[سبيل المؤمنين]

تحية طيبة للإخوة والأخوات الكرام ..

في كل مرةٍ تُعجبنا الفكرة ونندفع, نشعر بالقوة والتأثير, ونشعر بنصرة العزيز القدير,,, ثم ننسى أن نُراجع ونُقيِّم أو نقَّوم ما فعلنا بانتظار حملة أخرى !!
دعونا هذه المرة_ولو لمرة_ نتباحث المسألة بهدوء وتعقل_ولا بأس بكوبٍ من الشاي_ كأحبة يبحثون عن الحق والصواب ويخشون الخطأ والضلال والانخداع وأن لا يكون أحدنا_ لا سمح الله _منقاداً خلف عاطفته بلا بصيرة من ربه .

والحوار اليوم هو في استعداد كثيرين استعداداً منقطع النظير للانقياد السريع خلف الأنشطة الحركية ذات الطابع الإسلامي, حتى أن بعضهم قد يتكاسل عن بعض فروضه ولا يتكاسل عن المشاركة فيها !!
وبما أنني المُبادر بالطرح سأبادر بالإدلاء بدلوي راجياً التوفيق من الله, وطامعاً بما لديكم مما تثرون به هذا التشاور والبحث في هذه القضية الواسعة المتشعبة .

ولكي يكون الكلام واضحاً سأضرب أمثلة من الواقع القريب .

كلنا عايش مقاطعة المنتجات الدنمركية كتصرفٍ مقابلٍ لما قام به ثلة من الرسامين الدنمركيين, والتجربة بدأت وانتهت والحكم عليها الآن سهلٌ لأننا جميعاً رأينا نتائجها رأي العين .
وهنا عدة نقاط لا بُد من مناقشتها .

أولاً : وهي أهم ما يمكن طرحه من إشكال هنا ... فنحن كسنة ندرك تماماً بأن الرافضة يسيئون للرسول ليل نهار بقذف عرضه الشريف بالزنى والعياذ بالله, وهذا القذف ينعق به بين الحين والآخر على الملأ كما فعل ياسر الحبيب لعنه الله وهذا القذف لعرض الرسول تقف خلفه وتسانده دولة إيران منذ قيامها ... فأين الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإيرانية !!؟

ما الفرق بين الدانيمارك وإيران ؟

من جهة دوافع الإساءة وحقيقة العداء للرسول فالفارق واضح, فالدانيمارك لم نعتد منها هذا بينما إيران تتبنى هذا التوجه منذ قيامها بل هي عقيدة عند أفراد الحكومة والشعب .

ومن جهة كم الإساءة وتكررها والإصرار عليها وتاريخها فإن إيران الرافضية تفوق الدنيمرك ولا تكف عن الإساءة لعرض الرسول ليل نهار بينما كانت إساءة الرسامين أمرٌ عارضٌ .

وبعد هذا يتساءل العقلاء : لماذا سُكت عن حكومة إيران وأدين معممي الشيعة, بينما أدينت حكومة الدنيمرك بجريرة الرسامين وتمت مقاطعة المنتجات للإضرار بالحكومة لإجبارها على منع الرسامين ؟!
هل من مصلحة للسكوت عن حكومة إيران ؟! هل هناك طرف مستفيد من حكومة إيران ومن مصلحته التنازل عن الدفاع عن عرض الرسول من أجلها ؟! مسألة تحتاج إلى ربط الأحداث السياسية الإقليمية ببعضها .

من كان صاحب فكرة مقاطعة منتجات الدنيمرك والمبادر للدعوة إليها ؟. طبعاً لا أحد يعرفه !!. فلمَ أخفى نفسه ؟

ومن القائد المنظم لشئونها ؟ . أيضاً لا أحد يعرفه !!

حسناً لنعد بالذاكرة قليلاً .. عندما تم الإعلان عن المقاطعة, وبدأ تحديد أسماء المنتجات, وأسماء المتاجر المقاطعة, وغير المقاطعة, وتفاعل الناس ظهر في المنتديات والمجالس ... هل ظهر أحد وتبنى مسئولية تنظيمها !؟ طبعاً لا

حتى إذا أخذها المجتمع على محمل الجد وتبين التفاعل الجماهيري مع المقاطعة ظهر لنا من يُلبسها الشرعية ويؤيدها ويباركها لكنه لا ينسبها لنفسه صراحةً بل يتكلم بأسلوب من يعطي رأيه في أمرٍ قد صار واقعاً, فهو لا يتحمل مسئوليته ولا يُنكره !
ولسان حاله يقول : لم آمر بها ولم تسوؤني ... بل أعجبتني ووهبت نفسي لها !!

