|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2010
البلد: بريدة
المشاركات: 43
|
سارة و مدرسة "الشارع الواسع" ( قصة من التعليم في الشرق)
سارة هي طالبة في الصف الثالث المتوسط الآن. مأساتها بدأت حينما ترك أهلها الحي الذي يسكنون فيه إلى حي آخر في حركة ربما تكون اعتيادية لمن لا يملك بيتا هنا. بدأ الأهل في نقل أثاث البيت في بداية العطلة الصيفية و انتهوا تماما في الأسبوع الثالث منها و بدت سارة كغيرها من أفراد العائلة سعيدة بهذا البيت الجديد خاصة و أنه منسق بشكل جيد ليكون مستقلا عن سكن صاحب البيت – على غير عادة البيوت المستأجرة – و أكثر سعة من البيت السابق و أكملت إجازتها كأي إجازة مرت عليها في حياتها. بدأت الدراسة فتذكر الجميع أن ملف سارة لا يزال في مدرستها الأولى و أنه من اللازم عليهم تغيير مدرستها في اليوم الثاني على الأكثر - هكذا ظنوا في البداية - إلى المدرسة القريبة من المنزل. ذهب أخوها الأكبر برفقة أمها إلى تلك المدرسة و كلهم ثقة بأنهم لن يخرجوا إلا بورقة القبول ليذهبوا بها إلى إدارة مدرسة سارة و يحضروا الملف و من ثم تبدأ سارة بالدراسة في الصف الثاني المتوسط هكذا بكل بساطة فالتعليم من أبسط حقوق المواطن في هذا البلد و هو كما ينص النظام مجاني و إلزامي من سن السابعة و حتى الثامنة عشر - هكذا يقولون - . تفاجأت والدة سارة و هي تسمع من مديرة المدرسة أن المدرسة تتبع النظام المطور و هي بالتالي لا تستقبل أي طالبة بعد الصف الأول المتوسط ؛ أي أن الطالبة لابد أن تبدأ من الصف الأول إذا ما أرادت أن تدرس فيها. سبب المفاجأة أنها لم تسمع بهذا النظام حالها حال الكثيرين ، و إن كان هناك القليل قد سمع به فلا يعلم يقينا بتفاصيله – كحال مسؤول في إدارة التربية و التعليم قابلته شخصيا ! - . هنا بدأت الأمور تتعقد و ظهر النحس التعليمي للشرق و ما جاوره. التفت الأهل هنا و هناك ليبحثوا عن مدرسة قريبة فوجدوا ثلاث مدارس في ثلاثة أحياء – لها نفس البعد عن حيهم - ولكنها في اتجاهات متغايرة و لا سبيل لسواها . لحسن الحظ ؛ كانت خالة سارة قريبة من المدرسة الأولى - سأسميها مدرسة "الشارع الواسع" – و هي بالتالي الأنسب لسارة خاصة و أن أخاها الأكبر لا يأتي من الجامعة قبل الساعة الثالثة إلا نادرا ؛ و كذلك الأب المتسبب ليس أحسن حالا إذ لا يمكن اعتبار الساعة الثانية وقتا متأخرا بالنسبة له و هذا غير مناسب لوقت خروج طالبات المرحلة المتوسطة. ذهبت الأم لتلك المدرسة و شرحت للمديرة الوضع فردت عليها المديرة أن لا مجال للقبول و تحججت - كعادة الإدارات الغير مسؤولة - أن الفصول ممتلئة لدرجة أن بعض الطالبات يجلسن خارج الفصل من شدة الزحام و لم تراع وضع سارة. شكرتها الأم الطيبة و قدرت لها هذا الوضع و لكن يا لها من ورطة فأين ستذهب سارة ؟! . خطرت لهم فكرة أن المدرسة الأخرى – سأسميها مدرسة "الأثل" - ربما لديها باصات لنقل الطالبات إلى حيهم ؛ فذهبوا إليها و فعلا وافقت المديرة على القبول ؛ ولكن لسوء الحظ لم يكن هنالك باصات لنقل الطالبات. لم يعد لديهم الآن سوى المدرسة الثالثة - سأسميها المدرسة "الشرقية" وهي بعيدة نسبيا عن بيتهم - و لكن بإمكان سارة أن تذهب إلى بيت عمتها مع الباص لحين رجوع الأب أو الأخ. ومرة أخرى و بنفس الحجة ؛ رجعت الوالدة و ابنها أدراجهم إلى المنزل بخفي حنين و استمرت سارة لا تذهب إلى المدرسة حتى انقضى الأسبوع الأول. بالصدفة التقى أخو سارة بأحد معارفهم و الذي يعمل في إدارة تربية و تعليم البنين و أخبره بمشكلة أخته فأرشده إلى أن هناك نظام يسمى القبول الإلزامي على المدارس في يد إدارة التربية و التعليم. حينما لاح صباح يوم السبت ذهب الأخ إلى إدارة التربية و التعليم و هو يتمنى أن يدخل على أحد مساعدي الدكتور عبدالله الركيان مدير تربية و تعليم البنات قبل أن ينتهي الدوام لكي لا يأتي مرة أخرى غدا ؛ فهو يتوقع أن الإدارة الأم ستكون عصية بشكل أكبر من إدارات المدارس. و لكن على غير المتوقع ؛ لم يجد الأخ نفسه إلا و هو جالس بجانب الدكتور – وقليل في حقه كلمة متواضع – الذي لم يكن حتى يجلس في مكتبه بل جلس بجانب الأخ على الأريكة ليسمع منه مالذي يريد. خرج الأخ من الإدارة و كأنه يحلم فهو يجزم يقينا أن الوقت الذي ضاع في صعود السلم و نزوله هو الجزء الأكبر من الوقت الكلي الذي قضاه في الإدارة ! . ومن مكتب الدكتور إلى إدارة القبول ثم أخيرا إلى مدرسة "الشارع الواسع" ؛ انتهت أزمة سارة الأولى و قبلت في المدرسة و مع أن الأمر بدا للإدارة و كأنه "بالعصا" ؛ إلا أن سارة قبلت و انتظمت في المدرسة يوم الأحد و لم يكن ثمة مشاكل مع الإدارة مع أن تحصيل سارة الدراسي قد تأثر بشكل ملحوظ بسبب عدم الاستقرار في مدرسة واحدة لدرجة أنها اختبرت في الدور الثاني و الغريب أن أمر الازدحام لم يكن بذلك السوء الذي وصفته المديرة .
