[راسية]

رحلتي لأم الدنيا أرض الكنانة



في مصر و بالتحديد في مصر الجديدة – روكسي – منشية الطيران .

ومن البالكونة وعلى كرسي بلاستكي أبيض عليه مخدة حمراء اللون وبجواري أحواض زرع رائعة .

أطل على العالم الخارجي من حولي فأرى العجائب بحق . . مصر بلد النقائض .

أقف على أسوار البالكونة محدقة للأسفل فأرى عن يميني قصر مشيد كأنه من قصور الدولة العثمانية لكنه بالتأكيد ليس منها بل أقصد على طرازها . . يبدو للناظر إليه من الأعلى قبة رائعة مذهبة أعلاها ثلاث غرف أضنها للخدم . . وحديقة رائعة لكن أغلبها مغطى بأعواد متماسكة لاتكاد ترى من باقي الحديقة شيئا . . والعجيب في الأمر أن هناك سكون عجيب يخيم على هذا القصر فلا تكاد ترى خارجا منه أو داخلا إليه إلا بالكاد أرى حارسا بجوار الباب الذي نقش بجواره ( قصر شهد عجلان ) وأظنها ما هي إلا عجوز قد عثى عليها أو عليه الدهر هكذا تصورتها لا أ كثر ولا أقل

وعندما أطل على الجانب المجاور بل الملاصق لذلك القصر أجد عمارة طويلة كنت أظنها في بداية البناء . . ولكني فقهت بعد زمن أنها سكن قديم بنيت من البلك حتى أصبحت كأنها امرأة عارية لا تجد عليه أي ملامح للجمال وتتأكد أن سكانها فقط يريدون مكانا يضمهم ويحميهم فقط لا غير ذلك من زخارف الدنيا . .

في زاوية تلك العمارة تلمح بلكونات قط ربط على حدائدها حبال عدة لنشر الثياب بعد غسيلها . . أرى هذه اللحظة امرأة أقدر عمرها بالأربعين ترتدي قميصا مخمليا بنفسجي اللون ومنديلا من الصوف عل رأسها . .تنشر الثياب ثم تضع عليها المقبض الخشبي . . . . هاهي عادت بعد أن انتهت من نشر الثياب وهاأنا أسمع صوت شجارها مع أطفالها ثم ينقطع الصوت عندما تغلق باب البالكونة .

وعندما أحدق للأسفل أرى مجموعة من السيارات في كراج عمارتنا . . وهناك عامل يحمل بيده سطلا وقماشا يمسح تلك العربات كما يسمونها وبالكاد يحصل على جنيها واحدا . . وماذا يفعل له ذلك الجنيه ؟ !!

وعندما أطل على الجانب الأيمن أرى الشارع الفرعي تسير فيه المتناقضات سيارات تضنها من عمر السبعينات . . ودراجات أبدا ليست للهو الأطفال بل رأيت شيخا يقودها وشابا كذلك . . يربط كل منهم حوضا بلاستيكيا أو خشبيا يحمل أغراضه . . وهذا ( الميكرو باص ) وهو أشبه بالباص الصغير تركبه بربع جنيه أو نصف أي بشيء زهيد . . لكن لا تصدق سرعته وتهوره . . وفي منتصف الطريق تجد ( المترو ) وهو قطار يتجول في سكك معينة في أنحاء المنطقة تركبه من أي مكان لأي مكان بربع جنيه فقط , لكن تجده دائما مزدحما لأنه الوسيلة المتاحة ولهذا تجد اسطوانات حديدية في سقف المترو ليتمسك بها الواقفون في ممرات المترو . .

والأعجب أن ترى من تمسك بخلف المترو من الخارج لأنه لا يستطيع دفع ربع جنيه فهو لا يكاد باليوم يحصل عليه فكيف ينفقه على وسيلة مواصلات ؟ !

هاهي قرقعة صاحب الغاز . . كم حفظها أهل هذه المنطقة يدور مع اشراقة الصباح بدراجته التي ربط خلفها مجموعة من اسطوانات الغاز ضاربا بالمفك عليها منبها أصحاب العمارات بمروره لعلهم يريدون ذلك . .

