بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » رحمك الله يا الحجاج بن يوسف الثقفي..لقد افتقتدك الأمة الإسلامية والعراق في هذا الزمن

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 12-10-2006, 12:35 AM   #1
الحجاج بن يوسف
Guest
 
صورة الحجاج بن يوسف الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 237
رحمك الله يا الحجاج بن يوسف الثقفي..لقد افتقتدك الأمة الإسلامية والعراق في هذا الزمن

إن من أكثر الرموز التي لم تنل حقها في كشف الحقائق والنقل السليم هي شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان للمؤرخين المفترين عليه نصيب الأسد في تشويه صورته , نعم كان الحجاج كما قال عنه الحسن البصري : إن الحجاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانة والتضرع ، فإنه تعالى يقول { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } [المؤمنون /76] . الطبقات لابن سعد (7/164) بإسناد صحيح
والحجاج كان من القادة الجبارين ولاننكر أنه كان ظالماً وذلك لظروف الزمن الذي عاش فيه فقد كثرت الفتن واشتدت حمأة الخوارج من ابن الأشعث وغيره التي قضى عليها الحجاج رحمه الله وقد فتح بلاد السند وكان الفضل بعد الله له في اتساع الفتوحات الإسلامية في عصره فرحمه الله.
وما نشاهده اليوم في العراق يذكرنا بأبي يوسف وأن الأمة تنتظر مثله ليطفئ الفتنة التي تدور هناك .
واقرأ وصية الحجاج رحمه الله عند موته :
بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف : أوصى بأنه يشهد أن لا إليه إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده و رسوله ، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك ، عليها يحيا و عليها يموت و عليها يبعث .. الخ . تهذيب تاريخ دمشق (4/68 ) .

و يروى أنه قيل له قبل وفاته : ألا تتوب ؟ فقال : إن كنت مسيئاً فليست هذه ساعة التوبة ، وإن كنت محسناً فليست ساعة الفزع . محاضرات الأدباء (4/495 ) .

و قد ورد أيضاً أنه دعا فقال : اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل . تاريخ دمشق (4/82) . والبداية والنهاية (9/138) .

يقول قول الحسن رحمه الله حينما سمع أحد جلاسه يسب الحجاج بعد وفاته ، فأقبل مغضباً و قال : يا ابن أخي فقد مضى الحجاج إلى ربه ، و إنك حين تقدم على الله ستجد إن أحقر ذنبٍ ارتكبته في الدنيا أشد على نفسك من أعظم ذنبٍ اجترحه الحجاج ، و لكل منكما يومئذٍ شأن يغنيه ، و اعلم يا ابن أخي أن الله عز وجل سوف يقتص من الحجاج لمن ظلمهم ، كما سيقتص للحجاج ممن ظلموه فلا تشغلن نفسك بعد اليوم بسب أحد . ذكره أبو نعيم في الحلية (2/271)

توفي الحجاج في 13/9/95هـ :o
الحجاج بن يوسف غير متصل  


قديم(ـة) 12-10-2006, 06:17 AM   #2
الحجاج بن يوسف
Guest
 
صورة الحجاج بن يوسف الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 237
خيراً خيراً أبومحمد النجدي.

رحمك الله يا الحجاج بن يوسف
الحجاج بن يوسف غير متصل  
قديم(ـة) 12-10-2006, 06:32 AM   #3
الحجاج بن يوسف
Guest
 
صورة الحجاج بن يوسف الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 237
الحجاج بن يوسف الثقفي في ميزان أهلِ السنة والجماعة

الشيخ عبد الله زقيل - حفظه الله -


قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةً في "الفتاوي" (3/278): وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَّبِعُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيَتَّبِعُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ.ا. هـ.



الحمدُ للهِ وبعدُ؛

الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ اسمٌ معروفٌ في تاريخِ الأمةِ الإسلاميةِ، اسمٌ اقترنَ بسفكِ الدمِ والبطشِ والجبروتِ، اسمٌ لا يكادُ كتابٌ من كتبِ التاريخِ إلا ولهُ فيه ذكرٌ، ولكن هل للرجلِ حسناتٌ تذكرُ في بحرِ ذنوبهِ؟



يجيبُ الإمامُ الذهبي في " السير " (4/344) فيقولُ في ترجمتهِ: وَكَانَ ظَلُوْماً، جَبَّاراً، نَاصِبِيّاً، خَبِيْثاً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ، وَإِقْدَامٍ، وَمَكْرٍ، وَدَهَاءٍ، وَفَصَاحَةٍ، وَبَلاَغَةٍ، وَتعَظِيْمٍ لِلْقُرَآنِ...وَلَهُ حَسَنَاتٌ مَغْمُوْرَةٌ فِي بَحْرِ ذُنُوْبِهِ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، وَلَهُ تَوْحِيْدٌ فِي الجُمْلَةِ، وَنُظَرَاءُ مِنْ ظَلَمَةِ الجَبَابِرَةِ وَالأُمَرَاءِ.ا. هـ.



فانظروا كيف ينصفُ أهلُ السنةِ أمثالَ الحجاجِ؟ ويكلون أمرهُ إلى اللهِ ؟


للهِ درك أيها الإمامُ الذهبي.



وقد كثرُ الكلامُ في هذهِ الأيامِ المباركةِ من شهرِ رمضان عن الحجاجِ، فمن مسلسلٍ يبثُ في بعضِ القنواتِ الفضائيةِ عن سيرتهِ، ويقومُ بالتمثيلِ للمسلسلِ سقطُ المتاعِ من أهلِ الفسقِ والمجونِ، ويقومون بتشويهٍ لصورةِ التاريخِ الإسلامي لدولةِ بني أميةَ من خلالِ سيرةِ الحجاجِ بن يوسف، إلى جانبِ تمثيلِ الصحابةِ مثل عبد الله بن الزبير وأسماء بنت أبي بكر، وهذا - واللهِ - منتهى السخف، وكما يعلمُ الجميعُ أن العلماءَ قد منعوا من تمثيلِ أدوار الصحابةِ في هذه المسلسلات التي يقومُ بها الفسقةُ والماجنين، وحتى لو قام بهذه ألأدوار أهلُ الصلاحِ والاستقامةِ فإنه لا يقبلُ منهم لأمور عدةٍ لا مجال لذكرها هنا.



وتقومُ أيضاً " قناةُ المستقلةِ " بإلقاءِ الضوءِ على سيرةِ الحجاجِ من خلالِ استضافةِ الرافضي والعلماني والبعثي والزيدي، وهذه مهزلةٌ لم يسبق لها نظيرٌ، فكيف يعرفُ تاريخُ الحجاجِ من هؤلاءِ الزنادقةِ؟!



ولماذا يركزُ على الحجاجِ؟

فقد وجد في تاريخِ الأممِ من هو أشدُ من الحجاجِ.



أين أنتم من هولاكو؟ أين أنتم من ستالين؟ أين أنتم من هتلر؟ وأين أنتم... ؟ وأين أنتم.... ؟ وسلسلة لا تنتهي.



