|
|
|
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Dec 2001
البلد: السرداب
المشاركات: 1,487
|
د . سليمان الضحيان : الجابري خدم الاسلام أكثر مما خدمه الشيخ البراك !!!!
( كلامه فرح به خصوم الإسلام وأعداؤه من اليهود والنصارى والملاحدة والرافضة، )( ماهر في التمويه ومخادعة القارئ في نفث فكره العفن ) ، ( يرى نقص القرآن لكنه لا يستطيع التصريح فيموه على القاريء) ، ( يتهيب بالتصريح بفكرته المتزندقة فيتظاهر باحتمال نفيها ليتمكن من تسريبها للقارئ الغافل ) ( لا يستطيع نقد الإسلام وأسسه فيقوم بالتكتيك المرحلي بنقل انتقادات وحوارات الفرق القديمة لبعضها لزعزعة قناعات القارئ ) .
هذه العبارات وردت في السؤال المطروح على الشيخ البراك وفي جواب البراك في فتواه عن الجابري وفي مقالة الأستاذ الفاضل بندر الشويقي بعد تلخيصها في مقالته التي رد بها علي تعليقي على فتوى البراك في موقع ( العربية ) ، و لاشك أن القارئ لهذه الأوصاف سيستنتج أن المتحدث عنه زنديق أوقف حياته لمحاربة الإسلام والطعن فيه ، فمن هو هذا المتحدث عنه ؟ المتحدث عنه بهذه الأوصاف هو الدكتور محمد عابد الجابري ، حسنا دعونا الآن ننقل بعض أفكاره وأطروحاته لنرى هل تصدق عليه تلك الأوصاف المخيفة البشعة التي ذكرها أولئك الأخوة المتحمسون ؟ يقول الجابري ((أنا أرى أن الإسلام دنيا ودين، وأنه أقام دولة منذ زمن الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأن هذه الدولة توطدت أركانها زمن أبي بكر وعمر، وإذن فالقول بأن الإسلام دين لا دولة هو في نظري قول يتجاهل التاريخ" (حوار المشرق والمغرب / ص 101) ويقول "العلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة غير ذات موضوع في الإسلام لأنه ليس فيه كنيسة حتى تفصل عن الدولة" (حوار المشرق والمغرب / ص 10) ويقول : (وهكذا نرى أن تطبيق الشريعة قد دار مع المصلحة, وهذا لا يعني أن الشريعة يجب أن تتغير بتغير المصالح, كلا. الشريعة ثابتة ومطلقة لأنها إلهية" ( الدين والدولة وتطبيق الشريعة / ص 45 ) . ويكاد يكون الجابري المفكر العربي الوحيد الذي وافقت أطروحاته الآراء السلفية في كثير من القضايا المشكلة في التراث ومن ذلك أنه يرى أن الشيعة والجهمية والصوفية فرق استمدت فكرها من التراث الغنوصي الهرمسي الموروث من فلسفات سابقة على الإسلام ( تكوين العقل العربي / 192 – 219 ) ، ويرى أن آراء الأشاعرة تخالف طريقة السلف في صدر الإسلام والقرن الأول ( تكوين العقل / 298 ) ، ويرى أن آراء الأشاعرة المتأخرين بداية من تنظيرات الرازي تبنت فلسفة ابن سينا ( مناهج الأدلة / 31 ) ويرى أن بداية النهضة العربية الحديثة هي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وليس الحملة الفرنسية ( حوار المشرق والمغرب / 221) . و هل معنى هذا أن الجابري مفكر إسلامي ؟ وأنني أتفق معه في كل أطروحاته ؟ إطلاقا الجابري ليس مفكرا إسلاميا وهو نفسه يرفض تصنيفه بذلك ، ولست أتفق معه في كل أطروحاته بل لدي من الانتقادات ما لو كتبتها لجاءت في مجلد كبير ، وقد سبق أن كتبت نقدا لبعضها في مقال نشر لي في مجلة ( المجلة ) بعنوان ( حقوق الله أم حقوق الإنسان ) ، ونقدي للجابري يأخذ مسارين ؛ المسار الأول نقد منهجي إذ إن منهج الجابري في كتابته عن التراث يقوم على الانتقاء فهو ينتقي من التراث ما يوافق الأفكار التي يتبناها وليس أدل على ذلك من أمرين؛ الأمر الأول تضخيمه للدافع السياسي في تفسير كثبر من التوجهات الفكرية في التراث إلى درجة التمحل أحيانا وفي سبيل إثبات ذلك ينتقي من الحوادث التاريخية ما يؤيد تلك الرؤية ويهمل ما عداها . والأمر الثاني أنه في حديثه عن نظم المعرفة في الثقافة العربية ( البيان ، والبرهان ، والعرفان ) - وقد ألف في دراستها كتابا ضخما وهو كتابه ( بنية العقل الغربي ) في 600 صفحة - أهمل الكلام فيه عن ابن تيمية تماما سوى إشارة عابرة له ، مع تعرضه لمؤلفين أقل شأنا من ابن تيمية بكثير ؛ وذلك لأن الجابري انتصر لنظام البرهان الذي يعبر عنه الفلاسفة وخاصة ابن رشد ، وابن تيمية انتصر لنظام البيان ، وله مؤلفات ضخمة في نقد نظام البرهان فقد انتقد