عند وصول خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - إلى أرض الوطن ، بعد رحلة علاجية كللت بالنجاح و لله الحمد ، كان المواطنون على قدم و ساق في انتظار إصلاحات الملك ، لاسيما في ظل الأحداث التي تعصف بالوطن العربي في هذه الأيام ، و خاصة وطأة الفتنة في ليبيا ، لكن المفاجأة المنتظرة صارت مجرد مبالغ مالية وزعت على عدة دوائر حكومية ، نعم هذا شيء مطلوب لكنه ليس إصلاحا ؛ لأن معنى الإصلاح كما هو معروف يعني وجود شيء فاسد يجب علاجه و لو بالبتر ، أو شيء خاطئ يجب إقامته و تعديله ، و مما يزيد الأمر غرابة أن بعض المواطنين لا يجد فظاظة من إطلاق مسمى الإصلاح على تلك المدفوعات ، بل يتكبد عناء المطالبة لأجلها .
السؤال الملح ، ما سبب ترسب تلك التصورات الخاطئة لدى مجموعة من العامة ؟ جواب هذا السؤال ينبني على نقطة جوهرية و جلية ، هي ثقافة الجشع ، ثقافة أن المال بلسم لكل الجروح ، ثقافة أن المال هو الحل و الربط ، هذه الثقافة الغائرة في أذهان جل المسؤولين في مؤسسات مملكتنا ، تلك الثقافة التي آمنوا بها و تبنوها .
هذه الثقافة كانت شائعة و مجدية في العصور الغابرة حينما كانت تجزل العطايا و الهبات لأعيان القبائل و أعيان البلدان مقابل الطاعة لولي الأمر ، حتى صار المال فقط هو حق الرعية على الراعي ، فورث هذه الثقافة جل المسؤولين ، و كذلك كبار السن غير المتعلمين .
لكن العصر تغير و تغيرت معه الأمور ، فالعقول تفتحت ، و تعددت مصادر التعلم و منابع التلقي ، فتطورت الثقافة و تجددت ، فخرج شباب متعلم و مثقف و مستنير ، لديه القدرة الكافية لقياس الأمور ، فنبذ كل ما هو رجعي ، كدعوى الجاهلية ( النزعة القبلية ) و التفرد بالرأي و الإقصاء للمخالف ، شباب يؤمن أن الفقر لا يكون علاجه بالمال و إنما بالعدل ، شباب يؤمن أن الأمور الحادثة لا يكون علاجها بالمال و إنما بالشورى ، شباب يؤمن أن الحجة لا يرد عليها بالمال و إنما تفند بالدليل و البرهان .
أولئك الشباب هم من استنكر تلك المدفوعات و هم من يطلب الإصلاح بقنواته القانونية ، و هم من يحذر من الفتنة و يطالب بقطع دابرها حفاظا على وحدة الوطن و أمنه، فهل من مدكر ؟