[ابن عساكر]

منتدى الكتّاب> مقالات عامة > يوسف أبا الخيل

سنة أولى حوار

التاريخ: الاثنين 2004/02/23 م


ثمة مسلّمة تفترض الضرورة المنطقية (تلبّسها) من كل من أراد (تمثل) فضيلة (الحوار)، أعني بها الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف أولاً، بحيث يشمل ذلك حقه في (استصحاب) منهجه المختلف (عقدياً) أعني عقد قلبه على ما اختاره بوجدانه وصادق عليه عقله وكذلك حقه في (تمثل) ما يترتب على منهجه تصريحاً ظاهرياً وفق قيدية منظومة (الثوابت الشرعية اليقينية القطعية) وما يلزمها ويعضدها من (ثوابت الوحدة الوطنية)، هذه المُسلمة (الدعامة) تأتي تالياً وفق (المنطق الأرسطي) نسبة للفيلسوف الإغريقي (أرسطو) كنتيجة لمقدمة قبلها تبنى عليها وتسبقها بالاتكاء عليها ابتداءً ألا وهي مفهوم أو فلسفة (نسبية الحقيقة) التي تعني أن الحقيقة بما هي (كل مطلق متعال) فالفرد إزاءها لا يملك فيما يملكه من معارف ومعتقدات ومشارب وآراء واتجاهات فكرية إلا جزءاً من هذه الحقيقة الكلية التي تتعدد جزئياتها ومفرداتها بتعدد زوايا النظر للموضوع المراد بحثه، هذا الجزء من الحقيقة الذي يملكه الفرد قد يماثل أو يقل أو يزيد عما يملكه الآخر المختلف ولكنه في النهاية يظل جزءاً يزيده ويثريه ولا يلغيه.
هذا يعني أن الفرد المحاور إذ هو (يدلف) إلى خيمة الحوار مع آخرين متفقين أو مخالفين له في الرؤية، فإنه وفق هذه الفلسفة سيباشر الحوار بعقلية تبادلية لا عقلية مملية فقط، عقلية منفتحة متسائلة ذات بعد ابستميولوجي نسبي تبسط حجتها وما لديها وفق مفهوم (رأيي صواب يحتمل الخطأ) بذات الوقت الذي تطالب فيه الآخر ببسط ما لديه والأساس الذي يتكئ عليه لتعلية جانب الصواب لديه تجاه القضية المطروحة، ومن ثم فما أفرزته هذه المنهجية التبادلية النسبية من نقاط اتفاق تمثلوها وما أفرزته من نقاط اختلاف عذروا بعضهم بعضاً فيها استصحاباً لاختلاف الآلية التي ينطلق منها كل منهم لتمرير ما يعتقده صواباً باعتبار أن تلك الآلية تمثل جزءاً من شخصيته الفكرية المستقلة التي لا يجوز للآخر السطو عليها أو إلغاؤها أو طيها تحت مظلته هو بدعاوى هلامية فضفاضة إقصائية من قبيل الانحراف العقدي والزيغ والبدعة وما شابهها من المفردات الحدية والإقصائية.
الصورة المعاكسة لمفهوم النسبية هذا تشير ببساطة إلى سيطرة وهم (الفرادة) على الفرد والمجموع متمثلاً في ادعاء القبض على الحقيقة بكليتها ملك اليمين ومن ثم فهذا الفرد إذ يدخل منظومة الحوار فإنه يدخلها وقد تمثل دور الضحية والجلاد معاً، فهو يتوهم ابتداء بأن المخالفين إنما يسطون على العقيدة الأرثوذكسية الوحيدة الناجية وبالتالي فهم زنادقة مارقون كما كان نظراؤهم هراطقة ملحدين بالمفهوم الكاثوليكي القديم السابق لعصر التنوير الأوروبي وهو قد انتدب روحياً ومعه من يتمثلون أيديولوجيته للدفاع عن هذه العقيدة، ومن ثم فالأحكام على المخالفين قد صدرت مسبقاً وقبل الدخول في الحوار وينبني على ذلك بالطبع دخوله في المنظومة الحوارية لا بالعقلية المتسائلة المنفتحة بل بالعقلية ذاتها المغلقة الواعظة المرشدة الهادية إلى الحق المطلق الوحيد النذيرة للجمع المخالف بين يدي عذاب شديد!!! وهنا لا يصبح الجمع جمع حوار بل يصبح خليطاً من وعاظ ومستمعين ومتبوعين وأتباع في تنميط قديم/ جديد لطريقة دوغمائية حدية إقصائية استبدلت وسيلة وعظية بأخرى لكنها تحمل ذات المضمون وتناطح لذات الهدف المتعالي.
