بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » ذكــــــــــريـــــــــــات جــــــــــامـــــعــــــــيــــــــة !

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 13-07-2007, 08:08 AM   #43
مواصل0
Guest
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
المشاركات: 240
ماشاء الله توك تريحنا اللحين يوم خليتهن مع بعض اشكرك بعنف
وابدعت والله

.
الى الأمام
مواصل0 غير متصل  
قديم(ـة) 22-07-2007, 01:15 AM   #44
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
مواصل ’ أهلا بك أهي الفاضل وشكرا على طيب مرورك .

أعتذر للأخوة عن التأخير ، لارتباطات السفر المتكررة مع الأهل ، وسأعوض بإذن الله تعالى .
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
قديم(ـة) 22-07-2007, 01:16 AM   #45
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 10 ]

شقتي وما حولها !

أكثر ما أتمناه الآن أن أكون في مدينة بريدة ؛ لأن مثل هذا الحلقة يتيمة بلا صورٍ تدعمها ، والحمد لله على كل حال ، ولعلي أضيف الصور في آخر ذكريات كل عام دراسي .

وعن شقتي وما حولها أحدثكم ، في تقاطع مستوصف مغربي للعيون ، أو إشارة الشلال ، اتجه شمالا تاركًا الطريق الذي يؤدي إلى جامع الملك فهد .. وراءك ، واسلك الطريق إلى المعهد العلمي في بريدة ، الذي قبله بقليل ستجد مطعمًا على يمينك اسمه ( لمعة الشرق ) في الطابق الأول ( وليس الأرضي ) سكنت في الشقة رقم ( 1 ) ، أي سكنت فوق مطبخ المطعم .. وهذا سكني في السنة الأولى من الجامعة ، كل شيء متوفر ، المحطة بمتعلقاتها ، مكتبة المساعي ، مغسلة الملابس ، السوق ( خبيب ) .. كانت الشقة رائعة ، في مكان رائع ؛ فلم تكن محبوسة في داخل الحي ، حيث الشوارع الضيقة والرطبة ، بل في مكان قصِيٍّ مناسب .

عذرًا .. فقد دخلت مباشرة في الحديث عما حول شقتي ، ولم أتحدث عن الشقة نفسها ، ثلاثة غرفٍ للنوم ، ومجلسٌ خارجي لفصل الصيف ، وآخر داخلي للشتاء القارص . ( مجلسٌ خارجي ) أي مطل بنوافذه على الخارج ، أما ( المجلس الداخلي ) فهو يتوسط الشقة فلا نوافذ ، لذلك هو الأنسب للجلوس في الشتاء .

أما غرفتي فالأصل أنها لي وحدي ، لكن دخل معنا في الشقة ( فرحان ) صانع النُّكت ؛ فصار زميلي في الغرفة ، لكنه – كما أخبرتكم – لم يستمر معنا ؛ بل انتقل للدراسة في مدينة الرس ، وهو شاب ضخمٌ قوي جدًّا لم أجرؤ على التحرش به ؛ لأن مزحه عنيف بعض الشيء ، وأذكر أن عاصمًا استفزه ( وهو من أقرباء فرحان ) ؛ فتحولت غرفتي إلى ساحة معركة شرسة ، ففرحان ضخم وقوي ، وعاصم قوي البنية وسريع ، لكن قوة البنية والسرعة لم تشفع له أمام فرحان ؛ إذ رفعه عاليًا وأسقطه على طاولتي ، ومنها إلى الأرض ، وانطلق فرحان هاربًا ، وأنا أترنح من الضحك .. ما أجمل تلك الأيام !

ولا بأس أن أحدثكم عن موقف حدث لي مع صاحبنا فرحان ؛ إذ استشعرت لذة تلك الأيام ومواقفها . كنا يومًا من الأيام مجتمعين على وجبة الغداء .. كل أفراد الشقة ، فأخذت أتحرش – مع الأسف - بفرحان كلاميًّا ، وأستفزّه .. ، كان آخر شيء أتوقعه أن يقطع الوجبة ثم يقوم إلي ... لكنه فعل ذلك حقا ، فقمت وتوجهت نحوه مسرعًا ، وسط دهشته من جرأتي على الاتجاه نحوه كالمتحدي ، لأني متوسط البنية ، ولا تقاس قوتي بقوته ؛ فكان أن رفعني عاليًا وأسقطني على الأرض ، لكنني قمت بسرعة واتجهت نحوه ؛ فرفعني عاليًا وأسقطني على الأرض ، ثم قمت مرّة أخرى واتجهت نحوه كذلك فرفعني عاليًا وأسقطني على الأرض . وهو مندهش من إصراري على تحديه ، ولم يعلم أنه كان يقف بيني وبين باب الهروب ؛ فكنت أتجه للباب ، وهو يظن أنني أتجه إليه ، ولم ينتبه لذلك إلا صاحبنا عاصمًا الذي كان يضحك ؛ فنبّه فرحان إلى أنني أريد الهرب ؛ فما إن ابتعد عن طريقي حتى لذت هاربًا .

الحديث عن مواقف في الشقة ، هو حديث عن الشقة لا شك ، كان أميرنا في الشقة قد جعل وقت العصر ( شَبَّة ) عامة لجميع الشباب ، و ( الشَّبَّة ) جلسة أنس وسَمَر يقدم فيها القهوة والشاي والتمر ، وبقي على هذا حتى بعد مغادرتي للشقة .. وإلى أن تخرج في العام الماضي .

وجبة الغداء كانت – بالطبع – " كبسة دجاج " ، والعشاء ( معكرونة ) ... ولي ثورة على وجبة العشاء قمت بها ، سيأتي الحديث عنها بإذن الله تعالى .

الغرفة التي تقابل غرفتي يسكنها الصديقان الهادئان ( مطر ) و ( عيادة ) ، وفي غرفة أخرى يسكن أمير الشقة ( تركي ) مع ( عاصم ) .

هذه الحلقة عرضٌ هادئ لشقتي وما حولها ، لعلي نجحت في رسم صورة واضحة عنها .. والله هو الموفق والمعين .
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
قديم(ـة) 22-07-2007, 01:17 AM   #46
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 11 ]

أول صباحٌ جامعي !

ذكرت لكم في الحلقة التاسعة أنني لم أذهب للجامعة ، بل قضيت صباح ذلك اليوم في المستشفى ، وأرجو ألا يُفهم من خلال قراءة الحلقات السابقة أنني سأمر على صباح كل يوم .. بالتأكيد لا . وإنما أركز على أول يومين أو ثلاثة أيام من أيام الفصل الأول ، لأنها الأيام الأولى للمرحلة الجامعية ، ومن ثم – كما سترون بإذن الله تعالى - سأنطلق للحديث وفق المواقف والحوادث ، إضافة إلى رؤيتي للمعالم الحية في المدينة وتعاملي معها .. في السنة الأولى ، أجمل سنوات المرحلة الجامعية بلا شك .

استيقظت في اليوم الثاني بلا آلام - بحمد الله تعالى - ، ركبت ( الطائر الأزرق ) ومررت بصاحِبَيّ ( نايف ) و ( محمد ) وانطلقت إلى الجامعة ، الشعور الذي شعرته لما دخلت المرحلة الابتدائية لأول مرّة ، ثم المرحلة المتوسطة لأول مرة ، ثم المرحلة الثانوية لأول مرة ، استعدته ذلك اليوم ، لكن بشكل مختلف بعض الشيء ، كان الأمر فوضويًّا في تلك الأسابيع ، اختر قاعة من قاعات المستوى الأول وادخل فيها ، فلم تنزل الأسماء رسميًّا بعد ، اخترت أنا وصاحبي نايف إحدى القاعات فدخلنا .