مرة أخرى تتكرر القصة و تنتقل عائلة سارة إلى بيت آخر قريب جدا من مدرسة "الأثل" فيما لم يمض سنة على الأزمة الأولى. ذهب الأهل إلى مدرسة "الأثل" لكي يأخذوا ورقة القبول و لكن المديرة واجهت طلبهم بالرفض القاطع و ادعت أن إدارة التربية و التعليم قد شددوا عليها بعدم قبول أي طالبة نظرا لازدحام الطالبات فيها بسبب أن المبنى مستأجر و ليس حكوميا. حينها فقط بدأت الأزمة الثانية و لكنها هذه المرة أخذت بعدا خطيرا يكشف بالفعل مدى اللاتربوية عند إحدى من ينتسبون للتربية بكل أسف . بدأت حين ذهبت سارة بكل عفوية إلى مكتب المديرة - الغير متواجدة لظرف معين – فوجدت المساعدة و طلبت منها سارة أن تسجلها في الباص الذي ينقل الطالبات إلى حيهم. و بصورة غير متوقعة لسارة ؛ تجهم وجه المساعدة و أخذت بالصراخ و نحن ليس لدينا باصات و ... إلخ. ثم كأنها تذكرت شيئا مهما فرجعت إلى الصراخ و لكن هذه المرة " متى نقلتوا ؟" و "ليش ما تنقلين للمدرسة الثانية؟" - بأسلوب فظ - وإلى ما هنالك من هذا الكلام الذي لا ناقة لسارة فيه و لا جمل ؛ فمثل هذه المواضيع لا يجب أبدا أن تناقش مع الطالبة لا من قريب و لا من بعيد بل هي بين الإدارة و البيت ؛ و هذا بالتأكيد أمر بديهي لمن يملك حسا تربويا لا بأس به . و مرة بعد مرة تتحرش المساعدة بسارة – إن صح التعبير – حول هذا الموضوع إلى أن فجرتها في وجه سارة في مقولتها الشهيرة - والتي حركتني لأكتب ما كتبت - حينما قالت " إن جيتي باكر أبطلعك بالحوش ! ". لم يكن أخو سارة بانتظار دليل على هذا الكلام و وقعه على سارة أكبر من صرخة ألم تخللت حديثها له حين أخبرته بالقصة. يبدو أن مقولة " إدارة التعليم " التي يحذف منها الناس كلمة "التربية" تخفيفا للنطق تعدت هذا الغرض لتصبح ذات معنى و مغزى و إن لم يستوعبه الكثير. فلا أحد يستطيع أن يجادل في أن المساعدة و إن تبعت إداريا للتربية و التعليم ؛ فهي في الحقيقة تابعة لإدارة التعليم في أحسن الحالات . جملة مثل هذه لا أحد يتوقع خروجها في مدرسة من إدارية أو مراقبة فضلا عن مســــاعدة إلا إذا كانت هذه المدرسة تسمى مجازا "مدرسة" ! . حاول أخو سارة أن يحيد سارة عن الموضوع فقال لها بأن تعطي المساعدة رقم الهاتف في حال فتحت الموضوع معها لكي يكون الكلام بين البيت و بين المساعدة ؛ و لكنها و بنفس العنجهية ردت " ما هوب أنا اللي أكلم هو اللي يكلم ". لم يملك أخو سارة إلا أن رفع يديه و قال "اللهم إجازة أمومة يا حي يا قيوم !" . سارة لم تذهب لمدرسة "الشارع الواسع" منذ 4 أيام . حاول أخو سارة البحث عن أعذار لربما تكون مقنعة و لو إلى حد قريب فلم يجد ؛ حاول أن يعتذر لها بضغط الإدارة و مسؤوليتها و لكنه عذر أقبح من فعل . **** أخيرا قم للمعلم وفه التبجيلا ====== كاد المعلم أن يكون رسولا !يا أمير الشعراء ؛ حمدا لله أنك لم تواجه مساعدتنا و إلا لما قلت هذا البيت الخالد فلم يعد صالحا كما عهدته. |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|