بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الافتراق مفهومه،أسبابه،سبل الوقاية منه3/3 &&&&&&&&&&&&am

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 05-02-2003, 02:01 AM   #1
النجيب
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2003
المشاركات: 25
الافتراق مفهومه،أسبابه،سبل الوقاية منه3/3 &&&&&&&&&&&&am

الافتراق مفهومه،أسبابه،سبل الوقاية منه3/3







المسألة الخامسة: أسباب الافتراق: هناك أسباب كبرى رئيسية، وتكاد تتفق عليها أصول الفرق قديماً وحديثاً، ألخصها بما يلي:



السبب الأول:كيد الكائدين بأصنافهم من أهل الديانات: كاليهود والنصارى والصابئة والمجوس والدهريين، وكذلك من الموتورين، أي الذين حقدوا علي الإسلام والمسلمين؛ لأن الجهاد قضى علي دولتهم، ومحى عزة أديانهم، وهيمنة سلطانهم من الأرض، كالفرس والروم، فهؤلاء منهم الذين بقوا علي كفرهم، وحقدهم علي المسلمين والدين والإسلام، وآثروا النفاق والزندقة بإعلان الإسلام ظاهرًا فقط، أو البقاء علي دياناتهم مع دفع الجزية حفاظًا علي رقابهم، وإيثارًا للسلامة، للتعايش مع المسلمين، وهؤلاء هم أشد المعاول عملا في الفتك بالمسلمين، والكيد لهم بالأفكار وبث المبادئ والبدع والأهواء بينهم.



السبب الثاني: أهل الأهواء الذين يجدون مصالح شخصية، أو شعوبية، في الافتراق: فكثير من أتباع الفرق نجد أنهم يجدون في الفرق تحقيقاً لمصالح شعبية: إما شهوات، وإما أهواء، وإما أغراض عصبية، أو شعوبية، أو قبلية، أو غيرها، وربما بعضهم يقاتل لهذا الأمر لهوى، أو لعصبية، هذا الصنف هم مادة وقود الفرق، فهم الذين يكثرون أتباع تلك الفرق، ويجتمعون حولهم لتحقيق هذه المصالح، وهذه الفئة موجودة في كل زمان وفي كل مكان، فإنه متي ما ظهر في الناس رأي شاذ، أو بدعة أو صاحب هوى، فإنه يجد من الغوغاء، ومن أصحاب الأهواء، والشهوات والأغراض الشخصية، من يتبعه لتحقيق ذلك، وما أكثرهم في كل زمان.



السبب الثالث: الجهل: والجهل قاسم مشترك يمثل كل الأسباب، لكن الجهل المقصود هنا هو: عدم التفقه في الدين، والجهل بالسنة وأصولها وقواعدها ومناهجها، وليس مجرد عدم تحصيل المعلومات؛ لأن الإنسان قد يكفيه أن يحصل ما يحصن به نفسه، وما يحفظ به دينه، والعكس كذلك قد يوجد من الناس من يعلم الشئ الكثير، وذهنه محشو بالمعلومات، لكنه يجهل بديهيات الأصول والقواعد الشرعية في الدين، فلا يفقه أحكام الخلاف وأحكام الافتراق، وأحكام التعامل مع الآخرين، وهذه مصيبة كبرى أصيب بها كثير من الناس اليوم، وهي أن الواحد منهم توجد لديه معلومات شرعية، أو يكون ممن يتعلمون ويأخذون العلم الشرعي عن مصادر كثيرة، لكن تجده جاهلاً في فقه أحكام الإسلام، وفي الأحكام علي الآخرين، وفي أحكام التعامل مع الناس، وفي أحكام الدعوة، وفي أحكام الأمر المعروف والنهي عن المنكر، فيفسد من حيث لا يشعر، فالجهل مصيبة، والجهل سبب رئيسي لوجود الافتراق، والجهلاء هم مادة الفرق، وهم وقودها.



السبب الرابع: الخلل في منهج تلقي الدين: فيوجد لدي كثير من الناس علم، وقد يطلع علي كثير من الكتب، لكنه يجهل، أو اختل عنده منهج تلقي الدين، لأن تلقي الدين له منهج مأثور منذ عهد النبي صلي الله عليه وسلم، والصحابة، والتابعين، وسلف الأمة، واقتفاه أئمة الهدى إلي يومنا هذا.



وهذا المنهج إنما هو العلم والعمل والاهتداء، والاقتداء والسلوك والتعامل، وهو الإلمام بالقواعد الشرعية، والأصول العامة أكثر من مجرد الإلمام بفرعيات الأحكام، أو بكميات النصوص.



ومن مظاهر هذا الخلل في منهج التلقي التي يتبين بها المقصود:



◄ أخذ العام عن غير أهله: وأقصد بذلك أن الناس صاروا يأخذون العلم عن كل من دعاهم إلي التعلم، وكل من رفع فوق رأسه راية الدعوة، وقال أنا داعية، جعلوه إماماً في الدين، وتلقوا عنه، وقد لا يفقه من الدين شيئًا، فلذلك ظهرت في العالم الإسلامي دعوات كبرى، ينضوي تحت لوائها جهلة في بديهيات الدين، فيفتون بغير علم، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ ، وسبب ذلك أنهم وجدوا أتباعاً لهم يأخذون عنهم دون تروٍ، ودون تثبت، ودون منهج صحيح سليم، ولا يتثبتون من حال القادة في كونهم أهل لأخذ الدين، أو التلقي عنهم، ثم إن كثيرًا من الناس تجذبهم العواطف أكثر مما يجذبهم العلم والفقه، وهذا خطأ فادح، بمعني أنه مجرد أن يظهر داعية له شهرة وأثر في ناحية ما، يجعله الناس إماماً في الدين، حتى لو لم يكن يعلم من السنة والفقه شيئًا، وهذا مصداق قول الرسول صلي الله عليه وسلم: [إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ]رواه البخاري ومسلم.



ولا ينبغي أن يتصدر الدعوة إلي الله، ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا العلماء الأجلاء، الذين يفقهون الدين ويأخذونه عن أصوله، علي منهج سليم صحيح، وإلا فليس كل من حشي ذهنه بالمعلومات والثقافة والأفكار يكون إماماً في الدين، لأنه قد يوجد من الفسقة بل من الكفرة من يعلم من فرعيات الدين الشيء الكثير، وقد وجد من المستشرقين من يحفظ بعض الكتب الكبيرة في الفقه الإسلامي، بل منهم من يحفظ القرآن، ويحفظ صحيح البخارى، وبعض السنن ونحو ذلك.



فهذا الصنف يحفظ العلم لكن لا يفقه من الدين شيئًا، وكذا بعض من يدعي الإسلام، وقد يكون عنده من المعلومات الشيء الكثير، لكن لا يفقه منهج التلقي والعمل، والتعامل والتزام السنة، ولم يأخذ الدين علي منهجه الصحيح، وعلي العلماء الربانيين، فصار يفتي بغير علم، ويوجه بلا فقه.



◄ الاستقلالية عن العلماء والأئمة: أي استقلالية بعض المتعلمين وبعض الدعاة، وبعض الأحداث عن العلماء، فيكتفون بأخذ العلم عن الكتاب والشريط والمجلة والوسيلة، ويعزفون عن التلقي عن العلماء، وهذا منهج خطير بل هو بذرة خطيرة للافتراق، ولو رجعنا إلي أسباب الافتراق في أول تاريخ الإسلام، كافتراق الخوارج والرافضة، لوجدنا أن من أهم أسباب وجود هذا الافتراق عند من ينتسبون للإسلام- لا أقصد أصحاب الأغراض، أو المنافقين، أو الزنادقة، لكن ممن ينتسبون للإسلام- أعظم أسباب هلاكهم وافتراقهم؛ استقلالهم وانعزالهم عن الصحابة، واستهانتهم بهم، وترك أخذ الدين عنهم، وأخذهم العلم عن أنفسهم، وعن بعضهم، قالوا: علمنا القرآن، وعلمنا السنة، فلسنا بحاجة إلي رجال، وهذا حق أريد به باطل، فمن هنا استقلوا وخرجوا عن منهج التلقي الصحيح، وعن سبيل المؤمنين المأخوذ عن النبي صلي الله عليه وسلم، بالقدوة والاهتداء، والذي أخذه التابعون عن الصحابة بهذا الطريق، ثم عنهم السلف، ويأخذه الأئمة العدول جيل عن جيل. وكما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: [يَحْمِلُ هَذَا اَلْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ] أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث 28/29 وابن عدي في الكامل 1/152، 153 و3/002 وحسنه، وصححه العلاني في بغية الملتمس 34، 35 .