أصوات عديدة متشابهة لذلك الصوت تسمعها بين فينة وأخرى . . عيش . . عيش . . ( هذا نداء صاحب الخبز ) ايكيا . . ايكيا . . قد تستغرب هذا النداء مثلي . . فلقد أسرعت حين سمعته لأطل على الشارع فوجدت صندوقا خشبيا كبيرا أو قل قطعة من الخشب على عجلات يجرها على ظهره أو بدراجته أو بحمار . . يأخذ كل النفايات أي شيء عندك لا تريده . . أوراق . . علب بلاستيكية . . أخشاب . . أي شيء . . أي شيء . . أي شيء . .

ومثله النداء . . ( موبيليا . . موبيليا ) . .

وأصوات كثيرة فد تسمعها كـ حليب . . حليب . . بليلا . . بليلا . . لامون ( ليمون ). .

أصوات كثيرة جدا . . فالباعة المتجولون يملؤون الطرقات . .تحت عمارتنا امرأة عجوز تفرش بساطها كل يوم لتبيع الورقيات من بقدونس وجرجير ولا أدري ماذا تكسب إذا كانت الحزمة بربع جنيه أو نصف . . فبساطها كله لا يساوي خمسة جنيهات إن لم يكن أقل . .

لكنه شعب أجمل ما فيه أنه يعمل . . والأسوء أن كثيرا من الأطفال تركوا سلك التعليم وتراهم يتجولون ويبيعون بالمحلات أو يعملون بالمهن جميعها ومنهم كثير يعملون بالمهن جميعا ومنهم كثير يعملون بالتسول . .

لا تظنني أخطأت عندما قلت يعملون بالتسول فهم فعلا تراهم كأنهم يتبعون لشركة كبيرة للتسول يعملون فيها . . فهم في قمة اتقان هذه المهنة لا من حيث المظهر الذي تظن أنه ذهب ليشتري ثيابا للتسول فهي غريبة في نوعها . . ولا من حيث اتقان الاستعطاف من حركات وكلمات . .

شعب فقير بحد الفقر . . وشعب قليل غني بحد الغنى . .

لكنه يكفيه أنه شعب لطيف في تعامله يحب أن يخدمك بأي وسيلة . .فالخدمة سمة بارزة في تعامله . .

ولا يمنع أن تمد له جنيهات مقابل خدمته التي قدمها له بدون أن تطلب منه أنت ذلك . .

ولك أن تتصور كم هي شائعة عندهم هذه الرشوة . . بشكل مريب للغاية . أي خدمة تريدها لابد من البخشيش . . وأي مبلغ تقدمه لا تنتظر أن يرجع لك باقية . . فكن عاى حذر أن يكون معك صرف دائما هنا . .

عندما يقم أحد لك خدمة . . شيء طبيعي . . أو واجب أن تقدم له شيئا أي شيء . . وسيبادلك مسرعا ( لا مايلزمش ) وهو يمد يده ليضعها في جيبه . .

لك أن تحصل على أي شيء . . إذا كنت تمد يدك دائما . . والجميل هنا . . أنك تجد بعضهم محافظا مع أنه منذ قرن أو أكثر وهو يغرب . . ومازال بعضهم يحافظ على جذور عقيدته . . فتجد بعض النساء لا يخرج منها قيد أنملة وتجد على المقابل غير ذلك . . وترى امرأة عجوز قد ضحكت على نفسها وقصت قصات غريبة لتبدو فتاة . . وعلى جانبها امأة قد جعلها الفقر عجوزا . .

وكثير ما تجد أهل الصعيد والفيوم وأسيوط . . وما شاكلهم . . من نساء كبيرات عاكفات على أبواب المساجد يطلبون المصلين . . لا تكل من الدعاء لكل داخل – ( إن شاء الله تصلي في الحرم . . إن شاء يبعد الشر عن أولادك ) والويل لمن يأتي متسولا في مكانها . . وكأنها استولت عليه . . وكأنه سيأخذ رزقها له . .

عالم عجيب . . أعظم ما يقدس وما يفتخر به هو ( الآثار التاريخية ) من الأهرامات والمزارات . . مثل البدوي والسيدة زينب . . والمتاحف . . وآثار الفراعنة . . ويقدس الفن والفنانين أو ما يسمونهم كذلك فعندما تمر على مكان معين يسارع سائق الأجرة لأن يلوح لمكان معين ويذكر بتفاخر هذا المكان الذي مثل فيه عادل امام أو غنت فيه أم كلثوم . . وآه ثم آه مع ولعهم بهذه المرأة . . فعندما تقول له اخفض صوت الموسيقى يستغرب منك ويقول لا . . هدي أم كلثوم . .

