بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » " يوميات ليبرالي " مابين بريدة وبيروت عبر كابول (( الحلقة الأولى والحلقة الثانية ))

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 26-11-2005, 06:10 PM   #1
أبو عاصم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2005
البلد: أرض التوحيد بـــــريــــدة
المشاركات: 120
" يوميات ليبرالي " مابين بريدة وبيروت عبر كابول (( الحلقة الأولى والحلقة الثانية ))

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛؛؛

إخواني أعضاء منتدى بريدة ستي .. هذا موضوع وجدته في الساحات واردته نقله لكم للفائدة وهو للكاتب الكبير " أبو زياد الصالح " إليكم الحلقة الأولى والثانية ...

" يوميات ليبرالي " مابين بريدة وبيروت عبر كابول ... ( الحلقة الأولى )


-1-

حدثتني جدران مدينة الرياض عن ذكرياتي.. عن خمسعشرة سنة مضت عن الطفولة والصبا وأيام كنا لا نخشى على الحب ناهياً.. عن فتى أذكرهيقال له "الصيني" ليس نسبة إلى الصين بل إلى ثوبه المتطفح قذارة، والتي ترى خرائطزحل والمريخ مرسومة على ذاك الثوب البالي والعجيب في هذا الثوب أنه لم يلمس يوماًجسد صاحبه! يمتد من اليسار لليمين متراً ومن الأمام للخلف مثله، إذا هبت الريح عليهبدأت تسمع (طقطقة) ثوبه وأجزم أنه لم يخلعه إلا تحت التخدير الكامل لجسده أو بلّهتحت نفود (الحويزة) ..

البداية كانت عندما كان عمر "مسيطيح" 15 عاماً وكانيجوب أزقة حي (العجيبة) و(الجردة) يدور بعربته ذات الثلاث عجلات، وينادي بأعلىصوته: (التيم يا ولد الْحق على التيم البارد) -والتيم مشروب مثل السفن أب انقطعالآن- سألته يا "مسيطيح" ليش بس تيم؟ قال لأنه يتماشى مع لون بدلتي الخضراء وسرواليالأبيض المخطط بالأخضر!. وبالمناسبة حينما يركع مسيطيح ليأتي بعلبة التيم من حافظتهيضحك عليه كل من يقف خلفه ولا تسألوني عن السبب...!

رأيته مرة وعليه (زنوبا )فقلت له: مبروك وعمرة متقبلة غريبة ما قد شفتك إلا حافي؛ فقال: لا يروح بالك بعيدما كثر الله إلا المساجد!! فقلت له إذا سماك الله سارق فأقل شيء خذ لون واحد مووحدة خضراء والثانية زرقاء! فقال أهم شيء إنها تروح المتعلقات تحت (رجليني)، فقلت: أي متعلقات؟ قال خبرك الفجر أقوم (أروس) – جملة يعرفها المزارعون-، ثم في الظهرأطلع (أخرف) النخل ثم بعد المغرب أروح (أحلب) البقر لذا دائماً تلقى (رجليني) ناشبفيها كل ما هب ودب، قلت له: طيب يا "مسيطيح" وش تتمنى؟ قال: بصراحة ودي أصير( متمدن). قلت وشلون؟ قال: ودي أعرف أشغل (الراديو) وأكلم بالتلفون وألبس ثوب بكبكواشتري سيكل 24، وأتمشى بشارع الخبيب –هذا الشارع هو القلب النابض لبريدة- قلت له: ليش أنت ما تعرف تكلم ولا تسمع الرادو ولا عندك سيكل؟ قال: لا.. بس بندر ولد خاليدايم يكلمني عنها..

غربت الشمس فافترقنا..




-2-

تفارقنا سنوات بعد ذاك الحديث وتغيرت معالم.. رحلعن تلك المدينة رجال وبقيت فيها بيوت واطئة...

