بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الحياة الحقيقية

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 06-08-2008, 02:39 AM   #1
موسى مصطفى
عـضـو
 
صورة موسى مصطفى الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشاركات: 26
الحياة الحقيقية

بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة الحياة
اعلم ‏:‏ أن المحبة لله تعالى هي الغاية القصوى من المقامات ومن الحياة ، فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها، وتابع من توابعها، كالشوق، والأنس، والرضى، ولا قبــل المحبة، مقام إلا وهو من مقدماتها، كالتوبة، والصبر، والزهد وغيرها‏.‏واعلم‏:‏ أن الأمة مجمعة على أن الحب لله ولرسوله فرض، ومن شواهد المحبة قوله تعالى ‏:‏” ‏{‏يحبهم ويحبونه‏}‏ ‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين آمنوا أشد حبا لله‏}‏ ‏:‏ وهذا دليل على إثبات الحب لله، وإثبات التفاوت فيه‏.‏وفى الحديث الصحيح‏:‏ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الساعة فقال‏:‏ “ ما أعددت لها‏؟‏ “ قال‏:‏ يا رسول الله ‏:‏ ما أعددت لها من كثرة صلاة ولا صيام، إلا أنى أحب الله ورسوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ “ المرء مع من أحب ، وأنت مع من أحببت”، فما فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بها‏.‏وروى أن ملك الموت جاء إلى الخليل عليه السلام ليقبض روحه ، فقال له ‏:‏ هل رأيت خليلاً يميت خليله‏؟‏ فأوحى الله إليه ‏:‏ هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه‏؟‏ فقال‏:‏ يا ملك الموت اقبض‏.‏وقال الحسن البصري رحمه الله‏:‏ من عرف ربه أحبه، ومن أحب غير الله تعالى، لا من حيث نسبته إلى الله ، فذلك لجهله
لعبٌ .. لهوٌ .. زينةٌ .. تفاخرٌ .. تكاثرٌ .. متاعٌ .. متاع الغرور.
تلك هي أوصاف الدنيا بتعبير القرآن الكريم ، كأنها وسائل للأطفال ، يمرحون فيها بلعب ولهو الطفولة ، ويتزينون فيها بلباسهم وألوانهم الطفولية ، حيث يتفاخرون مع بعضهم البعض ، ويعرضون أنفسهم ومتاعهم بكل غرور ، ومعهم في ذلك اللعب واللهو ، كل غافل عن الدار الآخرة ، غير آبه بمصيره ، ولا هو بمستعد له ، طفل في عقله ، لأنه لا يعي حقيقة الأمر .
خيرٌ للذين يتقون .. يريدها الله .. نعم دار المتقين .. دار القرار
وهذه بعض أوصاف الآخرة في القرآن كذلك ، وربطها الله تعالى بالعقل في أكثر من موضوع ؛ { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، { وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، { وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }. لأن العاقل لا ينشغل بأعمال الطفولة العارضة ، ويفكر بما يريده الله ؛ { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } الله عزيز حكيم ، فكن عزيزا حكيما في مرادك ، وفي معرفة حقيقة الأمرين ، دار متاع قليل ، ودار هي الحيوان - الحياة الحقيقة - ونعم الدار لمن أتقى.
وليس أمر العزة والحكمة بالهين ، ولا ينال بالتمني ؛ { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } ، بل لابد له من تعب ؛ { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } ، وبهذا فقط يرث الدار الحقيقة ؛ { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } ، ولابد أن يعي مريد العزة والحكمة نداء النبي عليه الصلاة والسلام ؛ ( مَنْ خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا سلعة الله الجنة ) رواه الترمذي . لابد أن يعي هذا الغلاء في مطلبه ، ولن ينال الأطفال إلا شيئا يسيرا لا قيمة له ، وغلاء السعر يكون لمن وعى وفقه ، وارتفع عن عشوائية الطفولة وخاف ونصب واقترب .
يتعب كما تعب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وتفطرت قدماه من طول صلاة القيام ، بل وربما يتفطر قلبه وكل كيانه شوقا للدار الآخرة ، غير مغتر بهذا التفطر الذي قد يصيبه ، ظانا أنه ضمن مكانا لرجله في الجنان ؛ ففي البخاري ومسلم ( ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى . قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته ) .
فلا غرور بالعمل ، بل تعب وزيادة شوق إلى تلك الجنان العالية ، هذا هو التفاوت الحق ، والتفاضل الضخم ، والسبق السبق لمت أراد وصول الدرب .
