|
|
|
![]() |
#1 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
فلسفة الروقيين
الفلسفة الرواقية ومعالمها الأخلاق والصلة بين الطبيعة والعقل ونقد المذهب ظهرت الفلسفة الرواقية - نسبة إلى المدرسة التي أنشأها زينون "264- 336 ق. م" بمدينة أثينا أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، وهي إلى جانب كونها مذهبًا فلسفيًا - فهي كذلك "وقبل كل شيء أخلاق ودين"[1]. كان ظهور الرواقية إيذانًا بتغليب الفكر الشرقي أو حملة هذا الفكر إلى اليونان؛ إذ أن أغلب أنصار الرواقية من الشرقيين[2]. ويعني الرواقيون بالعناية الإلهية، وتعريفهم لها بأنها "الضرورة العاقلة التي تتناول الكليات والجزئيات"، مع تبرئتها من الشر. أما الشر الذي نراه في العالم فهو ضروري له كضد الخير. إن الله يريد الخير طبعًا، وقد يقتضي تحقيقه وسائل ليبست خيرًا من كافة الوجوه "أما الشر الخلقي أو الخطيئة فيعزونها إلى حرية الإنسان"[3]. ومن المفكرين من يعد أثر الرواقية من خطورة الشأن بحيث امتد أثرها حتى العصور الحديثة. يقول رودييه "إن الإنسانية المفكرة إنما عاشت على المذهب الرواقي حتى أدركت المسيحية ولبثت تتغذى منه بعدها حقبة من الزمان"[4]، بل إن لها سحرًا ما زال يجذب عقول المستنيرين في زمننا هذا[5]. ولئن كانت مبادؤها تختلف اختلافًا شديدًا عن المسيحية، إلا أن المفكرين المسيحيين أفادوا من أقواها في "الفضائل والرذائل وفي صفات الله وفي العناية الإلهية"[6]. والمتأمل في حياة زينون مؤسس المدرسة ليعثر على مادة مهمة تصلح لدراسة مدى اتصاله بالأفكار الدينية السابقة على ظهور الفلسفة اليونانية - ونعني بها الفكر الشرقي القديم، وكأنه أحياها من جديد في قلب بلاد الإغريق. إن زينون ولد بجزيرة قبرص، ثم انتقل إلى أثينا، وكان موضع تقدير الأثينيين، حيث رثوه رثاء رسميًا على أثر وفاته بعد أن بلغ من العمر 98 عامًا، مستحقًا لتقديرهم لحثه الشباب على الفضيلة والحكمة، وكان أثناء حياته مثلًا أعلى للأخلاق الكريمة. لقد بلغ هذا الحكيم "من قوة الإرادة وطول الصبر وضبط النفس والعفة والسيطرة على الهوى مبلغًا أدهش معاصريه، فكان الأثينيون يضربون به المثل قائلين "أضبط لنفسه من زينون"[7]. وفي مذهب زينون عنصر مميز عن فلسفة الإغريقيين، فهو يتصل بالفينقيين، - أو تقاليد الساميين - مما جعله يختلف في آرائه وأخلاقه عن فلاسفة اليونان، حتى قيل إنه أقرب إلى مثال النبي الشرقي منه إلى مثال الفيلسوف اليوناني[8]. وبالمقارنة بين زينون وأفلاطون مثلًا تزداد صحة هذا الاحتمال إذا كان أفلاطون على العكس من زينون - يحاول استخلاص الحقيقة الكامنة فينا بالاستنباط، والدليل العقلي، بينما اتجه زينون في إعلان نتائجه مقتديًا بالأنبياء، إذ يكشف الحقيقة على نقيض طريقة الفلاسفة - بالتأمل والإلهام - ولأن النبي يعلن هذه النتائج باعتباره مرسلًا من عند الله، وكان زينون - في اقتراب نغمة صوته من نغمة الأنبياء "يشعر أنه مكلف برسالة يريد أن يؤديها وأن يأخذ الناس بها كاملة"[9]. الفلسفة أو الحكمة الرواقية: إن الفلسفة في الرواقية هي "محبة الحكمة ومزاولتها"، ويتضح من هذا التعريف الناحية العملية في هذه الحكمة حيث تشترط العمل والمزاولة. كما يظهر من التعريف التالي أيضًا الاهتمام بالإلهيات، فالحكمة أيضًا هي "علم الأشياء الإلهية والإنسانية"[10]. كذلك يتضح أيضًا أن هدف الرواقيين هو تجاوز نظرة سقراط القاصرة على الأمور الإنسانية، حيث أضافوا إليها النظرة في الأمور الإلهية[11]. وتتضح أيضًا الصبغة الأخلاقية للفلسفة الرواقية التي تحتل فيها الأخلاق المكان الأول، "فالفلسفة عندهم أيضًا هي ممارسة الفضيلة بحيث يمكن القول بأنها في صميمها مذهب أخلاقي"[12]، أو بعبارة أخرى تجعل من الأخلاق الغاية والثمرة، فالحكمة عندهم تشبه "حقلًا أرضه الخصبة العلم الطبيعي وسياجه الجدل، وثماره الأخلاق". ومن أجل ذلك أيضًا، سنفصل القول في مذهبها الأخلاقي. الأخلاق في المذهب الرواقي: رأينا مما تقدم أن سقراط دعا إلى السعادة القائمة على تغليب العقل على دوافع الشهوة ودواعي الحس، كما عرفنا من اتجاه كل من أفلاطون وأرسطو أنهم يرون أيضًا فكرة السعادة في ضبط النفس. ثم جاء زينون "270 ق. م" فرأى ضرورة العمل على "قمع الأهواء ووأد الشهوات ومحاربة اللذات والإشادة بحياة الزهد والحرمان، تحقيقًا للسعادة الرواقية"[13]. إن من يدرس الفلسفة في المدرسة الرواقية، يتبين له أن الرواقية في صميمها مذهب أخلاقي، فما هو هذا المذهب وما هي سماته الرئيسية؟ إن ما يدل على أن الأخلاق تحتل المرتبة الأولى في المذهب الرواقي هو تعريفهم للفلسفة ذاتها، فهي عندهم "ممارسة الفضيلة، والفضيلة صناعة واحدة لا تتجزأ، وهي أشرف الصناعات متصلة، وهي تلائم طبيعة البشر ملاءمة خاصة"[14] إن البحث في الطبيعيات والمنطق عندهم أداة لخدمة الأخلاق، والحكمة هي رأس الفضائل وتصدر عن الحكمة الفضائل الرئيسية الأربعة: الاستبصار والشجاعة والعفة والعدالة[15]. ويوحد أهل الروائي بين الفضيلة والسعادة، فالسعادة تنحصر في فضائل عقلية هي (ضبط النفس) و (الاكتفاء بالذات)، و (الحكمة) وقد اكتسبت هذه الفضائل الثلاث صبغة عقلية، وأصبحت الفضيلة عندهم عبارة عن التخلص من الرغبة والتحرر من الانفعال، حيث يظهر معنى الفضيلة بصفة خاصة عند مناداتهم بالاكتفاء بالذات باعتباره فضيلة أساسية من فضائل الرجل الحكيم فإنهم في الحقيقة يشيرون إلى حالة رجل لم يعد يعوزه شيء، أو بعبارة أخرى تنازل وتخلى تمامًا عن كل شيء[16]. ويظهر لنا وجه الاختلاف هنا بينهم وبين أرسطو، أنه لم يطالب بالعمل على استئصال الشهوات وقمعها، بل اكتفى بإخضاعها لحكم العقل وسيطرته، لأن الشهوات لها مكانها في الطيعة الإنسانية، ووقف الرواقيون على الضد، فاحتقروا الأهواء واعتبروها مخالفة في جوهرها لمنطق العقل مطالبين باجتثاثها وإبادتها بقدر الإمكان[17]. ومن أجل ذلك وضعوا الحكيم في صورة مثالية إذ أصبح في نظرهم أشبه الناس بشخص معصوم، يتقن كل أفعاله، لا سلطان للأهواء عليه، فلا يتأثر بشيء "لا يحس ألمًا، ولا يستشعر شجنًا، ولا يعرف همًا، ولا يساور قلبه وجل ولا أسف ولا رجاء، هو الغني من غير مال، والملك من غير مملكة، إنه بالإجمال الفرد العالم الذي يحيط بكل فن ويتقن كل صنعة ويعلم الأمور الإلهية والإنسانية جميعًا"[18]. وستتضح معالم الأخلاق عند الرواقيين بصورة أعمق إذا تكلمنا عن الصلة في مذهبهم بين الطبيعة والعقل. الصلة بين الطبيعة والعقل: إذا كانت الطبيعة تتجه إلى غايتها بلا شعور في الجماد والنبات، وبالغريزة والشعور في الحيوان، فإنها تتخذ في الإنسان طريقًا آخر هو العقل، فهو أكمل الطرق لتحقيق أسمى الغايات، ووظيفة الإنسان "أن يستكشف في نفسه العقل الطبيعي وأن يترجم عنه بأفعاله، أي أن يحيا وفق الطبيعة والعقل"[19]. ولذا أطلق زينون عبارته المشهورة "الحياة وفقًا للطيعة" ومعناها أولًا أن يعيش الإنسان على وفاق مع العقل، فاستخدم لفظ الطبيعة مرادفًا للقانون الكبير الذي يحكم العالم، ومن ثم فإن سعادة الإنسان تتحقق إذا عاش وفيًا للطبيعة الكلية، ويوضح لنا هذا التفسير العبارة التي قالها أحد الرواقيين: "كل شيء يلائمني إذا لاءمك أيها العالم. وما جاء في الوقت الملائم بالنسبة إليك، فليس متقدمًا ولا متأخرًا بالنسبة إلي، وكل ما جاءتني به فصولك أيتها الطبيعة فهو تارة عندي، كل شيء يأتي منك، وكل شيء فيك، وكل شيء يعود إليك"[20]. الطبيعة إذن بمعناها في العبارة الآنفة الذكر هي قوانين الوجود، وبمعناها الضيق المتصل بسلوك الإنسان هي العقل، وهما أمر واحد في نظر الرواقيين "لأن العالم يسير وفاقًا لقانون العقل، والإنسان الذي يتبع طبيعته العاقلة يتشبه بالعالم الأكبر، والإنسان لا يملك عصيان قوانين الوجود، ولكنه ككائن عاقل - هو الوحيد الذي يطيع هذه القوانين عن وعي وتعمد وإدراك، ابتغاء تحقيق السعادة"[21]. ولكن كيف تتحقق هذه السعادة؟ وللإجابة على هذا السؤال علينا أن نتبين: أولًا: الطريقة التي رأوا اتباعها لتحرير النفس من أوهام الأحكام. ثانيًا: التمييز بين الإحساس الجسماني والموقف النفساني. وفيما يتعلق بالشق الأول، فإنهم نظروا إلى الشرور نظرة ذات شقين: إحداهما باطنية كالخطأ وزعزعة الإيمان والأسفل والندم والحزن والجهل. وخارجية: كالفقر والرق والمرض والبؤس والإهانة والأذى والتشهير. وعالجوا المشكلة علاجًا عقليًا إذ ذهبوا إلى أن الأشياء الخارجية لا تؤثر بذاتها فينا ولكن المؤثر الحقيقي هو الاستعداد النفسي الذي يجعلنا نحكم عليها لنصفها بالحسن أو القبح بالخير أو الشر، وهذه الأحكام هي سبب شعورنا بالسعادة أو بالشقاء. ولكي نحقق السعادة علينا أن نتحرر من أوهام الأحكام بواسطة إرادتنا. مثال ذلك ما حدث لسقراط الذي أقدم على الموت بلا مبالاة، ويوضح لنا موقفه بقوله "إن الذي يصيب الناس ويؤثر في حياتهم ليست هي الأشياء نفسها، بل آراؤهم عن الأشياء، فلو كان سقراط يرى الموت شرًا لوقع الرعب منه في قلبه، لكن سقراط لم يكن يرى الموت شرًا، فأقدم عليه غير مبال"[22]. ثانيًا: ولكن الانفعالات المتولدة في النفس أمر خارج عن سلطان وللإرادة أو الأحكام العقلية، كاللذة والألم أو الخوف أو الرجاء، هذا هو الاعتراض الذي شغل الرواقيين، إنهم يقرون بأن الانفعالات النفسية هي حجر عثرة في طريق السعادة، وفي سبيل تذليل هذه العقبة فرقوا بين الإحساس الجسماني الذي لا قدرة لنا عليه، وبين الموقف النفساني الذي نتخذه عقب الإحساس وهو يتصل بقدرتنا وإرادتنا. ومع الاعتراف بأن الألم يصيب المرء فيحتمله تارة ويضنيه أخرى، فإن هذا يدل على أنه يستطع أن يقرر بحريته إذا كان من اللائق به الاستسلام للألم. ويسري على باقي الانفعالات كالحزن والخوف وغيرها ما يسري على الألم. وعلاج المسألة في نظرهم بالرجوع إلى العقل الذي يوضح لنا أن أحداث الكون كلها ضرورية لأنها خاضعة للقدر[23]، والرجل الفاضل الحكيم هو الذي "يقبل طوعًا كل ما يأتي به القدر من أحداث، حتى المصائب والنكبات، معتقدًا أنها داخلة في النظام الكلي والقضاء الإلهي"[24]. ولعل أفضل مثال يوضح لنا تصورهم لتحقيق السعادة - ما قاله أحدهم وهو أبكتيتوس[25] - وكان يعمل بما يقول كحال أكثر الرواقية، إذ روي عنه أنه قال: "إذا قدر لي أن أموت فلن أجد في الإقدام على الموت ما يدعو إلى التأوه والتألم، وإذا قدر لي أن أزج إلى السجن فلن أذهب إليه باكيًا منتحبًا، وإذا قدر لي أن أعاني مرارة النفي فلن أذهب إلى منفاي مكتئبًا متخاذلًا وإذا طلب إلي طاغية أن أفشي سرًا وهددني بأن يقيدني بالأصفاد، قلت له إنك تقيد ساقي ولا تملك أن تمس إرادتي بسوء وإذا أرسلني إلى السجن أمكنك أن تتحكم في جسدي دون أن تمتد قدرتك إلى نفسي، وإذا أنذرتني بفصل رأسي عن جسدي قلت لك ساخرًا: أنا الإنسان الوحيد الذي يستحيل قطع رأسه"[26]. نقد الرواقية: إن طريقة حياة الحكيم الضابط لنفسه كما يريدها أهل الرواق تدخل في روعنا صورة كائن صناعي متضخم العقل على حساب الروح والعاطفة، وليس الإنسان كذلك بل هو مزيج من العقل والوجدان والعاطفة، ولا تتحقق سعادته الأرضية إلا بالموازنة بين هذه العناصر لتتحقق الوسطية بينها فينتج عنها السعادة، وهو المنهج الذي رسمه الإسلام بتشريعه المحدد للسلوك الإنساني في دائرة "الحلال" دون "الحرام" مستجيبًا لدواعي الفطرة في الإنسان وضابطًا لنوازعها بلا تفريط ولا إفراط. ومما يقرب إلينا فهم ميزة الإسلام في هذا الصدد أن نتدبر العبادات ودورها في تقويم السلوك وتربية الضمير، وأهمها الصلاة قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45] وفي دور الصلاة واستيعابها لحياة المسلم اليومية يقول الشيخ محمد الراوي "إن القرآن العظيم جعل الإنسان دائمًا مرتبطًا بالواجبات منوطًا بالتبعات وهو يرسم له في يومه الذي هو وحدة زمنية متكررة منهجًا يستوعب اليوم كله، واليوم عنده يبتدئ من مطلع الفجر الصادق حيث تقام الصلاة ويلتقي الناس على ذكر الله، وهو يطلب دائمًا أن يكون اليوم أفضل من الأمس، ومن استوى يومه بأمسه فهو مغبون. وهكذا فإن المنهج اليومي بالنسبة للصلاة خمس فرائض، أولاها تبعثه من نومه وتوقظه، وآخرها تودعه إلى مرقده وتحفظه، وثلاث تأتي في وسط النهار وآخره، تمتزج مع السعي ونتائجه فتستقيم بها حياة الروح والجسد، وبهذا الامتزاج تنشأ آداب السلوك التي تضبط كل حركة من حركات الإنسان بضابط الخلق ورقابة الضمير"[27]. إن الإسلام إذن بعقيدته وعباداته - وأهمها الصلاة - يصحح لنا الموقف الأخلاقي للرواقية، فقد صورت لنا هذه المدرسة الإنسان الحكيم وكأنه معصوم من الوقوع في الزلل والخطأ فأين نجد هذا الإنسان في حياتنا اللهم إلا في أشخاص الرسل والأنبياء؟ وحتى هؤلاء، فقد خاضوا حياتهم كاملة ولم يكتفوا بحياة التأمل والنظر في النفس وضبطها - بل حملوا الرسالات التي ناءت بها كواهلهم على ثقلها، مع تميزهم أيضًا بأفضل الأخلاق وأحسنها. خاتمة: من الحق أن يقال: إن البحث الأخلاقي عند اليونان لم يكن بدءً غير مسبوق بمقدمات تسلم إليه، فإن في حكمة الشرق الضاربة في أغوار الماضي السحيق اتجاهات أخلاقية واضحة المعالم، في تراث مصر والهند والصين واليابان صور مختلفة من التفكير الأخلاقي الأصيل نبتت في ظله فلسفة الأخلاق في أعمق اتجاهاتها[28]. ونحن نرى أن الرسالات السماوية قامت على الدعوة - بعد معرفة الله تعالى وتوحيده وتطبيق شرعه - إلى مكارم الأخلاق ومعاليها. لذلك فإن النتائج الأخلاقية الصحيحة للفلاسفة ما هي إلا صدى بعض رسالات الرسل والأنبياء. رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/48382/#ixzz32yzyUVmC |
![]() |
![]() |
#2 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
الفلسفة الرواقية قريبة من الفلسفة البوذية التي تولّد عنها فكر الزهد والتصوف, ويبدو أن زينون وغيره من الرواقيين متأثرين بالفلسفات الشرقية الأقدم منهم, وفي هذه النقطة هي على طرف نقيض مع الفلسفة الأبيقورية القائمة على أن الخير في اتباع المتعة والشر في الألم.
يقول الرواقيون أن الحياة يجب أن تعاش وفق الطبيعة, لكنهم لم يفسروا ما يقصدون بالطبيعة. المعرفة عند الرواقيين معرفة حسية، وهم بهذا يشبهون "جون لوك" وأن المعرفة آتية من الحواس والإنسان يولد ورقة بيضاء بلا عقل. وهذه نظرة مادية متناقضة مع فلسفة الزهد ومتناقضة مع الأخلاق, لأن اعتبار الحواس هي المصدر للمعرفة والأخلاق عندهم مبنية على معرفة؛ إذن الأخلاق مادية ونتيجة مصالح –حسب هذه الفلسفة- ! وعلى هذا الأساس المادي: من أين جاء رفض المتعة واللذة ما دامت المعلومات كلها مادية؟ هذه النظرة المادية تناسب الأبيقوريين، وتناسب الأبيقوريون الجدد من الملاحدة في هذا العصر, الذين ينظرون أن كل شيء مادة، وأن المتعة هي التي تحدد علاقتنا بالمادة، وما الأخلاق إلا نتيجة للمتعة والمصلحة! أما ما يقال أن مصدرهم الثاني للمعرفة وهو التصورات الكلية المأخوذة من عدة تصورات حسية، فهم اعتبروه مصدراً ثاني بينما هو نتيجة للمصدر الأول، فلو انعدمت الحواس لانعدمت المعرفة, وهذا غير صحيح, هذا الكلام ينطبق على المعرفة المادية فقط لكن لا ينطبق على المعرفة المعنوية, لأن المولود الصغير يعرف معنى الابتسام والعبوس ومعنى الوحشة والألفة وغير ذلك, وهذا من أين حصل عليه؟ هناك شيء اسمه شعور فطري في الإنسان هو أساس المعرفة وهو أساس العقل, وما الحواس إلا رابط له بالعالم الخارجي, وهو أساس الحواس أيضاً وليست الحواس أساسه, فالحواس تنقل إليه, وهو الذي يقيّم ما تنقله الحواس, وإذا كان الشعور منشغلاً بشيء آخر فإن الإنسان لا يستفيد من الحواس في تلك اللحظة. ليس كل ما تقدمه الحواس نعرفه، فالمسألة ليست كاميرات أو آلات تسجيل, هذا غير أننا نعرف ما لم تقدمه الحواس، بدليل أننا ندفع الحواس للمعرفة من دون أن نأخذ إشارة من الحواس, فأكثر ما نفعله من قراءة أو اطلاع أو تفرج على التلفاز هي عملية حث للحواس، لا أن هذه الأشياء وقعت على حواسنا ثم بحثنا عن معرفتها، فالبداية كانت منا, بدليل أن الطفل يحرّك عينيه ويبحث هو عن شيء ليراه, فهو يبحث عن أشياء يريد أن يراها، لا لكي يرى أي شيء. المعرفة غاية عند الإنسان في فطرته وليس أنها سقطت عليه بالصدفة من خلال الحواس, بدليل أن من يفتقر إلى بعض الحواس تجده يعوّض. لو كانت الحواس هي مصدر المعرفة لعرف المجنون ذو الحواس الكاملة مثلما يعرف السليم عقلياً, كذلك الحيوان الذي عنده حواس أدق من حواس الإنسان! يقول زينون الرواقي أن مراحل المعرفة هي: أفكار حقيقية – تصديق – فهم – علم السؤال: كيف يكون التصديق يسبق الفهم؟! ثم ما هو العلم إذن؟ وهل ما يُعرف إلا الأفكار الحقيقية؟ هناك معرفة تقوم على أفكار غير حقيقية أيضاً! ثم ما أسموه بالعلم هذا تطبيق واستفادة؛ لأن العلم تم بحالة الفهم. وفيما يلي اقتباسات من مقال يتحدث عن الفلسفة الرواقية مع تعليق عليها: اقتباس: ((يسعى المنطق الرواقي إلى أن يحدد تضمن الحوادث وفقا للحقيقة ولا يهتم بدراسة دمج التصورات بعضها إلى بعض. فالقضية عند الرواقيين ليست حكما حملياً تسند محمولات إلى موضوع نحو(الغزال حيوان) بل هي قضية تعبر عن حوادث (الشمس ساطعة) أو (السماء ممطرة)، بمعنى آخر، القضية عند الرواقيين هي صدور فعل عن فاعل (سقراط يتكلم) وليست وضع نسبة بين معنيين كما هي حالها عند أفلاطون وأرسطو. فالاستدلال الأرسطي يقوم على دمج مفاهيم في نموذج معروف: (كل إنسان فان ـ سقراط إنسان : سقراط فان). أما الاستدلال الرواقي فيستند أساسا إلى تضمن العلاقات الزمانية: (إذا كان في ثديي هذه المرأة حليب، فذلك لأنها ولدت). هكذا أحل الرواقيون منطق اللزوم أو الاستتباع مكان منطق التلازم أو الاستغراق. فمعرفة العلاقات الزمانية وروابط الضرورة بين مقدم وتال هي المهمة الأولى للإنسان الذي يريد أن يعيش وفق العقل أي وفق الطبيعة. هنا نجدنا أمام فكرة القانون بدلاً من فكرة الماهية. )) التعليق: هذا يعني أن كل من الرواقيين وسقراط عندهم نقص في الإحاطة تشمل كلا الحالتين, فكلا الوضعين موجود في الواقع. بشكل عام نظرتهم للمنطق سطحية, فتقسيمهم للمنطق على أنه ديالكتيك أو خطابة هي نظرة للشكل أكثر من المضمون, بينما أرسطو ينظر لمضمون المنطق أكثر. يبدو أن الفلسفة الرواقية تقبل الأشياء كما هي، لهذا تبنتها الدولة الرومانية؛ لأنها تساعد على إخضاع الناس وقبول الواقع, والفكرة تسربت أيضاً إلى الفكر الديني لاحقاً, مثلما ظهر في بني أمية فكرة الجبرية. اقتباس: ((شعار الرواقية كما قدمنا هو العيش في وفاق مع الطبيعة، فإذا كان الحكيم لا يستطيع أن يغير من سنن الكون شيئاً فبوسعه أن يتقبل بكل الرضا جميع ما يحمله قدره إليه فلا يجزع أو يحزن على أحد مهما كانت صلته به، وبوسعه أن يستأصل من نفسه كل ما يخالف منطق العقل من ألم وخوف وأوهام. لكن ما هو حيز الحرية المتروكة للإنسان أمام هذه الجبرية المطلقة؟ ألم يسخر الأبيقوريون مما يراه البعض قدرا وأن الإنسان نفسه هو سيد هذا العالم ولا سيد له؟ الانفعال إذا هو الصادر عن رضا النفس أو نفورها بإزاء إحساس ما أو حدث ما. فليس حكمنا بأن موت الصديق مصيبة هو الذي يحرك النفس بل حكمنا أنه من اللازم أن نحزن لهذا المصيبة، فإذا أردنا أن نستبعد الحزن وجب أن نستبعد هذا الحكم الأخير. ينقل عنهم شيشرون: (( كيف لا نقوم بأحكام خاطئة؟ لقد علمونا ذلك منذ طفولتنا. إذا ما تعثرنا بحجر وبكينا تنهال المربية التي تعلمنا المشي بالضرب على الحجر بدلاً من أن توبخنا. إيه ربي، ما ذنب هذا الحجر المسكين؟! هل كان عليه هو أن يخمن أننا سنتعثر به وأن يغير مكانه؟! عندما نصبح كباراً ونكلف بالوظائف نجد أنفسنا كل يوم أمام أسئلة مشابهة. هو ذا السبب في أننا نعيش ونموت أطفالاً(...) ندعو في الحياة طفلاً من لا يعرف كيف يعيش ولا يمتلك آراء سليمة )) التعليق: فكرة عدم الفرح وعدم الحزن لأي حدث فكرة تخالف الطبيعة البشرية، في حين أنهم ينادون بالالتزام بنظام الطبيعة, لكنهم ينظرون للطبيعة المادية ولم ينظروا للطبيعة الإنسانية بأي نظرة, وهذه الفكرة الرواقية أيضاً نجدها تتسرب إلى بعض المفكرين والشعراء كما قال المتنبي: أنا لا أرى الأحداث مدحاً ولا ذماً ورددها المعري كثيراً في مثل قوله: غير مجدٍ في ملتي واعتقادي *** نوح باكٍ ولا ترنم شادي كل الفلسفة اليونانية والغربية هي محاولات للتأقلم مع عدم فهم الإنسان, هم لم يفهموا الإنسان بل يدورون حول الإنسان, كل الحكمة القديمة والحديثة والفلسفة تدور حول الإنسان وليس داخله. حتى فلسفة أرسطو في المنطق الصوري هو وصف، لكنه لا يذكر لماذا ولا من أين جاء. هؤلاء فلاسفة ظواهر الإنسان وكيف نتعامل معها, أحدهم يقول: اكبتها، وآخر يقول: أطلقها، فالرغبات مثلاً أحد يقول اكبتها وأحد يقول أطلقها, وتستطيع أن تقسم هذا على كل الفلاسفة. المعرفة نفسها بعضهم يقول أنها موجودة على شكل ذاكرة في ملفات الإنسان، مثل سقراط، وأن التعليم عبارة عن تذكير, وبعضهم يقول: كلا بل يولد ورقة بيضاء والحواس تطبع فيه. وهذا كله وصف من الخارج ولا أحد منهم يؤصل من داخل الإنسان. لهذا اقتضت الحاجة لدراسة الشعور الإنساني، وهو مصدر معرفة الإنسان, هم يدورون حول سلوكات الإنسان وحركاته، لكن السؤال: أين مرجعها؟ وهنا يبدأ الاختلاف. يتعاملون مع الإنسان كأنه فراغ في داخله, والحقيقة العكس تماماً, هو من الداخل يطبع على الخارج، قال تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} وقال: {علّم الإنسان ما لم يعلم} , بينما هم لا يؤمنون أن الإنسان يفهم من نفسه ويحكم على الخارج. كل هذه نظرات مادية, الفلسفة اليونانية مغرقة بالمادية, بل إن نصفها يعتبر مادياً خالصاً كالفلاسفة الذريين، والنصف الآخر من يسمون مثاليين، هم عقلانيون، والعقلانية بنت المادة أيضاً! فالغرب ليس مادياً من الآن بل من الأساس. اقتباس: ((السعادة نتيجة للفضيلة، والفضيلة كائن حي، فهي من حيث الماهية بالفكر تكون، لنقل أنها رصانة عقلية. يقول ديوجينس اللارسي: (( إن من أغضبك ليس ذلك الشخص بل رأيك أنت، فاسع قبل كل شيء ألاتترك نفسك تنجرف مع خيالك، لأنك إذا ما تمهلت وترويت سيسهل عليك أن تكون سيد نفسك)). أما أبيكتيتوس فيتساءل قائلاً: (( ماذا يجعل الطاغية مخيفاً؟)) يتابع: ((إنهم أصحابه وأتباعه المسلحون بالسيوف والرماح. لكن الطفل يقترب منهم دون أن يخافهم. لماذا؟ لأنه لا يعرف الخطر. وأنت عليك ألا تعرفه وتزدريه)). التعليق: وهذا ما ظهر في فلسفة "جان جاك روسو" الذي يقول: دع الطفل يفعل ما يشاء ويتعلم من نفسه ولا تخوفه من شيء. وهذا ينم عن جهل عما في داخل الإنسان, هو لا يريد معاناة الخوف لكن داخل الإنسان يريد أن يخاف لكي يبقى، والخوف أكبر مؤثر في الإنسان. ثم كيف تمسح المعرفة؟؟ هو يتصور أنها تمسح, لا يمكن أن تمسح معرفة عرفها الإنسان من شعوره، مع أنه قد تمسح معالمها المادية من عقله؛ لأن الشعور لا ينسى. مشكلة الفلاسفة عدم معرفتهم بالشعور، فمعرفة الشعور وقوانينه تنسف كل الأبحاث التي تريد أن تفهم الإنسان من خارج الإنسان, كل الفلسفات قديمها وحديثها تشبه محاولات الوصول إلى مدينة لكنها لم تنجح, فلسفة المنهج الطبيعي الإٍسلامي هي الوحيدة التي وصلت إلى المدينة أو على الأقل دخلت مشارفها. اقتباس: ((فليس حكمنا بأن موت الصديق مصيبة هو الذي يحرك النفس بل حكمنا أنه من اللازم أن نحزن لهذا المصيبة، فإذا أردنا أن نستبعد الحزن وجب أن نستبعد هذا الحكم الأخير. )) التعليق: الرواقية تنظر للمشاعر الإنسانية على أنها أفكار مستقاة من الآخرين، وهذا وهم كبير , لأن المشاعر من الشعور الفطري الموجود عند الجميع, هو لا يريدك أن تحزن إذا مات صديقك على اعتبار أن الفكرة السائدة تقول عليك أن تحزن! هذا يدل على أنهم يتصورون الإنسان كعقل فقط فيه معلومات، وليس له شعور خاص ومشترك بين الجميع, كل ما عليك أن تزيل هذه الفكرة حينها سترتاح من الحزن على صديقك! لكن السؤال لهم: لو وضعنا مكانها فكرة أن نفرح لموت صديقنا؟! هذا منسجم منطقهم! وبالتالي تقيم حفلة راقصة لموت صديقك لأنك غيرت الفكرة!! و هذا الأساس الرواقي نجده عند جماعة البرمجة العصبية, التي تنادي بتغيير الأفكار بطريقة البرمجة. كل هذا سببه عدم معرفة أن للإنسان شعور مشترك لا يتغير, والدليل هو فشل كل هذه الأفكار والفلسفات بتغيير الإنسان. هؤلاء لم يسألوا أنفسهم إذا كانت هذه أفكار, من الذي أخرجها؟ من الذي أوحى للناس احزنوا إذا مات صديقكم ونشرها بينهم بهذه الدرجة؟! اقتباس: ((عند الرواقيين السعادة ليست فردية ولا يمكن لها أن تكون كذلك بل هي جماعية، فما ليس بنافع للخشرم (جماعة النحل) ليس بنافع للنحلة. فالاجتماع الإنساني هو بحد ذاته موافق للطبيعة وهو صادر عن الأسرة التي هي جماعة طبيعية بامتداد التعاطف إلى خارج نطاقها. أما الأعراف والقوانين المختلفة بين الشعوب فهي عرفية بحتة ولا ينبغي أن يقف التعاطف بين الناس عند حد ولا أن يتفرقوا مدنا وشعوباً فجميعهم أخوة وليس بينهم أسياداً أو عبيداً. وعلى الحكيم الرواقي بالتالي ألا يعلن نفسه مواطناً أثينياً وحسب بل مواطناً في العالم أجمع. هنا تكرس الرواقية مفهوم المواطنة العالمية وتسجل نقلة نوعية لمفهوم المساواة)) التعليق: النظرة إلى أن السعادة لا تكون إلا جماعية ولا تكون فردية، وبناءً على ذلك تعظيم الأسرة والمجتمع وتشبيهه بالنحل، هذا يشير إلى الفلسفات الشرقية خصوصاً الكونفوشية, مع أن الواقع لا يؤيد هذا الكلام, فقد يكون الفرد سعيداً في وسط مجموعة شقية وقد يكون مطمئناً في وسط جهلة كما كان الأنبياء. كل ما سبق يجعل الرواقية مناسبة للطبقات الحاكمة، يؤيده فكرة عدم الفروق بين الناس كي تناسب دولة تجمع شعوباً متعددة كروما، وتحاول صهرهم في بوتقة رومانية واحدة. وكانت الرواقية مؤهلة للتسلل إلى أي تدين سياسي كما كانت مناسبة في أصولها في الصين والهند. .................................................. ....... أما بالنسبة للمنطق الصوري فوجدت هذا المقال الذي يتحدث عنه على هذا الرابط http://www.ta5atub.com/t9141-topic التعليق: لماذا فقط هذه البديهيات الثلاثة للعقل؟ والتي هي أًصلاً مأخوذة من الشعور, هناك غيرها الكثير ولا يقل عنها قيمة, وكيف يفصل الشيء عن غيره إلا بمجموعة من القوانين؟! ما ذكره أرسطو هو عبارة عن قانون واحد في الحقيقة، فالقانونين الثاني والثالث هما عن بعض حالات هذا الشيء, أيضاً الشيء نفسه قد يكون مفرداً وقد يكون مركباً أو قد يكون مجموع مركبات, مفرد مثل طالب، ومركب مثل فصل، ومجموع مركبات كمثل كلية، وهكذا.. وهل الشيء الواحد واحد فعلاً؟ القلم هو قلم بالنسبة للكاتب لكنه عود من الحطب لمن أراد أن يشعل ناراً, أو وسيلة كأن يستخدم كسلاح! إذن لا يمكن أن يحدد الشيء تحديداً كاملاً إلا نسبياً. أيضاً الشيء لا يمكن أن يوجد إلا في وسط، لا يوجد شيء لوحده، وهذا من قوانين الأشياء. وأيضاً لابد من علاقة بينه وبين الأشياء, وهكذا الصفات لا تنتهي للموصوف الواحد, فلماذا حُددت بثلاث؟! مع أن هذه الثلاث صحيحة إلى حد ما. إذا كان العلم ممتداً فكذلك المنطق ممتد ولا قفل له, لأن المنطق عبارة عن علم ثابت تحوّل إلى مقاسات يعلم بها غيرها, وتستعمل في التفكير, والتفكير هو إٍسقاط المنطق على المعلومات, والمنطق نفسه عبارة عن معلومات قياسية. أرسطو لم يذكر من أين جاءت، أي من أين جاء فهمها، مما يدل على أنها معلومات عرفها الشعور وتكررت معرفتها له وثبتت بالتجربة. إذا أردنا أن نرجع لأساسات التفكير فليست هذه الثلاث قوانين أساساتها, بل الأساس {وعلّم آدم الأٍسماء كلها} أي من التمييز الذي هو من الشعور, فتأخذ الأشياء أسماءها ومن ضمنها هذا الشيء الواحد. دون تمييز لا تستطيع أن تفكر؛ لهذا الحيوان لا يفكر إلا في ما يميّزه وهو ما يتعلق بغرائزه, فلما أعرف أن هذا شخص وهذا هواء وهذه شجرة...الخ, بعد هذا أستطيع أن أفكر, والتفكير قائم على الميزات, فهذا إناء مجوف وغير مسرِّب إذن أستطيع أن أضع فيه الماء, لأنني ميزت صفاته, قال تعالى: {وعلّم آدم الأسماء كلها} الأسماء هي الذوات والأساسات, الحيوان لم يعلّم الأسماء؛ لذلك لا يفرق بين الذوات إلا ما له علاقة بغرائزه, لهذا الحيوان لا يفكر مثل الإنسان. وقوانين أرسطو تنطبق على الحيوان فيما يتعلق بغرائزه، فالقط ينظر إلى جسم صغير يتحرك ويقول: إما أن يكون فأراً أو لا يكون, فإذا عرف أنه فأر عرف أنه لن يكون كلباً أبداً ولا قرداً ولا دباً, أي لا يكون الشيء نقيضه, أي عرف أن (أ) هو (أ) , بدون هذه البديهيات لا يستطيع أن يعيش لا الإنسان ولا الحيوان. إذن أساسات المنطق الصوري لم تميّز الإنسان عن الحيوان, والذي يميزه هو أن الإنسان يستطيع أن يميز ما ليس له علاقة بحياته على خلاف الحيوان. وهذا الذي يصلح أساس التفكير عند الإنسان، وليس القوانين الثلاثة. هذه ميزة خاصة لآدم أنه عُلّم الأسماء كلها, فالأسماء تعني الذوات المفصولة عن بعضها, لهذا أهم شيء في دراسة أي لغة هو الأسماء، أما الباقي فتوابع لها كالأفعال والحروف, واللغة ما هي إلا عبارة عن موصلات للأسماء مبنية على المنطق اللغوي العام. وكل اسم يحمل الصفات في داخله وإلا لم يعط اسماً لولا ميزاته, انظر إلى تدرجات أسماء الرياح والهواء في اللغة أو أسماء مراحل نمو الإنسان أو الحيوان ... وهكذا, كل اسم مبني على تمييز, إذن علم الله آدم التمييز العام مثلما علم الحيوان التمييز الخاص. والقرآن دائماً هو المرشد الحقيقي الذي لا يخطئ لمعرفة الإنسان والحياة. لاحظ أن أول قانون وضعه أرسطو هو الهوية والذي يشير إلى التمييز وإلى {وعلم آدم الأسماء}. |