جلسنا ننتظر الشخصية الأولى ، أقصد بها ( الدكتور ) ، كانت شخصية الدكتور – في تلك الأيام – تعني – بالنسبة إلي – أمرًا جديدًا مهيبًا فخمًا ، دخل الدكتور علينا ، جلس على كرسيه المنتصب فوق المنصة .. ساكتًا ، كان صمته يقتلني ، ويزيد الهيبة ، دعوني أكون صريحًا معكم .. كنت خائفًا جدًّا ، لو كنت أصغر قليلا لبكيت ، نطق الدكتور .. أتبع الكلمة بأختها ، تحدث .. ، كلامه جميل ، وتعامله لطيف ، وأسلوبه حَسَن ، وأنا الذي كنت أحسبه شرسًا غاضبًا .. إنني سخيف حقا .

الآن وبعد أربعة سنوات أقول : لا غرابة في ذلك الكلام الجميل ، والأخلاق العالية ، والتعامل اللطيف ، والمنطق الحَسَن ، فذلك الدكتور كان الفاضل محمد الشرود – وفقه الله تعالى - ، دكتور مادة النصوص ، أنعم به وأكرم ، فالرجل صاحب أخلاق عالية ، وهدوء جميل ، ولطف جميل ، ولقد قابلته قبل أسابيع من كتابة هذا المقال في إحدى محلات قطع الغيار ، فسلمت عليه ، وقابلني بابتسامته ، وهدوئه .. إضافة إلى أنه تذكرني ، مع أن آخر تدريسه لي كان قبل سنتين .

إذن ، فقد مضت المحاضرة الأولى على خير ، ولم تدمع عيني من الخوف .. شكرًا يا دكتور محمد الشرود ، أدبك وحسن خلقك رسما صورة ثابتة لتعاملي مع أخلاق الدكاترة ، فذلك أول لقاء .. وأول لقاء يُقَعِّد لما بعده ، جاءت المحاضرة التي بعدها ، ( وعينك ما تشوف ألا النور ) كما يقول عادل إمام – وانتم بكرامة - ، دكتور مصري الجنسية ، من الواضح أنه يستمتع ببثّ الرعب في قلوب الطلاب ( حَسَأطكم : سأجعلكم ترسبون ) ، ويحذرنا بأن هنالك طلابًا في المستوى الأخير لا زالوا يحملون مادته في المستوى الأول ، وأنه متشدد في التحضير ، وكان يتفنن في الدعاء على الطلاب ( كسْرِ رْأبْتَك : كسر الله رقبتك ) .. ، في الأخير ينجح في رسم العلاقة بينه وبين الطلاب ، إذ جعل من نفسه الرجل المزاجي الذي يجب ألا تستفزه بتصرف خاطئ ... ولا حتى بتصرف صحيح !

وفي الفصل " التِّرم " الماضي ، وبعد أربعة سنوات ، عاد هذا الدكتور المصري مدرسًا لِي ، وبعد أربعة سنوات اكتشفت أنه هو هو .. غير أنه زاد بإلقاء الأقلام على الطلاب الذين يزعجونه ، إضافة إلى الخروج عن موضوع المحاضرة كثيرًا . أنا الذي تغيرت بعد هذه السنوات ، فلم أصبح ذلك الطالب المستجدّ الذي يخشى ويصاب بالخوف من عنتريات هذا الدكتور اللطيف الشرس ... علاء الحمزاوي – وفقه الله تعالى - .

في ذلك اليوم حضرت للدكتور الراحل ( حلام ) - رحمه الله تعالى - ، وهو دكتور جزائري لغوي مثقف ، يدرس مادة ( المعاجم ) ، ويفضل أن يعيش أجواءً خاصة في محاضرته ؛ فلا تحضير ، ومن أراد الخروج فليخرج بلا استئذان ، في إحدى الأيام خرج ما يقارب ثلاثة أرباع الطلاب ؛ فلم يبالي أبدًا ، واستمر بالمحاضرة ، مع أن الباقين عدد أصابع اليد ... رحمه الله تعالى وغفر له . آمين

أيضًا مرَّ عليَّ في ذلك اليوم الدكتور اللطيف المرح والمحبوب ( ربيع ) ، وهو متخصص في مادة ( البلاغة ) من ألطف الدكاترة ، ينفعل ويندمج في المحاضرة ، فتراه يمد يديه عاليا ، وعلى جنبه ، وربما يقفز أحيانًا ، لأنه يدخل تمامًا في جو البلاغة والأمثلة ، ومثل هذا يجب ألا يُغضَب ؛ لأنه ينطبق عليه قول القائل : احذر الحليم إذا غضب . واسألوني أنا ، فقد غضب يومًا بسبب إزعاج بعض الحمقى المغرورين من الطلاب ؛ فانقلبت أجواء القاعة تمامًا إلى شيء مزعج .

مضى اليوم الأول على خير ، لولا تخويف ( الحمزاوي ) ، ولولا حديثٌ مباشر ومفاجئ عن أحداث أفغانستان والعراق من قبل أحد الطلاب الذي رمى بنفسه عليَّ بلا معرفة ، ولا دخول تدريجي ... .

إلى هنا أقف ، وغدًا – بإذن الله تعالى – سأكتب حلقتين تعويضًا عن التأخير الذي حصل .
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
قديم(ـة) 24-07-2007, 07:42 AM   #47
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 12 ]

غريبٌ حدثني عن الجهاد !

في اليوم الأول ، وفي القاعة اقترب مني أحد الشباب ، لا زلت أذكر اسمه وشكله ، ودخل معي في الحديث ، وبقدرة قادر ، وخلال دقائق فقط ، اكتشفت أنه أدخلني بطريقة ما في الحديث عن الجهاد في العراق وأفغانستان ... !!

أسأل الله – تعالى – أن ينصر إخواننا المجاهدين والمستضعفين في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان ، وأن يوحد بين صفوفهم ، وأن يجمعهم على العقيدة الصافية ، وأن ينزل السكينة على قلوبهم ، وأن يسدد خطاهم ، وأن يذل أمريكا وحلفائها وكل الطغاة في العالم . آمين

لكن هذا الشاب ... ماذا يُريد بالضبط ؟!

تعجبت من جرأته في الحديث عن الإعداد ، والإنفاق على المجاهدين .. أمامي ، في أول لقاء ؛ بل في أول دقائق من اللقاء .. ! هل أضحك في وجهه أم أنفجر غاضبًا ؟!! إن كان غيورًا حقًّا ؛ فهل من الحكمة أن تتحدث مع شخص لا تعرفه عن هذه الأمور الحسَّاسة ، وإن كان عَيْنًا – ولا أعتقد أنه كذلك – فهل يُريد أن يحثني ، ثم يقبض علي ..!! تفكير ساذج ومضحك ، لكن الموقف سخيف ، ومع أنه كذلك إلا أنه رسم لي حدودًا في تكوين العلاقات الجامعية ، استمرت معي طوال سنوات الجامعة ، وقد اكتشفت اليوم أنني بالغت جدًّا في رسم تلك الحدود ؛ إذ أتعجب من أصحابي وأصدقائي كيف أنهم يَدْعون أصحابًا لهم في الجامعة إلى شققهم ، وكيف أنهم يُدْعَون كذلك ؛ دليلا على علاقات احترام وتقدير وتعاون وأخوّة بينهم ، وأخوكم في الله ينظر إليهم حاسدًا ، حتى أنني كدت في الفصل الماضي أن أتعرف بالغصب على بعض طلاب قاعتي لكي أدعوهم إلى شقتي ، وأري أصحابي في الشقة أنني أيضًا أستطيع أن أنجح في تكوين علاقات مع زملائي في القاعة ... لكنني لم أفعل .

وهكذا ... ! مرت أربعة سنوات اكتشفت فيها أنني لم أتعرف على أحد من زملائي في الدراسة ، لعل موقف ذلك الشاب كان له تأثيره ، إضافة إلى العقبات التي يرميها داء الخجل في طريقي ، ولم تربطني بزملائي إلا أحاديث عاجلة عن الجدول ، أو الاختبار .. ونحوه ، إضافة إلى الأحاديث اللازمة على كل واحدٍ منا ، وهي ( أحاديث العيون ) أو ( لغة الأعين ) .