يحدو ويترنم راقصا بقبله :
وأخو البصائر حاضرٌ متيقظ ** متفرد عن زمرة العميان
يسمو إلى ذاك الرفيع الأرفع الـ ** أعلى وخلى اللعب للصبيان
ويزيد تعبه ونصبه وشوقه وترنمه ، غير مصاب بزكام أهل الدنيا ؛ الذين يحجب عنهم ريح الجنة ، متذكرا لأنس بن النضر حين قال لسعد بن معاذ رضوان الله عليهما : ( واهاً لريح الجنة !! أجده دون أُحد ) (1) ، يردد في نفسه مقولة أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز : " البخيل كلّ البخيل منَ بخل عن نفسه بالجنة " (2) .
ويفكّر في نهايته وكيف يدخلها ، ومن أي طريق ؟ ويأتيه حديث أبي هريرة في الصحيحين ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أنفق زوجين في سبيل الله من ماله دعي من أبواب الجنة ، وللجنة ثمانية أبواب ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام . فقال أبو بكر : والله ما على أحد من ضرر دعي من أيها دعي ، فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم , وأرجو أن تكون منهم ) .
فالمقصود هو كثرة التطوعات في هذه الأعمال - الصلاة والصوم وغيرها - بحسب كل عبادة يدخل المرء من بابها في الجنة ، وليس المقصود القيام بما فرض عليه فقط .
وهذا المعنى يقدح في ذهن الداعية سؤالا : ما هو المفتاح الذي بيدي لأدخل منه بابا من أبواب الجنة ؟
هل أنا متميز في صلاتي وتطوعي فيها ، خاشع مكثر مقبل قائم متبتل ؟ هل أنا ممن يصوم الصوم الكثير الخفي ؟ أم هو رمضان وبضع أيام متفرقة ؟ هل أنا مكثر الصدقات ومن أهلها عند الله ؟ أم أنني من أهل الجهاد ومكتوب كذلك عند الله ؟ أم من باب العلم وطلبه ؟؟ أو اللسان الرطب والقلب الندي بذكر الله !!
حدد من أين تريد أن تدخل ، وجهّز مفتاحك معك ، وارسم من الآن لحظات وقوفك على تلك الأبواب ، وتخيل نفسك ، من أي باب سوف ينادى عليك !!
فاصنع أخي مفتاحك واتعب فيه ، وتفنن في أسنانه ، وزد وتنفل واقترب وانصب ، واعرف بابك ، تنل مرادك ، وتيقن أن الله موفقك ، فدق الباب من الآن وكن الملحاح النجيب ، أو كن كأبي بكر الصديق واجمع المفاتيح واغنم بدخولك معه الأبواب الثمانية .
واعلم‏:‏ أن الأمور الإلهية لا نهاية لها، وإنما يكشف لكل عبد من العباد بعضها، ويبقى أمور لا نهاية لها، والعارف يعلم وجودها، وكونها معلومة لله تعالى، ويعلم أن ما غاب عن علمه من المعلومات أكثر مما حضر ، فلا يزال العبد متشوقاً إلى أن يحصل له اصل المعرفة، وينتهى الشوق الأول فى الدار الآخرة بالمعنى الذي يسمى رؤية ومشاهدة، ولا يتصور أن يسكن قلب المشتاق فى الدنيا‏.‏
وكان إبراهيم ابن أدهم من المشتاقين، فقال يوماً يارب ‏!‏ إن كنت أعطيت أحداً من المحبين لك ما يسكن به قلبه قبل لقائك فأعطني، فقد أضر بى القلق‏.‏ قال ‏:‏ فرأيته عز وجل فى النوم، فقال ‏:‏ يا إبراهيم ‏!‏ أما استحييت منى ‏؟‏‏!‏ تسألني أن أعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائي، وهل يسكن قلب المشتاق قبل لقاء حبيبه‏؟‏ فقلت ‏:‏ يا رب ‏:‏ تهت فى حبك فلم أدر ما أقول، فهذا الشوق يسكن فى الآخرة‏.‏ وأما غير ذلك مما هو معلوم لله فلا نهاية له ، فلا يتضح للعبد ولا يحط به ، فهو مشغول بلذة ما ظهر له، ولا يزال النعيم واللذة متزايدين حتى يشغل عن الإحساس بالشوق إلى ما وراء ذلك، فهذا القدر من أنوار البصائر كاشف لحقائق الشوق ومعانيه‏.‏
ومن شواهد الأخبار، ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم رجلا دعاء، وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم ، فذكر فيه‏:‏ “أسألك اللهم الرضى بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت ، ولذة النظر إلى وجهك ، وشوقاً إلى لقائك”‏.‏
وفى التوراة ‏:‏ يقول الله تعالى ‏:‏ طال شوق الأبرار إلى لقائي ، وأنا إلى لقائهم أشد شوقاً‏.‏