وفي مقالي هذا أريدُ أن ألقي الضوءَ على سيرةِ الحجاجِ بنِ يوسف من خلالِ منظارِ أهل السنةِ والجماعةِ، لا من خلالِ التاريخِ الذي دخل فيه التشيعُ، ولا من خلالِ النظرةِ الحاقدةِ على تاريخِ بني أميةَ من قبل الرافضةِ والزيديةِ.

وأسألُ اللهَ أن يجعلَ في مقالي هذا النفعَ والفائدةَ، ومن كان لهُ تعقيبٌ أو إضافةٌ فلا يبخل بها علينا هنا، وله مني الشكرُ، ومن اللهِ الأجرُ.



من هو " المُبِيرٌُ " الذي ورد ذكرهُ في الحديثِ؟

‏عَنْ ‏‏أَبِي نَوْفَلٍ: ‏ ‏رَأَيْتُ ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ‏عَلَى عَقَبَةِ ‏الْمَدِينَةِ ‏‏قَالَ: فَجَعَلَتْ ‏‏قُرَيْشٌ ‏‏تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ‏‏فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ ‏‏أَبَا خُبَيْبٍ، ‏‏السَّلَامُ عَلَيْكَ ‏‏أَبَا خُبَيْبٍ، ‏ ‏السَّلَامُ عَلَيْكَ ‏‏أَبَا خُبَيْبٍ ‏، ‏أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ ‏‏أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ ‏‏أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ ‏‏أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا، ‏ ‏قَوَّامًا، ‏ ‏وَصُولًا لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لَأُمَّةٌ خَيْرٌ، ثُمَّ نَفَذَ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ‏ ‏فَبَلَغَ ‏‏الْحَجَّاجَ ‏ ‏مَوْقِفُ ‏عَبْدِ اللَّهِ، ‏ ‏وَقَوْلُهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ ‏ ‏الْيَهُودِ ‏، ‏ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ ‏‏أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ‏؛ ‏فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ؛ فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ: لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ، قَالَ: فَأَبَتْ؛ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي، قَالَ، فَقَالَ: أَرُونِي سِبْتَيَّ فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ، قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ ‏ ‏ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ ‏، ‏أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ. ‏ ‏أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ ‏‏- صلى الله عليه وسلم - ‏، ‏وَطَعَامَ ‏أَبِي بَكْرٍ ‏ ‏مِنْ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا ‏تَسْتَغْنِي عَنْهُ أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏‏أَنَّ فِي ‏ ‏ثَقِيفٍ ‏ ‏كَذَّابًا وَمُبِيرًا؛ فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا ‏‏إِخَالُكَ ‏‏إِلَّا إِيَّاهُ قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا. رواهُ مسلمٌ.



" وَمُبِيرٌ " ‏: ‏أَيْ مُهْلِكٌ يُسْرِفُ فِي إِهْلَاكِ النَّاسِ يُقَالُ: بَارَ الرَّجُلُ يَبُورُ بَوْرًا. فَهُوَ بَائِرٌ، وَأَبَارَ غَيْرَهُ، فَهُوَ مُبِيرٌ وَهُوَ الْحَجَّاجُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي الْإِهْلَاكِ مِثْلَهُ.



فوائدُ من القصةِ:

سأنقلُ بعضَ تعليقاتِ الإمامِ النووي على القصةِ من " شرح مسلم ".

1- قولُ ابنِ عمرَ: ‏أَبَا خُبَيْبٍ. قال الإمامُ النووي في " شرح مسلم ": ‏بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة كُنْيَة اِبْن الزُّبَيْر، كُنِّيَ بِابْنِهِ خُبَيْب، وَكَانَ أَكْبَر أَوْلَاده، وَلَهُ ثَلَاث كُنًى ذَكَرَهَا الْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَآخَرُونَ: أَبُو خُبَيْب، وَأَبُو بَكْر، وَأَبُو بُكَيْرٍ. ا. هـ.



2- فِيهِ اِسْتِحْبَاب السَّلَام عَلَى الْمَيِّت فِي قَبْره وَغَيْره، تَكْرِير السَّلَام ثَلَاثًا كَمَا كَرَّرَ اِبْن عُمَر. ا. هـ.



3- وَفِيهِ الثَّنَاء عَلَى الْمَوْتَى بِجَمِيلِ صِفَاتهمْ الْمَعْرُوفَة. ا. هـ.



4- وَفِيهِ مَنْقَبَة لِابْنِ عُمَر لِقَوْلِهِ بِالْحَقِّ فِي الْمَلَأ، وَعَدَم اِكْتِرَاثه بِالْحَجَّاجِ ; لِأَنَّهُ يَعْلَم أَنَّهُ يَبْلُغهُ مَقَامه عَلَيْهِ، وَقَوْله، وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُول الْحَقّ، يَشْهَد لِابْنِ الزُّبَيْر بِمَا يَعْلَمهُ فِيهِ مِنْ الْخَيْر، وَبُطْلَان مَا أَشَاعَ عَنْهُ الْحَجَّاج مِنْ قَوْله: إِنَّهُ عَدُوّ اللَّه، وَظَالِم، وَنَحْوه، فَأَرَادَ اِبْن عُمَر بَرَاءَة اِبْن الزُّبَيْر مِنْ ذَلِكَ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَيْهِ الْحَجَّاج، وَأَعْلَم النَّاس بِمَحَاسِنِهِ، وَأَنَّهُ ضِدّ مَا قَالَهُ الْحَجَّاج. ا. هـ.



5- وَصُولًا لِلرَّحِمِ: وَهُوَ الْمَعْرُوف مِنْ أَحْوَاله. ا. هـ.



6- وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَذَّابِ هُنَا الْمُخْتَار بْن أَبِي عُبَيْد، وَبِالْمُبِيرِ الْحَجَّاج بْن يُوسُف. وَاَللَّه أَعْلَم. ا. هـ.



الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ عذابُ اللهِ:

قال عنه الحسن البصري: إن الحجاجَ عذابُ اللهِ، فلا تدفعوا عذابَ اللهِ بأيديكم، و لكن عليكم بالاستكانةِ والتضرعِ، فإنه - تعالى - يقول: " وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " [المؤمنون: 76].

الطبقات لابن سعد (7/164) بإسناد صحيح.



وبعد هذه النصوصِ في بيانِ بطشِ الحجاجِ وجبروتهِ، سؤالٌ يطرحُ:



هل كلُ ما قيل عن الحجاجِ صحيحٌ؟ أم أن فيهِ بعضُ التحاملِ على الرجلِ مما بالغت فيه بعضُ الطوائفِ والفرقِ؟



يجيبُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ - وهو من هو في التاريخِ ؟؟ ويكفيك كتاب " البدايةِ والنهايةِ " لتعلمَ مدى معرفة الرجلِ بالتاريخِ - فيقول: وقد تقدم الحديث: " إن في ثقيف كذاباً ومبيراً " وكان المختار هو الكذاب المذكور في هذا الحديث، وقد كان يظهر الرفض أولاً ويبطن الكفر المحض، وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف هذا، وقد كان ناصبياً يبغض علياً وشيعته في هوى آل مروان بني أمية، وكان جباراً عنيداً، مقداماً على سفك الدماء بأدنى شبهة.



وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر كما قدمنا، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها، و إلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جداً لوجوه، وربما حرفوا عليه بعض الكلم، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات.



وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج، وإن كان متسرعاً في سفك الدماء، فالله - تعالى - أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها، وخفيات الصدور وضمائرها.


قلت: الحجاج أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله - عز وجل -، وقد كان حريصاً على الجهاد وفتح البلاد، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيراً، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلثمائة درهم، والله أعلم. ا. هـ.


قصةٌ منكرةٌ:

عُرف الحجاجُ كما ذكرنا سابقاً بأنهُ سفاكٌ للدماءِ، ومن أشهرِ من قُتل بين يديهِ العالمُ النحريرُ سعيدُ بنُ حبير، وقد وردت قصةٌ منكرةٌ في طريقةِ قتلِ الحجاجِ لسعيدِ بنِ جبير، تذكرُ في ترجمةِ الحجاجِ، وهذا لا يعني أن الحجاجَ لم يقتل سعيدَ بنَ جبير، وإنما إيرادُ القصةِ بهذا السياقِ هو الذي ينكرُ فيها، وإليكم القصة كما ذكرها الحافظُ الذهبي في " السير " (4/329 - 332):



حَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ أَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ أَبِي شَدَّادٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الحَجَّاجَ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِداً يُسَمَّى المُتَلَمِّسَ بنَ أَحْوَصَ فِي عِشْرِيْنَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُوْنَهُ، إِذَا هُمْ برَاهِبٍ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَسَأَلُوْهُ عَنْهُ ؟

فَقَالَ: صِفُوْهُ لِي. فَوَصَفُوْهُ، فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ، فَانْطَلقُوا، فَوَجَدُوْهُ سَاجِداً يُنَاجِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ، فَدَنَوْا، وَسَلَّمُوا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَأَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ، ثُمَّ رَدَّ - عليهم السلام –.

فَقَالُوا: إِنَّا رُسُلُ الحَجَّاجِ إِلَيْكَ، فَأَجِبْهُ.

قَالَ: وَلاَ بُدَّ مِنَ الإِجَابَةِ؟

قَالُوا: لاَ بُدَّ. فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَامَ مَعَهُم، حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَيْرِ الرَّاهِبِ،

فَقَالَ الرَّاهِبُ: يَا مَعْشَرَ الفُرْسَانِ أَصَبْتُمْ صَاحِبَكُم؟

قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: اصْعَدُوا، فَإِنَّ اللَّبْوَةَ وَالأَسَدَ يَأْوِيَانِ حَوْلَ الدَّيْرِ. فَفَعَلُوا، وَأَبَى سَعِيْدٌ أَنْ يَدْخُلَ.

فَقَالُوا: مَا نَرَاكَ إِلاَّ وَأَنْتَ تُرِيْدُ الهَرَبَ مِنَّا.

قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ لاَ أَدْخُلُ مَنْزِلَ مُشْرِكٍ أَبَداً.

قَالُوا: فَإِنَّا لاَ نَدَعُكَ، فَإِنَّ السِّبَاعَ تَقْتُلُكَ.

قَالَ: لاَ ضَيْرَ، إِنَّ مَعِيَ رَبِّي يَصْرِفُهَا عَنِّي، وَيَجْعَلُهَا حَرَساً تَحْرُسُنِي.

قَالُوا: فَأَنْتَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: مَا أَنَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، وَلَكِنْ عَبْدٌ مِنْ عَبِيْدِ اللهِ مُذْنِبٌ.

قَالَ الرَّاهِبُ: فَلْيُعْطِنِي مَا أَثِقُ بِهِ عَلَى طُمَأْنِيْنَةٍ. فَعَرَضُوا عَلَى سَعِيْدٍ أَنْ يُعْطِيَ الرَّاهِبَ مَا يُرِيْدُ.

قَالَ: إِنِّي أُعْطِي العَظِيْمَ الَّذِي لاَ شَرِيْكَ لَهُ، لاَ أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى أُصْبحَ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. فَرَضِيَ الرَّاهِبُ بذَلِكَ،

فَقَالَ لَهُم: اصْعَدُوا، وَ أَوْتِرُوا القِسِّيَّ، لِتُنَفِّرُوا السِّبَاعَ عَنْ هَذَا العَبْدِ الصَّالِحِ، فَإِنَّهُ كَرِهَ الدُّخُوْلَ فِي الصَّوْمَعَةِ لِمَكَانِكُمْ. فَلَمَّا صَعِدُوا، وَ أَوْتَرُوا القِسِّيَّ، إِذَا هُمْ بِلَبْوَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنْ سَعِيْدٍ، تَحَكَّكَتْ بِهِ، وَتَمَسَّحَتْ بِهِ، ثُمَّ رَبَضَتْ قَرِيْباً مِنْهُ، وَأَقْبَلَ الأَسَدُ يَصْنَعُ كَذَلِكَ. فَلَمَّا رَأَى الرَّاهِبُ ذَلِكَ، وَأَصْبَحُوا، نَزَلَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَرَائِعِ دِيْنِهِ، وَسُنَنِ رَسُوْلِهِ، فَفَسَّرَ لَهُ سَعِيْدٌ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَأَسْلَمَ، وَأَقْبَلَ القَوْمُ عَلَى سَعِيْدٍ يَعْتَذِرُوْنَ إِلَيْهِ، وَيُقَبِّلُوْنَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَيَأْخُذُوْنَ التُّرَابَ الَّذِي وَطِئَهُ.

فَيَقُوْلُوْنَ: يَا سَعِيْدُ، حَلَّفَنَا الحَجَّاجُ بالطَّلاَقِ وَ العَتَاقِ، إِنْ نَحْنُ رَأَيْنَاكَ لاَ نَدَعُكَ حَتَّى نُشْخِصَكَ إِلَيْهِ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ. قَالَ: امْضُوا لأَمْرِكُم، فَإِنِّي لاَئِذٌ بخَالِقِي، وَلاَ رَادَّ لِقَضَائِهِ. فَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا وَاسِطَ،

فَقَالَ سَعِيْدٌ: قَدْ تَحَرَّمْتُ بِكُم وَصَحِبْتُكُم، وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ، فَدَعُوْنِي اللَّيْلَةَ آخُذْ أُهْبَةَ المَوْتِ، وَأَسْتَعِدَّ لِمُنْكَرٍ وَنَكِيْرٍ، وَأَذْكُرْ عَذَابَ القَبْرِ، فَإِذَا أَصْبَحْتُم، فَالمِيْعَادُ بَيْنَنَا المَكَانُ الَّذِي تُرِيْدُوْنَ.

