بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الولادة المتعسرة لديمقراطية تركيا

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 28-12-2003, 03:15 PM   #1
ابن عساكر
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2003
المشاركات: 47
الولادة المتعسرة لديمقراطية تركيا

> إبراهيم البليهي

الولادة المُتَعَسِّرة لديمقراطية تركيا (2)

التاريخ: الأحد 2003/12/28 م


حين تنتقل القيم والمفاهيم الإنسانية الأساسية وآلياتها من الغرب إلى الشرق تصاب بتشويه شنيع فمؤسسات المجتمع المدني التي ابتكرها الغرب تتحول في الشرق إلى أدوات قمعية في قبضة الاستبداد فتصبح مهمتها إعطاء المشروعية للتسلط والطغيان ومن أقرب الشواهد على ذلك ما كان يفعله صدام حسين في العراق قبل إسقاطه فقد كان مجلس الشعب العراقي يَظهرُ أمام العالم أنه يؤيده بالإجماع على كل قراراته الطائشة وكان المجلس يفعل ذلك حقاً لكنه يفعله خوفاً من بطش الطاغية فلم يكن أمامه أي خيار متاح سوى تأييده المطلق والتصفيق لقراراته وإظهار الولاء التام له والويل لمن يظهر منه أي تردد كما استخدم صدام حسين مبدأ الانتخاب وشكلياته ليزعم بأن الشعب العراقي كله قد اختاره لقيادته بنسبة مائة بالمائة وأنه لا يرضى به بديلاً وأنه يؤيده في كل مواقفه وأنه يقف خلفه في كل إجراءاته وهذه الشكليات المزيفة قد أساءت إلى العراقيين إساءة بالغة لأن أكثر الناس في الغرب يقيسون على ما يحصل عندهم فلا يخطر على بالهم أن الرعب هو الذي أخرس العراقيين عن إعلان الحقيقة وجعلهم يُظهرون عكس ما يضمرون وبذلك ظهروا أمام العالم بأنهم عدوانيون مثل صدام وأنهم يدعمونه في كل ما فَعَل إن العرب يعرفون بأن أعضاء مجلس الشعب لم يكونوا يملكون إلا التأييد المطلق لأي شيء يراه صدام حسين وأنه مجلسٌ شكلي يخدم الدكتاتور ولا يستطيع أن يخدم الشعب ولا أن يقول شيئاً من الحقيقة مما لا يرضاه الطاغية فهو ديكور زائف للتلاؤم مع مطالب ومفاهيم الغرب أما المضمون فهو شديد المغايرة بل إنه يؤدي وظيفة مناقضة تماماً لوظيفته في المجتمعات الغربية لأنه يوهم من لا يعرفون الواقع أن الجميع شركاء في الجرائم التي ارتكبها الطاغية وهذا منتهى الجور والتضليل ومثل ذلك يقال عن إدعاء إجماع الشعب العراقي على اختيار القائد المهيب صدام حسين لكن هذه الحقيقة الفاجعة ليست واضحة للمجتمعات الغربية التي اعتادت أن الانتخابات تمثل الرأي الحقيقي للشعب وأن البرلمانات لا تخضع للسلطة التنفيذية وإنما هي رقيبة عليها!! لذلك صار الشعب العراقي عندهم ملوماً مع أنه مغلوبٌ على أمره.
وإذا كانت إساءة الاستخدام لمؤسسات المجتمع المدني صارخة إلى هذا الحد فإن الإساءة ذاتها تصيب المفاهيم فالعلمانية في الشرق تعني خنق العقول والحجر على الناس ومحاربة التديُّن ومطاردة المتدينين وعسكرة المجتمع وإجبار الشعوب المقهورة على تبني رؤية ايديولوجية مغلقة لا مجال فيها للمراجعة ولا للتصحيح ولا للتدارك وهذا مغاير كلياً للمفهوم العلماني في الغرب فإذا نحن رجعنا إلى التاريخ الأوروبي وإلى الواقع الذي تعيشه المجتمعات الأوروبية في معاقل العلمانية فسوف نكتشف فظاعة التشويه الذي أصاب القيم والمفاهيم والمبادئ الإنسانية حين انتقلت إلى الشرق مما أحدث الكثير من الخلط والَّلبس وسوء الفهم إن علمانية الغرب لا تعادي الدين بل تتيح للمتدينيين من كل الأديان أقصى درجات الحرية ليس فقط في مجالات التعبير والاختيار الفردي وإنما على المستوى التنظيمي ويستطيع أي مهتم وأي باحث أن يستعرض أسماء الأحزاب السياسية في الغرب ليجد أن أكثر المجتمعات تمسكاً بالعلمانية تحتضن أحزاباً دينية ليس فقط في برامجها وأهدافها وإنما في تسمياتها الصريحة والمباشرة فمن أهم الأحزاب السياسية في ألمانيا حزب (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) وحزب (الاتحاد المسيحي الاجتماعي) وفي هولندا وهي المعقل الأول للعلمانية منذ البدايات الأولى للعصر الحديث نجد (حزب النداء