![]() |
![]() |
#3 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
من مدونة الوراق دفاعًا عن المنطق واحترامًا لعقولنا - لا دفاعًا عن الإلحاد والعلمانية الدنيوية، ولا تهجمًا على الإيمان والدينية الآخروية .. قلتم: (( ولاحظ أن البهائم لا تجد فرقاً بين الخير والشر وهذه من أسس الإلحاد والعلمانية الدنيوية ، فانظر إلى دقة التشبيه.)) !! وهل ترى أن هذا منطق إله؟ .. أن يُشبِّه بالبهائم أناسًا هو الذي خلقهم لعبادته ..، وهو الذي كرمهم في آية أخرى!! ألا ترى أن هذا منطق بشري؟ أليس الصانع مسئولاً عن صناعته؟ أم أن إلهكم ليس قوة مطلقة، إنما هو كائن بشري مثلنا؟ أليس الذي جعل البهائم لا تجد فرقًا بين الخير والشر، هو ذاته الذي جعل الملحدين العلمانيين لا يجدون فرقًا بين الخير والشر – حسب زعمكم وفهمكم للخير والشر؟ يعني تقصدون أن البهائم قد تصنع يومًا واقعًا مثل واقع الإلحاد والعلمانية الدنيوية الذي صنعه البشر الجهلاء في هولندا والسويد وسويسرا وأمريكا وكندا .. الخ .. وأن الملحدين والعلمانيين قد يعقلون يومًا ويصنعون واقعًا إنسانيًا إيمانيًا آخرويًا مثل الواقع الإيماني الإسلامي الذي مازال يصنعه البشر العقلاء في العراق وسوريا منذ عهد معاوية وعلي والحسين وإلى يومنا هذا ..، والواقع الإنساني العقلاني في اليمن وأفغانستان والصومال ولبنان وليبيا ..، أو باختصار في كل بلاد البشر العقلاء الذين قادتهم عقولهم أو بالأصح قادهم السيف وحد الرِدَّة فأصبحوا بفضل الله مؤمنين مسلمين عقلاء .. يعني تقصدون بسلامة إيمانكم الذي هو دليل سلامة عقولكم وفهمكم أن الإنسانية والعقلانية واللا بهيمية هي ما فعله ويفعله المسلمون منذ عهد رسولهم إلى عهد طالبانهم وبوكو حرامهم والقاعدة وأبناؤها من أنصار شريعة وداعش وغيرها ، من كسر لخواطر الناس بسبي نسائهم وأطفالهم وقتل رجالهم واختطاف غافلين وطائرات وتفجير مؤسسات .. لإكراه العلمانيين والملحدين على دخول الإسلام كي يتحولوا إلى بشر عقلاء .. أفسحوا المجال يا أخي أمام عقول المؤمنين كي تعمل بحرية، وارفعوا عن رقابهم سيف الردة وسياط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتهديد والوعيد في كل جمعة وكل مناسبة وكل مادة تربية إسلامية ..، توقفوا عن تلويث فطرة الأطفال بتخويفهم بالنار وإغرائهم بالجنة .. دعوهم أحرارًا حتى يبلغوا سن الرشد ثم اعرضوا عليهم إيمانكم .. ودعونا نرى كم سيتبقى من المؤمنين المسلمين؟ لا تقل لي إن الإيمان أو الإسلام ليس مسئولاً عن سلوك الغاب البهيمي الذي يتميز به المسلمون على مر تاريخهم .. وصولاً إلى سنة السبي الحميدة التي تطبقها بوكو حرام اليوم في نيجيريا بسبي الطالبات من مدارسهن والفتيات الصغار من بيوتهن لبيعهن وتزويجهن للمجاهدين رغمًا عنهن .. إذا تسمم الكل وقد شربوا من ذات الإناء، فمن التغابي والوهم والعبث تبرئة الإناء واتهام كل الأمعاء !!! الرد : البهائم أفضل سلوكا ، لأنها لا تخرج عن فطرتها ، ولا تدمّر البيئة، ولا تنادي بالشذوذ, ولا تحرم غيرها من الحياة الحرة الكريمة, ولا تعبث بمصائر الشعوب, ولا تكيل بمكيالين, وليست أفضل خلقة و غاية, أليس هذا شيئا واقعيا عند الحيوان؟ هل هذه الدول التي تمدحها فعلت هكذا ؟ أم أنها دول الإمبريالية والاستعمار و الراسمالية البغيضة والعنصرية واحتقار الشعوب ؟ هل البهائم تفعل هكذا ؟ كن عِلمياً .. ألم يكن بإمكان هذه الدول أن تكون مصدرا للخير و السلام؟ لا مصدرا ومسوقا للأسلحة الفتاكة وأجهزة التعذيب والتصنت؟ و أنا هنا لا أدافع عن كل من ينتسب إلى الإسلام، ولا أهاجم كل من ينتسب للغرب و الإلحاد, بل في المسلمين من هو احقر سلوكا .. والاية تنطبق على كل من خالف أوامر الله حتى من المسلمين وكل من لم يجد فرقا بين الخير والشر وكل من كانت الاطماع واستغلال الآخر هي هدفه، لأن الأنعام لا تفعل هكذا ولا تفسد الارض ولا تمتلك اقوات غيرها. بل لا تجد حيوانا يستغل حيوانا آخر أو يمنع عنه غذائه وشرابه, والأسد ليس ملكا للغابة كما يسمى ظلما, فهو يتصرف بغيره فقط يأكل ليعيش. أيهما أفضل : مجتمعات دول الغرب أم مجتمعات النمل أو النحل ؟ الأقل ضررا لغيره وللبيئة هو الأرقى منطقيا. ثم على ذكر الحيوان : ألستم أنتم من ينادي بحيوانية الانسان وأن الإنسان قرد مطوّر؟ وأن مرجعكم هو ما يفعله الحيوان؟ ما الذي تغير؟ المفروض أن تفرح كما يفرح داوكنز الملحد إذا قيل أنت حيوان! و يطرح سؤال مهم عنده لمن يسجل في منتداه هل أنت إنسان أو حيوان حتى يميز بين الملحد والمؤمن! حتى إنكم تبحثون عن الشذوذ الجنسي عند الحيوان حتى يكون مشرعا؟ انتم من جعل الحيوان مصدر التشريع و جدكم الاول . ثم : انت تتكلم عن الله بموجب فهمك العلماني، تتصور ان الله خلق الناس ليعبدوه وعجز عن جعلهم كذلك ! متناسيا أن الله خلق الناس وكرمهم وأنعم عليهم و أعطاهم حرية الاختيار والوعي، واعطاهم حرية التفريق بين الحسن والقبيح ، و ارسل اليهم الرسل، ليهلك من هلك عن بنية، وينجو من نجا عن بينة، و بحرية اختيار كاملة دون إلزام. فكيف تكون هذه الفكرة بشرية؟! الأفكار البشرية تريد أن تلزم, والقرآن يقول {لكم دينكم ولي دين}, مثلما العلماني يريد ان يلزم الناس بعلمانيته ويفرض عليهم تنحية الدين, لأن فكرته بشرية. الإنسان الشرير أسوأ من البهائم في سلوكها ويفسد الحياة حتى على البهائم، وهذا شيء منطقي ولا تستطيع أن تثبت خطأه. أما كيف أصبحوا أضل من الأنعام، فلأنهم اختاروا العمى على الهدى والشر على الخير، وتكبروا على الحق. ويشبهون البهائم بأنها لا تهتم إلا بأكلها ونومها وغرائزها، ويزيدون عنها سوءا في أنهم يفسدون ويخالفون الفطرة ويعتدون على غيرهم بطرق مباشرة او ملتوية. هذا كله منطقي وواقعي، ولا تستطيع أن تخطئه {ويكتمون الحق وهم يعلمون}.. وصدق الله حين قال (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس) ولم يقل غير المسلمين، فمن المسلمين من يفسد أيضا لأن روحه علمانية داخلة في الدين, ففساده من علمانيته لا من دينه. مليار حيوان بحري يموت سنويا فقط بسبب اكياس البلاستيك .. هذا غير ما يموت بسبب النفايات الكيميائية والتلوث الهوائي والمائي والذري وتلوث التربة ، هذا غير ضحايا الحروب والاسلحة الفتاكة وعوادم السيارات والجراثيم المصنعة لأغراض سوق الأدوية .. 50 مليون فدان من الغابات المطيرة تتدمر سنويا، بسبب الإسلام طبعا وليس بسبب الراسمالية المقيتة .. على مدى قرنين من الزمان : أكثر الحروب في العالم تقوم بها الدول الغربية ذات العلمانية و الالحاد بطريق مباشر او غير مباشر..لا توجد حرب ليس للغرب فيها طرف في العالم، هل يجرئك هذا أن تقول : أن العلمانية والالحاد سبب للشرور في العالم ؟ أم أنها لا تكفي ؟ الحضارة الغربية في القرن العشرين دمرت من الطبيعة ما لم تدمره البشرية منذ وجودها. ويبقى الاسلام هو المسؤول أما العلمانية فكلٌ يمثل نفسه وليست مسؤولة عن أي شر! وبعيد الشر عنها! يحيا الإنصاف العلماني الملحد! صاحب مبدأ "اكذب و اكذب حتى يصدقك الناس" .. السؤال: مادامت هذه الشرور من مسلمين تُرصد وتُنسب للإسلام, لو سألتك لماذا لقلت لأني أكره الشر! ولن تقول بسبب العنصرية ضد المسلمين, إذن عليك أن ترصد الشرور الأخرى وترجعها إلى مصادرها الدينية أو الأيديولوجية كما فعلت مع الإسلام, لكن الملحد لا يفعل هذا! إذن سقط الطرح من أساسه لعدم الإنصاف, مع العلم أن الشرور التي وقعت من غير المسلمين أكبر وأفظع وعلى مدى لتاريخ, لكنها شرور مجهولة الهوية! أما الشرور التي فعلها المسلمون فلا إنها معروفة الهوية وبالضبط! هل هذا عدل وأخلاق أو احترام للعلم والموضوعية؟ أم أنه تحدي سافر وكراهية مكشوفة وكيل بمكيالين؟ "عين السخط تبدي المساوئ" عليك أن تكمل بحثك الخيّر الفاضل عن مصادر الشرور الأخرى في العالم وتجمع الشرور التي أنتجتها العلمانية و الشرور التي أنتجتها الشيوعية والإلحاد والشرور التي أنتجتها اليهودية والشرور التي أنتجتها المسيحية وهكذا, لا أن تقف عند المسلمين فقط, وكأن غيرهم لم يفعل شرا قط! حتى يُحترم عقلك وتصدق في أنك تكره الشر! أما الانتقائية فهي عمل مستهجن وشر بحد ذاتها فكل انتقائية من الشر هي شر ولأجل الشر, ولا يوجد دين ولا فلسفة لم يقع أتباعها في أخطاء وشرور. أنت لا تنتقد المصلح السياسية التي تستغل الإسلام, ولا تششير إليها من قريب ولا من بعيد, مع أنك تعرف أن المصالح هي سبب الصراع دائما وليست الأديان, وما الأديان إلا غطاء مثلها مثل الحرية ونشر الديموقراطية وغيرها من المبادئ الفاضلة يجري استغلالها. و صدق جبران حين قال: أيتها الحرية كم من الدماء أريقت باسمك؟! أنا أمام شخص ذو قضية اجتماعية ليس إلا ، ولستُ أمام مفكر يقابل الفكر بالفكر, شواهده كلها ليست منطق ولا افكار ، بل وقائع منتقاة بعناية ومصخمة دون التعريج على أسبابها، يلخّص بها قصة حياة مليار من البشر و من كان قبلهم منذ ألف سنة و من بعدهم! أليس هذا ظلم؟ كل الاسلام هو عملية وقعت في نيجيريا أو نيويورك وانتهى الامر ! هل هذا طرح عقلاني يستحق الاحترام؟ متى كانت الانتقائية من العقل؟ هل أغلبية المسلمين وقعت منهم هذه الأشياء أم من أقلية ؟ لا شك أنها من أقلية نادرة، ألا تعلم أن اغلب المسلمين يرفضون مثل هذه الاحداث؟ وهم من ضحاياها ايضا ؟ تعرف ان الاغلبية ترفض و لم تشر إلى ذلك، و معهم أدلتهم من الإسلام . أنت تفرح بالشاذ من سلوك المسلمين وتريد ان تعممه على الجميع، وتجعل الاسلام مسؤولا عنه بدلا من المسلمين، عملية تبديل ادوار، لأنك تكره الإسلام فتريد أن تجعله هو المسؤول وتركض إليه بسرعة عند أي مشكلة تكون من مسلم، هل تركض إلى الإلحاد عندما يخطئ ملحد أو إلى العلمانية عندما يخطئ علماني؟ طبعا لا, إذن طرحك لا قيمة له و يعاد إليك بكامله لأنه غير مقنع لنقص احترام العقل والأخلاق فيه مقابل زيادة العنصرية والكراهية لأمة بكاملها هي من أكثر سكان الأرض! الفاعلين من المسلمين تبرئهم لأنم ضحايا الإسلام الذي غرر بهم! عندما قال: {لا إكراه في الدين}! هذه جريمته! عندما تقع هذه الأفعال من أقلية مسلمة و ترفضه الأكثرية المسلمة، فالنتيجة عندك أن الإسلام يؤدي الى العنف و الارهاب، معتمدا على راي الاقلية لا على راي الاكثرية. أما القرآن وهو مصدر الإسلام الأساسي فلا يأمر إلا بالعدل والإحسان, ولا يلزم أحداً بدخوله ولا بالبقاء عليه. قال تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، هذا هو الإسلام ، فهل طبّقه المسلمون؟ لو جاء منصف لقال : أكثرية المسلمين ترفض الإرهاب، اذن الاسلام يرفض الارهاب، بناء على الأكثرية, هذا يفعله صاحب النية السليمة والعقل العادي. اذن من يفعل مثل ما فعلت هو لا يملك نية سليمة ولا منطقا سليما. انت لم تناقش الاسلام في افكاره، انت تريد أن تحمّل الاسلام بعض السلوكات من اتباعه. ولو رايت سلوكا حسنا لتغاضيت عنه ولم تنسبه للاسلام, وتبحث عن السلوك السيء لتجعل الاسلام مسؤولا عنه وتبرئ ساحة المسلمين، وكأن المسلمين ليس لهم حرية اختيار بين الخير والشر ولا بين الحق والباطل، وكأن البشر آلات، ما صبغت بلون اخضر تستمر خضراء وما صبغت بلون احمر تستمر حمراء .. لو سالتك عن الملحدين قلت : فيهم وفيهم، أما المسلمين فكلهم فيهم! حتى المعتدل لا قيمة له عندك لأنه قد يتحول إلى متطرف في أي لحظة, لكنك لا تقول قد يتحول متطرف إلى معتدل في أي لحظة! فما أجملك وأنت تمارس الانصاف! لو اخبرتك عن الارهابيين الملاحدة لقلت : يمثلون انفسهم ، لو سألتك عن افعال ستالين وقتله 50 مليون بحروب دينية تحت راية "لا اله والحياة مادة" لقلت : هذا يمثل نفسه ولا يمثل الالحاد، ولو سألتك عن "مفجر الجامعات" الملحد تيد (كازنسكي) لقلت : يمثل نفسه ولا علاقة للالحاد ابدا بافعاله! بل حتى في كتاب Dying to win لروبرت بيب (دكتور في جامعة شيكاغو) يؤكد من خلال احصائيات ودراسات أن أكثر من قام بعمليات إنتحارية إرهابية خلال العقدين الماضيين هم نمور التاميل العلمانيون الملاحدة الماركسيون، أي أكثر من المسلمين، مع عدم المقارنة في العدد بين التاميل والمسلمين في العالم ، وفي أمريكا وحسب إحصائيات موقع FBI أن العمليات الإرهابية التي قام بها يهود أكثر من العمليات التي يقام بها مسلمون في أمريكا. ولو نظرت الى الفئات التي تذكرها من المسلمين، تجدها منخرطة في السياسة، والسياسة تعني مصالح، والمصالح علمانية تستغل الدين. أما طالبان لديك فتمثل القرآن 100%! وبوكو حرام هي الإسلام عينه ! كما نزل على محمد ! فيا للانصاف والاستخفاف بعقول الناس من رجال دين شيطاني إلحادي لا يجد أي فرق بين الخير والشر .. لا عاقل يصدقكم فأريحوا أنفسكم، لأنكم بكل بساطة غير صادقين ولا منطقيين ولا تطبقون ما تقولون على إلحادكم. المنطق هو ما يُعمّم على الكل، هيا حاسب الالحاد على كل اخطاء الملاحدة وعمّم هذه الافكار ولا تكلها بمكيالين ! لن تفعل .. لكنك تحاسب الاسلام على اخطاء مليار من المسلمين !! هل هذا عدل ؟ بل هل هذا عقل ؟ و تريد أن تـُقنع ؟ أنت تكلف نفسك أكبر من طاقتك .. القنابل الذرية التي ألقيت على مدن بكاملها ، تُحاسب بها من ؟ هل تحاسب بها المادية و الالحاد والعلمانية ؟ أم تـُحسب على المسلمين ومحمد ؟ طائرات بدون طيار تمارس الإرهاب بشكل يومي ومن عشرات السنين، ونسبة المطلوبين في ضحاياها 10% فقط ! و في قرى تعاني من الفقر والمرض أصلا .. صواريخها تخلط دماء الأطفال بألعابهم .. من المسؤول عنها ؟ الإسلام ؟! أم العلمانية والالحاد ؟ حربين عالميتين مدمرتين : تُحاسب بها من ؟ هل قام بها مسلمون ام علمانيون ؟ ضحاياها تقارب 100 مليون وليست 100 شخص او 200 .. و أظنها أفظع و اشنع من هذه العمليات الجزئية ! أين الإنصاف ؟ طبعا ستنسب الحرب العالمية الثانية كلها الى شخص اسمه "هتلر" لا يمثل الا نفسه ! ترى لو كان هتلر مسلماً ! ماذا ستقول ؟ ستقل راساً إنها تعاليم محمد التي توصي بالابادة الجماعية ! أما من ينتسب للإسلام فكل أفعاله أمر بها القرآن ! ولا يوجد مسلم من وجهة نظرك يخالف الإسلام ابداً !! كلهم مطيعون متّبعون ! بينما "هتلر" متأثر بأفكار "نيتشه" عن عنصرية السوبرمان الالماني المتفوق الملحد ، وهتلر قتل العجزة والضعفاء كما طالب نيتشه، وقال : "الإشتراكية القومية والدين لا يمكن أن يجتمعا معا" (علماني) . وقال : "إن اقوى ضربة تلقتها البشرية هي ظهور المسيحية" (ملحد) (وطبعا هتلر لم يُسلِم..) وقال " البلشفية هي الإبن الغير شرعي للمسيحية، وكلاهما اختراع يهودي" .. وقال : "المسيحية ابتكار عقول مريضة" .. لماذا لا تنسب فضائع النازية الى الالحاد ؟ أو العلمانية على الاقل ؟ خصوصا و أن نيتشه عمقٌ للقومية الالمانية .. هذا خطاب نتشوي ملحد واضح و نفّذ مطالب نيتشه ، وهو الملهم للنازية .. و هتلر قتل من المسيحيين أكثر من اليهود، بل قتل رجال دين وقساوسة. هل رأيت الوحش الإلحادي الذي لا يفرق بين الخير والشر و يسخر من القيم و الاخلاق الانسانية كما سخر ستالين الملحد من الرحمة والاخلاق ؟ مثلما سخر منها الاب الروحي للالحاد نيتشه ؟ بينما الإسلام يدعو للرحمة و يحث على التسامح ، و هذا فرق في المبدأ الاخلاقي بين الاسلام والالحاد .. اساس أي دين هو المحبة و الخير ، و اساس الإلحاد هو المصلحة والتفوق وسحق الاخر والسوبرمان .. دعنا من الإستغلال العلماني للدين، انظر الى الاساس .. كذلك العمليات الاستعمارية التي لا تتوقف : تحسب على من ؟ هل تحسب على الاسلام ؟ أم أنها لا تحسب على أحد ؟ فقط زلات المسلمين هي التي ترصد وتضخم ؟ وبقية الجرائم تقيّد ضد مجهول ! أو لا تسميها جرائم ، فقط الجرائم ما يفعله المسلمون ! هذا هو التحدي المشين الذي يُذهب الثقة بعقل قائله .. الالحاد هو الذي لا يمكن أن يأتي بخير، أما الدين فقد يأتي بالخير وقد يُستغل للشر، مثله مثل أي فضيلة، اما الالحاد فهو مبني على اساس من الرذيلة .. لأنه مبني على الصراع والبقاء للاقوى واعتبار الاخلاق ضعف وأن الاخلاق نسبية ولا يوجد فاصل بين الخير والشر الا المصلحة ، ويرفض كل الاديان بما فيها من خير ، ولا يؤمن الا بالمادة .. اذا كان في الدين خير و شر، ففي الالحاد شر و شر ، و إن فعل ملحد خيرا فهو خارج أوامر الالحاد و محسوب على الدين . هذا الخطاب الذي تقوله خطاب كراهية عنصري دعائي إسلامفوبي لا قيمة له عند العقلاء .. وأنا يعنيني العقلاء فقط . فوجّه هذا الخطاب الرديء عقليا لمن يهمّه ويهتم به ، لأنه خطاب عاطفي متشنج غير منصف يقدّم الملاحدة ملائكة و المسلمين شياطين معتمدا على الانتقاء البغيض .. |
![]() |
![]() |
#4 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
يعتبر زينون القبرصي مؤسس المدرسة الرواقية سنة 342 ق.م درس العديد من المذاهب الفلسفية حيث درس فلسفة الكلبيين وطرائق حياتهم العلمية كما درس الفلسفة الميغارية هذا فضلاً عما تأثر به من تعاليم سقراط وأفلاطون فتناول تلك الآراء جميعاً
وأراد زينون أن يحيا حياة فاضلة تقوم علي أساس من الخلق القويم,ولكن من له بهذا الإحساس, وأين يجده؟ انه يريد عماداً ثابتاً وطيداً لا تتزع قوائمه مع اختلاف الزمان والمكان فالتمس مبادئه في البداية من المدرسة الكلبية عسي أن يصادف عندهم الهدف المنشود ,ورافق كراتس الكلبي زمناً طويلاً حتى اخطأ فريق من أتباع زينون فاعتبروا أنفسهم ورثة للفلسفة الكلبية التي تفرعت عن فلسفة سقراط وكانوا يتخذون سقراط وديوجنيس أمثلة عليا لما يجب أن يكون عليه الحكيم,واذن فقد كان غرضهم الاسمي هو فرض المدرسة الكلبية بذاته:سعادة الإنسان واستقلاله بفضيلته وكان تعريف الفلسفة هو تعريفها عند المذهب الكلبي ,عمل الفضيلة وقاسوا قيم الأبحاث النظرية بمقدار اشتراكها في بناء الحياة الأخلاقية . ولكن فات هذا الفريق ان مذهب زعيمهم زينون لم يكن هو بذاته مذهب المدرسة الكلبية ولا هو تهذيبه بحسب بل انه شئ آخر جديد خلقه زينون خلقا وأنشأه إنشاء ,وان يكن قد استقي عناصره من سابقيه. الأخلاق عند الرواقيين: تعاليم الرواقيين مؤسسه علي مبدأين هما:- 1-إن العلم محكوم بقانون شامل ثابت ليس فيه استثناء. 2-إن طبيعة الإنسان الأساسية طبيعة عاقلة,فصاغوا آرائهم الأخلاقية في هذا المبدأ"عش علي وفاق الطبيعة"يعني بذلك شيئين:- 1-يجب ان يعمل الناس علي وفاق الطبيعة بمعناها الواسع اعني علي قوانين الطبيعة التي تحكم العالم. 2-أن يعملوا علي وفاق الطبيعة بمعناها الضيق ,اعني حسب أهم شئ في طبيعتهم لا وهو الجزء العاقل ,فيسير الإنسان علي حسب ما يرشد إليه العقل خاضعاً لقوانين العالم تكون حياته حياة أخلاقية فالفضيلة هي السير حسب العقل والإنسان الحكيم هو من يخضع حياته لحياة العالم ويعد نفسه ترساً في تروس الدائرة والخضوع للعقل قال فيه أفلاطون وأرسطو من قبلهم وإنما الفرق شرح الرواقيين لهذا المبدأ فأرسطو مثلاً, عد أهم جزء في الإنسان عقله كما قال الرواقيين, لكنه عد الشهوات جزءاً من الإنسان لها مكانة ولم يتطلب محاربتها وإنما تطلب ضبطها بواسطة العقل ,أما الرواقيين فعدوها شراً محضاً يجب أبادته, وصوروا الحياة حياة حرب بين العقل والشهوات يجب فيها ان ينتصر العقل ويظفر بشهوات بقدمها ,ومن ثم كانت نظراتهم تنتهي بالتقشف والزهد والتوازن بين قوي الإنسان. قد جعل أرسطو الفضيلة اكبر ذو قيمة, ولكنه مع هذا جعل للمال والظروف والأشياء التي حولنا قيمة في الحياة.أما الرواقيين فقالوا:لا خير في الوجود إلا الفضيلة ولا شر إلا الرذيلة , وما عداهما فشئ تافه لا قيمة له,فالفقر والمرض والألم والموت ليست شروراً والغني والصحة واللذة والحياة ليست ذات قيمة,وعلي الإنسان إلا يبحث عن اللذة فالسعادة الحقة في الفضيلة والإنسان يجب ان يكون فاضلاً لا للذة ولكن لأنه الواجب ولكن لأنه الواجب,وليس هناك درجات للفضائل ولا للرذائل ,فكل الفضائل خير ومتساوية في الخيرية, وكذلك الرذائل. الفضيلة مؤسسة علي شيئين:-العقل والمعرفة لهذا كان المنطق والطبيعة ونحوها من العلوم ليست لها قيمة ذاتية وإنما قيمتها في أنها أساس الفضيلة,وأساس الفضائل كلها الحكمة,ومن الحكمة تنبع فضائل أساسية اربع هي:- 1-بعد النظر والشجاعة. 2-وضبط النفس او العفة 3-والعدل 4-والحكمة وإذا كانت الحكمة أساس هذه الفضائل كان من حازها حاز كل شئ ,ومن فقدها فقد كل شئ والإنسان أما فاضل بكل ما تدل عليه الكلمة وإما الشرير بكل ما تدل عليه الكلمة,وليس في العالم إلا اثنان حكيم ومغفل,ولا شيء بينهما,وليس هناك تدرج من الشر إلي الخير,فالحكيم هو الكامل, وهو الحر والغني,وهو الملك حقاً,وهو الشاعر وهو الفنان والنبي ,وليس للمغفل إلا البؤس والقبح والفقر,وهؤلاء الحكماء في الدنيا قليلون وكلما تقدم الزمان زادوا قلة. وقد وضع الرواقيين,قواعدهم هذه كانت قاسية جافة وبعد ذلك اخذوا يعدلونها ويستثنون منها حسب ما ألجأتهم إليه الظروف فعدلوا نظرهم في ابادة الشهوات لما رأوا أن ذلك مستحيل ,وان كان ممكناً فهو يؤدي الي الفناء العاجل,والعجز عن العمل فقالوا:-إذن ان الحكيم لا يفقد شهواته ولا يستأصلها ولكن لا يسمح بنموها-كذلك عدلوا قولهم بان كل شيء عدا الفضيلة والرذيلة لا يُؤْبَهُ له ,فلما رأوا أن هذا لا يسير مع الحياة العملية أعلنوا إن من الأشياء التي لا يُؤْبَهُ لها ما بفضل بعضه بعضاً,فإذا خير الإنسان بين الصحة والمرض اختار الصحة , وقالوا ان ما عدا الفضيلة والرذيلة ينقسم إلي ثلاثة أقسام :ما يفضل,وما يستحب,وما يهمل فلا يهم _كذلك عدلوا رأيهم في الإنسان أما حكيم وإما مغفل,فقد رأوا أن أبطال العالم ورجال التاريخ والسياسة ينطبق عليهم ما ذكروه عن المغفلين لأنهم ليسوا حكماء علي الإطلاق فهم كثير ما ينغمسون في الرذائل ,حتى الرواقيين أنفسهم لا يخلون ممن يرتكب الأخطاء أحيانا,وفضائلهم لا يصح أن يقارنوا بسقراط وديوجنيس فاعترفوا بان من الناس من ليسوا فضلاء ولكنهم يقربون من الفضلاء وقالوا:ومهما بلغ الإنسان من استقلاله من استقلاله عن العالم الذي يحيط به واستغناؤه عن كل شيء مكتفياً بنفس عاقلة يدرك انه جزء من الكون,وانه مضطر لذلك إلي العمل مع الجميع ومدرك كذلك ان الكائنات العاقلة لا تختلف عنه نوعاً ولا تقل عنه فيما لها من حقوق, وأنهم يخضعون لنفس القانون العقلي الذي يخضع له هو ,ويدرك أيضاً أن الطبيعة إنما أرادت بهؤلاء جميعاً ان يعيشوا معاً في مجتمع واحد, يعمل الواحد من اجل الأخر فقد جبلت في الإنسان غريزة الاجتماع الذي لابد لنشاته وقيامه من شطرين: العدالة والحب بين الأفراد,وبغيرهم لا يرجي لمجتمع دوام البقاء, ولذا فلا مندوحة للحكيم أن يصادف الحكماء جميعاً,وان يبادلهم حبا بحب. ويري الرواقيون إن هذه الصلة بين أفراد الإنسان لا يجوز أن تقتصر علي أبناء الوطن الواحد فالعالم كله أمه واحده ل افرق بين رجل ورجل,ولقد تابع زينون بهذا الرأي المدرسة الكلبية متابعة وفيه لم يغير في رأيهم شيئاً حتى قيل عن الكتاب الذي ألفه زينون تحت عنوان "في الدولة"انه انه كتب علي ذيل كلب "إشارة إلي انه تأثر في كتابه هذا بآراء الكلبين خطوة بخطوة. فلم ير الرواقيون مبرراً للتفريق بين بني الإنسان في المعاملة ما داموا ينتمون جميعاً إلي اصل واحد وهم أعضاء جسم واحد ويخضعون لقانون واحد ,فيجب وجوباً لا مفر منه ان نعامل كل إنسان كائناً من كان, معاملة حسنة طيبة لا تستثني من ذلك العبيد ,فهم كذلك جديرون منا بكل عناية وتقدير . والدين الحق عند الرواقيين هو الخضوع لقوانين الكون وتلبية حاجات المجتمع وخدمته,والتقوى هي عبادة الآلهة ومحاكاتهم حتى نرتفع الي ما هم فيه من كمال وهي صفاء القلب ومضاء العزيمة,فليس الإيمان الصحيح والدين القويم إلا الحكمة والفضيلة وهذا يعني ان الدين والفلسفة شيء واحد. ومن هذا نري ان الرواقيين لم يأتوا بجديد كثير وإنما اقتبسوا من أقوال من قبلهم وكانوا قساة من تعاليمهم لا ينظرون إلا من جانب واحد وقصروا الفلسفة علي الفلسفة التي تتعلق بأنفسهم فما يفهم من الفلسفة عندهم هو الإجابة عن السؤال "كيف أعيش"ومن محاسنهم التي لا شك فيها أنهم راقوا الشعور بالواجب ودعوا إلي سمو النفس فوق سفا سف الحياة |
