بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » مآســـــــــــاة الداعية ( فــــواز ) في سجن الحائر.

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 09-12-2002, 11:01 PM   #1
زكريا
عـضـو
 
صورة زكريا الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2002
المشاركات: 286
مآســـــــــــاة الداعية ( فــــواز ) في سجن الحائر.

الظلم ظلمات يوم القيامة

كان المسؤولون السعوديون إلى عهد قريب عندما يوجه إليهم السؤال التقليدي أين دستوركم؟ يجيبون: دستورنا القرآن الكريم، ولم يعد هذا الجواب مقنعاً[1] في عصر الهيمنة الأمريكية، وتزايد ضغوط منظمات حقوق الإنسان العالمية.

وفي [27/8/1412 هـ] أصدرت السعودية ما أسمته: "النظام الأساسي للحكم"، ويوضح هذا النظام شكل الدولة، ونظام حكمها، ويحدد سلطاتـها، ويبين الحقوق والواجبات لمواطنيها، كما يبين المقومات الاجتماعية، والمبادئ الاقتصادية التي يسير عليها المجتمع والدولة.

وأكد الملك السعودي في كلمته التي ألقاها بمناسبة صدور هذا النظام بأنه "أقيم على الإسلام عقيدة وشريعة، وعلى المنهج الصحيح في فهم أحكامهما".

وفيما يلي سنختار فقرات من هذا النظام تتعلق بالقضاء وحقوق الإنسان، ثم نرى مدى تطبيقها على أرض الواقع:

- نصت المادة [46] على استقلال السلطة القضائية، ولا سلطان على القضاة في قضائهم إلا للشريعة الإسلامية.

- المادة [47]: حق التقاضي مكفول للمواطنين والمقيمين.

- المادة [50]: الملك ومن ينيبه معنيون بتنفيذ الأحكام القضائية.

- المادة [36]: تلتزم الدولة بتوفير الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام.

- المادة [38]: العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نظامي، ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي.

الذين يتصدون للدفاع عن هذا النظام وبيان محاسنه، ويبرزون سر تفوقه على قوانين منظمات حقوق الإنسان يعززون حججهم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تعتبر أساس هذا النظام. جاء في المادة الثامنة:

"يقوم الحكم على أساس العدل والشورى والمساواة، وفق قواعد الشريعة الإسلامية"، وكما رأينا فيما مر معنا من هذا البحث يقول المسؤولون السعوديون في ردهم على تقارير منظمات حقوق الإنسان الغربية: التمثيل القانوني الكامل للمتهم أمر إلزامي، والشرطة مطالبة بإجراءات قضائية متشددة عند اعتقالهم للمتهمين، والقضاء مستقل... ويضيفون استعدادهم لفتح أبواب السجون أمام ممثلي منظمات حقوق الإنسان ليروا بأعينهم كذب ما يدعيه المغرضون.

فهل الأمر كذلك؟!.

قصة الداعية "فواز" بل محنته التي سأرويها فيما يلي تبين حقيقة ما يجري داخل السجون السعودية، وبشكل أخص إذا كانوا من المتهمين بالجهاد أو بتكفير النظام.

وجدير بالذكر أنني لن أذكر الاسم الصحيح لصاحب القصة لما ينبني على ذكره من ضرر مؤكد وليس محتملاً، ولهذا فقد اخترت له اسم "فواز".

ومن جهة أخرى فإنني - وكما أسلفت فيما مضى - أشك بتقارير منظمات حقوق الإنسان الغربية، لأنـها عندما تتحدث عن السعودية تستهدف دين الأمة لأن تطبيقه أو تطبيق بعضه - في نظرهم - اعتداء صارخ على حقوق الإنسان، ومما يضاعف من شكي بـهذه التقارير اعتمادها على المتعاونين معها من العلمانيين والباطنيين الرافضة والاسماعيليين. وهذا يعني أنني لن أقول إلا الصحيح من غير أية زيادة.