خرجت ذات مساء من الجامعالكبير -كان إمامه الشيخ عبد الله القرعاوي والذي أبعد عنه سنوات ثم عاد له الآن،أعقبه في الإمامة الشيخ الراحل محمد السعوي –رحمه الله-، لم تصدّق عيني ما رأت.. لقد رأت صاحبنا :مسيطيح" لكن بهيئة أخرى فركت عيني أهو هو..؟! نعم إنه هو.. ما شاءالله "مسيطيح" وش جابك الحمد لله على السلامة، لم يبتسم، لم يبادلني الشعور، ردبكلام مقتضب، ثم سمعته يتعوذ! قلت له: ما بك..؟! قال ما تخاف الله تصلون مع إماميصلي بالمكرفون بعدين أنتم يا عيال المدارس المفترض ما أسلم عليكم تدرسون بمدارسالحكومة ودروسكم كلها صور وبلاوي، وسمعت إن عندكم دروس تلهون فيها (بخصية إبليس - لمقصود حصة الرياضة - وتركبون هالسيارات اللي صنعوها كفرة فجرة، وترى سبب هاالحوادث عقوبة من الله لأنكم ركبتم صناعة الكفار.. وقفت فاغراً فيّ من هول ما سمعتلم أصدق أبداً أن هذا هو "مسيطيح" الأول، تركت هواجس النفس وسألته: طيب أنت وش جابكتصلي مع إمام يصلي بالمكرفون؟ قال أنا جيت أنصحه الله يعافيه ولا يبلانا، قلت: طيبوين رايح الحين؟ قال بروح لسيارتي.. سيارتك غريبة.. ألم تقل: إن السيارات حرام وهيمن صنع الكفرة؟ قال: بلى ولكن سيارتي من صنع ربي تعال معي لتراها.. خرجنا من البابالشمالي ومررنا ما بين محلات (السقوطات) وبين دكاكين الجامع متجهين جهة الغربمتجاوزين شارع الصناعة، كان صاحبي يسبقني وكانت الريح تهب علي ريحاً ممزوجة ما بيندهن العود وسنان حمار فكانت ريحاً نتنة لم أحتملها، لكنها كانت تضيع تحت صفير)زبيريات) صاحبي، فقلت في نفسي أمس (زنوبا) مسروقة واليوم (زبيريات).. يا مغيرالأحوال.. تبعت صاحبي حتى وصلنا إلى أزقة حي الخريصي -وهو حي قديم تجدد بعضه ولايزال البعض شاهداً على تاريخ رجالاته ببيوته الطينية الموحشة- فجأة توقف مسيطيح ثممال إلى جهة اليسار ليدخل إلى أحد البيوت المتهدمة فتبعته يدفعني حب الاستطلاعويربكني الخوف، دخلنا إحدى هذه الغرف، فرأيت حماراً أشهب مربوطاً على سارية البيت،ففزعت وسميت وقلت: ما هذا يا مسيطيح؟ فقال: هذه سيارتي نحن لا نركب ما صنعهالكفار!! عندها أدركت سر الريحة الكريهة المنبثقة من صاحبي، سألته: هل تذكر حديثالطفولة؟ أما كنت تحلم بسيكل 24؟ فقال أعوذ بالله أنا أركب حصان إبليس سكت وفيالنفس لهفة لمعرفة المزيد...

تركني صاحبي واجماً في مكاني وقال ألقاك غداًهنا.. في نفس الوقت




-3-

أويت إلى فراشي مهموم القلب،موجع الفؤاد أفكر بصاحبي وما حل به.. يا إلهي ما الذي غيره واختار له هذا الطريق! أتعبني التفكير وطار النوم من عيني، لجأت لكتاب كان يجلب لي النوم وهو أخبار الحمقىوالمغفلين لكن كيف لي أن أقرأ سطوراً وأنا عشت اليوم مع أحد أبطال هذا الكتاب.. رأتني والدتي وقالت لي: ما بك يا ولدي؟ قلت لا شيء مسحت على جسدي وهي تتمتم بكلماتلم أسمعها...

ذهبتُ إلى ذاك المكان في الوقت المعين لألتقي صاحبي وكلي همّوأمل أن أعرف المزيد فحديثه ذو شجون.. وقلبي ذو استطلاع..

تأخر "مسيطيح" عنالوقت المحدد حتى هممت بالرجوع، لكن كيف لي أن أذهب وأنا لم أنم تلك الليلة أنتظرهذه اللحظة؟!، قطع حبل أفكاري نهيق حماره الأشهب بين أزقة حي الخريصي خلف جامعالشيخ صالح الخريصي -رحمه الله- سلمت عليه، فردّ علي (السلام على من اتبع الهدى)فقلت له: هذه تحية لا تقال لمسلم، قال: كيف أثق بك وأجزم وأنت تدرس بهذه المدارسالحكومية؟ تركته يربط حماره (ويعلّفه) نظر إلي وقال: كيف بك إذا لقيت ربك وأنت تركبما صنعه الكفار؟ بل هل تجزم أن الله سيتقبل صلاتك وأنت تصلي خلف إمام يصلي بمكرفونوهو بدعة لم يفعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما تخاف الله؟أما...؟

انتهى صاحبي من حديثه وكنت مطأطئ الرأس فرفعت بصري له وبادرتهبالسؤال: "مسيطيح" ما الذي غيرك؟ أما كنت تلبس الأخضر والأبيض فإذا سألتك عن سرهاقلت لي لأني ريداوي - نسبة لنادي الرائد ذو اللون الأحمر والأبيض والأسود- فأضحكلأني أعلم أنه يسمع به دون أن يراه؟ ألم تقل لي إنك تريد أن تكون (متمدناً) كماحدثك قريبك (بندر) وتريد أن تلبس ثوباً بكبك؟ قال: ذاك زمن الطفولة أما الآن فنحنالغرباء في آخر الزمان!!.. فحدثني حديث القابض على الجمر فقال يقول رسول الله صلىالله عليه وسلم: "القابض على جمرة كالقابض على الدين.." فقلت أستغفر الله لا تفتريعلى رسول الله وأحسن قراءة الحديث.. (القابض على دينه كالقابض على الجمر..) فقالالحمد لله أنك تعرف إذاً لماذا تعيش عيشة الخنا والفجور؟ فقلت: أي فجور يا أخي؟ قالتلفونات ومسجلات ومدارس ومراكب الشيطان و...؟ قلت هذا حل أحله اللهلي..