المسيحي الديمقراطي) وهو أقدم الأحزاب وأقواها كما نجد (حزب الإصلاح السياسي) وهو حزب بريستانتي يلتزم بمذهب كالفن كما نجد (حزب الاتحاد الانجيلي السياسي) وهو أيضاً حزبٌ كالفيني متشدد كما نجد (رابطة الإصلاح السياسي) وهي أيضاً من القوى السياسية الكالفينية المتشددة وفي السويد وهي دولة تمارس أقصى درجات الانفتاح العلماني يأتي: حزب الديمقراطيين المسيحيين في مقدمة الأحزاب السياسية وفي الدنمارك نجد (حزب الشعب المسيحي) من بين الأحزاب السياسية الفاعلة وفي ايطاليا يوجد حزبان دينيان هما: حزب الوسط الديمقراطي المسيحي والحزب الشعبي (كاثوليكي) وفي النرويج يأتي( حزب الشعب المسيحي) ضمن الأحزاب المؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية وفي بلجيكيا يأتي الحزب المسيحي الاجتماعي في مقدمة الأحزاب السياسية وهذه مجرد أمثلة للتعامل العلماني مع الدين في المجتمعات الغربية فالعلمانية في الغرب لا تعني التخلي عن الدين ولا التقليل من شأنه ولا استنكار الدعوة إليه ولا مضايقة القائمين عليه ولا تضييق الفرص أمام المنتسبين له ولا يقتصر ذلك على ظاهرة تعدُّد الأحزاب الدينية في المجتمعات العلمانية الغربية ومشاركتها الدائمة في سباقات التداول السلمي للسلطة وإنما الدول الغربية تدعم المؤسسات الدينية دعماً كبيراً وموصولاً ولا تكتفي بذلك بل تجعل دعم هذه المؤسسات سبباً في الإعفاء من الضرائب كما هو في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن العلمانية في الغرب منذ نشوئها لم يكن من أهدافها محاربة الأديان وإنما كان وما زال هدفها الرئيسي في الغرب ضمان الحريات وكف الاكليروس عن التحكم في الناس والأوطان فمن المعروف أن أوروبا شهدت في العصور الوسطى هيمنة شديدة وتسلطاً مستحكماً على الناس وعلى الحكومات وعلى الحكام من قبل الاكليروس وكانت الكنيسة تحتكر الإطلاع على الكتب الدينية ولا تجيز ترجمتها من اللاتينية إلى اللغات الأوروبية لتجهيل الناس واحتكار سلطة المعرفة وكانت تمارس وصاية خانقة على الجميع فتقاطعت مصالح الناس مع مصالح الحكومات فوقف الطرفان ضد تلك الوصاية التي كانت تخنق الدين والعقل وتجفّف منابع الحياة ولما اندحر الاكليروس وانتصر دعاة الخلاص توفرت الحرية للجميع بمن فيهم رجال الدين وبقي الناس متدينين وبقيت المسيحية محركاً رئيسياً للحياة الغربية فالعلمانية في مواطنها الأصلية كانت اتجاها دفاعياً ضد المتحكمين بالدين ولم تكن ضد الدين ذاته إن العلمانية في المجتمعات الغربية ليست بديلاً للدين ولا هي مذهب معارضٌ له وإنما بيئة تنشد الحرية للجميع إنها مناخٌ عام يتاح فيه للمتدينين وغيرهم حرية التفكير والتعبير وحرية العمل والتنظيم وفق القوانين المعمول بها في كل مجتمع.
أما في الشرق فإن العلمانية تعني اغتيال عقل المجتمع وقمع حريات الناس ومنع إظهار ما يشير أدنى إشارة إلى الالتزام الديني وتأتي علمانية تركيا خلال العقود الماضية نموذجاً صارخاً يتجسَّد فيه الصلف الفج والتناقض المكشوف فمنذ قيام الجمهورية التركية وهي ترفع شعار العلمانية لكنها ترفعه بشكل ايديولوجي أحالها إلى دين بديل فقد ظل الشعب التركي مقموعاً عن الإعلان عن هويته الإسلامية فاضطر الإسلاميون بزعامة البرفيسور نجم الدين أربكان إلى تجنب إضفاء أي طابع إسلامي صريح على أحزابهم فأول حزب إسلامي في تركيا كان يحمل اسم (حزب النظام الوطني) وقد جرى تأسيسه عام 1970غير أنه تم حله بدعوى أنه قام بأعمال تخالف العلمانية فجرى تأسيس (حزب السلامة) واستطاع في أول انتخابات بعد تأسيسه أن يدخل في ائتلاف حكومي مع حزب الشعب الجمهوري وأن يصبح أربكان نائباً لرئيس الحكومة ولكن العسكريين أخذوه من قمة المسؤولية إلى غياهب السجن وطالبت النيابة العلمانية بإعدامه وإعدام بعض رفاقه!! لكن التلفيق لم يستطع تبرير الإجراءات التعسفية ولما سمح العسكريون باستئناف تكوين الأحزاب وأذنوا بعودة الحياة السياسية بادر أربكان ورفاقه إلى تأسيس (حزب الرفاه) فحقق الحزب