وحديثي عن القاعة وطلابها ، والأحداث التي تصنع في تلك الأماكن ؛ سيستمر بإذن الله تعالى خلال هذه الذكريات .
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
قديم(ـة) 24-07-2007, 07:43 AM   #48
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 13 ]

الثوابت والمتغيرات في حياتي الجامعية !

وهذه الحلقة تختلف عن غيرها ؛ إذ هي تحتوي جميع سنوات المرحلة الجامعية التي مرت علي ، ولا زلتُ مستمرًّا معها ، أرفع الستار في هذه الحلقة عن الثوابت التي بقيت معي في المرحلة الجامعية ، إضافة إلى المتغيرات والتي ربما قد استمر بعضها معي ، أو أنني داومت عليها سنة أو سنتين أو ثلاثة ... لكنها لم تكن من الثوابت التي بقيت معي طوال المرحلة الجامعية وإلى الآن... .

من الثوابت في حياتي الجامعية هي القراءة ، قراءة الكتب .. ، وبعيدًا عن تفصيل هذا الثابت ، فإنني كطالب جامعي لا أجد حرجًا أن أقول أن من ثوابت حياتي في المرحلة الجامعية .. القراءة ، وأفتخر بذلك وأظهره ؛ لأن هذا هو الأصل في الشاب الجامعي ، ولا يُستغرب من قوله وإظهاره ، بل لا يُنتقد من يظهر ذلك ، ويفخر به .. ، وإن من أبغض المواقف عندي ، أن يكتب أحد الأخوة موضوعًا عن كتابٍ ما ، أو مقالا عن القراءة ، أو نقاشًا عن حب القراءة ، أو عَرْضًا لآخر ما قرأ ، أو نصحًا بقراءة عدد من الكتب .. ؛ ثم يقفز أحدهم بردٍّ ثقيل مخلوطٍ بالسذاجة ، ومنقوعٍ بالحسد ، ومربوطٍ إلى أخلاقٍ بليدة سيئة ، قائلا : أنت تريد أن تظهر بأنك قارئ ومثقف .. !!

هذا الثابت – ومع الأسف - لم يكن مدعومًا باستشارة لأحد ؛ بل اجتهادٌ من قبلي أولًا ، وشيء من الاعتماد على الكتب التوجيهية في هذا الباب .. ثانيًا ، لكن من دخل عالم الكتب والقراءة لن يعدم من الفائدة ، ليس كفائدة من دخلها مستشيرًا متأنيًا .. لكن لن يخلو – كما ذكرت – منها .

من المتغيرات – مع الأسف الشديد – مراجعتي وحفظي لكتاب الله – تعالى - ، مابين إقبال شديد في أول سنة .. ومتواضع في السنوات التالية ، إلى إدبارٍ شديد ومقلق ، وهذا التذبذب مرتبط تمامًا بحدة النفس ونشاطها ، ورخائها وفتورها ، وقد كان للعاملين الأخيرين صولة وجولة مع نفسي كلفتني الكثير ، وعلى كل تبقى الحقيقة ، بأن من يجاهد نفسه – حقًّا – فلن يقف أبدًا عند تقلبات النفس الأمارة بالسوء ، ولن يبالغ في مسألة ( الصراع من النفس ) ، وتجد أحدنا يحتج بهذه المسألة ، وهو مقصرٌ أو منقطع عن المجاهدة ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) .

ومن الثوابت .. الانترنت ، وكنت قد دخلت هذا العالم قبل المرحلة الجامعية بثلاث سنوات ، وفي السنة الأولى تلقيت هجومًا من أخوة وأصدقاء معي في الجامعة ، وللأسف .. فإن بعضهم قد تجاوز النصح برفق إلى التشكيك والصراخ وقلة الأدب ، بل إلى الغيبة ، وفرض الرأي ؛ بحجة أن الانترنت مضيعة للوقت ، وأنه ليس أساسًا في حياة المسلم .. إلخ ، لا شك – وأعترف – أنني كنت أبالغ في دخول الانترنت في تلك الفترة ، لكن هجوم البعض كان ضد الانترنت من أساسه ؛ فكتبت مقالا – ردًّا عليهم - بعنوان ( دعني ففي القلب من الحب ثلمة ) وكان مما قلته : " إلى أولئك ، ليس من حقّكم فرض رأيكم الفرعوني ، وليس من حقّنا فرض اهتماماتنا عليكم ، نحن نحبّ الانترنت ، وهو عالم فسيح جميل .. ، إن تعجب منه فَعَجب هو ، وإن تخالفني في إعجابي به : ( فدعني ففي القلب من الحب ثلمة .. ) " . بالمناسبة ، كل من كان يهاجمني من الأصدقاء في ذلك الوقت بسبب الانترنت ، هم اليوم من زوار هذه الشبكة ، وربما يدخلونها أكثر مني .

من المتغيرات .. مستواي الدراسي ، والذي كنت مقصرًا فيه ، ولا زلت – إلى اليوم - أجني الحصاد علقما ، وصادف تقصيري تدهورًا إداريًّا في الجامعة حين دَمْج مقر جامعة الملك سعود سابقا ، مع جامعة الإمام سابقًا .. لتؤسس جامعة القصيم . اجتمع التقصير مع التدهور فـ " كِمْـلِت " كما يقول إخواننا من أهل مصر ؛ حين وجدت نفسي أعود – مرغمًا - من المستوى الثالث إلى المستوى الأول ، ووجدت نفسي مطالَبًا بتجاوز متطلبات منهجيّة جديدة وضعت لمستويات قسم اللغة العربية ، وكان لهذه الصدمة تأثيرها على دراستي فيما بعد ، والحمد لله – تعالى – على كل حال .

من الثوابت .. الكتابة ، فقد كنت أستغرق في الكتابة ، مع تركيز على كتابة مذكراتي الجامعية ، داومت على كتابتها إلى السنة الماضية ، وفي لحظة لا أعرف تفسيرًا لها ، ذهبت للمطبخ حاملا المذكرات .. وأحرقتها ، لماذا ؟ لا أعرف – إلى الآن – السبب في ذلك الفعل .. والحمد لله على كل حال . وكنت – أيضًا – مستغرقًا في كتابة المقالات في المنتديات ، في المنتدى التابع لمدينتي بالتحديد ، ولم أكن أكتب في منتدى غيره ، والطريف أنني كنت أتعامل مع المنتدى وكأن زواره من خارج مدينتي ، وكأن أعضاءه شخصيات خيالية ؛ فاكتشفت أن الذين يتابعون ويردون من الأصدقاء ؛ بل بعضهم من المسئولين الكبار في المدينة ، وآخرون من المشايخ وطلبة العلم ، وممن لهم قدرهم من المبدعين والمربين في المدينة ، ولم أعرف ذلك إلا بعد أن تسرب اسمي ... كي لا أطيل ، للانترنت وعالم المنتديات حديث سيأتي – بإذن الله تعالى - .

من المتغيرات ... علاقاتي ، بعض الشخصيات ثابتة ... نعم ، لكن موقفي منها ، وعلاقتي معها يتغير ، وأول هذه الشخصيات العلامة سلمان العودة – وفقه الله تعالى - ، تغير موقفي منه ، وتقلبي في الحكم عليه ؛ استمر طوال المرحلة الجامعية ، وفي كل موقف كنت أراسله على البريد الإلكتروني وكان يرد علي بهدوء وأناة ، وربما رد على الرسالة الطويلة جدا بسطرين أو ثلاثة ، وبعيدًا عن التفاصيل – والتي ستأتي في وقتها – فقد انتهى موقفي منه إلى الحب والركون إليه والثقة به ، وهو كل حال مستمر على نهجه ودعوته ، تذبذب الثائر في موقفه أم لا ، أسأل الله تعالى أن يسدد خطاه ، وأن يثبته .

بالطبع لا أنسى علاقاتي مع الأصدقاء ، وهذه سيأتي تفصيلها خلال الذكريات – بعون الله تعالى - ، ومن المستحيل أن آتي على كل التفاصيل ؛ لأن مثل هذه العلاقات كثيرة ومتغيرة دائمًا إلى الأفضل أو إلى الأسوأ أو حتى إلى اللاشيء ، والأفضل له تفاصيله ، والأسوأ كذلك له تفاصيله المؤلمة والمزعجة .