محنة الداعية فواز

فواز داعية مؤثر، وطالب علم متفوق، وقدوة حسنة بين أقرانه الشباب، وهو في علمه لم يقف عند حدود الدراسات العليا، وإنما كان يتتلمذ على أحد كبار العلماء، ويستفيد منه حتى في مرافقته من بيته إلى المسجد الذي يُدرِّس فيه، وكان من عادة الشيخ أن يقطع هذه المسافة سيراً على الأقدام.

وفواز لا يشغل نفسه بالقيل والقال، ولا بالتجارة وجمع المال، وليس هو من المولعين بالمغامرات والأسفار، فإذا انتهى من البحث والدراسة والتعلم انصرف لبعض شؤون أهله، وقضاء ما يقدر عليه من حاجات إخوانه ومحبيه.

من غير مقدمات، ودون سابق إنذار أقدمت سلطات الأمن على اعتقال فواز، وسوقه إلى جهة مجهولة، وصدم أهله وجيرانه عندما رأوا رجالاً يقتحمون منـزله، ويربطون يديه بالقيد الحديدي، ثم يعيثون تفتيشاً في مكتبته ودفاتره التي تحوي زبدة ما تلقاه من علم على أيدي شيوخه في علوم القرآن والحديث والعقائد والفقه، وبعد انتهائهم من التفتيش بل من العبث في سائر غرف المنـزل وخزائن الملابس والمطبخ اقتادوا الشيخ الشاب المهذب وأولاده ينظرون: لماذا، وماذا فعل أبونا؟!، والأهل والجيران يتساءلون: إذا كان فواز قد استحق السجن. فمن ذا الذي يستحق أن يبقى خارجه؟!.

لندع الحديث عن مشاعر أهل فواز وجيرانه والمصلين الذين يشهدون صلاة الجماعة في مسجده، وزملائه في طلب العلم... ولنستمع إليه [فواز] وهو يحدثنا عن الجهة المجهولة التي اقتادوه إليها:

قال فواز: وضعوني في زنزانة أشبه ما تكون بقبر لكنها أوسع منه قليلاً ثم سلطوا علي الأضواء الساطعة القوية، ثم تركوني أياماً طويلة في هذه العزلة الموحشة لا يكلمونني، ولا يأذنون لي بالحديث مع أحد منهم، لأني لا أجد غيرهم... أما الأنوار الساطعة فكادت تذهب ببصري، وإن شئت فقل بعقلي، تُرى مَنْ هؤلاء الشياطين الذين علموا الناس في بلادنا كيفية استخدام مثل هذه الوسائل النفسية في حرب أمثالي من عباد الله؟.

وعندما تـهدأ أعصابي قليلاً كنت أسأل نفسي: لماذا ألقوا بي في هذه الزنزانة؟، لم يسبق لي الانتماء لأي حزب من الأحزاب، وأهلي وعشيرتي من المعروفين بولائهم للسلطة، وليس لي مواقف عامة أو خاصة أستحق عليها السجن، بل ما هو أقل منه؟!.

ثم أعود إلى التفكير بأبنائي وأمهم: كيف كان شعورهم وأنا مكبل بالقيد، وهل أعصاب الوالدين متوترة كأعصابي... وإذا كتب الله لي الخروج هل سيصدق شيوخي وزملائي من طلاب العلم أن مثل هذا التعذيب النفسي يحدث في بلدنا، وأنه قد يأتي عليهم يوم تستضيفهم فيه هذه الزنازين؟!.

قطع حبل أفكاري صوت أقدام السجان الذي فتح باب زنزانتي بقوة، وأمرني بالوقوف، ثم عصب عيني واقتادني بجلافته المعهودة إلى حيث لا أدري، وبعد أن مشينا مسافة لا بأس بـها شعرت أنني دخلت غرفة، وقطع الشك باليقين صوت المحقق:

فواز أنت عضو في تنظيم القاعدة [كان ذلك قبل أحداث 11 سبتمبر 2001] ومن القائلين بكفر الدولة السعودية.