شاء الله تعالى أن يجمعني مجلس ذات يوم فارط بأحد أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الثاني الذي انعقد في مكة المكرمة وهو لتوه بعد لم يتخلص من عناء سفر الإياب بعد انفضاض أعمال المؤتمر فألفيته إقصائياً حدياً جلس على أريكته يصنف لمستمعيه أعضاء مؤتمر الحوار بأن ذلك علماني وزميله فرانكفوني والأقصى شيعي والأدنى صوفي وتلك متطرفة والأخرى أولى بها قرار بيتها بدلاً من بدعة الحوار ونسي في فرط حماسه وسط نوبة التصنيف التي اجتاحته أن يسمي من يؤدي الدور الأنجلوساكسوني داخل أروقة المؤتمر!! وبذلك فهو يدعّي (ضمناً) وإن لم يتمثله تصريحاً بأنه ومن يوافقونه الرؤية على الحق المُسنن أرثوذكسياً ومن صنفهم فهم يمثلون بالطبع الصورة المعاكسة تماماً.
لم تكد تصنيفات هذا العضو تنتهي حتى فاجأنا (أحمد منصور) في قناة الجزيرة الفضائية باستضافته للشيخ سلمان العودة وهو أحد أعضاء مؤتمر الحوار الأخير وسابقه والذي بدأ حديثه بطمأنة مستمعيه على الضآلة العددية لممثلي المذاهب الأخرى في المؤتمر لينتقل بدفة الحديث فوراً وربما بإيحاء من اللاشعور وتحت وطأة هاجس التآكل العددي للمريدين والأتباع وباستصحاب دور (الواعظ) القديم/ الجديد إلى إسداء نصائحه إلى أعضاء وممثلي ذلك المذهب الممثل بالمؤتمر حيال تلك المواضيع التي ظلت تراوح مكانها ديماغوغياً منذ أن دشن الأمويون عصراً جديداً من البراغماتية السياسية المغلفة برداء الدين حين رفعوا مصاحفهم في صفين.
إن التشبث بعقلية (الحرس القديم) في النظرة للمخالف وديماغوغية المواضيع التي تثار إعلامياً عن هذا المخالف إرضاء للأتباع لتشكل (عقبة كأداء) أمام نشر ثقافة الحوار ذي النزعة الايجابية التبادلية المتكئة على فلسفة نسبية الحقيقة والحل يكمن في نظري أن أدعو الشيخ سلمان وزميله الذي تحدثت عنه بضمير الغائب ومن يتلبسون الايديولوجية ذاتها إلى أن يتمثلوا أنفسهم أعضاء في فريق كهف (أفلاطون) الذي ساقه في (الجمهورية) وأورده عنه (هيدجر) في (ماهية الحقيقة عند أفلاطون) لعل نفحة من هواء فلسفي تتلبسهم ليكتشفوا كم هي الحقيقة متعالية وأن ما من أحد يدعي ملكيتها إلا ظل أسيراً لهاجس خيالها المجنح وأن التعامل مع الآخر المخالف وفق زاوية نظر وحيدة لمفهوم الفرقة الناجية لن يُكرس إلا مزيداً من الإقصاء والإقصاء الآخر ومن ثم مزيداً من تضييق مجال الظنيات بأدلجتها وترقيتها لمرحلة التابو المحرم وازدياد مساحة المقدس الوهمي وضياع مزيد من فرص اللقاء لأن الكل حينها سيدافع عن حياض التابو لديه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، رغم أنني وليعذرني الشيخ وزميله ومريدوهما أشك إن كانوا تثاقفوا على تراث أفلاطون يوماً.

( كاتب سعـــــــودي)

[aaasdf]

احد يوضح وش يبي الشيخ يوسف ؟؟؟

[حروف]

ما تلاحظ إنك أبلشتنا عند هالنكرة

ماعندك غير ها لمواضيع .