الفلاسفة بطريقة منهجية عميقة كما في ( درء التعارض ) ونقض منطق أرسطو، وكل دراسة للفلسفة ونظم المعرفة في التراث العربي لا تتطرق لنقد ابن تيمية فهي ناقصة . والمسار الثاني نقد علمي إذ إن الجابري كثيرا ما يقع في أخطاء علمية فادحة ويبني عليها نتائج كبيرة فأحيانا يبنى فكرته كلها على حديث ضعيف أو حكاية ساقطة ، أو استقراء ناقص ، أو خطأ في فهم ما قيل ومن ذلك رأيه في كيفية تطبيق الشريعة وذلك بدعوته إلى تبني تقديم المصلحة على النص إذا تعارضت المصلحة مع النص مستدلا على ذلك بإجماع الفقهاء على ذلك ، والحق أن القول بذلك انفرد به الفقيه الحنبلي الطوفي وعد رأيا شاذا . ومع ما لدى الجابري من أخطاء في المنهج والأفكار والمعلومات وغيرها – شأنه شأن كل عالم ومفكر وكاتب – إلا أني أعتقد جازما أنه خدم الإسلام بإنتاجه وكتبه أكثر مما خدمه الشيخ الجليل البراك ؛ إذ إن الشيخ البراك لا تتعدى فائدة طرحه عددا محدودا من المتدينين ممن يتلقون عنه العلم وهم في جملتهم من طلبة العلم أصلا الذين جاؤا للاستزادة من العلم ليس غير ، و أما الجابري فإن قراءه والمتأثرين بأطروحاته ومؤلفاته أعداد لا تحصى من العلمانيين في جميع أقطار العالم العربي ، وقد أثر كثيرا في نظرتهم للدين والتراث ؛ فإذا كان أدونيس في أطروحاته الفكرية ساهم في إبعاد كثير من المثقفين عن الإسلام فإن الجابري أرجعهم إلى الإسلام ؛ ولهذا قامت موجة عاتية من النقد وجهها له غلاة العلمانية لأنهم يرونه يدعو إلى الأصولية ويجامل في طرحه الإسلاميين ، كما أحدث طرحه ظاهرة الكتابة في التراث لدى عدد كبير من المفكرين والمثقفين وهي ظاهرة لفتت نظر جورج طرابيشي فوصفها بالعصاب الجماعي ، ولاقت دعوته في أنه لا نهضة للعرب إلا من خلال التراث صدى واسعا أحدثت تصالحا لكثير من العلمانيين مع الإسلام ، وأيضا حرضت كتاباته بعض المفكرين الإسلاميين للكتابة في التراث كطه عبد الرحمن ، وأبي يعرب المرزوقي . يبقى الحديث عن قضية السجال الدائر هذه الأيام بيني وبين أولئك الأخوة الفضلاء وهو عن تهمة القول بنقص القرآن ؛ فهل قال الجابري بذلك كما اتهمه الأخوة المتحمسون ؟ لقد قرأت كتابه ( مدخل في إلى القرآن الكريم ) ، وجلست معه جلسة خاصة قبل المحاضرة فاتضح لي أن رأيه في هذه القضية يتلخص بما يلي : حديث الجابري عن النقص في القرآن يدور حول سورتين فقط من سور القرآن وهما سورتا ( الأحزاب ) و( براءة ) ( مدخل إلى القرآن الحكيم / 229 – 2230 ) فهل تبنى القول بنقصهما ؟ لأنقل لكم أولا ما قاله الأستاذ الفاضل الشويقي ثم أعلق عليه ؛ قال الأستاذ الشويقي : )) فسياق كلامه ( يقصد الجابري ) كله صريحٌ و واضحٌ في تجويزِ أن يكونَ هناك نصوصٌ قرآنيةٌ سقطت من الصحابةِ حين تصدوا لجمع القرآن الكريم؛ ففي (ص231) قال الجابري -وهو يتحدث عن احتمال وقوع النقص في سورتي (براءة) و (الأحزاب)- : "لقد اشتملت السورتان على نقدٍ داخليٍّ ومراجعة وحساب وكشف عورات، -وخاصة سورة براءة-، لم يرد مثله في أية سورة أخرى. ولا نعتقد أن ما سقط منهما من الآيات –إذا كان هناك سقوط بالفعل-، يتعلق بهذا الموضوع، لأن ما احتفظت به السورتان كان عنيفاً وقاسياً إلى درجة يصعب معها –بالنظر إلى أسلوب القرآن في العتاب- تصور ما هو أبعد من ذلك". ثم قال بعد ذلك: "وكل ما يمكن قوله –على سبيل التخمين لا غير- هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة هو القسم الأول منها، وربما كان يتعلق بذكر المعاهدات التي كانت قد أبرمت مع المشركين. ذلك أن سور القرآن، بخاصة الطوال منها، تحتوي عادة على مقدمات تختلف طولاً وقصراً، مع استطرادات، قبل الانتقال إلى الموضوع أو الموضوعات التي تشكل قوام السورة" ، ثم قال: "أما سورة الأحزاب، فيبدو أن ما سقط منها مبالَغ فيه...". هذه بعضُ عبارات الجابري في كتابه، وللقارئ أن يلحظ في النص الأخير عبارة: (يبدو أن ما سقط منها مبالغٌ فيه) فتلك العبارة قد يفهم منها القارئ الساذجُ الدفاعَ عن القرآن، لكن القارئ الفطن لن يخفى عليه أنها تتضمن إثباتاً ماكراً لوقوعِ السقط والنقص من كتاب الله. وفي النصين الآخرين نلحظ مثل ذلك التشكيك الماكر، حين يقحم الجابري