فإن نجحت المقاطعة ولم يكن لها تبعاتٌ سيئة فالفضل والثناء لمن شرَّعها ودعمها بتأييده !!
لكن أين هو صاحب الفكرة والمبادرة, لمَ لا يظهر ليُعرفَ فيُشكر, ولمَ أهدى فكرته وجهده للمشرعين, ولمَ هذا التنكر وقد نجح عمله ونفع !!!؟
وإن فشلت أو ترتب عليها ضررٌ وحقوق خاصة فالملامة الشعبية و تحمل المسئولية على صاحب الفكرة والمبادرة وعلينا نحن المقاطعون !!.

فهل كل هذا التناغم والترتيب المثالي قد حدث صدفةً يا من قلتم لنا أن المقاطعة حراكٌ شعبي فطري صرف لا أب له ولا أم ؟.

ثانياً: كان الجناة هم الرسامون وصحفهم, فمن قاطعنا نحن ؟ لنتذكر سويةً

طبعاً قاطعنا محلاتنا وتجارنا المسلمين الذين يتعاملون مع تجار المنتجات في الدنيمارك ليخسر تجارنا فتعود خسارتهم بخسارة تجارهم ثم بالضرر على اقتصاد دولتهم التي لم تمنع الصحف من نشر الإساءة !! رحلة طويلة فهل وصلنا ؟

والمحصلة النهائية أن الرسامون لم ينزجروا عن غيهم .

ثالثاً : من الذي تضرر بمقاطعتنا, ومن الذي استفاد من الحملة ؟

قد توقف الضرر المتراكم المتتابع على اقتصاد حكومة دولتهم, ولم يصل الضرر الاقتصادي لا إلى الرسامين ولا إلى صحفهم . بل تضرر إخوتنا التجار المسلمين وصارت المقاطعة اعتداء عليهم دونما تعويضهم, أو إشعارهم بالمقاطعة قبلُ بفترة يمكنهم فيها تدبر أمورهم وتفادي الخسائر .
قال تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة

أما المستفيدون من المقاطعة فعدة أطراف ليست سنة الرسول وهديه أحدهم !!

ألم تخدم حملة المقاطعة دعاتها خدمة إعلامية شعبية !؟ بلا والله لقد زاد ظهورهم على الشاشات وبقية وسائل الإعلام . فهل أثر هذا الظهور في بيان ظلم الرسامين لرسولنا عند الغربيين وهم المخاطبون الأولون بالرسومات ؟! طبعاً لا . إذن ما الهدف من وراء هذا الظهور المُكثف المنظم ؟!

ألم تخدم المقاطعة تسويقياً بعض المتاجر والمصانع ومزارع الألبان !؟ بلا والله

ألم تخدم دعاوى ترك المقاطعة لاحقاً بعض المتاجر والأسواق والمستوردون الكبار ؟ بلا والله !!

ألم تخدم المقاطعة تسويقياً بعض وسائل الإعلام التي كثُر فيها ظهور دعاة المقاطعة بل ودعاة ترك المقاطعة ؟ بلا والله .

فهل من بين هؤلاء المستفيدين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ لا والله بل هي المتضرر الوحيد من الرسومات والمقاطعة معاً !!

رحماك يا الله !! ماذا فعل هؤلاء المقاطعون بأنفسهم, وبماذا خرجوا ؟! (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)الكهف
بل إن بعض الطيبين زاد الطينة بلة حين قال : زيدوا من سب نبينا وسنزيد من عقابكم بالمقاطعة وغيرها !! عواطف هوجاء وعقول دهماء .
قال تعالى (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)

رابعاً : ما أثر المقاطعة على سب رسولنا الكريم ؟

للأسف الشديد فإن المقاطعة لم تُذهب أثر الرسومات الصحفية بإيصال الصورة الحسنة لنبينا صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين, المبعوث رحمة للعالمين إلى قراء الصحف ومن وصلته الرسوم ... !

بل زادت المقاطعة من السب, فنحن ساهمنا في تعاطف حكومتهم وتجارهم مع الرسامين بتصرفنا_الغير مدروس_ هذا, فبدل من أن نعمل على إزالة أثر الرسم المسيء لرسولنا, عملنا على تكراره وزيادته من حيث لم نشعر . وكيف يَشعر من شُحنت عاطفته واندفع بلا تدبر وتأني ؟!

