[د. صالح التويجري]

الحمد لله نحمده . .
أما بعد . . يقول الله تعالى :  وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء  ففي مضامين الآيات السابقة خصوصية البشر بالخلافة في الأرض والعهد إليهم بالتكليف والمسؤولية عن أنفسهم وعن إدارة شؤون من حولهم ، والإنسان لا يكون كذلك إلا بعد أن يتحرر من كل عبودية إلا لله تعالى . . وحيث لا تكفي الحرية والفطنة للتحكم بزمام الأمور جاءت الهداية الربانية التي وعدها الله البشر وكفلها لهم عبر تتابع الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين .
وضمن معالم الهداية قضية الحرية وحدودها ، لأن المسؤولية قرينة الحرية ، فإن المختار يحاسب على ضوء حجم الحرية ونوعية الاختيار ، فهي حرّية منضبطة تتضمن قيود وضوابط السلوك الإنساني في العهود والمواثيق والاتفاقات والعلاقات التداخلية بين البشر وإلى مؤسسات وعقود اجتماعية وقوانين النظم والعقوبات والجزاءات ، فهي من القيم الإنسانية التي حفظها القرآن ، لتحسن التعامل مع الموافق والمخالف ، وحين يختل الفهم يحل الإقصاء أو الارتماء . وكلا طرفي قصد الامور ذميم
وأحدثكم اليوم عن معنى ربما يجهله بعض من يحمل مسمى مفكراً أو مثقفاً بينما أدركه أعرابي من بطن الصحراء ، ورحم البداوة ، قُدِّر له أن يمثل أمام أعظم زعيم حضارة مادية زاهية بكل ألوان النعيم ، إنه ربعي بن عامر حين قال لما سأله ملكهم ( الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ) وفي قاموسنا الإسلامي ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ) .
أما الحرية التي ينادي بها اليوم بعض من يسمون بالمفكرين أو المثقفين أو النخب العلمانية ذات الهيمنة على مجريات الفكر . .
إنهم يتحاورون حول أمور لا تقوم الخلق ولا تهذب السلوك ولا ترتقي بالأمة، إنها مقالات صحفية تخنق الفضائل وتذيب الأخلاق وتسبب الربو الفكري والتهاب الكبد الثقافي مما يؤدي إلى مرض نقص المناعة في الشرف والعرض . . طاروا فرحاً بأول جريئة إعلامية تقرأ الأخبار . . غاية التحرير أن تعروا نسائكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم . . وزعم قائلهم بأنها نموذج لأكثرية عفيفة صامتة ، وهكذا يتزينون عند الكفار ويسارعون فيهم في قلب القيم وعكس المفاهيم لواقع شريف نظيف، أنتم نماذجه ورعاته . . إنها هزيمة نفسية وانكسار داخلي عشعش في عقول هؤلاء حين قعدت بهم الهمم عن التقدم التقني والسباق العلمي ، فلم يروه إلا عبر أنقاظ الفضيلة والالتزام بأحكام الإسلام .
والحرية في مفهوم هؤلاء أن نقول ونكتب ونفعل ما نشاء دون أن تمسنا سيف الرقيب أو سوط الجلاد . .
فأصبحنا نسمع ونرى ارتفاع شعارات خلابة في كل مكان تستهوي الضعفاء ويلتقي حولها الأدعياء ، وحُداتها الموتورون من بني جلدتنا ، ولا غرابة أن تنادي المبادئ الفكرية من علمانية أو ماسونية أو وجودية بالحرية والعدل والمساواة ، كلها مطالب بشرية وأركان أساسية للحياة لكن بالمفهوم المستقيم على ضوء الضوابط التي تقيم بها الأمم . . وحتى تتعرى المقاصد ويتضح التلبيس ، فإن معنى الحرية عندهم الانحلال من كل قيد وضابط شرعي أو عرفي أو اجتماعي أو قبلي لينطلق الإنسان من أي توجيه أو وصاية أو عبودية ، فلما تهافت الدهماء على هذه الدعاوى كالفراش على النار . . شقيت مجتمعاتهم على كل صعيد في الأعراض والدماء والأموال ، وفي العقول والأديان والآداب ، فانقطع النسب وارتفع معدل التمايز الطبقي ، وكثرت حالات الانتحار وزحفت الحريات الفردية على حقوق المجتمع وعلى القيم ، فشقي المجتمع على حساب إسعاد شلة منحلة فحاول عقلاؤهم ترميم البناء وتجاوز الأزمة بسن قوانين بشرية تعالج فجوات الاندفاع الشهواني أو الثورة العارمة على تعاليم الكنيسة .
ولا زالت صيحات رجال ونساء من الغرب والشرق تنادي بتصحيح النظام ومراجعة القوانين على ضوء الشرائع السماوية ، هذا بالنسبة للكفار حتى ظهر منهم أصوليون بمعنى الكلمة .
أما في الإسلام وعند المسلمين فقد شرع الله لهم من الدين ما تحفظ به الضروريات ويغذي الروح والجسد ويلبي نداء العقل والفكر . . ومع ذلك الإشراق والوضوح والواقعية ظل أناس عن الحق وقد علموا وتعلموا في الإسلام أحكام الردة ومصير من غيّر دينه ، فتسللوا إلى مبتغاهم من بوابة الشبهات والشهوات وزين لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن السبيل بعد أن كانوا مهتدين . . فشرقوا وغربوا ولا يزالون يحاولون جرّ المجتمعات إلى الهاوية من خلال تسلق أسوار الاجتهاد ومراجعة الإجماع والحديث عن الحريات الشخصية والحقوق الإنسانية ، وإلغاء الحدود والفواصل التي جعلها الله شرعاً تحكم به الأرض ومن عليها ، وتسمى فيه الأسماء على الحقيقة وليس على المجاز ، فالكافر والمنافق والمرتد والمعاهد والذمي والمستأمن والفاسق والفاجر القاب يستوحش منها أدعياء الإنسانية حين عمدوا إلى الذوبان في تيارات جمعت إلى شهوة الرذيلة هشاشة الحجة وضعف التأصيل ، ليستروا سؤاتهم ويتعالون على بني جنسهم بعبارات موهمة ومطالب مبهمة وغموض في تحديد المواقف إلا من الدين وأهله . .
أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة خرقاء تفر من صفير الصافر
بارك الله لي ولكم في القرآن . . .


