|
|
|
03-06-2006, 06:25 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2005
المشاركات: 16
|
الخلاصة في أحكام الأنوثة في الفقه الإسلامي
[align=justify] ففي الموسوعة الفقهية :
أُنُوثَةٌ التَّعْرِيفُ : 1 - الْأُنُوثَةُ خِلَافُ الذُّكُورَةِ , وَالْأُنْثَى - كَمَا جَاءَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ - خِلَافُ الذَّكَرِ , قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى } , وَتُجْمَعُ عَلَى إنَاثٍ وَأَنَاثَى , وَامْرَأَةٌ أُنْثَى . أَيْ كَامِلَةٌ فِي أُنُوثَتِهَا . وَالْأُنْثَيَانِ : الْخُصْيَتَانِ . ( ر : خِصَاءٌ ) . وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى . هَذَا , وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ لِلْأُنُوثَةِ عَلَامَاتٍ وَأَمَارَاتٍ تُمَيِّزُهَا عَنْ الذُّكُورَةِ فَضْلًا عَنْ أَعْضَاءِ الْأُنُوثَةِ , وَتِلْكَ الْأَمَارَاتُ إمَّا حِسِّيَّةٌ كَالْحَيْضِ , وَإِمَّا مَعْنَوِيَّةٌ كَالطِّبَاعِ . وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( خُنْثَى ) . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : الْخُنُوثَةُ : 2 - الْخُنُوثَةُ حَالَةٌ بَيْنَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ . وَتَذْكُرُ كُتُبُ اللُّغَةِ أَنَّ الْخُنْثَى مَنْ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا . وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ , فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ : الْخُنْثَى ضَرْبَانِ : ضَرْبٌ لَهُ فَرْجُ الْمَرْأَةِ وَذَكَرُ الرِّجَالِ , وَضَرْبٌ لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا . وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ : ( خُنْثَى ) . أَحْكَامُ الْأُنُوثَةِ أُنْثَى الْآدَمِيِّ : أَوَّلًا : تَكْرِيمُ الْإِسْلَامِ لِلْأُنْثَى : يَتَمَثَّلُ تَكْرِيمُ الْإِسْلَامِ لِلْأُنْثَى فِيمَا يَأْتِي : حُسْنُ اسْتِقْبَالِهَا عِنْدَ وِلَادَتِهَا : 3 - كَانَ اسْتِقْبَالُ الْأُنْثَى فِي الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ اسْتِقْبَالًا سَيِّئًا , يَتَبَرَّمُونَ بِهَا , وَتَسْوَدُّ وُجُوهُهُمْ , وَيَتَوَارَوْنَ عَنْ الْأَعْيُنِ , إذْ هِيَ فِي نَظَرِهِمْ مَجْلَبَةٌ لِلْفَقْرِ أَوْ لِلْعَارِ , فَكَانُوا يَئِدُونَهَا حَيَّةً , وَيَسْتَكْثِرُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ الَّتِي لَا يَسْتَكْثِرُهَا عَلَى عَبْدِهِ أَوْ حَيَوَانِهِ , فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ , وَذَمَّ هَذَا الْفِعْلَ الشَّنِيعَ , وَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ بِالْخُسْرَانِ الْمُبِينِ , { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } . وَنَبَّهَ الْإِسْلَامُ إلَى أَنَّ حَقَّ الْوُجُودِ وَحَقَّ الْحَيَاةِ هِبَةٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ } . قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ : قَدَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا كَانَتْ تُؤَخِّرُهُ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ أَمْرِ الْبَنَاتِ حَتَّى كَانُوا يَئِدُونَهُنَّ , أَيْ هَذَا النَّوْعَ الْمُؤَخَّرَ الْحَقِيرَ عِنْدَكُمْ مُقَدَّمٌ عِنْدِي فِي الذِّكْرِ . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّسَخُّطَ بِالْإِنَاثِ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ ذَمَّهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسَوَّدًا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } . وَقَالَ قَتَادَةَ فِيمَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ : أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِخُبْثِ صَنِيعِهِمْ , فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ حَقِيقٌ أَنْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ , وَقَضَاءُ اللَّهِ لَهُ خَيْرٌ مِنْ قَضَاءِ الْمَرْءِ نَفْسِهِ , وَلَعَمْرِي مَا يَدْرِي أَنَّهُ خَيْرٌ ; لَرُبَّ جَارِيَةٍ خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ غُلَامٍ , وَإِنَّمَا أَخْبَرَكُمْ اللَّهُ بِصَنِيعِهِمْ لِتَجْتَنِبُوهُ وَتَنْتَهُوا عَنْهُ , وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَغْذُو كَلْبَهُ وَيَئِدُ ابْنَتَهُ . وَالْإِسْلَامُ لَا يَكْتَفِي مِنْ الْمُسْلِمِ بِأَنْ يَجْتَنِبَ وَأْدَ الْبَنَاتِ , بَلْ يَرْتَقِي بِالْمُسْلِمِ إلَى دَرَجَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُثْلَى , فَيَأْبَى عَلَيْهِ أَنْ يَتَبَرَّمَ بِذُرِّيَّةِ الْبَنَاتِ , وَيَتَلَقَّى وِلَادَتَهُنَّ بِالْعَبُوسِ وَالِانْقِبَاضِ , بَلْ يَتَقَبَّلُهَا بِالرِّضَى وَالْحَمْدِ , قَالَ صَالِحُ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ : كَانَ أَحْمَدُ إذَا وُلِدَ لَهُ ابْنَةٌ يَقُولُ : الْأَنْبِيَاءُ كَانُوا آبَاءَ بَنَاتٍ , وَيَقُولُ : قَدْ جَاءَ فِي الْبَنَاتِ مَا عَلِمْت . الْعَقُّ عَنْهَا : 4 - الْعَقِيقَةُ عَنْ الْمَوْلُودِ سُنَّةٌ , وَيَسْتَوِي فِي السُّنَّةِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى , فَكَمَا يَعُقُّ الْوَلِيُّ عَنْ الذَّكَرِ يَوْمَ السَّابِعِ يَعُقُّ عَنْ الْأُنْثَى أَيْضًا , وَلَكِنْ يَعُقُّ عَنْ الْأُنْثَى شَاةٌ , وَعَنْ الذَّكَرِ شَاتَانِ . وَيُنْظَرُ تَفْصِيلٌ ذُكِرَ فِي ( عَقِيقَةٍ ) . تَسْمِيَتهَا بِاسْمٍ حَسَنٍ : 5 - مِنْ السُّنَّةِ تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ بِاسْمٍ حَسَنٍ , وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى , وَكَمَا كَانَ النَّبِيُّ يُغَيِّرُ أَسْمَاءَ الذُّكُورِ مِنْ الْقَبِيحِ إلَى الْحَسَنِ , فَإِنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ يُغَيِّرُ أَسْمَاءَ الْإِنَاثِ مِنْ الْقَبِيحِ إلَى الْحَسَنِ , فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ { ابْنَةً لِعُمَرَ رضي الله تعالى عنه كَانَ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةٌ فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَمِيلَةٌ } . وَالْكُنْيَةُ مِنْ الْأُمُورِ الْمَحْمُودَةِ , يَقُولُ النَّوَوِيُّ : مِنْ الْأَدَبِ أَنْ يُخَاطَبَ أَهْلُ الْفَضْلِ وَمَنْ قَارَبَهُمْ بِالْكُنْيَةِ , وَقَدْ كُنِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي الْقَاسِمِ , بِابْنِهِ الْقَاسِمِ . وَالْكُنْيَةُ كَمَا تَكُونُ لِلذَّكَرِ تَكُونُ لِلْأُنْثَى . قَالَ النَّوَوِيُّ : رَوَيْنَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ { عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبِي لَهُنَّ كُنًى , قَالَ : فَاكْتَنِّي بِابْنِك عَبْدِ اللَّهِ } قَالَ الرَّاوِي . يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ , وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُكَنَّى بِي عَبْدِ اللَّهِ . لَهَا نَصِيبٌ فِي الْمِيرَاثِ : 6 - جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْأُنْثَى نَصِيبًا فِي الْمِيرَاثِ كَمَا لِلذَّكَرِ نَصِيبٌ , وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْإِنَاثَ . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْعَلُونَ الْمَالَ لِلرِّجَالِ الْكِبَارِ وَلَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الْأَطْفَالَ شَيْئًا , فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } أَيْ الْجَمِيعُ فِيهِ سَوَاءٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَوُونَ فِي أَصْلِ الْوِرَاثَةِ وَإِنْ تَفَاوَتُوا بِحَسَبِ مَا فَرَضَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ : سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ , فَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : { نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ } . الْآيَةَ فِي أُمِّ كَجَّةَ وَبَنَاتِهَا وَثَعْلَبَةَ وَأَوْسِ بْنِ سُوَيْدٍ وَهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ , وَكَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجَهَا وَالْآخَرُ عَمَّ وَلَدِهَا , فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ زَوْجِي وَتَرَكَنِي وَابْنَتَهُ وَلَمْ نُوَرَّثْ , فَقَالَ عَمُّ وَلَدِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَلَدُهَا لَا يَرْكَبُ فَرَسًا وَلَا يَحْمِلُ كَلًّا , وَلَا يَنْكَأُ عَدُوًّا يَكْسِبُ عَلَيْهَا وَلَا تَكْسِبُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ } . وَوَرَدَ كَذَلِكَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قوله تعالى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : { جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ , قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَك فِي يَوْمِ أُحُدٍ شَهِيدًا , وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا , وَلَا يُنْكَحَانِ إلَّا وَلَهُمَا مَالٌ فَقَالَ : يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ , فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ , فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ : أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ , وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ , وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَك } . رِعَايَةُ طُفُولَتِهَا , وَعَدَمُ تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَيْهَا : 7 - يَعْتَنِي الْإِسْلَامُ بِالْأُنْثَى فِي كُلِّ أَطْوَارِ حَيَاتِهَا فَيَرْعَاهَا وَهِيَ طِفْلَةٌ , وَيَجْعَلُ رِعَايَتَهَا سِتْرًا مِنْ النَّارِ وَسَبِيلًا إلَى الْجَنَّةِ . فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { مَنْ عَالَ جَارَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ , وَضَمَّ أَصَابِعَهُ } . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَضِّلَ الذَّكَرَ عَلَيْهَا فِي التَّرْبِيَةِ وَالْعِنَايَةِ , فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ يَعْنِي الذُّكُورَ عَلَيْهَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ } . وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَجُلًا كَانَ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ , ثُمَّ جَاءَتْ بِنْتُهُ فَأَخَذَهَا فَأَجْلَسَهَا إلَى جَنْبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : فَمَا عَدَلْت بَيْنَهُمَا } . وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ : لَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى فِي الْعَطِيَّةِ , وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ : يَبْطُلُ الْوَقْفُ إذَا وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ الذُّكُورِ دُونَ بَنَاتِهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ . وَتَشْمَلُ الْعِنَايَةُ بِهَا فِي طُفُولَتِهَا تَأْهِيلَهَا لِحَيَاتِهَا الْمُسْتَقْبَلَةِ , فَيُسْتَثْنَى مِمَّا يَحْرُمُ مِنْ الصُّوَرِ صُوَرُ لَعِبِ الْبَنَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ , وَيَجُوزُ اسْتِصْنَاعُهَا وَصُنْعُهَا وَبَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لَهُنَّ ; لِأَنَّهُنَّ يَتَدَرَّبْنَ بِذَلِكَ عَلَى رِعَايَةِ الْأَطْفَالِ , وَقَدْ { كَانَ لِعَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها جَوَارٍ يُلَاعِبْنَهَا بِصُوَرِ الْبَنَاتِ الْمَصْنُوعَةِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ , فَإِذَا رَأَيْنَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِينَ مِنْهُ وَيَتَقَمَّعْنَ , وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَشْتَرِيهَا لَهَا } . ( ر : تَصْوِيرٌ ) . إكْرَامُ الْأُنْثَى حِينَ تَكُونُ زَوْجَةً : 8 - أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِحْسَانِ مُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ فَقَالَ : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : أَيْ طَيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ , وَحَسِّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ , كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ , قَالَ تَعَالَى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي } , وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ جَمِيلُ الْعِشْرَةِ دَائِمُ الْبِشْرِ , يُدَاعِبُ أَهْلَهُ وَيَتَلَطَّفُ بِهِمْ وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ فِي النَّفَقَةِ وَيُضَاحِكُ نِسَاءَهُ , حَتَّى أَنَّهُ كَانَ يُسَابِقُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله تعالى عنها يَتَوَدَّدُ إلَيْهَا بِذَلِكَ , قَالَتْ : سَابَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْته وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أَحْمِلَ اللَّحْمَ , ثُمَّ سَابَقْته بَعْدَمَا حَمَلْت اللَّحْمَ فَسَبَقَنِي فَقَالَ : " هَذِهِ بِتِلْكَ " , وَ " كَانَ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُرُ مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ " . وَيَنْبَغِي الصَّبْرُ عَلَى الزَّوْجَةِ حَتَّى لَوْ كَرِهَهَا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ , أَيْ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَبْرُكُمْ فِي إمْسَاكِهِنَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهَا فَيُرْزَقَ مِنْهَا وَلَدًا وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَلَدِ خَيْرٌ كَثِيرٌ , وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً , إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ } . هَذَا , وَحُقُوقُ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَبْسُوطَةٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ , وَنَذْكُرُ هُنَا مَثَلًا وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ , يَتَّصِلُ بِإِكْرَامِ أُمُومَةِ الْأُنْثَى , فَقَدْ أَكْثَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْوِصَايَةِ بِالْأُمِّ وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ عَلَى الْأَبِ , رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّك , قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّك , قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّك , قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أَبُوك } . وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رِضَاهَا طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ , فَقَدْ { قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْت الْغَزْوَ وَجِئْت أَسْتَشِيرُك , فَقَالَ : فَهَلْ لَك مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَالْزَمْهَا , فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا } . ثَانِيًا : الْحُقُوقُ الَّتِي تَتَسَاوَى فِيهَا مَعَ الرَّجُلِ : تَتَسَاوَى الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ مَعَ التَّقْيِيدِ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ بِمَا يَتَلَاءَمُ مَعَ طَبِيعَتِهَا . وَفِيمَا يَأْتِي بَعْضُ هَذِهِ الْحُقُوقِ : أ - حَقُّ التَّعْلِيمِ : 9 - لِلْمَرْأَةِ حَقُّ التَّعْلِيمِ مِثْلُ الرَّجُلِ : فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ } . وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ أَيْضًا , فَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ : قَدْ أَلْحَقَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ بِآخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ ( وَمُسْلِمَةٍ ) وَلَيْسَ لَهَا ذِكْرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا صَحِيحًا . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا , وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا , وَأَسْبَغَ عَلَيْهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَسْبَغَ عَلَيْهِ كَانَتْ لَهُ سِتْرًا أَوْ حِجَابًا مِنْ النَّارِ } . وَقَدْ كَانَ النِّسَاءُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْعَيْنَ إلَى الْعِلْمِ . رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : { قَالَتْ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : غَلَبَنَا عَلَيْك الرِّجَالُ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِك , فَوَاعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ } . وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ : نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ , وَاضْرِبُوهُنَّ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ , وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } . قَالَ النَّوَوِيُّ : وَالْحَدِيثُ يَتَنَاوَلُ بِمَنْطُوقِهِ الصَّبِيَّ وَالصَّبِيَّةَ , وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ , ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ : قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى : عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الصِّغَارِ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَنَحْوَهَا , وَتَعْلِيمُهُمْ تَحْرِيمَ الزِّنَى وَاللِّوَاطِ وَالسَّرِقَةِ , وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَشِبْهِهَا , وَأَنَّهُمْ بِالْبُلُوغِ يَدْخُلُونَ فِي التَّكْلِيفِ , وَهَذَا التَّعْلِيمُ وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ , وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ تَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , وَقَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْأُمِّ مَدْخَلًا فِي وُجُوبِ التَّعْلِيمِ ; لِكَوْنِهِ مِنْ التَّرْبِيَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا كَالنَّفَقَةِ . وَمِنْ الْعُلُومِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يُعْتَبَرُ ضَرُورَةً بِالنِّسْبَةِ لِلْأُنْثَى كَطِبِّ النِّسَاءِ حَتَّى لَا يَطَّلِعَ الرِّجَالُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ . جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ : امْرَأَةٌ أَصَابَتْهَا قُرْحَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ , لَا يَحِلُّ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا , لَكِنْ يُعَلِّمُ امْرَأَةً تُدَاوِيهَا , فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا امْرَأَةً تُدَاوِيهَا وَلَا امْرَأَةً تَتَعَلَّمُ ذَلِكَ إذَا عُلِّمَتْ , وَخِيفَ عَلَيْهَا الْبَلَاءُ أَوْ الْوَجَعُ أَوْ الْهَلَاكُ فَإِنَّهُ يَسْتُرُ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مَوْضِعَ تِلْكَ الْقُرْحَةِ , ثُمَّ يُدَاوِيهَا الرَّجُلُ , وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ إلَّا عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ . 10 - وَإِذَنْ , فَلَا خِلَافَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ تَعْلِيمِ الْأُنْثَى . لَكِنْ فِي الْحُدُودِ الَّتِي لَا مُخَالَفَةَ فِيهَا لِلشَّرْعِ وَذَلِكَ مِنْ النَّوَاحِي الْآتِيَةِ : أ - أَنْ تَحْذَرَ الِاخْتِلَاطَ بِالشَّبَابِ فِي قَاعَاتِ الدَّرْسِ , فَلَا تَجْلِسْ الْمَرْأَةُ بِجَانِبِ الرَّجُلِ , فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلنِّسَاءِ يَوْمًا غَيْرَ يَوْمِ الرِّجَالِ يَعِظُهُنَّ فِيهِ . بَلْ حَتَّى فِي الْعِبَادَةِ لَا يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ , بَلْ يَكُنْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُمْ يَسْتَمِعْنَ إلَى الْوَعْظِ وَيُؤَدِّينَ الصَّلَاةَ , وَلَا يَجِبُ اسْتِحْدَاثُ مَكَان خَاصٍّ لِصَلَاتِهِنَّ , أَوْ إقَامَةِ حَاجِزٍ بَيْنَ صُفُوفِهِنَّ وَصُفُوفِ الرِّجَالِ . ب - أَنْ تَكُونَ مُحْتَشِمَةً غَيْرَ مُتَبَرِّجَةً بِزِينَتِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } وَفِي اتِّبَاعِ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْفِتْنَةِ وَمِنْ إشَاعَةِ الْفَسَادِ . ب - أَهْلِيَّتُهَا لِلتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ : 11 - الْمَرْأَةُ أَهْلٌ لِلتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مِثْلُ الرَّجُلِ , وَوَلِيُّ أَمْرِهَا مُطَالَبٌ بِأَمْرِهَا بِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ , وَتَعْلِيمِهَا لَهَا مُنْذُ الصِّغَرِ ; لِمَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ , وَاضْرِبُوهُنَّ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ , وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } وَالْحَدِيثُ يَتَنَاوَلُ الْأُنْثَى بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ . وَهِيَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُكَلَّفَةٌ بِالْعِبَادَاتِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ , وَلَيْسَ لِأَحَدٍ - زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ - مَنْعُهَا مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ . فَجُمْلَةُ الْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ يَسْتَوِي فِي التَّكْلِيفِ بِهَا وَالْجَزَاءِ عَلَيْهَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى . يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . وَيُؤَكِّدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ : { إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } وَيُرْوَى فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : { قَالَ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا لَهُ يَذْكُرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَذْكُرُ الْمُؤْمِنَاتِ , فَنَزَلَتْ } . وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ { : قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَيُذْكَرُ الرِّجَالُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا نُذْكَرُ ؟ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ } . وَفِي اسْتِجَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِسُؤَالِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } . وَلَقَدْ رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مَا رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ , وَيَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ : { بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } أَيْ جَمِيعُكُمْ فِي ثَوَابِي سَوَاءٌ . وَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الَّذِي يُؤْذِي الْمُؤْمِنَاتِ هُوَ فِي الْإِثْمِ كَمَنْ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ , يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدْ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } . وَهِيَ مُطَالَبَةٌ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كَالرَّجُلِ , يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . وَالْجِهَادُ كَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا هَاجَمَ الْعَدُوُّ الْبِلَادَ . يَقُولُ الْفُقَهَاءُ : إذَا غَشِيَ الْعَدُوُّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْجَمِيعِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ ; لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ الْعَيْنِ . وَقَدْ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الْعِبَادَاتِ فِي فَتَرَاتِ تَعَبِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَالنِّفَاسِ وَالرَّضَاعِ . وَتُنْظَرُ الْأَحْكَامُ الْخَاصَّةُ بِذَلِكَ فِي ( حَيْضٌ , حَمْلٌ , نِفَاسٌ , رَضَاعٌ ) . ج - احْتِرَامُ إرَادَتِهَا : 12 - لِلْأُنْثَى حُرِّيَّةُ الْإِرَادَةِ وَالتَّعْبِيرُ عَمَّا فِي نَفْسِهَا , وَقَدْ مَنَحَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الْحَقَّ الَّذِي سَلَبَتْهُ مِنْهَا الْجَاهِلِيَّةُ وَحَرَمَتْهَا مِنْهُ , فَقَدْ كَانَتْ حِينَ يَمُوتُ زَوْجُهَا لَا تَمْلِكُ مِنْ أَمْرِ نَفْسِهَا شَيْئًا , وَكَانَ يَرِثُهَا مَنْ يَرِثُ مَالَ زَوْجِهَا . رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا } قَالَ : كَانُوا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ , إنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا , وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ , وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ كَانَ أَهْلُ يَثْرِبَ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَرِثَ امْرَأَتَهُ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ , وَكَانَ يَعْضُلُهَا حَتَّى يَرِثَهَا أَوْ يُزَوِّجَهَا مَنْ أَرَادَ , وَكَانَ أَهْلُ تِهَامَةَ يُسِيءُ الرَّجُلُ صُحْبَةَ الْمَرْأَةِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهَا أَلَّا تَنْكِحَ إلَّا مَنْ أَرَادَ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِبَعْضِ مَا أَعْطَاهَا , فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ . وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَبِيشَةِ بِنْتِ مَعْنِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ الْأَوْسِ , تُوُفِّيَ عَنْهَا أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ , فَجَنَحَ عَلَيْهَا ابْنُهُ , فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَرِثْت زَوْجِي , وَلَا أَنَا تُرِكْت فَأُنْكَحَ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ . قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : فَالْآيَةُ تَعُمُّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ , وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ . وَإِرَادَتُهَا كَذَلِكَ مُعْتَبَرَةٌ فِي نِكَاحِهَا , فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ الْبُخَارِيُّ : { لَا تُنْكَحْ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ , وَلَا تُنْكَحْ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ } . وَالِاسْتِئْمَارُ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ الْعَاقِلَةِ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ , وَإِذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَنِكَاحُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهَا , عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ . وَهُوَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ . رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْمِرُ بَنَاتِهِ إذَا أَنْكَحَهُنَّ } . وَاسْتِئْذَانُهَا وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ . بَلْ إنَّهَا يَجُوزُ لَهَا تَزْوِيجُ نَفْسِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ . جَاءَ فِي الِاخْتِيَارِ : عِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ , حَتَّى لَوْ زَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ نَفْسَهَا جَازَ , وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَتْ غَيْرَهَا بِالْوِلَايَةِ أَوْ الْوَكَالَةِ , وَكَذَا إذَا وَكَّلَتْ غَيْرَهَا فِي تَزْوِيجِهَا , أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُهَا فَأَجَازَتْ , وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ , وَيَسْتَدِلُّونَ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ { أَنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ حِزَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ , فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم } وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ بِنْتَهَا بِرِضَاهَا فَجَاءَ الْأَوْلِيَاءُ وَخَاصَمُوهَا إلَى عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه فَأَجَازَ النِّكَاحَ . هَذَا دَلِيلُ الِانْعِقَادِ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ , وَأَنَّهُ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا غَائِبِينَ ; لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا , وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِغَيْرِهَا فَيَنْفُذُ , كَتَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا . هَذَا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ , وَتَفْصِيلُ الْخِلَافِ فِي هَذَا يَنْظُر فِي ( نِكَاحٍ ) . وَلِلْمَرْأَةِ أَيْضًا مُشَارَكَةُ زَوْجِهَا الرَّأْيَ بَلْ وَمُعَارَضَتُهُ , { قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : وَاَللَّهُ إنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا , حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ , وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ , قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ إذْ قَالَتْ امْرَأَتِي : لَوْ صَنَعْت كَذَا وَكَذَا , قَالَ : فَقُلْت لَهَا : مَا لَكَ وَلِمَا هَا هُنَا , فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ ؟ فَقَالَتْ لِي : عَجَبًا لَك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ , مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ , وَإِنَّ ابْنَتَك لَتُرَاجِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ . فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ , فَقَالَ لَهَا : يَا بُنَيَّةُ إنَّك لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ ؟ فَقَالَتْ حَفْصَةُ : وَاَللَّهِ إنَّا لَنُرَاجِعُهُ . فَقُلْت : تَعْلَمِينَ أَنِّي أُحَذِّرُك عُقُوبَةَ اللَّهِ , وَغَضَبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . يَا بُنَيَّةُ لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهَا - يُرِيدُ عَائِشَةَ - قَالَ : خَرَجَتْ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا فَكَلَّمْتهَا , فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : عَجَبًا لَك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ , دَخَلْت فِي كُلِّ شَيْءٍ , حَتَّى تَبْتَغِيَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ . فَأَخَذَتْنِي وَاَللَّهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْت أَجِدُ , فَخَرَجْت مِنْ عِنْدَهَا , وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إذَا غِبْت أَتَانِي بِالْخَبَرِ , وَإِذَا غَابَ كُنْت أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ , وَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إلَيْنَا , فَقَدْ امْتَلَأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ , فَإِذَا صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ , فَقَالَ : افْتَحْ افْتَحْ , فَقُلْت : جَاءَ الْغَسَّانِيُّ ؟ فَقَالَ : بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ , اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجَهُ , فَقُلْت رَغَمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ . فَأَخَذْتُ ثَوْبِي , فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْت , فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ , وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ , فَقُلْت لَهُ : قُلْ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ . فَأَذِنَ لِي . قَالَ عُمَرُ : فَقَصَصْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثَ , فَلَمَّا بَلَغْت حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ , وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ , وَإِنْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا , وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ , فَرَأَيْت أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْت , فَقَالَ : مَا يُبْكِيك ؟ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ , وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ , فَقَالَ : أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ } ؟ وَاسْتِشَارَةُ الْمَرْأَةِ فِيمَا يَتَّصِلُ بِشُئُونِ النِّسَاءِ أَوْ فِيمَا لَدَيْهَا خِبْرَةٌ بِهِ مَطْلُوبَةٌ : بِأَصْلِ نَدْبِ الْمَشُورَةِ فِي قوله تعالى : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ : { لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا , فَمَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ , فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ , قَالَتْ لَهُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ اُخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً , حَتَّى تَنْحَرَ بُدُنَك , وَتَدْعُوَ حَالِقَك فَيَحْلُقَك , فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ , نَحَرَ بُدُنَهُ , وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ , فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا } . وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْقِدَ الْأَمَانَ مَعَ الْكُفَّارِ : وَيَسْرِي ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَفِي الْمُغْنِي : إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ الْأَمَانَ لِلْكُفَّارِ جَازَ عَقْدُهَا , وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها : إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ , وَعَنْ { أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجَرْت أَحْمَائِي وَأَغْلَقْت عَلَيْهِمْ , وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي أَرَادَ قَتْلَهُمْ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ } , وَأَجَارَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَأَمْضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ . د - ذِمَّتُهَا الْمَالِيَّةُ : 13 - لِلْأُنْثَى ذِمَّةٌ مَالِيَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَالرَّجُلِ , وَحَقُّهَا فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا أَمْرٌ مُقَرَّرٌ فِي الشَّرِيعَةِ مَا دَامَتْ رَشِيدَةً ; لقوله تعالى : { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } . وَلَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي مَالِهَا كُلِّهِ عَنْ طَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ بِدُونِ إذْنٍ مِنْ أَحَدٍ , وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . أَمَّا تَصَرُّفُهَا فِي مَالِهَا عَنْ طَرِيقِ التَّبَرُّعِ بِهِ , فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ : يَجُوزُ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي كُلِّ مَالِهَا بِالتَّبَرُّعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَرِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ; لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ : { يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ } وَأَنَّهُنَّ تَصَدَّقْنَ فَقَبِلَ صَدَقَتَهُنَّ , وَلَمْ يَسْأَلْ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ . وَلِهَذَا جَازَ لَهَا التَّصَرُّفُ بِدُونِ إذْنٍ لِزَوْجِهَا فِي مَالِهَا , فَلَمْ يَمْلِكْ الْحَجْرَ عَلَيْهَا فِي التَّصَرُّفِ بِجَمِيعِهِ . وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ , وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ : أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا التَّبَرُّعُ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ , وَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّبَرُّعُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا . وَلِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ ذِمَّةً مَالِيَّةً مُسْتَقِلَّةً فَقَدْ أَجَازَ الْفُقَهَاءُ لَهَا أَنْ تَضْمَنَ غَيْرَهَا , جَاءَ فِي الْمُغْنِي : يَصِحُّ ضَمَانُ كُلِّ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ , سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ; لِأَنَّهُ عَمْدٌ يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ , فَصَحَّ مِنْ الْمَرْأَةِ كَالْبَيْعِ . وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ لَهَا التَّبَرُّعَ بِكُلِّ مَالِهَا , أَمَّا مَنْ لَا يُجِيزُ لَهَا التَّبَرُّعَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا , فَإِنَّهُمْ يُجِيزُونَ لَهَا الضَّمَانَ فِي حُدُودِ ثُلُثِ مَالِهَا أَوْ بِزَائِدٍ يَسِيرٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ , وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ . هـ - حَقُّ الْعَمَلِ : 14 - الْأَصْلُ أَنَّ وَظِيفَةَ الْمَرْأَةِ الْأُولَى هِيَ إدَارَةُ بَيْتِهَا وَرِعَايَةُ أُسْرَتِهَا وَتَرْبِيَةُ أَبْنَائِهَا وَحُسْنُ تَبَعُّلِهَا , يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا } . وَهِيَ غَيْرُ مُطَالَبَةٍ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا , فَنَفَقَتُهَا وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهَا أَوْ زَوْجِهَا ; لِذَلِكَ كَانَ مَجَالُ عَمَلِهَا هُوَ الْبَيْتُ , وَعَمَلُهَا فِي الْبَيْتِ يُسَاوِي عَمَلَ الْمُجَاهِدِينَ . وَمَعَ ذَلِكَ فَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ الْمَرْأَةَ مِنْ الْعَمَلِ فَلَهَا أَنْ تَبِيعَ وَتَشْتَرِيَ , وَأَنْ تُوَكِّلَ غَيْرَهَا , وَيُوَكِّلَهَا غَيْرُهَا , وَأَنْ تُتَاجِرَ بِمَالِهَا , وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ مَا دَامَتْ مُرَاعِيَةً أَحْكَامَ الشَّرْعِ وَآدَابَهُ , وَلِذَلِكَ أُبِيحَ لَهَا كَشْفُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا , قَالَ الْفُقَهَاءُ : لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ , وَإِلَى إبْرَازِ الْكَفِّ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ . وَفِي الِاخْتِيَارِ : لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ . . ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهَا عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْأَجَانِبِ ; لِإِقَامَةِ مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِأَسْبَابِ مَعَاشِهَا . وَالنُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى جَوَازِ عَمَلِ الْمَرْأَةِ كَثِيرَةٌ , وَاَلَّذِي يُمْكِنُ اسْتِخْلَاصُهُ مِنْهَا , أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْحَقَّ فِي الْعَمَلِ بِشَرْطِ إذْنِ الزَّوْجِ لِلْخُرُوجِ , إنْ اسْتَدْعَى عَمَلُهَا الْخُرُوجَ وَكَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ , وَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْإِذْنِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا . جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ : إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ وَتَحَقَّقَ الْإِعْسَارُ فَالْأَظْهَرُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ , وَلِلزَّوْجَةِ - وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً - الْخُرُوجُ زَمَنَ الْمُهْلَةِ نَهَارًا لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ بِنَحْوِ كَسْبٍ , وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي مُقَابِلِ النَّفَقَةِ . وَفِي مُنْتَهَى الْإِرَادَاتِ : إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ خُيِّرَتْ الزَّوْجَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ مَعَ مَنْعِ نَفْسِهَا , فَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَمَكَّنَتْهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَلَا يَمْنَعُهَا تَكَسُّبًا , وَلَا يَحْبِسُهَا مَعَ عُسْرَتِهِ إذَا لَمْ تَفْسَخْ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا إذَا كَفَاهَا الْمَئُونَةَ وَأَغْنَاهَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ . وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَمَلُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ . جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَابِلَةً , أَوْ كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى آخَرَ , أَوْ لِآخَرَ عَلَيْهَا حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ , وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ سَعْدِي جَلَبِي عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ . إلَّا أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَا فِي الْفَتْحِ قَالَ : وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِالْإِذْنِ ; لِأَنَّ حَقَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ . هَذَا , وَإِذَا كَانَ لَهَا مَالٌ فَلَهَا أَنْ تُتَاجِرَ بِهِ مَعَ غَيْرِهَا , كَأَنْ تُشَارِكَهُ أَوْ تَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً دُونَ إذْنٍ مِنْ أَحَدٍ . جَاءَ فِي جَوَاهِرِ الْإِكْلِيلِ : قِرَاضُ الزَّوْجَةِ أَيْ دَفْعُهَا مَالًا لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ , فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهَا فِيهِ اتِّفَاقًا ; لِأَنَّهُ مِنْ التِّجَارَةِ . 15 - ثُمَّ إنَّهَا لَوْ عَمِلَتْ مَعَ الزَّوْجِ كَانَ كَسْبُهَا لَهَا . جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ : أَفْتَى الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي زَوْجَيْنِ سَعَيَا وَحَصَّلَا أَمْوَالًا أَنَّهَا لَهُ ; لِأَنَّهَا مُعِينَةٌ لَهُ , إلَّا إذَا كَانَ لَهَا كَسْبٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَهَا ذَلِكَ . وَفِي الْفَتَاوَى : امْرَأَةٌ مُعَلَّمَةٌ , يُعِينُهَا الزَّوْجُ أَحْيَانًا فَالْحَاصِلُ لَهَا , وَفِي الْتِقَاطِ السُّنْبُلَةِ إذَا الْتَقَطَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا . كَمَا أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوَجِّهَ ابْنَتَهُ لِلْعَمَلِ : جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ : لِلْأَبِ أَنْ يَدْفَعَ ابْنَتَهُ لِامْرَأَةٍ تُعَلِّمُهَا حِرْفَةً كَتَطْرِيزٍ وَخِيَاطَةٍ . وَإِذَا عَمِلَتْ الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُدُودٍ لَا تَتَنَافَى مَعَ مَا يَجِبُ مِنْ صِيَانَةِ الْعِرْضِ وَالْعَفَافِ وَالشَّرَفِ . وَيُمْكِنُ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِمَا يَأْتِي : ( 1 ) أَلَّا يَكُونَ الْعَمَلُ مَعْصِيَةً كَالْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ , وَأَلَّا يَكُونَ مَعِيبًا مُزْرِيًا تُعَيَّرُ بِهِ أُسْرَتُهَا . جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ : إذَا آجَرَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِمَا يُعَابُ بِهِ كَانَ لِأَهْلِهَا أَنْ يُخْرِجُوهَا مِنْ تِلْكَ الْإِجَارَةِ , وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ : تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلْ بِثَدْيَيْهَا , وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله تعالى فِي امْرَأَةٍ نَائِحَةٍ أَوْ صَاحِبِ طَبْلٍ أَوْ مِزْمَارٍ اكْتَسَبَ مَالًا فَهُوَ مَعْصِيَةٌ . ( 2 ) أَلَّا يَكُونَ عَمَلُهَا مِمَّا يَكُونُ فِيهِ خَلْوَةٌ بِأَجْنَبِيٍّ . جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ : كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِخْدَامَ الْمَرْأَةِ وَالِاخْتِلَاءَ بِهَا ; لِمَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ , أَمَّا الْخَلْوَةُ ; فَلِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مَعْصِيَةٌ , وَأَمَّا الِاسْتِخْدَامُ ; فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَالْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا } وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ . ( 3 ) أَلَّا تَخْرُجَ لِعَمَلِهَا مُتَبَرِّجَةً مُتَزَيِّنَةً بِمَا يُثِيرُ الْفِتْنَةَ , قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ : وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } , وَفِي الْحَدِيثِ : { الرَّافِلَةُ فِي الزِّينَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا كَمَثَلِ ظُلْمَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا نُورَ لَهَا } . ثَالِثًا : الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأُنْثَى : لِلْأُنْثَى أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ مُتَنَوِّعَةٌ فَمِنْهَا مَا يَخْتَصُّ بِالْعَوْرَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا , وَمِنْهَا الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى ارْتِبَاطِهَا بِزَوْجٍ , وَمِنْهَا الْأَحْكَامُ الْخَاصَّةُ بِالْعِبَادَاتِ أَوْ الْوِلَايَاتِ أَوْ الْجِنَايَاتِ . . وَهَكَذَا . وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي : بَوْلُ الْأُنْثَى الرَّضِيعَةِ الَّتِي لَمْ تَأْكُلْ الطَّعَامَ : 16 - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي إزَالَةِ نَجَاسَةِ بَوْلِ الْأُنْثَى الرَّضِيعَةِ الَّتِي لَمْ تَأْكُلْ الطَّعَامَ عَنْ بَوْلِ الذَّكَرِ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ , وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ . فَيُجْزِئُ عِنْدَهُمْ فِي التَّطْهِيرِ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ نَضْحُهُ بِالْمَاءِ ( أَيْ أَنْ يَرُشَّهُ بِالْمَاءِ ) وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي إزَالَةِ بَوْلِ الْأُنْثَى , بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ , وَذَلِكَ لِحَدِيثِ { أُمِّ قَيْسِ بْنِ مُحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ , فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ , فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ } . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { إنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى , وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ } . أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا فَيُغْسَلُ مَا أَصَابَهُ بَوْلُ كُلٍّ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ الصَّيِّبَةِ لِنَجَاسَتِهِ ; لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ } . الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَّصِلُ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ مِنْ حَيْضٍ وَحَمْلٍ : 17 - مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْإِنْسَانَ عَلَيْهَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ يَمِيلُ إلَى الْآخَرِ , وَجَعَلَ الِاتِّصَالَ الشَّرْعِيَّ بَيْنَهُمَا وَسِيلَةً لِامْتِدَادِ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ بِالتَّنَاسُلِ وَالتَّوَالُدِ . وَاخْتَصَّ الْأُنْثَى مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَحِيضُ وَتَحْمِلُ وَتَلِدُ وَتُرْضِعُ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ نُوجِزُهَا فِيمَا يَلِي : ( 1 ) يُعْتَبَرُ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ مِنْ عَلَامَاتِ بُلُوغِ الْأُنْثَى . ( 2 ) التَّخْفِيفُ عَنْهَا فِي الْعِبَادَةِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ , فَتَسْقُطُ عَنْهَا الصَّلَاةُ أَثْنَاءَ الْحَيْضِ دُونَ قَضَاءٍ , وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِفْطَارُ مَعَ الْقَضَاءِ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ , وَجَوَازُ الْإِفْطَارِ أَثْنَاءَ الْحَمْلِ أَوْ الرَّضَاعَةِ , إنْ كَانَ الصِّيَامُ يَضُرُّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا . ( 3 ) وَالِاعْتِبَارُ بِالْحَيْضِ وَبِالْحَمْلِ فِي احْتِسَابِ الْعِدَّةِ . ( 4 ) وَالِامْتِنَاعُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ , وَعَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ , وَعَنْ تَمْكِينِ زَوْجِهَا مِنْهَا أَثْنَاءَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ . ( 5 ) وَوُجُوبُ الْغُسْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ , وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي ( حَيْضٍ , حَمْلٍ , نِفَاسٍ , رَضَاعٍ ) . لَبَنُ الْأُنْثَى : 18 - لَا يَخْتَلِفُ لَبَنُ الْأُنْثَى بِالنِّسْبَةِ لِطَهَارَتِهِ عَنْ لَبَنِ الذَّكَرِ - لَوْ كَانَ لَهُ لَبَنٌ - فَلَبَنُ الْأُنْثَى طَاهِرٌ بِاتِّفَاقٍ . وَلَكِنَّهُ يَخْتَلِفُ عَنْهُ فِي أَنَّ لَبَنَ الْأُنْثَى يَتَعَلَّقُ بِهِ مَحْرَمِيَّةُ الرَّضَاعِ . أَمَّا الرَّجُلُ فَلَوْ كَانَ لَهُ لَبَنٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ . وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ ( الرَّضَاعُ , وَالنِّكَاحُ ) . خِصَالُ الْفِطْرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُنْثَى : 19 - تَخْتَصُّ الْمَرْأَةُ مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ بِأَنَّهُ يُسَنُّ لَهَا إزَالَةُ لِحْيَتِهَا لَوْ نَبَتَتْ . وَالسُّنَّةُ فِي عَانَتِهَا النَّتْفُ . وَلَا يَجِبُ خِتَانُهَا فِي وَجْهٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُمَةٌ . وَتُمْنَعُ مِنْ حَلْقِ رَأْسِهَا . عَوْرَةُ الْأُنْثَى : 20 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ بَدَنَ الْأُنْثَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ كُلَّهُ عَوْرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ , وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَجْهِ , وَفِي رِوَايَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَفَّيْنِ , وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هُمَا عَوْرَةٌ . وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الْكَفَّيْنِ , فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُمَا عَوْرَةٌ , وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ : الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ , وَاعْتَمَدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ . وَأَمَّا الْقَدَمَانِ فَهُمَا عَوْرَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ غَيْرَ الْمُزَنِيِّ , وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ , وَهُوَ رَأْيُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ . وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ , وَهُوَ رَأْيُ الْمُزَنِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ , وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ . وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( عَوْرَةٍ ) . وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ بَدَنَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ } وَقَوْلُهُ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ الْبَالِغَةُ . انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِلَمْسِ الْأُنْثَى : 21 - يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِ الرَّجُلِ لِلْأُنْثَى الْمُشْتَهَاةِ . فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ , وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُنْتَقَضُ بِاللَّمْسِ ; لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها { أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ , ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ } وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَمَسْرُوقٍ . وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِاللَّمْسِ إنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ أَوْ وَجَدَهَا حِينَ اللَّمْسِ , وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ رحمه الله , وَهُوَ أَنَّ لَمْسَ النِّسَاءِ لِشَهْوَةٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ إنْ كَانَ اللَّمْسُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ . وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَالشَّعْبِيِّ . وَالْقُبْلَةُ بِالْفَمِ تَنْقُضُ مُطْلَقًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ , أَيْ دُونَ تَقْيِيدٍ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجْدَانِهَا , إلَّا إذَا كَانَتْ لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ فَلَا تَنْقُضُ . وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ , وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ : أَنَّ اللَّمْسَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِكُلِّ حَالٍ ; لِعُمُومِ قوله تعالى : { أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ } . وَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْأُنْثَى الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى , وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ . وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِيهِ الْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ . وَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ كَذَلِكَ بِلَمْسِ الْمَحْرَمِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ , وَفِي الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ , وَهُوَ عَلَى الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ . يُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي ( وُضُوءٍ ) . حُكْمُ دُخُولِ الْمَرْأَةِ الْحَمَّامَاتِ الْعَامَّةِ . 