أختم بأكثر المتغيرات إزعاجًا ، وهو السَّكن ، وخلال أربع سنوات تنقلت أربع مرات ، سنة كاملة سكنت فيها في شقتي الأولى ، وقد حدثتكم عنها ، ثم انتقلت مع مجموعة جديدة من الخريجين إلى أعماق حي الخالدية في الفصل الأول من السنة الثانية ، وفي الفصل الثاني انتقلت مرغمًا إلى مبنًى آخر ، ولم أغادر الخالدية ، وفي الفصل الأول من السنة الثالثة الذي انتقلنا إلى الدور الثاني في نفس المبني ، وأرجوكم لا تسألوا لماذا .. ! وفي الفصل الثاني انتقلنا إلى مبنى ( أبراج الخير ) الوقف التابع للمستودع الخيري ، في حي الخليج ، بعيدًا عن أزقة خالدية خبيب وشوارعها الضيقة الرطبة ، وهذا المبنى يتميز باتساع الشقق ، والرخص في سعر الإيجار ، إضافة إلى أن المتعلقات التابعة للشقة كالمكيفات والتلفاز والثلاجة .. إلخ ؛ تُوَفر من قِبل المستودع الخيري ، وبقيت في هذا المبنى إلى اليوم ، أي : سنة ونصف السنة ، أسأل الله أن يثبتني عليه ؛ فلا يوجد أمر أكثر إزعاجًا من الانتقال من شقة إلى شقة أخرى .

أراكم على خير بإذن الله تعالى .
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
قديم(ـة) 16-08-2007, 10:08 AM   #49
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 14 ]

تعلموا القيادة في بريدة !

ليرحم المولى ذِكر سيارتي ( الطائر الأزرق ) فمعها دخلت التجربة المرعبة للقيادة في بريدة ، أنا من مدينة صغيرة وهادئة بعض الشيء ، طبيعة المدينة التي أسكنها كان لها أثر على تعامل سكانها مع الطريق ، الصفة العامة لقيادتهم هي البطء في السير أو السرعة المعتدلة .. لما العجلة ؟ فالمدينة صغيرة ، ومع ذلك فقد كنت أصاب بالخوف الشديد من القيادة فيها ، نعم .. مدينة صغيرة ، لكنها تسمَّى ( مدينة ) .

تعلمت القيادة منذ الصف الثالث ابتدائي في عام 1413هـ ، بداية بالصحراء وعلى طريق السفر ، حتى سمح لي والدي بقيادة سيارته في المدينة عندما وصلت إلى نهاية المرحلة المتوسطة في عام 1419هـ بشكل دائم ، بعد أن كان يندر سماحه لي بذلك .

في تلك المرحلة كنت أتوتر كثيرا داخل مدينتي ، ونتيجة لهذا الارتباك فقد حصل لي عدة حوادث فيها دَعست فيها بشرًا وصَدمْت حديدًا ، على هذا .. فقد كنت أرى أنه من المستحيل أن أقود في المدن الكبيرة ، خصوصًا الرياض .. وأعتبر قيادتي فيها ضربًا من الخيال البعيد الذي لن يتحقق أبدًا ، وحينما سكنت في بريدة للدراسة الجامعية علمت أنني سأخوض معركة ( شوارعية ) مع أهل هذا البلد ، فالمدينة كبيرة جدا ، والقيادة في المناطق الحيوية ( كخبيب والصفراء ونحوها ) يحتاج إلى تفكير عميق من قبل شاب مثلي ، يهاب القيادة في المدن الكبيرة ، ويخلق حاجزًا نفسيًّا يجعله مستسلمًا لشعور الخوف .

في الأسابيع الأولى كنت لا أخرج من الشقة - في غير وقت الدراسة – إلا نادرًا ، وهذا الخروج النادر ليس بسيارتي وإنما أصحب من يخرج من الأحبة ، لقد فاجأتني قيادة الناس هنا ، شعْرةٌ تفصل بين سياراتهم وبين الحوادث – سلم الله الجميع منها - ، وقد اختصر أحد الشباب حال القيادة هنا بقوله : الأولوية " للجزوم " . أي الأولوية للجريء المتقن للقيادة ، أما المتردد – كحالي في البداية – فلا مكان له في بريدة ، كما أنه لا مكان له في المدن الكبرى .

تجاوزت – بفضل الله تعالى – الهيبة التي غمرتني في البداية ، وصرت متقنا للقيادة ، لدرجة أنني أنسى نفسي في مدينتي ، فتراني أسرع ، وأثير زوبعة لا داعي لها ، ومن سكن ( خبيب ) لا يلومني في ذلك .

الأمور السلبية التي أراها في قيادة بعضهم هنا هي الاستمرار في ضرب منبه السيارة ، وأحيانا بلا سبب ، كذلك السرعة الجنونية من قبل بعض الشباب ، لا أنكر أنني كنت منهم في السنة الأولى والثانية من المرحلة الجامعية ، لكن على طريق السفر وليس في المدينة ، وقد تبت منها - بحمد الله - بعد أن كدت أن أهلك بسبب السرعة الجنونية ( راجع الحلقة السابعة ) . ومن الأمور السلبية والخطيرة هي الوقوف المفاجئ لبعض السيارات بلا انتباه لما خلفها ، وهذا يتكرر كثيرًا في ( شارع خبيب ) الشريان الرئيسي للمدينة .

من الأمور السلبية هي الغضب من خطأ غير مقصود ، فربما يخطئ أحدهم في القيادة فيصيبك بالخوف ، فإن حلمت عنه فنعم أنت ، وإن غضبت وأرعدت فقد تزداد الأمور حِدَّة ، وقد حصل معي موقفين من مثل هذا ، ففي السنة الثانية من المرحلة الجامعية ، في شتاء عام 1425هـ ، خرجت أنا وأحد الأحبة من مطعم ( كودو ) بعد وجبة عشاء وركبنا السيارة ( سيارتي في تلك السنة هي سيارتي الحالية مرسيدس بنز ) رجعت بالسيارة إلى الخلف بعد التفاتة سريعة لتلك الجهة ، وفجأة مرَّ من خلفنا شابٌ ماشيًا فارتطمنا به ولم يقع على الأرض – بحمد الله تعالى - ، نزلنا من السيارة وذهبت وصاحبي لنعتذر منه ، لكنني وقفت أمام سلسلة من الشتائم الغاضبة ، بما لم يترك لصبري ( الذي كان في ذلك الوقت محدودا جدا مع الأسف الشديد ) مجالا ، فكدنا أن نتعارك لولا فضل الله تعالى ثم تدخل بعض الأخوة .

الموقف الثاني أكثر غيظًا من الأول ، ولا زلت أحترق غضبًا حينما أذكره ، وقد حصل لي قبل الاختبارات النهائية من الفصل الماضي لهذا العام 1428هـ ، كنت أنا المخطئ في هذا الموقف بلا شك ، لكن ردة فعل الذي أخطأت عليه كانت مفاجئة وقبيحة جدا ، ولا تصدر من عاقل ، فقد كانت سيارتي المرسيدس في مؤسسة لتصليح السيارات لبعض الأعطال فيها ، فاستعنت أيامًا بسيارة أحد الأصدقاء الأحبة – جزاه الله الجنة – الذي أشركني معه في سيارته عدة أسابيع فلم يقصر أبدًا ... نِعْمَ الأخ هو .

خرجت ليلة بعد صلاة المغرب بسيارة صاحبي لحاجة قضيتها مسرعًا ثم اتجهت لشقتي في سَكن ( أبراج الخير ) التابع للمستودع الخيري ، دخلت بالسيارة من شارع فرعي إلى طريق المستودعات الذي يقع عليه السكن الذي فيه شقتي ، قبل أن أدخل في طريق المستودعات التفتّ عن يميني بسرعة وعلى عجل ( وهذا خطأ مني ) ثم دخلت على الطريق متجهًا إلى اليسار ، فسمعت منبهًا لسيارة ، وصرير عجلات .. التفت يميني - وقد اعتدلت في سيري - ، فإذا رجل ثلاثيني على سيارة من نوع ( كابريس ) يصرخ علي ، ويشتم . أدركت خطئي ، وأنني التفت بسرعة بحيث لم أنتبه له ( وقد كان مسرعًا بعض الشيء كما هو واضح ) .

