[النفس المتحررة]

قامت دولة الإسلام الأولى تلك الدولة الفتية التي بناها وأسس أركانها محمدٌ صلى الله عليه وسلم ومعه رجالٌ صالحون كانوا مثالاً يحتذى به في الإيمان والصدق والصبر والتراحم والتعاطف والترابط وبناء اللحمة الأخوية الإيمانية فوق اللحمة اللغوية أو الوطنية أو حتى لحمة النسب .

تميّزت دولة الإسلام باختلاط العرب بالعجم والأسود بالأبيض والغني بالفقير , فصار المجتمع كالبينان المرصوص الذي يغري كل من رأه أو سمع عنه بأن يدخل فيه لما يرى من الترابط القويم والأخوة التي ربطت بين الحبشي والقرشي والرومي والعربي والشرقي بالغربي .

امتدت دولة الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجاً , اتسعت وكبُرت حتى صارت يوماً منارة باسقة وشمساً ساطعة للكون , هذا التاريخ لايخجل أحد من ذكره والتغني به , وكل حركات النهضة التي قامت والتي تقوم إنما جاءت لتبحث عن أسباب التخلف والتراجع وتسعى لطرح مشاريع تنهض بالأمة لتعيدها كما كان في المقدمة وهو المكان الذي لايصلح إلا لها لكونها حضارة نابعة من شرع رباني صافي المشكاة .

بعد ضعف دولة الإسلام وتغير نظامها السياسي , تردى حالها وأخذت بأسباب الضعف من الظلم والجور والركود حتى أغرى الاستعمار النصراني الصليبي ليكسر أطرافها كما يقول الدكتور النفيسي بأن حالنا مع الاستعمار مرّ عبر خمس مراحل أولاها هي مرحلة التكسير والتمزيق .

بعد معاهدة سايس بيكو الخبيثة التي جاءت لتقسيم الدولة الكبرى لدول صغيرة حتى تنشغل كل دولة بنفسها , ويحصل بينها التنافس لتضعف وتضعف كلمتها وخير مثال جامعة الدول العربية التي غاية أمرها هي نشجب ونستنكر !

بعد هذا التقسيم جاءت الحركات المناهضة للاستعمار القومية والشيوعية والاسلامية وغيرها كل واحدة تراهن على أن مشروعها هو الأقوى لتعيد الأمة تحت رابطة واحدة .

مايهمني هنا هو المشاريع الاسلامية والتي اصطدمت بمشاكل كثيرة منها _ وهو حول موضوعي _ الوطنية , فلقد كانت الوطنية مقابل الدين , ولازالت إلى هذه اللحظة مع مايطرحه بعض الاسلاميين لم تحل هذه المشكلة , وإن كنت أرى البعض يعتقد أنه بمجرد أن قال قائل إن هذه مسألة قديمة والناس تطورت وعرفت أن الوطنية ليست مقابل الدين فهو يخادع نفسه لأن المسألة أكبر ممايتصور وسيتضح كيف أنها اشكالية أوقعت شيخاً كالقرضاوي مثلاً في حيص بيص عندما هجمت أمريكا على أفغانستان كان من ضمن الجنود الأمريكيين مسلمون فتردد الجنود المسلمون هل يقاتلون جنب أخوانهم في الوطن ضد أخوانهم في الدين أم ينتصروا لأخوانهم في الدين ويقفوا ضد أخوانهم في الوطن ويمتنعوا عن نداء الواجب الوطني وهذا مايعرضهم للطرد والوصف بالخيانة وغيرها , أليست مسألة الوطن لم تحل بعد ولو كان كذلك لم وقع فيها من عاشوا في حضارة متقدمة في مشكلة كهذه .

الأخرى وهي ربما أكثر وضوحاً هل يحب الإنسان أخوه في الوطن ويقف معه ضد أخوه في الدين فيقف مثلاً مع أخوه النصراني الوطني ويتمنى له أن ينال المناصب ويكره أخوه في الدين الذي ليس من وطنه ويتمنى أن يطرد من بلاده ويرحل مقابل أن يأخذ منصبه أخوه في الوطن أو هو يتمنى العكس وحينها سيكون قدم الدين على الوطن .

وأعظم لو تقاتل بلد مسلم غلب فيه الغير مسلمين كان يكونوا نصارى أو هندوس أوغيرهم ضد بلد مسلم لايقطنه سوى مسلمين فهل على المسلمين في البلد الأول وهم يرون النصارى من بني وطنهم يقتلون إخوانهم في البلد الآخر أن يفرحوا لذلك ويقاتلوا صفاً معهم أو ينقلبوا على إخوانهم في الوطن ويقاتلوا دفاعاً عن إخوانهم في الدين ..

أرى الكثير حين يتحدث عن الوطنية وغيابها عن الأدبيات يختزل ذلك في حب البلد ذاتها دون الحديث عن مفهوم الوطنية الشامل وهو مثل من يقتبس ليبرالية تناسب الدين ويسكت عن الحديث عن الجوانب التي تخالف الدين لأنه لم يجد جواباً ...

حب البلاد الاسلامية كلها حب مشروع ولذا سعى النبي صلى الله عليه وسلم بتطهير بلدته من الشرك وكذا باقي البلدان ....

بقي اشكالية القومية مع الدين سيكون لها حديث آخر ....

[النفس المتحررة]

المقال القادم هو الفرق بين التراجعات والتخبطات ...


سيزيدالموضوع وضوحاً بحول اللهِ .