قلت: إنني لا أعرف القاعدة ولا ابن لادن، ولم أزر أفغانستان في أي يوم من سني عمري، وفضلاً عن هذا وذاك لست من القائلين بكفر الدولة السعودية، ولابد أن هناك خطأ قد وقع.

المحقق: لا ينفعك هذا الكلام، وليس هناك من خطأ، وهذا هو ملفك، وفيه كل شيء عنك، وليس أمامك إلا أن تعترف.

فواز: اتق الله يا رجل، ليس لي أدنى صلة بـهذا الذي تتهمني به، وأنا من طلاب الدراسات العليا في العلوم الشرعية، ومن خواص تلامذة الشيخ... والشيخ....

المحقق: دعك من فضول القول، ولا علاقة لنا بمن يزكيك، وسترى منا معاملة أخرى إذا لم تتعاون معنا.

فواز: كيف أعترف بما لم أفعله: أنا لا أكفر الدولة ولا علاقة لي لا بالقاعدة ولا بابن لادن.

المحقق: سنتركك هذا اليوم ولنا معك غداً موقف آخر إن لم تقدم لنا جميع المعلومات التي تعرفها عن القاعدة.

فواز: عدت إلى زنزانتي وأنا في شر حال، فكيف أعترف بشيء لا أصل له؟... كان قد مضى عليَّ بالسجن أكثر من شهر، وعرفت طريقة التخاطب بين المعتقلين من خلال حائط الزنزانة، ومن المعتقل في الزنزانة المجاورة كنت قد عرفت أنني في سجن الحائر، وأن التحقيق في مثل هذه التهم لن يمر بسلام، ولكن كيف أعترف بما لم أفعله لاسيما وأنا أعلم عقوبة من يكفر الدولة؟!.

وجدت نفسي في اليوم الثاني أمام المحقق نفسه، عرفته من صوته، وأعاد علي الاتـهام وأعدت عليه إنكاري للتهم الموجهة إلي، ويبدو أنَّ صبره نفد، فاستدعى علجاًَ من علوجهم، ثم أمره أن يأخذني إلى الغرفة الأخرى، ويا لهول ما عانيت في هذه الغرفة: لقد أشبعوني ركلاً وصفعاً إلى أن شعرت بأن الأرض تدور بي، ثم ألقوا بجسمي المتهالك على الأرض، وأخذوا يجلدونني بسياطهم الغليظة على قدمي، ثم على سائر جسدي حتى صار الدم ينـزف من أماكن متعددة من جسدي، ثم دخلت في غيبوبة استيقظت بعد حين لأجد نفسي ملقى على أرض الزنزانة، والدماء لا تزال تنـزف، وليس حولي من استعين به إلا الله سبحانه وتعالى أشكو إليه ظلم الظالمين، وبطش الجبارين، وهواني بل وهوان العلم وأهله على هؤلاء الجهلة المستكبرين.

ومرة أخرى تساءلت: هل يعلم شيوخي الأفاضل ما يلقاه أمثالي في سجن الحائر، وكيف أحاسب على جرم لم أرتكبه، نعم!! والله لم أرتكبه، ولا علم لي به.

من حق زملائي الطلبة وشيوخي أن لا يصدقونني عندما أروي لهم محنتي في هذا السجن الرهيب... نحن نعيش على سيرة علماء دعوة التوحيد، وندرس مؤلفاتـهم، ونحمد الله الذي جنب بلدنا المصائب التي يعانيها المسلمون في البلدان العربية المجاورة، ولا ندري أن هناك عالماً غير عالمنا الذي نحلم به.

مالي ولشيوخنا، كيف حال أبنائي، ومن ينقلهم إلى مدارسهم.. وأمي هل يطيب لها نوم في غيابي... مسكينة أمي... أرجو أن لا يحدث لها مكروه يزيد من أمراضها... إنني أشعر بضعف لم أشعر به من قبل طوال سني عمري، وأريد مغادرة هذا السجن بأي ثمن، والعودة إلى أهلي وإلى حلقات العلم، ولكن كيف ذلك وماذا أفعل؟!.