نجاحات كبرى سواء على مستوى الانتخابات المحلية ورئاسة بلديات المدن أو على مستوى الانتخابات العامة التي جعلته يدخل في ائتلاف حكومي مع حزب الطريق القويم ولكن العلمانية المتشنجة لم تطق صبراً فجرى حل الحزب بدعوى أنه مناهضٌ للعلمانية وأثناء مقاضاة الحزب جرى تأسيس (حزب الفضيلة) ليكون بديلاً عنه ولكنه لم يسلم أيضاً من الملاحقة والحل مما جعل الجيل الثاني من رجال الحزب يدركون أن المطاردة لأربكان ورعيله سوف تستمر وأنه لا مخرج من هذا المصير إلا بالانفصال بحزب مستقل فانقسم اتباع حزب الفضيلة إلى حزبين (حزب السعادة) ويمثل الرعيل الأول من الإسلاميين ويرأس هذا الحزب رجائي قوطان أما الفريق الثاني بقيادة رجب طيب أوردوغان فقد أسسوا (حزب العدالة والتنمية) وهؤلاء هم الذين فازوا بالانتخابات العامة والمؤمل أن تتوطد على أيديهم الديمقراطية التركية وأن يتحقق لتركيا من النجاحات والازدهار ما يجعلها مثالاً يُحتذى في العالم الإسلامي.
إن الجيش التركي قد مارس خلال العقود الماضية وصاية عنيفة على الشعب التركي فحال دون توطين الممارسة الديمقراطية وعطل مسيرة النمو غير أن عوامل كثيرة قد تضافرت الآن ولعلها تقنع العسكريين بالكف عن التدخل المباشر في الحياة السياسية فتركيا حريصة على سرعة تحقيق الانضمام للاتحاد الأوروبي والاتحاد نفسه يضغط من أجل توطيد الممارسة الديمقراطية في تركيا وتوسيع الحريات فيها ونتائج الانتخابات تدل على أن الشعب قد آثر الخيار الإسلامي المعتدل وليس ممكناً استمرار رفض خيار الشعب وحاجة الاقتصاد إلى الانعاش تستوجب فتح الخيارات أمام التداول السلمي للسلطة من أجل المزيد من الانفتاح والتدافع والتنافس وجلب دماء جديدة كما أن تفشي الفساد في العقود الماضية في عهود الحكومات العلمانية المتعاقبة قد أثار التذمر بينما قدم الإسلاميون أمثلة حية على النزاهة والكفاءة خلال رئاستهم لعدد من بلديات المدن الكبرى إضافة إلى أن الأحزاب القديمة قد أخذت في التآكل والتحلل وأُصيبت بالضعف فلعل هذه الأسباب وغيرها تكبح العسكريين عن التدخل في السلطة ولعل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية تقنع الجيش التركي بالكف عن التدخل المباشر في السياسة فيتاح لتركيا أن تقدم للعالم الإسلامي نموذجاً مغرياً للممارسة الديمقراطية في ظل الالتزام بالإسلام وتعاليمه ليعزز النموذج الماليزي الرائع.
لقد كانت تركيا الكمالية تمثل تجسيداً صارخاً لمقولة الشرق شرقٌ والغرب غربٌ لا يلتقيان فالكماليون يعلنون بصوت مرتفع منذ أكثر من ثمانين عاماً بأنهم ديمقراطيون وعلمانيون وبأنهم حماة الحرية كما أنهم كانوا يزعمون أنهم قد تمثلوا الحضارة الغربية وأنهم سوف يحكمون تركيا وفق مفاهيم الغرب وقيمه ومنجزاته ولكنهم عملياً حصروا اهتمامهم بالمظاهر الفجة وأهملوا المضمون إهمالاً شنيعاً بل لقد قلبوا المفاهيم رأساً على عقب فالحرية صارت قمعاً والعلمانية أصبحت ايديولوجيا والتسامح أضحى تعصباً والديقراطية باتت تأليهاً لأتاتورك والانفتاح أمسى ملاحقة للإسلام ومضايقة للمنتمين إليه فالكماليون الذين تبنَّوا مفاهيم الغرب في الظاهر كانوا يعنون بها معنى مغايراً تماماً يتلاءم مع أحادية الرؤية التي اعتادوا عليها فلم يحققوا لتركيا ازدهاراً يتناسب مع ضجيجهم ولكن يبدو أن الأوضاع سائرة نحو التغير الجذري وأن الانفتاح بات أمراً محققاً وأن الديمقراطية الحقيقية أصبحت خياراً لا بديل له ومطلباً لا مساومة عليه
ابن عساكر غير متصل  


قديم(ـة) 28-12-2003, 04:18 PM   #2
أبوعمر السحيم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2003
البلد: :: المملكة العربية السعودية ::
المشاركات: 1,017
كل يدعي الديموقراطية
حتى امريكا
لكن يعرف الشخص عند مصائبه
فالان هؤلاء الذين يعجبون بديموقراطية امريكا
هل يريدون ان نطبقها ......
أبوعمر السحيم غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 06:17 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)