يوسف اباالخيل ينتقد المعارضين لقرار فرنسا بمنع الحجاب ( المقال بجريدة الرياض اليوم
أدخل كلمة البحث مجال البحث: عناوين المقالاتأسماء الكتّاب
منتدى الكتّاب> مقالات عامة > يوسف أبا الخيل
يـداوي الـنـاس...
التاريخ: الاثنين 2004/03/01 م
بعيداً عن الهدف الآني والمستقبلي الذي ارتأته فرنسا من حظر الرموز الدينية في المدارس والمصالح الحكومية، وبغض النظر عن الاستهداف الفرنسي من هذا القرار باشتماله لكافة الرموز التي تُعنون لاتجاه ديني معين كالقلنسوة اليهودية والصليب المسيحي وغطاء الرأس الإسلامي والعمامة السيخية وغيرها من رموز ذات دلالات دينية، فقد كان اللافت للنظر داخل ردة الفعل الإسلامي حيال الرمز الديني المشمول بالحظر الفرنسي أن جل التعليقات والمداخلات والتأوهات من كافة الشرائح تقريباً بما فيها النخب المثقفة ركزت على استصحاب الجانب العلماني للحرية الفرنسية باعتبار أن الحظر لمثل هذه الرموز يتناقض وفقاً لهذه النظرة المبسطة وأهم مبادئ تلك العلمانية المتساوقة مع التشريع الإيجابي للتعددية الدينية كما هي السياسية.
كانت التعليقات والمداخلات والتهميشات والقرائح الشعرية ومعها جل ثقافة المتن والهامش داخل الجانب الإسلامي مركزة على تذكير الجانب الفرنسي باعتبار الخطوة إياها خروجاً على مبادئ حقوق الإنسان وإذابة لشمعة العلمانية المتماسك (إدعاءً)، واتخذت معظم هذه المداخلات على القرار الفرنسي منحيين رئيسيين يمكن ملاحظتهما ضمناً أو تصريحاً على خلفية التصدي الذي تم رصده للقرار.
الأول: اتخذ مساراً معايراً (من التعيير) للخطوة الفرنسية باعتبارها دليلاً صارخاً كما يقولون على هلامية وفقاعة دعوى الديمقراطية الغربية والفرنسية بالذات وازدواجيتها وانتهازيتها ونفاقها ومن ثم فقد كان الحظر وفقاً لهذه الرؤية خطوة متقدمة في إزاحة الغشاء الرقيق عن جسد مغمور بالرياء السياسي باطنه فيه الاستبداد والقمع والكره للإسلام وظاهره يشي بتقية شفافة تدعي زوراً وبهتاناً ما يناقض ذلك الباطن من ديمقراطية وحرية وكرامة إنسانية وحقوق للإنسان.
الثاني: انصرف إلى تصوير الأقليات الإسلامية في المهجر الغربي عموماً والفرنسي خصوصاً بأنهم المعنون بالأمر أساساً من بين كافة الطوائف الدينية الأخرى المتواجدة على الأرض الفرنسية تحت ذريعة الحرب الغربية وإن شئت فقل الصليبية على الإسلام والمسلمين، وما قد تثيره تلك النبرة المستصحبة دوماً للماضي الثيوقراطي الكاثوليكي القديم من تهييج لبعض تلك الأقليات التي قد يكون بعضها فر أساساً من (قسورة) الاستبداد والقمع والفقر في بلدانها الأصلية ووجدت في المجتمع الغربي عموماً مكاناً رحباً يوفر ما هو فوق الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية واستطاعوا بالفعل الاندماج بمجتمعاتهم الجديدة هناك بما لم يلزمهم فيه بالتحلل من هوياتهم الدينية الشخصية التي يتعاطون ممارستها بسلطة القانون العلماني نفسه الذي لا يريد لهذه السلطة أن تنحرف تجاه أي دين آخر على حساب الأديان الأخرى الذي ولذات السبب نحا إلى حظر الرموز الدينية في الفضاء العام للمجتمع أو المدرسة مع استبعاد تعليم الشعائر والطقوس والعبادات لأي دين كان حتى لا تثير شبهة أو قضية الدعم الحكومي الرسمي لاتجاه ديني بعينه مما يؤثر على الأساس الفلسفي الذي قامت عليه العلمانية الفرنسية، مع ضمان حرية كاملة لممارسة الشعائر في أماكنها (أي في المسجد أو الكنيسة أو الكنيس) وفق المفهوم الصحيح للعلمانية الفرنسية (Laicite) انظر في هذا الصدد (العلمنة والدين، محمد أركون، ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الساقي 1996)، والقانون الفرنسي هناك يعطي الحرية كاملة لجميع المنضويين تحت لوائه بما فيهم المهاجرون العرب والمسلمون للاعتراض على القرار بالطرق الديمقراطية التي كلفها ذلك القانون ومن ثم فإن أية محاولة من أي نوع كانت لاستفزاز الأقلية المسلمة على الأرض الفرنسية لاحتواء القرار أو التصدي له بوسائل لا يكفلها القانون العلماني هناك ستنعكس سلباً عليهم وعلى حياتهم وعلى إقامتهم في فرنسا الديمقراطية العلمانية التي لا تفلسف علمانيتها وفق رغبة طائفة بعينها أو دين بعينه وإلا خرجت من التعددية إلى الإكراه والقسر والحدية وهذا ما نبذته فرنسا وراء ظهرها منذ انبلاج فلق صبحها على أيدي فلاسفة عصر التنوير عندما ضحوا بحياتهم ومعهم الأمة الفرنسية عموماً من أجل إرغام الاكليروس الديني الكاثوليكي المتعصب آنذاك عن التخلي عن فرض دين وحيد أو أيديولوجية وحيدة وإعطاء كافة المواطنين والمقيمين فرصة العيش بسلام مع طقوسهم وعباداتهم وشعائرهم ولكن بعيداً عن أي مظهر يوحي بالدعم الحكومي لاتجاه معين على حساب بقية الاتجاهات أو الديانات وإلا سقط أهم شرط فلسفي تتكئ عليه العلمانية الفرنسية. منطق الأمر هنا (أقصد منطق مناوأة القرار الفرنسي) يفلسفه باتجاه آخر مفترض حتماً، إذ طالما أن التركيز في المرافعة ضد القرار نحا إلى معايرة الحضارة الغربية والفرنسية خصوصاً بأنها لا تشكل أرضاً خصبة لحقوق الإنسان والتعددية الدينية والسياسية فإن المدعي يتوافر (افتراضاً) واطراداً مع دعواه على قدر كاف من هذه الأمور التي يرى عيب نقصها في المدعى عليه وتشكل قيماً ايجابية محورية في ثقافته الأصلية حتى تكون المعايرة والانتقاص التي يرمي بها خصمه على قدر كاف من المنطقية والتساوق وعدم التناقض، وفي هذا الإطار المؤسس للاطراد في الدعوى وعدم التناقض بين النظرية والتطبيق فإن الله سبحانه وتعالى ذم قوم موسى عليه السلام عندما أمروا الناس بالبر ونسوا أنفسهم {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} (سورة البقرة الآية 44) ،المنطق هنا لكي يتساوق فلابد من أن نكون متوافرين على حصيلة ايجابية مما نعتبره تطفيفاً في كيل وميزان التعددية لدى الآخر ندينه به ونتهكم منه بسببه وإلا أصبحنا كمن يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، وهنا اضطرت شهرزاد للتوقف لا بسبب ادراك الصبح لها ولكن بسبب ضيق المساحة المخصصة هنا وأعد القارئ باستكمال الموضوع إذا كان في العمر بقية.
|