صمدت أشهراً على هذا الحال: شَتم، وضَربٌ، ودماءُ تنـزفُ، وعندما أعود إلى الزنزانة، ويستمع زملائي في الزنازين المجاورة لأخباري يقولون لي: مازلت بخير طالما بقي تعذيبك في هذا المكان، وليس في "الدور" الأسفل... وما الدور الأسفل؟ وكيف يكون حالي فيه؟ وأنا لا أحتمل هذا النوع من التعذيب، وإذاً لابد من البحث عن حل.

وذات يوم، وبينما كان الجلادون يتناوبون على ضربي قلت لهم: أريد المحقق، فاقتادوني إلى المحقق الذي انفردت أساريره، وقال لي متصنعاً شيئاً من اللطف: هل ثبت إلى رشدك، وقررت الاعتراف، فأجبته أريد مقابلة العقيد... وكنت سمعت باسم هذا الضابط من بعض أقربائي حيث تربطهم به صداقة، فرحب بي العقيد وسألني عما أريد؟.

قلت: مضى على وجودي في هذا السجن أكثر من ستة أشهر، وهم يتهمونني بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، وبتكفير الدولة، وهذا ليس صحيحاً، وقد عانيت من التعذيب مالا يحتمل وأريد أن تساعدني، لاسيما وأنت تعرف عشيرتي، وتعرف ثقة المسؤولين بـهم.

العقيد: اقتنع المحققون بأن لا صلة لك بتنظيم القاعدة، ولكن لابد أن تعترف بتكفيرك للدولة.

فواز: لم أقل أو أكتب في السر أو العلن ما يفيد كفر الدولة والله شهيد على ذلك.

العقيد: إذا كنت تريد الخروج من هذا السجن، فلابد من هذا الاعتراف.

فواز: هل حقاً سينتهي التعذيب إن اعترفت.

العقيد: إنني أضمن لك ذلك.

فواز: عدت إلى المحقق، وقلت له نعم إنني أكفر الدولة.

المحقق: أكتب أدلتك على كفرها.

فواز: قلت بنفسي: قاتلكم الله ليس بينكم رجل رشيد، ثم قلت له: إنني أعترف بما لا أعتقده لترفعوا عني سياطكم التي مزقت جسدي، ثم تطالبونني بأدلة؟.

المحقق: هذا هو الحل، ولا حل عندنا غيره.

فواز: أعطاني المحقق قلماً وأوراقاً، ثم بدأت أكتب مستحضراً في ذهني عقيدة فرقة "الخوارج" في تكفير مرتكب الكبيرة، سواء كان فرداً أو سلطة، وبعد الانتهاء قدمت الأوراق للمحقق الذي قرأها بإمعان، ثم أمرني بالتوقيع، فوقعت وعدت إلى الزنزانة نفسها.

جلست في القبر إياه الذي يسمونه زنزانة ألوم نفسي على هذه الورطة الجديدة، وما سينتج عنها من عواقب وخيمة... إنـهم ذئاب ضارية لا فرق في ذلك بين العقيد والمحققين والسجانين، كأن الله سبحانه وتعالى انتزع من قلوبـهم الرحمة والشفقة.

نقلوني بعد أيام إلى "مهجع آخر" مخصص للذين ينتهون من التحقيق معهم، وشاركني الحياة في هذا المهجع ستة معتقلين، ولاحظت اختلافاً كبيراً بين المكانين، ففي مكان سكناي الجديد أصبحنا ننام على أسرة، وأتبادل الحديث مع مخلوقات آدمية، وزيادة على ذلك فهم من أهل التدين والصلاح كما يبدو من مظهرهم، وبالمناسبة فإنني لم أصادف في سجن الحائر ناساً من أهل المخدرات أو من المتهمين بارتكاب جرائم قتل، بل ولم أصادف أحداً من المتهمين بالعلمانية والزندقة.