وفى بعض ما أوحى الله عز وجل إلى بعض عباده‏:‏ إن لى عباداً من عبادى، يحبونى وأحبهم، وأشتاق إليهم ويشتاقون إلى، ويذكروني وأذكرهم، فان حذوت طريقهم أحببتك، وإن عدلت عنهم مقتك‏.‏ قال ‏:‏ يا رب‏!‏ وما علامتهم‏؟‏ قال ‏:‏ يرعون الظلال بالنهار ، كما يراعى الراعي الشفيق غنمه‏؟‏ ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب، فإذا جنهم الليل، واختلط الظلام، وفرش الفرش، وخلال كل حبيب بحبيبه، نصبو أقدامهم ، وافترشوا وجوههم، وناجوني بكلامي، وتملقونى بإنعامي، فبين صارخ وباك، وبين متأوه وشاك، وبين قائم وقاعد، وبين راكع وساجد، بعيني ما يتحملون من أجلى، وبسمعي ما يشكون من حبي
وأما محبة الله تعالى للعبد، فاعلم‏:‏
أن شواهد القرآن متظاهرة على ذلك كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}‏‏‏ إن الله يحب الذي يقاتلون فى سبيله صفاً‏}‏، ونبه على أنه لا يعذب من يحبه، لأنه رد على من ادعى أنه حبيبه بقوله ‏:‏ ‏{‏ قل فلم يعذبكم بذنوبكم‏}‏ ‏‏ وشرط للمحبة غفران الذنوب فقال ‏:‏ ‏{‏ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم‏}‏ ، وفى الحديث الصحيح، من رواية أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ إن الله تعالى يقول‏:‏ “ما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه”، إلى أخره‏.‏ وهو حديث مشهور‏.‏
ومن علامة حب الله تعالى للعبد، قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ “ إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه” ‏ من حديث أنس بلفظ ‏"‏إن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضى، فله الرضى، ومن سخط فله السخط‏"‏
ومن أقوى العلامات، حسن التدبير له، يربيه من الطفولة على أحسن نظام، ويكتب الإيمان فى قلبه، وينور له عقله، فيتبع كل ما يقربه، وينفر عن كل ما يبعد عنه، ثم يتولاه بتيسير أموره، من غير ذل للخلق، ويسدد ظاهره وباطنه، ويجعل همه هماً واحداً، فإذا زادت المحبة، شغله به عن كل شىء‏.‏وأما محبة العبد لله تعالى،
فاعلم أن المحبة يدعيها كل أحد، فما أسهل الدعوى وأعز المعنى، فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بتلبيس الشيطان، وخداع النفس إذا ادعت محبة الله تعالى، مالم يمتحنها بالعلامات، ويطالبها بالبراهين، فمن العلامات حب لقاء الله تعالى فى الجنة، فإنه لا يتصور أن يحب القلب محبوباً إلا ويحب لقاءه ومشاهدته، وهذا لا ينافى كراهة الموت، فإن المؤمن يكره الموت، ولقاء الله بعد الموت‏.‏
ومن السلف من أحب الموت، ومنهم من كرهه، إما لضعف محبته، أو لكونها مشوبة بحب شيء من الدنيا ، أو لأنه يرى ذنوبه فيحب أن يبقى ليتوب ‏.‏
فعلامة حب الله تعالى حب ذكره، وحب القرآن الذي هو كلامه، وحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم‏}‏
وقال بعض السلف‏:‏ كنت قد وجدت حلاوة المناجاة، فكنت أدمن قراءة القرآن، ثم لحقني فترة فانقطعت، فرأيت فى المنام قائلا يقول‏:‏
إن كنت تزعم حبي ** فلم هجرت كتابــــي
أما تدبرت ما فيــ ** ـه من لطيف عتابي
ومنها أن يكون أنسه بالخلوة، ومناجاة الله تعالى، وتلاوة كتابه ، فيواظب على التهجد، ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق، فان أقل درجات الحب التلذذ بالخلوة بالحبيب، والتنعم بمناجاته‏.‏
روى أن عابداً عبد الله غيضة دهراً، فنظر إلى طائر قد عشش فى شجرة يأوى إليها، ويصفر عندها‏.‏ فقال‏:‏ لو حولت مسجدي إلى تلك الشجرة كنت آنس بصوت هذا الطائر، ففعل، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم‏:‏ قل لفلان العابد‏:‏ استأنست بمخلوق، لأحطنك درجة لا تنالها بشيء من عملك أبداً‏.‏فإذن علامة المحبة، كمال الأنس بمناجاة المحبوب، وكمال التنعيم بالخلوة، وكمال الاستيحاش من كل ما ينقض عليه الخلوة‏.‏