تركنا حماره ينهق... ومشينا في طريق مقمر.. يثب الخوف فيه قبلنا... حدثني فيه كيف هجر بيتهم وترك والده وأهله وهو الآن قابض على دينه مع أهل الصفة.. قلت له: أين تدرس؟ فقال في الدينية وأنا الآن في الصف الخامس...(والدينية عبارة عنمدرسة غير حكومية لها مناهجها الخاصة تهتم بالتعليم الشرعي انتهى بها المطاف فيالجهة الغربية الجنوبية من حي الهلال قرب مقبرة الموطأ والتي تسمى الآن مدرسة الشيخصالح البليهي لتحفيظ القرآن وهي الآن حكومية.. هذه المدرسة لها نظام يختلف كلياً عنالمدارس الحكومية، فمثلاً يبدأ الطالب بأول (ردية) عكس جيدة ثم ينجح لأولى جيدة ثمللثانية ثم الثالثة وهكذا وينتهي بالصف الثامن فإذا تخرج الطالب من الصف الثامنفإنه يلتحق بحلقة الشيخ المحدث الراحل عبد الله الدويش رحمه الله، وهو شيخ الشيخسليمان العلوان -فك الله أسره- وحلقة الشيخ الدويش في أول غرفة من جهة اليمين أولما تدخل هذه المدرسة يليها الإدارة والتي تَعاقب عليها في نهاية عمرها كلاً منالشيخ محمد الرشودي إمام جامع الفاخرية وصالح البجادي والذي أيضاً يسكن في نفسالحي.. هذه المدرسة لا يوجد بها طاولات وكراسي فهي عبارة عن فصول مفروشة وهناك رففي آخر الفصل يضع الطلاب عليه حقائبهم يخلعون أحذيتهم قبل دخول الفصل وغالباً مايجلسون على شكل حلقة دائرية وأحياناً على شكل صفوف، فإذا أراد الطالب الكتابة؛ فإنعليه أن يرفع إحدى رجليه ليتكأ عليها ويكتب أو يكون على هيئة السجود ويكتب علىالأرض ولا يخرج الطلاب من الفصول إلا حينما يضرب المراقب _ والمراقب مثل الوكيل_ بعصاه الطويلة ضربات سريعة متتابعة وقوية على إحدى الحيطان أو الأعمدة وتنتهيالدراسة فيها قرابة الساعة 11 صباحاً.. تُدعم هذه المدرسة من أهل الخير مثل التاجرالمعروف فهد العشاب –رحمه الله- وهو أحد رجالات هذا التيار الإخواني المعروف فيبريدة وهم غير جماعة الإخوان الشهيرة بل تختلف اختلافاً جذرياً عنهم، والحقيقة أنهذه المدرسة يتخرج منها الطالب وقد أتقن كثيراً من العلوم الشرعية فمثلاً الطالب لاينتقل من الصف الرابع إلا وقد أتقن وحفظ الأصول الثلاثة وكتاب التوحيد والأربعينالنووية وغيرها.. لكنها تحفظ الطالب أكثر من أن تربيه..أغلقت هذه المدرسة سنة1408هـ تقريبا ..)

عوداً على صاحبنا قلت له أين تسكن...؟ فقال لا تستعجل سترى.. أخذ بيدي واليد الأخرى على أنفي فقد أزكمتني رائحته العفنة فحاذينا جامع الشيخالخريصي وذهبنا إلى بيت هناك خربة لا نور فيها موحشة فهز بابها ودخلنا عبر ممر صغيرمظلم وفي آخره تريك قديم يضيء هذا الممر بإضاءة باهتة، مررنا على غرفة لا تكاد ترىفيها شيئاً قلت له يا "مسيطيح" ألا تضيء لنا الطريق؟ أين الكهرب؟ فقال: أعوذ باللهمنك ..كهرب..!! هذا ترف وهو من صنع الكفار وهذا التريك الذي تراه متدلياً في بعضالنواحي هو أنيسنا وهو ما بقي لنا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. استدرك كلامهوماذا ستنفعك هذه الأضواء في قبرك..؟! سكتُّ ليس لأنه ليس لدي جواب، لكن عندما يقوللك شخص أحمق يا حمار فإنك لن تستطيع أن ترد عليه وتقول أنا لست حماراً لأن الحماريمشي على أربع وأنا أمشي على ثنتين وله أذنان طويلتان وأنا أذناي صغيرتان.. بل تلزمالصمت وأنا لزمت الصمت مع "مسيطيح".. استقر بنا المقام داخل غرفة تقع بجانب مربضالحمير والخيول وقعت عيني على كتب متكدسة يعلوها الغبار حاولت أن استبين عناوينهالكن لم يتضح لي إلا اسم ابن تيمية وابن القيم والإمام أحمد واختفت أسماء كثيرة تحتطبقات الغبار، فعرفت أنها لا تُقرأ، وفي الزاوية الأخرى رأيت كتباً نظيفة يبدوللمشاهد أنها تُقرأ بشكل يومي لا أذكر منها الآن إلا ذم الهوى والمستطرف في كل فنمستظرف.. وأدركت سر اهتمام "مسيطيح" بها الآن لأنها مصرف الشبق عنده.. سألته وهلأنت وحدك هنا؟ لم أنتظر الجواب فالجواب كان مشاهداً أمامي إذ سمعت صهيل الخيل ورفسهفي الممر المظلم، وما هي إلا لحظات حتى دخل رجل أشعث أغبر كهيأة صاحبنا لم يُسلّم.. بل قال من هذا يا "مسيطيح"؟ وأشار عليّ؛ فأجاب هذا مَن كلمتك عنه وهو ابن أحدالعوائل الذين غرتّهم الحياة الدنيا كنت واجماً حينها لا أدري ماذا أقول.. ربط فرسهوقال يا ولد المدارس نحن الغرباء القابضون على الجمر ونريد أن نغيّر حال المجتمعلكن لا نريد أن ننغمس في أسواقهم وبيوتهم ومنكراتهم، وقد كان عندنا واحد مثلك هنايشتري لنا ما ينقصنا ويتعاهدنا بالصدقة والمعونة، لكن له الآن شهور لم يزرنا.. سألت "مسيطيح" وماذا ينقصكم؟ هل تريدون الطعام؟ قال لا قلت أجل ما المراد قال عاهدنيألاّ تخبر أحداً.. سكت ولم أعاهده فقال أريدك أن تنزل لشارع الخبيب وهذا الشارعتكثر فيه الجاليات يمتد من الشمال للجنوب وهو قلب بريدة النابض كرر صاحبي أريدك أنتنزل للخبيب تجد هناك مكتبة اسمها (النهضة) لديه والعياذ بالله مجلات فاجرة عليهاصور البغايا اشتر لنا منها أكبر كمية لأننا نريد أن ننكر عليهم، قلت أما قلت ليالصور حرام والبيت الذي فيه صورة لا تدخله الملائكة؟ قال نحن ننتقيها لأسباب غيرأسبابكم، نحن نريد أن نعرف حتى ننكر ضحكت في داخلي وصمت وقلت لا أعرفها ولا أعرفشكلها قاطعني بانصرافه من الغرفة وجلجلة ثوبه الصيني القذر، ثم عاد وفي يده حزمة منالمجلات الساقطة، فقال مثل هذه نريد.. تأملتها تحت ضوء التريك فكانت تعلوها الخرائطولها رائحة كريهة صفحاتها ملتصقة رميتها استقذاراً فنهق الحمار وقطعالحديث..-4-