بدأ كل منا يتحدث عن سبب اعتقاله، فأنا قلت كل ما حصل لي بكل صراحة، أما هم فكانت قضاياهم متشابـهة، وشعرت أن هناك شيئاً عندهم لا يريدون كشفه.. وبعد أيام دخلت معهم بحوار: هل الدولة كافرة أم لا؟، فهم مجمعون على كفرها، وكنت بالطبع مخالفاً لهم، وأحسب أنني كنت قادراً على بيان جهلهم، وكشف بطلان حججهم، وذلك لا لشيء سوى أنني طالب علم متمكن من اختصاصي، أما هم فيتحدثون في غير اختصاصهم... وعندما أعيتهم الحجة قالوا: هل هؤلاء الذين كانوا يعذبونك مسلمون، وهل الذين أمروا باعتقالك، ومنحوا الجلادين صلاحيات واسعة هل هم مسلمون... وهل هذا هو المنهج الإسلامي: تمكين للزنادقة العلمانيين، وسحقٌ وإذلالٌ للعلماء والدعاة؟.

قلت: هذا من السلطة ظلم واستبداد، وما علينا إلا الدعوة للإصلاح.

كان لي دروس يومية مع الإخوة [زملاء المهجع] وكانوا يتجاوبون معي ما دمنا لا نقترب من مسألة تكفير الدولة، ولكن هذا التجاوب بدأ يتراجع يوماً بعد آخر، وكنت ألاحظ أن ابتعادهم عني يزداد بعد عودتـهم من الاستراحة اليومية[2]، وهذا يعني أن هناك أوامر يتلقونـها.

خرجت ذات يوم للاستراحة وإذ بي أجد أمامي زميل دراستي في المرحلة الجامعية "سعيد"، لكنه ويا للعجب أعرض عني وأبى السلام علي لأنني مبتدع ولا أكفر الدولة وبشكل أخص بعد هذا العذاب والتنكيل الذي تعرضت له على يد المحققين والسجانين، سعيد هذا له قصة أوجزها فيما يلي:

كان سعيد - كما أسلفت - زميلاً لي خلال دراستي الجامعية، وكان طالباً مهذباً، صادقاً، لابأس في إقباله على طلب العلم، كنت أستقبله في بيتي، وأقدم له ما أقدر عليه من خدمات.

اطمأن سعيد إلي بعض الشيء، وأقول مستدركاً بعض الشيء لأنني كنت ألحظ تحفظه فيما يقوله لي، وعلمت منه تلميحاً أنه ينتمي لمجموعة من مجموعات الجهاد الأفغاني، ولم يكن ذلك مستغرباً عندي فجل الشباب في بلدنا كانوا يجاهدون في أفغانستان، وكانت السلطة تدعمهم، ومما أذكره أن المحقق سألني عن علاقتي بسعيد، فلم يقتنع من إجابتي، واستمر يوجه إلي السؤال بعد الآخر، وأذكر أنني قلت له: إذا كانت زمالة الدراسة تـهمة فيجب أن يحاسب جميع زملاء صفنا، ويحاسب بشكل أشد شيوخ سعيد الذين درسوننا، ومما أذكره أيضاً أنني كنت أحدث أحد الدعاة عن سعيد، فكان يحذرني من توثيق العلاقة معه لأن سعيداً وأمثاله متسرعون، وغموضهم قد يخفي وراءه أفكاراً متطرفة... وكنت أستغرب وصية الداعية لي: مالي ولأفكار سعيد التي أجهلها، فليس فيه ما يوجب مقاطعته، وها أنا أكتشف أن سعيداً هذا كان سبب اعتقالي ومحنتي، وها هو يصرح بما كان يخفيه عني من أفكار.