![]() |
![]() |
#5 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
فلسفة كانط الأخلاقية (الواجب) zz32z22iOLH
نشأ إمانويل كانط "1724- 1804م" في بيئة متدينة إذ كان والداه ينتميان إلى شيعة بروتستانتية تستمسك بالعقيدة اللوثرية، وتؤمن بأن موضع الدين الإرادة لا العقل، وأنه لابد من أن يؤيد الإيمان بواسطة الأعمال، وتنظر إلى المسيحية إلى أنها تقوى ومحبة لله بينما ترى في اللاهوت "علم الكلام المسيحي" تفسيرًا مصطنعًا أقحم على المسيحية، وقد تأثر كانط بهذه العقيدة في فلسفته، وقال في فلسفته "أردت أن أهدم العلم بما بعد الطبيعة لأقيم الإيمان"[1]. وفي مذهبه الأخلاقي استبعد مذهب السعادة الشخصية، لأنه يرد الخير إلى اللذة والمنفعة، كما أنه يعجز عن استخراج قانون كلي ضروري من أنواع الحساسية الجزئية المتغيرة، ولا يضع تمييزًا بين بواعث الرذيلة، ولم يوافق أيضًا على مذهب العاطفة الأخلاقية مع اعترافه بالفضيلة أولًا وبالذات، ولكنه في الوقت نفسه استبدل بالمنفعة الحسية الرضا النفسي، ولجأ أنصاره إلى العاطفة ليأسهم من العقل "ولم يقدروا أن العاطفة متغيرة نسبية لا تصلح مقياسًا للخير والشر"[2]. إنه مع تسليمه بأن الإنسان يسعى إلى بلوغ السعادة، إلا أن فكرة السعادة قد بلغت من عدم التجديد مبلغًا جعل كل إنسان يعجز عن التعبير عما يشتهيه بالرغم من رغبته في تحقيق السعادة لنفسه، ذلك لأن العناصر المختلفة للسعادة مستمدة من التجربة، ومن ثم فإنه من المستحيل على كائن متناه - وهو الإنسان - وإن ظن أنه أحكم المخلوقات وأشدها قوة أن يكون فكرة محددة عما يريده على وجه الدقة من وجوه على هذه الأرض، فإن أراد الثروة مثلًا فإنه سرعان ما يتعرض للحسد والدس والوقيعة، وإذا سعى إلى المزيد من المعرفة والبصيرة، فربما أدى ذلك إلى أن يزيد بصره نفاذًا إلى الشرور التي تتوارى عنه في حالته الراهنة، وإذا اشتهى عمرًا طويلًا، فمن يضمن له ألا يكون شقاء طويل الأجل؟ وكذلك في طلبه للصحة، فربما كان اعتلال الجسد عاصمًا من إفراط كان سببًا في وهن الصحة الكاملة "إنه على الجملة عاجز عن أن يحدد بيقين تام، وبمقتضى مبدأ من المبادئ ما يمكن أن يوفر له السعادة الحقة، لأنه سيحتاج حينئذ إلى المعرفة الكلية التي تحيط بكل شيء، وإذن فليس في استطاعة الإنسان لكي يحصل على السعادة أن يراعي في أفعاله مبادئ محددة وإنما عليه أن يتبع نصائح تجريبية"[3]. لقد كان كانط في مقدمة القائلين بوجهة النظر المثالية، فأراد أن يحرر السلوك الأخلاقي من قيود الميول والأهواء، ولهذا استبعد اللذة والمنفعة والسعادة غاية قصوى لأفعال الإنسان الإرادية، إذ جعل الباعث يقوم في الإرادة نفسها، وبذلك ارتدت عنده الأخلاقية إلى مبدأ الواجب[4]. ويقدم لنا بعض الواجبات بحعسب تقسيمها إلى واجبات نحو أنفسنا وواجبات نحو غيرنا وهي: 1- لنضرب مثلًا حالة رجل بلغ به اليأس حدًا قرر معه أن يضع حدًا لحياته، فإذا ما بحثنا إن كان من الممكن أن يصير فعله قانونًا طبيعيًا عامًا؟ والمشكلة حينئذ هي أنه هل يمكن أن يتحول مبدأ حب الذات هنا إلى قانون طبيعي عام؟ "ولكن اللإنسان سرعان ما يدرك أن الطبيعة التي يهدف قانونها إلى تحطم الحياة عن طريق الإحساس الذي تقوم وظيفته على دفع عجلة التطور في الحياة، إنما تناقض نفسها بنفسها ولا يمكن أن تحتفظ تبعًا لذلك بما يجعلها طبيعية، وأن من المستحيل على تلك المسلمة أن تصبح قانونًا طبيعيًا، وأنها نتيجة لذلك كله تناقض المبدأ الأعلى للواجب مناقضة تامة"[5] أي أن الانتحار يستحيل أن يصبح قانونًا طبيعيًا. 2- الحالة الثانية: حالة امرئ احتاج إلى اقتراض مبلغ من المال بينما يعلم أنه لن يتمكن من سداده، وتتنازعه الرغبة في عدم السداد، ولكن سرعان ما يقف في وجهه وازع الضمير لينبهه إلى تحريم الالتجاء إلى هذه الطريقة لحل ضائقته المالية. وحتى إذا كان هذا المبدأ عادلًا، فإنه لن يصبح بأي حال من الأحوال قانونًا طبيعيًا عامًا "وذلك لأن التسليم بقانون عام مؤداه أن كل إنسان يعتقد أنه في ضائقة يستطيع أن يعد بما يخطر على باله، مع النية المعقودة على عدم الوفاء بهذا الوعد سيجعل الوعد نفسه والغاية التي يطمع في تحقيقها عن طريقه أمرًا مستحيلًا، إذ لن يصدق أحد ما يبذل له من وعود"[6]. 3- أمر ثالث: يتمتع بكثير من المواهب ويحتاج معها إلى التثقيف والتهذيب ولكنه يهملها ساعيًا وراء اللذات بدلًا من بذل الجهد في تنمية استعدادته الفطرية وتحسينها، ثم سرعان ما يتبين له أن نزعته الطبيعية إلى التمتع باللذات لا تتفق مع ما يسمى بالواجب. كما لا يمكن أن تصبح قانونًا طبيعيًا عامًا "ذلك لأنه بما هو كائن عاقل، يريد بالضرورة أن تنمى جميع ملكاته لكونها نافعة له، ولأنها أعطت له ليبلغ ألوانًا عديدة من الغايات والأهداف"[7]. 4- أما الرابع: الذي توافرت له أسباب الحياة الرغدة فإنه ينظر إلى من حوله من المكافحين دون أن يمد لهم يد المساعدة مع مقدرته على ذلك، بل لا يرغب في تحقيق السعادة لهم بمعاونتهم بالمال أو الوقوف إلى جانبهم في أوقات الشدة إن مجرد إرادة أن يتحول ذلك التصرف إلى قانون طبيعي عام تناقض نفسها بنفسها "فقد يحدث في كثير من الحالات أن يحتاج مثل هذا الإنسان إلى حب الآخرين وعطفهم، وأن يجد نفسه محرومًا من كل أمل في الحصول على المساعدة التي يتمناها، إذ يحول بينه وبينها ذلك القانون الطبيعي المنبثق من إرادته ذاتها"[8]. ومن هنا نستطع أن نتبين أفعال الواجب التي يحددها كانط على النحو التالي: إن محافظة الإنسان على حياته واجب، والإحسان واجب، وتأمين الإنسان لسعادته الذاتية واجب غير مباشر، ومحبة الجار ولو كان عدوًا واجب[9]. وهكذا فإن الأفعال الإنسانية لا تكون خيرًا إلا إذا صدرت عن واجب، لا عن ميل مباشر أو رغبة في تحقيق مصلحة شخصية، فإذا أدى الإنسان واجبًا - كإنقاذ غريق - فإنه لكى يصبح تصرفه أخلاقيًا ينبغي أن يكون باعث الواجب من بين عدة بواعث هو الكافي للإقدام على الفعل، ومع إقرار العواطف النبيلة كعامل مساعد لإتيان الأفعال الخيرة فإن غرسها في النفس يعد واجبًا أيضًا "فإن العالم يفتقد من اتخاذ السعادة غاية مباشرة لأفعالنا. إن علينا واجبًا غير مباشر يقضي بالبحث عن سعادتنا"[10]. تعريف الواجب: ولكن ما هو تعريف كانط للواجب؟ إنه يصفه بأنه "ضرورة القيام بفعل عن احترام للقانون"[11]. والإنسان ليس في حاجة إلى علم ولا فلسفة لكي يعرف ما ينبغي عليه أن يفعل لكي يكون أمينًا وخيرًا[12]، وإن معظم أفعالنا تتفق مع الواجب[13] ذلك لأن المبادئ الأخلاقية هي مبادئ قبلية بحتة "خالصة من كل عنصر تجرييي، وأنه لا يمكن أن نجدها أو نجد أقل جزء منها إلا في تصورات العقل الخالصة"[14]. ومن السهل علينا أن نفرق بين الأفعال التي تصدر عن شعور بالواجب والأخرى التي تنبع عن حرص أناني على المصلحة. مثال ذلك أن التاجر الفطن يتحاشى رفع سعره ويحافظ على مستوى سعر ثابت للجميع بحيث يستطيع أن يشتري بها الطفل وأي إنسان آخر، وهنا لا محيص من الاعتراف بأنه يعامل المشترين بأمانة، ولكن لا يكفي هذا للاستدلال عن صدور فعله التزامًا بمبادئ الواجب، لأن مصلحته قد اقتضت ذلك، ولا نستطيع افتراض أنه يتصرف مع عملائه بوحي من عاطفته نحوهم "وإذن فلم يصدر هذا السلوك لا عن واجب، ولا عن ميل مباشر، بل كان الباعث عليه هو المصلحة الذاتية وحدها"[15]. وعلى العكس من ذلك - كما تبين لنا آنفًا أن محافظة الإنسان على حياته واجب بالرغم من إحساسه أحيانًا بالتعاسة والهزيمة والهوان وتمني الموت، فمحافظته على حياته بالرغم من كل هذه الظروف صادر عن مسلمة ذات مضمون أخلاقي. وكذلك الإنسان الذي يحسن إلى الغير منفلتًا من همومه الذاتية التي تقضي على كل مشاركة وجدانية للآخرين، وصرفه معاونتهم عن الانشغال بشقائه الشخصي فإن تصرفه هذا يصدر عن شعور بالواجب. وكذلك يأتي تأمين الإنسان لسعادته من قبيل الواجب بطريق غير مباشر "ذلك لأن عدم رضا المرء عن حاله وتزاحم الهموم العديدة عليه ومعيشته وسط حاجات لم يتم إشباعها قد تكون إغراء قويًا له على أن يدوس على واجباته"[16] ولكن لابد من أن تكون قاعدة تحقيق السعادة مصحوبة بأضرار تلحق ببعض الميول؛ ويصدر التصرف إذن لا عن ميل بل عن إحساس بالواجب[17]. ومن هذا يتضح أن السمات الرئيسية للواجب تتحدد وفقا للقواعد الثلاث الآتية: أولها: أنه تشريع كلي وقاعدة شحاملة، وتكمن قيمة الواجب في صميم الواجب نفسه بصرف النظر عن أية منفعة أو فائدة أو كسب مادي، وعلى هذا فإن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفعل مع معرفته بأن "قيمة الفضيلة إنما تزيد كلما كلفتنا الكثير، دون أن تعود علينا بأي كسب"[18]. الثانية: أن الواجب منزه عن كل غرض، فلا يطلب لتحقيق المنفعة أو بلوغ السعادة وإنما ينبغي أن يطلب لذاته، أي ينبغي أن نؤدي واجبنا "فليست الأخلاق هي المذهب الذي يعلمنا كيف نكون سعداء بل هي المذهب الذي يعلمنا كيف نكون جديرين بالسعادة"[19]. والسمة الثالثة: للواجب أنه قاعدة غير مشروطة لفعل، أي أنه قانون سابق، أو حكم أولي سابق على التجربة[20]. ويشترط للواجب شرطين هما الحرية وازدواج الطبيعة البشرية: الحرية وازدواج الطبيعة البشرية: يذهب كانط إلى القول بأن الالتزام الخلقي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالشعور بالحرية، وينبغي علينا أن نوضح كيف وصل هذا الفيلسوف إلى فكرته عن الحرية بتحليله للطبيعة البشرية وإثبات ازدواجها. إن الحديث عن مصدر الإلزام في فلسفته وثيق الصلة بفلسفته الميتافيزيقة في تصور الكون. فالعالم عنده عالمان: أحدهما: عالم الأشياء كما هي في ذاتها. والعالم الثاني: هو عالم الأشياء التي تبدو لنا وهو يختلف عن الأول، مثال ذلك أن الرجل الذي ولد على عينيه منظار أزرق اللون مثلًا يرى كل شيء مصطبغًا بهذا اللون، وكذلك العقل، فإنه يضيف إلى الأشياء صفات الكم والكيف كون الشيء علة أو معلولًا، يشغل حيزًا من المكان أو الزمان "بهذا لا ندرك قط شيئًا على حقيقته، وإنما ندركه كما يبدو لنا"[21]. والإنسان لا يخرج عن نطاق العالم الذي أنشأه وصوره له عقله أو على الأقل ساهم في إنشائه. وبالمقارنة بين العالم والإنسان، فإن للإنسان بدوره مظهرين أحدهما: يتمثل في ذاته التجريبية التي تربطه بعالم الأشياء كما تبدو. والإنسان بهذه الصفة له طبيعة مزدوجة أي يخضع مع غيره من المخلوقات لقوانين العلية التي تحكم العالم الفيزيقي "أي الطبيعي" والعومل الجبرية تتصل باستعداداته السيكلوجية والفسيولوجية والجنس الذي انحدر عنه، والطبقة المنتمي إليها والبيئة التي نشأ فيها والتربية التي تدرج بها، ولكن مع هذا، فإن الإنسان ليس كالجماد والحيوانات التي لا تستطيع بطبيعتها أن تتصرف على غير الذي تصرفت عليه فعلًا، وإنما هو يتميز عنهما - كما يتميز عن الظواهر الطبيعية - بظاهرة ينفرد بها دون غيره من الكائنات، لأنه الكائن الوحيد الذي يعد من جهة خاضعًا للسنن الطبيعية ونظمها خضوعًا كاملًا ويعد من جانب آخر مزود بدوافع ورغبات تملي عليه ما يأتيه من تصرفات. إنه يتميز بالشعور "بما ينبغي" أن يفعله، أي أن الإنسان وحده "هو الذي يشعر بإلزام يوجب عليه أن يتصرف وفقًا لمبدأ"[22]. وهنا يبدو المظهر الثاني للإنسان، وهو انتماؤه إلى عالم الحقائق في ذاتها، وحينما يشعر الإنسان بالإلزام الخلقي، إنما يستلهمه من مثل أعلى متحررًا من آثار الوراثة وقيود البيئة ومواضعات الظروف، متجردًا عن العالم الطبيعي، متخلصًا من الجانب الذي يربطه بالعالم كما يبدو، مرتفعًا إلى عالم الحقائق في ذاتها "وعندئذ يتصرف ككائن أخلاقي، فيخضع سلوكه لمبدأ الواجب، ويزاول أفعاله بإرادة حرة، ولا يتقيد بغير نفسه التي تعتنق مبدأً أخلاقيًا تدين له بالولاء"[23]. نقد المذهب: يتجاهل كانط الغالبية من البشر بمكوناتهم المذهبية والعاطفية الذين يسعون بتصرفاتهم وسلوكهم إلى غايات تختلط فيها الأهداف بتحقيق منافع أو بحث عن سعادة، أو تحكم أعمالهم دوافع الرجاء أو الخوف، وتتعدد واجباتهم بتعدد الأحوال والعلاقات. إن قانون الواجب الصارم يصلح فقط لقلة خاصة من ذوي الإرادات الحديدية الذين لا يحققون من سلوكهم إلا عمل "الواجب فحسب، حتى لو أدى ذلك إلى تضحيات بالمال والوقت والراحة وغيرها". إن هذه الصيغة الكانطية التي تقيم الإلزام على أساس "شكله المحض" المجرد عن مادته[24] هذه الصيغة يصعب الانقياد لها في كل الأحوال. ويقول الدكتور دراز "الواجب الكلي العام، فلنقبله، ولكن ينبغي أن نفرق بين درجات كثيرة من العمومية فإن لها امتدادًا بقدر ما لها من مفاهيم: الواجب الأبوي والأموي، والزوجي، والبنوك، واجبات الرياسة والصداقة والمواطن والإنسان واجب العمل وواجب التفكير وواجب المحبة". ويتساءل بعد ذلك "وهل من حقنا أن نقول لرئيس أن يعامل من هم أعلى منه رتبة معاملته لمرؤسيه؟ وأن نطلب إلى زوج أن يعامل كل نساء الدنيا كما يعامل زوجته والعكس؟"[25]. ثم يطرح لنا البديل في تنفيذ أوامر الشرع ونواهيه وهي التي تجعل المؤمن لا يذعن للواجب "كفكرة" أو "ككائن عقلي" ولكنه يذعن له من حيث هو صادر عن الله تعالى الذي زودنا بالعقل وأودع فيه الحقائق الأولى، بما في ذلك الحقيقة الأخلاقية في المقام الأول. وبذلك نكون قد انتهينا من عرض بعض المذاهب الأخلاقية عند الفلاسفة، ويصبح موضوعنا في الباب الثاني عن المذاهب الأخلاقية في الفكر الإسلامي. |
![]() |
![]() |
#6 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
[SIZE="4"
]فلسفة الجمال فِي الفكر الإنساني
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية) مَا إن يتأمَّل الإنسان إشراقة الشمس، حتَّى يدرك معنى الجمال الموسوم في لوحات النَّفس، بألوان حيويَّة متدفِّقة، الجمال ينبلج مِن كوَّة النُّور والضِّياء؛ لتُحيل الحياة إلى ظلِّ لحظات يتَّحد فيها القلب مع القلب، فيستحيل إلى فيض مِن معانٍ متلألئة. وإذا كانت الرِّياضة تغذِّي الجسم، والعبادة تقوِّي الرُّوح، والعلم ينمِّي العقل، فإنَّ الجمال يُحيي الوجدان، ويَسمو بالإنسان إلى أرقى المراتب. والجمال، ينقسم إلى جمال روحي، وآخر مادِّي، فالجمال الرُّوحي راحة وسكينة؛ حيث تكون النَّفس كالسَّماء الزَّرقاء، وقد انقشعت عنها سحائب القلق والحيرة، وهذا الإحساس الجميل، يعبِّر عن خلاص الإنسان مِن مؤثِّرات الحياة السَّلبيَّة، ويُنقِّيه مِن الأحقاد، فلا يفعل إلا ما يُمليه عليه ضميره، فهو صاحب خُلُق جميل، الجمال إذن "مقدرة على مقاومة النَّفس الَّتي تأمُر بالقبح، فهو يقترن بالفضيلة وصدْق المشاعر". أمَّا الجمال المادِّي، فهو منحوت على صفحات الطَّبيعة وسطورها، يُعلن عن نفسه دون مشقَّة أو أقنعة زائفة،يعبِّر عن ذاته بذاته. وإذا كان الإنسان خليفةً في الأرض في صورة تقويميَّة، فإنَّه مِن مُنطلق الواقعيَّة، أن يَحرص على جمال الرُّوح والعقل والوجدان. والأحكام الرُّوحيَّة في مجملها تستهدف تغيير مفاسد الأخلاق إلى محاسنها، وهذا هو محور فلسفة التَّشريع، وربُّنا - عزَّ وجلَّ - ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7] سخَّر لنا ما سخَّر، في أنفسنا وفي أرضنا وفي سمائنا، وأذِن لنا في الجمع والتَّوفيق بين الانتفاع والاستمتاع بما في الطَّبيعة؛ يقول الله - عزَّ وَجلَّ - : ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 5 - 8]، ويقول - عزَّ وَجلَّ - : ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ [النمل: 60]، بل لقد جاء التَّكليف بأن ننظر ونتأمَّل في مناظر الجمال ويانع الثِّمار: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6]، ولنتأمَّل قول الله - عزَّ وَجلَّ -: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 -20]، إنَّه نظرٌ وتفكُّر يجمع بين الإيمان والفائدة، وبين الجمال والابتهاج؛ بل لقد أُمر بنو آدم باتِّخاذ زينتهم أمرًا مباشرًا، ولا سيِّما في مواطن العبادة؛ ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]. جمالُ التَّعبير: وجمال التَّعبير هو أوسع أنواع الفنون وأكثرها أثرًا في حياة النَّاس وتعاملاتهم: خطابًا، وأسلوبًا، وأمرًا، ونهيًا، ودعوة، وتوجيهًا، وتعليمًا، وتربية، وهذا تنبيه وتوجيه لأهل العِلم والتَّربية والتَّثقيف؛ لكي يقصدوا إلى الجاذبيَّة في الأسلوب، والجمال في التَّعبير: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]. فحياة النَّاس جُبلت على حبِّ الرِّفق وطلاقة الوجه، وفُطرت على الخُلق العالي وجمال اللَّفظ. إنَّ المعلِّم والمُوجـِّه، والمرشِد والنَّاصح، والكاتب والمثقَّف، وغيرهم وغيرهم، كلُّ هؤلاء ينبغي أن يكونوا أهلاً للقول الجميل، والصَّبر الجميل، والصَّفح الجميل، والهجر الجميل. وهذا الجمال الجميل، لا يمكن أن يكون فوق الحقِّ، فلا يكون الجمال في الكذِب، ولا يكون الفنُّ في الفسوق، ولا يجوز أن يُستساغ بجمال التَّعبير اختلاق الأباطيل مِن القول والتَّزوير. وعندما يكون الجمال وسيلة لهدم الحقِّ ينبغي إيقافه، فالذَّريعة إلى الممنوع ممنوعة. ذلكم هو الجمال، وتلكم هي الزِّينـة، وذلكم هو الفنُّ والإبداع في ظاهره وباطنه. ومِن الحماقة أن يكون بعض النَّاس حَسَن الهندام، حريصًا على جمال الصُّورة، بينما هو في حديثه وسلوكه قبيح العبـارة، دميم الذَّوق، سليط اللِّسان، غليظ التَّعامـل؛ ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32 - 33]، وتذوُّق الجمال يرتبط بالإطار الذي يوجد فيه الإنسان، وقد يوجد الجمال في "صخرة، أو شجرة، أو نَهر"، وقد يكون الجمال إبداعًا منفردًا ممَّا له أثر على التقاء الفكرة بالحسِّ، وقد يكون الجمال مُبتكَرًا بلغة تَحمِل الأثر الجميل، كقصيدة أو رواية أو نثر أو نصٍّ مسرحي. ولكي يبقى الشَّيء جميلاً؛ لا بدَّ أن يكون سالِمًا مِن النَّقائص، ولا بدَّ أن يكون مُتناسِقًا مُنتظمًا مُنضبطًا. وجمال القاضي بعدله وإنصافه، وجمال الحاكم باهتمامه بشؤون رعيَّته، وسهره لأمنهم وراحتهم، وجمـال الغنيِّ بصدقته وإنفاقه، وجمال الفقير بكدِّه وعمله. ولقد خاطبنا الخالق بالجمال، وأمرنا أن نرحل إليه وإلى منازله العليا، ونسير إليها سيرًا لا ينقطع، حتَّى يدركنا اليقين، ولا ينبغي للإنسان الكيِّس أن تعميه أغاليط المبتدعين عن محاسن الدِّين. تلازمٌ مَع الحقّ: والجمال عادة يتلازم مع الحقِّ والخير في مواءمة وتناسق وانسجام، والخالق هو الحقُّ الأعلى الَّذي لا يقـارب أحقيَّته حق، فهو الأوَّل والآخـر والظَّاهر والباطن، وهو بكلِّ شيء عليم. والرُّسل الَّذين أكرمَنا الله بهم، كانوا صادقين أمناء، لا تأخذهم في الله لومة لائم، والكتب الَّتي أُنزلت عليهم ذِروة سامِقة مِن جمال. وبما أنَّ القيَم الثَّلاث: الحق والخير والجمال، مُلتقية في الإله المعبود، وفي الرُّسل، وفي الكتب المنزَّلة؛ فإنَّ أحسنَ الأحوال أن تكون هذه القيم مُتداخِلة في حياة البشر. والدَّعوة إلى الخير لا تكون إلا على الحق، ولا تقترن إلا بالحسن والجمال، والدَّعوة لا تكون إلا بالكلام الجمـيل الَّذي تأنَس به المسامع، وتطمئنُّ إليه القلوب؛ ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]. الجمال - إذن - قرين الحقِّ والخير، وونحن نرى أنَّ مهمَّة البلاغة: الكشف عن الحق، ولا توجد البلاغة إلا حيث يوجَد الجمال، وما خلا مِن الجمال فإطلاق البلاغة عليه مُحال. النص المعجز: والنَّص القرآنـيُّ هو أحد موضوعات الجمال، يدعو الإنسان إلى التَّفكُّر؛ ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16]. والمعجزة القرآنيـَّة وضعتنا أمام وعي جماليٍّ جديد، نجد تجلِّياته في الفكر واللُّغة والسُّلوك والفنّ، ينطلق هذا الوعي مِن خالق الجمال البديع الَّذي ينبثق جمال الوجود كله مِن آثار جماله، فللّه - عزَّ وجلَّ - جمال الذَّات، وجمـال الصِّفات، وجمال الأسماء والأفعال. ومِن كمال محبَّة الله: محبَّة الجمال والسَّعي إلى إدراكه؛ بل إنَّ منتهى جزاء الآخرة عند المؤمن رؤية وجه الله - عز وجل - الَّذي يفيض على وجوه النَّاظرين إليه نَضرة وجمالاً؛ ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة:22 - 23]. وإلى جانب معجزة جماليَّته، فإنَّ القرآن الكريم - في الوقت ذاته - مُعجزة عقليَّة، مِن حيث عمْق بيانه، وروعة أسلوبه. والحديث النَّبويُّ امتاز بغاية الجمال، ها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن يَطلُب منه وصيَّة: ((لا تغضب))[1] ، ويقول - عليهِ الصَّلاة وَالسَّلام - لرجل آخر: ((قل آمنت بالله، ثمَّ استقم))[2]. كتابٌ عَظيم: إنَّ الجمال كتاب عظيم، واضِعه مزيِّن الأرض والسَّماء، والمعرفة جمال، والذَّكاء جمال، والتَّضحية جمال، والحبُّ جمال، والإبداع جمال، وسحر قطرات النَّدى على وجه زهرة نَضِرة جمال، ودمعة طفل بريء على خدَّيه جمال، وبسمة الرُّوح جمال. والجمال شعلة أخَّاذة تفتن الوجدان؛ لأنَّه إكسير الحياة الَّذي يتدفَّق في الشَّرايين كالسَّيل، ويَغمر الأرض، ويعدها بثوب فسيفسائيٍّ رسمته ريشة الإبداع. الجمال ينبثق معبِّرًا عمَّا هو إنساني، وما أكثر ما ندَّد البيان الإلهيُّ بالموقف القبيح! يقول القرآن عن الطُّغاة مِن أمثال فرعون وهامان وقارون وغيرهم: ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 42]. ولقد انعدمت قيمة الإحساس الجمالي لدى العابثين؛ لأنَّ حياتهم خالية مِن المعنى، شخص يَحسُّ بالقبح، نفسيته قاتِمة، وأخلاقه سيئة، وكثيرًا ما يتحوَّل إلى مُنحرِف لا يِمتلك عاطفة؛ لأنَّه يرى صور الحياة قبيحة، في حين أنَّ النَّفس الإنسانيَّة التي تُضيئها شموع الجمال في إطار حالِم، تنشِّئ "هسيس" الحياة، وتضفي على الآخرين رونقًا يَزخر بعطْر الجمال المضمخ بالعاطفة وصاحب النَّفس المضيئة يحبُّ الطَّبيعة؛ لأنَّه يقرأ فيها المعاني والأوزان والحركة والشِّعر والموسيقا والرَّسم، فالبحار والرِّياح كائنات تُصدِر موسيقا، وتَطرب بها ولها، وتلك هي صور الحياة الَّتي يَعيها الإنسان مِن خلال العيش بطريقة فنيَّة مُبتكَرة. وحوى القرآن الكريم آيات كثيرة عن الجمال، مِن ذلك: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ [المعارج: 5]، والصَّبر الجميل هو الَّذي يُضاف إليه الرِّضا وسَعة الصَّدر، الصبر الجميل هو الَّذي تَزدَان النَّفس فيه باليقين والثِّقة، وتمتلئ بالأمل، والرَّجاء، وتكون بمنأى عن الجزع والسَّخط على القضاء. وجاء ذكر الصَّبر الجميل في موضعين آخرين مِن القرآن الكريم، كلاهما في سورة يوسف، الموضع الأوَّل جاء على لسان يعقوب - عليه السلام - وقد جاءه أبناؤه يُخبرونه بأنَّ يوسف قد أكله الذِّئب، وبرهنوا على قولهم بدمٍ كذب على قميصه، وبرغم الفاجعة الرَّهيبة على قلب الأب المؤمن، واجَه الأمر بأناة بالِغة، وثقة عظيمة، جعلته يَحسُّ أنَّ الأمر على غير ما صوَّر أبناؤه، وتذرَّع بالصَّبر الجميـل؛ يقول تعَالى حكاية عنه: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]. والموضع الثاني عن الصَّبر الجميل جاء أيضًا على لسان يعقوب، عندما جاءه نبأ احتجاز ابنه الثَّاني في سجن العزيز بمصر، فقال: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83]. والصَّفح في القرآن الكريم يتَّسم بالجمال، والصَّفح مِن أسمى الصِّفات؛ إذ هو يعني التَّغاضي عن إساءات الآخرين، وقد طلبه الله - تبارَك وَتعَالى - مِن نبيّه في مواجهة المُعرضين المُكذِّبين مِن قومه، مُبيّنًا له أنّه صاحب رسالة مهمَّتها الهداية، وعقاب الضَّالين مرجِعه لربِّ العالمين، والسَّاعة آتية لا ريب فيها؛ فقال تعَالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85]. والصَّفحُ في حدِّ ذاتِه شيء جَميل، وعندما يتَّصف بالجمال يكون صفحًا لوجه الله، لا يَجعله صاحبه حديثًا يُذكر به بين النَّاس. والهجْر في القرآن يتَّسم بالجمال: ﴿ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10]. وذُكرَ السَّراحُ الجميل مرَّتين في مُحكم التَّنْزيل، وكلتاهما في سورة الأحزاب، أولاهما: في تخيير النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لزوجاته عندما سألْنَه التَّوسعة في النَّفقة، فقال ربُّ العالمين لنبيِّه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28]. وثانيتهما: مطالبة الأزواج الَّذين يطلِّقون الزَّوجات قبل الدُّخول، بأن يمتِّعوا الزَّوجات، والمُتعة كسوة ملائمة لمكانة المرأة ومستواها الاجتماعي، ثمَّ السَّراح الجميل دون بغي على الحقوق؛ قال تعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49]. وسراح المرأة: أنْ تكون في حلٍّ مِن رابطة الزَّوجيَّة، فهو الطَّلاق، وهو أبغض الحلال إلى الله، لكنَّه مع وقْعه الأليم على النَّفس، فإنَّه عندما يقترن بالجمال نَحصل على ثمراته. وبعد، يبقى الجمال الحقيقيُّ جمال النَّفس الذي يظهر في التَّعابير، ويدلُّ على النُّبل والتَّسامح، ويكون بمثابة سمفونيَّة تتسلَّل إلى باطن الإنسان، فتُحيي ملكة ذوقه، وتفتح قريحته، وتستحوذ على مشاعره، وتُنعشه برغبة البقاء مِن خلال توقه في تسلُّق دروب النَّقاء.[/SIZE] رابط الموضوع: http://www.alukah.net/publications_c...#ixzz32z2UYdgG |
![]() |
![]() |
#7 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
الحق والخير والجمال z32z2tyJUE