22 - يَنْبَنِي حُكْمُ دُخُولِ النِّسَاءِ الْحَمَّامَاتِ الْعَامَّةِ عَلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَسِتْرِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ , فَإِنْ كَانَتْ الْعَوْرَةُ مَسْتُورَةً , وَلَا تَرَى وَاحِدَةٌ عَوْرَةَ الْأُخْرَى فَالدُّخُولُ جَائِزٌ , وَإِلَّا كَانَ الدُّخُولُ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا , كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ , وَغَيْرُ جَائِزٍ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ . وَلَمْ يَسْتَحْسِنْهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ مُطْلَقًا , وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قِيلَ : يُكْرَهُ . وَقِيلَ : يَحْرُمُ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ الْحَنَابِلَةُ ; لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ , وَسَتَجِدُونَ فِيهَا حَمَّامَاتٍ , فَامْنَعُوا نِسَاءَكُمْ إلَّا حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ } . وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا دُخُولُ الْحَمَّامِ لِعُذْرٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ مَرَضٍ . الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَظَاهِرِ الْأُنُوثَةِ : 23 - يَعْتَنِي الْإِسْلَامُ بِجَعْلِ الْأُنْثَى تُحَافِظُ عَلَى مَظَاهِرِ أُنُوثَتِهَا , فَحَرَّمَ عَلَيْهَا التَّشَبُّهَ بِالرِّجَالِ فِي أَيِّ مَظْهَرٍ مِنْ لِبَاسٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ أَيِّ تَصَرُّفٍ . وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ . وَفِي الطَّبَرَانِيِّ { أَنَّ امْرَأَةً مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَلِّدَةً قَوْسًا , فَقَالَ : لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ , وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ } . وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ مِنْ الْكَبَائِرِ : تَرَجُّلَ الْمَرْأَةِ وَتَخَنُّثَ الرَّجُلِ . وَقَدْ أَبَاحَ لَهَا الْإِسْلَامُ أَنْ تَتَّخِذَ مِنْ وَسَائِلِ الزِّينَةِ مَا يَكْفُلُ لَهَا الْمُحَافَظَةَ عَلَى أُنُوثَتِهَا , فَيَحِلُّ ثَقْبُ أُذُنِهَا لِتَعْلِيقِ الْقُرْطِ فِيهِ . يَقُولُ الْفُقَهَاءُ : لَا بَأْسَ بِثَقْبِ آذَانِ النِّسْوَانِ , وَلَا بَأْسَ بِثَقْبِ آذَانِ الْأَطْفَالِ مِنْ الْبَنَاتِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ , يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ : الْأُنْثَى مُحْتَاجَةٌ لِلْحِلْيَةِ فَثَقْبُ الْأُذُنِ مَصْلَحَةٌ فِي حَقِّهَا . وَيُبَاحُ لَهَا التَّزَيُّنُ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ دُونَ الرِّجَالِ ; لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ , فَقَدْ رَوَى أَبُو مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { حَرَامٌ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي , وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ } قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : أُبِيحَ التَّحَلِّي فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِحَاجَتِهَا إلَى التَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ وَالتَّجَمُّلِ عِنْدَهُ . كَذَلِكَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْضِبَ يَدَيْهَا , وَأَنْ تُعَلِّقَ الْخَرَزَ فِي شَعْرِهَا , وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ الزِّينَةِ . وُجُوبُ التَّسَتُّرِ وَعَدَمُ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ الْأَجَانِبِ : 24 - إذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ لِحَاجَتِهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا مُتَسَتِّرَةً . قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ : وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ , وَعَدَمِ تَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } . قَالَ مُجَاهِدٌ : كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَخْرُجُ تَمْشِي بَيْنَ يَدَيْ الرِّجَالِ , فَذَلِكَ تَبَرُّجُ الْجَاهِلِيَّةِ . وَقَالَ قَتَادَةَ : كَانَتْ لَهُنَّ مِشْيَةُ تَكَسُّرٍ وَتَغَنُّجٍ , فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ . وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثِّيَابُ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا أَمَامَ النَّاسِ مِمَّا يَظْهَرُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِهَا الْوَاجِبِ سِتْرُهُ , وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ يَشِفُّ عَمَّا تَحْتَهُ ; لِأَنَّهُ إذَا اسْتَبَانَ جَسَدُهَا كَانَتْ كَاسِيَةً عَارِيَّةً حَقِيقَةً . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ : { سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ , عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ , الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ } . وَفِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي : لَا يَلْبَسُ النِّسَاءُ مِنْ الرَّقِيقِ مَا يَصِفُهُنَّ إذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ , وَالْخُرُوجُ لَيْسَ بِقَيْدٍ , وَحَاصِلُ الْمَعْنَى : أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ مَا يُرَى مِنْهُ جَسَدُهَا بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ . وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْتِيَ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا يُلْفِتُ النَّظَرَ إلَيْهَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الِافْتِتَانُ بِهَا , قَالَ تَعَالَى : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَانَتْ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ , وَفِي رِجْلِهَا خَلْخَالٌ صَامِتٌ لَا يُعْلَمُ صَوْتُهُ , ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا الْأَرْضَ فَيَسْمَعُ الرِّجَالُ طَنِينَهُ , فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنَاتِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ زِينَتِهَا مَسْتُورًا , فَتَحَرَّكَتْ بِحَرَكَةٍ لِتُظْهِرَ مَا هُوَ خَفِيٌّ دَخَلَ فِي هَذَا النَّهْيِ لقوله تعالى : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ } . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا تُنْهَى عَنْ التَّعَطُّرِ وَالتَّطَيُّبِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا فَيَشُمُّ الرِّجَالُ طِيبَهَا , فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم { كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ , وَالْمَرْأَةُ إذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا } يَعْنِي زَانِيَةً . وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُنَّ يُنْهَيْنَ عَنْ الْمَشْيِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ ; لِمَا رَوَى حَمْزَةُ بْنُ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ { سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ , وَقَدْ اخْتَلَطَ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ فِي الطَّرِيقِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلنِّسَاءِ : اسْتَأْخِرْنَ , فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ , عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ } . وَلَا تَجُوزُ خَلْوَةُ الْمَرْأَةِ بِالْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ فِي عَمَلٍ , وَالْمُرَادُ بِالْخَلْوَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَعَ الرَّجُلِ فِي مَكَان يَأْمَنَانِ فِيهِ مِنْ دُخُولِ ثَالِثٍ . ( ر : خَلْوَةٌ ) . قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أَكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ امْرَأَةً حُرَّةً يَسْتَخْدِمُهَا وَيَخْلُو بِهَا ; لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَعْصِيَةٌ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا } . وَيُمْنَعُ الِاخْتِلَاطُ الْمُرِيبُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ ( اخْتِلَاطٌ ) . الْأَحْكَامُ الَّتِي تَخُصُّ النِّسَاءَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَةِ : 25 - الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ . إلَّا أَنَّهُ نَظَرًا لِكَوْنِهَا مَأْمُورَةً بِالتَّسَتُّرِ وَعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ الْمُرِيبِ بِالرِّجَالِ الْأَجَانِبِ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ فِي عِبَادَاتِهَا . وَمِنْ ذَلِكَ : ( 1 ) الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ : فَالْأَصْلُ أَنَّهَا لَا تُؤَذِّنُ وَلَا تُقِيمُ ( ر : أَذَانٌ . إقَامَةٌ ) . ( 2 ) وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ , بَلْ يُكْرَهُ لَهَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ أَنْ تَؤُمَّ النِّسَاءَ . ( ر : إمَامَةٌ ) . ( 3 ) وَمِنْهَا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ بِإِمَامَةِ إحْدَاهُنَّ , فَالْأَصْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ لَهُنَّ فِي تِلْكَ الْحَالِ , خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِنَدْبِهَا لَهُنَّ , وَلَوْ لَمْ يَؤُمَّهُنَّ رِجَالٌ . وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي ( صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ) . ( 4 ) وَمِنْهَا حُضُورُ الْمَرْأَةِ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَصَلَاةَ الْجَمَاعَةِ مَعَ الرِّجَالِ : فَيَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ حُضُورُ الْمَرْأَةِ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ , وَكَذَا حُضُورُهَا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ . وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيلِ ( صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ . صَلَاةَ الْجُمُعَةِ . صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ ) . هـ - ( هَيْئَتُهَا فِي الصَّلَاةِ ) : 26 - الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي عَمَلِ الْعِبَادَاتِ , إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْهَيْئَاتِ فِي الصَّلَاةِ , وَذَلِكَ كَمَا يَأْتِي : يُسْتَحَبُّ أَنْ تَجْمَعَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ , فَتَضُمَّ مِرْفَقَيْهَا إلَى الْجَنْبَيْنِ وَلَا تُجَافِيهِمَا , وَتَنْحَنِيَ قَلِيلًا فِي رُكُوعِهَا , وَلَا تَعْتَمِدَ , وَلَا تُفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهَا , بَلْ تَضُمُّهَا , وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا , وَتَحْنِي رُكْبَتَهَا , وَتُلْصِقُ مِرْفَقَيْهَا بِرُكْبَتَيْهَا . وَفِي سُجُودِهَا تَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهَا , وَتَنْضَمُّ وَتَلْزَقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتُرُ لَهَا , فَلَا يُسَنُّ لَهَا التَّجَافِي كَالرِّجَالِ ; لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ , فَقَالَ : إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى بَعْضٍ , فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ } . وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فَالْأَلْيَقُ بِهَا الِانْضِمَامُ . كَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُكَثِّفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيَهُ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً , لِئَلَّا تَصِفَهَا ثِيَابُهَا , وَأَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا , وَتَجْلِسَ مُتَرَبِّعَةً ; لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ , أَوْ تَسْدُلَ رِجْلَيْهَا عَنْ يَمِينِهَا , وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّرَبُّعِ ; لِأَنَّهُ غَالِبُ فِعْلِ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها وَأَشْبَهُ بِجِلْسَةِ الرَّجُلِ , وَهُوَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ . كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ عَقِبَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الرِّجَالِ , حَتَّى لَا يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ . فَقَدْ رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ : { كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ , وَهُوَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ . قَالَتْ : نَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ } . و - ( الْحَجُّ ) : 27 - مَا يَتَّصِلُ بِفَرْضِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَمْرَانِ : الْأَوَّلُ : بِالنِّسْبَةِ لِلْوُجُوبِ . وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي : مِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ - بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَغَيْرِهِمَا - مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْحَجِّ مُطْلَقًا , وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ : أَنْ يَكُونَ مَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ ; لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ , وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ . لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ دُونَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ . فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ , وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ : أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ ; لِأَنَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا زَوْجٌ وَلَا مَحْرَمٌ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا , إذْ النِّسَاءُ لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ , إلَّا مَا ذُبَّ عَنْهُ . وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي ( حَجٍّ ) . وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِحَجِّ الْفَرِيضَةِ , أَمَّا النَّفَلُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لَهُ دُونَ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ . الثَّانِي : بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْأَعْمَالِ فَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ , إلَّا أَنَّهَا تَخْتَلِفُ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَمِنْ ذَلِكَ : - أَنَّهَا تَلْبَسُ الْمَخِيطَ كَالْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ وَمَا هُوَ أَسْتَرُ لَهَا ; لِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ , وَلَا تَنْتَقِبُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ . وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ ( ر : إحْرَامٌ ) . - وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ رَمَلٌ فِي طَوَافِهَا , وَلَا إسْرَاعٌ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ فِي السَّعْيِ , وَلَيْسَ عَلَيْهَا اضْطِبَاعٌ أَيْضًا . وَالْمَشْرُوعُ لِلْمَرْأَةِ التَّقْصِيرُ دُونَ الْحَلْقِ . ( ر : حَجٌّ ) . - وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا تُسْمِعُ رَفِيقَتَهَا . ( ر : حَجٌّ . تَلْبِيَةٌ ) . ز - ( الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ ) : 28 - إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُتَزَوِّجَةً فَإِنَّهَا تَرْتَبِطُ فِي خُرُوجِهَا مِنْ الْمَنْزِلِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا . وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ { : رَأَيْت امْرَأَةً أَتَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ؟ قَالَ : حَقُّهُ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ , فَإِنْ فَعَلَتْ لَعَنَهَا اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْغَضَبِ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تَرْجِعَ } ; وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ وَاجِبٌ , فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ . وَخُرُوجُ الزَّوْجَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا يَجْعَلُهَا نَاشِزًا , وَيُسْقِطُ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ فِي الْجُمْلَةِ , لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ زِيَارَةِ أَبَوَيْهَا وَعِيَادَتِهِمَا ; لِأَنَّ عَدَمَ الزِّيَارَةِ نَوْعٌ مِنْ الْعُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ . كَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَحُضُورِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَدُرُوسِ الْوَعْظِ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ } وَفِي رِوَايَةٍ : { إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا } . لَكِنْ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَمِنَ عَلَيْهَا , وَكَانَ لَا يَخْشَى الْفِتْنَةَ مِنْ خُرُوجِهَا , فَإِنْ كَانَ يَخْشَى الْفِتْنَةَ فَلَهُ مَنْعُهَا . وَكَرِهَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ خُرُوجَهَا وَلَوْ عَجُوزًا لِفَسَادِ الزَّمَانِ ; لِمَا رُوِيَ عَنْ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ : لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ . ح - التَّطَوُّعُ بِالْعِبَادَاتِ : 29 - الزَّوْجَةُ مُرْتَبِطَةٌ كَذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فِي التَّطَوُّعِ بِالْعِبَادَاتِ , فَلَا يَجُوزُ لَهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حَاضِرًا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِصَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ اعْتِكَافٍ بِدُونِ إذْنِهِ , إذَا كَانَ ذَلِكَ يَشْغَلُهَا عَنْ حَقِّهِ ; لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فَرْضٌ , فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِنَفْلٍ ; وَلِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا , وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الِاعْتِكَافِ , وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ أَيْ حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ } . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . فَإِنْ تَطَوَّعَتْ بِصَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ اعْتِكَافٍ دُونَ إذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَهَا فِي الصَّوْمِ , وَيُحَلِّلَهَا مِنْ الْحَجِّ , وَيُخْرِجَهَا مِنْ الِاعْتِكَافِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ غَيْرِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ , فَكَانَ لِرَبِّ الْحَقِّ الْمَنْعُ . وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ , وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ الصَّوْمَ الرَّاتِبَ كَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ , فَلَا يَمْنَعْهَا مِنْهُ لِتَأَكُّدِهِ , وَكَذَلِكَ صَلَاةُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ لِقِصَرِ زَمَنِهِ . وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ لَهَا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِصَوْمٍ أَوْ اعْتِكَافٍ أَوْ حَجٍّ , فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ : لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الصَّوْمِ أَوْ الِاعْتِكَافِ وَلَوْ كَانَتْ شُرِعَتْ فِيهِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ رضي الله تعالى عنهن فِي الِاعْتِكَافِ , ثُمَّ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلْنَ فِيهِ , فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ , فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ فَأَذِنَ لَهَا , وَسَأَلْت حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَسْتَأْذِنَ لَهَا فَفَعَلَتْ , فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ أَمَرَتْ بِبِنَاءٍ فَبُنِيَ لَهَا . قَالَتْ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى انْصَرَفَ إلَى بِنَائِهِ , فَأَبْصَرَ الْأَبْنِيَةَ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : بِنَاءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : آلْبِرَّ أَرَدْنَ بِهَذَا ؟ مَا أَنَا بِمُعْتَكِفٍ } . وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا ; لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهَا فَقَدْ مَلَّكَهَا مَنَافِعَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا , وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ . وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ : لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مَا لَمْ تَشْرَعْ فِي الْعِبَادَةِ , فَإِنْ شَرَعَتْ فَلَا يَمْنَعُهَا . وَمَا أَوْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا بِنَذْرٍ , فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ , وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ . وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ , فَإِنْ كَانَ فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ . وَإِنْ كَانَ فِي زَمَانٍ مُبْهَمٍ , فَلَهُ الْمَنْعُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إلَّا إذَا دَخَلَتْ فِيهِ , وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ . مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُنْثَى مِنْ أَحْكَامِ الْوِلَايَاتِ : 30 - الْوِلَايَاتُ - كَالْإِمَامَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْوِصَايَةِ وَالْحَضَانَةِ وَغَيْرِهَا - مَنَاصِبُ تَحْتَاجُ إلَى اسْتِعْدَادَاتٍ خَاصَّةٍ , بَدَنِيَّةٍ وَنَفْسِيَّةٍ , كَالْقُوَّةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْخِبْرَةِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَنَانِ وَحُسْنِ التَّصَرُّفِ . وَتَخْتَلِفُ الْوِلَايَاتُ عَنْ بَعْضِهَا فِيمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ صِفَاتٍ . وَإِذَا كَانَ الرِّجَالُ مُقَدَّمِينَ فِي بَعْضِ الْمَنَاصِبِ عَلَى النِّسَاءِ , فَذَلِكَ لِفَارِقِ التَّكْوِينِ الطَّبِيعِيِّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا , وَلِمَا مَنَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كُلَّ جِنْسٍ مِنْ صِفَاتٍ خَاصَّةٍ . وَكَذَلِكَ تُقَدَّمُ النِّسَاءُ فِي بَعْضِ الْوِلَايَاتِ ; لِتَنَاسُبِهَا مَعَ تَكْوِينِهِنَّ وَاسْتِعْدَادِهِنَّ الْفِطْرِيِّ . قَالَ الْقَرَافِيُّ : اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ , فَيُقَدَّمُ فِي وِلَايَةِ الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَكَائِدِ الْحُرُوبِ وَسِيَاسَةِ الْجُيُوشِ , وَيُقَدَّمُ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَشَدُّ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَخَدْعِهِمْ . وَيُقَدَّمُ فِي أَمَانَةِ الْيَتِيمِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِتَنْمِيَةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَتَقْدِيرِ أَمْوَالِ النَّفَقَاتِ . وَالنِّسَاءُ مُقَدَّمَاتٌ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ عَلَى الرِّجَالِ لِأَنَّهُنَّ أَصْبَرُ عَلَى الصِّبْيَانِ وَأَشَدُّ شَفَقَةً وَرَأْفَةً . فَقُدِّمْنَ لِذَلِكَ وَأُخِّرَ الرِّجَالُ عَنْهُنَّ , وَأُخِّرْنَ فِي الْإِمَامَةِ وَالْحُرُوبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَنَاصِبِ ; لِأَنَّ الرِّجَالَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ تِلْكَ الْوِلَايَاتِ مِنْهُنَّ . وَالْقَضَاءُ مِنْ الْوِلَايَاتِ الَّتِي يُقَدَّمُ فِيهَا الرِّجَالُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ . وَيَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ تَقْضِيَ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ , إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ تَوْلِيَتُهَا الْقَضَاءَ , وَيَأْثَمُ مَنْ يُوَلِّيهَا ; لِمَا فِيهِ مِنْ مُحَادَثَةِ الرِّجَالِ , وَمَبْنَى أَمْرِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ , قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ : وَلَوْ قَضَتْ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى جَوَازَهُ , فَأَمْضَاهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ إبْطَالُهُ . وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورِيَّةُ فِي الْقَاضِي ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفْتِيَةً , فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَاضِيَةً . وَمِنْ الْوِلَايَاتِ الَّتِي يَصِحُّ أَنْ تُسْنَدَ إلَى الْأُنْثَى : الشَّهَادَةُ وَالْوِصَايَةُ وَنِظَارَةُ الْوَقْفِ , قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ : تَصْلُحُ الْمَرْأَةُ نَاظِرَةً لِوَقْفٍ وَوَصِيَّةً لِيَتِيمٍ وَشَاهِدَةً , فَصَحَّ تَقْرِيرُهَا فِي النَّظَرِ وَالشَّهَادَةِ فِي الْأَوْقَافِ . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ , وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ , وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ; لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَوْصَى إلَى حَفْصَةَ , وَلِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ . قَالَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ : أُمُّ الْأَطْفَالِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ ; لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا وَخُرُوجِهَا مِنْ خِلَافِ الْإِصْطَخْرِيِّ , فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهَا تَلِي بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ , وَكَذَا هِيَ أَوْلَى مِنْ الرِّجَالِ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ , إذَا كَانَ فِيهَا مَا فِيهِمْ مِنْ الْكِفَايَةِ وَالِاسْتِرْبَاحِ وَنَحْوِهِمَا , وَإِلَّا فَلَا , قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَمْ مِنْ مُحِبٍّ مُشْفِقٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْأَرْبَاحِ وَالْمَصَالِحِ التَّامَّةِ لِمَنْ يَلِي أَمْرَهُ . هَذَا , وَشَهَادَتُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا فَقَطْ , وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَكُونُ فِيمَا عَدَا الْقَوَدَ وَالْحُدُودَ , وَشَهَادَتُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ شَهَادَةِ الرَّجُلِ لقوله تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهَا دُونَ الرِّجَالِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ . وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي ( شَهَادَةٍ ) . وَالْوِلَايَةُ عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ تَكُونُ لِلذُّكُورِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ ثَبَتَتْ بِالشَّرْعِ , فَلَمْ تَثْبُتْ لِلْأُنْثَى , لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ إلَيْهَا , فَتَصِيرَ وَصِيَّةً بِالْإِيصَاءِ . وَفِي رَأْيِ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ , وَهُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ , وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى , وَابْنِ تَيْمِيَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ : أَنَّ الْأُمَّ تَكُونُ لَهَا الْوِلَايَةُ بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ ; لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ , وَأَكْثَرُ شَفَقَةً عَلَى الِابْنِ . وَلَا وِلَايَةَ لِلْأُنْثَى كَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَلَا غَيْرَهَا ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ , وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا } . وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ , وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ : أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا , وَأَنْ تُزَوِّجَ غَيْرَهَا بِالْوِلَايَاتِ أَوْ الْوَكَالَةِ ; لقوله تعالى : { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ } فَأَضَافَ النِّكَاحَ وَالْفِعْلَ إلَيْهِنَّ , وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِبَارَتِهِنَّ وَنَفَاذِهَا ; لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَيْهِنَّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ , إذْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا غَيْرَهَا , وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ بِنْتَهَا بِرِضَاهَا , فَجَاءَ الْأَوْلِيَاءُ وَخَاصَمُوهَا إلَى عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه , فَأَجَازَ النِّكَاحَ . وَهَذَا دَلِيلُ الِانْعِقَادِ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ , وَأَنَّهُ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا غَائِبِينَ ; لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا , وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِغَيْرِهَا , فَيَنْفُذُ , كَتَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا , وَالْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْهَا فِي الْمَالِ ; وَلِأَنَّ النِّكَاحَ خَالِصُ حَقِّهَا , حَتَّى يُجْبَرَ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِهَا , وَهِيَ أَهْلٌ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِهَا . وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي ( نِكَاحٍ ) . مَا يَتَّصِلُ بِالْمَرْأَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ : 31 - يَرَى عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي أَحْكَامِ الْقِصَاصِ فِي الْجُمْلَةِ , فَالْأُنْثَى تُقْتَلُ بِالذَّكَرِ , وَالذَّكَرُ يُقْتَلُ بِالْأُنْثَى . وَأَمَّا الدِّيَاتُ , فَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ . وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي ( دِيَةٍ ) . ***********************[/CENTER] |
05-07-2008, 06:04 AM | #2 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2008
البلد: بريده
المشاركات: 222
|
مشكووووووووره على الموضوع الرائع
|
06-07-2008, 06:37 PM | #3 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jul 2008
البلد: بريدهــ,
المشاركات: 229
|
سلمو على الطرح ..لا عدمنا جديدك
__________________
|
09-07-2008, 02:47 AM | #4 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2006
البلد: تكاد يدي تلامس الــــقــــمــــة
المشاركات: 121
|
جزاااااك الله خيرا
__________________
كُنْ بَلْسَماً إنْ صَارَ دَهْرُكَ أرْقَــماً .:. وحَـلاوةً إنْ صارَ غَيْرُكَ عَلْــقَمَاً |
09-07-2008, 02:48 AM | #5 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2006
البلد: تكاد يدي تلامس الــــقــــمــــة
المشاركات: 121
|
بااارك ربي فيك
__________________
كُنْ بَلْسَماً إنْ صَارَ دَهْرُكَ أرْقَــماً .:. وحَـلاوةً إنْ صارَ غَيْرُكَ عَلْــقَمَاً |
09-07-2008, 02:48 AM | #6 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2006
البلد: تكاد يدي تلامس الــــقــــمــــة
المشاركات: 121
|
موضوع منتااااااااااااز
__________________
كُنْ بَلْسَماً إنْ صَارَ دَهْرُكَ أرْقَــماً .:. وحَـلاوةً إنْ صارَ غَيْرُكَ عَلْــقَمَاً |
17-07-2008, 09:59 AM | #7 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jul 2008
البلد: بعيدة يا بريدة
المشاركات: 231
|
ماشاء الله تبارك الله
لاحرمت الأجر
__________________
اسئل الله لك دوآم الرضا والمرضاة.., وأن يرضيك دنيا وآخرة.. اللهم أني أشهدكـ أني أحب نورة 11 في الله..
|
الإشارات المرجعية |
|
|