في كلامه عباراتٍ احترازيةً مثل: (إن كان هناك سقوطٌ بالفعل)، ومثل عبارة: (ما يمكن قوله على سبيل التخمين لا غير، هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة ...). فمثل هذه التعابير المشككة هي التي عناها الشيخ البراك حين تحدث عن مهارة الجابري في التمويه والمخادعة)) انتهى كلام الشويقي . ولا شك أن هذا الكلام الذي نقله الأستاذ الفاضل الشويقي يثبت بالدليل القاطع أن الجابري يقول بنقص القرآن لولا أن الشويقي مارس التمويه على القارئ فنقله مبتورا من سياقه فصار كلاما فظيعا مستبشعا ؛ فما السياق الذي جاء به كلام الجابري هذا ؟ كل هذا الكلام الذي نقله الشويقي قاله الجابري تعليقا على أقوال العلماء والأحاديث التي تذكر أن سورة ( الأحزاب) وسورة ( براءة ) كانتا أطول مما هما عليه في المصحف اليوم ثم رفع جزء منهما بعلم الله ومشيئته كما قرر علماء السلف ، فقد أورد الجابري قبل التعليقات التي نقلها الأستاذ الشويقي ما يلي : (( يقول القرطبي عند تفسير سورة الأحزاب ... وكانت هذه السورة تعدل سورة البقرة وكانت فيها آية الرجم ونصها : (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم )) وبعد أن يشير إلى أن هذا روي عن أبي بن كعب أحد كتاب الوحي وجامعي المصحف ، يضيف قائلا (( وهذا يحمله أهل العلم على أن الله تعالى رفع من سورة الأحزاب إليه ما يزيد على ما في أيدينا منها وأن آية الرجم رفع لفظها ، ثم يذكر رواية عن عائشة زوج النبي جاء فيها أنها قالت (( كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتي آية فلما كتب المصحف لم يقدر منها إلا على ما هي الآن )) انتهى كلام الجابري ( مدخل إلى القرآن الكريم / 223) . وقال عن سورة براءة : (( يذكر القرطبي في بداية تفسيره لسورة براءة ( التوبة ) وفي سياق عرضه للروايات التي تتناول عدم وجود البسملة في أولها ما يلي (( قال مالك في ما رواه ابن وهب وابن قاسم وابن عبد الحكم : أنه لما سقط أولها سقط ( بسم الله الرحمن الرحيم ) معه ، وروى ذلك ابن عجلان أنه بلغه أن سورة (براءة) كانت تعدل البقرة أو قربها فذهب منها ، فلذلك لم يكتب في بدايتها (( بسم الله الرحمن الرحيم )) ، وقال سعيد بن جبير : كانت مثل سورة البقرة ، وعن حذيفة قال : ما تقرؤون ربعا ؛ يعني ( براءة ) )) انظر ( مدخل إلى القرآن الكريم/ 223-224 ) . إذن قول الجابري (( ولا نعتقد أن ما سقط منهما من الآيات )) وقوله ((الجزء الساقط من سورة براءة )) وغيرها من العبارات التي أوردها الأستاذ الشويقي وشنع على الجابري بها إنما قالها الجابري تعليقا على تلك الروايات في كتب الحديث والتفسير التي تتحدث عن السقط ، فكلمة ( السقط ) ليس من تعبير الجابري بل هي موجودة في تلك الروايات كما أورتها سابقا ، ويفهم من كلام الجابري أنه يشكك بهذه الروايات وذلك في قوله ((إن كان هناك سقوطٌ بالفعل)) ، وكانت أمانة العلم والعدل في النقد تحتم على الأستاذ الشويقي أن يشير إلى أن كلام الجابري قاله معلقا على ما روى حول السورتين ( الأحزاب وبراءة ) . ولنورد أنموذجا آخرا على البتر والتمويه الذي مارسه الأستاذ الفاضل الشويقي ، يقول الشويقي ((وللقارئ أن يلحظ في النص الأخير عبارة: (يبدو أن ما سقط منها مبالغٌ فيه) فتلك العبارة قد يفهم منها القارئ الساذجُ الدفاعَ عن القرآن، لكن القارئ الفطن لن يخفى عليه أنها تتضمن إثباتاً ماكراً لوقوعِ السقط والنقص من كتاب الله.)) ، انتهى كلام الشويفي حسنا دعونا الآن ننقل عبارة الجابري كاملة ؛ قال الجابري (( أما سورة الأحزاب فيبدو أن ما سقط منها مبالغ فيه ( يقصد الروايات الحديثية التي تروي أنها كانت مائتي آية ) وحجتنا على ذلك( أي على أنها مبالغ فيها ) هو أن عمر بن الخطاب وغيره ذكروا آية واحدة كانت فيها وسقطت وهي آية (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم )) والسؤال الذي يفرض نفسه هو التالي : لماذا وقع تذكر هذه الآية وحدها من دون الباقي المفترض فيه أنه محذوف منها ؟ ومما يشكك في كون أن ما حذف من سورة الأحزاب كان أكثر من آية ( الشيخ والشيخة ) ما نسب إلى عائشة زوج النبي من أنها قالت (( إن هذه السورة كانت مكتوبة في صحيفة في بيتها فأكلتها الداجن )) ، ونحن نميل مع ابن عاشور في اعتراضه على هذا بقوله (( ووضع هذا الخبر ظاهر مكشوف فإنه لو صدق هذا لكانت هذه الصحيفة قد هلكت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده والصحابة متوافرون وحفاظ القرآن كثيرون فلو تلفت هذه الصحيفة لم يتلف ما فيها من صدور الحفاظ )) ، وحتى إذا استبعدنا فكرة الوضع فإنه من الجائز أن يكون ما اعتبر محذوفا من سورة الأحزاب هو نفسه في سورة أخرى كما ذهب إلى ذلك ابن عاشور حيث قال (( وأنا أقول : إن صح عن أبيّ ما نسب إليه – حول سورة الأحزاب – فما هو إلا أن شيئا كثيرا من القرآن كان أبيََُّ يلحقه بسورة الأحزاب وهو من سور أخرى من القرآن مثل كثير من سورة النساء الشبيه ببعض ما في سورة الأحزاب أغراضا ولهجة مما فيه من ذكر المنافقين واليهود ، فإن أصحاب رسول الله لم يكونوا على طريقة واحدة في ترتيب آي القرآن كما ولا في عدد وتقسيم سوره ) ( مدخل إلى القرآن الكريم / 231-232) انتهى كلام الجابري . ولا شك أن القارئ الآن أدرك فداحة التمويه الذي مارسه الأستاذ الفاضل بندر الشويقي نتيجة بتره كلام الجابري ، وكأني بالجابري حينما يقرأ بتر كلامه وتشويهه يتمثل بقول الشاعر : إذا محاسني اللاتي أُدلُّ بها ....... أضحت مساوي قل لي كيف أعتذر إذ لا أعتقد أن الباحث المنصف سيجد كلاما أفضل من كلام الجابري - هذا الذي بتره الشويقي - في الرد على من قال بوجود نقص في سورة الأحزاب ، إذ بالغ في رده حتى اضطر للحكم على حديث بالوضع لينفي النقص. نعم يبقى هنا إشكال وهو أن الجابري هنا أكد سقوط آية ( الرجم ) فقط كما رواها عمر بن الخطاب ، والجابري هنا يختلف مع علماء الحديث فالعلماء ذكروا أنها منسوخة اللفظ ، والجابري يرى أن الصحابة لم يضعوها في المصحف لأنها رواية آحاد وشرط القرآن التواتر ( مدخل إلى القرآن الحكيم / 224 ) . ونختم الحديث عن هذه القضية بطرح تساؤل : هل معنى هذا أن الجابري يتفق تماما مع رؤية أهل السنة المجمع عليها حول حفظ القرآن من الزيادة والنقصان ؟ من قراءاتي المتفحصة لكتابه ومن خلال مناقشته شفهيا كفاحا اتضح لي أنه هو نفسه لا يقول بنقص القرآن ولا بزيادته ، وأن الروايات التي نصت على النقص – إن ثبتت – لا تـُحْمل على النسخ بل تحمل على أنها روايات آحاد ، وكان الصحابة يشترطون شهادة اثنين ويردون رواية الواحد في كتابتهم للقرآن ، و كل ذلك بعلم الله ومشيئته ، وقد وجدته بالغ في رد بعض الروايات إلى حد حكمه على حديث عائشة عن الداجن بالوضع كما نقلت كلامه سابقا . لكنه في الوقت نفسه يخالف الرؤية المجمع عليها عند أهل السنة بقوله : بأنه ليس هناك دليل قاطع على عدم حدوث زيادة أو نقصان في القرآن ؛ لأن من قام بجمعه ليس معصوما ، وإذا احتـُج عليه بقوله تعالى (( إنا نحن نزلنا القرآن وإنا له لحافظون )) رد بالقول إن الضمير في ( له لحافظون ) راجع للرسول صلى الله عليه وسلم ، أي لحافظون الرسول من الجنون لأن الآية جاءت بعد قوله تعالى (( وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون )) . وهذا التفسير قاله من قبله ابن السائب ومقاتل حيث قالا (( إنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالمعنى : لحافظون له من الشياطين والأعداء )) انظر : ( زاد المسير في علم التفسير : 4/384) . وأما الاحتجاج عليه بالإجماع فيرده بأنه لا يرى الإجماع حجة . ولا شك أن قوله هذا من وجهة النظر الشرعية خطأ كبير وقصارى القول فيه أنه شبهة تنتقد على الجابري ، ويـٌرد عليه بأسلوب علمي محكم بعيد عن الإثارة وتحشيد العوام واستعدائهم ، والتهويل بالفتاوى واتهام النيات . يبقى الحديث عن قول الأستاذ الفاضل الشويقي ((ولا أدري من أين للضحيان أن الشيخ لم يطلب الكتاب كاملاً؟!... فالذي أعلمه أن كتاب الجابري قد قرئ على الشيخ قبل أكثر من ستة أشهر، حين رغبَ الشيخ في الوقوف على قول الجابري من خلال كتابه، وليس من خلال نقل الآخرين)) ، قلت : الذي يتضح لي من خلال قراءة فتوى البراك أن الشيخ الجليل لم يسبق أن قرأ الكتاب ، ولم يطلع عليه البتة ، حتى الذين عرضوا الفتوى على الشيخ لم يقرؤا الكتاب ، وكانوا في عجلة