عدت إلى المهجع، فوجدت أصحابي على خلاف ماتركتهم، لقد فرضوا علي القطيعة لا يكلمونني، ولا يتعاملون معي، وهكذا أصبحت في سجن داخل سجن آخر، وفي الحال طلبت أحد مسؤولي السجن، وناشدته أن ينقلني إلى مهجع آخر ليس فيه أمثال هؤلاء الناس، وهكذا كان.

لقد صدمني هؤلاء الإخوة، فزعيمهم "سعيد" يعلم عقيدتي ومنهجي خارج السجن، ولقد التزمت به داخل السجن والحمد لله. فلماذا غير موقفه مني، وأمر أتباعه بمقاطعتي.. وكيف يقابل المعروف والإحسان بنقيضه؟!.

وهؤلاء السجانون كيف يظلمونني، ويلصقون بي تـهماً وافتراءات أنا بريء منها كبراءة الذئب من دم يوسف... وهاهم يرون بأعينهم ما بيني وبين سعيد وقومه من اختلافات؟!.

وهذه السلطة ممثلة بأجهزة الأمن أليس فيهم رجال عقلاء يدرسون أوضاع هذا السجن وأمثاله، ثم يقولون لقيادتـهم: إن التعذيب والإذلال والقهر الذي يمارسه السجانون أرضية للغلو والتطرف والإرهاب، كما كان ذلك كذلك في عدد من البلدان العربية.

ويقولون لهم: التغيير يبدأ من السلطة التي انتشر فيها الفساد، وعبث بـها العلمانيون، وأخذت تدريجياً تبتعد عن دين الله وشريعته، وتسير وراء الغربيين حذو القذة بالقذة.

فواز أمام القضاء: أخبروني ذات يوم بأنني سأمثل أمام القاضي في المحكمة الكبرى بالرياض قريباً، واستبشرت خيراً بـهذا النبأ الذي يوحي لأول وهلة بأن قضيتي خرجت من إطار هذا السجن الموحش، والسجانين القساة الذين لهم قلوب لا يفقهون بـها، ودخلت عالم القضاء الذي لا حكم فيه إلا للقرآن والسنة وإجماع الأمة.

اقتادوني في الوقت المحدد إلى بناء المحكمة الذي أعرفه جيداً، وأدخلوني إحدى قاعات القضاء، فوجدت نفسي أمام قاض شاب لكني لا أعرفه وربما كان من المتقدمين عليَّ في الدراسة، وكانت ملاحظتي الأولى أنني لم أدرس الملف لأستعد للجواب على كل سؤال يوجهه القاضي إلي، ولم يمكنونني من الاستعانة بمحام يدافع عني، لقد سلبت أي حقوق من حقوق.

بدأت الجلسة: القاضي يُقلب صفحات ملف أمامه، والضابط يقف إلى جانبي بكامل الاستعداد، والجند المرافقون يقفون أمام باب القاعة، وأنا أترقب وأستعد للرد على أسئلة القاضي.

التفت القاضي إلي، ثم سألني عن اسمي وعملي، ثم تلا قراره العتيد: الحكم علي بالسجن خمس سنين، وبعد تلفظه بالحكم قال: هل من اعتراض يا فواز؟!.

قلت: هل هذا الحكم يبرء ذمتك أمام ربك في موقف لا ينفعك فيه مال ولا بنون ولا جاه ولا سلطان؟!.

القاضي: هذا اعترافك وهذا توقيعك عليه.

قلت: أنت لا تجهل أن هذا الاعتراف انتزع مني بالقوة... انتزع والدماء تنـزف من جسدي. وهاهنا سمعت صوتين مترادفين: صوت القاضي يقول: أنت صاحب حجة يا فواز، وصوت الضابط يأمر الجند بحملي، وهرع الجند الأشداء يتراكضون، فحملوني كما تحمل الشاة الذبيحة... حملوني من قاعة المحكمة، والله ما سمعت القاضي تلفظ بكلمة استنكار واحدة، ونزلوا بي أمام الناس، ثم ألقوني بسيارتـهم، وعادوا بي إلى السجن، وهكذا انتهت المحكمة بـهذه الصورة الغريبة العجيبة.