بيتنا في حي الفاخرية شرق بريدة وهيثاني أكبر معقل للإخوان بعد حي الخبيبية الواقع غرب بريدة، يأمّنا في الصلاة الشيخمحمد الفهد الرشودي ومسجدنا جامع طيني له مصابيح ومن دون مكرفون، يصعد المؤذنالسويد إلى أعلى المسجد ليؤذن فلا نكاد نسمعه، خطبة الجمعة يلقيها الشيخ من دونمكرفون وعلى الطريقة التقليدية القديمة يلقيها مرتلة، أمّا المصلون في (الخلوة) فقدحُفر حفرة صغيرة تحت المنبر تطل على الخلوة ليسمع المصلون صوت الإمام والشيخ محمدالرشودي يعتبر أباً وشيخاً للإخوان، ويدرّس في هذا المسجد منذ فترة طويلة وعلىالطريقة التقليدية أيضاً، فعندما ننتهي من صلاة الفجر ويقرأ الناس وردهم يقوم ويتكئعلى المحراب من الجهة الأخرى ثم يتحلق الطلاب حوله، كل طالب يقرأ بفن معين فهذايقرأ نونية ابن القيم وذاك في السيرة وهذا في العقيدة وهكذا والشيخ لا يزيد علىتعليق بسيط وتصحيح للقراءة وعندما ينتهي الطالب من قراءة ما تيسر له فله حقالانصراف، والشيخ محمد من أعجب من رأيت زهداً وتواضعاً وحلماً، تراه من أول وهلةفتحبه.. حيي عابد ورع، له حلقة بعد الفجر وفي الضحى وبعد العصر وبعد المغرب وقبلالعشاء. إذا رأيت هذا المسجد فالذاكرة ترجع بك سنوات كثيرة للخلف خاصة في رمضان ففيهذا المسجد أكثر من 17 غرفة هي للغرباء والمعتكفين كلها تمتلئ في رمضان وفي الليللهم دوي كدوي النحل، جماعة هذا المسجد يختمون القرآن مرتين في هذا الشهرالكريم.
أذكر الشيخ سليمان العلوان عندما كان يأتي طالباً للعلم في هذا المسجدعند الشيخ الرشودي والشيء بالشيء يذكر رأيت الشيخ الرشودي يحضر حلقة الشيخ سليمانالعلوان بعدما عُرف واشتهر في مسجده في (حي الصناعة). هناك مسجد آخر في حي الخبيبيةيؤمه الشيخ محمد العمر وبيت الشيخ المحدث عبد الله الدويش يقع في الجهة الشمالية منمسجد العمر يقصده كثير من طلاب العلم، وللأمانة أقول: إن الإخوان ليسوا على درجةواحدة فبعضهم المتشدد الذي يحرّم كل شيء: سيارة وكهرباء ومدارس وغيرها.. والبعضالآخر أقل حدة لا يرى في هذه الأشياء بأس وهم الأغلب لذا يكثرون في ثلاثة أحياء: الخبيبية وهو في الغرب والفاخرية وهو في الشرق وحي الخريصي وهو في الوسط.
صليتالمغرب في مسجدنا وكان ذلك في العشرين من رمضان وحينما أردت الانصراف إذا بشخصيناديني ويربت على كتفي التفت فإذا هو "مسيطيح" سلمت عليه.. ما جاء بك إلى هناتبسّم ثم قال بئس الرجل الذي لا يعرف الله إلا في رمضان.. كررت سؤالي فأشار لي نحوالحجرات التي بالخلف، عندها عرفت أنه جاء ليعتكف وقال حينما تريدني تجدني هناك،تركني ومشى يحفر في الرمل خطوات -والمسجد ذو أرض رملية-، خرجت من المسجد وذهبتللبيت وكلي أمل أن أعرف مصير "مسيطيح" فكل يوم يخرج علي بشكل آخر.. صلينا التراويحوبعد الصلاة أمسكني وتبادلنا أطراف الحديث على ذاك الرمل الخشن الرطب ثم قال لي هلمعك (عبس) -وهي نواة التمر- قلت له لماذا؟ قال بس أريدها ضروري تعجبت منه وحيث إنهلا يخرج من المسجد بسبب اعتكافه خرجت أبحث له عن مراده وحب الاستطلاع يغلي في قلبيتُرى ماذا يريد بها؟!! وجدت له مراده فقال لي اجلس..وبدأ يرسم بالأرض انتابني هم.. هل بدأ صاحبنا يقرأ الكف؟. لا مستحيل رسم رسمة على الأرض ثم جمع حصيات وقال أريدكأن تلعب معي (أم تسع) _وهي لعبة قديمة_ شعرت بالغضب والقهر والمرارة رجل معتكف عمرهأكثر من 22 عاماً وهذا فكره.. سبحان الله!! دست برجلي على رسمته وخرجت غاضباً..
"
مسيطيح" شخصية غريبة جداً متقلب ذو تعصب أعمى إذا اقتنع بفكرة تقول سيموت منأجلها، ولا يمكن أن يتنازل عنها، تلقاه بعد أيام فإذا هو على العكستماماً..
قربت صلاة القيام تلفتُّ أبحث عن ذاك المعتكف فلم أجده ذهبت لغرفتهفوجدته نائماً حاولت أن أوقظه لكنه أبى وقال (ليصلين أحدكم نشاطه) قلت في نفسي مثلهذا لماذا يعتكف؟!! سمعت شاباً يهمس في أذني صاحبه أحذرك أن تصلي بجانب هذا يقصد "مسيطيح" فإن له رائحة تتأذى منها القطط.