العدول هم:الحفاظ الثقات، الذين يأخذون الدين عن أئمته، ثم ينقلونه إلي الآخرين.



فالاستقلالية عن العلماء خطر كبير جداً؛ لأن العلم إنما تكون بركته وتلقيه الصحيح عن العلماء، والعلماء لا يمكن أن ينقطعوا في أي زمان. ودعوى بعض الناس أن في العلماء نقصًا وتقصيرًا، دعوى مضلله، نعم، العلماء بشر، لا يخلون من نقص وتقصير، لكنهم مع ذلك في جملتهم هم القدوة، وهم الحجة، وهم الذين جعل الله الدين يؤخذ عن طريقهم، وهم أهل الذكر، وهم الراسخون، وهم أئمة الهدى، وهم المؤمنون الذين من تخلف عن سبيلهم هلك، وهم الجماعة، ومن فارقهم هلك، وتلقي العلم من غير أهله خطر علي أصحابه، وعلي الأمة.



◄ من مظاهر الخلل عند بعض المتعالين والدعاة: ازدراء العلماء واحتقارهم والتعالي عليهم: وهذه مظاهر شاذة مع الأسف بدأنا نرى نماذج منها، وهذا أمر مقلق، يجب أن نتناصح فيه، وما لم يعالجه طلاب العلم والعلماء، فالأمر خطير.



◄ تتلمذ الأحداث أي صغار السن علي بعضهم، أو علي طلاب العلم الذين هم دون من هم أعلم منهم: بمعني التتلمذ الكامل، وترك المشايخ الكبار والانقطاع عنهم، ولا أقصد بذلك أنه لا يجوز أخذ العلم عن أي طالب علم، بل من أجاد أي علم من العلوم الشرعية وكان صالحًا أخذ عنه، ولكن لا يعني الاستغناء به عمن هو أعلم منه، أو الانقطاع إليه، وترك المشايخ الكبار، وهذا هو مكمن الانحراف، أي أن يستغني بعض الشباب في أخذ علمه وقدوته ودعوته وسلوكه وهديه ببعض طلاب العلم عن العلماء الذين هم أجل وأكبر وأعلم، وهذا مسلك خطير، بل أخطر منه أن يكون الصغار بعضهم شيوخًا لبعض في العلم، ولا أقصد بذلك عدم جواز المجالسة والمخالطة والمشاركة في الدعوة إلي الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن هذا أمر مطلوب، والاجتماع علي ذلك مطلب شرعي ضروري، لكن أقصد أن تلقي العلم بهذه الطريقة الخاطئة، والاستغناء بها عن أخذه عن هؤلاء العلماء، من سمات أهل الفرق والأهواء، وهذا مسلك خطير، وهو من أبرز أسباب وجود الافتراق، لأن هذا يؤدي إلي حصر أخذ الدين عن أناس معينين، والتحزب لهم، التعصب لهم، لا سيما وهم لا تتوفر فيهم صفات العالم والقدوة، ومن ثم تكون بذورًا للافتراق.



السبب الخامس: اعتبار اتباع الأئمة علي هدي وبصيرة؛ تقليدًا: وهذه شنشنة نسمعها كثيراً من بعض المتعالمين، فيقولون: إن اتباع المشايخ تقليد، والتقليد لا يجوز في الدين، وهم رجال ونحن رجال، وعلينا أن نجتهد كما اجتهدوا، ونحن نملك الوسائل والكتب، والآن توفرت وسائل العلم، فما لنا وأخذ العلم عن العلماء، بل أخذ العلم عن العلماء تقليد والتقليد باطل.



نعم، التقليد باطل، لكن ما مفهوم التقليد؟ هناك فرق بين التقليد وبين الاتباع والاهتداء، والاتباع واجب شرعًا، وعامة المسلمين بل كثير من طلاب العلم لا يجيدون ممارسة الاجتهاد، أو أخذ أصول العلم علي الطريقة الصحيحة، فممن يأخذون العلم؟ وكيف يأخذون أصول التلقي ومنهج السنة ومنهج السلف الصالح، ومنهج الأئمة؟ لا يمكن أن يأخذوه إلا باتباع العلماء، والاتباع ليس بتقليد وإلا فهذا يعني أن كل إنسان هو إمام نفسه، ومن هنا يكون كل إنسان فرقة، وتكون الفرق بعدد الناس، وهذا باطل قطعًا، إذاً اتباع الأئمة علي هدي وبصيرة ليس بتقليد، إنما الاتباع الأعمى هو التقليد.