مُحْرَجًا رفعت يدي معتذرًا له ، لكنه فاجأني بأن أمال سيارته علي بقوة ، وكاد أن يصطدم بي لولا رحمة الهس تعالى ثم سرعة ابتعادي عنه ، ثم كررها مرة أخرى ، و أسرع أمامي ؛ فأحسست بجحيم من الغضب ، وتبعته مسرعًا لأوقفه – وقد كان أمامي مباشرة – فقام هذا المجنون بإيقاف سيارته فجأة فارتطمت به من الخلف ، ثم أسرع هاربًا لكنه اضطرّ لإيقاف سيارته عند الإشارة الحمراء ، لزحمة السيارات أمامه ، فتوقفت بجانبه ونزلت من السيارة وبي من الغضب ماالله به عليهم ، ما إن نزلت حتى انتبهت لداخل سيارته ؛ فإذا هذا المجنون يُقلّ عائلته أطفالا ونساءً ، وإذا هم يصرخون ويبكون للصدمة التي أوقعهم فيها هذا الأحمق الذي – يشهد الله تعالى – بدا أنه لم يبالي بما حصل بيننا ؛ بل وفرّ هاربًا عند الإشارة الخضراء ، أحسست بإحراج شديد جدًّا لهذا الموقف الغريب فعدت إلى سيارتي بعد أن قيّدت ما يدل عليه من رقم اللوحة ومواصفات السيارة . حسبي اله عليه فقد أحرجني أمام الناس ، وأمام صاحبي مالك السيارة التي أقودها ، لن أنسى ذلك الحدث أبدًا .
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
قديم(ـة) 26-08-2007, 05:57 PM   #50
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 15 ]

عائلة جامع القرعاوي !

جامع القرعاوي.. !

أين الذين عَهِـدتُهُم بك مرَّة
كأن الزمـان بهم يَضر وينفعُ
أيام لا يغشى لـذِكرك مربعٌ
إلا وفيـه للـمكارم مـرتـعُ

هنيئًا لمساجد عمرها أقوام بديمومة من ذكر الله – عز وجل - ، وهنيئا لأقوام صرفوا أوقاتهم للباقيات الصالحات مما تخلد النفع لهم في الدنيا والآخرة ، ويجدون بها الحياة الحقيقية لقلوبهم ، فيما لا زال آخرون يدعون البحث عن حياة قلوبهم ، وانتعاش أرواحهم ، وهم مستسلمون للأهواء ، راضخون للشهوات ، جبنوا عن مجاهدة أنفسهم ؛ بحجة الصراع مع هذه الأمارة بالسوء ، " وأمر الله يَطْرُق كل ليلة " ، رحلت جموعٌ أجّلت التوبة ، وسوّفت في المجاهدة ، فلن تغني عنهم حجج أوهن من بيت العنكبوت ، الصراع مع النفس.. القناعة العقلية بترك المعصية ... إلخ ، وسيسأل الرُّحَّل عن أعمارهم فيما أفنوها ، وعن أوقاتهم فيما صرفوها ، وعن أموالهم أين أنفقوها ... ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ) .

سكنت قريبًا من جامع القرعاوي ، ليس بيني وبينه إلا ثلاثة دقائق مشيًا ، وقد دلني عليه أمير شقتنا تركي في الأيام الأولى من سكني في الشقة ، وذلك لما علم أنني من المعجبين بقراءة كبار السن من أمثال الشيخ السبيل إمام الحرم المكي ؛ لأن إمام جامع الملك فهد من هذه الفئة وهو فضيلة الشيخ عبدالله القرعاوي – وفقه الله تعالى - .

صليت أول مرة عنده صلاة المغرب ؛ فأعجبني صوته ، كما أنه قد أعجبني الجامع ، ومنذ ذلك اليوم تطفلت على قوم عمروا هذا الجامع بذكر الله – تعالى - ، أذكر منهم شيخ كبير في السن ، قوي البنية ، منير الوجه ، يلبس الأبيض من الثياب مع بياض لحيته ، فكان نورًا على نور ... كما يُقال : حمامة مسجد ، يستحضر كتاب الله - تعالى – بإتقان ، كثير الجلوس بالمسجد ، بل يجلس فيه غالب يومه يقرأ كتاب الله تعالى ، ولا يشغل وقته إلا بقراءته ، مع حرصه على صيام الاثنين والخميس ، بل وما تيسر من بقية الأيام ، حيث كان يفطر في المسجد ، كلما أتذكره أعجب منه ، ومن همته وصبره على طاعة الله – تعالى - .

وطفل لم يبلغ الرابع عشرة من العمر ، يقضي وقتا طويلا في قراءة القرآن ، وحين يتعب يقف يصلي طويلا ومعه المصحف يقرأ منه ، وكنت أخجل من نفسي حين أسمع نشيجه الذي يحاول إخفاءه ، في حين أنني أسابق الأسطر حين قراءتي لكتاب الله تعالى .

ومن أرباب المسجد ( ابن القيم ) .. أو ما نلقبه بابن القيم ، شيخ في الستين من عمره ، من الواضح أنه من عشاق كتب ابن القيم – رحمة الله عليه - ، كثير الجلوس في المسجد ، جلس إلينا أنا وصاحبي الذي أسمّع عليه ، وكان حديثه في الرقائق ، وغالبًا ما يستشهد بكلام ابن القيم – رحمه الله تعالى - في أمراض القلوب وطبّها ، وكان نعم الأنيس في الجامع .

وآخرون أرخت الأيام بين ذاكرتي وبينهم ، كانوا يجتمعون في مجلس ذكر يقرؤون على الشيخ عبدالله القرعاوي بعض الكتب الشرعية في وقت المغرب ، وهي ما يسميها البعض الطريقة التقليدية في طلب العلم ، ولا أعلم سببًا لاحتقار البعض لهذه الطريقة أو السخرية بها مع أن هناك علماء كبارًا طلبوا العلم بهذه الطريقة ، وبارك الله – تعالى – في علمهم ونفع بهم .

سقى الله أيامًا كنت آنس فيها برؤية هذه الوجوه ، وأعايش أعمالهم وجهودهم ، بعد السنة الأولى انقطعت سنة كاملة عن الجامع إذ دخلت في وسط حي الخالدية ( خبيب ) وكان هناك جامع قريب جدا من مكان سكني في السنة الثانية ، فتكاسلت عن الذهاب للجامع ، وفي آخر أيام السنة الدراسية الثانية صليت العشاء في الجامع ففقدت أكثر من أعرف من أولئك القوم الذين كانوا يعمرون الجامع... وحتى هذه السنة ، خصوصًا الشيخ الكبير ذا اللحية البيضاء ، ولم يسعفني للذكرى فيخرجني من إطار اللحظة إلى روحانية تلك السّنة إلا صوت الشيخ القرعاوي حين يتغنى بالقرآن .

مهما سارت بنا الدنيا ، ودفعتنا الأيام ، ومهما خضنا فيها ما خضنا ؛ فإن كفّة التقوى لدينا والصراط المستقيم والبحث عن الحق ؛ تَمِيل بحسب جهدنا في الجانب التعبدي ، فإن خفّت كفّته فعلينا مراجعة ما نصرف به أيامنا مما نلهي به أنفسنا سواء كنا نحسَبُه عملا خيِّرًا أو حلالا أم لا ، وربما يكون حرامًا ونوهم أنفسنا بأننا نأخذ المفيد منه ونترك القبيح وذلك بعد أن ننغمس في هذا القبيح فترة من الزمن (!!) ، وإن ثقلت الكفّة فأنت على خير مادمت تسير على بصيرة مستشيرًا ومستخيرًا ... هذه كليمة أرغمت نفسها هنا لذكرى جامع القرعاوي وأقوام عمروه بقراءة القرآن الذي قصرنا معه أيما تقصير ، أصلح الها قسوة قلوبنا .