كثيرًا ما تستعمل هذه الكلمات معطوفًا بعضها على بعض، ولا يُدرى متى حدث هذا الاقتران ومن هو أول واضع له. ولكن هذه الكلمات الثلاث تمثل "القيم" التي طالما سعى لها الإنسان، حينما تصفو إنسانيته وتبرز فيه "الفطرة" بعيدًا عن الغبش الذي قد يحجبها حجبًا كاملاً أحيانًا، وجزئيًّا أحيانًا أخرى. ونتساءل، هل كان هذا الاقتران نتيجة لاتصال الوشائج بين هذه القيم وتماسكها بعضها مع بعض، إذ إنها تمثل الجانب المضيء في هذه الحياة... أم إن ذلك الاقتران كان نتيجة لكونها أهدافًا يسعى إليها الإنسان، فكان اجتماعها بهذا الاعتبار، بغض النظر عن تجانسها؟ ومهما يكن من أمر، فإن الذي يهمنا في هذا الفصل، هو أن نبين مدى الارتباط بين الجمال وزميليه، وهل هي علاقة وحدة أم تجانس؟ وهل كل ما هو "خير" جميل؟ وهل "الجميل" دائمًا هو الخير والحق. تلك مشكلة أخذت حيزًا لا بأس به من كتب علم الجمال، وغاص فيها الباحثون بين نفي وإثبات، ولكن الأمر الذي غفل الكثيرون أنهم لم يفرقوا بين الجمال كقيمة مطلقة وبين "الجمال الفني" الذي يبرز من خلال اللوحة أو العمل الفني.. حتى آل الأمر إلى الحديث عن علاقة الفن بالأخلاق ونسي الجمال.. وحينما نتجاوز هذه الملاحظة يمكننا القول بأن هذه القيم "الحق والخير والجمال" قيم عليا، يلتقي بعضها مع بعض باعتبارها حقائق في هذا الوجود "فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق هو ذروة الجمال، ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود[1]". تعود بعد هذا التمهيد لنتحدث عن "الجمال الفني" وعلاقته بالحق والخير... لم يكن للفلاسفة وعلماء الجمال رأي واحد تجاه هذه القضية، وإذا حاولنا تصنيف هذه الآراء، وضم المتشابه منها إلى مثيله، أمكننا أن نجد أنفسنا أمام ثلاثة اتجاهات رئيسية: (1) يذهب الفريق الأول - ومنهم هربرت في العصر الحديث - إلى التوحيد بين الخيرية والجمال، ويجعل علم الأخلاق فرعًا من فروع علم الجمال[2]. ويرى "آلان"[3] أن الخير صورة من صور الجمال، ويرى أن الفلسفة التقليدية كانت على حق حينما جعلت من القيمة الأخلاقية شكلاً من أشكال القيمة الجمالية[4]. ويرى هؤلاء أن للفن مضمونًا أخلاقيًا يتمثل في التسامي بأرواحنا، ومساعدتنا على مقاومة أهوائنا، وهذا ما يسمى بنظرية "التطهير" التي قال بها أرسطو وتابعه عليها هيغل[5]. ويمكن أن نلحق بهذا الاتجاه "سانتيانا" على الرغم من فصله بين الجمال والأخلاق، حيث يذهب إلى إقامة "أخلاق جمالية" على اعتبار أن الفضائل العليا - من أمثال الشرف والصدق والنظافة - إنما هي فضائل جمالية مبعثها نفور الضمير من القبح أو الدمامة التي ينطوي عليها كل سلوك أخلاقي لا يراعي أمثال هذه المبادئ[6]. (2) ويرى الفريق الآخر أن كلاًّ من الجمال "الفن" والخير على طريفي نقيض، ولذا نادى هؤلاء بالابتعاد عن الفن والتزام الأخلاق. فهذا "تولستوي"[7] يدين شتى الأعمال الفنية التي تدعو إلى الانحراف الخلقي، والاستخفاف بالدين[8]. ومن قبل قام أفلاطون بتلك الحملة التي شنها على الفن، وأخرج الفنانين على أثرها من جمهوريته، لأنهم - برأيه - يفسدون الذوق ويبعدون الناس بفن التقليد والمحاكاة عن جوهر الحقائق[9]. وقد كان هذا هو موقف الكنيسة أيضًا في عصورها الأولى، فهذا "فاسيلي" (329 - 379م) يرى البعد كل البعد عن الفن ودراسته. وأن الإنسان - برأيه - يجب أن يمضي حياته في الصوم والصلاة، لا بالسلوى والمتعة، وإن الضحك ضعف بشري يدل على سطحية الروح وخفتها. وقد كان "برونيم" (330 - 419م) يرفض الفن رفضًا باتًا، ويخاطب المؤمنين في رسائله: اجعل ابنتك تتعلم كيف تسمع وتتكلم ما يدعو إلى الخوف من الله، أما الكلمات السيئة فيجب أن لا تتذكرها.. وليسبح فمها الطاهر بحمد الله[10]. واستمر هذا الاتجاه لدى الفلاسفة حتى العصر الحديث، ففي القرن الثامن عشر جاء "جان جاك روسو"[11] ليقول: كلما تقدم الفن إلى الأمام كان التردي من نصيب الأخلاق، ثم يتساءل عن الدور الأخلاقي الذي تلعبه التماثيل الموضوعة في الحدائق ليرها جميع الناس؟ وتلك الصور في المعارض هل هي أجود ما عندنا من الإنتاج الفني؟ وهل تمثل المدافعين عن الوطن؟ إن جميع أشكال الفنون تضلل القلب والعقل فهي مقتبسة من الخرافات القديمة[12]. وهكذا انتهى الأمر لدى هؤلاء إلى ضرورة نبذ الفن كله باعتباره أمرًا منافيًا للأخلاق. (3) ويرى الفريق الثالث أنه لا صلة على الإطلاق بين الفن والأخلاق، لأن القيم الجمالية تعلو على الخير والشر معًا. وانطلاقًا من هذا المبدأ يقرر "كروتشه" أن الفن خارج تمامًا عن نطاق الأخلاق.. وأنه إذا كانت الإرادة الخيرة هي قوام الإنسان الفاضل فإنها ليست قوام الإنسان الفنان[13]. ويقول أبو ريان: يجب أن نؤكد بطريقة حاسمة الفصل بين القيمة الجمالية والأخلاق، ذلك لأن الفن الجميل لا يمكن أن يوضع تحت رقابة أصحاب المثل والفضائل الأخلاقية، فلا صلة أصلاً بين الأخلاق والفن[14]. نلاحظ من خلال العرض السابق اتفاق الاتجاهين الثاني والثالث على إبعاد الفن عن دائرة الأخلاق ولكن أصحاب الاتجاه الثاني يحاربون الفن حفاظًا على الأخلاق، بينما يرى الآخرون إطلاق العنان للفن حتى يكون حرًا طليقًا... أما الفريق الأول الذي قال بأخلاقيه الفن، وأن من آثاره تهذيب النفس.. فنترك مناقشته لـ"برتليمي" حيث يقول: إن مجموع الأفراد الذين يحسِّن الفن من أخلاقهم قليلون، والاعتقاد بأن حب الإنسان للأعمال الفنية العظمة حبًا مطلقًا يمكن أن ينقي القلب والحياة، اعتقاد يكاد يكون خاطئًا على الدوام، فلطالما رأينا أناسًا لا حصر لهم قد أحبوا أكمل المقطوعات الموسيقية وأجمل اللوحات الفنية، وظلوا مع ذلك من الرعاع، فتأثير الفن في تقدم الأخلاق تأثير بسيط جدًا[15]... وهذا ما ألمح إليه هيغل حين قال: إن تمثيلات مريم المجدلية، الخاطئة الحسناء، قد أوردت موارد الخطيئة عددًا من الرجال يفوق بكثير عدد من قادتهم إلى التوبة والندامة[16]. تلك كانت آراء واتجاهات الفلاسفة وعلماء الجمال... ومناقشاتهم.. ولكن هل كان للفنانين مشاركة ما في ذلك؟ هذا ما نتحدث عنه في الفقرة التالية. |
![]() |
![]() |
#8 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
[SIZE="4"
]دورة الفكر الإنساني وتحولاتها zz32z3EJ8be
في علم التربية تُقسَّم مراحل التعليم إلى مراحل عدة حسب متعلقات كل مرحلة ومحور العملية التعليمية فيها؛ حيث تبدأ المرحلة الأولى مع سِنِي الطفل الأولى بالصور والمجسَّمات، ليتطور تعلمه بعد ذلك تدريجيًّا ويبدأ بالتخلص من الماديات، منطلقًا منها إلى المطلق والمبادئ، والصورة في المراحل الأولى من التعليم تُمثِّل الأصل، والكلمة هي الثانوي، وما دام تعلم الطفل متعلقًا بالماديات والصور، فإن إنتاجه الفكري لا يتجاوزه، ذلك أن المخرج في العملية التعليمية يعتمد أساسًا على المدخل. ونستطيع مقايسةَ التطوُّر الفكري للبشرية بعملية التعلم، ونستطيع قياسَ عمرِها الفكري بالاحتكام إلى متعلِّق تفكيرها أو محور عملية الإنتاج الفكري. فمع مطالعةِ تاريخ البشرية منذ أن وُجِدت تستطيع أن تتلمَّس تطوُّر أفكارها ومعتقداتها عبر مطالعة متعلقات أفرادها ودوران أفكارهم حول محورٍ يكون منطلقًا لحياتهم ومنظِّمًا لسير الكل نحو نقطة المحور. عاش الإنسان البدائي تحت هاجس الخوف من الطبيعة وحوادثها قديمًا، وأصبحت الطبيعة وجزئياتها محورًا لسلوكه الديني وانبعاثه السلوكي، فقدَّم لها الأضاحي والقرابين، وقدَّم طقوسًا غريبة المظاهر في محاولةٍ لاسترضائها كي تمنحه قوة أكثر لمواجهة كوارثها، واستمر الحال على هذا فترة من الزمن، لينبعث في مرحلة أخرى محورٌ جديد يتمثَّل في الأشخاص الذين رُفِعوا إلى مكانة أعلى من بقية الأشخاص، وأصبحت هذه الشخصيات جاذبة للجماهير الذين رأوا فيهم أشخاصًا غيرَ اعتياديين، تنبعث منهم قوى خارقة تستوجب التعظيم والتقديس، لتغدو هذه الشخصيات كوكبًا جديدًا ينجذب الناس إليه ويدورون حوله دورات الاستلهام والاستيفاض، ونُسجِت حولهم قصص وأساطير تتناسب مع مكانتهم الجديدة. فشخص الفرعون وامتداداته كانا نقطةَ ارتكازٍ للجماهير آنذاك؛ حيث كان يُتوَجَّه إليه بالدوران حول فلكه، وكان يُمثِّل بالنسبة للعامة من الشعب الإله الذي يستوجب طقوس الطاعة والعبادة، وفي نفس الوقت عُدَّ نقطةَ ارتكازٍ للجماهير ومصدرًا للإلهام والانبعاث، ونتلمس كل هذا في قول الله تعالى على لسان سحرة فرعون قبل إيمانهم: ﴿ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الشعراء: 44]، فلم يتكئوا على براعتهم في السحر أو كثرة خبرتهم فيه، بل على العكس من ذلك استجلبوا القوة من مصدر شخصٍ يُظَن أنه مصدر الفيض. وكثرة الدوران حول شخص وتقديس آرائه وأفكاره، وهيجان العامة حوله، تؤدي بالنتيجة إلى ولادة ظنٍّ لدى الشخص يُخبِره بأنه الإله الجدير باستحقاق العبادة والتقديس، وضرورة عدم معارضة أحد لهذا الظن، وإلا استوجَب العقوبةَ، لذلك أعلنها فرعون علانية: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، والنتيجة التي أدت إليها هذه المقولة: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29]، والمؤدَّى المنطقي لهذا الدوران الجماهيري حول الصنم الشخصي هو قولُ الله تعالى: ﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴾ [طه: 79]، و﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴾ [هود: 98]. وتتشابه مجتمعات ما قبل الشرائع السماوية في هذا الحال وتشترك في المآلات، فردُّ قوم نوح على دعوة نبيهم كان قولَهم: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]، وحجتهم في الرد على الفكر التصنيمي الذي نقل المجتمع بواسطته هؤلاء من مرتبةِ البشرية إلى مكان الإله أو شبه الإله. واستمر حال البشرية هكذا يُوجِدون - بفعل حاجة الإنسان الفطرية إلى محور يدور حوله ويستمد منه حالة من الاستقرار الاجتماعي والنفسي - أشياءَ وأشخاصًا يُضفون عليها هالةً من التقديسِ والتعظيم إلى أن جاءت دعوة الرسل مناديةً بضرورة التوقُّف عن الدوران في فلك الأشياء والأشخاص، والانتقال منها إلى فلك القيم والمبادئ المطلقة التي تُولَد حال تفعيلها حالة حضارية عميقة الأسس والبنيان. وهذا الانتقال من طورِ الأشياء والأشخاص إلى طورِ القيم والمبادئ ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى صراع داخلي؛ لتتحوَّل بعد ذلك إلى ثورة تتجادل مع مفرزات الأفراد الذين نشؤوا داخل أُطُرِ تلك المؤسسة الاجتماعية، وتحمل مشقات هذا الانتقال من الاضطرابات الاجتماعية ومحاولات الثورات المضادة، إلى أن يتم للتغييرِ أهدافُه ومقاصده، ويستقر في النفوس ليبدأ بعد ذلك في تغيير أنماط السلوك الجمعي، وجعل الكل يدور في فلك واحد نحو محور واحد ثابت، ويعيد تشكيل أفكار الجماعة وتصحيحها مع كل دورة باتجاه الأعلى. ولعل حوار إبراهيم مع قومه يمثل لنا جانبًا من مراحل تطور الفكر ومراحل الصراع، ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 74 - 81]. فقوم إبراهيم كانوا يطوفون بأفكارهم وتوجُّهاتهم حول الكواكب، وكانوا يفاضلون بينها على حسب الحجم والمقدار، ولكن قومه الذين رضُوا عنه في البداية لَمَّا جاراهم ما لبثوا أن انقلبوا عليه فحذّروه من مغبَّة اعتراضه على آلهتهم الصنمية، ثم بيَّن لهم حجَّته في عدم خوفه من أفكارهم السقيمة، بأن تلك الكواكب لا تملك من القيمة الحقيقية ما يجعلها جديرة بالعبادة، ثم قلب عليهم الأمر ببيان أن الخوف هو الحال الذي يجب أن يكونوا عليه، كونهم أدخلوا في سياق أفكارهم أمورًا لا تمتُّ إلى الحقيقة بصلة مما جعلهم (يشركون بالله ما لم ينزل به عليهم سلطانًا). ونتلمَّس ملامح هذا الانتقال الفكري في الآيات القرآنية التي بدأت بالنزول على النبي عليه الصلاة والسلام ليبلِّغها إلى المجتمع المكي الذي كان آنذاك غارقًا في أفلاك الأشياء والأشخاص، جاعلاً من الأشخاص المتمثِّلة في حجارةٍ على أشكال متعددة آلهةً تشارك الله - بحسب زعمهم - في التوجه التعبُّدي، وجاعلاً من الأزلام موجهًا له في معرفة الغيب الإلهي والقَدَر الرباني. دعوة القرآن إلى هذا الانتقال التوحيدي أولاً والفكري ثانيًا كان لها أثر الصدمة في المجتمع الجاهلي، فرددوا قائلين: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5]، وفي طيات هذه الآية تتلمَّس محاولة فكرية منهم لرد دعوى النبي بتوحيد توجُّهِهم نحو الله، بدعوى أن الأصل الذي تلقَّوه من آبائهم ومَن سبقهم كان قائمًا على تعدد الآلهة، أو بلغة أخرى: فإن ردهم كان مبنيًّا على فكرة الشيء والشخص. وفي حديث آخر نفى المؤسسون الأوائل عن هذه الأصنام - التي استماتوا في الدفاع عنها - قوةَ الفعل، قائلين: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 65]. وفي حديث آخر تحدَّاهم الخطاب القرآني مطالبًا إياهم بإثبات مجرد احتمال واقعية الفعل منها، فقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾ [الحج: 73]. فأصنامهم التي أنشأتها أفكارُهم الملتصقة بعالَم الماديات عديمةُ الفعل في الفعل السلبي والدفاع ﴿ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ﴾ [الحج: 73]، ومن باب أولى أنها عديمة الفاعلية في حال الفعل الإيجابي ﴿ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾. لكن ما يثير الاستغرابَ أنهم رغم اعترافهم بضعفها، إلا أنهم أصروا على الالتصاق بها قائلين: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3]. وهذا ينبئك على أن الأساس الحقيقي لأصنام الجاهلية لم يكن في حجارتِها أو صياغتها على شكل إنسان أو حيوان أو... أو...، بل إنه كامنٌ في أعماق الفكر الدائر في رحى الأشخاص والأشياء والطبيعة. ومحاربة الأصنام يبدأ من محاربة الأفكار الأم المؤسِّسة لها والمغذية لها، ولا يعني غيابُ الصنم الذي هو تجسيد للفكرة، لا يعني أبدًا غيابَ الفكرة ما دامت البيئة الحاضنة لها حاضرةً، ومن هنا نستطيع تلمُّس حكمةَ عدمِ اهتمام الخطاب الإسلامي بادئ الأمر، أو على الأقل عدم دعوته إليها، بل اتَّجه صوبَ تحطيم الأفكار الشاردة وتأسيس فكرة الوحدانية وحاكمية المبادئ القائمة على الوحدانية والقيم المطلقة. ولعل الخوف من الدوران حول فلك الأشخاص هو مِن الحِكَم التي من أجلها حرَّم الإسلام تصوير الصالحين ووضع صورهم على قبورهم، ويدلنا على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لأم سلمة لَمَّا ذكرت له عن صور في كنيسة رأتها في الحبشة: ((أولئك قومٌ إذا مات فيهم الرجلُ الصالح أو العبد الصالح بنَوْا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيها تلك الصور، أولئك شِرارُ الخلق))؛ رواه البخاري في صحيحه، رقم 778. ولعل من حِكَم الله تعالى قضاءه في شكل وفاة النبي عليه الصلاة والسلام؛ حيث أراد أن تكون هذه الوفاة درسًا لأمة لا ترى إلا الله نقطةَ ارتكازٍ في حياتها وفلكًا تنجذب إليه، فقال أبو بكر مقولته المشهورة: "مَن كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومَن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت"، إنها إعلانٌ لموت الأشخاص الفانية في مقابل بقاء الله والأحكام الصادرة عنه واستحقاقها لتكون هي الحاكمة. إن الارتكازَ على الفانيات هو فناءٌ في حدِّ ذاته؛ لأن كل ما أُقِيم على باطل فهو باطل، وكل ما أقيم على فانٍ فهو فانٍ مثله، أما تأسيس البنيان على أسس خالدة وقيم مطلقة حاكمة فيكون بإتمام البنيان على خير حال وأتم وصف. إن التفكير التصنيمي هو فكرٌ طفولي بامتياز، وفكرُ التوحيد والقيم المطلقة هو فكرٌ ناضج، فالتعليم للطفل في مراحله الأولى يبدأ بالشيء، ويبقى الطفل في تعلُّقه بالأشياء والأشخاص إلى أن ينضج ويبدأ تعلم المجردات والمطلقات، وهكذا الحال بالنسبة للبشرية ككل في عمر فكرِها وتدرجه. وما دام العقل الجمعي ينحو بأفراده نحو أشخاص أو أشياء فهو نحو طفولي، وعودة بالعجلة إلى الوراء، مهما تكدَّس في رأس مالِ أشخاصِه كثيرٌ من ميداليات الانتصار والنجاح. [/SIZE] رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/65909/#ix |
![]() |
![]() |
#9 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
"علي الوردي- شخصيته ومنهجه وأفكاره الاجتماعية " عن دار الجمل - كولون، في 319 صفحة. والكتاب تخليد لذكرى العلامة علي الوردي والتعريف بكل ما يتعلق بحياته وشخصيته ومنهجه وأفكاره الاجتماعية والفلسفية. فالوردي معلم من معالم الفكر الاجتماعي النقدي ورائد من رواد الفكر التنويري في العراق، الذي ترك فراغاً واسعاً في الحركة الفكرية والثقافية والاجتماعية، وخلف وراءه ثروة فكرية قيمة، كانت حصيلتها ستة عشر مجلداً ومئات الدراسات والبحوث والمقالات في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي. وبوفاته خسر العراق رائداً من رواد الفكر الاجتماعي في العصر الحديث. .
إن الاهتمام بأفكار علي الوردي وآرائه الاجتماعية وإعادة قراءته من جديد يعتبر بمثابة إعادة الوعي بأهمية أفكاره التي شخصها في مؤلفاته النقدية الجريئة التي أشرت إلى ما يحمله عراق اليوم من محن وانقسامات وصراعات اجتماعية. ولعل العودة إلى علي الوردي من جديد تقدم لنا مؤشرات على مصداقية أفكاره وتشخيصه لما يحمله عراق اليوم من تشوهات اجتماعية، حيث كان شاهدا أمينا على قرن بكاملة. كان علي الوردي مثقفا اجتماعيا موسوعيا جريئا ومتمردا يتحدى المنظومات الاجتماعية والثقافية القائمة من خلال توجيهه انتقادات حذرة، مبينا عوامل التخلف والركود، كاشفا عن عجز النظام الاجتماعي- السياسي، الذي قام على أعقاب قرون عديدة من الظلم والعجز والاستلاب، مستخدما أسلوبا تنويريا نقديا يعتمد على السرد المبسط والكلام السهل الممتنع، منقبا في عمق الأشياء الصغيرة والظواهر الاجتماعية المبعثرة في ثنايا المجتمع والتاريخ، التي تجاهلها الكتاب والمفكرون، أما لحساسيتها أو لعدم تقديرهم لأهميتها الاجتماعية والثقافية، لجمعها ودراستها وتحليلها والربط بين أجزائها، ليصل إلى معانيها الاجتماعية والانثروبولوجية ويكشف عن دوافعها وأهدافها القريبة والبعيدة. إن الاهتمام بمؤلفات الوردي وتسابق الناشرين لإعادة طباعتها من جديد، في بغداد وبيروت ولندن وغيرها، يعني العودة إلى افكاره وآرائه الاجتماعية النقدية وضرورة قراءته من جديد وفق ما استجد من أحداث. كتب الوردي عن حياة الناس الاجتماعية وعن قيمهم وعاداتهم وعصبياتهم وسلوكهم في الحياة اليومية، وعن مرجعية هذا السلوك وأصوله الاجتماعية والنفسية والمصلحية، بدون تحيز وانفعال وتعصب، كعالم اجتماعي يكتب بدون مواربة أو مبالغة وافتعال عن طبيعة الإنسان والمجتمع البشري وعن الخير والشر حين تثيرهما الظروف والمصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعن شخصية الفرد العراقي. كما طرح ما كتبه للفحص والنقد والمساءلة. ومع ذلك فقد انتقده كثيرون وصدر ضده 16 كتابا، خمسة منها من وعاظ السلاطين، بينما لم يتعرض هو لنقد احد، وانما انتقد الظواهر الاجتماعية السيئة والمفاهيم السلبية القديمة والحديثة، ولم يلن او يعجز وهو ينتقد ويعري ويسخر من الأشياء، إلا بعد أن هدته الشيخوخة وأتعبه المرض ومسه هاجس الخوف من النظام الاستبدادي الشمولي السابق. ومن الممكن القول إن الوردي كان شاهداً على أحداث قرن بكاملة تقريباً. فقد فتح عينيه مع بدايات الحرب العالمية الأولى، وأسدلها وما زالت حرب الخليج الثانية لم تنته بعد، وكان في كل ذلك حاضراً يستقرئ الأحداث ويحللها وينقدها بأمانة نابعة من استقلاليته الفكرية وموضوعيته العلمية، ولذلك وجد قراؤه ومريدوه وأصدقاؤه وحتى نقاده في أفكاره الاجتماعية النقدية الثاقبة، كثيراً من الأجوبة على تساؤلاتهم وتشخيصاً للكثير من مشاكلهم. استخدم الوردي منهجاً أنثرو- سوسيولوجيا تركيبيا وتأويليا في دراساته وبحوثه، فهو أول من غاص في جذور المجتمع الخفية منقباً عن الظواهر الشاذة والغريبة وغير السوية فيه، التي ليس من السهل التعرض لها ونقدها، لشدة حساسيتها الاجتماعية والدينية والسياسية. ولذلك يمكن القول، إن الوردي هو أول من شخص وفكك وحلل الظواهر الاجتماعية المرضية التي رزح تحت ثقلها المجتمع العراقي سنيناً طويلة، وبذلك استطاع أن يضع يده على الجرح العراقي العميق ويقول: هذا هو الداء. وتعتبر مؤلفاته العديدة، وبخاصة "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي"، وكذلك موسوعته الاجتماعية "لمحات من تاريخ العراق الحديث"التي صدرت في ثمانية مجلدات، بمثابة مراجعة جديدة وشاملة لتاريخ العراق الاجتماعي، فتح فيها باباً واسعاً للوعي به وإعادة إنتاجه من جديد، ولكن بشكل نقدي، مثلما وضع تصوراً واضحاً للتركيبة المجتمعية التي هي تشكيل لظروف وشروط تاريخية واجتماعية واقتصادية- سياسية، ما زالت تعيد إنتاج نفسها اليوم. تلك المقدمات السوسيولوجية التي بينت بوضوح عمق ما يحمله العراق اليوم من تناقضات وصراعات عميقة. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل استطاع الوردي تشخيص خصائص وسمات الشخصية العراقية وتقديم أجوبة كافية وشافية لعوامل الخلل والتشوه الذي أصاب المجتمع العراقي وشخصية الفرد وتمزق هويته الوطنية وعجزه عن استعادة وعيه والوقوف على رجليه واستعادة حريته ؟! للإجابة على هذا السؤال علينا قراءة الوردي والتعرف على أطروحاته الاجتماعية التي تقدم لنا مؤشرات على مصداقية أفكاره الاجتماعية وما يحمله عراق اليوم من كوارث ومحن، وهي: أولاً: شخصية الفرد العراقي - محاضرة ألقاها في معهد الملكة عالية في بغداد في العام 1950 . وهي محاولة أولية لتفسير طبيعة المجتمع العراقي في ضوء ظاهرة "ازدواج الشخصية". وهي ظاهرة اجتماعية وليست نفسية، وهي نتاج وقوع المجتمع العراقي تحت تأثير نسقين مختلفين ومتناقضين من القيم الاجتماعية، قيم البداوة وقيم الحضارة. وهي مصدر الصراع والتناقض في شخصية الفرد العراقي. ويظهر تأثير الازدواجية في القيم والمواقف والسلوك وفي الهوة التي تفصل بين التفكير والممارسة، إذ أن لكل منا شخصيتين واحدة نتحدث بها وأخرى نمارسها. وتظهر الازدواجية في الميل إلى الجدل وفي ممارسة الحرية والديمقراطية وفي الوساطة والرشوة والشطارة وفي خدمة العلم وكره الحكومة وكذلك في الأغاني الحزينة وغيرها. ثانياً: الصراع بين قيم البداوة وقيم الحضارة: تأثر فيها بمقولة ابن خلدون"الإنسان ابن عوائده". فقد لاحظ الوردي وقوع العراق على حافة الصحراء، التي تمده بموجات بدوية مستمرة تؤثر على سلوكه وقيمه الحضرية، وهو ما سبب صراعاً مستمراً بين "بدوي غالب وحضري مغلوب". من نتائجه: التغالب والعصبية القبلية والقتال بين القبائل والمدن والمحلات وامتهان الحرف وغيرها. ثالثاً: التغير والتناشز الاجتماعي - لقد أنتج الاتصال الحضاري مع الغرب وعملية التثاقف ودخول المخترعات الحديثة المتقدمة علميا وتقنيا إلى العراق، تغيراً وتناشزاً اجتماعياً وثقافياً انهارت على أثره جميع الحواجز بين المعقول وغير المعقول، وأصبح الطريق مفتوحا لتقبل كل شيء جديد ممكن، غير أن هذا التغير فجر صراعا بين "المجددين"، مؤيدي الحضارة الغربية وبين"المحافظين الذين وقفوا ضدها وحاربوها، وقد اعتبر البعض المجددين كفارا، في حين اعتبروا المجددين المحافظين رجعيين، وهو ما أحدث صراعا اجتماعيا بين الجيل الجديد والجيل القديم. وقبل نصف قرن أدرك الوردي محنة العراقيين عندما قال: «إن الشعب العراقي منقسم على نفسه وفيه من الصراع القبلي والقومي والطائفي أكثر من أي بلد آخر. وليس هناك من طريق سوى تطبيق الديمقراطية، وعلى العراقيين أن يعتبروا من تجاربهم الماضية، ولو فلتت هذه الفرصة من أيدينا لضاعت منا أمداً طويلاً». إن اطروحات علي الوردي الاجتماعية كانت إسهاماً ثرياً ومثيراً أغنى الحركة الثقافية والاجتماعية في العراق، وتركت قراء وتلاميذ ومريدين ما زالوا يستنيرون بأفكاره الاجتماعية الجريئة التي حصلت على اهتمامات فئات اجتماعية عديدة ومختلفة. وقد أحدثت آراء الوردي الاجتماعية ونقده الجريء للمجتمع والشخصية العراقية ردود أفعال مختلفة وانتقادات لاذعة وما زالت تثير نقاشات حادة وجدلاً لا ينقطع، كما تعرض إلى اتهامات قاسية ومختلفة لأفكاره الاجتماعية الجريئة التي وجهها إلى العادات والتقاليد القديمة والطقوس الدينية البعيدة عن روح الإسلام. ومهما وجهت إلى الوردي من انتقادات، فقد بقيت كتبه وأفكاره الاجتماعية حية، وموضع اهتمام متزايد حتى من الجيل الجديد |
![]() |
![]() |
#10 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