بعد حادثة (أم تسع) تذكرت حدثاًحصل لـ"مسيطيح" أيام مراهقته فقد رأيته ذات يوم بهيئة غير هيئته المعتادة القذرة.. رأيته وعليه ثوب جديد وشماغ جديد له مرزام لو ذبح به طير لكان ممن أراح ذبيحتهوعليه (طاقية) لونها أصفر لم يغيرها لأن الشماغ يغطيها، علمت أن هناك سراً وراء هذهالهيئة خاصة وأنه يتقلد سبحة نصراوية وكان متجهاً من شارع الصناعة غرب الجامعالكبير إلى (قبة رشيد)، سألته: "مسيطيح" اليوم صاير كشخة وش السالفة؟ قال: زيك عارفغزل ووناسة نطرد وراء هالضباء!! قلت صاير عبد الحليم على غفلة!! لكن الكارثة أنصاحبنا بهذه الكشخة يغازل وهو حافي.. تخيل هالشكل ثوب جديد وشماغ مشخص فيه وسبحةنصر وحافي، لذا هرب منه الرجال قبل النساء ضحكت ومشيت وتذكرت أن من فعل هذا قادرعلى أن يعتكف ويلعب (أم تسع) و(أم ثلاث) في المسجد ولا يصلي التراويح والقيام معالجماعة ولو أن صلاة الفجر لا يسبقها سحور لجزمت أن صاحبنا سينامعنها.

حدثَني عن شيخ الإسلام وكيف أنه لم يتزوج وأغلب حديثه عن المرأةوالجنس شيء لم يتغير فيه حتى هذا الوقت، قلت له هل تقرأ لابن تيمية؟ قال نعم قلت لهماذا قرأت له فذكر لي المجلد العاشر والحادي عشر من الفتاوى ولا أدري لماذااختارهما دون غيرهما ..يقرأ لك من الكتاب صفحة عن ظهر غيب ولو سألته أي سؤال فيهتحريك للعقل لما أجاب، وهنا تذكرت حمار الفروع إلا أن صاحبنا يحفظ صفحات معينةليثبت للمستمع كم هو قارئ وعالم.. لكن هيهات..