والعجيب أن في جميع الأسواق يفتحون التسجيل لأنه شعب اعتاد على الكلام وإن لم يجد من يكلمه لا بد أن يسمع . . فتجد أغلب المحلات تفتح الموسيقى . . وبعضها القرآن ليس لسماعه بل لاعتقادهم أنه يحمي المحل من السرقة فهم عندما يغلقون المحل يجعلون الجهاز يشتغل . . وتجد من هذا كثير فهم يخافون من الحسد والسرقة . . لذلك تجد عبارات كثيرة على واجهات المحلات ( الرزق بيد الله . . ما شاء الله . . ) ونحو ذلك .

++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++ ++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++ ++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

ها نحن قد حزمنا أمتعتنا لنقضي فسحة من الوقت قبل الاختبارات . . فعقدنا العزم على الذهاب للإسكندرية لشواطئ البحر الأبيض المتوسط . . توجهنا لسكة الحديد وركبنا الأطر ( القطار ) . . ما إن تركبه حتى تحس أنك تتجول في جنان الدنيا . . وتحملق من النافذة خوفا أن يفوتك شيء من تلك المناظر . . خضرة صنعها الخالق فأبدع صنعها . . وترع النيل تشقها مشكلة لوحة تشدك لجمالها . .

قوارب بدائية يركبها الصيادون بل هل تصدق يسكنها الصيادون ؟ !! فهي مجرد خشبة ومجداف يجلس عليها هو و زوجته وأبناؤه . . ليس عنده غيرها . . يصطاد فيأكل وإن فذ باع هكذا الحياة . . مناظر تسرق نظرك . . الأبقار تجول في الخضرة . . لا . . لا أستطيع أن أصف لك ما رأيت . . مررنا على محافظات عدة ( دمنهور . . بنبا . . كفر العيص . . . . )

وصلنا الإسكندرية . . وسكنا في فندق على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في ( المندرة ) . . وهي في نظري أروع منطقة . . فالمكان هادئ بحد الهدوء . . نقي حتى النقاء . . البحر أمواجه هادئة بعض الشيء لكنك تحس بالهدوء . . لا أعلم كيف ذلك ؟ ! لكن ربما لأنه ليس كأصوات البشر . .

المنطقة نظيفة . . طاولات بألوان الطيف على شاطئ تلك المنطقة . . الأروع . . أنه في زمن ذهابنا لم يكن في المنطقة سوى أهلها . . لم يكن كزحام الصيف . . وأهلها قليلون . . بالطبع مللنا زحام القاهرة . . عندما تسير على الشاطئ تحس أنك لوحدك خاصة في ساعات الصباح الأولى . . فكل في عمله أو في مدرسته . . ولا سياح هنا . . لأن السياح أقصد الأجانب لا يهمهم بمصر سوى أثارها وتاريخها الذي يكثر بالقاهرة .

ومن الأماكن التي يزورها القادم للإسكندرية ( محطة الرملة ) وهو أكبر سوق يأتيه أكثر أهل الإسكندرية إما لتبضع أو لمجرد التفسح فقط . . ومنطقة العصافرة وهي المجاورة للمندرة على البحر . . وقلعة قيتاباي لكن أكثر الموجود فيها أخذ للقاهرة من أسلحة وغيرها . . وبجوار القلعة الكائنات البحرية .. والمكتبة العامة الحديثة . .

ومسجد العباس . . آه . . لقد تذكرت عندما مررنا من مسجد العباس كان ذلك اليوم يصادف ليلة المولد . . لا تصدق ما رأيناه هناك لقد وجدنا عجبا أناس أضنهم من الصعيد ومن غيره جاؤوا إلى هنا من أجل إقامة حفل المولد ناصبين خيمة وهم يضربون بأيديهم ويهزون بأجسامهم وهناك من يطبل ويغني لهم ويوزعون الحلوى ويلعبون الأطفال . . شيء لا يصدق . . اللهم ثبتنا على دين نبيك . . والله أنه من ذلك لبراء . .

عندما ركبنا المترو جاؤوا لنا بعصير بمناسبة المولد . . لكن بالتأكيد هناك من يرفض قبول تلك البدع وهم الأكثر . .



لا أعلم ماذا أقول أكثر لكن الكلام يعلن هنا انسحابه .

[محمد الكويتي]

رحلة موفقة وماتعه ..كُنت أتمني لو وثقتها بمجموعه صور أتمنى ذلك

.
.
.
وشكرا لك
.
أخوك / محمد الكويتي

[راسية]

أشكر لك مرورك .