مدونة الوراق شكرًا على المجهود ، ومعذرة للاختلاف معكم .. هناك حقائق عديدة عادة يتجاهلها أو يغفلها المؤمنون وبذلك يظنون أنهم قد أثبتوا وجود الله ووجود غاية معروفة من وجود الإنسان على الأرض ، منها: 1 - ما قيمة مكيفات الأرض وأكسجينها إذا كان جل سكانها بؤساء تعساء فقراء مضطهدين، وكل المؤمنين على سطحها هم مؤمنون تحت التهديد والوعيد والإغراء والخوف والهروب من اللا بديل، وليس بينهم مؤمن واحد عن قناعة ومعرفة - إلا خوفًا أو توهمًا ..، فليس بينهم من يعرف شيئًا عن هذا الذي كيَّف لهم الأرض، ولا سبيل لديهم للتواصل معه للتأكد من وجوده أو لطلب نجدته - لا بالدعاء ولا بالبكاء ولا بالموت في سبيله! 2- المؤمنون يفترضون أن الملحدين يتعمدون إنكار وجود الله ..، وهذا ليس صحيحًا ..، فالملحدون لم يجدوا دليلاً مقنعًا على وجود غاية من الحياة ووجود إله خلفها ..، لا أقول دليلاً ماديًا أو مرصودًا، لكن أقول دليلاً منطقيًا ..، فما معنى أن يصنع الإنسان روبوتات لعبادته؟ وما معنى أن يُبرمج بعضها بأن تجهله كي يعاقبها ، ويبرمج بعضها بأن تعرفه كي يكافئها؟ وما قيمة عقاب أو ثواب الصانع لمصنوعاته؟ .. أليس هذا ما يعتقد المؤمنون بأن الله يفعله بالبشر؟ وعلى افتراض وجود الله، هل هناك إنسان عاقل يعي - يدرك - وجود إله ، ووجود نار وجنة، ثم يكفر بهذا الإله لكي يدخل النار؟ وهل هناك معنى لمعاقبة الله لإنسان كل ذنبه أنه لم يستطع تصور وجوده؟ أين العدل والمصداقية والغاية؟ إن الأمر واضح وضوح الشمس، وهو أن المؤمنين يحاسبون الملحدين لعدم تصديقهم لهم هم وليس لكفرهم بالله، ويعتبرون أن تكذيبهم يعادل الكفر بالله ..، وهذه مغالطة عقلية مقصودة ومفضوحة ولا تنطلي إلا على البسطاء والسطحيين! 3- المفكرون والكتاب والمتحدثون المؤمنون ينظرون إلى الوجود البشري وكأن حالهم ينطبق على كل البشر ، فينسون أو يتجاهلون موت ملايين الأطفال مما يدل على انعدام الغاية من خلق هؤلاء الأطفال ..، ووجود ملايين المعاقين والمعدمين والمشردين والمتسولين والمهاجرين غير الشرعيين والمساجين .. الخ ..، فأين هي الغاية وما قيمة الرعاية الإلهية للأرض إذا كانت من أجل الإنسان وكان الإنسان أكثر الموجودات حيرةً وتعاسةً وبؤسًا وألمًا وتشردًا؟ شواذ القاعدة يا سيدي لا تصح مقياسًا أو سببًا ، ولا شك أن جُل البشر وعلى مر العصور هم مجرد ضحايا يتألمون - لا باختيارهم - لكنهم ضحايا لضعفهم وجهالتهم وللكوارث الطبيعية وضحايا لظلم وجشع القلة الأقوياء منهم .. الخ ..، فأين الغاية والرعاية الإلهية؟ 4 – ليس صحيحًا القول بأن الفلاسفة الماديين يكرهون الله ..، فسبب رفض الفلاسفة الماديين لفكرة وجود الله، ليس كراهيتهم لشيء لا يعرفونه ..، بل السبب هو ما ترتب على افتراض وجود الله من كوارث للبشر على أيدي بعضهم بسبب الإيمان بوجود الله – ما حدث في أوروبا في العصور القديمة وما حدث ويحدث للمسلمين في الماضي والحاضر!!! 5 - ليس صحيحًا القول بأن الفلاسفة الماديين يرفضون السؤال"لماذا" ..، لكنهم يرفضون افتراض سبب أو غاية دون برهان مادي ولا منطقي .. لماذا قامت الحياة؟ قامت الحياة بسبب غياب المانع! توفرت ظروف واجتمعت عوامل منطقية مادية لا غائية لانبثاق حياة على الأرض، فكان لا بد للحياة أن تنبثق على الأرض ..، ولم تتوفر ظروف ولم تجتمع عوامل لانبثاق حياة على المريخ فلم تنبثق حياة على المريخ ..، هذا كل ما في الأمر ..، تمامًا كما أنه لا بد للمطر من أن ينزل حيثما توفرت ظروف واجتمعت عوامل مادية لا غائية لنزوله ..، فيهطل المطر في البحار والصحاري حيث لا قيمة لهطوله بها، ويغرق مدنًا آهلة بالبشر فيدمر الحياة فيها ..، ولا ينزل بمناطق زراعية فيحل الجفاف وتموت الحياة، كل هذا العبث يحصل لأنه لا غاية ولا رعاية ولا سبب منطقي لهطول المطر، إنما سبب هطول المطر هو دائمًا غياب المانع من هطوله ليس إلا – أي توفر ظروفه واجتماع عوامله المادية لا الغائية! ملاحظة: نحن نعي ونفهم تمامًا الجواب السهل والجميل الذي يقدمه الدين والإيمان بوجود الله للبسطاء والضعفاء من البشر، والطمأنينة والاستقرار النفسي الذي يوفره لهم ..، لكن ذلك لا يعني أنه صحيح، ولولا ما ترتب على الأديان من آلام وأضرار لما حاربها الفلاسفة الماديون .. نحن نفهم أنه ينبغي معاملة جل البشر كما يُعامل الأطفال – بسبب بساطتهم وسطحيتهم وضعفهم وعاطفتهم ..، لكن رجال الدين لم يتوقفوا عند حد ، فأرادوا أن يكونوا آلهة ورسلاً ، وأن يفرضوا معتقداتهم اللا منطقية من تقديس للبقر والحجر والصلبان على كل العقول، فكان الصدام معهم تحصيل حاصل، وكان لا بد فضح الخرافات والأساطير! الرد : المشكلة في التحاور مع رجال الدين الجديد (وهو الإلحاد) هي نفس مشكلة التحاور مع رجال الدين القديم .. هناك خطاب جاهز ومكرر، تم ابتلاعه بطريقة إيمانية ، تستطيع أن تحاور كل ملاحدة العالم اذا حاورت ملحداً واحداً ، وسوف تعاني من تكرار كلامك لأن كلامهم متكرر. وكلهم يتكلمون عن المنطق، كبداية ، ثم إذا بلعت الخدعة وتحمست للمنطق، خرجوا منه كما تخرج الشعرة من العجين! وبكل سهولة وعدم إكتراث! تريه تناقضه بعد أن تجتهد ، يبتسم لك بافتخار أنه تناقض ! ثم يعود ليكرّر من جديد : ما أجمل المنطق! وهكذا تستمر قصة توم وجيري : مقدمة منطقية، يتلوها فرح بالتناقض، يعقبها افتخار بالمنطق! و كأن التناقض جزء من المنطق! ماذا استطيع أن اقدم لك سوى ان أبين تناقض طرحك، لن استطيع أن احضر الإله لتراه، أستطيع أن أحضر تناقضك وتناقض الماديين كلهم، لكنه لا ينفع أبداً ومجهود ضائع! وبعد أن أثبت عدم المنطقية في كل ما قالوه، يعودون ويفتخرون بالمنطق ويقولون : ما اجمل المنطق! وكأنك لم تكتب شيئاً ! فهل سندخل في هذا الحلزون ؟ هل تستطيع أن تقف عند التناقض ولا تترك الفكرة حتى أتركها أنا وأعجز عنها ؟ أم تعود لتشغيل نفس السمفونية الالحادية التي نسمعها بكل اللغات ؟ و هي أدق سمفونية دينية من حيث التشابه. إنها نسخة أصلية واحدة غير قابلة للزيادة، أتدري لماذا ؟ بسبب عدمية الإلحاد لا تستطيع أن تزيد ، ولو تأملت هذه الكلمة بحد ذاتها، لتبين لك معنى صحراء الإلحاد القاحلة التي لا تنبت الا الشر والضياع والالم النفسي قبل الجسدي. وأنت تعترف ان الايمان يسبب سعادة ، ولا أظنك ستنكر ان الالحاد لا يسبب سعادة ، بعدما اثبتَّ أن الايمان يسبب السعادة ،ولا يمكن أن يكون كلا الاثنين يسببان سعادة مع تناقضهما. كان يكفي هذا الموضوع لتعرف عبثية الالحاد ، وأنه ليس الحل الذي يحتاجه الانسان، لأنه كما فهمت من كلامك أنه لا يسبب اطمئنان ولا سعادة، بل شقاء، ويكفي ان تحس بعبثية كل شيء حتى وجودك. وهذا مخالف لمطالب النفس البشرية، اذن عليك ان تعترف ان الالحاد فشل على الاقل في مجال علم النفس، لأنه لا يسبب سعادة للإنسان، اي انسان ، فهل تعترف ام تكابر؟ هل تستطيع ان تقول ان الايمان يعالج الامراض النفسية افضل من الالحاد ؟ حتى لو كان خطأ و بغض النظر عن صوابه او خطئه ؟ هل تقول هذا وتثبت على كلامك ؟ سيكون هذا عمل يستحق الإحترام منك. النقطة الاخرى التي لم يستطع الملاحدة الاجابة عليها : لماذا الدين يسبب راحة وسعادة وقوة وتحمل ؟ بينما الإلحاد يسبب العكس ؟ هل تستطيع أن تجيب عن هذا بتحليلك العلمي الذي يحترم العقل ؟ ما دام الانسان لا غائي ، لماذا تتعبه اللاغائية ؟ أجب عن هذا السؤال. كيف ترتاح نفس الإنسان لشيء مختلف عن طبيعتها ، وهو الإيمان بحسب الملاحدة ، بل عن الطبيعة كلها ما دامت كلها فوضوية ولا غائية ؟ اليس الإنسان من الطبيعة اللاغائية؟ لماذا اختلف عنها؟ هذا ينتظر جوابا ايضا . اذن عليك ان تعترف ان الالحاد يخالف طبيعة النفس البشرية و يسبب لها تعاسة . وأن تلك النفس التي تقبل الالحاد تتحمل الالام والضيق لانها تحترم العقل والمنطق وتضحي بنفسها لأجله ! اذن على تلك النفس التي ضحت لأجل المنطق ألا تتملص من المنطق. و تفسر الوجود بالمنطق، لا باللاشيء الذي جاء من اللا شيء ولأجل لا شيء ! لا أظن هذا منطقاً ! اليس كذلك ؟ انت ضحيت بسعادتك لأجل المنطق ! تضحي بالمنطق لأجل ماذا ؟ هل تستطيع أن تعترف ان التفسير البديل الذي يقدمه الالحاد غير منطقي ؟ أم أنك تصر على أنه منطقي؟ عقلك ينشغل بالدين لكنه لم ينشغل بالالحاد ! سلّط عقلك على دين الالحاد لترى مدى منطقيته ما دمت لست مقتنعا بمنطقية الدين ، والشيء الذي تـُرك لعدم منطقيته، فذلك الترك هو بسبب وجود ما هو اكثر منطقية منه، اذن أثبت زيادة المنطقية في دين الالحاد على دين الله. أعرف ان كل ملحد ينتظر دفاعا من المؤمنين، وهذا سر قوته، ولكنه يتفاجأ بمن يهجم على دين الالحاد نفسه و يترك الدفاع عن الدين أو يؤجله، وأنا الآن أسايرك : لنقل مثلك أن الدين كله خطأ ، هيا أخبرنا عن صحة الإلحاد ومنطقيته ! لاحظ ان كل مقالك نقد للدين وليس فيه شيء يبرز الالحاد كوجود ! ترى ما قيمة هذا البديل الذي يُخفَى ولا يُبرَز ؟ الملحد يخفي دينه وراء هجومه على الدين ، حسنا اتفقنا معك ! كل الدين باطل ! لنقل هذا و نريحك ! أخرج بديلك ! اطرحه ! حدد معالمه ! لا تخجل منه! هل بديلك هو الفوضى ؟ هل تقبل الفوضى في التعامل معك ؟ ألا ترى الكون فوضى ؟ لماذا لا تقبلها في حياتك؟ المنطق لا يُجزّأ ولا يُكال بمكيالين ! هل الملحد يقبل الحياة الكونية كما هي ما دام يراها فوضى ؟ لماذا يتضايق من الفوضى اذا كان هو ضحيتها ؟ أليس مرجع الملحد هو الطبيعة ؟ هل تجيب عن هذه النقطة أم ستقفز على نقطة أخرى ؟ أنا أريد محاورا لا يقفز حتى أفهم منه أو أفهِّمه. و مدح المنطق لا قيمة له من قبل الملحد اذا لم يتقيد به . من يدّعي شيئا فسوف يطالب بالالتزام به ، و أنت إدعيت العقلانية والمنطقية من البداية ، اذن التزم بها حتى النهاية . انا اعرف ان الالحاد لا يستطيع ان يستمر مع المنطقية، لهذا أنا اصنفه كطرح دعائي اجتماعي اعلاني ، يعرف كيف يقلّب النظرات الى الامور بطريقة تخدم هدفه وهو إبعاد الدين والتقليل من شأنه لأجل الوصول الى المجتمع ، والالحاد ليس طرحاً فلسفياً بل هو طرح اجتماعي، الطرح الفلسفي يفرح بالنقاش ويستمر بالالتزام بمسلماته، ولا يقفز على السطور. اما صاحب القضية الاجتماعية فهو يتكاثف في المناطق التي تخدمه ويتبخر بسرعة عند ما لا يخدم هدفه. الدعوة الالحادية غائية، وأنت تعلن غايتها ، وهي حرب الأديان، بينما أنت من كون لا غائي ! ومخلوق غير غائي أصلاً ! لماذا صرت غائياً في هذه النقطة ؟ أنت تقول ان الانسان ليس غائي والملحد متحرر من الدين، اذن يجب ان يكون متحررا من الغائية ،لأنه رجع الى الاصل، إذن لماذا غايته حرب الاديان ؟ بينما الإنسان ليس له غاية ؟ انت كإنسان ترى وتفهم كل شيء من خلال النظرة الى غايته ، كل ما يخدم الانسان وما يتعلق بحياته تتعامل معه بغائية ، إلا هذا الإنسان فليس له غاية ! هل هذا منطق ؟ أن تكون جزمة الانسان لها غاية والانسان لا غاية له ؟ هذا هو طرحكم ايها السيد المنطيق. ثم ان نقدك للدين قائم على فقدان الغائية ، مثل سؤال لماذا خلق الله المرضى ، لماذا خلق الله البشر ، مع أنك المفترض أنك تقبل عدم الغائية، وأن تكون غير غائي ، وتعتبر هذه نقاطا ايجابية في الدين،وهذا ليس بالعجيب لأن الكون كله لا غائي ! إذن المجنون هو الاعقل من وجهة نظركم، لأنه ماشي تبعا للاصل ، والعاقل هو الشاذ عن الطبيعة الفوضوية ! لأن العقل مرتبط بالغائية والسببية، فهل هذا هو المنطق؟ والعلم صدى العقل على الطبيعة ، بمعرفة ظواهرها من حيث أسبابها وغاياتها . إذن العلم أيضا مخالف للطبيعة، لأنه يحمل غائية. وبموجب طرح الالحاد فالجنون والجهل مسايِران للطبيعة والفوضى ! وعلى الملحد أن يكون صريحا ويرفض العقل والعلم لخلوهما من الفوضى . والمنطق أن قيمة كل شيء تحددها غايته وعلاقته، وما له قيمة غائية أهم مما ليس له قيمة، أليس كذلك ؟ إذن الإلحاد يقرر ان الجزمة أثمن من الإنسان، لأن الجزمة لها غاية والانسان ليس له غاية ! وقيمة الاشياء بغايتها ! فقيمة السيارة لانها تنقل الركاب والبضائع، اما الركاب فلا قيمة لهم ! لأنه لا غاية من وجودهم ! هذا ما أنتجته عقلية الالحاد، وهذه هي المكانة التي وضعها للإنسان : أسفل من السافلين و أسخف من الجزمة ! ألا تذكّرك هذه النظرة بنظرة الشيطان للإنسان التحقيرية دائما؟ لهذا نعرف ان الإلحاد من الشيطان. انت ترى ان الانسان تافه وبسيط ولا قيمة له، لكن الويل لمن يتعرض لمصالح هذا التافه! اليس هذا تناقض؟ هذا غير أنه يجب ألا يكون له مصالح ، لأن اصله لا غائي ! أليس المنطق واجب التعميم ؟ إذن عمّم كل ما تقول ولا تنتقي، وإلا فسأعمم بدلا عنك ! المؤمن يقول كل شيء غائي، الواقع منسجم مع طرحه أكثر من طرحك ، هل تعترف بهذه النقطة أم لا ؟ المؤمن اذن عقلاني اكثر، على الاقل في هذه النقطة .. ثم : من الذي يحدد الغاية ؟ أنت لم تنتبه لهذه الغاية، هل هو أنت أم أنا أم الجيل الذي بعدنا ، سلفك الملحد قبل 140 سنة عدّوا 111 عضوا في الانسان كلها لا فائدة من وجودها، الآن العلم يضحك من تفكيرهم ، بما فيها الزائدة الدودية . هل هذه طريقة تفكير منطقية يتبناها الملاحدة ويستطيعون تعميمها في حياتهم أنه كل ما لم أعرف (أنا) فائدته ، سيكون فوضوي وعديم الجدوى ؟! الاطفال وهم يرون في التلفزيون أناسا يفعلون أشياء لا يعرفون فائدتها ، لا بد أنهم يخمنون ان لها فائدة ولكن لا نعرفها ، اسألك الآن : هل هذه الطريقة ذكية وعقلانية ومنطقية وتستطيع ان تطبقها في حياتك ؟ لن تقول نعم ، على الاقل احتراماً لمقدمتك في مدح العقل ! اليس العلم يتطور ؟ ما معنى أن يتطور ؟ أي يكتشف غايات ، يكتشف اشياء و امور تستطيع الاستفادة منها لم نكن نعرف انها مفيدة، اذن العلم ضد هذه الطريقة العقلية البسيطة جدا مع احترامي لك . نحن لا نعرف اشياء بسيطة في حياتنا وحتى اجسامنا، فما بالك ان نعرف غايات كونية كبرى ؟ لكن فكرة : "لا أعرف فائدته ، اذن هو فوضى وعبث" ، قل معي رجاء أنها فكرة سخيفة، حتى احترم عقلك ! وتعجبي من سذاجة هذه الفكرة ليس أكبر من تعجبي من الفكرة الاخرى ، وهي : "وجد الشيء لغياب المانع" ! كتبرير و تفسير منطقي ومريح ! بالله هل تطبقها في حياتك اليومية ؟ أو هناك من يطبقها ؟ أم أن للملاحدة منطق خاص بهم ؟ وكأنهم من كوكب آخر ؟ مع أنهم يدعون الواقعية ! يسألك إبنك : لماذا الساعة موجودة على الجدار ؟ تجيب : لغياب المانع من وجودها ! الطفل : نعم ، جواب مقنع ! هل بهذه المنطقية تقنعون الناس وتتوقعون ان يستجيبوا ؟ أنا اعرف قوة الطرح الالحادي من اين يأخذ قوته، يأخذ قوته من فساد الكثير من رجال الدين مع الأسف وعلمانيتهم المقنعة، وهذا الشيء يدركه الداعية الملحد، و بناء عليه يخفي الإلحاد ولا يركّز عليه، بل يركز على نقد الدين ويركز من شواهد وممارسات رجال الدين ، وبالتالي يُخفي ضعف الالحاد وتهالكه، على مبدأ : خير وسيلة للدفاع هي الهجوم. معذرة ، ديانة الالحاد ضعيفة جداً ولا تقوى على الصمود للعقل، فلا تعرضها كثيراً أمام العقل. "أنتوني فلو" ناقش هذا الموضوع وهو إمام الملاحدة في زمانه ، ولما كبر وكبر عقله و بلغ سن الرشد اعترف بتهافت الطرح الالحادي عقليا وعلميا، مع أنه لا يؤمن بكل الاديان. وهذا مثال لا حصر. في حين ينبش داوكينز في رقبة الزرافة عله يجد عصبا لا فائدة منه، متهما "فلو" بالتخريف لكبر سنه .. أسألك : هل العلم يبحث عن النظام ام عن الفوضى؟ علم الملاحدة يبحث عن الفوضى، هل أحد يستطيع أن يستفيد من الفوضى؟ هل توظّف الفوضى لمصلحة الإنسان؟ الإقرار بالفوضى هو نفي للعلم وهدمٌ له من اساسه، وأنت تقر بالفوضى وأنها هي الأساس. عليك أن تفخر بالفوضى لا بالعلم. ولا تقل أن العلم اكتشف فوضى، فهذا من استعمال الجهاز في غير ما صُمّم له .. اللادينية اكثر عقلانية من الالحاد، و يظهر ضعف الالحاد عندما يقدّم البديل للدين ، و إن كانت قوته في نقده للأديان وما علقها من خرافات و مستثمرين للخرافات. لهذا لجأ الدعاة الملاحدة الى الاسلوب الاعلاني والهروب عن الحوارات الطويلة، مركـّزين على شريحة الشباب والشهوات باسم الحرية. لكن ليس الالحاد فلسفة يمكن أن توضع مقابل الفلسفات المحترمة، و اقول" المحترمة" لأنها تحترم المنطق، بينما الالحاد اذا احرجه المنطق ذهب ليقلل من شأنه ، و حجته نظرية الكم الفوضوية، وإن كان في البداية يمدح المنطق ! ومن هذا دأبه يُصنّف في المجال الدعائي لا المجال العقلاني والفلسفي. اي فلسفة مستعدة بحجج عند اي نقد منطقي يقدم لها ، الا الإلحاد ! مستعد للقفز والالعاب الاولمبية ! انا طرحت عليك عدة تناقضات الان، أتمنى أن تجيب عليها بنعم او لا ، ولا تكن كملاحدة الجمباز الفكري .. و النقد الذي يقدمه الملاحدة لتعنّت رجال الاديان ، يقدمه غيرهم ايضا من اتباع الاديان ، وليس حكرا عليهم، واذا كان في الدين أخطاء وأساسه منطقي وإيجابي ، فالمنطق أن تُصلّح الاخطاء، لا أن يذبح الجمل بما حمل، وهذا سؤال ينتظر الجواب بنعم او لا |
![]() |
![]() |
#11 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
"إن الوجودية لا تعالج شيئاً ولا تقترح العلاج لشيء ولا لأحد من الناس .. الوجودية (الأدب الوجودي) عبارة عن أصابع تشير وأشعة كاشفة .. ولكنه ليس يعالج ولا يقترح العلاج .. " ص 17
الرد: إذا لماذا لا تشير إلى كل شيء على الأقل ؟ لماذا تشير فقط إلى الرذيلة ولا تشير إلى الفضيلة ؟ لماذا تشير وتقتنص وتنتقي ما تشير إليه ؟ وأغلب ما تشير إليه وتنتقيه من نفس النوع المحبط اليائس المغرق في الرذيلة ؟ ما هو الإعلام المغرض سوى هذا !! فهو يقتنص ما يريد ويركز عليه ، وكأن غيره غير موجود ، ويقول : أنا اتيت بالواقع ، وكلامه صحيح ، ولكن لم يأتي بكل ما في الواقع ، وبالتالي يظهر للمتلقي أن ذلك هو الواقع فقط ، وهذه لعبة الإعلام والدعاية التجارية ، فهي تفعل ذلك ، فهي لم تصدق ولم تكذب .. والإنتقاء يدل على اختيار المنتقي ، أي: نحن أمام رغبة هذا المنتقي ولسنا أمام الواقع بكل صوره وأطيافه ، وفكرة تشخيص الامراض ، طالما ان الأدب الوجودي ليس طبيباً كما يقول ، فلماذا صارت مهنته التطبيب والبحث عن الامراض وتكبيرها ؟ وهل هو يقدمها على شكل أمراض ، أم يقدمها على أنها هي الحقيقة التي يجب أن تقبل دون ان تمس ولا تغيّر ؟ بهكذا اسلوب ، تكون الوجودية دعاية للرذيلة ، بسبب إنتقاء الرذيلة دون غيرها ، وبسبب تركها دون علاج ، والأسوأ هو تقديمها كحقائق ، والحقائق لا تتغير ، إذاً هو لا يريدها أن تتغير طالما أنه وصفها بالحقيقة . وعلى دعوى إصلاح المجتمع عن طريق اختيار العيوب وتكبيرها حتى تتصلح ، هناك طريق آخر للإصلاح ايضاً ، وهو تشجيع الفضيلة التي لا بد أن تكون موجودة في المجتمع طالما وجدت الرذيلة فيه ، وفي هذا دعم وإصلاح للمجتمع وعدالة في الرؤية وتقديم نماذج تحتذى لمن شاء أن يستقيم ، أما النظر للمجتمع بهذا المنظار القاتم العابس ، وكأن الحقيقة هي ما وضع عليه الوجودي عدسته ، فهذا تشخيص لنفسيته هو اكثر من كونه تشخيص للمجتمع ، لأن المجتمع كما قلت متنوع ، وهذه النظرة الوجودية غير متنوعة . الوجودي يصوّر نفسه من خلال المجتمع ، بانتقاء ما يتناسب معه ، أكثر من تصويره لواقع المجتمع . المفارقة التي يعتمد عليها الفكر الوجودي والمادي عموماً ، الذي أشاعته الصهيونية العالمية ، هي أن الإنسان سيء ويدعي الفضيلة لاسباب اجتماعية ، وهنا يأتي الادب الوجودي وكأنه يشخّص الحقيقة التي لا يستطيع أن يقول أي أحد بإنكارها ، فكأن الأديب الوجودي يقول للناس : أنتم سيئون ولكنكم تدعون الفضيلة ، ونحن شجعان أكثر لأننا نكون كما نحن (سيئون) مثلكم . وها أنذا أكشف حقيقة وجودكم التي تخفونها . اقتباس: .. فالوجودية ليست مذهباً لن الوجودية ضد فكرة المذهب ، أو ضد فكرة المذهبية ، والمذهب معناه ان يكون هناك تفسير عام شامل لمجموعة من المشاكل الفلسفية الجوهرية ، ومعنى ذلك أن المذهب هو مجموعة من الاحكام العامة او المبادئ المتكاملة التي تفسر الكون كله .. تفسر الله والكون والروح والانسان والقيم الجمالية والاخلاقية .. ص 25 - 26 الرد: كل المذاهب والفلسفات تحاول ألا تكون مذاهباً ، أي أن تكون هي الحقيقة ، وما سواها مذاهباً ، المذهب لا يشترط عليه أن يكون مفسّراً لما يدرسه ، فما دام أصدر أحكاما عامة فهو يعتبر مذهب ، والوجودية أصدرت أحكاماً عامة ، فقالت أن الإنسان ليست له طبيعة إنسانية ثابتة ، وهذا حكم عام على كل البشر ، تنطلق منه تفسيرات وتقريرات . ومن صفات المذهب أن ينسف المذاهب الأخرى أو يعارضها ، وهي عارضت مذاهب كثيرة ، وبما أنها قدمت راي مستقل عن المذاهب الأخرى فهي مذهب ، بدليل أخذها للإسم ، والإسم مثل العلامة التجارية . ولو لم تكن مذهباً لما اصبح لها اسم مميز .الوجودية قدمت احكاما عامة ، فكيف تقول أنها تعارضها ؟ ولهذا سمّيتها أنت فلسفة . فكيف تكون فلسفة وهي لا تحمل احكام ولا تفسيرات ؟ إذا لم يكن لها احكام وتفسيرات ولا منطلقات ، فكيف تسمى فلسفة ؟ وأنت أسميتها فلسفة . ليس شرطاً لأن يكون المذهب مذهبا أن يكون شاملا لكل الحياة ، فهناك مذاهب ادبية متخصصة بالادب ، وفنية متخصصة بالفن ، وتسمى مذاهب وفلسفات . بل إن لكل شخص فلسفته كما قال كيرجارد ، اقتباس: الله – عند سارتر - يجب استبعاده من الوجودية ، فمجاله هو الدين أو أي شيء آخر .. ص 26 هذا الموقف هو موقف إلحادي من سارتر ، فأن تستبعد الله من الحياة ، فأنت الآن اتخذت موقفا باتجاه الله ، وهو الموقف الإلحادي ، فكيف تقول أنه ليس له موقف من الله ؟ إستبعاد الله هو موقف من الله ! وما الفكر الإلحادي سوى هذا الإستبعاد ، والإلحاد مذهب فلسفي مادي ، فما يفعله الملحد هو ما يفعله سارتر ، فلماذا يكون للملحد فلسفة إلحادية ، وليس لسارتر فلسفة إلحادية ؟ ولا شك ان هذا الأسلوب مثل أسلوب المزيّن الذي يريد إخفاء العيوب بالمسحات والمساحيق ، الصراحة هي الأفضل وأن تقول أن لسارتر فلسفة وموقفها من الله هو الإلحاد ، بدلاً من قولك : الإستبعاد ، (بالدغري يعني ) . اقتباس: وسارتر يرى ان الوجودية لم تتم وأن الكلمة الأخيرة فيها لم تقل بعد ، ولذلك فالحكم عليها سابق لأوانها .. ص27 هذا الكلام وكأنه يقول : لا تحكموا على الوجودية فهي لم تكتمل بعد ، مثل من يقول : أن هذا الجاني لا يزال قاصراً فلا يحق أن يطبق عليه القانون . بل هي اكتملت فلسفياً ، ووصلت إلى الآخر ، وهو عبثية الحياة وعدم وجود إله ، وعدم وجود فواصل بين الخير والشر ، ولا يوجد هدف للحياة ، بل وصلت إلى كراهية الآخرين ووصفهم بأنهم جحيم ، لأن الآخرين يمثلون المشترك الأخلاقي البشري ، لهذا ترفض الوجودية الآخرين ، ولو أنها ترى أن الآخرين مختلفين فيما بينهم لما رفضتهم .. ولكنها تراهم ستاراً متماسكا في وجه رغبات الفرد ، بناء على بقايا الأخلاق الموجودة في دواخلهم ، بعبارة أخرى : الجحيم هي الأخلاق ، لو شاء الصدق سارتر . أليست الوجودية تسعى لإبراز الإختلاف بين الناس ؟ وفتح صناديق الإختلاف بينهم ؟ إذاً فلماذا هي تكره الآخرين ؟ إذا اصبح الآخرون مثل سارتر ، ساعتها لن يكونوا جحيماً ، إذاً هي تريد الإتفاق وليس الإختلاف ، ولكن تريد الاتفاق على غير الأخلاق . اقتباس: على الرغم من ان الشيوعية والوجودية تلتقيان في امور جوهرية ، إلا انهما تفترقان بعد ذلك .. فكلتاهما فلسفة مادية واقعية ، فالوجودية تبدأ من واقع التجربة الإنسانية ، والشيوعية هي الأخرى تبدأ من واقع التجربة الانسانية والتاريخية .. والشيوعيون يعتقدون أن الانسان مادة كأي مادة ، يمكن تغييره من الخارج ومن الداخل ، ولا بد لكي يتم هذا التشكيل والتكوين ، أن تسلّط عليه النار حتى يلين ، وحينئذ يضرب ضربا موجعا ليتحول إلى الصورة المطلوبة ، من إنسان إلى قرد ، ومن قرد إلى إنسان .. ص 29 - 31 .. الرد: وهذا ايضاً اتفاق بين الوجودية والشيوعية على مادية الإنسان ، والمادة من الممكن تشكيلها فعلاً من الداخل أو الخارج ، إذاً فلماذا ترفض الوجودية تشكيل الإنسان وتحتكم إلى موجوداته ؟ إذاً الشيوعية هي الاصوب من هذه الناحية ، طالما أن كلاهما ينظران إلى الإنسان كمادة بلا روح . وهذا تناقض في الوجودية ، بين الرؤية والتعامل ، لا نجده في الشيوعية . فهي ترى الإنسان مادة خالصة بلا روح ، ولكن لا يجوز المساس بها وتشكيلها ! بينما المواد الأخرى يجوز المساس بها وتشكيلها ، وهذا الإستثناء للإنسان لم تقدّم له الوجودية مبررا فلسفياً . اقتباس: ولذلك رأينا صورا لشبان وشابات في ملابس مهلهلة قذرة ، والشبان يلبسون ملابس الفتيات ، ويضعون العقود والاقراط ويضعون احمر الشفاه ويسيرون حفاة الاقدام ، ما هذا ؟ إنها الوجودية .. ويطلق الشبان لحاهم ! لماذا ؟ لأنهم أحرار ، ولأن الوجودية تنادي بالحرية .. من المسؤول عن ذلك ؟ إنه سارتر ! لماذا ؟ لأن في قصصه شبانا لهم لحى طويلة ! وباريس تعرف هذا الانحلال كله منذ اقدم العصور .. .. وكثيرا ما اعلن سارتر واعلنت الفيلسوفة سيمون دي بوافار أن الوجودية المعاصرة غير مسؤولة عن هذا الانحلال ، أو غير مسؤولة عن الشبان الذين يجدون تسمية جديدة لانحلالهم القديم .. ص 35 - 36 الرد: الإعتذار بان الإنحلال موجود منذ وجد الإنسان ، لا يعفي المذاهب والفلسفات من مسؤوليتها ، لسبب ان هذه الأهواء والشهوات تبحث لنفسها عن سند فلسفي ومبررات حتى تسكّت صوت الضمير ، لتخدير الضمير ، فالمنحل يعزز موقفه أن تكون له فلسفة يستند إليها ، فبدلاً من ان يقول انا منحلّ ويسكت ، يقول : أنا وجودي ولي فلسفة انضم إليها ، فيقدّم لنفسه التبرير والتشريع لما يعمل ، وإلا لماذا اختار المنحلون الوجودية دون غيرها من المذاهب ؟ هل هذا ظلم وتبلّي ؟ الناس دائماً يبحثون عن قيادات فكرية ، تتناسب مع أهواءهم ، وهذا ما فعلته الوجودية ، بحيث قدّمت غطاء فكريا وفلسفيا لاصحاب الأهواء ، وهذا سر انتشارها بين الشباب ، وسببه هو أنها تخيّرت وانتقت هذا النمط من الشخصيات ، فتخيّرها وانتقاؤها هو الشيء الذي جعلها تتميز وجذب إليها أصحاب هذه الأهواء ليكونّوا رابطة يبررون لأنفسهم ما يفعلون ، وهذه الكتلة الوجودية تصبح ضاغطاً ومغريا لكسب أناس جدد لم يكونوا اصلاً من المنحلّين .. فالشاب الوجودي المنحل يستطيع أن يقول لشاب غير منحلّ أن يكون مثله من خلال عرضه لافكار الوجودية وتزويده بالروايات والقصص الوجودية ، مما يكون داعياً لأن يتذوق الشهوات طالما يوجد هذا الغطاء والمبرر على ايدي فلاسفة كبار ومشهورين . مشكلة انتشار الرذيلة دائما هو عندما يغيّر إسمها ، ويكون لها رموز واسماء رنانة ، بدون هذا لا تنتشر الرذيلة . (قالوا اطعنا سادتنا وكبرائنا فاضلونا السبيلا) .. كأن رسالة الوجودية تقول : " كونوا كما أنتم ، بموجب تشخيصنا لواقعكم الحقيقي . فأنتم تحبون الشهوات ، وتجاملون فيما بينكم ". لذلك يجب أن يسقط الآخرون ، لأنهم هم الحاجز بين الشخص والرذيلة . ( الجحيم هم الآخرون) . اقتباس: الوجودية إنما هي تصور الازمة التي عانتها الروح الاوروبية منذ القرن الثامن عشر ، ص 37 .. الرد: الوجودية هي صورة من صور الكآبة التي نتجت بعد ابتعاد الإيمان ، وهو كما أرّخت منذ القرن الثامن عشر ، وهو القرن الذي برز فيه الإلحاد وظهر التشاؤم والكآبة ووحشة النفس نتيجة لفقدان الإيمان ، (ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى) . وكلما اهتزت العلاقة بين العبد وربه ، فالنتيجة هي الكآبة والخوف ، سواء بالشكوك أو بالمعاصي . ( إذ قال لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) ، إذا أحس الإنسان أنه بعيد عن ربه ، فإنه يحزن . اقتباس: .. والدين نغمة طويلة في فلسفته (كيركجارد) ، أو النغمة الوحيدة في كل فلسفته ، ولكن الدين لا يستند إلى العقل ، لأن العقل والدين لا يتفقان ابداً .. فأنت يجب أن تؤمن بما آمن به القديسون وحسب ،لقد رأوا معجزات يجب ان تؤمن بها وألا تناقشها ابداً ، بل أن تسلّم بما سمعوا وما رأوا ، يجب ان تفعل ما فعل ابراهيم حين طلب اليه أن يذبح ابنه ، فلم يسأل عن سبب لهذه الجريمة ، وإنما امتدت يده بالسكين إلى عنق ابنه ، إنه الإيمان يقتل العقل ! .. والإيمان يجب ان يكون هكذا طاعة تامة ، طاعة بلا تساؤل .. ص44 – 45 .. الرد: كيرجارد ينادي بأن يستجيب الإنسان للإيمان أو الشعور بدون اتفاق مع العقل ، والمنهج الطبيعي ينادي بالإستجابة للشعور بعد الإتفاق مع العقل . والوجودية انبنت على فكرة كيرجارد ، أي أنها لا تحترم العقل ، وتحترم الخصوصية لكل شخص ، فيكون كأن الناس مجانين بنكهات متنوعة ، اقتباس: اذا وقف فنان امام مشاهد الطبيعة مثلا ، وجدناه يستمتع بكل شيء ، يستمتع به في لحظة دون تقيد بأي تقاليد أو قواعد او قوانين .. اما الفيلسوف فهو يعلو فوق هذا الذي يراه ويبحث عن اصله وجنسه وفصله ونوعه .. والانسان يعيش بجسمه ويحس به ويتعذب منه ومن اجله ، ولكنه لا يعرف اسماء اوجاعه ولا امراضه ولا راحته ولا سعادته ، إنه فنان وليس فيلسوفاً! إنها لعنة إذاً أن تكون فيلسوفا ، وأن تضع المعاني في قوالب حديدية ، وإنها لجريمة أن تفرض ذلك على الناس كلهم ، وجهالة ايضا ان يصدق الناس أن هذا هو احسن المذاهب ، وأنك أقوى الناس صحة وأسلمهم منطقاً هذا إذا هو الفرق بين الفلسفة أو العلم ، وبين الفن.. أو فلسفة العقل و فلسفة الوجدان ، أو بين الهيجلية وبين الوجودية .. ص 50 – 51 : الرد: هذا هو الصراع الأزلي بين القلب والعقل ، والوجدان والعلم ، والإيمان والعقل ، ونجد لكليهما مذاهبا وأديانا أيضاً ، متى سيلتقيان ؟ إلتقاؤهما هو الحل الوحيد لمشكلة الإنسان ، وبدونها سيظل الناس في التنافر والألم ، وعدم المعرفة ، ولماذا ينظرون إلى هذا الموضوع على أنه أمر مستحيل ؟ الا يمكن ان يلتقي كيركجارد وهيجل ؟ الرومانسي مع الواقعي ؟ العقلاني مع الوجداني ؟ الفنان مع الفيلسوف ؟ هذا الإنفصام البشري هو سبب تعاسة البشرية ، وكلٌ يرى الحقيقة من زاوية واحدة ، لا تستطيع أن تغطّي جسد الحياة بالكامل ، وعلى هذا فالوجودية ناقصة ايضاً ، لأنها ترفض سيطرة العقل ، وربما ترفضه بالكامل ، وهذا نقص بلا شك ، مثلما رفضت الشيوعية الإحساس والوجدان بالكامل . هذا الخلاف يشبه على أيهما أهمّ : القفل أم المفتاح ؟ مشكلة الفكر والفلسفة البشرية هي تريد أن تعمم الجزءعلى الكل . كما فعل فرويد وماركس والملاحدة الجدد من رافضي الفلسفة والوجدان ، ومن يمكن تسميتهم بالمختبريين الذين لا يؤمنون بوجود شيء إلا بعد أن يثبته المختبر العلمي ، وغيرهم ، لهذا هي فلسفات ناقصة . وكلها تصوّر الضعف البشري وردود الافعال . العقل مهم للمعرفة ، والوجدان مهم للمعرفة ، فلماذا الصراع بينهما ؟ اقتباس: لقد قرر الفيلسوف (كيركجارد) منذ البداية أن يكون مؤمنا ، لأنه لا يستطع ان يكون ملحداً أو شاكاً ، لأن الشك معناه التساؤل ، والتساؤل لغة العقل .. ص 52 – 53 .. الرد: كيرجارد ناقض نفسه ، فهو يستعمل المنطق ليحارب به المنطق ، وهذا إثبات ضمني بأهمية المنطق والعقل الذي يحاربه ، فكيف تحتقر شيئاً وتستعمله ؟ مما يثبت الجزئية في التناول ، فلماذا لم يبحث عن عقل يتفق مع الوجدان ؟ هذه هي مشكلة الإنسان الأزلية والتي يقع فيها الشخص في كل لحظة تقريباً . والمنهج الطبيعي يخلّص من هذه المشكلة ويسلّم القفل والمفتاح . وبهذا نجد أننا لسنا أمام فلاسفة مختلفين عن الأناس العاديين ، فهم مثلهم مثل الناس في الشارع ، فبعضهم يقدس العقل والآخر يقدس الوجدان .. أين محاولات الربط ؟ كل ما نراه هو فيلسوف وجداني يحتقر العقول ، أو فيلسوف عقلاني يحتقر الوجدان ، وكل واحد منهما يستعمل ما يحارب ، والوجداني لم يستطع أن يتخلص من العقل ، ولا العقلاني استطاع ان يتخلص من الوجدان . هذه هي الفلسفة الموجودة باختصار ، بما فيهم رجال المختبر المعاصرين ، فهم فلاسفة أيضا ، اختاروا جانب العقل ، ولكن العقل المختبري ، ولم يستطيعوا ان يكونوا أناساً آليين يحركهم العلم فقط . العقل هو ثمرة ثابتة من ثمرات الإحساس والوجدان .. ومسيرة المعرفة البشرية والعقل البشري والحضارة مبنية على أنها تتجه للوجدان حتى يتضخم فيثور العقل ، أو العكس . يتضخم العقل فيثور الوجدان ، وهذا ما حدث في الفترة الرومانسية ، ثم ثارت الواقعية على تضخم الوجدان والرومانسية فيما بعد ، وهذا التناوب العقلي الوجداني مستمر في البشرية ، ولا يقف هذا الصراع إلا عند الإتفاق بين العقل والوجدان ، وما لم يحدث ، فالصراع قائم (قانون) . اقتباس: لو قدر للانسان ان يدخل حجرة مظلمة تماما ثم يقفل منافذ حسه ، يقفل عينيه فلا يرى ويسد اذنيه فلا يسمع ويمسك انفاسه قليلاً .. ماذا يجد؟ إنه لا يجد إلا شيئا واحدا ، هو انه يحس بأنه لا يرى ، ويحس بأنه لا يسمع ، ويحس بأنه هو وحده الذي يدرك هذا كله ! إنه يحس بأنه "يفكّر" في نفسه او يفكر في فكره ، وأنه ليس ميتا ، والدليل على حياته أنه يفكر .. ويصرخ قائلا : انا افكر .. انا افكر .. ويصرخ ثانية : إذاً أنا موجود ! فبداية الوجود هي الفكر .. ص 63 : الرد: في نظر الوجودية ، بداية الوجود هو الفكر وليس المادة ، بدليل الشخص الذي يدخل الغرفة المظلمة ويسد حواسه ، فلا يجد إلا احساسه بأنه لا يحس بالاشياء من حوله ، وإذا قلت أن اصل الوجود هو الفكر ، فما الذي يفكّر ؟ أهو جانب مادي أم روحي ؟ فهو لا يحس بالجانب المادي ، هذا يدل على وجود الروح ، وأنها هي الاصل ، وليس المادة ، ويدل على استقلالها عن المادة ، أي على خلودها ، ومرة أخرى تناقض الوجودية فكرها المادي . لأنها فلسفة مادية ومع ذلك تقدّم الفكر والوجود والروح على المادة ، والفلسفة المادية لا تعترف بوجود الروح ، ومنطقيا فالمادي لا يقدم الفكر على المادة ، لأنه مادي ويرى أن الاصل هو المادة ، وأن الفكر نتيجة للمادة ، الوجودية وقعت في هذه الإشكالية ، لأنها تؤمن بالمادة فقط ، وبنفس الوقت تريد من الإنسان أن يتحرر من المجتمع ، فاضطرت للإعتراف بالروح ، حتى تؤصّل لإستقلاليته عن المجتمع ، وكأنها تقول : تمتّع بحريتك المادية ، بعيدا عن الأخلاق التي يفرضها المجتمع ، متصورةً خطأ أن الأخلاق كلها من صنع المجتمع ، وليس لها اساس في داخل الإنسان.. ولو استمرت الوجودية على النظرة المادية لما استطلعت ان تفصل الإنسان عن المجتمع ، لأن المادة متشابهة ويحكمها قوانين موحدة ، وهذا سبّب خللاً وتناقضا في البناء الفلسفي للوجودية ، ولهذا الماديون المتمسكون بالمادية يؤمنون بالجبرية ، والجبرية تنفي الإختيار والتميز وتجعل الشخص ورقة في شجرة ، إلا بموجب اختلاف الظروف الشخصية ، وتجعل الشخصية مفعولاً بها وليست فاعلاً بموجب الجبرية ، بينما الوجودية ماديّة وتنادي بتحرير الفرد من المجتمع ، أي من الجبرية ! وتعتبر أن ذاته هي الأصل ، وبالتالي هي تعترف ضمناً بالروح ، منفصلة عن المادة ، وهذا يناقض الفكر المادي الذي تتبناه . اقتباس: .. الأصح أن يقال : بل أنا موجود ، إذن انا افكر ، وانا اجوع ، وانا احب ، وانا استجيب ! فالوجود أولا .. ثم التفكير والجوع والحب .. ص 64 الرد: إن ما فعله ديكارت هو محاولة عقلية لإثبات الوجود ، وأنت هنا تثبت الوجود بدون دليل ، بينما ديكارت قدم دليلاً . هذا الكلام يدل على اعتراف ضمني بالروح ، وإن كان ينكرها علناً . وهذا تناقض في الهيكل الفكري للوجودية . ماذا يمكن أن تسمّي هذا الموجود ، الذي هو أعمق من الفكر والجوع والطعام المادي ؟ لكنه كملحد لا يريد أن يعترف بالروح ، مع أنه يبني فلسفته عليها ، هذا القفز على الحبال يُسقط الوجودية فلسفياً . * الوجودية والليبرالية والعلمانية والديموقراطية تطنطن وتدور على الحرية فقط ، ولا تطنطن ولا تدور حول الحقيقة أو الصواب والخطأ أو الأفضل ، حراً وفقط !! ويشاركها في هذا الفلسفات الغربية المادية ، وهي بهذا تُدخِل الشر مع الخير ، ولكن لا تستطيع أن تقول : افعل الشر ، مباشرة ! ولكن تستعيض عنها بكلمة مهذّبة ، وهي كلمة الحرية . كل مذهب يتكلم بالحرية هو يتلاعب بالألفاظ ، فكرة الحرية كشعار منتج غربي .. والفكر الوجودي والغربي و الليبرالي ، يريد أن يصور الإنسان بأنه شيء يريد أن يفكّك روابطه من كل شيء ولا يريد شيئاً ويكافح لأجل ذلك ، وهل يوجد شيء في الطبيعة يريد أن يتفكك من كل شيء ؟ هل يريد النبات ان يتخلص من التربة او من الجاذبية ؟ هل توجد ذرات عنصر كيميائي تريد أن تنفك وتتحرر من اي ذرات اخرى ؟ هل تريد الحيوانات ان تتخلص من الغابة ؟ ما الذي يريد ان يتحرر ويفكك روابطه ؟ هذه الكلمة مضللة ، يستغلون فيها كراهة الإنسان لسيطرة أحدٍ عليه بدون رغبته وبدون حقيقة . هذه الكلمة تستغل كراهية الإنسان للظلم ، والعبودية لغير الله ، وقهر الإنسان للإنسان ، فلا حرية حقيقة إلا من سيطرة الإنسان ، ولكن الفكر الغربي عمّم هذا التحرر وأوصله إلى الدين بل وإلى الأخلاق والإنسانية ، معتبرا أن أي شيء تنفك عنه فقد خطوت خطوة في سبيل الحرية . الحرية فكرة مخالفة للطبيعة ، لنتخيل ذلك الإنسان المتفكك من كل شيء ، لا يمكن أن نتخيله إلا ميتاً !! كلمة الحرية والليبرالية ، يقصد بها أن تتفكك من اشياء وترتبط بأشياء . الحرية ليست قيمة مطلقة بحد ذاتها ، ولكنهم جعلوها كذلك ، أي أنها ليست مطلباً دائماً وغاية للإنسان ، ولا تصلح أن تكون شعاراً معلّقاً ، الإنسان لا يريد أن يتحرر من محبوبه ، ولا من وجوده في الحياة ، ولا من إنتمائه ، ولا من أسرته واصدقائه ، بل يريد لهذا القيد أن يستمر ، وإذا انكسر تألّم ، إذاًَ ليست الحرية غاية مطلقة ، والسبب أنها لا تنطبق على كل شيء .. فالقيمة المطلقة تنطبق على كل شيء ، المحبة قيمة مطلقة ، تريد أن تحب كل شيء ، وتريد أن يحب الناس بعضهم بعضاً ، تريد أن تمتلئ الارض كلها بالحب ، وحياتك كلها بالحب ، ولا مشكلة ، ولكن ان تمتلئ حياتك كلها بالحرية !! فهنا دوامة من المشاكل والعذابات ! بل هي ما تخافه ، فأنت تريد أن تحب صديقك ، ولكن لا تريد ان تتحرر منه ، لإنك إذا تحررت منه أحسست بالألم ، فالحب قيمة ارتباطية ، والحرية عبارة عن انفكاك ، إذاً ماذا يريد الإنسان : الإرتباط أم الإنفكاك ؟؟ فتعميم فكرة الحرية هي تدمير كامل للإنسان الذي يريد بطبيعته أن يرتبط ، ولا تكون الفكرة حقيقية حتى تقبل التعميم ، إذاً فالإنسان العاقل لا يردد هذه الكلمة إلا مقترنة بشيء خطأ يريد أن ينفصل عنه ، أما أن تردد الحرية ومرادفتها الليبرالية كشعار مطلق يرمز إلى فضيلة مطلقة فهذا نوع من الحمق ، والإنسان خلق ليرتبط ولم يخلق ليتحرر . الوضع الاساسي للإنسان منذ ولادته هو تحرره من الاشياء التي يكافح طول عمره ليرتبط بها على أحسن طريقة .. والظلم الذي يتعرض له الإنسان من إنسان آخر ، والقهر ، ليس حاجزاً في طريق حريته بل حاجز في طريق ارتباطاته ، ويمنعه من أن يستجيب لطبيعته ويرتبط بالاشياء كما تريد الطبيعة ، فالعاشق الذي يريد الوصول للمحبوبة ويمنع منها ، يقول عنه الليبرالي أن هذا الشخص يريد ان يكون حراً ، بينما يقول عنه الإنسان الطبيعي أنه يريد ان يكون مرتبطاً ، فلماذا لا تسمّى الاشياء باسمائها ؟ والذي دفع لرفع هذا الشعار هو النية الخبيثة ، التي تريد من الإنسان الإنفكاك من الأخلاق والدين والإنسانية ، عن طريق تعظيم فكرة الإنفكاك وأنها مطلب وغاية بحد ذاتها ، والثمرة النهائية هي الإنفكاك من الدين والاخلاق ، والدين والاخلاق هما ارتباطات ، مع علمهم بأن الإنسان يريد الإرتباط لا التحرر . والحرية تمنع من الإرتباط السليم بالاشياء الحسنة ، وتجبر الانسان على أن يرتبط بالشر الذي تعافه نفسه ، الإنسان يريد ان يرتبط بكل شيء حسن ، اي بالخير ، ويريد الإنفكاك من كل شيء خاطئ وشرير ، هذا في الأصل ، وهكذا نجد أن الحرية ليست قيمة مطلقة بحد ذاتها ، وبالتالي لا تصلح لأن تكون شعارا ًمطلقاً ، كما فعلت الماسونية والثورة الفرنسية والليبرالية .عندما وضعتها أول شعاراتها : الحرية والأخوة والمساواة . اقتباس: الانسان الحر هو الذي يخطئ ، اما العبد فهو لا يخطئ ، لانه لا يختار ما يفعل ، وانما يفعل ما اختاره له سيده .. ص68 : الرد: الجميع احرار في اختيارهم ، وحتى العبد المملوك هو حر في اختيار الخير والشر ، فيستطيع ان يكذب ويستطيع الا يكذب ، ويستطيع أن يؤمن بالله أو لا يؤمن به ، وهذه المغالطة لفتح الباب امام التحرر والإباحية والتكبر ، إذ يضع المخلوق نفسه إزاء الخالق ، ويتمرد عليه بإسم الحرية ، ومغالطة أخرى ، أن الحرية تقتضي العصيان والمخالفة ، فلماذا ؟ أنا أعاند إذاً أنا حر !! هذا هو الاساس الذي انبنت عليه الليبرالية ، لماذا لا تكون : أنا أطعت لأنني حر ؟ وكأنه يريد ان يقول : أن كل من يطيع ، هو عبد ! وعلى قدر التمرد تكون الحرية ، ويكون الشيطان على راس المتمردين حينئذ ، التمرد الاعمى غباء ، والتمرد على الباطل واختيار الحق تحتويه الحرية ايضاً . اقتباس: وقد اعد الالهة جهنم للاحرار ، اما العبيد فلا يراهم الالهة ، ولذلك يدخلونهم الجنة مع النبات والحيوان والانهار والجبال .. ص68 الرد: أعدّت جهنم للاشرار وليست للأحرار ، لأن الجميع أحرار في اختيارهم بين الخير والشر ، ومن اختار الخير ، كانوا يستطيعوا ان يختاروا الشر ، والعكس صحيح . فلا حساب بدون حرية ، والله سيحاسب كل البشر ، إذاً فكل البشر احرار في مجال الاختيار ، بموجب نياتهم لا بموجب ما يجبرون ان يفعلوه وهم غير راضين عنه ، اقتباس: وهذا هو البطل سيزيف .. إنه اسمى من العذاب وأقوى من حكم الآلهة ، فهو يعلم اولا أنه محكوم عليه ، وهو يعلم ان هذا الحكم لا رجعة فيه ، ولكنه مع ذلك يرفع الحجر ويلاحقه إذا نزل ، وينحني عليه ، ويحرص الا يسقط من يديه وهو يرفعه .. إنه يقاوم المستحيل ، ويعلم انه يقاوم المستحيل ، ومع ذلك يستمر في مواجهة المستحيل .. ص69 : الرد: أليس من الاسهل ان تسمي مواجهة المستحيل جنوناً ؟ خصوصا مع فقدان الدوافع السامية ؟ لأن سيزيف اختار الخسّة والانانية ، والشهوات ، بدون النظر الى الفضائل ، فاين البطولة ؟ والعذاب الواقع عليه ، ليس باختياره ، بل هو مفروض عليه . البطل هو من يختار الفضيلة ويتحمل الاذى في سبيلها ، وشهوات سيزيف ليست فضيلة ، وبناء على كلامه ، يصبح القتلة والمجرمون في السجون أبطالاً مثل سيزيف ! فهو يمجد إذاً الرذيلة والاجرام ، داعيا الى تحمل العقوبات جراء ذلك .. وهو يقدّم الحرية كفضيلة سامية وهي ليست كذلك ، فالإنسان يبحث عن الارتباطات اكثر من بحثه عن التحرر ، والحر الكامل هو الميت الكامل ، لأنه ليس له علاقة بشيء ، وهو سمّى الشر والشهوات بالحرية ليعطيها معنى سامياً يستحق الصبر والعذاب لاجله ، كعادة الليبراليين بالتلاعب بالألفاظ والقفز على الحقائق . وكأنه يقول : اطع هوى نفسك ولو على حساب الاخلاق والدين وتحمّل العقوبات ، تصبح بطلاً كسائر المجرمين الذين اطاعوا نزواتهم وتحملوا الاشغال الشاقة والزنازين ! تماماً مثلما كان الشيطان بطلاً .. وهم ابطال . ولو انتقدهم المجتمع ، من وجهة نظر البير كامي . هذا كلام غير منطقي ولا اخلاقي . وماذا سيكون الجنون إذا لم يكن هذا ؟ وفي عمق هذا الكلام ، عبودية للشيطان ، مثلما أن المؤمن يتحمل الآلام لأجل ربه ، فالمطلوب من الشخص أن يتحمل آلام الرذيلة وعواقبها لأجل الشيطان ويضحي بنفسه لأجلها ، والشيطان هو المعبود الخفي هنا . هذا الرب الذي تجلى على عبدة الشيطان من الملحدين . فعبدوه علانية . وهم فعلوا الشرور لأجله ، مضحين بأنفسهم لأجل ربهم ويقتلون الحيوانات ويعذبونها لأجله ، تماما كما يفعل المؤمنون بالله ، و صورة الوجودية والليبرالية هي صورة غير مقرّبة لعبدة الشيطان . تقترب شيئا فشيئا مع الوقت . اقتباس: فصة يوسف وزليخا من القصص المحفوظة في الكتاب المقدس والقرآن .. ولكن اجمل لحظات هذه القصة السعيدة الحظ أن زليخا امرة العزيز عندما اغلقت الابواب ونزعت قميصها وتلفتت وراءها تلقيه على احد المقاعد ، ارتاعت عندما رأت تمثالا يصوب عينيه نحوها .. فارتعدت وحملت القميص والقت به فوق عيني التمثال .. ونظر اليها يوسف قائلا : هل تخافين من عيني التمثال ولا تخافين الله الذي ينظر اليك ؟ كلام يوسف هذا كلام انبياء ، ولكن الحق مع امرأة العزيز انها إنسان ، إنها بشر ، إنها ارادت أن تكون حرة في عريها وخطاياها ، حرة بلا رقيب وبلا عيون تراها ولو كانت عيني تمثال ! والذي فعلته امرأة العزيز تفعله كل امرأة وكل رجل من ايام يوسف عليه السلام إلى ايام اي يوسف آخر ، في وقتنا هذا .. ص 76 : الرد: هل يتهم أنيس منصور كل الناس بالخيانة الزوجية ؟ فصل الأنبياء عن بشريتهم مخالف للحقيقة ، وهو فصلُ مغرِض ، حتى يقال أن عفاف الأنبياء لأنهم انبياء وليسوا بشراً ، وكأنهم من نوع آخر غيرنا ، وحتى تبدو الفضيلة شيئا خياليا ومثاليا لا يمكن أن يطيقه بشر ، وهذه من اعذار المتخاذلين ، ليس كل رجل وليس كل امراة في العالم من ايام يوسف حتى يومنا يمارسون الخيانات الزوجية لأنهم بشر كما يقول انيس منصور ! وكثير هم من فعلوا مثلما فعل يوسف ، ولم يكونوا انبياء ، وقاومواغراء الزنى والخيانة ، وكم من رجل عفيف اغرته امراة بنظراتها أو لمساتها او القت لباسها ، وهرب من الموقف ، أو ذكّرها بالله ، والعكس صحيح . وكأن الكاتب يريد ان يجعل من الضعف والإنهزامية قوة اسمها الحرية ، مثل الحارس الليلي الذي يريد ان ينام فيستجيب للنوم ويترك ما يحرسه ، فمن وجهة نظر انيس منصور وكامي ، فهذا الحارس النائم بطل ، لأنه يمارس حريته في النوم ، بينما البطولة فيها مقاومة ، وما فعله الحارس وما فعلته زليخا ليس فيه مقاومة ، فكيف تكون هناك بطولة بلا مقاومة ؟ ومن وجهة نظره ايضاً ، وتبعاً لهذا المنطق المقلوب فالجندي الهارب من معركة الوطن ، حر وشجاع من وجهة نظر الوجوديين وأنيس منصور ، لأنه استجاب لحريته ، أي أهواءه . وإذا أطلقنا على هذا النوع من المنهزمين امام شهواتهم ابطالا ، فماذا عسانا نقول عن من يفدون مبادئهم وأوطانهم بمصالحهم وحياتهم ؟ هل نقول عنهم انهم جبناء ومقيدين ؟ لماذا لا نسمي الشهوات والخنوع بأنها قيود ايضاً ؟ أي الحرية بمفهومك هي قيد ايضاً ، وتحتاج إلى تحرر منها ! لأنها تذل الإنسان وعاقبتها ليست حميدة ، بينما الصبر على الفضيلة عاقبته حميدة ، فهذا الحارس الذي نام سيندم لأنه مارس حريته في النوم ، والمحاسب المختلس سيندم لأنه سرق من أموال الشركة ، ولا يشعر بأنه بطل إطلاقا كما تدّعي الوجودية ، ثم ان الوجودية هي على العكس تماما من اسمها ، فهي تعاني من عدم الاحساس بالوجود وقيمته ، فلماذا تسمّى بالوجودية ؟ لست أدري ! من المفترض أن تسمى باللاوجودية أو العدمية ، فالحياة (اي الوجود) سخف وبلا معنى من وجهة نظرهم ، فكيف يسمون انفسهم بالوجوديين وهم لا يجدون وجوداً ؟ الوجودي هو من يجد معنى للحياة ولوجوده ، أو على الاقل يبحث عنه ، والمؤمن الحق هو الوجودي الحق ، لأنه ينطلق من وجوده الداخلي وإحساسه بوجود إله عادل يجازي على الفضائل ويحبها ، وليس لمن ينطلق من أدلة مادية كاملة ، إذاً هو من يستحق هذه الكلمة ، ويستحق كلمة البطولة ، لأن الأهواء والشهوات موجودة في هذا المؤمن ايضاً ، ولكنه قاومها لماديتها وسطحيتها في وجوده ، استجابة لوجوده الأعمق ، فهو الأولى إذاً بهذه الكلمة .. الوجوديون هؤلاء اقرب إلى العدمية ، ومن المفترض تسميتهم بالعدميين ، ويبدو أنهم انتبهوا اخيراً واخذوا يسمّون انفسهم بالعدميين كموجة جديدة ، هذه هي معاناتهم كما تتضح من كتابات البير كامي ، وطالما انه يحس بسخف الحياة والوجود ، إذاً فهو يعرف شيئاً ليس بسخف ، لم يتكلم عن عدم السخف ، اي لم يذكر الوضع المثالي ، طالما أنه ينتقد الوضع القائم ، واحساسه بسخف الحياة ، دليل على وجود عدم سخف انطلق منه في نقده لسخف الحياة ، هذا ما لم يبحثوا عنه ولا يحبون البحث عنه ، لأنه سيؤدي بهم إلى الإيمان الذي يعطي الوجود معنى سائغاً ، كان يجب ان يبحثوا ، معتمدين على احساسهم بالسخف ، لأجل الوصول إلى اللاسخف ، وبما أنهم لم يبحثوا عن وضع اللاسخف ، بل وانكروا وجوده .. إذاً فهم أقروا السخف كحقيقة وعاشوا فيه ، وبالتالي هم ليسوا اعضاء في مذهب ايجابي ، بل هو مذهب سلبي إحباطي يكرّس السخف كحقيقة لا مناص منها وينبذ الفضيلة والقيم ، ويودي بصاحبه إلى العدمية والكآبة ، والكآبة بادية على وجه كامي وسارتر ، بل وكل وجودي تقريباً ، وحتى الرسوم الموجودة على غلاف الكتاب ، وتنضح بها اقلامهم ، بشكل لا يشجع شخصا جديداً على اعتناق مذهب يودي به إلى مزيد من الكآبة . الناس بحاجة إلى افكار ايجابية ، فقد تعبوا من هذه الافكار السلبية المتشائمة التي تقضي على الامل والانطلاق في الحياة . وملّوا من الشهوات كبديل حقير عن السمو الإنساني الراقي . ما يسمونه بالحرية هو الفجور ، مثلما ينفجر الماء ، فهو ينفجر من أضعف نقطة ، وهؤلاء يسمّون أضعف نقطة في الإنسان بأنها قوة ، أي أن اضعف نقطة هي أقوى نقطة ، على العادة في قلب الحقائق ، لأن الإنسان دائماً في صراع بين موقفين و تصرّفين : موقف ضعيف آني المنفعة ، وموقف قوي غير آني المنفعة ، والموقف الآني هو موقف الضعف ، مثل الصراع بين الإغراء والعفاف ، فالإغراء هو النقطة الاضعف ، والفجور هو إنفجار من النقطة الاضعف ، مثلما ينفجر انبوب الماء من اضعف نقطة فيه . وهذا دليل على ضعف الشخص المنفجر وليس قوته ، وكلما زاد الفجور والاستجابة إليه ، فهذا دليل يؤكد ضعف إرادة هذا الشخص وقلة سيطرته على غرائزه واهواؤه الآنية . وهنا تقليب للحقائق ، ففكرة أن تخالف من أجل المخالفة ، و تبعا لهوى النفس ، فهذا بالضبط ما تدعو اليه الليبرالية والوجودية ، ونلاحظ أنها فكرة صبيانية ، ولهذا يتأثر بها الشباب كثيراً ، لأن ليس كل مخالفة تعني الصواب او الحقيقة ، وليس كل تمرد يعني الوصول للأفضل . الإنسان العاقل يبحث عن الأفضل لكي يتقيد به ، ويتمرّد على الاسوأ إذا اراد ان يفرض نفسه عليه ، والوجودي بهذا الشكل في حالة معاندته للمجتمع ، يكون ضعيفا امام نفسه وقوي امام المجتمع ، هذا هو التعريف الدقيق للمذهب الوجودي : ان تكون ضعيفا امام شهوات نفسك ، وقويا امام المجتمع ، خصوصاً إذا لم يكن هناك ضرر من المجتمع سوى النظرات او الانتقادات العابرة . والتعريف الآخر والدقيق أيضاً : إذا لم تستح فاصنع ما تشاء . القوة الحقيقية هي قوة الفرد أمام نفسه وليست أمام غيره ، لأن الآخرين دائما معنيين بشؤونهم ، مهما قيل عنهم ، وعن تدخلاتهم ، وحريته الحقيقية هي حريته من سيطرة اهواؤه عليه بطريقة تحرفه عما يريد من اهداف سامية ، يخيب أمله كل يوم بسبب انفجاره من نقاط الضعف . وهذا ما لم يعالجه الفكر الوجودي ولم يُشعِر بوجودها ، مع أنها قضية وجودية في داخل وجود الفرد ، وهو الوجود الحقيقي وليس الآخرون ، هذا الفكر الذي يصوّر الفرد كوحدة تقاوم ضغوط المجتمع ، مع أن الحقيقة ليست كذلك .. فالفرد في داخله تنازع وثنائيات ، وهي تصوّر الفرد على أنه منسجم مع نفسه وليس منسجم مع المجتمع . ويؤيد كلامي أن معاناة الوجوديين هي معاناة داخلية يسقطونها على الآخرين ، مثل الكآبة والسخف في الحياة وعدم الشعور بجدوى الوجود . هذه مشاكل داخلية ، وليست من رجال القضاء والصحافة أو من عيون الآخرين ، كما قال سارتر . عندما قال : (الجحيم هم الآخرون) ، ولم يذكر الكآبة التي يعانيها : هل هي من داخله أم من الآخرين ؟ وهذا وهم كبير ، ولو كانت وجودية حقيقية ، لعالجت مشاكل الفرد مع وجوده هو ، وليست مع وجوده مع الآخرين ، هي بنظرتها للألم وأنه قادم من الآخرين ، تكون غيرية وليست وجودية . أما أن يتمرد الإنسان على كل شيء ، كمبدأ ، فهذا يشبه مبدأ الثور الهائج الذي يريد تحطيم كل شيء امامه ، حتى لو كان مكان طعامه وشرابه . اقتباس: ولكن عندما يوجد إنسان آخر ، تصبح حريتنا في خطر ، وتصبح نظراتنا محدودة مقيدة ، وتصبح لهذه النظرات معان كثيرة مختلفة ، فروبنسون كروزو عندما كان في جزيرته كان حرا في كل ما يفعل ، لقد كان وحيدا ، فلا يمكن أن يوصف بالفضيلة ، ولا حتى بالرذيلة ، لا يمكن ان يوصف بأنه أناني ، ولا بأنه رجل يؤثر نفسه على غيره ، ولا بأنه فاضل أو شرير ، ولا بأنه لص أو أمين .. ص 82 : الرد: حتى الشخص بمفرده يكون أخلاقي او يكون غير اخلاقي ، فالانسان يستحي من نفسه ، وبالتالي ليس فقط الجحيم هم الآخرون . وربما تخيل المرء اشياء فيستحي من نفسه وهو يعملها ، وبالتالي تكون الفكرة غير صحيحة ، حتى ولو كان الانسان مع البيئة والطبيعة يكون اخلاقي او غير اخلاقي ، والحيوانات تخبرك عن اخلاق صاحبها ، فإذا رايتها تجفل وتخاف فهذا يدل على سوء صاحبها ، ولا يستطيع الفرد ان يستحي من الآخرين حتى يستحي من نفسه هو . يكره الوجوديون النظرة ، لأن الأعين تقول ما لا تقوله الالسن ولا العقول ، ولهذا هي معاناتهم مع النظرات ، فبإمكان الوجودي ان يمشي عاريا ، ولكن كيف سيسلم من النظرات ؟ وهذا لا يدل على روح رياضية تتقبل النقد ، حتى لو كان بالنظرة . النظرات تكشف الحقيقة بدون مستمسكات ، وهو الذي ينتج شعور الخجل ، لذا قالوا : إذا لم تستح فاصنع ما تشاء ، لأن الناس لا يستطيعون ان يمنعوا عنك أي شيء ، ولكن الحياء هو الذي يمنعك . الا تجد ان ضميرك وكأنه شخص آخر ينظر أليك ويقيّم تصرفاتك بل ويضحك ويهزأ منك احياناً ؟ فمتى سيتحرر هذا الوجود الذي يريده سارتر ؟ سارتر لا يعلم أن الضمير هو (آخر) في داخله ، فكيف التخلص من عيون هذا الآخر الذي في داخلنا ، ولا نستطيع أن نختبئ عنه ولا تفوته صغيرة ولا كبيرة ؟ و زليخا تألمت من نظرات يوسف ، لأنه نبّه هذا الآخر في داخلها الذي قاومته ، فجاءت نظرات يوسف تأييدا لنظرات هذا الآخر في داخلها ، فصاروا إثنان خيّرين على واحد شرير . فنظرات الآخرين إليك وأنت تعمل عملا حسنا ، يرضى عنه الآخر في داخلك ، بل هي تسرك ، وهي لا تهمك وتعتبر نفسك بطلاً في مقاومته ، وبالتالي تكون عيون الآخرين جحيما أوضح ما تكون عندما نفعل الخطأ . الوجودي يريد ان يستمتع بدون اية ضغوط ، حتى من ضميره ، كما صرخت زليخا في وجه يوسف : لماذا جعلتني اخجل من الرذيلة ؟ (ما الذي خجل في داخل زليخا؟) أنا اريدها ونظراتك لا تؤيدني وتحقّرني ، لأن الرذيلة حقيرة . لماذا انت تراها شيئاً قبيحا وانا لم ارها ؟ كف عن النظر لي باستعلاء ! الخجل هو رفض لرذيلة ، بينما هي تقول أنها تريد الرذيلة ، فايهما زليخا : زليخا التي خجلت ؟ أم زليخا "هيت لك" ؟ أيهما هو وجودية زليخا ؟ أليس الخجل من داخلها كما الشهوة ايضاً ؟ كأن الوجودية اذاً تجعل الانسان يحارب نفسه ويقاتل ضميره ، بعد ان حسمت النتيجة مع الآخرين ولم يتبق إلا نظراتهم . وبهذا الشكل ، تكون الوجودية هي إلغاء للوجودية ، لأن هذا الآخر هو الوجود الأعمق في داخلنا ، وهو الذي اثبته ديكارت بقوله : انا اشك إذاً أنا موجود . والشك مخالف لليقين ، كما أن خجل زليخا مخالف لإقدامها ، إذاً ذلك الشيء الآخر المعارض والأعمق في داخلنا هو نحن ، والرغبات والاهواء تشبه الحكومة ، والفضيلة والسمو في داخلنا يشبه الشعب ، فأيهما أعمق : الحكومة أم الشعب ؟ وايهما الوجود الحقيقي والدائم للبلد ؟ وقلما مثلت الحكومات الشعوب ، حتى في الدول الديموقراطية . فهي تتحايل على الشعب وتتهرب من نظراته . وأراهن ان سارتر كان يتهرب من نظراته لوجهه في المرآة . إذاً : انا اشك وأنا لا اشك ، وهذا ما وقع لديكارت . إذا مُسخ الآخر في داخلنا أو ألغي ، فسنكون شيئا آخر ، سنكون مثل الماركيز دو ساد ، ولسنا نحن ، اي نفقد وجودنا ، إذاً فالوجودية تدعو إلى الإبتعاد عن الوجود الذاتي إلى وجود تصطنعه شخصيات يراد أن نقتدي بها . تخيل شخصا طيبا معروفا بادبه وخجله ، وفجأة يتغير كما تريد الوجودية ، فيعمل من الموبقات ما يجعله يتفاجأ بنفسه ويقول : من أنا ؟ كيف وصلت إلى هذا الحد ؟ اي : يفقد وجوده ، وكأنه اصبح شخصا آخر . الإنقياد للافكار الشريرة تبعد الشخص عن ذاتيته الحقيقية ، وتجعله في تشابه حاد مع كل من يستسلم للشر . الخير متنوع ، والشر متشابه ، إذا فالشر لا يثبت فردية الشخص . وشخصية الاشرار والشهوانيين تتشابه . والاخيار شخصياتهم مختلفة ، ويتمتعون بالتعددية المنسجمة كثمار بستان الفواكه ، تسقى بماء واحد ، والاشرار بالتشابه الشخصي المتنافر ، بسبب الانانية (الفردية المفرطة) . لماذا استمرت زليخا بحبها ليوسف أكثر ؟ حتى بعد ذلك الموقف ؟ ذلك لأنها رأت تمسكه بالفضيلة ، وبالتالي هو اكثر حرية منها . ولذلك هي خجلت منه ، ولم يخجل منها هو ، ولا اظن انيس منصور سيستطيع أن يجد حلا لهذا اللغز : لماذا لم يخجل يوسف من جرأة زليخا ووجوديتها الشجاعة ، كما يحب ان يقول ؟ ولأن كل إنسان ، الغايات النبيلة هي اهم اهدافه ، فالشخص القوي اذا هو الذي يحافظ على اهدافه ، ولا يجعل النزوات والانفجارات الجانبية تؤثر على رحلته ، ومن يفجر يخجل ممن لم يفجر ، لأن غاية الإثنين واحدة ، ومن فجر فشل ، والفاشل يخجل من الناجح .. مثل من يريد ان يسافر إلى مكان ما ، فإذا هو استجاب لنزواته وإعجابه بالممر والقرية القريبة والشارع والمفترق الآخر ، واراد ان ينام هنا ، ويستريح هناك ، فسيصل المسافرون قبله ، وربما انقطع عن غايته ولم يصل . وما يريده يوسف هو ما تريده زليخا بالضبط ، لكنها انفجرت وهو لم ينفجر ، (ولقد همت به وهم بها) ، وما يريده يوسف من مثالية هو ما تريده زليخا ، وما تريده زليخا من شهوات ، هو ما يريده يوسف ايضا كبشر ، ولكنه قاوم نقطة الضعف ليصل إلى الهدف ، وهي لم تقاوم ، ولهذا هي احبته لأنه غلبها في الفضيلة ، والفاشل يتبع الغالب ، والإتباع هو حب ، والفضيلة هي اساس الحب وليس الجنس ، مع احترامي للوجوديين . اقتباس: كل إنسان يقاوم نظرة الآخرين ، لأن نظرة الآخرين عبث به وبحريته وبوجوده .. فلو نظرت إليك ووجدت أن شعر لحيتك طويل وقميصك ممزق وأسنانك صفراء ، وهالة سوداء حول عينيك ودائرة بيضاء حول اصبعك الصغير ، عندها اقول لنفسي : لا بد انه استيقظ في ساعة متأخرة من الصباح ولم يتمكن من حلاقة ذقنه ، ولا بد أن يقيم وحيداً ، فقميصه قذر ويحتاج إلى غسيل ، وأنه قد طلّق زوجته لأن الخاتم ليس في إصبعه .. وأظل أحكم عليك ( من خلال هذه النظرات ) بما شئت أنا ، لا ما شئت أنت ، من الأحكام ، وجعلك ظالما وأجعلك متهماً وأجعلك بلا زوجة ، كل ذلك افعله وأنت لا تستطيع ان تدافع عن نفسك ولا أن تدفع عن نفسك كل هذه الاحكام الظالمة أو العادلة ، والتي تعنيني أو لا تعنيني .. إنن أتصرف بوجودك كما أشاء ، وأحترمه وأحقره واحبه واكرهه ، وحينئذ تصبح أنت بالنسبة لي (مجرد شيء) .. ص 83 – 84 .. الرد: ألست وجودياً ؟ إذا فلماذا تعيش وجود الآخر ؟ لماذا لا تتحرر أنت من سيطرة نظرات الآخرين بدلاً من ان تفقأ عيونهم ؟ فاين هي الحرية التي لم تستطع ان تتحرر من نظرات الآخرين والخوف من احكامهم ؟ ماذا تعني احكامهم ما دمت تعيش وجدودك وهو الحقيقة المطلقة ؟ لماذا تتضايق وتضرب اخماسا باسداس وتتخيل انهم يقيّمونك بشكل ينتقص منك ، وقد لا يكون هذا التخيل حقيقة ، أنت لست حراً بل مقيداً هنا ، فاين هي هذه الحرية المزعومة ؟ (واللي على راسه بطحا يحسس عليها) . كيف يتحرر الإنسان من الدين والقيم ولا يستطيع ان يتحرر من نظرات الناس العاديين ؟ لا يقيم لهم عقله وزناً ؟ بل ويتحكمون به ويخفضونه ويرفعونه بحركات من رموشها ! الانسان الذي يعبد الله حقيقة هو الوحيد الذي يستطيع ان يتحرر من سيطرة الآخرين ، بما فيها نظراتهم ، وهو إذاً الحر الحقيقي . اقتباس: إن نظرات الآخرين هي الجحيم ، كما قالها سارتر ، ويمكن أن تفسر كل العواطف الانسانية على اساس من هذه النظرة ، من نظرك إلى الناس ، أو من نظر الناس إليك .. ص 84 : الرد: الكاتب نسي ان النظرة جزء من لغة الشعور ، والحقيقة انه ليست فقط النظرات كما لاحظ سارتر ، بل حتى الاستماع ، وكل الحواس ، وحتى حركات الجسم غير العين ، تعطي إيحاءات عن قيمتك عند الشخص الذي ينظر إليك أو يستمع إليك او حتى يقرأ لك أو ينظر إلى شيء عملته ، فستؤذيك نظراته وهو يحدق بعيوب المبنى او السيارة مثلاً . هذه اللغة حرة ، ولن يستطيع الوجودي ان يمنعها من خلال سن قوانين الحريات ، المفروضة بقوة السلاح .. هذه هي اللغة التي تقول للمخطئ أنت مخطئ ، وللفاضل أنت فاضل ، دون أن يأذن لها صاحبها ، ودون ان يردّها من توجّه إليه ، هذه اللغة هي الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر رغما عن الجميع ، وهذا الوجودي يريد ان يمارس الرذيلة بدون ان يمارس عليه اي امر بمعروف او نهي عن منكر ، وقد تخلص من كل الصور ، ولكن ماذا يفعل بلغة الشعور ورسائله الموجعة ؟ لهذا اعترف أن الجحيم هو الآخرون ، الوجوديون يريدون الشعور في دوائره السفلي ، ويكرهون ردود افعال دوائره العليا التي توبخ على الرذيلة ، ونلاحظ ان اطلاق كلمة الحرية لا يدل على اختيار للفضيلة .. فمن يختار الفضيلة يقول : حريتي تكون في تعاطي الفضيلة كما أراها ، أما من يطلق كلمة حرية بدون تحديد ، فهذا يعني فيما يعني فعل الشر ، والحرية في ممارستها ، دون تعرّض الآخرين له ولا حتى بنظراتهم . ألم يخطر ببال سارتر كيف ينظر الناس لإنسان مرتبط بالفضيلة ؟ هل يتاذى من نظرات الآخرين ؟ إذاً ليست نظرات الآخرين جحيماً على طول الخط ، بل الرذيلة هي الجحيم على طول الخط ، وهذا الأولى أن يقوله ، فهي التي تجلب النظرات المحتقرة .. لو نظرت إلى انسان مهلهل الثياب ، منهك القوى ، لأنه يقوم بعمل إنساني ، هل ستوجّه إليه نظرة انتقاص ؟ بل انه ليفرح و يرتاح إذا نظر إليه أحد . رغم رداءة مظهره ، كذلك الجندي الممزق الثياب الملطخ بالدماء دفاعا عن شرفه و وطنه ، يسره ان يراه الناس بهذه الحال ، وتنشر صوره ، رغم انه لم يسرّح شعره ، بل حتى إعاقات الجنود وإصاباتهم واطرافهم المبتورة هي مصدر فخر لهم في المجتمع ، ويسرهم ان ينظر الناس إلى ساقه الخشبية ، وعليها تاريخ المعركة ، لانها ترمز لتضحياتهم ، لأجل شرفهم ووطنهم ولأجل من ينظر إليهم ، المشكلة في تصرفاتنا وليست في تصرفات الناس . اقتباس: فالمرأة التي احبها هي التي استطيع ان انظ اليها دون ان تحس هي ان نظراتي تعذبها او تعذبني ، انني انقلها الى عالمي ، الى مملكتي ، ان اجعلها احدى رعاياي ، ان اجعلها اسيرا يعانق قيوده الدافئة او المغطاة بالورود .. ص 85 : الرد: لا يحتاج الحب إلى كل هذه المعارك والأسر والنقل ، نظرة العاشق هي نظرة الرضا ، لا تحمل تحفظا ولا انتقاد ، بل اعجابا وتأملاً ، هذا كل ما في الامر ، وليس هناك سجون ولا يحزنون ، والنظرة المستثارة إلى المرأة التي نسيها سارتر ، النظرة إلى امراة متبرجة ونصف عارية ، أهي نظرة من نظرات الجحيم أم النعيم ؟ اقتباس: فنحن نعيش ونعيش ، ثم نموت ! لماذا ؟ وكيف ؟ واية حكمة في ذلك أو وراء ذلك ؟ وهل نموت موتا كليا ؟ أم موتا جزئياً ؟ هل تزول الاجساد وتبقى الارواح ؟ وأين تبقى الارواح ؟ تبقى في الله ! إذا فالمعنى واحد ، وهو نه لا معنى لاي شيء ، فبقاؤنا في الله عدم هو الآخر ! ص 88 : الرد: مشكلة العدميين هو سؤال : لماذا الانسان يموت ؟ ويأتي غيره ليعيش ثم يموت ؟ وهذا ما أفضى بهم إلى العدمية ، التي تعني رفض الوجود ، اي النظرة السلبية للحياة ، اي ضحية لعقدة الموت ، الوجودي ( وهو العدمي بعكس اللفظ طبعاً) يعاني من عقدة الموت ، ولو آمنوا بفكرة ان الله يختبر عباده ، لاصبح الموت منطقياً ، لأن الحياة ستستأنف بعد الموت ، ولكن إذا لم تؤمن بفكرة الاختبار ولا حتى بالإله ، ستجد ان الحياة عبث ، والموت كقطرة السم في خزان المياه ، الذي يستطيع ان يسمم الحياة ، حتى قبل الموت .. والعدمية تنطلق من الموت ، وحسبك بنظرة تنطلق من الموت ، لتنظر إلى الحياة وتقيمها ، ستكون متشائمة بلا شك ، وكل ما هو قادم من الموت هو موت ، كأن أطوار حياة الملحد : شهواني – راسمالي – عدمي . كأن تلك هي دورة حياته ، مع تقدم العمر وزيادة التجريب لكل المتع الفانية والاموال التي لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة لذواتنا ، فالملحد يبدو حكيما ناضجاً عندما يتحول إلى طور العدمي ، وهي في نفس الوقت آلم الفترات ، (أكثرها ألماً) ، اما المؤمن فلا تنتهي دورة حياته في الدنيا ، بل لها بقية . فالمؤمن ينطلق من فكرة الحياة ، وكل ما هو منطلق من حياة فهو حياة ويعطي حياة وأملاً ، والملحد والعدمي منطلقان من الموت ، والموت لا يهب إلا موتاً . اقتباس: وهناك ثلاثة حلول (يقول اونامونو) : الاول : ان اعرف معرفة يقينية انه لا بد ان اموت موتا كلياً ، وإذاً فالياس لا مفر منه . الرد: هذه عبارة تؤكد حتمية الياس مع الإلحاد ،والانطلاق من فكرة الموت سبب لليأس ، والتي ينكرها بعض الملاحدة في الطور الأول . اقتباس: وكلما رأى الفيلسوف الشاعر إلى حياته والعالم حولها ، وأدرك ان كل ذلك من اجل الموت ، راح يبكي روحه الجائعة دائما ويقول : إن الكون يضيق بي كما لو كان قفصاً صغيراً .. الرد: هذا مصداق الآية : (ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى) ، والسؤال هو : ما هو سر هذا الحزن والسجن الداخلي ؟ ولماذا يقبل به ويستسلم له ؟ اليس ثائراً ؟ لماذا ؟ كل هذا من اجل البقاء على الكفر ؟ ان يستسلم الانسان للياس والكآبة طيلة حياته ويتهرب عن وجوده بالسكر والمخدرات حتى لا يكون وجوديا ويكون شخصا آخر ؟ لماذا لم يثر على الكفر طالما أنه اصر بملازمة الإلحاد للياس كنتيجة حتمية ؟ لماذا لم يثر على هذا اليأس ؟ اين دعوى الحرية ؟ الا يحق للانسان ان يثور حتى على افكاره ؟ ان يبقى خانعا مستسلما للياس والالم ، مقابل قيد الالحاد ، هذه عبودية من نوع آخر ، ولمن يا ترى ؟ اليست الحرية سلاح في وجه كل ما يؤثر على السعادة ؟ وهو يعترف بتأثير الإلحاد على سعادته . لماذا لا يشهر سلاح الحرية في وجه الإلحاد إذاً ؟ اقتباس: إنني أريد هواء .. هواء أكثر .. اريد ان احقق نفسي ، اريد ان انشر اجنحتي فيما لا حدود له في المكان والزمان .. ص90 : الرد: لاحظ الآية : ( يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) ، وهذا مصداق لها ، "اريد هواء" : هو يريد ان يتنفس ، وليس ان يطير كما قال ، فمن يريد الطيران لا يقول : هواء هواء ، بل : اجنحة اجنحة . هذا يقولها من صدره ضيق حرج ، ولا يدخل هواء كافيا إلى رئتيه . اقتباس: ومن الذي ينشر تعاليمه هذه ؟ أهم الفلاسفة ؟ ام هم الشعراء ؟ أما الفلاسفة فلا ، لأنهم يعتمدون على العقل ، والقل هو سفّاح الحياة الانسانية .. إذاً الشعراء هم الذين ينشرون تعاليمه ، لانهم يعتمدون على القلب وعلى الخيال .. ص 92 : الرد: من يقصد بالشعراء ؟ هل يقصد المتشائمين مثله الذين يفرون من الحياة ، ام الشعراء المتفائلون هم الذي يستطيعون ان يخلقوا الحياة والحرارة ؟ هو مثل من يطلب الشيء من ضده ! يقدّم شاعراً عدمياً يائسا حانقا ويقول : هذا هو الذي يصنع لكم الحياة ! إن مثل هذا الشعار يعدي بالكآبة من لم يكن كئيبا قبل قراءته ، فهو صار بالحياة ، مثل من يتنفس غازا خانقا بعد ان كان يتنفس الهواء الطلق ، المريض يجب الا يعالج الناس ، بل يعالج نفسه أولا .. وماذا سيقدم المريض سوى المرض ، والكئيب سوى الكآبة ، والعدمي سوى العدمية ، ( ماذا اعطيك اجيبيني .. خمري ؟ إلحادي ؟ غثياني ؟ ) شعراء وكتاب الوجودية (العدمية) يزيدون الحياة سوءاً ، هم ومن تتلمذ عليهم من شعراء الحداثة والذين اكثرهم من شعراء الكآبة ، الذين يشعرون القارئ أو السامع ، بأنه ضائع وأن آماله سخف في سخف ، ويقرعون آذان الناس ليل نهار بمطرقة الموت ، : الموت الموت ؟ لماذا تضحك وتتفائل وأمامك الموت والعدم ؟ لماذا تعمل والموت بانتظارك ؟ مثلما كان يفعل ابو العتاهية ، الإيمان والإسلام الحقيقي لا يجعل من العمل والتفاؤل سخفا حتى مع وجود الموت ، الذي هو ، باسوأ أحواله ، راحة للمؤمن ونقلة نوعية لحياته إلى حياة مثالية والتي عمل لأجلها طويلا ، وهو الوحيد الذي يستطيع ان يجمع بين التفاؤل والموت ، اما فيلسوفنا هذا ( إن جاز تسميتنا له بهذا الإسم) فهو لا يقدم فلسفة ، إنما هو شخص يصر على الكفر ويصرخ من الألم من الكفر ، وبإختصار يقول : الحياة كلها الم ومصيرها عدم ، لكني لن اقبل بفكرة الايمان ، وسابحث عن حلم أعرف أني لن أصل إليه ، وهل العاقل يبحث عن حلم يعلم انه لا يصل إليه ؟ اقتباس: لقد كان انسانا احب الحياة فتزوج وهو دون العشرين وانجب ثمانية اولاد ، وتعذب وعرف الفقر والجوع والتشرد ومرض عندما حددت اقامته ، واشتد به المرض .. ص 93 : الرد: كونه إنسان عانى وتألم ، يجعلنا نتعاطف مع شخصه ، ولكن لا نتعاطف مع افكاره و نعرف انها هي سبب تعاسته وتعاسة غيره ، فقد كان ايضا مشهوراً ، ومبدعا ادبيا ، إلى غير ذلك من الاسباب الكافية لتجعله سعيداً ، والتي لا يمتلكها كل الناس غيره ،إذاً عدميته (وجوديته) هي سر شقاؤه الأول . فصل : ألوان الحب ، ص94 - 105 : الرد: هذا الكلام واقعي ، وهذا يدل على ان الحب الحقيقي هو الحب الحقيقي المبني على الفضائل وليس على الاشياء ، لانها تفقد طعمها اذا كانت بين ايدينا ، ويعود طعمها اذا فقدت ، وكأن الشعور يقول : أنها ليست كل شيء تبحث عنه ، وإن كنت احتاجه ، حدوثه مع الاشياء أهون من حدوثه مع الأشخاص ، مثلما يكون لديك اشياء في المستودع ، تريد ان ترميها وتخاف ان تحتاجها ، الاشخاص لا يحتملون هذا الوضع ان يقع عليهم ، اي لا يحب الشخص ان يكون شيء ، لأنه في حقيقته ليس شيئا ماديا فقط ، فإذا تمت العلاقة على اساس من الفضائل والحب في الله ، لا يتحول الشخص الى شيء ، مهما كثر وجوده في حياتنا ، فهو لا يمل لأن الطبيعة لا تُمَل ، ولكن اذا اعتبرنا الشخص شيئا نافعا فإنه سيملّ ، ولن تستطيع ان تعطيه الاهتمام نفسه الذي كان في البداية ، لأن ذلك الاهتمام الزائد هو بقصد الحصول عليه ، ولكن عندما تم الحصول عليه قل الاهتمام ، هذا الوضع يقع لنا في التعامل مع الاشياء ، وعندما يقع مع الاشخاص تكون المشاكل . اقتباس: هذا هو الماركيز دو ساد ، الرجل الذي سميت السادية وكل انواع الشذوذ الجنسي باسمه ، إنه لا يعتذر ابدا عن اي شيء مما فعل ، ولا يحب ان يعتذر له ، ولكنه كان حريصا طول حياته ان يعبّر عن كل ما يحس ، وأن يصور كل ما يدور في رأسه ، وكان شاذا جنسيا وهو يعترف بذلك ، ولكن ما معنى الشذوذ عنده ؟ معناه إشباع كل الرغبات الحسية دون تفرقة ودون ضابط ودون تقيد بأي اخلاق او دين .. إنه يريد ان يستجيب للطبيعة ، والطبيعة مجرمة قاسية ، وهو الآخر مجرم وقاسي ، ولا يرى شيئا اصفى من الالم ، ولا شيئا اعرق من العذاب .. وهو يدافع عن ذلك بكل ما يملك من ذكاء وخيال وقوة تعبير وصدق .. وهذا هو الذي يعنينا ، اننا نعنى بالفنان وبالفيلسوف الذي حاول ان يجعل من الشذوذ مذهبا اخلاقيا ومن الكفر بالاديان دينا جديدا .. ص 108 : الرد: الكاتب صوّر الماركيز دو ساد وكأنه بطل ، ونسب شذوذه وشروره إلى الطبيعة ، ولم ينسبها إلى تفكيره، الطبيعة ايضا فيها الجمال والحب والعطاء ، وهل الشذوذ واللواطة من الطبيعة ؟ الطبيعة ذكر وانثى ، وليست ذكر مع ذكر ، كل ما تحدث عنه الكاتب هو امراضه وشروره ، وسمّيت باسم الطبيعة ، هل من الطبيعة التلذذ بتعذيب الآخرين ؟ وكونه اخرج هذه المكنونات الفاسدة ، لا يعني انه على الصواب ، وكون غيره من الشعراء والفنانين تاثروا ، فهذا لا يعني ان كلامه صحيح ، فالفجور شيء واحترام الطبيعة شيء آخر .. ولو استجاب ماركيز دو ساد للطبيعة ، ألن يجد في طبيعته حباً ورغبة في الخير والرحمة والعطاء ؟ هذه كلها موجودة في طبائع البشر ، إذاً هو لم يستجب للطبيعة كاملة ، بل استجاب لنوازع شهوانية كالشذوذ والانتقام ، وسماها الطبيعة ، الجندي الذي يلقي سلاحه بعد ان حاول ان يقتل الاسرى ويطلق سراحهم ، الن تقول انه استجاب لنداء الطبيعة والرحمة بعد ان تذكر اطفالهم ؟ ام ان الخير ليس طبيعة والشر هو الاساس ؟ وإذا قلنا ان دو ساد استجباب لنداء الطبيعة .. فهذه رسالة من الكتّاب الوجوديين ان نستجيب كما استجاب ، فنرفض الاخلاق والدين ونبحث عن اي ممنوع نستطيع ان نفعله كان يمنعنا عنه الحياء والاخلاق والدين ، هذا هو اللؤم بعينه ، فهم لا يطلبون منا ان نعاند لاجل الحق ، بل ان نعاند لاجل الشر ، فهم يأتون بنماذج استجابت لدوافع شريرة ، ويقولون : ما اعظمه ! لقد استجاب للطبيعة . ولا يقدّمون نماذج لمن استجاب للدوافع الخيرة ، وكأنه لا يوجد إلا نوازع الشر المكبوتة ، متجاهلين وجود نوازع خير مكبوتة في النفوس ايضاً ، وتبحث عمن يشجع على إخراجها ، في ظل كثرة من يشجعون على اخراج النوازع الشريرة والتشريع لها . اقتباس: والثورة على الحواجز التقليدية بإصرار وإلحاح مستمر قد جعلت منه على رغمه ، أول انبياء السرياليزم ، أو المذهب فوق الواقعي .. ص109 : الرد: هل الانحلال والشر وصراخ الغرائز ، هو السرياليزم ؟ هذه هي البهيمية ! والبهيمية واقعية ، وتشبه لأقرب زريبة وليست سريالية ، وكيف سيكون هذا الخيال الخلاّق بين لزوجة عرق الاجساد وافرازات الجسم وفحيح الشهوة والدماء والتعذيب ؟ وليس كل انسان يمتنع عن هذه الاشياء بدافع الخوف من المجتمع كما يقول دو ساد ، بل بدافع من النوازع الفاضلة داخله ، والتي تتصارع مع هذه النوازع الشريرة وتتقزز منها ، والتي لا يحب ان يعترف بوجودها ، بل حتى كثيرا من هذه النوازع الخيرة ، يمنعها الآخرون من الظهور ، تماما كالنوازع الشريرة .. فأنت تريد ان تقول احياناً : ان هذا المتحدث كاذب ، ولكن لو قلتها لآذاك الآخرون ، وتريد ان تقول ان هذا الشخص المرموق لص غبي ، ولا تستطيع ان تقولها ، مع انه هو كذلك في حقيقته ولكن لا تستطيع قولها ، ويريد الجندي ان يقول : لماذا نقتل هؤلاء الناس ، وهم لم يسيئوا إلي؟ لماذا لا نتعايش مع بعضنا ؟ ولكن له الويل لو قال هذا الكلام ، ولو فعله لاتهم بالخيانة العظمى ، إذا هذه طبيعة مكبوتة ايضا بجحيم من الآخرين ، وهم دعاة الشر ، غالبا ، لو تحدث شخص عن الايمان بالله ، امام دو ساد ، مثلا ، لقمعه وسخر منه وكشّر في وجهه ، مع أنه يحس أن الايمان جزء من طبيعته .. إذاً هذا لعب على الالفاظ ، على طريقة : مارس الشذوذ إذاً هو مستجيب للطبيعة ، سرق وقتل وضرب ، إذاً هو مستجيب للطبيعة ، طبيعة بهذا الشكل يجب ان تكبت ، وليس من الصواب اطلاقها ، لأنه يستلزم إطلاق المجرمين من السجون ، فهم لم يفعلوا إلا استجابة لنداء الطبيعة التي هي كلها شر كما يفترض الفكر الوجودي ، فما الداعي إلى سجنهم إذاً ؟ لماذا بعض الاستجابات تسمونها بطولة ، وبعضها تسمونها إجراماً ؟ مع أنها كلها نابعة من مصدر واحد ؟ أم أن تحديد الطبيعة خاص بالوجوديين فقط ؟ وهم يحددون السلوك النابع منها وما لم ينبع منها ؟ اقتباس: فالرومان عندما يطلقون الوحوش على المسجونين ويصفقون ويضحكون ، إنهم يجدون لذة في التعذيب لبعض الناس .. إنهم ساديون ! والاسبان اليوم يجدون متعة كبرى في مشاهدة مصارعة الثيران ، وفي رؤية احد بني الانسان يعذب حيوانا ويضربه ويسيل دماؤه ، هذا الانسان القاتل بطل من الابطال .. إنهم ساديون ايضاً !! والافلام التي تظهر في السينما وتصفق الجماهير للبطل وهو يضرب احد خصومه ، وكلما ضربه وأوجعه ازداد حماس الجماهير .. فماذا نسمي هؤلاء الناس العاديين ؟ إنهم ساديون ولا شك !! ص110 – 111 : الرد: كلام غير دقيق ، ما يبدو للوجوديين الساديين أنه تلذذ بتعذيب الآخرين ، يحتاج إلى بعض التمحيص ليتبين الموضوع ، فالبطل الذي يستمتع الجمهور وهم يرونه يضرب خصمه ، تلاحظهم يؤيدون واحداً على الآخر ، ولا يؤيدون عملية الضرب نفسها ، فالبطل عندهم يرمز للخير الذي ينتصر على الشر ، لذلك يشجعونه وهم يتفرجون على التلفزيون ، ومنظر الدماء من الثيران الذي يتلذذ بها الاسبان كما يتخيل ، هي ليست للدماء ، بل المتعة في شجاعة الفارس وتغلبه على الثور الضخم الهائج ، وإلا فإنهم لن يستمتعوا بمنظر الثيران في المسلخ زلن تجد لك مكانا حتى تتفرج من كثرة الزحام في المسالخ ، وهي تموت وتسيل دماؤها ، أو تدوّخ أو تصعق بالكهرباء . لو كان الامر كذلك ، لما تقزز الناس من مناظر الدماء ، فليس كل احد يطيق هذا المنظر ، بل إن بعضهم يصاب بإنهيار عصبي وهو يرى الدماء ويغمى عليه ، لا يطيقه أحد إلا لحاجة وتجد أن غير الاسبان لا يستمتعون بهذه المصارعة، فهي فلكلور خاص بهذا البلد ، وله قيمة تاريخية عندهم . باختصار : الناس عموما لا يحبون العنف ولا الشر إلا إذا وقع على الأشرار ، ونستثني من لهم مصلحة بالعنف فهم الوحيدون الذين يجدون لذة في ذلك ، وليست اللذة في العنف والدماء عند هؤلاء ، بل في المصلحة التي وراء ذلك ، فالقائد العسكري المتحمس ربما يفرح بعدد الجماجم التي جاء بها جنوده ، وربما يلطخ ملابسه بتلك الدماء ، بشكل يبدو أنه يؤيد كلام دو ساد والوجوديين .. لكن الحقيقة أنه يفعل ذلك طمعاً في النصر وبهجة به ، هذا الضابط نفسه سيتقزز من منظر كلب تدهسه السيارات ويلوث دمه الشارع ، لأنه لا مصلحة له في ذلك ، وسيغضب كثيرا لو علقت نقطة من ذلك الدم على ثيابه . وكما يقول صاحب الثأر المليء بالحقد : اريد أن اشرب من دم خصمي ! ولا يفهمه دو ساد والآخرون أنه يستمتع بشرب الدماء وأن الآخرين يكبتون هذه اللذة ، وإلا لوجدت محلات الدماء بجانب محلات العصير . وإذا زالت هذه المصلحة عاد هؤلاء ورجعوا إلى رفض العنف ، مما يثبت أن إرتباط الشر هو بالمصلحة ، وإلا فلا يوجد أحد يحب الشر لذاته .. وعليه يكون الشرير هو من يستجيب للمصالح على حساب الأخلاق ، وليس الشرير الذي يحب الشر لذاته ، لأنه لا يوجد أصلاً . وهذا الكلام عن دو ساد ، قد لا يكون صحيحا او مبالغا فيه ، أو أن يكون الرجل مريض عقليا لدرجة حادة ، فـ 800 سوط دفعة واحدة هي شيء يفوق الاحتمال البشري ، فما بالك أن يجري عمليات حسابية أثناء وبعد هذه السياط ؟ وكيف لتلك اليد الأنثوية ان تجلد 800 سوط متواصلة ؟ اقتباس: لقد حاول في قصصه الكثيرة ورواياته ان يصور كل شيء بصورة عارية ، لقد حاول ان يفضح الكذب والانانية وكان مخلصا صادقا فيما يقول ، وكان فنانا .. لقد كان صادقا في التعبير عن الكذب ، وكان مؤمنا في التعبير عن الالحاد ، زكان فيلسوفا صاحب مذهب في التعبير عن الفوضوية ! لقد كان صادقا فنانا ، وفريدا .. ص 122 : الرد: البحث عن مبررات لما فعله دو ساد نتيجة لظروفه ، تبقى وجهة نظر شخصية ، كما يجب ألا ينسى من يدافع عنه أن يدافع عن بقية المجرمين في السجون ، لأنهم سيحتجون بظروفهم ايضاً ، وأكيد أن لهم ظروف سيئة مروا بها في كثير من الاحيان ، وإن كانت الظروف السيئة تمر على الأسوياء ايضاً ، ولم يفعلوا فعله ، المشكلة هي عندما يقدّم على أنه هو الصحيح وأن فكره هو الصحيح ، وأن الناس كلهم عبارة عن (دو ساد) ولكنهم منافقين ، لهذا السبب اهتم به الوجوديون لا بدافع الشفقة على مجرم أو مريض عقلياً ، و ليس لأجل فنه ، بل أرادوا أن يصنعوا منه نموذجا يحتذى ، وهذه هي المشكلة .. عندما تؤصل الرذيلة ، مع أن الباطل زهوق ، والنظرة إلى الطبيعة بشكل عام أو طبيعة الانسان أنها مجرمة ، هذا كلام غير علمي ولا دقيق ولا واقعي ، فالطبيعة التي ترسل الزلازل والامراض هي التي ترسل الحليب للأطفال والغذاء والمطر والدواء والمضادات الحيوية ، وهي التي تهب الحياة إذا كانت تهب الموت ، والإنسان كذلك ، ويبدو لي ان مشكلة دو ساد النفسية ، تتجلى في أنه لم يشعر بحب الآخرين له ، خصوصا المرأة ، والذي جعله لا يُحَب ، هو فظاعة افكاره وسلوكه الشهواني المنفجر ، والذي لا يستطيع ان يسيطر على نزاوته ، واللطفاء منهم قالوا عنه أنه مريض عقلي يستحق الشفقة . افعل الخير يحبك الناس ، وافعل الشر يكرهك الناس ، وهو اختار ان يكون شريرا ومحبوبا في وقت واحد ، وهذا مستحيل ، لهذا يشتكي من عدم حنان المرأة ويكيل بحقده على المرأة ، ويصف الناس بأنهم اشرار مثله ، ولا يحب أن يعترف بوجود اناس فضلاء ، إن اعترافه سوف يعني انه هو السيء ، ولو كان صادقاً لذكر هذه الحقيقة ، وهي أنه لا يُحَب ، ولذلك يزيد في الانتقام ، ويجاهر بالموبقات والتفسخ ، ليس لأنه يحب هذه الاشياء ، بل ليغيض المجتمع ، وهذا هو سبب كونه صريح ، وليس كرهه للنفاق هو السبب الحقيقي ، فمن يستطيع ان يتعاطى او يحب او يعجب بانسان يستدرج شحاذة مسكينة ويلهب ظهرها بالسياط حتى تسيل دمائها بدون اي ذنب ؟ لماذا لم يحضر ضابطا ويجلد ظهره ؟ هذا يدل على روح جبانة حاقدة ، يجلد ضابطا أو قاضياً من الذين أساؤوا اليه ! بدلا من شحاذة مسكينة! ام ان الطبيعة لا تظلم إلا الضعفاء ؟ الغموض الذي يلفه الوجوديون والحداثيون على كتاباتهم و شخصياتهم او الشخصيات التي يعجبون بها او افكارهم وحتى رسومهم ، هو عمل ضد التنوير ، الناس بحاجة الى التنوير وليسوا بحاجة إلى الظلام والكوابيس الغامضة ، والادب الغامض هو ادب ظلامي ، والمقال الغامض هو مقال ظلامي ، الحق ابلج وصريح ومكشوف ، ولا يلوذ في الظلمات إلا الخفافيش . اقتباس: فصل صحوة الوجود (يتحدث عن مسرحية بيت دمية لهنريك ابسن) ملخصها أن نورا اقترضت مالا من البنك الذي يعمل فيه زوجها مديراً ، أخذت ذلك القرض باسم ابيها تزويرا لكي تنقذ به زوجها المريض نفسه ، وعلم بأمر التزوير أحد الموظفين في البنك ، فقام المدير زوج نورا بفصله عن العمل ، وبعدها علم الموظف المفصول أن زوجة مديره هي من زوّرت القرض ، فأرسل تهديداً يفضح به المدير عبر البريد .. وكانت لنورا صديقة اسمها لورا ، وقد اخبرتها بقصة تزويرها للقرض من أجل زوجها ، فذهبت لورا وأخبرت بذلك الموظف المفصول التي كانت تحبه فيما سبق ، فندم الموظف المفصول على ما عمل ، وأرسل رسالة أخرى يلغي فيها هذا التهديد ، ولكن المدير لم يصله سوى الرسالة الأولى ، وعندها قام بتوبيخ زوجته وأهانها وأنها ستؤدي به إلى فضحه وإلحاق العار به ، ولكن عندما وصلته الرسالة الثانية ، تغيرت مواقفه فجأة وأصبح يتودد إلى زوجته ويطلب منها أن تكون قريبة منه وحبيبة .. ولكن نورا انصدمت بهذا التغير المفاجئ وقررن الرحيل تاركة إياه وتاركة بيته وأولاده له للتعيش من جديد ... ص 123 - 137 : الرد: مشكلة نورا هي انها تصادمت مع الرذيلة وجهاً لوجه ، مع زوجها مدير البنك ، هذه القصة أخلاقية وليست تتحدث عن صدمة وجود أو يقظة وجودية كما يرى الكاتب ، وتصلح للاستشهاد على اهمية وجود الاخلاق وحاجة الحب إليها في البيئة الاجتماعية ، لأن الأخلاق اخذ وعطاء من نفس النوع ، لقد انصدمت من موقف زوجها الذي فعلت الفضيلة من اجله ، وهو لم يقدر ما قدمته له ، إن زوجها هو الذي مارس وجوديته واهتم بأنانيته ورمى الأخلاق والواجب الاخلاقي عرض الحائط ، لأن عليه واجبا اخلاقي تجاه شهامتها ، فبسبب تخليه عن الاخلاق ، خرجت من المنزل واعتبرته غريبا لأنها لم تتخيل ان يرد معروفها بهذا الشكل ، وانكشفت لها حقارته ، وتعلقه بالرذيلة والمصلحة ، فمات الحب في تلك اللحظة واصبح شخصا غريبا عنها .. لأن الحب مبني على الاخلاق أو مظنة الاخلاق ، فإذا انكشفت الحقيقة الاخلاقية السيئة ، فلا بقاء للحب ، وما فعلته هو احسن تصرف لإنسانة تعيش بالأخلاق ، وتعلم انها هي سند الحب ، وهي تثبت – القصة – أن الإنسان ينكشف ويعرف إذا انكشفت حقيقته الاخلاقية ، إنها لم تهرب لأنه عاملها كدمية بل لانه انكشفت اخلاقه ، ونفعيته ، فعندما كان خائفا من الفضيحة ، اساء اليها ولما اطمئن واحس بالامن أراد ألا يخسرها تبعا للمصلحة ، وهي كرهته لأنه إنسان برجماتي ونفعي وليس اخلاقي ، مثل نورا الراقية . هذه القصة تؤيد المثالية الاخلاقية اكثر من تأييدها للوجودية ، فلو ضحّى لاجلها لما خرجت من المنزل ، إذا ليس سبب خروجها هو وجوديتها ولكن اخلاقها هي السبب ، فهي لا تستطيع ان تعيش مع برجماتي بغيض . ولماذا لم تشك نورا بالاخلاق ؟ لو كانت تشك بالاخلاق ، لما خرجت من المنزل بدافع اخلاقي ؟ |
