وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً
بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة إلى الله تعالى هي أعظم فعل وأجل ممارسة وأقدس رسالة للإنسان في هذه الحياة ، والدعاة إلى الله هم ورثة الأنبياء لأنهم يبلغون رسالة الله تعالى ، ولأنهم يريدون للناس كل الناس الخير والفلاح والرشاد و السعادة في دنياهم وفي دينهم ، في أولاهم وفي أخراهم ، والدعاة إلى الله بسبب ذلك كانوا خير الناس وأقرب الناس إلى مولاهم تبارك وتعالى ، قال الله تبارك وتعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33) ، سبحان الله ، يثني عليهم مولاهم لعظم ما يحملون ولنفع ما يقومون به ولأنهم رحماء بالناس يريدون لهم الجنة ، فكان ثناء الله عليهم رسالة للناس وأمرا للعباد ليثنوا على من أثنى عليهم الله وليحبوا من أحبهم الله وليقتدوا بمن زكاه الله وزكى قوله ، ومع أن الله يحبهم ويعظمهم فإن فئاما من الأشقياء قد خالفوا أمره وعاندوا هديه و استخفوا بوحيه وحكمه فحاربوا أولياءه ، ووقفوا لهم بالمرصاد ، ألبوا الناس عليهم ، تارة في المجالس وأخرى في الصحف والمجلات وتارة أخرى في التلفزيونات ومرات في المحاضرات والندوات ، ومع أن هؤلاء الأشقياء هم من سفلة القوم ومن كناسة المجتمعات ، ولكنهم استطاعوا أن يوصلوا صوتهم إلى الناس رغم كونهم أقلية حقيرة وزمرة معزولة مرذولة ، ولكن لأنهم وجدوا منابر الإعلام مفتوحة لهم ميسرة لضلالهم ونزقهم ، ووجدوا الطريق لهم ممهدا لينشروا خبثهم وغلهم الذي ستكون عاقبته الخسارة والندامة ليس بالنسبة لهم وحدهم ولكن بالنسبة للمجتمعات التي ارتضت السكوت على ممارساتهم الخبيثة والصمت حيال كتاباتهم المسمومة الحاقدة قال تعالى في المجتمع الذي لا يتناهى أفراده عن المنكر: ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة79) ، فهل هناك أعظم منكر المجاهرة بالعداء للدعوة إلى الله والعداء للدعاة إلى سبيله ؟ وهل هناك أخطر ممن يقف في سبيل من يريد للناس الهداية والصلاح على نور من الله وبرهان ؟؟ .
وقال الله جل وعلا في من يحادد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويعادي أولياء الله تعالى في الحديث القدسي ( من عادى لي وليا فقد آذنته بحرب ) فبئست العاقبة أن يدخل العبد الضعيف في حرب مع مولاه وسيده وخالقه ورازقه وراحمه والمنعم عليه ، وبئست الحياة حين تكون كلها حربا ضد دين الله تعالى وضد الدعاة الذين هم أولياء الله تعالى ، وخاب والله وخسر من آذى أولياء الله ولو بكلمة فكيف بآلاف الكلمات ومئات المقالات والصفحات التي تسود كلها ضد الدعوة والدعاة ، وكيف بآلاف الكلمات في المجالس وفي الندوات وفي المحاضرات التي تخصص لشن الحرب على الدعوة والدعاة ، إنها كلها ولا ريب حرب على الدعوة وهي بالتالي حرب على من أمرنا بالدعوة إليه وهو القائل سبحانه (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125) ، ولكن ليعلم أولئك المحاربون للدعوة والدعاة أن الله قد كشف أمرهم وبين حالهم وغايتهم من محاربة الدعوة والدعاة رغم مراوغاتهم وخداعهم وظهورهم بمظهر من يدعي العقل والثقافة والحرص على المجتمع ، ولو كانوا كذلك لكانوا في صف الدعوة إلى الله التي لأمر بها كل مسلم مهما كان حاله ، قال سبحانه وتعالى (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (النساء:27) ، إنهم أهل الشهوات ، يريدون أن يباشروا شهواتهم دون رادع من دين وعقل ، يريدون كل شيء مباحا لهم ، لا يريدون أن يذكر الله تعالى ، لأن ذكر الله تعالى وذكر شريعته تزجر أهل العقول والحجى عن الضلال والسقوط في المعاصي والذنوب والشهوات المحرمة ، فيجد أهل الحرب على الدعوة أن باب الشهوة الذي يريدونه مفتوحا على مصاريعه قد أغلق بسبب الدعوة والدعاة ، بسبب أهل الذكر والعلم والصلاح والتقوى ، فيرون فيهم سبب حرمانهم من شهواتهم المحرمة وسبب إيصاد الأبواب في وجه فسادهم وباطلهم ، ولذا فهم يحاربون أهل الدعوة لأنه لايمكن أن يجتمع أهل الدعوة وأهل الشهوة في مجتمع إلا ويعلو فيه صوت الدعوة إلى الله ويعزل فيه ويخزى أهل الشهوات ، وقد أوعد الله من آذى أولياءه بحرب منه ، لأن من حارب أولياء الله فقد حارب الله ، ومن حربه الله قصمه وعذبه وأخذه أخذ عزيز مقتدر قال المولى جل وعز (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63)
وفي المقابل فإن الله تعالى وتقدس – وهو القوي العزيز وهو القاهر فوق عباده – قد وعد أولياءه بالتمكين والنصر والتأييد ، لأنهم أولياؤه وأهل الدعوة إليه ولأنهم أهل الطاعة والاستجابة ، قال المولى سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك ، وبك منك لا نحصي ثناء عليك
|