خامساً : أثر المقاطعة على غاية وأهداف الرسامين ومن خلفهم .

كُلنا يُدرك أن الإساءة لرسول الإسلام عليه الصلاة والسلام سيفضي إلى :

أولاً : تنفير الكفار عن الدخول في الإسلام الذي يُقال أنه في تزايد ولله الحمد .
وثانياً : تنفير المسلمين عن سنته وهديه, وبالتالي تقبل دعاوى الانحلال العقدي والخُلقي والسلوكي . ولا تستبعد شيئاً أبعد فإنهم أخبث ما يكون .

وعليه فالتصرف المقابل الواجب والأمثل هو نشر سنته وهديه صلى الله عليه وسلم بكل وسيلة مشروعة كالمساهمة بطباعة كتب السيرة والسنة وطباعة النشرات المترجمة, وإنشاء المواقع ... الخ مما تعلمون ولا يحتاج إلى تفصيل .

فماذا فعل دعاة المقاطعة بالمسلمين ؟
في رأيي أنهم_ هداهم الله ووفقهم وسددهم وأرشدهم_ لم يصيبوا الحكمة بل وقعوا في أمرٍ مذمومٍ ألا وهو صرف وتوجيه تعاطف المسلمين إلى مقاطعة المنتجات فتوجهت الهمم إلى المقاطعة وانشغل الناس بتفاصيلها كتحديد المنتجات الدنمركية من غيرها, وتحديد من قاطع من تجارنا ومن لم يُقاطع, ثم انشغل الناس بمواجهة من لم يقاطعوا فقاطعوهم بالكلية, وكثر اللغط, وانشحنت النفوس على التجار وبهذا أضحت الحرب بيننا, وبهذا صُرفت الجهود وأُستغل الحماس, ولا حول ولا قوة إلا بالله !! .

ألم يكن الواجب بدلاً من هذا اللغط واللغو أن يكون حوار دعاتنا دائراً حول تحديد أصح كتب السيرة, وأجود شروح السنة, وأنسب كتب التفسير, وأوضح كتب العقيدة, وأصح شروح الفقه, وأحسن الكتب الدعوية المترجمة لتوجه الجهود, ويُستغل الحماس الشعبي للمساهمة في نشر سنته وهديه عليه الصلاة والسلام بينهم ترجمةً وطباعةً وتوزيعاً لمقابلة آثار السب ببيان معنى أنه صلى الله عليه وسلم قد بُعث رحمة للعالمين !! بلا والله .

لو ساهم كلٌ منا بعشرة ريالات لملأنا مكتبات العالم بكل اللغات من كتب السنة الصافية المملوءة أصلاً بكتب الصوفية الغالية في الشرك والبدعة, ولك أن تذهب بخيالك بعيداً فيما كان بإمكاننا فعله نصرةً لدعوة محمد في أوروبا استغلالاً للحدث في وقته .

وفي النهاية بدلاً من أن تكون دعوانا العريضة المرفوعة عالياً هي ( أنشروا سنة نبيكم وهديه بينهم ) صارت (قاطعوا فلاناً وعلانا هنا !!) وهذه هي الخسارة الكبرى .

والخلاصة : أن في مقاطعتنا بعض الخير والمصلحة, وكثير كثير من الشرور والمفاسد المتراكمة المتتابعة (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) والله لم يخلق شراً محضاً, وما حرمت المحرمات إلا لغلبة شرها على خيرها وليس لخلوها من الخير فإن هذا متعذرٌ كما قال أهل العلم .

أشير إلى هذا لأن بعض الطيبين إذا رأى أمراً فيه خير جرى خلفه دونما تبصر .
والنتيجة أننا زدنا من سب الرسول, وما اكتفينا بل وصرفنا الناس عن المساهمة في نشر سنته وهديه .!! ولو امتنعنا عن الدعوة إلى المقاطعة لكان أسلم لنا !! سبحان الله, ما أحوج الإنسان إلى توفيق ربه .
اسأل الله أن يوفق دعاتنا إلى الحكمة والبصيرة, وأن يرزقنا الأناة ويلهمنا الصواب .
أخيراً أختم بقول العزيز الحكيم (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) النساء

[عصير مشوي]

طيب حنا وراه مانسوي شي يغثهم