الخطبة الثانية
الحمد لله . .
وبعد سأنثر على أسماعكم بعض شذرات القول وفي محل النـزاع ، يقول الرسول  : " لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث ، الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " .
وكان من أوائل من طبق ذلك الخليفة الراشد أبو بكر الصديق حين قاتل المرتدين بعد وفاة النبي  فقد شدّد الإسلام على من ارتد عن الدين فإن رجع وإلا ضربت عنقه بالسيف ، وهذا عمر يذكر له رجل يقال له صبيغ يثير الشبهات في مجالس الناس ، فأمر به فجلد حتى ذهب الذي في رأسه من الشبهات ، كالأذي يماط عن الطريق .
ومن القراءة حول سير المرتدين تتجلى معالم الخلفية من سوء النشأة وبوادر الاعتراض على القدر أو ركوب الموجة نفاقاً او تحت ضغط الحاجة اوالاقحام بلوازم محرجة واعترافات وعهود ، فإذا قضى وطره وانقطع أمله انقلب على ظهره ، وارجع البصر كرتين فإنك لا تعثر على خبر مرتد إلا وقد كان نابته سوء في قعر دار الإسلام .
وعود على الحديث السابق ، فقد جمع مسائل عظمى ، فتبديل الدين والتلاعب بالعقائد فساد في الاعتقاد, وفساد العرض بالزنا ، وفساد الدماء بالقتل ، فيا لك من دين عظيم رسمت معالم الحرية وحفظت حق كل فرد ينتمي إليك .
وماذا لو تحققت لمروجي الرذيلة آمالهم من فوضى الفحشاء وانتشار دور البغاء وإلغاء الفواصل بين المؤمن والكافر . . . ولكن الشرع المطهر حرر المجتمعات ممن أراد تعبيدها للشهوات . .
فلا حرّية حقاً إلا في ظل العبودية الحق ، وصدق المصطفى  " تعس عبد الدنيا ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس وانتكس وإذا شيك انتفش " فأشقى الناس في الحرية دعاتها ، ولن تكون حراً بمعنى الفوضى إلا على حساب حقوق الآخرين وحرياتهم .
وإذا لم يكن لهؤلاء من وازع على حد قوله  : " لتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا " ، أو محاكمة كل من يعبث بثوابت الإسلام وقواطع الأدلة من الذين لا يكفرون من كفرهم الله من اليهود والنصارى ، ولا يرون الإسلام ديناً واكتفوا بالإنسانية .
ومهما يكن من أمر إلا أن هذه بوادر تنذر بخطر ، إذ سوف يحدث إرهاب من نوع آخر ، كما قال الله تعالى :  والفتنة أكبر من القتل  ، والفتنة هنا هي الشرك والكفر ، وإضلال الناس عن دين الله الحق .
وجميع الفساد والإفساد من والفوضى في الأمن والاعتقاد من مخرجات صور الردة وتجاهل الدين الذي عليه ما يزيد على مليار من البشر .
وكم سمعنا من صيحات حين كفريات سلمان رشدي ، وسلسلة المرتدين لا تنتهي إلا .
اللهم احفظ علينا ديننا . . .
وصلوا وسلموا

[مدحت شوقي بريده]

السلام عليكم ..

بارك الله فيكم وفي علمكم شيخنا الفاضل ..

وجعل ذلك في موازيين حسناتكم ...

[الإعصار]

جزاكم الله كل خير

[العمود]

رفع الله قدرك شيخنا ..

ونطمع بالمزيد المزيد من خطبكم ..

لا حرمتم الأجر بإذن الله ..

[د. صالح التويجري]

عذرا لاخي القارئ اتمنى الرد على كل كلمة من تعليقاتكم وارجوا ان تكون ترجمتها في ملاحظة ما يكتب اكثر من التعليق عليها في الموقع ولا زلت اتمنى مواصلتي بما ترون من موضوعات تحتاج الى بحث ومعالحة

[الوافي]

اقتباس المشاركة الأصليّة كتبت بواسطة د. صالح التويجري عذرا لاخي القارئ اتمنى الرد على كل كلمة من تعليقاتكم وارجوا ان تكون ترجمتها في ملاحظة ما يكتب اكثر من التعليق عليها في الموقع ولا زلت اتمنى مواصلتي بما ترون من موضوعات تحتاج الى بحث ومعالحة

هذا مانريده بالضبط