بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » صـوتــيـات و مـرئـيـات » انا والفارس الذي ترجل ..

صـوتــيـات و مـرئـيـات دروس ، محاضرات ، خطب ، أناشيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 28-05-2004, 12:09 AM   #1
هدب
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2002
البلد: البلاد الاسلامية
المشاركات: 5
انا والفارس الذي ترجل ..

هذا المقال كتبه / عبد الله العيادة ، عن الشيخ محمد السعوي رحمه الله ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا والفارس الذي ترجل ...
سألت أحدهم في ذلك الشارع المحاذي للمقبرة ما الذي أتى بك في هذا الوقت الى هذا المكان ، في لهيب الشمس ودرجة الحرارة الشديدة ..؟ قال : احب هذا الرجل ، قلت: هل تعرفه ..؟ قال : لا.. ولكن اسمع عنه ، فأحببته .
فالتفت الى الجموع الغفيرة الهائلة التي احتشدت ، وغصت بها جنبات المقبرة ، مع الشارع المحاذي لها من الجهة الشرقية ، وقلت :اسأل نفسي هل كل هولاء يعرفون الشيخ ..؟ قطعا ،لا.. ولكن جميعهم اما سمع به ، او سمع منه، إذا بما ذا تقاس أعمارنا ..؟ هل هي بالمدة التي نعيشها ..؟ هذه تنتهي بمجرد خروج الروح من الجسد ، ويلفنا النسيان في طيا ته , كما هو الحال مع الملايين الذين لفتهم الأرض في جوفها ، فمسحوا من ذاكرة الأحياء ، بمجرد ان هلوا عليهم التراب .
لكن هناك أناس لهم اعمار أخرى يعيشونها ، بعد رحيل أجسادهم عن الدنيا ، ولكنهم قليل جدا .
هذه المقدمة مدخل أردت منه ان افتح المجال لخواطري لتنطلق ، لاتحدث قليلا عن هذا الفارس الذي ترجل عن صهوة المنبر ، بعدما خطفه الموت فجأة وبدون مقدمات في ذلك الحادث المؤلم ، وجعل ذلك الرجل ، والشاب والصبي على حد سواء يخرجون في لهيب الحر ، وهم لا يعرفونه شخصيا ، ولكنهم سمعوا عنه ، فأحبوه .
فماذا قدم هذا الفارس لينال هذا الحب الذي جعل هذه الجموع الهائلة ، تزحف خلف نعشه ، في حرارة الجو الشديدة ..؟ ثم يصلى عليه أكثر من خمس مرات ، بعدما يخرج من المسجد الذي ضاق هو بالمصلين أيضا ..؟ اذا هناك سر وراء هذا فلو أنفقت ما في خزائنك ما استطعت ان تجمع هولاء في لحظة واحدة ، وجعلتهم يحبونك .. ولكن يبدو ان السر هنا رباني ، ليس الا .. فالله سبحانه إذا احب عبد فلا تسأل بعد ذلك عن النتائج . لانه سبحانه قد وضع حبه في الأرض ، هذه هي القضية أيها السادة . هذا الحب الذي تجده في قلبك لاحدهم وأنت لاتعرفه شخصيا ، او تقابله لاول مرة ، هناك سر عظيم وراء هذا ..
فما رأيك بمن أحببته وعرفته عن قرب ..؟ سيكون له شأن آخر ، اليس كذلك ..؟
اذا هذه حكايتي مع هذا الفارس ، الذي ترجل عن صهوة المنبر ، انه شيخ الخطباء بمدينة بريده ، الشيخ الدكتور / محمد بن على السعوي ، ـ ولا تسألني عن الدكتوراه ـ اعرف ان كلماتي لن تفيه حقه لقاء ما قدم لدينه وأمته ، مثله مثل سلفه من العلماء الذين سبقوه في الرحيل ، لكن من حقهم علينا ان نذكر محاسنهم ، ونزيح الستائر عن شيء من جوانب شخصياتهم ، ليقتد ى بهم ، فهولاء هم النجوم للساري في ظلمة الليل البهيم .
استأذنك برحلة قصيرة ، لاسلط الضوء الهادئ على بعض ملامح شخصية هذا الفارس القصيمي . الذي طوع الكلمة المنبرية ، حتى صار مدرسة متميزة في الخطابة وقوة التأثير .
فقد عرفت هذا الفارس لاكثر من عشرين سنة ، فهو بحق مدرسة متكاملة ، ولاستغرب ، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، سأعرض عليك بعض الملامح فقط ، وبإيجاز .