ومتى غلب الحب والأنس صارت الخلوة والمناجاة قرة عين تدفع جميع الهموم، بل يستغرق الحب والأنس قلبه، حتى لا يفهم أمور الدنيا، مالم تتكرر على سمعه مراراً، مثل العاشق الولهان‏.‏
ومنها أن يتأسف على ما يفوته من ذكر الله تعالى، ويتنعم بالطاعة، لا يستثقلها، ويسقط عنه تعبها‏.‏
قال ثابت البنانى رحمة الله‏:‏ كابدت الصلاة عشرين سنه، وتنعمت بها عشرين سنه‏.‏
وقال الجنيد‏:‏ علامة المحبة دوام النشاط، والدؤوب بشهوة يفتر بدنه ولا يفتر قلبه، وكل هذا موجود المثال فى المشاهدات، فإن المحب لا يستثقل السعي في مراد محبوبه، ويستلذ خدمته بقلبه، إن كان شاقاً على بدنه، وكل حب قاهر لا محالة، فمن كان محبوب أحب إليه من الكسل، ترك الكسل في خدمته، وإن كان أحب إليه من المال، ترك المال فى حبه‏.‏
ومنها أن يكون شفيقاً على جميع عباد الله، رحيما بهم، شديداً على أعدائه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أشداء على الكفار رحماء بينهم‏}‏‏[‏ ولا تأخذه فى الله لومة لائم، ولا يصرفه عن الغضب له صارف، فهذه علامات المحبة، فمن اجتمعت فيه فقد تمت محبته، وصفا فى الآخرة شرابه‏.‏ ومن امتزج بحبه حب غير الله، تنعم فى الآخرة بقدر حبه، فيمزج شرابه بشيء من شراب المقربين، كما قال عز وجل‏:‏ ‏{‏إن الأبرار لفى نعيم‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏يسقون من رحيق مختوم* ختامه مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم* عينا يشرب بها المقربون‏}‏ فقوبل الخالص بالصرف، والمشوب بالمشوب‏.‏ ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرأ يره‏}‏ ‏‏ ومنها أن يكون فى حبه خائفاً بين الهيبة والتعظيم، فإن الخوف لا يضاد المحبة، ولخصوص المحبين مخاوف فى مقام المحبة ليست لغيرهم، وبعضها أشد من بعض، فأولها خوف الإعراض، وأشد منه خوف الحجاب، وأشد منه خوف الإبعاد‏.‏
اعلم‏:‏ أن من غلب عليه حال الأنس لم تكن شهوته إلا فى الانفراد والخلوة، لآن الأنس بالله يلازمه التوحش من غيره، ويكون أثقل الأشياء على القلب كل ما يعوق عن الخلوة‏.‏
قال عبد الواحد بن زيد‏:‏ قلت لراهب‏:‏ لقد أعجبتك الخلوة، فقال‏:‏ لو ذقت حلاوة الخلوة لا ستوحشت إليها من نفسك، قلت‏:‏ متى يذوق العبد حلاوة الأنس بالله تعالى‏؟‏ قال‏:‏ إذا صفا الود، خلصت المعاملة‏.‏ قلت‏:‏ متى يصفو الود‏؟‏ قال‏:‏ إذا اجتمع الهم، فصار هماً واحداً في الطاعة‏.‏
فإن قيل‏:‏ ما علامة الأنس‏؟‏ قيل‏:‏ علامته الخاصة ضيق الصدر عن معاشرة الخلق، والتبرم بهم، وإن خالط، فهو كمنفرد غائب مخالط بالبدن، منفرد بالقلب‏.‏
واعلم‏:‏ أن الأنس إذا دام وغلب واستحكم، قد يثمر نوعاً من الانبساط والإدلال، وقد يكون ذلك منكراً فى الصورة، لما فيه من الجراءة وقلة الهيبة، وإن كان محتملاً ممن أقيم مقام الأنس‏.‏ وأما إذا صدر ممن لا يفهم ذلك المقام، أشرف به على صاحبه على الكفر، وذلك كما يروى عن أبى حفص أنه كان يمشى يوماً، فاستقبله رجل مدهوش ‏(‏‏(‏أي‏:‏ متحير، من دهش الرجل يدهش‏:‏ إذا تحير‏)‏‏)‏ فقال‏:‏ مالك‏؟‏ قال‏:‏ ضل حماري، ولا أملك غيره، فوقف أبو حفص وقال‏:‏ وعزتك لا أخطو خطوة ما لم ترد عليه حماره، فظهر الحمار‏.‏
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ،،
موسى مصطفى غير متصل  


قديم(ـة) 06-08-2008, 07:46 AM   #2
المتعكرم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 213
بوركت أخي
__________________
لا تنس ذكر الله
صور ضبان زاحفة لا تفوتك http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=152036
أقال الإمام الشافعي - رحمه الله – في كتابه الفذ الرسالة :
" وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله "
للتواصل : cba2556@hotmail.com


المتعكرم غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 06:38 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)