سقى الله أيام أولئك الأحبة في الله خيرًا وصحة وثباتا على العمل الصالح . آمين
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
قديم(ـة) 26-08-2007, 06:03 PM   #51
الــنــهــيــم
عـضـو
 
صورة الــنــهــيــم الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2003
البلد: بين دفات الكتب !
المشاركات: 11,880
ما هذا .. ؟
ذكريات ولا أروع .. !
ولا ردود ولا تشجيع .. !

سجلني متابع لك أستاذي الثائر !
ومستمتع حد الثمالة .. !

__________________
[POEM="type=0 color=#000000 font="bold medium 'Simplified Arabic', Arial, Helvetica, sans-serif""]لمتابعتي عبر التويتر أو الانستغرام: @ibradob[/POEM]
الــنــهــيــم غير متصل  
قديم(ـة) 26-08-2007, 06:09 PM   #52
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
النهيم ’ أهلا بك أيها الفاضل ، ممكن العطلة لها دور ، أو من الممكن أنني أنزل أغلب الحلقات في وقت الخمول ... أو من الممكن أنها لم تعجبهم ، شكرا على جميل مرورك وفقك الله تعالى .
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
قديم(ـة) 26-08-2007, 06:43 PM   #53
محمد الشقيران
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2005
البلد: Buraydah
المشاركات: 9,519
.
.
شكراً لكـــ اخي الثائر ..
حياتكــ جميلة بمواقف كثيرة , افض علينا افاض الله عليكـــ .
__________________
أستودعكم الله الذي لاتضيع ودائعه ..
محمد الشقيران غير متصل  
قديم(ـة) 27-08-2007, 01:01 PM   #54
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
الفتى أحمد ’ أهلا بك أخي الفاضل ، مرورك الجميل سرني وفقك الله تعالى .

إدارة المنتدى ، أرجو مراعاة التنسيق ، فقد حصل بعض الأخطاء بعد عودة المنتدى ، كما ترون !
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
قديم(ـة) 12-09-2007, 11:45 PM   #55
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 16 ]

في الجامعة !

أنا طالبٌ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة في قِسْم اللغة العربية، وأنتم معي في ( التِّرم ) الأوَّل من العام الدراسي 1424هـ .

في البداية أعجبني تصميم المبنى الرئيسي، واليوم وبعد زيارات لجامعة الملك سعود والإمام بالرياض، وبعد زيارة لجامعة القصيم / المليداء ( الملك سعود سابقًا )؛ صرت أكره ( نعم أكره ) تصميم جامعة القصيم / قسم النظريات ( الإمام سابقًا )، وأشعر بالغيظ حين يسخر أصدقائي الذين يدرسون في " المليداء " من مبنى النظريات، ولا يوجد أكثر غيظا من صاحب حُجَّة يتفنن في إفحامك والسخرية من حُجَجك، أهذا مبنًى جامعي في دولة ثريّة، وفي منطقة حيوية؟!

أستغفر الله العظيم، ربما بالغت قليلا، وإلا.. هل هناك لذة في هذه الدنيا تماثل لذة الدِّراسة في ( بهو ) مبنًى عتيق، لا أعتقد ذلك .

في هذا الفصل أو ( الترم ) وجدت من نفسي حماسًا شديدًا للدراسة الجامعية، وانتعاشًا ينتظرني في كل صباحٍ جامعي، ونعاسًا إلزاميًّا – يقتل الحماس ويُجْدب الانتعاش - في محاضرات بعض الدكاترة الذين طلقوا الأسلوب الجميل كطلاق علي – رضي الله عنه – للدنيا الدنيَّة، وقد جرَّبت إبرة التنويم في المستشفى؛ فإذا تأثير أولئك الدكاترة مقارب لتأثير تلك الإبرة، يا أسفي على درر خرجت من عقول فسيحة الأبعاد، عميقة التفكير؛ لكنها تساقطت من أفواهٍ كليلة المنطق، باردة الأسلوب. وكم من شخصٍ يخرج لنا السمَّ من عقل سقيم، وآخر رخيص البضاعة، وآخر متعالم، لكنهم وجدوا القبول لقوة منطقهم، وجمال أسلوبهم، ولا زلنا – معشر السنَّة – نتذاكر أن المبتدعة انتشر فكرهم بقوة بيانهم، وجمال أساليبهم كالمعتزلة وخلافهم. لازلت أذكر ذلك الدكتور – سامحه الله – الذي كان يُخدّرنا تمامًا بأسلوبه البارد، وشرحه الممل، ثم تراه يزبد ويرعد، ويتهدد ويطرد؛ إن أغمض لأحدنا جفن، أو حانت التفاتة منا نستجدي منها شيئًا من تغيير الأجواء الكئيبة التي تغطي محاضرة هذا الدكتور. ولا زلت أذكر – كذلك – دكاترة أبدعوا في محاضراتهم، وأعانوا طلابهم على الاستمتاع بدراستهم، فاستفدنا واستمتعنا.. أذكر منهم الدكتور المثقف، والمربي الفاضل عبدالعزيز المقبل، ويدرِّس مادة المكتبة التراثية وبعض المواد الأخرى، جمال أسلوب هذا الرجل في طرحه المتنوع، وخطابه الراقي، الرُّجل يخاطبنا نحن، فلا تجده مجرد ملقٍ لكلمات المنهج في الهواء، فمن التقطها وقيَّدها نجح في الاختبار، ومن أهملها ففي ستين داهية! هذا في خطابه، أما تنوع الرجل فاسألوا طلابه عنه –وأنا منهم-: مناقشة عن كتاب ما، أحيانًا يجعل الطلاب يلقون المحاضرة بدلا عنه، كثيرًا ما يكلفنا بكتابة مقالات عن مواضيع معينة يكتب مقدمتها... ونحوها. وفق الله تعالى الدكتور عبدالعزيز المقبل وسَدَّدَ خطاه .

الجانب الإداري لقسم اللغة العربية في الفصل الأول (وطوال سنتين ونصف السنة) كان سيئًا.. سيِّئا جدًّا، في تعامل الإداريين مع الطلاب، وفي الجانب الإعلاني، كان الأمر يصيبني بالقرف الشديد، فطلقت زيارة هذا القسم إلا في حالة الضرورة، لا أعرف سببًا للتعامل القبيح من قبل بعض الإداريين والدكاترة والأساتذة للطلاب، عجيبٌ تفنن بعضهم في أساليب الاستعلاء والتكبّر وقلة الأدب، فهذا إداري يتعامل مع الطلاب بأسلوب وكلاء مدارس التربية والتعليم، يصرخ ويهدد ويزبد ويرعد، وأستاذٌ لا يلتفت إليك وأنت تكلمه، وإجابته عن استفسارك تتدفق من منبع سوء في التعامل، وقبح في الأخلاق، وآخر يغلق مكتبه في حين أنّ طلابًا تركوا محاضراتٍ مهمّة، وصرفوا من نسبة الغياب ما قد يضرهم تكراره؛ لأجل استفسار من هذا الدكتور المختبئ في جحره – واعذروني-، فلا هم الذين حضروا المحاضرة، ولم يغنموا شيئا من سعادة الدكتور، عايشت في ذلك القسم أنواعًا من الشتائم من جميع فئات الطلاب، كلها موجّهة إلى قسم اللغة العربية بدكاترتها وإدارييها، فمن شاتم بأعلى صوته، إلى آخر يشتم كتابة على الأوراق المعلقة (بعض هذه الأوراق يرجع إلى سبع سنوات مضت)، وأقبح الشتم ما تقرأه في أعين الطلاب.

لم تكن تختلف الدراسة في الجامعة في السنة الأولى عن الدراسة في مدارس التربية والتعليم، سوى أننا نخرج الساعة الثانية عشر والثلث، هناك وقت للفسحة يجتمع فيه جميع طلاب الجامعة في ازدحام مقلق، وهو الوقت الوحيد الذي يتيح للطالب فرصة الاستفسار الدراسي والإداري من الدكاترة والإداريين، أما ما عداه فلا بد لديه من التفريط بإحدى المحاضرات، وقد يحالفه الحظ في إيجاد من يملك الإجابة عن استفساراته وقد لا يحالفه – كما ذكرت لكم- .