وفي هجيع الليل جلست وحدي أفكر وأتساءل: ما الفرق بين هذا القاضي، وبين المحققين في السجن؟! ربما يكون الفرق في الشكل لا في الجوهر، فالقاضي لم يأمر بضربي، ولكن دوره كان مكملاً لدور الجلاد، وهنا تذكرت قول أحد المسؤولين عندما طلب المتهم إحالته للقضاء، فأجاب:

نحن أرحم من القضاة!!.

وكان لابد في مثل هذه الساعة أن أتذكر شيوخي وأساتذتي الذين يطيلون الحديث معنا عن القضاء في الإسلام، وسِير الأئمة والأعلام الذين تولوا القضاء، ثم يضيفون: ومن فضل الله علينا في هذه الديار السعودية أن الحكم فيها لشريعة الله، والقضاء فيها مستقل لا سلطان عليه إلا سلطان الله!!.

حبذا لو ينتقل علماؤنا الأفاضل وطلبتهم فجأة ومن غير سابق إنذار إلى مثل هذه القاعات التي حوكمت بـها ليشهدوا الانفصام النكد بين واقعنا النظري وواقعنا العملي.. سيشهدون عشرات مثل زميلهم أو تلميذهم فواز يساقون إلى قاعات المحاكم بالسياط، ويحملون على أكتاف الجند كالذبائح.

أرجو أن يصدقني شيوخي الأفاضل عندما أقول لهم: لقد نقلني السجانون من سجن الحائر بعد أن تأكدوا من حسن سلوكي.. أتدرون إلى أين سادتي الأفاضل؟! إلى السجون المخصصة للمجرمين وتجار أو مدمني المخدرات... لقد أصبحت [بعد تحسن سلوكي] أهلاً للحياة مع هذه الأصناف من الناس!!.

وأشهد أنني وجدت عند بعضهم استعداداً للتوبة النصوح، وقمت بما أوجبه الله علي من دعوة وتبليغ، هذا، والأمر لله من قبل ومن بعد.

* * *

هذه قصة فواز رويتها كما وعدت في المقدمة من غير زيادة ولا تـهويل أو تضخيم، وهي [القصة] تحكي معاناة مئات الشباب قديماً وحديثاً، فأين مواد نظام الحكم المحلي، وأين تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، واحترام حقوق الإنسان، قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) [الصف: 2-3]...

للبحث صلة


--------------------------------------------------------------------------------

[1] - لم يعد هذا الجواب مقنعاً عند الأمريكان وأضرابـهم.

[2] - الذين ينتهي التحقيق معهم يخرجون يومياً لممارسة شيء من الرياضة في فناء محدد من السجن، ولا يخرجون دفعة واحدة وإنما بالتناوب.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ.
محمد سرور زين العابدين

Zeinalabdin@aol.com
زكريا غير متصل  


قديم(ـة) 09-12-2002, 11:54 PM   #2
فـارس القبيلـة
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2002
البلد: في قلب من يحبني
المشاركات: 2,005
اللهه يجزاك خير
__________________
لاحول ولاقوة الا بالله >> كنز من كنوز الجنة
فـارس القبيلـة == على نياته سابقاً_((-( اذا رأيت شخص غير مسلم وترغب بدعوته الى الإسلام,,
ماعليك الا أن تكتب رسالة قصيرة الى الرقم l 0555988899 l
تكتب فيها رقم هاتفه ولغته وهم سيتولون الباقي بأذن الله,,
منذ انطلاقة هذه الطريقة أسلم أكثر من 850 شخص ولله الحمد والمنة
تذكر قوله صلى الله عليه وسلم:
((لأن يهدين الله بك رجل واحد خير لك من حُمر النِعم))أو كما قال عليه الصلاة والسلام
ايضاً تذكر لاتحقرن من المعروف شيء )-))_
فـارس القبيلـة غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 11:49 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)