◄ومن المظاهر الخطيرة: التمشيخ، أو التتلمذ علي مجرد الوسائل، وهو أن يكتفي طالب العلم بأخذ العلم عن الكتب وينطوي وينعزل عن الناس، وينعزل عن أهل العلم، وينعزل عن أهل الخير، وأهل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن العلماء، ويقول: أنا أتلقي العلم عن الكتب وعن الوسائل، ولدي شريط، والكتاب والإذاعة . . . الخ، من الوسائل المقروءة والمسموعة ثم يقول: أنا بإمكاني أن أتعلم بهذه الوسائل.



أقول: لا شك أن هذه الوسائل نعمة، لكنها أيضا سلاح ذو حدين، فالاكتفاء بأخذ العلوم الشرعية عنها إنما هو مسلك زلل، وهو من أسباب الافتراق؛ لأن هذا ينمي العزلة المحرمة، أو يوجد أشخاصًا صورًا ممسوخة لأهل العلم، يأخذون العلم علي غير أصوله، وعلي غير قواعده، بغير اهتداء، وبغير اقتداء ويأخذون العلم بمشاربهم هم وبأهوائهم، وبأمزجتهم، وبأحكامهم المفردة، فإذا ظهرت الأحداث والفتن، شذوا عن العلماء، وازدروا آراءهم، والإنسان مهما بلغ من الذكاء والقدرة والتأهل للعلم، فإنه وحده لا يستطيع أن يصل إلي الحق ما لم يعرف ما عليه السلف، وما عليه أهل العلم في وقته، ويعالج قضايا العلم وقضايا الأمة والأحداث مع العلماء، فإنه إن لم يفعل ذلك، فقد يهلك ويهلك.



بل إن الوسائل هذه أوجدت عندنا صورًا ممسوخة لمن يسمون بالمثقفين، وعندهم من المعلومات ما يعجب الناس ويبهرهم لكنهم لا يقرون بأصل، ولا يفهمون منهج السلف، ويجدون من يقتدي بهم بغير علم، وهذا الأمر أو هذه الظاهرة كثرت بشكل مزعج، حتى وجد من هذا الصنف أناس يتصدرون الدعوة إلي الله، وتوجيه الشباب علي هذا النمط، لمجرد أنهم يملكون من المعرفة والثقافة العامة ما يبهر السذج، وعندهم كم هائل من المعلومات الشرعية، دون معرفة للضوابط، ولا للأصول، ولا للمناهج، ولا لكيفيات التطبيق، وكيفيات العمل، ولا لطريقة أئمة الدين في تناول مسائل العلم وتطبيقها علي النوازل والحوادث.



السبب السادس: من أسباب وجود الافتراق التقصير في فهم فقه الخلاف: وأقصد بفقه الخلاف معرفة أحكام الخلاف بين المسلمين، وماذا يترتب علي وقوع الخلاف؟ وما يجوز الخلاف فيه وما لا يجوز؟ وإذا خالف المخالف متي يعذر ومتي لا يعذر؟ وماذا نطلق عليه؟ ومتي نطلق عليه الكفر أو الفسوق؟ وهل إطلاق، الحكم علي المخالف أو الموقف منه متروك لكل أحد، وتفصيل ذلك أمر يجهله كثير من الناس، ومن هنا قد يحدث الافتراق في أمور لا يجوز الافتراق عليها.



وكذلك التقصير في فقه الاجتماع والجماعة، وهو فقه مهم جدًا قد غفل عنه الكثير من الشباب الذين يأخذون العلوم الشرعية، كما غفلوا عن المقاصد العظمي للدين في الاجتماع!، اجتماع الأمة وجمع الشمل وفقه الجماعة، وأكثرهم لا يفقه محاذير الافتراق، وكيف يكون؟ ومحاذير الفتن، وما توصل إليه؟ ولا يحسن التفريق بين الثوابت وبين المتغيرات من الأحكام والأصول.