1) التواضع ولين الجانب ، وهو عملة نادرة لا يجيد فنها الا القليل ، من الذين منحوا عوامل الكبر ، وهو المجد والشهرة ، وفارسنا منح هذه العوامل ، ولكن لم يزده ذلك الا التواضع والسكينة ، خذ مثال : في يوم من الأيام كنت أنا وهو على موعد هام بين صلاتي المغرب والعشاء ، فصليت المغرب معه في الجامع الكبير في بريده ، وبعد الصلاة خرجنا سويا لموعدنا ، وإذا بأحد الاخوة من الجالية العربية يستوقفه ، و يسأله عن مسألة عادية ، ممكن ان تؤجل الى وقت آخر ، فأطال في عرضها ومناقشتها والشيخ منصت له بكل اهتمام مما جعل السائل يزيد في الأسئلة الأخرى ، ولم نفطن الا وقد مر من الوقت عشرين دقيقة ، فقلت للشيخ : الموعد ، فنظر الى السائل وقال : هل لك أسئلة أخري يا اخي ..؟ فقال لا..
خذ مثال آخر ، اكثر غرابة ، في يوم من الأيام ، وفي الجامع الكبير ، في أحد الأوقات ، استوقفه رجل يعرفه للسلام عليه ، وكان مع هذا الرجل غلام له ، فلما شاهد الغلام والده قد عانق الشيخ ، ما كان منه إلا أن قفز عليه يريد تقبيله مثل والده ، فجذب شماغ الشيخ وطاقيته فانكشف رأسه ، وكان أمام المصلين ، فخجل الرجل ، فهم بالغلام ليضربه ، فنهره الشيخ قائلا انه صبي لا يدرك .دعه ..دعه .
2) يطبق قاعدة ، كلما زاد علم الشخص زاد عطشه للعلم ، لان من قال انا اعلم فهو للجهل اقرب ، لذلك الشيخ ابتعد عن هذه الخصلة ، فهو يطلب كل ما هو مفيد ، وقد أعطاه الله تعالى باعا في الخطابة ، واعداد الخطبة ، حتى صار مدرسة فيها ، إلا ان ذلك لم يمنعه من الاستفادة من الآخرين ، واذكر لك نموذجين حصلا معي شخصيا .
جمعني معه مجلس ، وكان عقب يوم جمعة ، ورحت اثني على خطبته ، فقاطعني قائلا: دعك من المديح ، عليك بالملاحظات . اما الموقف الثاني ، فقد رن جرس هاتفي يوما، وكان المتحدث هو، فقال أريد منك المساعدة في إعداد خطبة ، فقلت انا أساعدك ..؟ فقال نعم أنت ، فاستغربت من طلب الشيخ ، وقلت في نفسي كيف لمثلي ان يساعد فارس الخطابة ، فقلت ماذا تريد يا شيخ ..؟ فقال أريد أن أتحدث عن اليتيم واريد بعض الأمثلة المتعلقة بسوء معاملة اليتيم ، فيسر الله بعض الأمثلة ، وحضرت تلك الخطبة ، فسبكها بطريقة جعلت المسجد يضج بالبكاء ، ـ واعتقد ان بعض الاخوة يذكرونها ـ وقد ذكر لي بعدها ، ان شابا أتى إليه بعد الصلاة قائلا : كيف عرفت يا شيخ قصتي ..؟ مع العلم انه لا يعرفه .
3) ـ الورع والخشية : مستودع الخشية والورع هو القلب ، ولا يعلم ما في القلب الا رب القلب سبحانه وتعالى ، ولكن هناك بعض العلامات تظهر على صفحات الوجه ، تعكس لك الصورة الحقيقة للقلب ، فأنت تجد علامات النفاق ظاهرة على صفحات الوجه ، كما ان علامات الورع والخشية كذلك ( كما قال تعالى : سيماهم في وجوههم .. الآية ) فالشيخ قريب الدمعة ، واكثر ما كان يبكيه حال الخطبة التضرع إلى الله عند الكرب عندما يدعو للامة ، واذكر لك موقفا واحدا ـ ولو كان حيا ما ذكرته ـ في شهر رمضان عام 1423 هـ القيت كلمة في مسجد الراشد في بريده ، وهو إمامه ،وكان ذلك وقت صلاة القيام ، وكان موضوع الكلمة ، عن البلاء الذي نزل ببعض البلاد الإسلامية ، وتسلط الأعداء ، ومررت بالذكر على ما يلاقيه كبار السن والنساء والأطفال ، في هذا الجو البارد مع الجوع والحرمان والتشرد ، وكان يجلس في الصف الأول ، فحانت مني التفاته إليه ، ولم يشعر بي ، واذا به يسبح في دموعه ، دون ان يشعر به أحد ، وهذا في ظني من العوامل الرئيسية التي جعلت ذلك الشخص العادي يخرج من بيته في ليهيب الظهيرة ، ويقف على الإسفلت الحار يؤدي الصلاة عليه ، وهو لا يعرفه .