- 5 -

الله أكبر.. اللهأكبر.. لا إله إلا الله.. كان هذا صوت المؤذن ينادي لصلاة الجمعة.. توضأت وخرجتللصلاة في الجامع المركزي في حي الصفراء وكان يؤمه الأستاذ محمد المشوح.. والمشوحهذا هو الذي يعمل الآن في المحاماة وله ثلاثية في شمال الرياض.. صليت تحية المسجدوشرعت بقراءة سورة الكهف ثم دخل الخطيب وأذن المؤذن، تأملت في شكل الإمام فلم يكنهو الإمام الرسمي المعروف بدأ الخطبة بصوت أجش ممزوجاً بغضب علا صوته، ثم قال إلىمتى وأنتم تعلّمون أولادكم في هذه المدارس؟! إلى متى وأنتم تقودون ما صنعهالكفار؟!! إلى متى وأنتم تحملون هذه الدراهم التي كلها صور، أما آن لكم أن تتوبواوترجعوا و...؟!! تأملت صاحب هذا الصوت جيداً فعرفت أنه من أهل الصفة كما يسمونأنفسهم وأنه من أصحاب ذاك البيت الطيني ذي التريك المتدلي من ساريته الجنوبية... عرفت بعد الصلاة أن هذا الإمام دخل من دون إذن وقد سبق الإمام الرسمي بدقائق واعتقدالمؤذن أن الإمام هو من وكله بهذا.. رجعت للبيت وتبادلنا أطراف الحديث مع أهليوكالعادة نجتمع بعد صلاة الجمعة في بيت جدي..
قالت لي والدتي ذات يوم يا ولدي: إذا صليت الفجر رح للسوق واشتري لنا تمر قلت سمي وأبشري يمه.. صليت الفجر ثم ذهبتأنا وصاحبٌ لي لسوق التمر وهذا السوق قريب من سوق الخضار شرق مدرسة الأندلس وفيهتتعالى الأصوات.. [الحق على السكري يا ولد... الحق على الزين يا ولد..البرحيالبرحي] بين هذه الأصوات الشاردة والتي تهرب منها الطيور في السماء ميزت صوتاًمبحوحاً لم تستنكره أذناي تأملت الصوت بحثت عن مصدره فإذا هو "مسيطيح" معتلياً)تندة) السيارة بثوبه الصيني القذر ورائحته الكريهة يحرّج على بضاعته ويقسم أيماناًعلى جودتها، ناديته "مسيطيح" وش جابك والله إنك يا "مسيطيح" صاحب مفاجآت.. قال: تبيتشتري وإلا لا؟ قلت نعم لكن قبل كل شيء مبروك السيارة، قال الله يبارك فيك، قلت كلعمرك تقول إنها مركب الشيطان وإنها من صنع الكفار؟!! قال ترى ماني فاضي لكولنقاشاتك، أنا جاي بترزق الله تبي تشتري حياك وترى لازم أشوفك الليلة عندي لكعلوم.. اشتريت حاجتي وغادر الطائر....



" يوميات ليبرالي " مابين بريدة وبيروت عبر كابول ... ( الحلقة الثانية )
-6-

الوقت قبل غروب الشمس في يوم صائف..
المكان طلعة (الحبلين).. كنتُ وكان مسيطيح بجانبي نمشي متوجهين جهة الغرب والشمس تتحين المغيب.. نظر إليها صاحبي وتأمل، وقال لي: آه.. كم تمنيت أن تكون هذه الشمس حصاني ومركبي! قلت له: ولم..؟ قال: ألا تراها تشرق في أقصى الشرق من جهة (الفاخرية) مروراً بحي (الخريصي) وتغيب هناك خلف (نفود الخبيبية)؟! تبسّمت، وعرفت أن هذه حدود الكون عنده، فلم ير أبعد من ذلك..
في منتصف (الطلعة) أخذنا جهة اليسار نحو (البوطة)، ذهب مسيطيح إلى (ساقي) ليتوضأ منه صلينا المغرب وافترقنا..

·******
شهور مرت قبل أن أسمع هذا الخبر (السلطات السعودية.. تقبض على منفذي إحراق فيديو البلجون..) تلقّيته كخبر عادي.. إلا أن صديقي فهد بادرني: هل تعرف من قاموا بالعملية..؟
قلت له: لا.. قال: مجموعة من المتشددين، ومن بينهم صاحبك مسيطيح.. أصابتني دهشة، واختنقت بعبرتي.. مسكين هذا الرجل. من الذي غرّر به؟! من الذي أوصله إلى هذا التطرف..؟
تأملت وفكّرت وعرفت أن صاحبي مسيطيح متوقَّع منه أن يفعلها.. لسبب بسيط.. إنه يهوى الشهرة وكثيراً ما بحث عنها.. تذكرت قصة طريفة ...كنا ذات يوم نسير سوياً، فرأى عصفوراً، تأمّله وقال: آه.. كم أتمنى أن أكون مثل هذا الطائر!!
قلت له: هل تريد أن تكرر مقولة أبي بكر؟ فقال: لا، ولكن أريد أن أطير فوق البيوت من أجل أن أرى ما فيها من المنكرات لأغيّرها...
تذكرت هذه القصة وصاحبنا في السجن.. والله غالب على أمره.

