئون فيه إما ملجأ , أو مغارة , أو نفقاً يندسون فيه ( مدخلاً ) لأسرعوا إليه لا يلوون على شيء , و( هم يجمحون ) أي يسرعون . وفي الآية تبكيتٌ لأهل النفاق وبيان أنهم جبناء , وليسوا مثل المؤمنين الصادقين المتصفين بالشجاعة والإقدام , وهكذا هم أهل النفاق على مر الأزمان والعصور , لا يستطيعون مواجهة الأزمات لخوفهم الذي يأكل قلوبهم , فيتركون التصدي للمثلاتِ لأهل الإيمان الشجعان . الصفة الثانية : مشابهة النساء والاقتداء بهنّ : قال الله تعالى : {وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} (87) سورة التوبة سورة التوبة . فبيّنَ الله تعالى أنَّه إذا أمر المؤمنون بالجهاد في سبيل الله جاء أهل الثراء والطَّوْل والسعة من أهل النفاق يستأذنونه بعدم الجهاد , وقالوا : ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ لنحمي الديار بعدكم , ولكنهم كانوا كاذبين , وإنما رضوا أن يكونوا مع النساء والقَعَدَةِ من ضَعَفَة المسلمين , وهذا من أكبر الإهانة لهم والتبكيت , لأنك إن كنتَ رجلاً فكيف ترضى أن تقعد كالنساء ؟ قد يقول قائل : من أين أتيتَ بكلمة النساء , ولا ذكر لها في الآية ؟ فالجواب : من قوله : الخوالف , والخَوالِفُ : جمع خَالِفَة , وهي المرأة تخلف الرجل في بيته [ مفردات الراغب الأصفهاني : 296 ( خلف ) , لأن فواعل جمعٌ لفاعِلَة كما تقول : قاعدة وقواعد , وفائدة وفوائد , ناعسة ونواعس , جارية وجواري . وهذه الصفة لهم ( الجلوس مع النساء ) ترجع إلى الصفة الأولى وهي الجبن والخوف , فأي صفتين ذميمتين فضح الله بهما أهل النفاق ؟؟ ونستنتج من قوله سبحانه : ( الخوالف ) أن النساء لا تخرج للقتال مع الرجال , بل تتخلف عنهم في ديارهم , لا كما يدعي بعض المتعالمين أن النساء كنّ يشاركن الرجال في المعارك في بدء الإسلام , وإن حصل موقف أو موقفان فليسا حجة أو سنة دائمة , بل على قدر الحاجة والضرورة . وقد أعاد الله تعالى هذا المعنى مع الأغنياء من المنافقين , وبين أنهم يرضون بالدنية في دينهم , فيجلسون متخلفين كالنساء , قال تعالى : {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} (93) سورة التوبة . وهذا الرضا بهذا الصنيع كان نتيجته أن طبع الله على قلوبهم فلا يستقبحون قبيحاً , ولا يأنفون من مسبة أو مذمة . نعوذ بالله من النفاق وأهله , ونستجير بالله من الجبن والخوف . ولو استعرضنا سورة التوبة لوجدنا صفاتٍ للمنافقين كثيرة , ولكن أكتفي بهذا القدر من الوقفة الرمضانية , وأسأل الله تعالى أن يَعلِّمَنا ما ينفعنا , وأن ينفعنا بما علَّمَنا إنه سميعٌ مجيب. وصلى الله على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين . 18 / 9 / 1431هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
28-08-2010, 09:13 PM | #40 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 15
|
بوركت،،،،
|
29-08-2010, 01:45 AM | #41 |
عضو فعّال
تاريخ التسجيل: Nov 2007
البلد: في فؤآدٍ يهوآني ق1
المشاركات: 6,538
|
فوائدُ قيّمة
__________________
|
29-08-2010, 07:39 AM | #42 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة التاسعة عشرة : بعض الوقفات في آخر سورة التوبة ( التصنيف , والهجرة , والنفس والمال ) . هذه الوقفة مكونة من ثلاث وقفات موجزة : الوقفة الأولى : التصنيف : يأخذ كثير من الكتاب والمثقفين على أهل العلم والإسلاميين شغفهم بالتصنيف , واهتمامهم بالتفريق بين الناس حسب توجههم الأيديولوجي ( كما يقولون ) , بل يشنعون التصنيفات القديمة حسب التوجه الفقهي كالحنفي والشافعي .. والسني والمعتزلي .. وقال بعض الكتاب : إن التصنيف ليس له أصل في الشرع , فالجميع مسلمون , وهم سواسية . وهذا الكلام فيه شيء من الصحة , فالمسلمون سواسية في العبادة , وأكرمهم عند الله أتقاهم , ولكن الشارع جاء ببعض التصنيفات التي لا تنقص من قدر المسلمين , ولا تضر في التعامل مع المسلمين بعضهم ببعض . قال الله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) سورة التوبة . فصنف الله تعالى الصحابة إلى صنفين : السابقون الأولون , وهذا صريح الآية , والصنف الآخر : المسلمون المتأخرون من الصحابة , وهذا مفهوم الآية , وجاء مصرحاً به في موضعٍ آخر : { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (10) سورة الحديد . فجعل الصحابة قسمين : مُسْلِمَةُ ما قَبْلَ الفَتْح , ومُسْلِمَةُ ما بعد الفتح . والصنف الأول : السابقون الأولون , جعلهم الله فريقين : المهاجرون , والأنصار , ويفهم من سياق القرآن أن المهاجرين أفضل من الأنصار ؛ لأنه قدم المهاجرين على الأنصار في كل موضع ورد فيه الصنفانِ معاً , ومنه هذه الآية , وقول الله تعالى : {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (117) سورة التوبة , وقوله تعالى : {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (8) سورة الحشر {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر , والذين تبوؤا الدار هم الأنصار . إذن , فالتصنيف موجود في صدر الإسلام , ولا غضاضة من وجوده شريطة ألا يستلزم التصنيف عداواتٍ وبغضاء , وتحزبات مقيتة , إلا ما جاء الشارع بإثباته كالمنافقين والكفار والمشركين واليهود والنصارى والمجوس ونحوهم . الوقفة الثانية : التقويم الهجري اختلف الصحابة في موضوع التقويم الهجري , متى يبدأ , وانتهى اختلافهم إلى اتفاق على هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فجعلوه أول عام للمسلمين , كما هو معروف في مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - , وقد تأملت قول الله تعالى : {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (108) سورة التوبة , فوجدت الآية تتحدث عن مسجد قباء كما هو معروف عن المفسرين , وهو المسجد الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم أول الهجرة حين قدم المدينة , وجاء التعبير هنا ( أسس على التقوى من أول يوم ) , فأول يوم هو وقت التأسيس , وكأن الله تعالى يشير إلى أن يوم في تاريخ الأمة الإسلامية هو يوم الهجرة العظيم , و ( مِنْ ) الجارّة هنا تكون بمعنى ( في ) أي لمسجد أسس على التقوى في أول يوم , وقد رجح ذلك الرضي في شرح الكافية 4 / 264 , وأراه قولاً وجيهاً كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا } (9) سورة الجمعة , أي : في يوم الجمعة . والله تعالى أعلم . الوقفة الثالثة : النفس والمال : جميع آيات القرآن التي وردت فيها الأموال والأنفس في موضوع واحد , قُدِّمَتْ فيها الأموال على الأنفس كما قال تعالى : {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً } (95) سورة النساء , وقوله تعالى : {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ } (81) سورة التوبة , وقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ } (72) سورة الأنفال , وقوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (15) سورة الحجرات , إلا في موضعٍ واحد جاء تقديم الأنفس على الأموال , وهي قوله تعالى : {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ } (111) سورة التوبة , ولعل السبب في ذلك والله أعلم أن السياق سياق معاوضة وشراء بين الله تعالى والمؤمنين , ( إن الله اشترى ) فقَدَّمَ الله تعالى أغلى الصنفين , وهو الأنفس قطعاً , والجود بالنفس أقصى غاية الجود . نسأل الله تعالى التقى والهدى , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 19 / 9 / 1431 هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
الإشارات المرجعية |
|
|