4) ـ الحلم .. دائما يقاس الحلم بالمواقف الصعبة الشديدة ، ونتيجة الحلم دائما حميدة ، خذ هذا المثال فقط ، حججت مع الشيخ مرة ، ووصلنا الى مشعر منى متأخرين ، ـ ولم تكن الخيام العازلة قد نصبت يومها ـ فلم نجد مكانا لخيمتنا ، وكان الموسم شديد الحرارة ، ويسر الله فرجة صغيرة لا تكفي الا لخيمة واحدة ، فلما هممنا بنصبها وإذا بمجموعة من الناس يهبون إلينا مسرعين وهم يقولون لايمكن ان تنصبوا خيمتكم هنا ، هذا متنفس لنا ، الى غير ذلك من الكلام الذي لا يخفى في مثل تلك المواطن ، وتوترت الأعصاب ،واخذ الغضب منا حده ، فالتفت الى الشيخ وهو يبتسم ، وقال لي: لا نريد ان نضايقهم ، هيا نبحث عن مكان آخر ، وبينما نحن كذلك وإذا بأحد رجال الأمن يمر بالمكان ، فبادرناه هل ننصب خيمتنا هنا ..؟ فقال : مافية مانع ، فتيسر الأمر ، وهدأت العاصفة بعد ذلك ، فلما حضر وقت الصلاة ، واذكر انه كان وقت صلاة المغرب ، فصلى الشيخ بنا وصلى معنا هولاء النفر ، وبعد الصلاة القى الشيخ موعظة رقيقة عن حسن التعامل واخلاق الحاج ، فسبحان الله أثرت هذه الكلمة بنفوس هولاء ، فصارت خيمتهم هي المصلى ومكان الدروس اليومية ، لانهم تمسكوا بالشيخ ، فحصل نفع عظيم ، كل ذلك مرده الى الحلم وحسن الخلق .
5) كان مدرسة في الخطابة ، وذلك لأسلوبه المتميز في الإعداد والسبك والإلقاء ، ويرجع ذلك ـ والله اعلم ـ الى (الإخلاص) والحرص على النفع والتأثير ، فالذي يستمع الى خطبه يخرج بفوائد عديدة ، فهو يجمع بين قوة العبارة وقصرها وسهولتها، مع تأطيرها بالدليل الصحيح ، من القران والسنة والمنقول من أقوال السلف ، ففكرته تصل للمتلقي دون تعقيد او غموض ، لذلك يكون التأثير قويا ، وقد أعطاه الله سبحانه ، قدرة على توظيف الآيات وانزالها في مكانها الصحيح ، مثل القصص التي وردت في القران ، مثلما حدث في آخر خطبة ألقاها وهو اليوم الذي توفي فيه رحمه الله ، فقد كان موضوع خطبته ، حكاية ابني آدم المذكورة في سورة المائدة ، الله اكبر ، كانه على موعد مع السفر ، لذلك كانت رسالة بليغة مؤثرة .
وكنت قد اقمت دورة في فن الخطابة والتأثير ، فسألته يوما عن الخطبة وكيف يعدها ، ومصاعب الإلقاء ، والمواقف التي تعرض لها ، فقال الخطبة القادمة تولد لحظة نزولي من المنبر ، ثم يكون حملها وفصالها خمسة أيام ، وانا اجمع أطرافها وشوا ردها ، وصبيحة يوم الجمعة ، تكون الولادة ، وهو السبك النهائي . فقلت هذا الذي يجعلها تطرق سمع المتلقي وهي تنبض بالحيوية والحرارة ، مع صدق المشاعر الذي يحس به المتلقي.. وقد دخلت عليه مرة في مجلسه لنفس الغرض ، وإذا به قد نشر مجموعة كثيرة من الكتب ، فقلت : ما هذه الكتب يا شيخ .؟ ولماذا هي مفتوحة بهذا الشكل فقال ابحث عن بعض المسائل والأدلة للخطبة القادمة .. فسألته يومها ماذا تفعل إذا أردت ان تدخل للمسجد وقبل ان تصعد للمنبر ..؟ فقال : اذكر أول خطبة ألقيتها ، أنى خرجت من الصلاة وكأني خارج من بركة سباحة ، مع العلم أنها كانت في قرية ، ولكن هي هيبة المنبر ، فكنت بعدها أدعو الله قبل ان ادخل المسجد بهذا الدعاء ، اللهم ثبت جناني وسدد لساني ، فسبحان الله كنت أجد العون والمدد من الله سبحانه وتعالى .
هذه خواطر لملمت شوا ردها من الذاكرة ،أحببت ان اعرضها فقد كان تأثير الصدمة علي كبيرا ، ولكن لا نقول الا ما يرضي الرب ، حسبنا الله ونعم الوكيل ،وانا على فراقك يا أبى عبد الله لمحزونون ، لان هولاء يجب ان يستفاد من سيرهم ، مع تأمل الأسباب التي جعلت تلك الجموع الغفيرة تسير في ليهيب الشمس ، وشدة الحرارة خلف جنازته ، اذا هناك سر عظيم ، هل تراه ( يا جبريل اني احب فلان ، فاحببه فيوضع له القبول والحب في الأرض ..؟ ) هل تستطيع ان تضع لك حبا وقبولا في الأرض ..؟ اذا موعدنا يوم الجنائز....
عبد الله العيادة / بريده
__________________
كلما اشتد الظلام قرب طلوع الفجر00
هدب غير متصل   الرد باقتباس


إضافة رد

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 06:15 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)