المستوى الأول/ قاعة أ.. فيها عشت أفضل فصل مرّ علي في الجامعة، حتى على المستوى الدراسي والنفسي؛ ربما يكون ذلك للذّة الجديد.. الله أعلم، لكن الذي أعلمه أنني اجتهدت في ذلك الفصل، ولم تظهر لدي مشكلة الغياب المتكرر الذي طغى علي في ما بقي من دراستي، لأفيق السنة الماضية لأجد نفسي (مكانك سر) أتقدَّم خطوة، وأتراجع خطوات، ولم أحسب تدفّق العمر، ومضيَّ السنوات، وسرعة تتابع الأعوام. أقول في نفسي الآن: لا مشكلة في الفشل حين يُبذل الجهد، لكن المصيبة في نقص القادرين على التمام، أهل الركون إلى الكسل. إن كانت لي من نصيحة لمن هو مقبل على الدراسة الجامعية فهي عدم الغياب نهائيًّا، والمتابعة مع الدكتور، والمذاكرة بجدية (أقلّها قبل الاختبارات وأثناءها). ولجميع من دخل الجامعة، أقول له: إذا كنت في نعمة فَارْعِها. أقرأ في الجرائد، وأتابع في المنتديات، صراخ قوم حُرموا من القبول في جامعاتنا؛ فألوم نفسي على التقصير في رعاية هذه النعمة التي أنا فيها.. كوني طالبٌ جامعي باستطاعتي –بعون الله تعالى- أن أرسم لنفسي مستقبلا مشرفًا، دعوكم من المثبطين، ومن المبالغين، واهتموا بأنفسكم وبدراستكم الجامعية، ولتكن همتكم عالية، ومقصدكم سماويًّا، مهما وجدتم أن الجامعة التي تنتسبون إليها تخلق شيئا من أجواء الكآبة، لا تحفلوا بنتاجها؛ بل اهتموا بنتاجكم، صَدَق من قال : مـن جَـدَّ وَجَـدْ. والله يرعاني وإياكم.
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
قديم(ـة) 15-09-2007, 08:41 PM   #56
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 17 ]

خبيب !


لم تصبح " خبيب " أطلالا حتى نقف عندها ونبكي من ذكرى حبيبٍ ومنزل، أقصد من ذكرى الشوارع الضيّقة والرطبة، وجميع فئات دول جنوب آسيا وشرق أفريقيا، وذكرى المداهمات الأمنية من جميع فئات قوى الأمن.. شرطة.. مرور.. هيئة.. مباحث.. استخبارات... حتى الإطفاء لو طرأت على بال مديرهم أن يداهم "خبيب" لداهمها مباشرة؛ فقد صرنا (ملطشة للّي رايح واللي جاي)، لا يلزم أن تداهمنا إلا أن تطرق باب شقتنا وتطلب مني الإثبات، ثم تدخل لتفتش الشقة كما تريد.

خبيب.. خبيب.. خبيب..
لكل موسم ذكرى كما يقول ذلك أحد الأخوة، لكن –بحمد الله- ليس للذكرى بقية في "خبيب"؛ فقد غادرتها منذ سنة ونصف السنة إلى شارع المستودعات حيث حيّ الخليج الهادئ جدًّا، طبعًا.. ماعدا شارع المستودعات في وقت الصبح والعصر والمغرب، "خبيب" أرحم منه بكثير، لكني أسكن –بحمد الله- بالطرف الآخر من المبنى الذي أنا فيه؛ حيث أمامنا وبجانبنا مزارع هادئة مهجورة مظلمة ومخيفة.. خلونا على هادئة أحسن؛ فهذا الذي يهمني، وللمكان الذي أنا فيه الآن حديث سيأتي في نهاية الذكريات –بعون الله تعالى وإذنه-.

سكنت "خبيبًا" سنتين ونصف السنة، أما السنة الأولى فكنت أسكن في أطراف "خبيب" من جهة الشرق، بعيدًا عن الشوارع الضيقة، والأزقة الرطبة، وسبق أن تحدثت عن شقتي في السنة الأولى وما حولها في الحلقة العاشرة، وحديثي هنا عن "خبيب" وما مر علي من أحداث أثناء سكني في هذا الحي أو المدينة(!)، ومن أول الأحداث (وقد استمرت معي طوال سكني في "خبيب") وهي التشرّف(!) بمقابلة عدد من السكارى والمحششين، من كنت أسمع عنهم في النكت، وأراهم في المسلسلات لكنني لم أقابلهم أبدًا، فكان اللقاء في "خبيب"؛ وكان الموعد مع أولهم في المحطة المجاورة لشقتنا، حيث نزلت من الشقة لأشتري من مركز التسوق في المحطة (في الحقيقة هو عبارة عن بقالة صغيرة)، كان الوقت منتصف العصر، وأثناء شرائي للأغراض دخل رجل البقالة وأمسك يدي بلطف، ودار هذا الحوار:
- يامطوّع.
-هلا!
- جزاك الله خير.. أنا وأخوي مالقينا ثمن أجرة نبي نروح لحيّنا نبيك تساعدنا جزاك الله خير.
- وين حيّكم؟ خلني أنا أوصلكم.. معي سيارة!
- لا.. جزاك الله خير، ما ودي أزعجك، بس والله نبي ثمن اللي يوصلنا. (عطنا الفلوس يانشبة)
أعطيت الرجل ما أراد، ثم ولى إلى حال سبيله، والتفت إلى بائع البقالة، وسألته عن الحساب، فتكلم معي يلومني لأني أعطيت الرجل ما يعينه على سكره، فهو يعرفه جيدًا.. فهذا الرجل –وأمثاله- كثيرًا ما يتعرض للناس ومعه قائمة من الأعذار التي تجعل منه مسكينا، فيجمع أموالا تعينه على المنكر، فسألت صاحب البقالة سؤالا بريئًا : لماذا لم تخبرني بشأنه قبل أن أدفع له؛ فأجابني بابتسامة خجل تحكي خوفه من ذلك الصعلوك، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلي به هذا الرجل وأمثاله، وفضلني على كثير من الخلق تفضيلا.

كنت في عام 1425هـ في إحدى مقاهي الانترنت بـ "خبيب"، قرابة الساعة العاشرة مساء، فانتهى إلى مسمعي صراخ عامل المقهى (هندي)، وصراخ رجل آخر؛ فقمت من مكاني واتجهت للخارج فوجدت عامل المقهى يتهدد ذلك الرجل، والتفت إلى الآخر فإذا شاب ضعيف البنية، أحمر العينين، مشدود الوجه، تكاد عروق جبينه تنفجر فيه، يتكلم بصعوبة، ولا يتحكم بخروج لعابه؛ فتيقنت أنه سكران، اقتربت منهما وطلبت من العامل أن يهدأ، لكنه لم يفعل؛ بل ازداد صراخه على ذلك الشاب، ويعتذر أمامي بأنه يعرف هذا الشاب جيدًا، ويعيّره بالسكر.. التفت إلى ذلك الشاب فإذا أصبع السبابة ليده اليسرى أمام عيني، وهو يرمي الكلام في وجهي قائلا: "والله علشانك يا مطوع ولا كان ضربته بـ..." فذهب يترنح وهو يردد هذه الكلمة..، والحمد لله الذي عافاني.