من أمرهم ، وكان جل مرادهم التأثير على الرأي العام ، وإحداث ضجة ، ولاستعداء السلطة لمنع الجابري من إلقاء محاضرته ، والدليل على ذلك أن الشيخ البراك لو أنه قرأ الكتاب حقا لوجد فيه أخطا كثيرة جدا وبعضها كبيرة ، ولنبه عليها وأنكرها على الجابري ؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فمن تلك الأخطاء أن الجابري يرى أن قصص القرآن لا تعبر عن حقائق تاريخية بل هي من ضرب المثل ( مدخل إلى القرآن الكريم / 259) وهو القول الذي قال به من قبله محمد خلف الله وأثار ضجة كبيرة وصلت إلى حد تكفيره . ومنها أيضا أنه يرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف القراءة والكتابة ( مدخل / 77 ) ، وغيرها من الأخطاء التي أجزم لو أن الشيخ البراك أو الذين قدموا له الفتوى قرؤا الكتاب لكتبوا عنها في السؤال الموجه إليه . وبعد لماذا أكتب للدفاع عن الجابري ؟؟ ليس الأمر دفاعا عن الجابري بل دفاع عن المنهج الإسلامي الوسطي في التعامل مع الأشخاص والأفكار؛ إذ إن واقعنا الإسلامي المحلي يعاني من التأزم تجاه كثير من الأفكار والرؤى والأشخاص الذين يختلف معهم في قليل أو كثير ، هذا التأزم أنتج لدينا شريحة من المتدينين المتحمسين تحولت مهمتها إلى ملاحقة العلماء ، والمفكرين ، والمثقفين المعاصرين وغيرهم عبر التاريخ الإسلامي الطويل ، ونصبت لهم محاكم تفتيش من خلال نصب ميزان لقياس مدى مطابقتهم للإسلام الذي يجب أن يـُفـْهم من خلال فهم تلك الشريحة المتحمسة ، وللشيخ سلمان العودة تعبير طريف عن تلك الشريحة حيث يسميها ( جماعة الميزان ) ، وأصبحت محل تندر في مجالس كثير من طلبة العلم فيقول أحدهم للآخر : انتبه لقولك لئلا تزنك جماعة الميزان بميزانها ، هذه الشريحة تتعامل مع الدين والفكر على أنه مجرد معركة مع خصوم تسعى لإسقاطهم ، يجوز في تلك المعركة استخدام كل الوسائل من تشويه ، ومغالطات ، واستحلاب فتاوى من مشايخ فضلاء مخلصين ، واستعداء للسلطة وعوام المتدينين بعيدا عن منهج الإسلام في التعامل مع المخالفين القائم على الرحمة والعدل والإنصاف مصدقا لقول تعالى (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا )) وهذه الطريقة في النقد التي تمارسها ( جماعة الميزان ) سبق أن اتبعها فريق من الإسلاميين في التسعينات وانخرطوا في تتبع الدعاة وطلبة العلم والتفتيش الانتقائي عن أخطائهم ، ووسمهم بالبدعة ، وتشويههم أمام الرأي العام ، وما زال يستخدمها بعض اليساريين في نقدهم للإسلاميين كما في كتابات رفعت السعيد عن جماعة الإخوان المسلمين ، ويستخدمها غلاة العلمانيين في نقدهم للإسلاميين والصحوة كما في كتبات مأمون فندي ، والعفيف الأخضر . وكل ما أخشاه أن ينجر إلى تلك الطريقة وإلى ( جماعة الميزان ) الأخ الفاضل الأستاذ بندر الشويقي وليس بيني وبينه معرفة شخصية لكن من متابعتي لبعض ما يكتب – خاصة حواره مع حسن المالكي ورده على حسن الصفار - وجدت لديه استعدادا فكريا جيدا للإنتاج الفكري المستقل لو انفتح على آفاق فكرية أرحب من واقعه المحلي الضيق ، لكني أخشى عليه من أن يتهور بالانخراط مع تلك الجماعة من حيث لا يشعر فيفقد المصداقية ويتحول إلى منظـِّر لجماعة الميزان تتركز جهوده الثقافية في تفتيش كتب العالم الفلاني ، أو المفكر الفلاني في قراءة أيديولوجية انتقائية ؛ ليتصيد كلمة من هنا وكلمتين من هناك ثم يبنى عليها رؤية متكاملة عنه ، خاصة أن جهود تلك الجماعة تثير ضجيجا وتصفيقا مدويا عند جمهور من المتدينين البسطاء والسذج ، فربما اختصر الأستاذ الفاضل بندر المجتمع بذلك الجمهور الساذج من حيث لا يشعر . والنقد الإسلامي الحق ينظر إلى الكليات مع التجاوز عن الخطأ في الجزئيات مع حسن الظن والرفق والكلمة الطيبة والبحث عن الأعذار والرحمة بالمخالف والدعاء له وعدم غمطه حقه مصدقا لقول تعالى (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا )) . د سليمان الضحيان أستاذ في جامعة القصيم وكاتب سعودي ------------------------------------------- http://www.burnews.com/articles-action-show-id-1913.htm |
![]() |
![]() |
#2 |
عبدالله
تاريخ التسجيل: Jun 2004
البلد: .