وسمتهم الجهل بقواعد الشرع العامة، وبمقاصد الشرع العامة مثل قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، وقاعدة التيسير، ومسألة متي يكون للناس في أمر من الأمور رخصة؟، ومتي يكون لهم ضرورة؟، واللجوء إلي الضرورة كيف يكون؟ وأحكام الفتن، وأحكام السلم، ولا يجيدون أحكام التعامل مع المخالفين، ولا أحكام التعامل مع العلماء، ولا أحكام التعامل مع ولاة الأمور، لذلك نجد كثيرًا من الناس لا يفرق في كلامه وأحكامه بين ظروف الشدة والفتن، وبين ظروف السلم والأمن وهذا خلل كبير، وسبب للافتراق.



السبب السابع: التشدد والتعمق في الدين هو من أعظم الأسباب:والتشدد يقصد به التضييق علي النفس، أو علي الناس في الأحكام الشرعية، أو المواقف تجاه الآخرين، أو التعامل معهم بما لا يقتضيه قواعد الشرع ومقاصد الدين، لأن الدين مبني علي الأخذ بالأحكام الشرعية، مع مراعاة التيسير ودفع المشقة والتوسع، والأخذ بالرخص في مواطنها، وإحسان الظن بالناس، والإشفاق عليهم، ودرء الحدود بالشبهات، والإحسان إليهم، والنصح لهم، والعفو عنهم والتماس الأعذار لهم، وهذا هو الأصل، والخروج عنه لغير مصلحة راجحة مقدرة عند أهل الفقه في الدين، يعد من التشديد المنهي عنه في قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ] رواه البخاري.



وقد يقول قائل: كيف نفرق بين التشدد المذموم والتمسك المشروع؟ فأقول: إن العبرة بهدي الرسول صلي الله عليه وسلم، فهو الأنموذج الأعلى، وعليه سار الصحابة والتابعون وأئمة الهدى، وهو سمت العلماء المقتدي بهم ، وفي يومنا هذا توزن الأمور بمن كان علي السنة من خلال أمور:



العلماء العاملون المهتدون: فهم القدوة والمثل الأعلى، فمن زاد علي هديهم وعلى سمتهم في الأحكام والمواقف، وفي الهدي والسلوك، فهو المتشدد إن كان غاليًا، والمقصر والمفرط إن كان متساهلاً.



الخروج عن مقتضى التيسير وإيقاع المسلمين في العنت والحرج في أمور دنيهم: وأقصد المسلمين الذين هم علي السنة ـ إذ لا عبرة بالفساق وأهل الفجور ـ فمن أوقع المؤمنين في حرج في دينهم، أو شدد عليهم، ولم يسلك مسلك التيسير في أمورهم التي يضطرون إليها؛ فهو متشدد.



التسرع في إطلاق الأحكام: إذ بمجرد أن يسمع أحدهم قضية، أو خبرًا، أو مقولة ما، يحكم علي صاحبها غيابيًا، أو يحكم قبل أن يتثبت، أو يحكم باللوازم، كأن يقول:' إذا كان فلان قد قال كذا فهو كافر'. بدون نقاش، ومثل قولهم: 'من لم يكفر فلانًا فهو كافر' وربما لم يتبين له كفر فلان. ومثل قولهم: 'فلان رأي بدعة فلم ينكرها، أو تنتشر بين قومه فلم يغيرها، إذاً فهو مبتدع' وهكذا، فنزعة إطلاق الأحكام والإلزامات في الأقوال، والإكثار من التكفير من مظاهر التشدد في الدين.



الحكم علي القلوب وإساءة الظن والتوقف في مجهول الحال والمستور، والبراء علي المسائل الخلافية.



فالتشدد في الدين سبب رئيسي من أسباب الافتراق، وهو الذي افترقت به الخوارج عن الأمة، ثم ما تلاها من فرق وأهواء.



السبب الثامن:الابتداع والبدع في الدين: سواء في العقائد والعبادات والأحكام أو غيرها، وهذا أمر معلوم وواضح لا يحتاج إلي مزيد من التفصيل.



السبب التاسع:العصبيات بشتى أصنافها،سواءً كانت مذهبية، أو قبلية، أو حزبية، أو شعارات، أو غيرها، وأخطر تلكم العصبيات هي ما يكون في مجال الدعوة مبررة باسم الدين. وهذا السمة من أبرز السمات في أكثر الدعوات الإسلامية المعاصرة التي يقل في أتباعها وقادتها الفقه في الدين، وتعتمد علي الفكر والثقافة والحركة أكثر من اعتمادها علي العلوم الشرعية والعلماء.