عندما تمر بك هذه المواقف تردد: مرحبًا بالمداهمات في "خبيب"، فهي تجتث أمثال هذه الأورام التي تنتشر في مثل مجتمع "خبيب" المتنوع من جنسيات مختلفة، وديانات مختلفة كذلك، إضافة إلى مجتمع العزاب، المجتمع الذي توفر له الفراغ، والخراب كل الخراب لمن اجتمع فيه الفراغ وانعدام مراقبة الله –عز وجل-، فكانت المداهمات الأمنية في "خبيب"، وقد كنت أتابع نتائجها عن طريق الصحف، فأرى أن بجوارنا "بلاوي متلتلة"، طهروا المنطقة من السحرة، ومن شقق كاملة جُعلت مصانع للخمر ولنسخ الأفلام الإباحية، إلى أقبح خبر سمعته وتم تصوير الفاعلين بمبنًى قريب لمبنانا الذي سكنا به في السنة الثانية داخل الحي، حيث تم الإمساك برجل في الستين من عمره (لحيته بيضاء تمامًا وطويلة لكنها ليست "لحية غانمة") وآخر في الخمسين من عمره بحالة غير أخلاقية(!!!) وهذه أيضًا (!)، بعض الأحداث تبين أن بعض العمالة (خصوصًا البنقالية) لا تأمنهم ولو أطالوا لحاهم –إلا من رحم الله تعالى-.

في إحدى الأيام كنت وصديقي (أبو تميم) نأكل وجبة الغداء فطرق الباب، صرخت مجيبًا (طيّب.. طيّب) ولو كنت أعرف من وراء الباب لقلت (أبشروا طال عمركم)، غسلت يدي، ثم اتجهت إلى الباب وفتحته..، فإذا المكان محاصر، رجل أمن يحملون الرشاشات، وخمسة أشخاص تقريبًا يمثلون جميع الفئات الأمنية التي ذكرتها في أول المقال بلباس مدني، بعد السلام.. طلبوا مني الإثبات، ثم انتشر البقية في الشقة يفتشون، كنت مطمئنا فلا شيء يجلب الريبة نهائيًّا، انتهى الجميع إلا شخصًا واحدًا أطال الجلوس عند مكتبتي يتصفح الكتب، وليتهم جعلوا شخصًا له اطلاع على الكتب ليفتش مكتبات خلق الله؛ بل رأيت شخصًا تجاوز كتب عبدالله عزام وسيد قطب ومحمد قطب ليقف عند كتب أدبية أو فقهية يتصفحها!!

هناك أمرٌ يجب أن أنبه عليه لمن سكن "خبيب"، وهو أسلوب جديد انتشر بين اللصوص؛ وهو أن يدخل اللص الشقة، فإن لم يجد أحدًا سرق ما امتدت إليه يده، وإن تفاجأ بوجود شخص انتبه إليه معتذرًا بأنه قد أخطأ بعنوان الشقة..، وأحيانًا يدخل اللص بجرأة وهو يصرخ بأسماء وهميّة (يا خالد.. يا محمد.. يا حسين) لكي يُعلّب العذر أمامك، ويجعلك تظن –حقا- أنه قد أخطأ بالشقة، وقد حدث هذا معي؛ إذ دخل أحدهم الشقة بهدوء فتواجهت وإياه وجهًا لوجه –قبل أن أعرف بهذه الحركة الجديدة للصوص- فاعتذر ضاحكا بأنه ظن أنها شقة زملاءه، فسألته (لكوني "نشبة") عن أصحاب الشقة التي يريدها من أين هم؛ لأني أعرف من يسكن معنا في المبنى فربما أساعده، فارتبك المسكين واعتذر بأنه قد أخطأ بالمبنى كله، رحبت به فغادر الشقة في أمان الله.

وبعض السرقات تحدث عمدًا، وليس بينك وبين أن تُسرق شقتك إلا أن تنسى إقفالها، وكنت أحذر أصحابي في الشقة من نسيان إقفال الشقة، والاتفاق دائمًا على أن آخر شخص يخرج من الشقة هو من يقفلها ولو أراد الخروج لدقائق، فإن نسي إقفالها وسرقت الشقة فعليه التعويض، في إحدى أيام الفصل الثاني من السنة الثانية؛ أيقظت أصدقائي في الشقة (وهم اثنان سيأتي الحديث عنهم ولكل من سكن معي خلال سنوات الجامعة) لصلاة العصر، وقبيل الإقامة تأخر أحدهما (سامي) فلم يستيقظ إلا متأخرًا فنبهته على أن يقفل الشقة، ثم خرجت للصلاة..، وبعد الصلاة بنصف ساعة خرجت من المسجد متجهًا للشقة، فلمَّا أقبلت عليها وجدت الباب مفتوحًا، فأحسست بغصّة في حلقي، وبانخفاض في الحجاب الباطن؛ فانطلقت مسرعًا ودخلتها فوجدت كل شيء في مكانه (حاسبي الآلي، التلفاز، "رسيفر" قنوات المجد، الفيديو، الثلاجة، مكتبتي) هذه هي الأمور التي يجب أن أقلق عليها، ولأجلها اتفقنا على ما ذكرته لكم قبل أسطر، فصمّمت على الانتقام من هذا الموقف، فخبأت التلفاز و"الرسيفر" والفيديو بين طاولتي ومكتبتي، وكمبيوتري جزأته بين المطبخ والغرفة الأخرى بحيث لا يُلاحَظ أبدًا، وقمت ببعض الانتفاض في الشقة فقلبت الأمور رأسًا على عقب ثمّ اختبأت لأنتظر (سامي) وصديقي الآخر (سلمان)..، انتظرت طويلا، وبحمد الله وصلا مع بعضهما، وما إن دخلا الشقة حتى سمعت صرخة سامي: هااااه...؟!!! ومسرعًا دخل إلى غرفتنا (والتي تحوي كل الأغراض لاتساعها). ثم التفت إلى الغرفة الأخرى (وقد كنت مختبئا خلف بابها المفتوح) فلم يرَ شيئًا، فقال سلمان: " الظاهر إن الشقة سرقت". فخرج سامي خارج الشقة مسرعًا، فيما لبث سلمان واقفًا من هول المفاجأة؛ فخرجت له (ولكم أن تتخيلوا نظرته) فقلت: "اجلس تقهو". ظل واقفا يتأملني ثم جلس وابتسم قائلا: "أنت سويت كذا؟!" فقلت:"نعم".. فتضاحكنا وتحدثنا قرابة العشر دقائق حتى دخل علينا (سامي) منهكًا؛ فالتفت إليّ فرآني مبتسمًا مطمئن البال، فعلم أنه مقلب من ناحيتي، فلم يكن له إلا أن يردد "الله يهديك.. الله يهديك.. الله ياخذ وجهك.."؛ فذكّرته بأنه قد أخل بالاتفاق، وأنه كان يجب عليّ أن أذيقه شيئًا من شعوره إذا سرقت الشقة، لينتبه دائمًا لإقفالها.. . أنا لا أعلم، ربما أخطأت في هذا الموقف لأنني أدخلت الرعب في قلب مسلم، لكنني أذكر الموقف كما هو، وأستغفر الله -تعالى- من خطئي.

لم أعان في "خبيب" كما عانيت من زحمة السيارات، وضيق الطرق في هذا الحي، خصوصًا في يوم الجمعة، وما أدراك ما يوم الجمعة في "خبيب". حين ترى نفسك غريبًا، وحين ترى "عربجة" العمالة، وحين تسمع من حولك أنوعًا من لغات آسيا؛ فاعلم أنك في "خبيب" يوم الجمعة، حيث تقوى عيون أولئك العمالة لكثرتهم، كنت أعايش ذلك كثيرًا، وذلك أنني غالبًا ما أجرب وأصحابي أن آكل في مطاعمهم من باب التجربة فقط، كن بينهم لترى كل العيون تخرقك، وكل الأبصار تتجه إليك.. (سعوديٌّ بيننا!)، أنواعٌ من الحشّ والنهش عليك، لا تقولوا كيف تعرف ذلك ولسانهم يختلف عن لسانك، ما تفسيركم لمجموعة من البنقالية يأكلونك بأعينهم وتسمع من حديثهم:"قرنق برنق طرنق ساؤودي(سعودي) قرنق برنق طرنق مطوّأ (مطوع) قرنق بنرنق طرنق"؟! وأعوذ بالها من سوء الظن.


ولعلي أعود لـ " خبيب " مرة أخرى في حلقات أخرى بإذن الله تعالى .
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 08:00 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)