![]() |
![]() |
#12 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
التطير هو أن تعتقد أن مصيبة حصلت بسبب أحد مع أنه لم يفعلها لكنه عليه بعض الذنوب أو المآخذ, مثل رياح أو غرق أو فياضانات, وهذا ما يفعله بعض الناس, بسبب ذنوب أهل تلك المدينة جاء الطوفان أو جاءت المصيبة أو جاءت الحرب, هذا هو التطير, مثلما قال أهل القرية لرسلهم : {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} أي ربطوا المصائب التي تأتيهم بسبب الرسل, فقال لهم الرسل: {قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ} لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى, وهذا هو الصحيح أن كل طائره معه, قال تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} وقال: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ}. ما الذي يجعل الإنسان يضحك؟ الضحك على الشيء علامة انفصاله وتميزه عن الحقيقة بوضوح, أما الصناعي (الباطل) الذي لم يصل بعد مرحلة أن تضحك عليه هو مؤلم و متعب, وإذا تميز عندك أصبح مضحك, وهذا من رحمة الله حتى لا يخنقنا الصناعي, فتحتاج إلى مستوى من الفهم حتى تنفر من الباطل, ومستوى أعلى حتى تضحك عليه. الإنسان يضحك على خلاف الحقيقة, سواء خلاف الحقيقة كوجود مثل من يؤمن بخرافة وجود العفاريت, أو خلاف الحقيقة بالتوصيف و التحديد مثل من يحسب الحمار حصانا, أو مخالفة واضحة للمنطق مثل من يريد أن يزيل جبلا بملعقة, أو استخدام كلمة بغير محلها في اللغة. معنى هذا أن العقاد في كتابه: (جحا الضاحك المضحك) لم يكن دقيقا حين قال أن الضحك أساسه التناقض, فالتناقض من ضمن الأشياء التي تخالف الحقيقة, فأساس الضحك مخالفة الحقيقة. وعلى هذا الإنسان الطبيعي يضحك على الإنسان الصناعي أكثر من أن الإنسان الصناعي يضحك على الإنسان الطبيعي لأن الصناعي يخالف الحقيقة أكثر. ولهذا الضحك خاصة الإنسانية كما ذكر العقاد ولا يوجد حيوانات أو طيور تضحك, لأن الضحك مبني على التمييز. على قدر سعة المجالات التي تستطيع أن تضحك عليها على قدر سعة تمييزك بشرط أن تكون أخلاقية, الأطفال مثلا حين يشاهدون مسرحية كوميدية لا يضحكون إلا على المشاهد الواضحة لهم مثل يمشي و يسقط فجأة, لهذا القريب من مستواك الفكري هو يضحك من نفس الأشياء التي تضحك منها. في المقالب المؤلمة يحصل مشاهد مخالفة للإنسانية, مثل من يمسك بيد شخص أعمى ويسير به إلى حفرة ليسقط فيضحك عليه, ما يمنع من الضحك هنا هو مخالفة ما حصل للأخلاق و من يضحك فقط من هذا الموقف هو كأنه شيطان ليس عنده شعور إنساني. لماذا الإنسان الطيب دائما يهان ويخدع ويستغله الناس؟ ألا يوجد حل لهذا؟ ملاحظة: يتردد في هذا المقال ذكر كلمة "الصناعي" وهي: كلمة تشمل كل الأفكار الباطلة سواء مقصودة أو غير مقصودة, والباطل لا أساس له في الطبيعة, لهذا نسمي الحق بالطبيعي, وعليه فالشخص الصناعي هو من يتبنى الأفكار الصناعية سواء بقصد أو بغير قصد, وهي أفكار من صنع الشيطان. الناس الصناعيين يرون أن الإنسان الذي لا يمارس الصناعي من كذب وغدر وظلم وغيرها هو ضعيف, هم يرون أن القوة في الصناعي والضعف في الطبيعي, و يرون الإنسان الطيب الذي ليس بارعا بالمجالات الصناعية مجال حيوي يريدون استثماره و استغلاله, فالصناعي نظرته شيئية للآخرين, فيرون مثل هذا الإنسان الطيب شيء مفيد يجب استثماره, وكثيرا ما يتجاهلون حتى حقوقه بسبب غلبة نظرتهم الشيئية على نظرتهم الإنسانية, فيبدو لعيونهم أنه روبوت أكثر مما يبدو كإنسان! فيستغلون العامل المخلص مثلا وينسون حتى أنه يجوع وبحاجة إلى أكل! ويرون أنه إذا لم يستغلوه هم سيستغله غيرهم إذن هم أولى به, مثله مثل أي شيء مفيد وصلت إليه قبل غيرك! إذا دخل الشخص الطيب في مجالات الصناعيين و احتقر الطبيعي الذي عنده سيهزمونه بلا شك وعليه أن يتحمل نتيجة خطأه, "إذا جاريت في خلق سفيها *** فأنت و من تجاريه سواء", فمهما كان الإنسان الطيب لن يستطيع أن يهزم الصناعيين ببذاءة لسانهم و قلة حيائهم, و لن يستطيع أن يكذب ويتآمر مثلهم. ومن هنا تتكون العقد النفسية, حين ندخل في مجالات الصناعيين نريد أن ننجح فيها, لهذا أقول أن العقد هي ذنوب فنحن احتقرنا الطبيعي وصدقنا أن النجاح هو بالخط الصناعي وعندما كسرونا وغلبونا تكونت عندنا العقد. حتى تهزم الصناعيين بمجالاتهم يجب أن تتبنى الخط الصناعي كله وتعيش فيه وهذا مالا يستطيعه الإنسان الطيب لأنه لا يريده, ولكن الإنسان الطيب يمتلك قوة جبارة لا يمتلكها الصناعيون و يستطيع أن يجعلهم يشعرون بالضعف و الانكسار, وهي قوة المجالات الطبيعية التي هو يعرفها وبارع فيها أكثر منهم, والمثل يقول (اللي تربح فيه العب فيه), فالطبيعي مثلا يعرف قيمة الأشياء ويقدرها لهذا هو يستغل الموجود أفضل منهم, فشيء يرونه الصناعيون لا فائدة منه و يرمونه حين يستلمه الشخص الطبيعي و يشتغل عليه سينبهر منه الصناعيون ويحسدونه عليه. لهذا إذا احترم الإنسان الطيب الطبيعي الذي عنده ولم يجره الصناعيون لمجالاتهم بل هو يجرهم إليها سيهزمهم بسهولة. فمثلا حين تدخل مع شخص صناعي بحوار فكري تجده يحاول أن يسحبك إلى مجالاته الصناعية كالملاغاة و الحيل و البذاءة, ولن تهزمه بهذا, لكن إذا تجاهلت هذا وسحبته إلى مجالاتك الطبيعية كالمنطق و الالتزام بوضوح الفكرة وترابطها وأخلاقيتها ستغلبهم بسهولة. فسحب الصناعيين إلى مجالاتك الطبيعية يهزمهم, ولا يُلجأ إلى العنف والوسائل الصناعية إلا في حال الضرورة كالدفاع عن النفس. قبضة الطبيعي يجب أن يضعها أمامه ولا يفتح لهم صدره. التعاملات الأخلاقية الطبيعية يعتقد الصناعيون أنها ضعف, لكن في اعتقاد الطبيعيين أنها هي القوة الساحقة, مثل: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}, أليست هذه قوة تحويلية؟ ومثل عدم المقاطعة فيخطئون عليك لكن لا تقاطعهم, هذه قوة وعدم تأثر, أي أن الإنسان الطبيعي المؤمن يحترم الإنسان فيهم ولكن ليس عنده اي احترام للمفكر فيهم, فيأتيك واشي ويقول لك أن فلان لا يحبك فترسل رسالة عبر هذا الواشي أنك تحبه, أليست هذه قوية بقوة الصفعة؟ الطبيعي يدور حول الحق والحقيقة, أليس الحق قوة باعتراف الجميع؟ إذن لماذا نقول أن الطبيعي ليس فيه قوة؟ والله قال : {وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا}, لأنهم مزودين بقوة مع أنهم بشر مثلهم بل و أقل إمكانات منهم, من أين هذه القوة؟ إنها من قوة الطبيعي (الحق). الإنسان الطبيعي يدور حول الأخلاق أليست الأخلاق قوة؟ لو لم تكن الحق والأخلاق قوة لما تقمصها الصناعيون و مثلوها ليأخذوا شيئا من قوتها, الدين وحب الله أليس قوة؟ لهذا الصناعيون يتلبسون بها أحيانا حتى يأخذوا من قوتها. المعرفة الحقيقية أليست من اهتمام الإنسان الطبيعي؟ و ألم يقال أن المعرفة قوة؟ الإبداع أيضا مفتوح أمام الإنسان الطبيعي لأنه ليس عنده أي قيود بشرية تمنعه من الإبداع والتحرر من النمطية ما لم يخالف أوامر الله. إذن كل أسباب القوة هي بيد الإنسان الطبيعي, فالإنسان الطبيعي هو من لديه العقل ويسير حسب المنطق, وتجد الصناعيون يتمسحون بالمنطق ويدعون العقلانية. قوة الصناعي أصلا هي بتقمص الطبيعي إذن الطبيعي هو القوة, أليسوا يتقمصون المنطق والرحمة والدين والرأفة بالحيوان.., إذن تلك هي القوة وهي عالم الطبيعي, أي أن الصناعيون عالة على الطبيعي بالقوة! أليس الذكاء قوة؟ الطبيعي يرتبط بالحقيقة والمنطق السليم والأخلاق وقول الحق إذن سيكون ذكي ورأيه صائب وكلامه صحيح. الصبر أليس من صفات الطبيعي؟ أليس الصبر قوة؟ الصناعيون ليس عندهم صبر. فالإنسان الطيب كل الأسلحة عنده لكن لا يستخدمها أو لا يقدر مفعولها. المشكلة هي بالنظرة الآنية للقوة, القوة ليست آنية, فالإنسان لا يعيش لحظة واحدة بل لحظات كثيرة والنظرة الآنية للقوة من العجلة, فكل شيء يحتاج صبر حتى يعطي مفعوله. هذا هو منهج القرآن, فالله قال: {إن الله مع الصابرين}, {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}, {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}, {وجادلهم بالتي هي أحسن}, {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}, {لا يريدون علوا في الأرض}. والقرآن يدعو للعبودية لله والتحرر من سيطرة أفكار الصناعيين وذوقهم ومزاجهم و نقدهم, فالمؤمن يهمه تقييم ربه وليس تقييمهم, و القرآن يدعو للتوكل على الله وعدم الخوف من الناس, كل هذه الاشياء تعطي القوة. القرآن هو الذي كشف قوة الطبيعي: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه}, {إن الباطل كان زهوقا} {إِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} {وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة}, {فإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون}, {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}, {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}, أي أنهم ليسوا يرونه كذاب بل صادق وأقوى منهم. والقرآن أخبرنا عن نصر الله لعباده المؤمنين وأن الله سيقف معهم, وهذا يعطي شعور بالقوة, ويخبرنا عن نصره لأنبيائه من قبل وتدمير أعدائهم. الإنسان الطبيعي المؤمن لا يظهر بمظهر المحارب أبدا بل يظهر للناس بوجه الطيب, لكن هذا لا يعني أنه محارب نذل يختبئ ويظهر بالوجه الطيب, كلا ليس هكذا, لأنه لا يقصد الإساءة لهم بل نفعهم بكل الظروف, وبهذا هو يحرجهم ويكشف ضحالة عقولهم وقلة أخلاقهم لأنفسهم. وهذا حقيقة صادمة لأن أكثر الناس يقولون أن الطيب ضعيف وساذج ويؤكل حقه و يغلب, والأمثال كثيرة بهذا المعنى, مثل: "إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب", "ومن لا يظلم الناس يُظلم", "إنما العاجز من لا يستبد", فيحسبون أن الظلم والاستبداد قوة بينما هو اختيار للضعف والموقف المحرج إذا نظرت للموضوع من الآخِر. الخطاب الصناعي المكشوف يسبب نفور شديد من الناس و رعب, والصناعي الذي يعلن الصناعي على أنه هو الصواب لا يمكن أن يقبله أحد, مثل من يرى ان قتل الناس وتعذيبهم هو الصواب حتى لو لم يتعرضوا له, مثل هذا الصناعي فاشل و لا يبقى بسبب أنهم أعلنوا الصناعي ولم يخبئوه, لكن الصناعي الذي يجرم ويقتل ولكن يقول أنه من أجل السلام وأنه يحارب أناس مجرمين وخطرين فهذا وضعه أخف من وضع الذي يعلن الصناعي على أنه هو الصواب ويفتخر فيه, فيفتخر بقتله للناس وتعذيبهم ونهب أموالهم, فالصناعي شيء كريه ومخجل ومن يعلنه ويفتخر به سيكون مصيره خوف من الناس منه و نفورهم وبالتالي ضعفه وتوحده. الصناعيون تأتيهم ضربات مؤلمة وقوية من الطبيعيين لكنهم لا يقولون بسبب قوتها, والشيء إذا تجاوز عن الحد لا يذكر, فالتفوق المتجاوز للحد لا يستطيعون أن يذكره الناس لأنه سيكون على حسابهم. كثيرا ما يدعي الصناعيون السعادة ويبحثون عن المتعة, ومن أجل هذا يخسرون الكثير ويبذرون, بينما الطبيعي بأشياء قليلة يستطيع أن يكون سعيدا سعادة تجعل الصناعيين يغارون منه, فهم يرون أن أسباب السعادة عندهم أكثر منه ولكنهم ليسوا سعداء مثله, ومن يستهلك رصاصات أكثر من أجل صيد حمامة واحدة لا يجيد الصيد مثل من يصيدها بطلقة واحدة, وهذا ينطبق على المبذرين الذين يبحثون عن السعادة ولا يجدونها بينما الطبيعي بأقل القليل يسعد, إذن الصناعيون لا يعرفون فن السعادة رغم بحثهم الشديد عنها, والسعادة هي الشيء الوحيد الذي إذا طُلب لذاته هرب (وهذه تصلح أن تكون لغزا), لكن أن تطلب الاستقامة والخير ستتعثر بالسعادة في طريقك. الصناعيون يتخبطون ويسرفون بحثا عن السعادة ويضحون من أجلها و لا يحصلون عليها, وهذا من قوة الطبيعي فيرونه شخص مثالي وسعيد و مستمتع, بينما هم ضحوا بالكثير من أجل السعادة ولم يحصلوا عليها. الإنسان الطبيعي بأي مكان يستطيع أن يجد سعادة, لأن العبودية لله وليس للناس ولا للنفس هي أول شرط للسعادة, فالطبيعي عنده استعداد للسعادة وهذا شيء ليس عند الصناعيين ولا يعرفونه. الطبيعي لا يأخذ من الصناعيين شيء ولا يتأثر بهم و هذه قوة بحد ذاتها, فيغضبون كيف هذا لا يستلذ بعالمنا ولا يحتاجنا بشيء؟! والاستغناء قوة, والتوكل على الله قوة, والارتباط بالحق ولو على حساب هوى النفس قوة, والصبر قوة, والتعلق بالحقائق قوة. إذا قال الطيب أنا سأصبر وأطيع الناس على طول حتى أرضيهم لن يفيده هذا بل سيستغلونه أكثر ويرمونه بعدما استهلكوه كما يرمون الحذاء إذا انقطع. لكن بما أنهم أهملوا الإنسان واحتقروه عليه أن يستغل هذا ويحترم هو الإنسان, حينها سيغلبهم. داً على موضوع : لو الانتحار حلال كنت انتحرت من زمان .. للعضو : نفسي أتغير, من منتدى المثالية الأخلاقية: نفسي أتغير: حالتى مثل ملايين الاشخاص .. لو الانتحار حلال كنا انتحرنا من زمان ايوة دى حقيقة كل رهابى واراهن اى شخص هنا بالمنتدى انه شفى تماما من الرهاب الرهاب ليس له علاج ع الاطلاق حتى لو كان الشخص دة جرب كل الحلول وشفى بنسبة 80 % بيرجع كما هو ولكنه يحاول ان يظهر امام الناس بصوره متميزة وهو بداخله الالام وجروح الرهاب اللعين معظم الناس هنا جربت كل شىء منها الصلاة وقراءة القرأن والادوية والمواجهه وكل شىء ايجابى ومعظمنا حاول كتييييييير ومنهم انا 3 سنين واكتر كمان بحاول التخلص من الرهاب وحالتى بتزداد الى الاسوء ومع ذلك كنت متفائل خير حاولت حاولت كتييييييييييير ومريت بمواقف كتير محفورة بداخل قلبى انا حاليا عمرى 22 سنه واعانى من الرهاب من فتره تقريبا 8 او 9 سنين كلامى موجهه للدكاتره النفسيين وايضا الاشخاص العادية الغير مصابيين بهذا المرض والله والله لا تستطيعون ان تشعروا بداخل اى رهابى لان ربنا مبتلاش حد بيكم بهذا المرض لو تعرفوا فد ايه المعاناه اللى احنا بنعنيها بجد هتقدروا اللى احنا فيه حسوا بينا شويا ورجاء كفى سخرية احنا بشر مثلكم كلمة موجهه لكل طبيب ارجوكم ساعدونا وكفى كلام ونصائح احنا محتاجين علاج ايجابى سريع ارجوكم ساعدونى انا تعبان اوى اوى اوى اوى الرد : ليس كل خجل هو مرض ، بل هو آتٍ من طلب الأفضل وعدم القدرة عليه ، وهذا علامة النفوس الطيبة ، فمن لا يستحي لا خير فيه ، وقد مرّ رسول الله عليه الصلاة والسلام على رجل يعظ أخاه عن الحياء ، فقال له : "دعه ،إ ن الحياء لا يأتي إلا بخير". الشخص الخجول والذي يعاني من الرهاب الاجتماعي هو فقط بحاجة إلى مجتمع طيب يحترم شعوره ، وستجده فيما بعد ينطلق تدريجياً وتبدأ قدراته وابداعاته بالظهور و يثق بنفسه أكثر ويحس بطعم الحياة ويذهب الرهاب من المجتمع عنده بالتدريج . ولكن الأمر السيء هو الإصرار على عدم التغيير ، ونظرة التعظيم للناس ، ونظرة "من تحت لفوق" باتجاه الآخرين – وكأن الناس ناطحات سحاب وأنت قزم بينهم - مع أنهم مليئون بالعيوب الأخلاقية . حتى تخرج من الرُّهاب ، انظُر لعيوب الآخرين وابحث عنها قبل أن تبحث عن ميزاتهم . فمن يحرص على مساعدة غيره سوف يبحث عن عيوبهم ونواقصهم لكي يساعدهم ، لا لكي يسيء إليهم أو يسخر منهم . أما من يبحث عن ميزاتهم فقط فهو إما شخص يبحث عن مصلحته ، أو يريد ان يعرف ميزاتهم لكي يقلّدها . والرهاب الاجتماعي دائماً يكون مع الناس الجدد في حياتنا ، وقد قيل : يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ --- ويبقى العود ما بقي اللحاءُ فــلا والله مـا بالـعـيش خـيـرٌ --- ولا الدنيا اذا ذهـب الحـياءُ اذا لم تـخـش عــاقبة اللـيالي --- ولم تستح فاصنع ما تشاءُ أنا لا ألومك كثيراً على الرهاب من المجتمع ، لأن المجتمع ليس منزوع الشوك والشرور ، ولكني ألومك على كبت الذات وتحطيمها ، فأنت لست أقل من غيرك ، ويكفي الخجول فخراً أنه يستحي ، و المستحيّ دائماً قريب من الأخلاق والشعور الإنساني . بداية علاج الرهاب هو أن تتغير نظرتك لنفسك ولغيرك . عليك يا عزيزي أن ترتفع عن مستوى المشكلة كلها . ولابد للإنسان أن يبتعد عن ذاته ولو قليلاً . ابحث عما يضرّ غيرك وجنّبهم إياه ، وابحث عما ينفع غيرك وقدّمه لهم .. وبعبارة أخرى : ساعد غيرك تُساعد نفسك ، علّم غيرك تعلّم نفسك ، عالج غيرك تعالج نفسك ، وهذه سنة كونية . لأنك الآن سلّمت أمرك لله وتخلصت من أنانيتك ، وكلما خرجت من ذاتك تجد نفسك شفيت وتعلمت ، أي : لن تنفع نفسك من خلال نفسك ، بل من خلال غيرك . كلما حاولت أن تساعد نفسك بنفسك ، تجد أن المشكلة تتفاقم ، لأنك تضع تركيزك دائماً على النتيجة ، وإذا لم تر النتيجة كما ترغب وتحب ، فإنك تحس بالإحباط وتعود لجلد الذات وتحطيمها . الأصحاء هم الغافلون عن أنفسهم دائماً، أي المشغولون بغير أنفسهم ، لذلك الانهماك بالعمل يعتبر خروجاً عن الذات وعلامة على الصحة النفسية . ولهذا المكتئب يحبّ النوم لأنه يخرج عن ذاته ، وهذه هي الحقيقة : فعندما تدور حول ذاتك فأنت كمن يعبد ذاته ، إن ذاتك مرتبطة بالأشياء بينما أنت تريد من الأشياء أن ترتبط بك ، ولكن أنت كيان يسير ، ومع ذلك تريد أن يقف الكون كله ويدور حول فلكك ، ثم تأتي وتتساءل : لماذا هذا أهملني ؟ ولماذا هذا لم يسمعني ؟ لماذا هذا أفضل مني ؟ وكأنك كوكبٌ يقول للكواكب الأخرى : لماذا لا تقفون وتدورون حولي ؟ ومن أجل هذا أيضاً يتعاطى المدمنون المخدرات والكحول ، لكي يخرجوا عن ذواتهم . وهناك من يتنّقلون بين الأماكن المختلفة ، وكذلك الذين يشاهدون الأفلام بكثرة ، وهذه كلها علامات على الاكتئاب . الانهماك بالطبيعة ومتابعة الحيوانات والرحلات وما شابه ، كلها صور من الخروج عن الذات ، وغيرها الكثير . الدوران حول الذات ينافي التوكل على الله ويقرّبك للأنانية ، مع ذلك فهي حلول مؤقتة ، ولكن الحل الدائم هو بتسليم الذات لمن هو خيرٌ في رعايتها منّا وهو المستحق لذلك وهو الله سبحانه وتعالى . ويكون جزاء هذا التسليم هو الطمأنينة والرضا، وكذلك الاهتمام بالآخرين اكثر من النفس ، لأن الله يريد ذلك، و كذلك الايمان والتسليم الحقيقيان لله علاج لكل المشاكل النفسية ، لأن الله وعد عباده بحياة طيبة ، والله لا يخلف وعده ، إن الله هو الذي يقدّر لك شؤونك وأمورك ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، أي يحسب لك بدلاً عنك ، فهو سبحانه يعرف مصلحتك اكثر منك ، ولست أنت من صنع الكون ولست مصدر القرار فيه . ومن صور الدوران حول الذات : المقارنات مع الآخرين ، ففي كل مرة يقارن الشخص نفسه بأحد ، يجد نفسه محبطاً ، ويكون هو الخاسر في المقارنة دائماً ، لأنه لا يستطيع أن يكون مثله أبداُ ، وبهذا هو يسيء لنفسه . وهذه ميزة لك لو تأملتها ،فالشخص الآخر لا يستطيع أن يكون هو مثلك أيضاً ، ومثل تلك المقارنات لا تدل على رضا بقسمة الله عز وجل ، وأهم نقطة في الخروج عن الذات هو أنه يُنْصِف الذات ، أي تعطي نفسك حقها ، فترى الأشياء السيئة والحسنة فيك معاً ، فتقول عن نفسك : "حاولت أن تفعل كذا وكذا ، ومع ذلك فشكراً لك فأنت لم تقصر" . هنا أنت تنصف ذاتك وتعطيها حقها ، لأنك خرجت عنها وأصبحت ترى نفسك مثلما ترى شخصاً آخر . الذي يعرف الله لا يشعر بحسد على الأنبياء والصالحين مثلاً ، لأنه يشعر بجمالهم ، فهو قد ترك أنانيته ، والذي يترك أنانيته يستطيع أن يستمتع بجمال غيره وبجمال نفسه أيضاً ، ومن باب أولى أنه لا يحسد أصحاب النعم المادية ، سواء كانت جسمية أو اجتماعية أو عقلية أو مالية ، لأنه يدري أن ذلك اختبار ، ويعلم أنها ليست نابعة من قدراتهم وعلمهم هم ، بل هي توفيق من الله لكي يبلوهم بها . أما اصحاب الفضائل فإنك لا تحسدهم ، لأنك تتوه وتضيع بجمالهم ، ولهذا المتآخين في الله لا يحسدون بعضهم مهما كان بينهم من تفاوت ، لأن الخروج عن الذات يجمعهم ، وكل ميزة في أي واحد فيهم هي ميزة للكل ، وذلك لأن هدفهم واحد . الأنانية دائماً مرتبطة بالمادية ، فالأناني يكون بخيلاً ويكون حسوداً وغيوراً وطماعاً وشكاكاً ويضطر للكذب وفخوراً ...الخ ، وأيضاً محبطاً لنفسه ، لأنه لا يعرف قيمته إلا من خلال ما يصل إليه أو يمتلكه من ماديات ، ولا يعرف قيمة جماله الذاتي ، وهو ليس شكوراً أيضاً ، لأن المادية تقتضي الزيادة دائماً و أن تنظر الى ما ليس عندك ( قانون ) من زيادة الخوف على الذات والمشاعر الذاتية ينتج الرهاب الاجتماعي ، وكأن الشخص يجب أن يكون كاملاً . والذي تهمه نفسه ستجده يطلب رأي الناس في كل شيء ، مثل أن يقول : هل إذا أخذت الشهادة سيمدحني الناس ؟ هل هذا الشيء يكرهه الناس ؟...الخ ، وذكرهم الله تعالى في كتابه ، فقد قال : {وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم} . إن الشخص إذا عرف قدر نفسه يهون عليه الانتقاد ، فحينها سيقول لنفسه : من أنا حتى لا اُنتقد ؟ وبهذا يكون ابتعد عن التكبر . ولن يكون الإنسان جميلاً حتى يخرج من ذاته وأنانيته، وحينها سيكون مركز جذب ، وسيحبه الناس . والخروج عن الذات يساعدك في نقطة تقبل النقد ، لأنك تنتقد نفسك أساساً ، ولا تكتمل الثقة بالنفس حتى يتقبل الشخص جميع الانتقادات من جميع الأذواق والمشارب بكل أريحية ، وهذه علامة من علامات الصحة النفسية والثقة بالنفس، ولا يقولها إلا شخص ممتلئ من الداخل ، وأيضاً لا يبالغ بقيمة ذاته ، لأنه يأخذ الرأي الصحيح ، ومستعدٌ أن يأخذ قسمته ونصيبه .. أيضاً قضية الاهتمام بالنِّعم قبل الاهتمام بالنواقص ، فمن علامات الشخص الطيب أنه يشكر ، واهتمام المسلم بالشكر سيجعله يبحث عن ميزاته ، ويأتي غيرك وينتقدك أيضاً ، وهذه إضافة لك وفائدة في إصلاح هذا الشخص الآخر الذي هو أنت ، و ربما كنت أنت قد سبقت نقدك لنفسك؛ لذلك ربما لا يأتون بجديد إذا انتقدوك . فالشعور الأناني وشعور الغيرة من الغير قد يأتيك ، لكن اقمعه واقضِ عليه . الأنانية تأتي من الاهتمام بالمجتمع ، ومع الوقت تبدأ بالتنازل عن ذوقك وتميُّزك وكيانك ، ويتعلق رضاك برضا المجتمع ، وهذا ما لا يُدْرَك ، وهذا الوضع يؤدي لنفس النتيجة ، فإن أخرجت الناس من حساباتك فستخرج عن ذاتك والعكس . الذي يرتبط بذاته لن يكون له طريق إلا طريق واحد : هو نفسه ، ولكن إذا لم يهتم لنفسه فسيكون له طريق آخر وهو طريق الأخلاق والفضائل ، ومن خلاله يعرف إذا كان يفكر بأنانية أو لا ، لأنك لا تعرف الشيء إلا اذا خرجت عنه . الأناني لا يعرف الأخلاق ، لأنه ليس له طريق آخر يقارن عن طريقه ومن خلاله ، فيقع في الرذائل وهو لا يدري ، ويقع في الفضائل وهو لا يدري ، فيحسب أن الفضائل أنانية ، ويحسب أن الرذائل مصالح . لا بد أن تفصل نفسك ، وتتعامل مع نفسك كشخص آخر مختلف ، تحبُّه إذا عمل العمل الطيب ، وتكرهه إذا عمل العمل السيء ، وتحاول أن تسعى للوصول إلى المثالية في كل حياتك . ولا يسخط على ذاته السخط الكثير المستمر إلا شخصٌ متكبرٌ يريد كما أراد المتنبي في قوله : أريد من زمني ذا أن يبلغني .. ما ليس يبلغه من نفسه الزمنُ فهو لم يجلد نفسه فقط ، بل جلد الزمان معه! وهذه من صور الطموح ، فالطامح دائماً يعذب نفسه . مثل من يقول : النوم أكثر من أربع ساعات = فشل ، فيعتبر أن في نومه هذا إضاعة للوقت الذي قد يستغله بالمزيد من المصالح. فالتوازن النفسي لا يكون إلا لشخص مؤمن بالله ، فإذا نظرت للناس تجد مشاكلهم ناتجة عن معرفة ما يستطيعه الشخص وما لا يستطيع ، ومشاكل أخلاقية من تكبر وحسد وقلة الشكر وغيره ، وهذه لا تأتي إلا من ضعف إيمان ، أو ضعف في فهم الأخلاق مع الله ، فحينما تغار من أحد أن أعطاه الله نعمة ، فمن أنت حتى تطلب من الله أن يزيل نعمته عنه وينقلها إليك ؟ وهل الله ضيعك أساساً حتى تقول ذلك ؟ {وأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن} مشاكل الأمراض النفسية هي مشاكل أخلاقية مع الله . الخروج عن الذات لا يكون إلا لأحد سلم نفسه لله ، فليس الله أهم من نفسك . وفي نفس الوقت فإن بقاءك على نفسك يجلب لك الأمراض ، فتخيل شخصين : أحدهما يفكر بنفسه ومشاكله وشؤونه الخاصة فقط ، وشخص آخر ترك نفسه وبدأ يساعد الناس ويتعلم ...الخ ، تركناهما لمدة سنة ، وعندما نعود إليهما وننظر ماذا حدث لهما ، سنجد الشخص الأول مريض جداً ويعاني من العقد النفسية ، بينما الشخص الآخر تجده كوّن علاقات طيبة مع الآخرين وكسب فوائد مادية ومعنوية تعود على الذات بالنفع . والخروج من النفس أنواع منها : الخروج الراجع : مثل من تجده يحاول الدخول بالمجتمع عن طريق العمل والصداقات النفعية كي يستفيد لا ليفيد الآخرين . ليس هناك أسوأ من شخص يفكر بذاته كثيراً ، فتجده مثلاً حينما يخرج من اجتماع لأصحابه تجده يفكر : لماذا هذا الشخص نظر إلي هكذا ؟ لماذا اهتموا بهذا ولم يهتموا بي ؟ ... الخ قم بأعمالك لوجه لله ، والله سيعمل لمصلحتك : {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} ، ومن سخط فله السخط ، اقبل نفسك التي قبلها الله لك ، وما الشيء الذي يمنعك من قبولها ؟ إن كثرة النظر لما عند الآخرين يفقدك قيمة ما عندك ، فالله لا يخلق لا شيء . لا بد أن ندفع جزاء النعم التي أعطانا الله إياها ، والله قد أعطاك ، والله يرحم من يرحم عباده ، و دائماً تتعلم إذا علّمت أولاً . ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، ومن يخدم غيره سيسخّر الله من يخدمه ويهتم لأمره . إن السعادة ليست تأتي من داخل الذات ، بل تأتي من خارجها . كل ألم وتعب يصيبك ، فهو يعني أنك منحرف عن الخط السليم . الخروج عن النفس كما قلت هو باب العلاج النفسي ، ولكن لا يوازن هذا معرفة الله عن طريق الأخلاق ، فتجد المسلم يقول : إن لله محياي ومماتي ، وليس لنفسي ورغباتي وشهواتي . فالعابد لله لا يكون أسيراً لنفسه ، لأن الدنيا غدّارة ومتقلبة ، فالمؤمن لا يهمّه كل هذا ، لأنه مستقر على ثابت ، فالشهادة والمنصب والطموح مثلاً ليست أشياء ثابتة يُعتمد عليها ، فالكثير من أصحاب المناصب ورجال الأعمال انتحروا وهم في أوج مجدهم . هوِّن على نفسك يا أخي ولا تقسو عليها ، فهي غالية . وشكراً .. |
![]() |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|