السبب العاشر:تأثر المسلمين بالأفكار والفلسفات الوافدة من بلاد الكفار علي المسلمين: أيًا كان نوع هذه الأفكار والفلسفات، ما دامت تتعلق بأمور الدين، أو الأحكام، أو العادات، والأخلاق.



السبب الحادي عشر: من الأسباب للافتراق والتي حدثت بعد القرون الثلاثة الفاضلة، هي دعاوى التجديد في الدين : وقد صح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا] أخرجه أبو داود والحاكم، في المستدرك والبيهقي في المعرفة عن أبي هريرة وهو حديث صحيح، راجع صحيح الجامع الصغير رقم [1870]. والمفهوم الحقيقي للتجديد إنما يعني استئناف العمل بالدين: اعتقادًا وعملاً، وإحياء ما اندثر من السنن، وإماتة ما ابتدع من البدع والمحدثات، كما صنع المجددون من أئمة الدين في تاريخ المسلمين إلي يومنا، حيث كانوا يجددون العمل بالسنة، وهدي السلف الصالح في العلم والعمل، وليس التجديد وضع أصول وقواعد ومناهج جديدة للدين، كما يزعم كثير من المفكرين والكتاب، فما بين وقت وآخر يظهر علي المسلمين بلية يدعي صاحبها أنه يريد أن يجدد للناس أمر دينهم وقد يكون هذا المجدد ينسف بتجدده قواعد أهل العلم، وما عليه أهل السنة والجماعة في المناهج والأصول، وهذه الدعاوى التي تدعو إلي الافتراق كثرت في الآونة الأخيرة في مجال الدعوات المعاصرة، وقد كثر الذين يدعون إلي التجديد، وليتهم قصدوا بالتجديد تجديد أمور الحياة والوسائل والأساليب والأسباب، هذا أمر بديهي وهو من سنن الله في خلقه، لكنهم قصدوا بالتجديد تجديد الأصول والمناهج في الدين، وتجديد العلوم وما استقر عند الأئمة في الدين، ومآخذ الفقه في الدين، ومآخذ الأحكام من النصوص وغير ذلك، وهذا أمر خطير ينسف كل ما كان عليه أهل السنة والجماعة من الأصول التي أبقتهم علي هدي النبي صلي الله عليه وسلم، وأصحابه، والتابعين والقرون الفاضلة، وذلك هو غير سبيل المؤمنين، الذي حذرنا الله منه.



السبب الثاني عشر: التساهل في مقاومة ومحاربة مظاهر البدع في المسلمين: بمعني أنه قد تظهر بعض البدع فيغفل عنها الناس، ويتساهلون فيها، ثم تنمو وتزيد وتكثر، وقد تظهر بعض البدع أول أمرها بمظاهر ملبّسة، تظهر علي شكل عادات معينة، فتأخذ تبريرات وأشكال وأسماء أخرى غير أسماء البدع حتى تستقر، ثم تتحول مع مرور الزمن إلي البدع، ثم بعد ذلك ينزع أصحابها إلي الفرقة، أو الافتراق عن الدين، وعن الأمة، وأغلب البدع وبذور الافتراق عن الدين وعن الأمة، وأغلب البدع وبذور الافتراق في التاريخ نشأت بهذا التدرج وهي من حيل الشيطان علي الأمم.



السبب الثالث عشر: كذلك من أسبابه ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذوي الشأن في الأمة، ووقوع المداهنة في الدين، وعدم قيام طائفة من الأمة في أداء النصيحة ودرء الفساد والافتراق عنها: والمناصحة باب عظيم من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد، وقوة للخير، وإعذار عند الله، أو دفع للبلاء والنقمة عن الأمة.



وأخيراً: كيف نتوفي الافتراق؟



لاشك أن توقي الافتراق وسد ذرائعه قبل وقوعه؛ خير من علاجه بعد وقوعه، وتوقي الافتراق يكون بتوقي الأسباب التي ذكرتها، وهناك أمور أخرى تكون سببًا للوقاية من الافتراق، وهي عامة وخاصة:



فمن الأسباب العامة: الاعتصام بالكتاب والسنة، وهذه قاعدة كبرى لا بد أن يندرج تحتها توصيات وأمور كثيرة، وهي الأسباب الخاصة، ومن ذلك:



◄ معرفة هدي النبي صلي الله عليه وسلم، والتمسك به، ومن فعل هذا سيهتدي إن شاء الله ويكون من دينه علي بصيرة، ومن ثم يبتعد عن الافتراق، أو النزع إلي الفرقة، أو الوقوع فيها وهو لا يشعر.