فَقَالَ بَعْضُهُم: لاَ تُرِيْدُوْنَ أَثَراً بَعْد عَيْنٍ.

وَقَالَ بَعْضُهُم: قَدْ بَلَغْتُم أَمْنَكُم، وَاسْتَوْجَبْتُم جَوَائِزَ الأَمِيْرِ، فَلاَ تَعْجَزُوا عَنْهُ.

وَقَالَ بَعْضُهُم: يُعْطِيْكُم مَا أَعْطَى الرَّاهِبَ، وَيْلَكُم! أَمَا لَكُم عِبْرَةٌ بِالأَسَدِ. وَنَظَرُوا إِلَى سَعِيْدٍ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَشَعِثَ رَأْسُهُ، وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ، وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ يَوْمِ لَقُوْهُ وَصَحِبُوْهُ،

فَقَالُوا: يَا خَيْرَ أَهْلِ الأَرْضِ، لَيْتَنَا لَمْ نَعْرِفْكَ، وَلَمْ نُسَرَّحْ إِلَيْكَ، الوَيْلُ لَنَا وَيْلاً طَوِيْلاً، كَيْفَ ابْتُلِيْنَا بِكَ! اعْذُرْنَا عِنْدَ خَالِقِنَا يَوْمَ الحَشْرِ الأَكْبَرِ، فَإِنَّهُ القَاضِي الأَكْبَرُ، وَالعَدْلُ الَّذِي لاَ يَجُوْرُ.

قَالَ: مَا أَعْذَرَنِي لَكُم وَأَرْضَانِي لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِ اللهِ فِيَّ. فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ البُكَاءِ وَ المُجَاوَبَةِ، قَالَ كَفِيْلُهُ: أَسْأَلُكَ بِاللهِ لَمَا زَوَّدْتَنَا مِنْ دُعَائِكَ وَكَلاَمِكَ، فَإِنَّا لَنْ نَلْقَى مِثْلَكَ أَبَداً. فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَخَلَّوْا سَبِيْلَهُ، فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءهُ، وَهُم مُحْتَفُوْنَ اللَّيْلَ كُلَّهُ، يُنَادُوْنَ بِالوَيْلِ وَاللَّهْفِ. فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُوْدُ الصُّبْحِ، جَاءهُم سَعِيْدٌ، فَقَرَعَ البَابَ، فَنَزَلُوا، وَبَكَوْا مَعَهُ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى الحَجَّاجِ، وَآخَرَ مَعَهُ، فَدَخَلاَ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: أَتَيْتُمُوْنِي بِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ؟

قَالُوا: نَعَمْ، وَعَايَنَّا مِنَّا العَجَبَ. فَصَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنْهُم،

فَقَالَ: أَدْخِلُوْهُ عَلَيَّ. فَخَرَجَ المُتَلَمِّسُ،

فَقَالَ لِسَعِيْدٍ: أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ. فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ،

فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟

قَالَ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ.

قَالَ: أَنْتَ شَقِيُّ بنُ كُسَيْرٍ.

قَالَ: بَلْ أُمِّي كَانَتْ أَعْلَمَ بِاسْمِي مِنْكَ.

قَالَ: شَقِيْتَ أَنْتَ، وَشَقِيَتْ أُمُّكَ.

قَالَ: الغَيْبُ يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ.

قَالَ: لأُبْدِلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَاراً تَلَظَّى.

قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِكَ لاتَّخَذْتُكَ إِلَهاً.

قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟

قَالَ: نَبيُّ الرَّحْمَةِ، إِمَامُ الهُدَى.

قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ؟

قَالَ: لَوْ دَخَلْتُهَا، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا، عَرَفْتُ.

قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي الخُلَفَاءِ؟

قَالَ: لَسْتُ عَلَيْهِم بِوَكِيْلٍ.

قَالَ: فَأَيُّهُم أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟

قَالَ: أَرْضَاهُم لِخَالِقِي.

قَالَ: فَأَيُّهُم أَرْضَى لِلْخَالِقِ؟

قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَهُ.

قَالَ: أَبَيْتَ أَنْ تَصْدُقَنِي.

قَالَ: إِنِّي لَمْ أُحِبَّ أَنْ أَكْذِبَكَ.

قَالَ: فَمَا بَالُكَ لَمْ تَضْحَكْ؟

قَالَ: لَمْ تَسْتَوِ القُلُوْبُ.

قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ الحَجَّاجُ بِاللُّؤْلُؤِ وَاليَاقُوْتِ وَالزَّبَرْجَدِ، فَجَمَعَهُ بينُ يَدَيْ سَعِيْدٍ،

فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ جَمَعْتَهُ لِتَفْتَدِيَ بِهِ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ فَصَالِحٌ، وَ إِلاَّ فَفَزْعَةٌ وَاحِدَةٌ تُذْهِلُ كُلَّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَلاَ خَيْرَ فِي شَيْءٍ جُمِعَ لِلدُّنْيَا إِلاَّ مَا طَابَ وَزَكَا. ثُمَّ دَعَا الحَجَّاجُ بِالعُوْدِ وَالنَّايِ، فَلَمَّا ضُرِبَ بِالعُوْدِ وَنُفِخَ فِي النَّايِ، بَكَى، فَقَالَ الحَجَّاجُ: مَا يُبْكِيْكَ؟ هُوَ اللَّهْوُ.

قَالَ: بَلْ هُوَ الحُزْنُ، أَمَّا النَّفْخُ فَذَكَّرَنِي يَوْمَ نَفْخِ الصُّوْرِ، وَأَمَّا العُوْدُ فَشَجَرَةٌ قُطِعَتْ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ، وَأَمَّا الأَوْتَارُ فَأَمْعَاءُ شَاةٍ يُبْعَثُ بِهَا مَعَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ.

فَقَالَ الحَجَّاجُ: وَيْلَكَ يَا سَعِيْدُ!

قَالَ: الوَيْلُ لِمَنْ زُحْزِحَ عَنِ الجَنَّةِ، وَأُدْخِلَ النَّارُ.

قَالَ: اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيْدُ أَنْ أَقْتُلَكَ؟

قَالَ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاجُ، فَوَاللهِ مَا تَقْتُلُنِي قِتْلَةً، إِلاَّ قَتَلْتُكَ قَتْلَةً فِي الآخِرَةِ.

قَالَ: فَتُرِيْدُ أَنْ أَعْفُوَ عَنْكَ؟

قَالَ: إِنْ كَانَ العَفْوُ، فَمِنَ اللهِ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلاَ بَرَاءةَ لَكَ وَلاَ عُذْرَ.

قَالَ: اذْهبُوا بِهِ، فَاقْتُلُوْهُ. فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ البَابِ، ضَحِكَ، فَأُخْبِرَ الحَجَّاجُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ بِرَدِّهِ،

فَقَالَ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللهِ، وَحِلْمِهِ عَنْكَ! فَأَمَرَ بِالنِّطْعِ، فَبُسِطَ،

فَقَالَ: اقْتُلُوْهُ. فَقَالَ: " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ".