المشاركات: 9,705
|
التاريخ :19/3/1430 هـ الشيخ / بندر بن عبدالله الشويقي - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام -
هل خدع الجابريُّ سليمانَ الضحيان؟! أُصبت فعلاً بالصَّدمة وأنا أقرأ ذاك التصريح المتهور الذي كتبه الأستاذ الفاضل سليمان الضحيان دفاعاً عن د.محمد عابد الجابري في جنايته الكبرى وجريمته العظمى التي اقترفها بحق كتاب الله –جل وعلا-، حين جوَّز وقوعَ الزيادة والنقصان فيه. أصبت بالصدمة لأني –وإن كنت لا أعرف الأستاذ سليمان شخصياً- إلا أن تصوري عنه أنه قارئ فاحصٌ يختلف عن غيره من الأغرار الذي نجح الجابريُّ في خداعهم و العبث بعقولهم بطريقته الماكرة في الدس والتشكيك. الجابريُّ في كتابه (مدخل إلى القرآن الكريم) عقد فصلاً تحت عنوان (جمع القرآن ومسألة الزيادة فيه والنقصان) انتهى في خاتمته إلى جواز وقوع النقص و الزيادة في كتاب الله. وهو الكلام الذي بموجبه أصدر الشيخ البراك فتياه التي ذكر فيها أن الجابريَّ: \"ماهر في التمويه ومخادعة القارئ في نفث فكره العفن\". والذي يقرأ للجابري بإمعانٍ يدرك تماماً أن هذا التوصيفَ الدقيقَ الصادرَ من الشيخ البراك، يطابق حال الجابريِّ تمام المطابقة. و قد أكد ذلك وأثبته موقفُ أخينا د.سليمان الضحيان الذي وقع –مع فضله- ضحيةً لمهارة الجابري في التمويه والخداع، حين لم يتفطن لحقيقة الفكرة التي أراد الجابري تمريرها في كتابه المذكور. فمن عادة الجابريِّ أن يرمي طعماً يوهم القارئ أنه أمام فكرةٍ سديدةٍ محررةٍ، ثم إذا ابتلع القارئ الطعم، رمى الجابريُّ فكرته السيئة المقصود تمريرها. وهذا النوع من المكر هو الذي تفطن له الشيخ البراك، بينما غفل عنه الأستاذ الضحيان في دفاعه المتهور. ففي كتابه (المدخل) قرَّر الجابريُّ أن القرآن الواصل إلينا هو نفسه القرآن الذي تم جمعه زمن عثمان بن عفان –رضي الله عنه-. قال الجابري: \"لأنه ليس ثمةَ أدلةٌ قاطعة على حدوثِ زيادةٍ أو نقصانٍ في القرآن\". هذا التقرير بمجرَّده فيه مخاتلةٌ وخداعٌ، فلو أرادَ الجابريُّ الجزمَ بنفي وقوعِ النقصان في القرآن لقال: (إن الدليل القطعيَّ يثبت استحالة وقوع الزيادة والنقصان في القرآن). لكنه عدلَ عن مثل هذه العبارة، واكتفى بالقول: إنه \"ليس ثمةَ أدلةٌ قاطعة على حدوثِ زيادةٍ أو نقصانٍ في القرآن\". والكلام بهذه المنطق المعكوس يوصل للقارئ رسالةً مفخخةً مؤداها أن المسألة موضع شكٍّ واحتمالٍ، لكن لم يثبت بها دليلٌ قطعيٌّ. هذا الأسلوب يكرِّره الجابريُّ في كثيرٍ من القضايا التي يتهيَّب التصريحَ بها، فيتظاهر بالنفي المتردِّد للفكرة المتزندقة، بهدف تسريب الاحتمال ليكونَ مرحلةً أولى تمتص الحسم واليقين لدى القارئ الغافل. لكن لندع هذا الملحظَ المستنبطَ جانباً؛ لأن ما جاءَ بعده أصرحُ و أخطر منه. فالجابريُّ حين نفى الدليل القطعيَّ على وقوع النقص أو الزيادة في القرآن منذ زمن عثمان وإلى اليومَ، جعل هذا التقرير طُعماً للقارئ، ومدخلاً للفكرة التالية المقصودة، وهي: أن من الجائز أن يكون قد وقع نقصٌ في القرآن قبل مرحلة الجمعِ وأثناءها، وبالتالي فإن الذي جمعه عثمان و وصل إلينا، لم يكن القرآن بأكمله. وهذه عبارة الجابري أنقلها بحروفها ليتمعنَ فيها الأستاذ سليمان. فقد قال الجابريُّ في (ص232): \"خلاصة الأمر أنه ليس ثمة أدلة قاطعة على حدوث زيادة أو نقصان في القرآن كما هو في المصحف بين أيدي الناس، منذ جمعه عثمان. أما قبل ذلك، فالقرآن كان مفرَّقاً في صحفٍ وفي صدور الصحابة. ومن المؤكد أن ما كان يتوفر عليه هذا الصحابي أو ذاك من القرآن –مكتوباً أو محفوظاً- كان يختلف عما كان عند غيره كمَّا وترتيباً. ومن الجائز أن تحدث أخطاء حين جمعه زمن عثمان أو قبل ذلك. فالذين تولوا هذه المهمة لم يكونوا معصومين. وقد وقع تدارك بعض النقص كما ذكر في مصادرنا. وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، فالقرآن نفسه ينص على إمكانية النسيان و التبديل والحذف والنسخ\". هذه عبارة الجابريِّ التي لم يفهم منها الأستاذ الضحيان أيَّ تشكيك في سلامة النص القرآني، فرجع بالملامة على الشيخ البراك، وأظهره في صورة الغرِّ الساذج الذي خدعه السائل، واستحلب منه فتيا مبنية على نقلٍ محرفٍ، بينما الواقع خلاف ذلك تماماً. فالذي يقرأ ما ذكره الجابري يدرك تماماً أن الشيخَ البراك كان أقرب لفهم مغزى الجابريِّ من الدكتور سليمان الذي تكلم باندفاعٍ وتهورٍ غريبٍ. الأستاذ الضحيان فزع مدافعاً دون رويةٍ. وحين أراد أن ينقل من