[مجدد الدعوة]

بسم الله الرحمن الرحيم


( واقصد في مشيك )


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آ له وصحبه أجمعين وبعد :
يقول الله عز وجل على لسان الحكيم لقمان في إحدى وصاياه لابنه . ( ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور () واقصد في مشيك ...) سورة لقمان
فنهاه عن التبختر والاختيال في المشي ثم أوضح له المشي الصحيح ,
فقال : ( واقصد في مشيك ) .
وفي معنى القصد , قال البغوي : ليكن مشيك قصداً لا تخايل ولا إسراع .
وقال عطاء : أمشِ بالوقار والسكينة , كقوله ( يمشون على الأرض هوناً .. ) سورة الفرقان
وقال القرطبي : أي توسط فيه , والقصد ما بين الإسراع والبطء .
وقال سيد – رحمه الله - : والقصد هنا من الاقتصاد وعدم الإسراف . وعدم إضاعة الطاقة في التبختر والتثني والاختيال . ومن القصد كذلك لأن المشية القاصدة إلى الهدف , لا تتلكأ ولا تتخايل ولا تتبختر , إنما تمضي لقصدها في بساطة وانطلاق .
فتبين من كلام المفسرين أن المقصود هو الاعتدال والتوازن في المشي من غير مخيلة واستكبار أو عجلة وتهور .
ومن يتدبر القرآن يجد أن الله عز وجل ذكر المشي في غير ما موضع ..
ففي سورة الفرقان نجد أن الله سبحانه امتدح عباده المؤمنين بصفات عدة ابتدئها بقوله ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) . فقدم هذه الصفة وهذا الخلق في عباده على غيره مما هو فيهم .
وكذلك أمرنا الله عز وجل أن لا نتجاوز ( المشي ) في طلب الدنيا فقال : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) . إلى غير ذلك من المواضع .
والنبي صلى الله عليه وسلم ذم الطرفين المتباينين فقال : ( سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن ) ,
وقال : ( إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون , وأتوها تمشون وعليكم السكينة , فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) متفق عليه .
وقال في الطرف الآخر ( بينما رجل يمشي في برديه يتبختر يتبختر فيهما إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ) .
فالإسلام دين تكاملٍ وتوازنٍ واعتدالٍ لا يحتاج لغيره من الديانات , ومن تكامله أن نظم للإنسان تعاملاته وأخلاقه من ولادته حتى مماته , والاعتدال في القصد وفي المشي أحد تلك النظم .

لماذا القصد في المشي ؟
إذا نظرنا إلى القصد في المشي بالنظرة الضيقة , فنقول أن المولى عز وجل أعطى للمشي اعتباراً فريداً . لأنه يعبر عن شخصية المسلم , فهو من يمشي هيناً ليناً , بسكينة ووقار من غير تبخترٍ واستكبار , أو عجلة وعدم اكتراث . ولذا قال الشاعر :
ولا تمشي فوق الأرض إلا تواضعاً ... فكم تحتها قومٌ هموا منك أرفع
وإن كنت في عزٍ وجاهٍ ومنعةٍ ... فكم مات من قومٍ هموا منك أمنع
ولأنه كذلك يقلل من الوقوع في الزلل ( في نطاقٍ أوسع ) وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه , ولا نزع من شيءٍ إلا شانه ) . ولأن الناظر إلى واقع المجتمعات عامة والعاملين في حقل الدعوة والتربية على وجهٍ أخص يجد قلة العاملين وضعف الإنتاج وتردي الحالة , وهذا لا شك أن له أكثر من سبب , ولكن عدم القصد والاعتدال في السير هو من أعظم الأسباب تأثيراً على العمل وعلى العاملين , ومن هذا المنطلق أسوق بعض اللفتات التربوية والدعوية المستنبطة من الآية :-

للمربي والداعية :

- قصدك في المشي واعتدالك يجعل منك القدوة الحسنة للمتربي ويرسم فيك شخصية القائد المعتدل ولذلك لما سئلت عائشة – رضي الله عنها – عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم , قالت : كان خلقه القرآن وهو من هو في القيادة والتربية والدعوة .
- وكذلك يقلل من أخطائك في توجيه المتربي نحو ما تريد وتهدف إليه وتكسب بذلك ثقة المتربي والمجتمع وجودة إنتاجك .
- يجعل منك المربي الناجح في إيصال المتربي إلى بر الأمان وشاطئ النجاة وبأقل خسائر , وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) البخاري .
- تمثل الآية يحقق لك في نفسك نتائج جيدة وفي من تحت يدك , ويوصلك ويساعدك على إيصال غيرك إلى الهدف بأدق وأيسر طريق .
- قصدك واعتدالك يجعل لك فرصة لتدارك واكتشاف الأخطاء فيمن تربيهم .
- يشكو بعض المربين قلة الأتباع و ضعفهم وهذا بلا شك عائدٌ على أسباب منها تسرعه وعجلته في اتخاذ القرارات واستعجال النتائج .
- قد تكون السرعة والعجلة سببٌ لترك المتربين لمربيهم وتخليهم عنه لأنهم يرون كثرة سقطاته وزلاته .


للمتربي :

- قصدك المتزن يجعل منك المسلم المعتدل والمتربي الصالح .
- هي رسالة للأبناء قبل غيرهم من لقمان – عليه السلام – وهي وصايا زكاها ربنا عز وجل بذكرها في كتابه وكفى بذلك تزكية .
- اتزانك يعصمك بعد الله من الزلات والسقطات وأنعم بمزيلها ( الاتزان والقصد ) من خلقٍ إذا تمثلها المتربي وقد قال صلى الله عليه وسلم ( أو روي عنه ) : ( عجب ربنا من شاب ليس له صبوة ) أي هفوة وزلة . رواه الطبراني [ وإن كان في سنده ضعف ] .
- قصدك معين لك على تحمل المشاق والصبر على كل طاعة وعن كل معصية .
- إتضاح الهدف مطلبٌ لكل إنسان , وللمتربي أكد وألزم لأنه في بداية طريقه , قال الشاعر :

لاتحسبن المجد تمراً أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرة


.. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ..

[ياحبيلي ياسعدك فيني]

جزاك الله خير

[سحابة عابرة]

جزاكـ الله خيرا .. وجعله في ميزان حسناتكـ ..
وزادكـ من فضلة ..

[مجدد الدعوة]

أشكر الإخوة على ثنائهم ,
وأسال الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح .