[أبو سليمان الحامد]

لا شك أن حفظَ كتابِ الله تعالى من أجلِّ الأعمال , وأزكاها عند الله تعالى , والأدلة على ذلك أشهر من أن ترصَدَ , وإني أردتُ هاهنا أن أضع بعض النصائح والتوجيهات لمن أراد السير قدما في هذا النبراس لحفظ كتاب الله تعالى وإتقانه :
أولاً : اجعل عملك أخي المسلم خالصاً لوجه الله تعالى , لا تريد به رياء ولا سمعة , ولا جاهاً أو دنيا , فحفظ كتاب الله تعالى عبادة عظيمة {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (11) سورة الزمر , وما كسب المؤمن عملا أعظمَ من الإخلاص , ومن فَقَدَ الإخلاص فقد خسر دينه وآخِرَتَه : {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20) سورة الشورى
ثانياً : استعن بالله تعالى وتوكل عليه , فهو خير مُعِينٍ على أداء هذه المهمة الجليلة , قال تعالى : {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (3) سورة الأحزاب , وقد جمع الله تعالى بين العبادة والاستعانة في فاتحة الكتاب : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) سورة الفاتحة .
ثالثاً : قال الكسائي رحمه الله : ( القراءةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَة ) والمعنى : أن قراءة القرآن لا تخضع لمقاييس المتعلمين , بل تؤخذ بالرواية من أفواه الرجال , فقراءة القرآن وضبطُه لا تتم إلا بالتلقِّي , ولا يمكن لأكبر متعلم في الدنيا أن يقرأ من المصحف من غير معلم إلا ويخطئ في قراءته .
وقد قال العلماء السابقون : لا تأخذوا العلم من صُحُفِيّ , ولا مُصْحَفِي .
أي من كان عِلْمُه من الكتاب , والمصاحف فهو مخطئٌ لا محالة .
وقال آخر : من كان شيخُه كتابَه , كثر خَطؤُه وقلَّ صوابُه .
هذا في سائر العلم , وهو في كتاب الله تعالى أظهر وأولى .
ولهذا فإن الاقتصار على قراءة القرآن بالقراءة من المصحف , أو السماع من المسجل خطأ فادح يقع فيه بعض متعلمي القرآن , ومبتغي حِفظِه .
ولهذا يجب على حافظ القرآن أن يقرأ القرآن سماعاً على من يتقِنه , ليتوقى اللحنَ والخطأ .
رابعاً : حينما يتقن تلاوة القرآن , فإن عليه أن يديم النظر إلى المصحف حين يريد الحفظ , ليحفظ أماكن الآيات , والأوجه , وبداية السور وأماكنها , لأن حفظ مكان الآية , ومعرفة بداية الأوجه ونهايتها يترسخ في العقل الباطن للحافظ , فيعينُه – بإذن الله – على ضبط المحفوظ وإتقانه .
خامساً : على من أراد الحفظ أن يبدأ بالتدرج , فيتقن قصار السور , ثم المفصل , ثم بعد ذلك ينتقل إلى أول المصحف مع سورة البقرة , لأن البداية مع البقرة من أول الأمر يفوت عليه ضبط آخر المصحف , وهو الذي يحتاج إليه الحافظ بكثرة في الصلاة والتعليم , والبداءةُ من آخر المصحف وانتهاءً بأوله فيه سوء تنظيم للحفظ في الذهن , فالتوسط أمر حسن .
تحفظ الأجزاء الخمس الأخيرة من المصحف , ثم بعد ذلك الانتقال إلى أول المصحف .
سادساً : التكرار الكثير هو أكبر سلاح لإتقان الحفظ وجودَته , وحينئذٍ على الحافظ أن يكرر المحفوظ كثيراً , دون أن يسأم أو يمل .
وقد سمعت أحد مشايخ شنقيط يتحدث عن طريقتهم في الحفظ , فيقول : إنهم يكررون المقطع مائة مرة .. وهكذا فليكن الحفظ .
سابعاً : اختيار الوقت المناسب للحفظ يساعد على ترسيخه لدى الحافظ , وأحسن الأوقات بعد صلاة الفجر , أو قبل صلاة الفجر لمن وفقه الله تعالى للنوم المبكر .
ثامناً : قراءة المحفوظ في الصلاة , لأن قراءة المحفوظ في الصلوات السرية أو الجهرية ( للإمام ) يساعد على ترسخ المحفوظ , وإن من الملاحظ لدى كثير من الناس مِمَّنْ مَنَّ الله عليهم بحفظ شيء من القرآن يدمنون على قراءة سور معينة في صلواتهم , مما يفقدهم ضبط كثير مما حَفِظوه .
وقد حدثني أحد الفضلاء بأنه له ختمة خاصة في صلاته تستغرق منه ثلاثة أشهر تقريبا , يبدأ من البقرة حتى نهاية المصحف , يقرأ في الصلوات السرية , وفي السنن , وبعد كل صلاة أفتح المصحف لتأكد من آية شككت فيها , ونحو ذلك .
وإني أنصح كل إمام منَّ الله عليه بحفظ القرآن أن يقرأ القرآن كله في صلاة التراويح حفظا , دون أن يستعين بمصحف الجيب أو نحو ذلك , لأن بعض الشباب حافظ , ولكنه يخاف من قراءة القرآن حفظا أمام الناس , خشية الوقوع في الخطأ , وهذا خطأ ظاهر , لأنك ربما تخطئ في البداية , ولكن مع الوقت سيزداد حفظك إتقانا وضبطا , والتجربة خير برهان .
تاسعاً : على حافظ القرآن أن يقرأ في تفسير كلام الله تعالى ليجمع بين الحفظ والفهم , وذلك نور على نور , ولأن فهم الآيات يعين على الحفظ والإتقان , وما قيمة الحفظ إذا لم يكن معه فهم للمحفوظ .
وإن من أبرز أهداف حفظ القرآن الكريم أن يكون لدى الحافظ قدرة على الاستدلال بآياته في مواطن الاحتجاج , ولا يتأتى له ذلك إلا بالفهم والعلم .
وليس مطلوبا منه أن يقرأ أمهات التفسير , ولكن عليه أن يقرأ بعض التفاسير الموجزة التي تدلُّه على المعنى مثل : تفسير الجلالين , تفسير البغوي , تفسير السعدي , تفسير أبي بكر الجزائري ( أيسر التفاسير ) , مختصر تفسير ابن كثير للصابوني ..
عاشراً : التركيز على المتشابهات في القرآن , واستحداث القواعد الخاصة بذلك , مما يساعد على الضبط , والاطلاع على ما ألف وكتب حول هذا الموضوع مثل كتاب : الضبط بالتقعيد للمتشابه اللفظي في القرآن المجيد تأليف : فواز الحنين , وآيات متشابهات الألفاظ في القرآن الكريم .. للشيخ عبد المحسن العباد , وغيرها كثير .

وفي النهاية , عليك أخي الكريم أن تتقي الله تعالى في نفسك , وأن تتعاهد نفسك عن المعاصي والذنوب , وأن تسارع للتوبة والاستغفار إن زلت بك القدم , لأن الله تعالى يقول : " واتقوا الله ويعلمُكم الله " , وما أجملَ قولَ الشافعي :

شكوتُ إلى وَكيعٍ سُوءِ حِفْظِي ... فأرْشَدَني إلى تَرْكِ الْمَعاصِي

وقالَ اعْلَمْ بأن العلــمَ نورٌ ... ونورُ الله لا يُهْدى لعاصي

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته , وأن يهدِيَنا للتي هي أقوم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أخوكم : علي بن سليمان الحامد
28/12/1432 هـ

[شمعة حنين]

.




موضوع قيّم

أسأل الله أن ينفع بك و بأمثالك
جزاك الله الجنة

[دُرر مضيئة]

^^


إرشـــادآت نيرة ...

جزاك الله خيرا

[جــوانا (1)]

باركـ الله فيك

ورزقــك الجنه ..

[فــتــى بــريــدة]

موضوع أكثر من راااائع ... ومفيد مشكور ياكبير المحايدين.

[^صريح^]

جزاك الله خيرا
أخي كبير المحايدين..

[أبو ريّـان]

أحسن الله إليك , ومن عوامل ضبط الآيات الثبات على مصحف واحد يختم فيه
لأن الطبعات الجديدة فيها اختلاف عن الطبعات السابقة .. والتنقل من مصحف لآخر يشتت لدى الحافظ أماكن الآيات ..
وأيضًا السير على منهجية واضحة ومكتوبة أي تكتب على ورق ..
ولتكون خطة شهر كامل كل يوم يكتب ماسوف يحفظه دون تفريط وإن فرَّط فعليه بالتعويض ..
ثم إن كثرة السماع تزيد الضبط , وكذلك الكتابة تزيد من الإتقان , فإذا حفظت آية قم بكتابتها ثم صحح ماكتبته , هذا يرسخ الحفظ لديك ..
ويعرّفك على الرسم العثماني , لأن الرسم العثماني هو علم مستقل يدرس ويدرّس .. وأعرف أناس كثر انتهوا من كتابة المصحف كاملاً حفظاً ..
وحفظ القرآن فتح من الله , والدعاء والإلتجاء يفتح لك هذا الباب ..

بارك الله فيك أستاذنا ..


.

[غربة غريب]

سلمك ربي أخي على وصاياك النافعة

وأذكر أن هناك وصية كان يرددها كثيراً أحد شيوخ القرآن لطلابه :
يقول أن الشنقيطي "صاحب أضواء البيان" قال :
( لايثبت القرآن في الصدر ولا يسهل حفظه إلا القيام به في جوف الليل )

وهذه أعظم وصية لحفظة كتاب الله العظيم

[أبو سليمان الحامد]

الإخوة والأخوات الفضلاء :

شمعة حنين

وهج الأمل

جوانا

صريح

فتى بريدة

شكرا لكم على إطلالتكم القيمة

بارك الله فيكم .

[أبو سليمان الحامد]

اقتباس المشاركة الأساسية كتبها أبو ريّـان أحسن الله إليك , ومن عوامل ضبط الآيات الثبات على مصحف واحد يختم فيه لأن الطبعات الجديدة فيها اختلاف عن الطبعات السابقة .. والتنقل من مصحف لآخر يشتت لدى الحافظ أماكن الآيات .. وأيضًا السير على منهجية واضحة ومكتوبة أي تكتب على ورق .. ولتكون خطة شهر كامل كل يوم يكتب ماسوف يحفظه دون تفريط وإن فرَّط فعليه بالتعويض .. ثم إن كثرة السماع تزيد الضبط , وكذلك الكتابة تزيد من الإتقان , فإذا حفظت آية قم بكتابتها ثم صحح ماكتبته , هذا يرسخ الحفظ لديك .. ويعرّفك على الرسم العثماني , لأن الرسم العثماني هو علم مستقل يدرس ويدرّس .. وأعرف أناس كثر انتهوا من كتابة المصحف كاملاً حفظاً .. وحفظ القرآن فتح من الله , والدعاء والإلتجاء يفتح لك هذا الباب .. بارك الله فيك أستاذنا .. .

شكرا لك أخي أبا ريان على هذه الإضافة القيمة ..

وقد أجدت في العرض والإيضاح

وقد سمعتها كذلك من أحد الحفاظ المتقنين بأن كتابة المصحف تزيد من الضبط العالي , وأعتقد أن السبب يعود إلى أن المخ يحصل له تركيز أثناء الكتابة , أكثر من القراءة , فيحصل الضبط والإتقان .

بارك الله فيك , وجزاك الله خيرا .

[أبو سليمان الحامد]

اقتباس المشاركة الأساسية كتبها غربة غريب سلمك ربي أخي على وصاياك النافعة وأذكر أن هناك وصية كان يرددها كثيراً أحد شيوخ القرآن لطلابه : يقول أن الشنقيطي "صاحب أضواء البيان" قال : ( لايثبت القرآن في الصدر ولا يسهل حفظه إلا القيام به في جوف الليل ) وهذه أعظم وصية لحفظة كتاب الله العظيم

شكرا أخي العزيز غربة على الإضافة الجليلة

بارك الله فيك .

[فــ ـهـ ــد]

جزاك الله خير كلام كبير من شخص كبير بعلمه ومقامه

[مصطفى خير الدين]

بارك الله فيك

[قـــصـــيـــة]

بارك الله فيك أخي كبير المحايدين ونفع بك وبنصائحك وتوجيهاتك وجعلها في ميزان حسناتك

بحكم هذا الزمن المليء بالملهيات والأشغال التي لا تنتهي يصعب عليّ حفظ القرءان وأخشى أن أحفظه وأنساه فيكون حجة عليّ !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عرضت علي ذنوب أمتي فلم أرى ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)

فتلاوته شبه يومي أفضل من هجره أو حفظه ونسيانه!
فقد حفظت سورة البقرة كاملة والآن لا أحفظ منها سوا أولها وآخرها وآية الكرسي


وفقنا الله وإياكم لما يرضيه وينفعنا في الدنيا والآخرة