كلام الجابريِّ ما ينفي التهمة عنه اقتطع جزءاً من النصِّ الذي نقلته آنفاً، وهو قوله: ((وقد وقع تدارك بعض النقص))، وبناءً على هذه الفقرة أعلن الضحيان أن الجابريَّ: \"نصَّ بكلامٍ جليٍّ لا لبسَ فيه ولا غموضَ على أن جمعَ القرآن في صياغته النهائية لا نقصَ فيه إذ تدارك الصحابةُ ذلك\". هذا ما دافع به الضحيان –سامحه الله-، وهو كلامٌ يبلغ الغاية في الغرابة والعجبِ. ولست أدري كيف غاب عن فهم الأستاذ دلالة كلمة: (قد وقع تدارك بعض النقص)، فهذا الكلام ليس له معنى إلا أن الذي تمَّ تداركه إنما هو (بعض النقص)، وليس جميعه. فكيفَ جعل الأستاذ سليمان هذه الجملة تصريحاً جلياً لا غموض فيه على سلامة القرآن من النقصان، بينما هي تصريحٌ جليٌّ لا غموضَ فيه بوقوع النقصِ وثبوته؟! أنا أقطع أن مغزى عبارة الجابريِّ لم يكن ليخفى على فطنة الأستاذ سليمان لولا الاندفاع والحماسة والرغبة الملحة في الذب عن الجابريِّ. وإن من الغرائب أن يعقد الجابريُّ مبحثاً كاملاً في عشر صفحاتٍ لمناقشة زيادة القرآن ونقصانه، ثم لا يجد الضحيان إلا نصف سطرٍ يفسر به مذهب الجابري، ثم يتبين أن هذا النصف يدل على نقيض ما أراده الأستاذ سليمان! على أن تلك العبارة المجتزأة التي نقلها الأستاذ سليمان مع وضوحها في إثبات نقص القرآن، إلا أنها ليست وحدها الدالة على هذا المعنى في كلام الجابري، فسياق كلامه كله صريحٌ و واضحٌ في تجويزِ أن يكونَ هناك نصوصٌ قرآنيةٌ سقطت من الصحابةِ حين تصدوا لجمع القرآن الكريم. ففي (ص231) قال الجابري -وهو يتحدث عن احتمال وقوع النقص في سورتي (براءة) و (الأحزاب)- : \"لقد اشتملت السورتان على نقدٍ داخليٍّ ومراجعة وحساب وكشف عورات، -وخاصة سورة براءة-، لم يرد مثله في أية سورة أخرى. ولا نعتقد أن ما سقط منهما من الآيات –إذا كان هناك سقوط بالفعل-، يتعلق بهذا الموضوع، لأن ما احتفظت به السورتان كان عنيفاً وقاسياً إلى درجة يصعب معها –بالنظر إلى أسلوب القرآن في العتاب- تصور ما هو أبعد من ذلك\". ثم قال بعد ذلك: \"وكل ما يمكن قوله –على سبيل التخمين لا غير- هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة هو القسم الأول منها، وربما كان يتعلق بذكر المعاهدات التي كانت قد أبرمت مع المشركين. ذلك أن سور القرآن، بخاصة الطوال منها، تحتوي عادة على مقدمات تختلف طولاً وقصراً، مع استطرادات، قبل الانتقال إلى الموضوع أو الموضوعات التي تشكل قوام السورة\". ثم قال: \"أما سورة الأحزاب، فيبدو أن ما سقط منها مبالَغ فيه...\". هذه بعضُ عبارات الجابري في كتابه، وللقارئ أن يلحظ في النص الأخير عبارة: (يبدو أن ما سقط منها مبالغٌ فيه) فتلك العبارة قد يفهم منها القارئ الساذجُ الدفاعَ عن القرآن، لكن القارئ الفطن لن يخفى عليه أنها تتضمن إثباتاً ماكراً لوقوعِ السقط والنقص من كتاب الله. وفي النصين الآخرين نلحظ مثل ذلك التشكيك الماكر، حين يقحم الجابري في كلامه عباراتٍ احترازيةً مثل: (إن كان هناك سقوطٌ بالفعل)، ومثل عبارة: (ما يمكن قوله على سبيل التخمين لا غير، هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة ...). فمثل هذه التعابير المشككة هي التي عناها الشيخ البراك حين تحدث عن مهارة الجابري في التمويه والمخادعة. وأحب –بهذه المناسبة- أن أذكرَ الأستاذ سليمان بأن الجابريَّ قد أقرَّ في بعض كتاباته أنه يمارس نوعاً مما يمكن أن أسميه (نفاقاً علمياً)، حين أشارَ إلى أنه لا يصرح بفكرته مراعاة لطبيعة العقل العربي الذي لا يتقبل النقد اللاهوتي حين يمسُّ المسلمات. ففي كتابه التراث والحداثة (ص259) يقول الجابري: \"لا أرى أن الوطن العربي في وضعيته الراهنة يحتمل ما يمكن أن نعبر عنه بنقدٍ لاهوتي...لأنه لا الوضعية الثقافية والبنية الفكرية العامة المهيمنة، ولا درجة النضوجِ الثقافي لدى المثقفين أنفسهم تسمح بهذا النوعِ من الممارسة الفولتيرية، ولا السياسة تسمح. وبطبيعة الحال فالإنسان يجب أن يعيش داخل واقعه لا خارجه، حتى يستطيع تغييره\". ويقول: \"هناك من يرى أن من الواجبِ مهاجمة اللاعقلانية في عقر دارها. و هذا خطأ في رأيي، لأن مهاجمة الفكر اللاعقلاني في مسلماته؛ في فروضه؛ في عقر داره، يسفر في غالب الأحيان عن: إيقاظٍ، تنبيهٍ، رد فعلٍ، وبالتالي تعميم الحوار بين العقل واللا عقل، والسيادة في النهاية ستكون خاضعةً للاعقل، لأن الأرضية أرضيته، والميدان ميدانه. والمسألة مسألة تخطيط\". هذه النصائح المتكرِّرة التي يسديها الجابري لأقرانه من المفكرين