قَالَ: شُدُّوا بِهِ لِغَيْرِ القِبْلَةِ.

قَالَ: " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ "

قَالَ: كُبُّوْهُ لِوَجْهِهِ.

قَالَ: " مِنْهَا خَلَقْنَاكُم، وَفِيْهَا نُعِيْدُكُم ". قَالَ: اذْبَحُوْهُ.

قَالَ: إِنِّي أَشْهَدُ وَأُحَاجُّ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، خُذْهَا مِنِّي حَتَّى تَلْقَانِي يَوْمَ القِيَامَةِ. ثُمَّ دَعَا اللهَ سَعِيْدٌ،

وَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ بَعْدِي. فَذُبِحَ عَلَى النِّطْعِ.



وَبَلَغَنَا: أَنَّ الحَجَّاجَ عَاشَ بَعْدَهُ خَمْسَ عَشَرةَ لَيْلَةً، وَقَعَتْ فِي بَطْنِهِ الأَكِلَةُ، فَدَعَا بِالطَّبِيْبِ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ دَعَا بِلَحْمٍ مُنْتِنٍ، فَعَلَّقَهُ فِي خَيْطٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي حَلْقِهِ، فَتَرَكَهُ سَاعَةً، ثُمَّ اسْتَخْرَجَهُ، وَقَدْ لَزِقَ بِهِ مِنَ الدَّمِ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَاجٍ. ا. هـ.



قال الإمامُ الذهبي بعد ذكر الروايةِ: هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، غَيْرُ صَحِيْحَةٍ. ا. هـ.


والقصةُ في سندها حَفْصُ بنُ سليم أَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ.


قال الذهبي في " الميزان " (1/557): وهاه قتيبة شديداً، وكذبهُ ابنُ مهدي لكونهِ روى عن عبيدِ الله عن نافع عن ابنِ عمر مرفوعاً: من زار قبرَ أمهِ كان كعمرةٍ. وسئل عنه إبراهيمُ بنُ طهمان

فقال: خذوا عنهُ عبادتهِ وحسبكم. وذكر بعضاً من رواياتهِ. ا. هـ.



وقال الحافظُ ابنُ حجر في " اللسان " (2/393): قلتُ: و وهاهُ الدارقطني أيضاً. وقال الخليلي: مشهورٌ بالصدقِ، غيرُ مخرجٌ في الصحيحِ، وكان يفتي، ولهُ في الفقهِ محلٌ، وتعنى بجمع حديثهُ.



ولهُ ذكرٌ في العللِ التي في آخرِ الترمذي، وأغفلهُ المزي.



قال الترمذي: حدثنا موسى بنُ حزام، سمعتُ صالحَ بنُ عبدِ اللهِ قال: كنا عند أبي مقاتل السمرقندي، فجعل يروي عن عونِ بنِ شداد الأحاديثَ الطوال التي كانت تروى في وصيةِ لقمان، وقتلِ سعيدِ بنِ جبير، وما أشبه ذلك، فقال له ابنُ أخيه: يا عمُ لا تقل حدثنا عون، فإنك لم تسمع هذه الأشياء، فقال: بلى؛ هو كلامٌ حسنٌ. ا. هـ.



وقال الإمامُ ابنُ كثيرِ في " البداية والنهاية " (9/117): وقال أبو نعيم في كتابه الحلية، ثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن أحمد ابن أبي خلف، ثنا شعبان، عن سالم بن أبي حفصة، قال: لما أتى بسعيد بن جبير إلى الحجاج قال له: أنت الشقي بن كسير؟ قال: لا! إنما أنا سعيد بن جبير، قال: لأقتلنك، قال: أنا إذا كما سمتني أمي سعيداً! قال: شقيت وشقيت أمك، قال: الأمر ليس إليك، ثم قال: اضربوا عنقه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، قال: وجهوه إلى قبلة النصارى، قال: " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " [البقرة: 115] قال: إني أستعيذ منك بما استعاذت به مريم، قال: وما عاذت به؟ قال: قالت: " إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً " [مريم: 17] قال سفيان: لم يقتل بعده إلا واحداً.



وفي رواية أنه قال له: لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى، قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً.



وفي رواية: أنه لما أراد قتله قال: وجهوه إلى قبلة النصارى، فقال: " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " فقال: اجلدوا به الأرض، فقال: " مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى " [طه: 55] فقال: اذبح فما أنزعه لآيات الله منذ اليوم. فقال: اللهم لا تسلطه على أحد بعدي.



وقد ذكر أبو نعيم هنا كلاماً كثيراً في مقتل سعيد ابن جبير أحسنه هذا، والله أعلم.



وقد ذكرنا صفة مقتله إياه، وقد رويت آثار غريبة في صفة مقتله، أكثرها لا يصح. ا. هـ.



و النكارةُ في القصةِ واضحةٌ جداً، ومن أوجهِ النكارةِ فيها:



1- قولِ عَوْنِ بنِ أَبِي شَدَّادٍ: بَلَغَنِي. فمن الذي أبلغهُ؟ فالواسطةُ مجهولةٌ.



2- قصةٌ اللَّبْوَةِ وَالأَسَدِ، فأين الأخذُ بالأسبابِ؟



وقد جاء في ترجمةِ سعيدِ بنِ جبير أنهُ تنقل بين البلادِ فراراً من بطشِ الحجاجِ حتى قال: وَاللهِ لَقَدْ فَرَرْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللهِ.



قال الإمامُ الذهبي في " السير " (4/338) معلقاً على كلامِ سعيدِ بنِ جبير: " قُلْتُ: طَالَ اخْتِفَاؤُهُ، فَإِنَّ قِيَامَ القُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ، وَمَا ظَفِرُوا بِسَعِيْدٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ؛ السَّنَةِ الَّتِي قَلَعَ اللهُ فِيْهَا الحَجَّاجَ. ا. هـ.



فهل يُعقلُ أن يفرَ سعيدُ بنُ جبير ثلاثَ سنواتٍ من الحجاجِ ويأخذُ بالأسبابِ ثم يأتي على أمرٍ ذكر في القصةِ ولا يفعلهُ؟ هذا أمرٌ مستبعدٌ جداً.



3- سؤالُ الحجاجِ لسعيدِ بن جبير عن الخليفةِ الرابعِ على بنِ أبي طالب - رضي الله عنه - عندما قال له: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: لَوْ دَخَلْتُهَا، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا، عَرَفْتُ.



يلتمسُ منهُ إثباتُ تهمةِ الحجاجِ بأنهُ ناصبي، وهذا أمرٌ قد يكونُ من فعلِ الرافضةِ، وقد رد الإمامُ ابنُ كثيرٍ هذه الفريةِ عن الحجاجِ في " البداية والنهاية " كما تقدم في عنوان: " الحجاجُ عذابُ اللهِ ". فليرجع إليهِ.