◄ السير علي نهج السلف الصالح، الصحابة والتابعين وأئمة الدين أهل السنة والجماعة.



◄ التفقه في الدين بأخذه عن العلماء، وبطريقته الصحيحة بمنهج أهل العلم.



◄ الالتفات حول علماء الأمة، الأئمة المهتدين الذين تثق الأمة بدينهم وعلمهم وأمانتهم، وهم بحمد الله كثيرون ولا يمكن أن تفقدهم الأمة، ومن زعم أنهم يفقدون، فقد زعم أن الدين ينتهي، وهذا لا يصح؛ لأن الله تكفل بحفظه إلي قيام الساعة.



◄ الحذر من التعالي علي العلماء، أو الشذوذ عنهم بأي نوع من أنواع الشذوذ التي تؤدي إلي الفتنة، أو المفارقة.



◄ ضرورة معالجة مظاهرة الفرقة خاصة عند بعض الأحداث، أو المتعجلين، والذين تخفي عليهم الحكمة في الدعوة، وينقصهم الفقه في الدين والتجارب.



◄ الحرص علي الجماعة والاجتماع والإصلاح بمعانيها العامة وبأصولها، إذ لا بد أن يحرص كل مسلم وكل طالب علم بالأخص وكل داعية بشكل أخص، علي الجماعة والاجتماع والإصلاح بين الدعاة وأهل الخير، وعلي جمع الكلمة علي البر والتقوى.



◄ من أراد أن يعتصم بالسنة والجماعة وينجوا إن شاء الله من الافتراق فعليه أن يلازم أهل العلم، ويلازم الصالحين من أهل التقوى والخير والاستقامة، فهم القوم لا يشقي بهم جليسهم، ولا يضل عن الهدى رفيقهم وأنيسهم، ومن أراد بحبوحة الجنة؛ فليزم الجماعة، والجماعة من كان علي ما أن عليه الرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه.



◄ تجنب الحزبيات وإن كانت في الدعوة، وكذلك العصبيات أيًا كان نوعها ومصدرها؛ لأنها بذور للفرقة.



◄ النصيحة لولاة الأمور أبرارًا كانوا أو فجارًا، وكذلك بذل النصيحة للعامة؛ لأن النصيحة لولاة الأمور تتحقق فيها مصالح كبرى للأمة، أو يكون بها الأعذار ودفع البلاء العام، ويرتفع بها الغل من القلوب، وتقام بها الحجة، وهي من وصايا النبي صلي الله عليه وسلم العظمى التي أمر أمته بالصبر عليها والاستمساك بها، وهي من نهج السلف الصالح الذي يميزهم عن أهل الأهواء والافتراق، والتقصير في مناصحة ولاة الأمر ـ أيا كانوا ـ تفريط بحق الإسلام والمسلمين، ونزعة هوى تؤذن بشر وفتنة.



◄ إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي فقه وبصيرة.



خــاتمـة أخص بها الشاب: بأنهم ينبغي أن يلتفوا حول العلماء، وعلي طلاب العلم، ويتلقوا عنهم الدين ويتفقهوا علي أيدهم، ويحترموهم ويوقروهم، ويصدروا عن رأيهم في كل أمر ذي بال من أمور الأمة، ويلتزموا ما يقررونه في مصالح الأمة، وفي مشكلات المسلمين الكبرى، وعليهم أن يلتزموا بتوجيهات أهل العلم والفقه والتجربة تحقيقاً للمصلحة، وجمعًا للشمل، وصونًا من الفرقة، وذلك هو منهج السلف الصالح، وهو الهدي، وهو الذي به نستطيع أن نقتدي بأئمة الدين أهل السنة وأهل الجماعة، وذلك علي سبيل المؤمنين، وهدي الصالحين، والصراط المستقيم. وصلي الله علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم أجمعين.



من رسالة:'الافتراق،مفهومه،أسبابه،سبل الوقاية منه' للشيخ/ناصر عبد الكريم العقل
__________________
لاعزة لنا الابالجهاد
النجيب غير متصل  


موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 03:05 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)