-7-
(هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد...) بهذه الكلمات ختم الشيخ سلمان العودة درسه في بلوغ المرام في الجامع الكبير ببريدة.. أخذت كتابي وتوجهت إلى الباب الشمالي قرب مكتبة الجامع الزجاجية.. وقفت قليلاً ورجعت بي الذاكرة سنوات للوراء... هنا ربت على كتفي مسيطيح ذات مساء وقال لي: (كيف تصلي خلف إمام يصلي في ميكرفون..)؟!
آه.. إنها سنين العمر نقطعها بالمتغيرات.. أغلق الفرّاش أنوار الجامع وكأنه ينبهني ألاّ أحد موجود غيرك.. عندها فتحت الباب الخشبي وله صرير، وخرجت عبر (الوسعة) أجُرّ خطوات كنت ذات مساء أجرّها خلف صاحبي مسيطيح ليريني سيارته (حماره).. تُرى أين مسيطيح الآن..؟ سنة وشهور مرت وهو في السجن نتيجة لسطحيته وأفكاره الشاذة.. إنه غرور النفس..!!
أبو زياد.. أبو زياد.. !!
التفتّ.. من يكون..؟ آه إنه هو. كذّبت عينيّ، وصدّقت أذنيّ..
الصوت صوت مسيطيح والهيئة تختلف.. لم يكن كما عهدته رث الثياب تعلوه رائحة حماره، بل كان مرتباً متعطراً.. صافحني بابتسامة لم أعهدها منه.
قال لي: هل ممكن توصلني؟ قلت: على الرحب والسعة.
تفضّل.. ركبنا سوياً وتجوّلنا. سألته عن غيبته ..عن السجن.. عن الأيام الخوالي.. عن ذكريات البيت الطيني.. قال لي: الحديث ذو شجون.. سأحدثك عن السجن وأيام قبله.. بدأ حديثه وله شجن.. وكأنه يتحسر على تلك الأيام.
قلت له: ما بالك؟ حدثني.. قال: إنك لا تشعر بما أشعر به.. إنها تجربة السجن، والتي أرتني كم أنا ضال وتائه!!


قلت له: المهم أن تصل إلى الطريق الصحيح.. قال: أنت تعرف أصحابي فلان وفلان وفلان.. وكلهم من أهل ذاك البيت الطيني. اجتمعنا ذات ليلة على ضوء (التريك) وبدأنا نتذكر حال السلف، ونتذكر المنكرات من حولنا؛ فهذه حلق تحفيظ القرآن، وهذه مدارس حكومية، وهذه تسجيلات إسلامية، وغنائية، وكلها بدع مستحدثة.. وأخذنا الغم والهم من كل جانب فقال أحدنا: حدثنا فلان عن فلان عن فلان.. عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع...."الحديث..
ونحن قادرون على تغيير هذا المنكر باليد. نظرنا حولنا فرأينا كم هي المنكرات التي نحتاج تغييرها باليد.. اخترنا أهدافاً معينة سهلة، وأحرقناها كان الوقت فجراً.. عدنا بعد العملية وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ينتظرنا في بيت الطين كما انتظر أصحابه حينما اغتالوا اليهودي كعب بن الأشرف..
أيام وبعدها اقتادنا الأمن بعدما تعرفوا على هويتنا.. السجن.. آه إنه طموح النفس وهواها.. اقتادونا والسلاسل لها صرير وهي دليل للعنابر الأخرى ان هناك ضيوفا جددا، عندها تذكرنا سلاسل عبدالله بن حذافة السهمي..
هذا حديث النفس لحظتها.. سنوات قضيناها في السجن قرأنا.. خالطنا.. تعلمنا فيها.. رأيت يا أبا زياد كم أنا تافه وشاذ تعرفت على نفسي أكثر.. قبل أيام خرجت، وها أنذا أكفر بالماضي وأنكره.. وصفحة حياتي بدأت من السجن..
قلت له: من تنكّر لتاريخه حتماً سيتنكر لحاضره، أما التغير يا مسيطيح ليس في المبادئ لكن من ضيّق على نفسه دائرته سهل الخروج منها...
-8-
هكذا بكل سهولة فجر مسيطيح ورفاقه، وبكل سهولة أيضاً دخل صدام حسين الكويت.. كان الغزو حديث الناس.. بريدة تلك المدينة الهادئة صمتت على هدير الطائرات وضجيج الشوارع وصوت الدعاة.. وذاك المذياع الصغير في أذني صاحبي مسيطيح يتابع آخر الأخبار.. وينام على رائحة (الشانيل).. سنوات من العذاب بين حياتين.. تشرق الشمس فتنشر دفأها على تلك المحلات الصغيرة.. وأبجديات الأخبار يتلصصها الكبار من مقاتلات الـ(
f15
) وصوت ماجد سرحان يحيي العرب من لندن، ومنارة الجامع تشهد على صمت الطيور.. وأخبار الأفغان ملء الأسماع.. والقلب عصي طيع بين الكويت والأفغان.. وفي كل بيت لامة.. وكلٌّ لبس لامة الحرب. كانت الهجرة نحو الشرق البعيد هناك نحو جبال الهندكوش.. تذكرة مدفوعة الحساب.. وعودة البطل ينتظرها سكان الحي القديم.. كانت قوافل الراحلين تزيد يوماً بعد يوم.. والرحلة تبدأ من تشوهات الحرب وحنين السرب المغادر..
لم يكن مسيطيح بعيداً هذه المرة عن تلك الضجة.. (فموضتة) بطولات هناك.. سألني كيف الطريق..؟ لم أكن أعلم حينها هل هو جادّ أم مازح؟! لكن كل الذي أعلمه أن ما يجول في خاطره حتماً سيفعله. قلت له: لا أدري.. سأل هو بدوره حتى رتب كل الشيء: الرفقة.. التذكرة.. الجواز..