4- تقديمُ العودِ والناي بين يدي سعيدِ بنِ جبير.

وأكتفي بهذه الأوجه.



هل يُلعنُ الحجاج بن يوسف:

قد يقومُ بعضُ الناسِ بلعنِ الحجاجِ بنِ يوسف كلما ورد اسمهُ عليه، فهل هذا الفعلُ من الشرعِ في شيءٍ؟



قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: فَلِهَذَا كَانَ أَهْل الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ فِي الظَّاهِرِ - كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ - أَنَّهُمْ لَا يَلْعَنُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ؛ بَلْ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ - تعالى -: " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " فَيَلْعَنُونَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَامًّا. كَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا " وَلَا يَلْعَنُونَ الْمُعَيَّنَ.



كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: " أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ. وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْلِدُهُ. فَأُتِيَ بِهِ مَرَّةً. فَلَعَنَهُ رَجُلٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَا تَلْعَنْهُ. فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ".



وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ مِنْ بَابِ الْوَعِيدِ وَالْوَعِيدُ الْعَامُّ لَا يُقْطَعُ بِهِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ: مِنْ تَوْبَةٍ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ا. هـ.



فتاوى أهلِ العلمِ في الحجاجِ بنِ يوسف:



الســؤال:

بعض الناس عندما يتعرض لسيرة الحجاج يسبه ويلعنه، فهل ذلك يصح، علما بأنه كانت له بعض فتوحات إسلامية لأراضٍ غير إسلامية، وهل هو يعتبر من الفئة الباغية؟



الفتــوى:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:



فأما لعن الحجاج بن يوسف فينبغي تركه بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه إما تحريماً أو تنزيها، وإذا قال قائل ألم يك ظالماً؟ ألم يقتل الصحابة فلماذا لا نلعنه؟ نجيبه بما قال شيخ الإسلام ابن تيمية قال: نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله في القرآن "ألا لعنة الله على الظالمين" ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه وقد لعنه-أي يزيد بن معاوية - قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن... انتهى.



وأما ذكر مثالبه وظلمه وفجوره، فلا مانع من ذكر ذلك وإن كانت له حسنات وفتوحات، وقد ترجم له الذهبي فقال: الحجاج أهلكه الله في رمضان سنة 95 كهلاً، كان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سفاكاً للدماء.... فنسبُّه ولا نحبه بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله.... انتهى.



والحجاج لم يك من الفئة الباغية، بل كان حاكماً على العراق والمشرق كله من قبل أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان.

والله أعلم.

المفتـــي: مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه



السؤال:

أرجو أن تجيب على هذا السؤال فهو مهم بالنسبة لي، فقد كنت أقرأ في صفحة معادية للإسلام على الإنترنت حيث قال أحد النصارى بأن الشيخ السجستاني قال في كتابه " المصاحف " بأن الحجاج قد غيَّر في حروف المصحف وغيَّر على الأقل عشر كلمات، يدَّعي بأن السجستاني قد ألَّف كتاب اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان " وقد ادَّعى هذا النصراني بأنَّه جمع الكلمات العشر التي تم تغييرها باللغة العربية. حاولتُ الحصول على نسخةٍ من هذا الكتاب دون جدوى فأرجو التوضيح، فأنا لا أتخيَّل أنَّ جميع العلماء والحفَّاظ يسمحون لشخصٍ بأن يغيِّر القرآن ولا يقولوا شيئاً، حتى ولو أن السجستاني روى هذا. هذا الأمر لا يُعقل أبداً لأننا لسنا كاليهود والنصارى لا نحفظ كتابنا ونتركه لرجال الدين، فالمسلمون يحفظ كثير منهم القرآن وكلهم يتلوه فلا يعقل أن لا يلاحظ أحد الفروق والاختلافات.



الجواب:

أولاً:

لا يمكن أن يتطرق الشك بالنسبة للمسلم في ثبوت القرآن، فقد تكفَّل الله - تعالى -بحفظ القرآن فقال - تعالى -: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " [الحجر: 9]، وقد كان القرآن محفوظاً في صدور الحفاظ من الصحابة وعلى جذوع الأشجار واللخاف (الخزف) إلى زمان الخليفة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وفي حروب الردة قتل كثير من حفاظ الصحابة فخشي أبو بكر- رضي الله عنه -أن يذهب القرآن ويضيع في صدور الصحابة، فاستشار كبار الصحابة لجمع القرآن كاملا في كتابٍ واحدٍ حتى يبقى محفوظاً من الضياع، وأوكل المهمة إلى جبل الحفظ زيد بن ثابت وغيره من كتاب الوحي فأخرج البخاري في " صحيحه " (4986) عن زيد بن ثابت رضي الله - تعالى -عنه قال: " أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي الله - تعالى -عنه إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قال عمر: هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتتبع القرآن فاجمعه فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله - تعالى -عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله - تعالى -عنهما ".



ثانياً:

وأما الحجاج فلم يباشر بنفسه كتابة المصحف، بل أمره بعض الحاذقين بذلك، وإليك القصة كاملة:

قال الزرقاني: والمعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً … وسواء أكان هذا أم ذاك فإن إعجام أي: تنقيط - المصاحف لم يحدث على المشهور إلا في عهد عبد الملك بن مروان، إذ رأى أن رقعة الإسلام قد اتسعت واختلط العرب بالعجم وكادت العجمة تمس سلامة اللغة وبدأ اللبس والإشكال في قراءة المصاحف يلح بالناس حتى ليشق على السواد منهم أن يهتدوا إلى التمييز بين حروف المصحف وكلماته وهي غير معجمة، هنالك رأى بثاقب نظره أن يتقدم للإنقاذ فأمر الحجاج أن يُعنى بهذا الأمر الجلل، وندب " الحجاج " طاعة لأمير المؤمنين رجلين يعالجان هذا المشكل هما: نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني، وكلاهما كفء قدير على ما ندب له، إذ جمعا بين العلم والعمل والصلاح والورع والخبرة بأصول اللغة ووجوه قراءة القرآن، وقد اشتركا أيضاً في التلمذة والأخذ عن أبي الأسود الدؤلي، ويرحم الله هذين الشيخين فقد نجحا في هذه المحاولة وأعجما المصحف الشريف لأول مرة ونقطا جميع حروفه المتشابهة، والتزما ألا تزيد النقط في أي حرف على ثلاث، وشاع ذلك في الناس بعدُ فكان له أثره العظيم في إزالة الإشكال واللبس عن المصحف الشريف.



وقيل: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وإن ابن سيرين كان له مصحف منقوط نقطه يحيى بن يعمر، ويمكن التوفيق بين هذه الأقوال بأن أبا الأسود أول من نقط المصحف ولكن بصفة فردية، ثم تبعه ابن سيرين، وأن عبد الملك أول من نقط المصحف، ولكن بصفة رسميَّة عامَّة ذاعت وشاعت بين الناس دفعاً للبس، والإشكال عنهم في قراءة القرآن. " مناهل العرفان " (1 / 280، 281).