العرب تعني أنه يؤمن أن منهج الكتابة المطلوب حالياً قائم على (استراتيجيات المراوغة الفكرية) وليس الوضوح والمباشرة والصدقية البحثية! وإقراره هذا يمكن أن يكون شهادة بفطنة الشيخ البراك ودقة نقده حين وصف الجابري بـ \"الماهر في التمويه ومخادعة القارئ في نفث فكره العفن\". فمكر الجابري وتخطيطه ونفاقه العلمي، لم ينجح في تحاشي يقظة الشيخ وردة فعله، في الوقت الذي انطلت فيه الخدعة على بعض مثقفينا وابتلعوا الطعم بكل يسرٍ وسهولةٍ. وقد رأيتُ الجابريَّ حين تعرض لمسألة نقص القرآن رأيته يسوق المرويات الشيعية المثبتة لتحريف القرآن، ويسوق معها جملةً من المرويات الموهمة في المصادر السنية. فلما أراد الأستاذ سليمان الضحيان الدفاع عن هذا التصرف من الجابري قال: \"إن مجرد إيراد الرواية أو الإشارة إليها لا يعني تبنيها\". وحيث قال الأستاذ سليمان هذا، فإني أدعوه ليتأمل قول الجابري في كتابه (التراث والحداثة ص260): \"يمكن أن نمارس النقد اللاهوتي من خلال القدماء، يعني نستطيع بشكل أو بآخرَ استغلال الحوار الذي دار في تاريخنا الثقافي ما بين المتكلمين بعضهم مع بعضٍ، ونوظِّفَ هذا الحوار. لنا حرمات يجب أن نحترمها حتى تتطور الأمور، المسألة مسألة تطور\". فهل فهم الأستاذ الضحيان حقيقة الخداع الذي يمارسه الجابري؟! المسألة عند الجابري مسألة (تخطيط) يعتمد المراوغة في عرض الفكرة مراعاةً لمسيرة (التطور). وهذا التخطيط يستدعي نفاقاً علمياً مرحلياً يتحاشى ردة الفعل التي تثور تلقائياً عند المساس بالمسلمات. فهل وضحت الصورة الآن؟ الأستاذ سليمان الضحيان ختم كلامه بموعظة للشيخ البراك، قال فيها: (كان الظن بالشيخ البراك أن يتورع في فتواه، و يطلب كتاب الجابري كاملاً). ولا أدري من أين للضحيان أن الشيخ لم يطلب الكتاب كاملاً؟! ولو أنه عرف منهج الشيخ في التثبت والتحري لتردَّد كثيراً قبل أن يكتب مثل هذا الكلام. فالشيخ البراك مدرسةٌ في هذا الباب، ومن العسير جداً أن ينتزع منه أحدٌ كلاماً عبر سؤال مخادعٍ. وليعلم الأستاذ سليمان أن رأي الشيخ البراك في الجابريِّ لم يكن وليد السؤال المطروح عليه، بل لم يكن ردة فعلٍ لاستضافة الجابري على هامش معرض الكتاب. فالذي أعلمه أن كتاب الجابري قد قرئ على الشيخ قبل أكثر من ستة أشهر، حين رغبَ الشيخ في الوقوف على قول الجابري من خلال كتابه، وليس من خلال نقل الآخرين. فحديث الأستاذ سليمان عن المصيدة التي وقع فيها الشيخ، وكلامه عما سماه منهج (استحلاب الفتيا) الذي مارسه السائل مع الشيخ، كل هذا من الظنون والتخرصات التي لا تستند على شيءٍ. وإن كان هناك من استُحلب منه الكلام، فلن يكون سوى الأستاذ سليمان الذي استُحلب منه تصريحٌ إعلاميٌّ متهورٌ ذبَّ فيه بحسن نيةٍ عمن تجرأ على كتاب الله –عز وجل-. وحيث ختم الدكتور سليمان كلامه بالحديث عن الورع، فإني أذكره –وقد سمعت عنه الثناء الجميل- بأن الورع الحقيقيَّ يكون في الحمية لكتاب الله، وليس في الانتصار للعابثين به. وقد قرأتُ أن الضحيان سيتولى التقديم لمحاضرة الجابري المزمع عقدها، ولا أظن أن من الورع و لا من مراعاة مقام الجبار –سبحانه-، أن يستسهل الأستاذ سليمان مثل ذلك الموقف مع من تجرأ على كتاب الله. فإذا خُدع الضحيان مرةً فدافع عن الجابري، فليحذر أن يخدع مرةً ثانيةً فيتصدر للتقديم له. فتمكين الجابريِّ من ارتقاء منبرٍ في بلاد الحرمين جريمة لا علاقةَ لها بباب الورعِ، فآمل أن يستشعر الضحيان مسؤوليته أمام الله –عز وجل-، وألا يكون له إسهامٌ في تصدير ذاك العابث بدين الله. ------------------------ باحث شرعي
__________________
ياربي ..افتح على قلبي .. و طمئنه بالإيمان و الثبات و السلوة بقربك .. [عبدالله] من مواضيعي : آية الحجاب من سورة الأحزاب ( أحكام و إشراقات ) ::: كيف نقاوم التشويه ضد الإسلام و ضد بلادنا:::(مداخلتي في ساعة حوار مكتوبة و مشاهدة) |
![]() |
![]() |
#3 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Dec 2001
البلد: السرداب
المشاركات: 1,487
|
شكراً أخي أبا عبد العزيز على نقل كلام الشيخ بندر الشويقي
وأظن أن النقاش بين د الضحيان والشيخ الشويقي لا زال مستمراً ولقد رأيت مداخلة د سليمان الضحيان على قناة دليل وكان الضيف د . محمد ابراهيم السعيدي وللأسف قال د . الضحيان كلاماً لا يليق وخاطب العلامة البراك وكأنه يخطاب أحد أطفاله نسأل الله أن يري د الضحيان الحق ويرزقه اتباعه |
![]() |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|