-9-
(طن.. طن.. على الركاب المغادرين إلى إسلام آباد التوجه نحو البوابة 7) أخذ مسيطيح شنطته، وتبع أصحابه أحمد وفيصل يجر خطوات ثقيلة خلفهم نحو بوابة الخروج 7.
مسيطيح.. مسيطيح كان هذا الصوت صوت ابن خالته بندر ذاك الفتى المدلل، والذي تمنى ذات يوم أن يكون (متمدّناً) مثله..
بندر: مرحباً مسيطيح..
مسيطيح: لا تقل: مرحباً، ولكن قل: السلام عليكم..
بندر: السلام عليكم. وش أخبارك، إيش اللي جابك؟
مسيطيح: أنا ذاهب للجهاد.. وأنت إلى أين ستذهب؟
أصاب بندر الحياء؛ فكيف يردّ عليه؟
وشتان بين وجهته ووجهة مسيطيح!!
تردد قليلاً ثم قال: وجهتي إلى تركيا، وطأطأ بندر رأسه منتظراً نصيحة مسيطيح.. إلا أن مسيطيح فاجأه قائلاً: لو لم أقطع كرت صعود الطائرة لكنت صاحبك..
بهذه السهولة أراد أن يغير وجهته، فقط المانع كرت صعود الطائرة..!!
(طن.. طن.. النداء الأخير على الركاب المتوجهين إلى إسلام آباد التوجّه نحو بوابة السفر رقم 7) ودع مسيطيح بندر وافترقا..
المقعد رقم
a33 بجانب النافذة.. كانت هذه أول مرة يركب فيها صاحبنا الطائرة، والراكب الجديد غالباً يختار النافذة إلا أن مسيطيح استأذن من فيصل في أن يأخذ مكانه بجانب الممر.. سأله فيصل: وما الفرق؟ قال: لو حصل مكروه فسأكون قريباً من الممر، وهذا أسهل للهرب.. لكن الذي أقوله: إن هدفه لم يكن هذا بل ليكون قريباً من مرور المضيفة، والتي تلبي فضوله ورغباته الجنسية بمشاهدته لها وكأنها تذكره بتلك المجلات في تلك الزريبة الطينية.. الكل نائم تحت الضوء الخافت استعداداً ليوم طويل شاق إلا مسيطيح، والذي يتلصص النظر لتلك المضيفة!! فكّر ملياً وقال: يا ليتني كنت مع بندر بلا جهاد بلا تعب..
(طن.. طن.. على الركاب ربط أحزمة مقاعدهم استعداداً للهبوط).
يا الله!! هذا مطار إسلام آباد ببساطته وحيويته.. كم استقبل من أبطال وخونة..
أهلاً بالعرب.. أهلاً بأحفاد الرسول والصحابة.. أهلاً بالمجاهدين الأبطال.. كانت هذه كلمات المستقبلين هناك..
أحم.. أحممم الأخ مسيطيح؟ نعم أنا هو.. تفضل استلم جوازك استلم مسيطيح جوازه من موظف الجوازات، وذهب لاستلام عفشه.. أخيراً وجد شنطته ذات اللون الأخضر..
لو سمحت ممكن تفتح الشنطة.. كانت هذه كلمات موظف الجمارك..
ارتبك مسيطيح قليلاً ثم فتحها.. آه يا للعار!! ما هذا يا مسيطيح.. ما الذي جلبته معك.. اندهش موظفو الجمارك وضحكوا حتى سمعهم من في المطار لقد وجدوا داخل الشنطة (كرتونين) جالكسي.. و(مصفف شعر) و(نيفيا).. وثلاث (حبات من عطر شانيل). تهامسوا فيما بينهم بلغة أردية.. (لعله أخطأ الطريق فربما أراد الذهاب لكازبلانكا أو بانكوك وليس للجهاد..) ..
رأى هذا المطار فظن أن أفغانستان وباكستان كلها هنا، فما إن يرى أحداً بهيئة أفغانية أو لحية كثة إلا ويلحقه ليسلم عليه ظاناً أنه سياف.. خمسة عشر عاماً أو تزيد، هي موطئ مسيطيح هناك في إسلام أباد.. انفتح الباب الزجاجي أمامه فرأى أن كثبان (الخبيبية) و(البوطة) ماثلة أمامه جبالاً خضراء تعانق السماء.. هذه المدينة.. مدينة السلام تشعرك بحنينها لرجال وطئوا ثراها مغادرين في قوافل الشهداء.. منها نبتت زهرة الحياة وإليها عادت روح الشيطان في خصام مرير انتقل إلى كابول..
مسيطيح وصرير جزمته الـ (ألدو) على أرصفة هذه المدينة الصاخبة..



إلى هنا انتهت الحلقة الثانية من يوميات ليبرالي
ألقاكم على خير بإذن الله
أخوكم / أبو زياد الصالح
منقوووووووووووووووول

تحياتي
أخوكم / أبو عاصم
ملاحظة : سوف أضع الحلقة الثالثة من هذه السلسلة في هذا المنتدى حال نزولها إن شاء الله تعالى ...
أبو عاصم غير متصل  


قديم(ـة) 26-11-2005, 08:48 PM   #2
ماله
عـضـو
 
صورة ماله الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 445
بارك الله فيك يا أباعاصم على هذا النقل للكاتب المتألق
أبو زياد الصالح
فهو نعم الكاتب ونعم الأديب وليتني أعرف كتبه كي أشتريها
فذاك يكتب في الساحات السياسية ولي سنوات لم أعجب إلا بقلة من الكتاب وهو من بينهم
فوفقه الله لما يحبه ويرضى .
ماله غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 12:36 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)