ثالثاً:

وأما ما جاء في السؤال نقلاً عن كتاب " المصاحف " لابن أبي داود: فإليك الرواية فيه والحكم عليها:

عن عبَّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً، قال: كانت في البقرة: 259 {لم يتسن وانظر} بغير هاء، فغيرها " لَم يَتَسَنه ".



وكانت في المائدة: 48 {شريعة ومنهاجاً}، فغيّرها " شِرعَةً وَمِنهاجَاً ".

وكانت في يونس: 22 {هو الذي ينشركم}، فغيَّرها " يُسَيّرُكُم ".

وكانت في يوسف: 45 {أنا آتيكم بتأويله}، فغيَّرها " أنا أُنَبِئُكُم بِتَأوِيلِهِ ".

وكانت في الزخرف: 32 {نحن قسمنا بينهم معايشهم}، فغيّرها " مَعِيشَتَهُم ".

وكانت في التكوير: 24 {وما هو على الغيب بظنين}، فغيّرها {بِضَنينٍ}… الخ..

كتاب " المصاحف " للسجستاني (ص 49).



وهذه الرواية ضعيفة جدّاً أو موضوعة؛ إذ فيها " عبَّاد بن صهيب " وهو متروك الحديث.



قال علي بن المديني: ذهب حديثه، وقال البخاري والنسائي وغيرهما: متروك، وقال ابن حبان: كان قدريّاً داعيةً، ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة شهد لها بالوضع، وقال الذهبي: أحد المتروكين. انظر " ميزان الاعتدال " للذهبي (4 / 28).



ومتن الرواية منكر باطل، إذ لا يعقل أن يغيِّر شيئاً من القرآن فيمشي هذا التغيير على نسخ العالم كله، بل إن بعض من يرى أن القرآن ناقص غير كامل من غير المسلمين كالرافضة - الشيعة أنكرها ونقد متنها:



قال الخوئي وهو من الرافضة -: هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين والأطفال، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني أُمية، وهو أقصر باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيءٍ، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً من الفروع الإسلامية، فكيف يغير ما هو أساس الدين وقوام الشريعة؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الإسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه، ولا ناقد في نقده مع ما فيه من الأهمية، وكثرة الدواعي إلى نقله؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته؟ وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة، فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله. " البيان في تفسير القرآن " (ص 219).



وما نقله السائل عن الإمام السجستاني من أنه ألَّف كتاباً اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان ": غير صحيح بل كذب ظاهر، وكل ما هنالك أن الإمام السجستاني ترجم للرواية سالفة الذكر عن الحجاج بقوله: (باب ما كتب الحجَّاج بن يوسف في المصحف).



وعلى هذا فإنه لا يمكن أن يعتمد على هذا الرواية بحال من الأحوال، ويكفي في تكذيبها أنه لم يثبت حتى الآن أن أحداً نجح في محاولة لتغيير حرف واحد، فلو كان ما روي صحيحاً لأمكن تكراره خاصة في عصور ضعف المسلمين وشدة الكيد من أعدائهم، بل مثل هذه الشبهات التي تثار هي أحد الأدلة على بطلان هذه الدعاوى، وأن الأعداء قد عجزوا عن مقارعة حجج القرآن وبيانه فلجأوا للطعن فيه.

والله أعلم

الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)



إن من القضايا المهمةِ حال النقاشِ العلمي البعدُ عن العواطفِ، ولا شك أن ما قام به الحجاجُ من سفكٍ للدماءِ، وهدمٍ للكعبة بالمنجينق، لا يخرجهُ عن دائرةِ الإسلامِ، ولو حصل ذلك لكفرهُ الصحابةُ - رضي الله عنهم -، وقد نقل بعضُ الإخوة ممن عقبوا على المقالِ هنا بعضَ النقولِ تثبتُ تكفير بعضِ السلفِ للحجاجِ بنِ يوسف الثقفي.



فنقولُ لهم: هل تقبلون النقاش العلمي البعيد عن العاطفةِ والتشنج؟



إن قلتم: نعم، فإليكم الرد.



إن مما قرره أهلُ السنةِ والجماعةِ في بابِ التكفيرِ عدمَ تكفيرِ صاحبِ الكبيرةِ بحالٍ، وهذا الأمرُ أصلٌ من الأصولِ، ولستُ في مقامِ التفصيلِ لهذه المسألةِ لأنها أشهرُ من أن تقررَ.



نأتي على الظالمِ الجبارِ سفاكِ الدماءِ - عاملهُ اللهُ بما يستحق - وننظرُ في النصوصِ التي وردت في حقهِ من كلامِ السلفِ، فقد وردت نصوصٌ بلعنهِ، ونصوصٌ أخرى بتكفيرهِ وعدم تكفيرهِ، وننقلُ جميعَ النصوص الواردةِ للفريقين، ثم بعد ذلك يتبين الصوابُ في المسألةِ.



مسألةُ لعنِ الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ:



نقلتُ في المقال السابقِ كلامَ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ في مسألةِ اللعنِ وأنقلهُ مرة أخرى لأهميته.



قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: فَلِهَذَا كَانَ أَهْل الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ فِي الظَّاهِرِ - كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ - أَنَّهُمْ لَا يَلْعَنُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ؛ بَلْ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ - تعالى -: " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " فَيَلْعَنُونَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَامًّا. كَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا " وَلَا يَلْعَنُونَ الْمُعَيَّنَ.



كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: " أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ. وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْلِدُهُ. فَأُتِيَ بِهِ مَرَّةً. فَلَعَنَهُ رَجُلٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَا تَلْعَنْهُ. فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ".



وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ مِنْ بَابِ الْوَعِيدِ وَالْوَعِيدُ الْعَامُّ لَا يُقْطَعُ بِهِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ: مِنْ تَوْبَةٍ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ا. هـ.



وممن امتنع عن لعنهِ الإمام أحمدُ - رحمه الله -.



- روى الخلالُ في " السنة " (851) بإسنادهِ فقال: وأخبرني محمدُ بنُ علي قال: ثنا صالح أنه قال لأبيه: الرجلُ يُذكرُ عنده الحجاجُ أو غيرهُ فيلعنهُ؟ قال: لا يعجبني لو عبر فقال: ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين، وروى عن ابنِ سيرين أنهُ قال: المسكينُ أبو محمد.



قال المحققُ لـ " السنة ": إسناده صحيحٌ. وقال عن المقصودِ بأبي محمد: لعله يقصدُ الحجاجَ فكنيته أبو محمد.



- وروى أيضاً (853) فقال: وأخبرني زكريا بنُ يحيى أن أبا طالب حدثهم قال: قال أبو عبد اللهِ: كان الحجاجُ بن يوسف رجلُ سوءٍ.



قال المحققُ: إسنادهُ صحيحٌ.



وكذلك الواجبُ على المسلمِ أن يجتنبَ اللعن، وأن لا يعود لسانه عليه.



ولاشك أن في الأمةِ من أمثالِ الحجاجِ كثر، بل أشد منه.



- روى الخلالُ في " السنة " (858) فقال: أخبرنا الدوري قال: ثنا شاذان قال: ثنا سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: يأتي على الناسِ زمانٌ يصلون فيه على الحجاجِ.



قال المحققُ: إسناده صحيحٌ، وهذا صحيحٌ على معنى: " لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده أشر منه " كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكم من حجاجٍ تولى على المسلمين من بعد الحجاجِ فكان شره مستطيراً وعمل أكثرَ مما عمل الحجاجُ. ا. هـ.



مسألةُ تكفيرِ الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ:

أما المسألةُ الثانيةُ في هذا المبحثِ مسألةُ تكفير الحجاجِ بنِ يوسف، وهي مسألةُ وردت فيها نصوصٌ عن السلفِ حكموا بكفرهِ، وفي المقابلِ جاءت أفعالُ الصحابةِ على النقيضِ من ذلك، فقد صلوا وراءهُ، وحجوا معهُ، وسأذكرُ النصوصَ الواردةَ لكلا الفريقين.



القولُ الأول: القائلون بعدمِ كفرهِ:

أدرك بعضُ الصحابةِ زمن إمارةَ الحجاجِ ومنهم ابنُ عمر، وأنسُ بنُ مالك، وعبدُ الله بن الزبير وكانوا يعرفون ما عند الرجلِ من ظلمٍ وجورٍ وسفكٍ للدماءِ ومع هذا لم يقولوا بكفرِ الحجاجِ، وهذه بعض النصوصِ في هذا المقام:



إمارةُ الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ للحُجَّاجِ وفيهم ابنُ عمر:

عَنْ ‏‏سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏‏قَالَ ‏: ‏كُنْتُ مَعَ ‏‏ابْنِ عُمَرَ ‏حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ؛ فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ؛ فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ ‏‏بمِنًى، ‏ ‏فَبَلَغَ ‏‏الْحَجَّاجَ، ‏ ‏فَجَعَلَ يَعُودُهُ فَقَالَ ‏‏الْحَجَّاجُ: ‏ ‏لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ؟ فَقَالَ ‏‏ابْنُ عُمَرَ ‏: ‏أَنْتَ أَصَبْتَنِي، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلَاحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلَاحَ ‏‏الْحَرَمَ ‏‏وَلَمْ يَكُنْ السِّلَاحُ يُدْخَلُ ‏الْحَرَمَ. رواهُ البخاري (966).



عَنْ ‏إِسْحَاق بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، ‏ ‏عَنْ ‏‏أَبيهِ ‏‏قَالَ ‏: ‏دَخَلَ ‏‏الْحَجَّاجُ ‏عَلَى ‏‏ابْنِ عُمَرَ، ‏ ‏وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: كَيْفَ هُوَ؟ فَقَالَ: صَالِحٌ فَقَالَ: مَنْ أَصَابَكَ قَالَ ‏: ‏أَصَابَنِي مَنْ أَمَرَ بِحَمْلِ السِّلَاحِ فِي يَوْمٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُهُ ‏. ‏يَعْنِي ‏‏الْحَجَّاجَ ‏. رواه البخاري (967).



يتبينُ من هذين الحديثين أن ما فعلهُ الحجاجُ مع ابنِ عمر كان في الحجِ في منى، وسببُ هذا الفعلِ من الحجاجِ ما جاء في الحديثِ الآخر.



‏عَنْ ‏سَالِمٍ ‏قَالَ ‏: ‏كَتَبَ ‏‏عَبْدُ الْمَلِكِ ‏‏إِلَى ‏‏الْحَجَّاجِ ‏‏أَنْ لَا يُخَالِفَ ‏‏ابْنَ عُمَرَ ‏‏فِي الْحَجِّ فَجَاءَ ‏‏ابْنُ عُمَرَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ ‏‏عَرَفَةَ ‏حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَاحَ عِنْدَ ‏‏سُرَادِقِ ‏الْحَجَّاجِ، ‏ ‏فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ ‏ ‏مُعَصْفَرَةٌ ‏‏فَقَالَ: مَا لَكَ يَا ‏ ‏أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ ‏ ‏فَقَالَ ‏: ‏الرَّوَاحَ ‏‏إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجُ، فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ ‏‏الْحَجَّاجُ ‏ ‏فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ: ‏ ‏إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ، وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ؛ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى ‏‏عَبْدِ اللَّهِ ‏، ‏فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ‏‏عَبْدُ اللَّهِ ‏‏قَالَ: صَدَقَ. رواهُ البخاري.



قال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (2/528): ‏فِيهِ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ يَتَسَبَّبُ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ يَعْنِ الْآمِرَ ذَلِكَ، لَكِنْ حَكَى الزُّبَيْرُ فِي الْأَنْسَابِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ لَمَّا كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ لَا يُخَالِفَ اِبْنَ عُمَرَ شَقَّ عَلَيْهِ فَأَمَرَ رَجُلًا مَعَهُ حَرْبَةٌ يُقَالُ إِنَّهَا كَانَتْ مَسْمُومَةً فَلَصِقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِهِ فَأَمَرَّ الْحَرْبَةَ عَلَى قَدَمِهِ فَمَرِضَ مِنْهَا أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ. ا. هـ.



وفي فعلِ ابنِ عمر مع الحجاجِ فيما سبق أيضاً من الفوائد صلاةُ ابنِ عمر خلف الحجاجِ، وقد جاء مصرحاً به.



عن عمير بن هانىء قال: " شهدتُ ابنَ عمر والحجاجُ محاصرٌ ابنَ الزبير، فكان منزلُ ابنِ عمر بينهما فكان ربما حضر الصلاةَ مع هؤلاءِ، وربما حضر الصلاة مع هؤلاءِ.



قال العلامة الألباني في " الإرواء " (2/303): وهذا سند صحيح على شرطِ الستةِ.

أنسُ بنُ مالك يصبرُ الناس على أذى الحَجَّاجِ:

عَنْ ‏‏الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ ‏‏قَالَ: أَتَيْنَا ‏‏أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ‏فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ ‏‏الْحَجَّاجِ ‏فَقَالَ ‏‏: اصْبِرُوا؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم -. رواهُ البخاري (7068)



وكان أنسُ بنُ مالك - رضي الله عنه - يجيبُ على أسئلةِ الحجاجِ ولا يكتمُ شيئاً من العلم، على ما في الرجل من شدةٍ، وظلمٍ، وتعلقهِ بأدنى شبهةٍ في العقوبةِ، ويدل لذلك ما جاء في الحديثِ:



‏عَنْ ‏‏أَنَسٍ ‏أَنَّ نَاسًا كَانَ بهِمْ سَقَمٌ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا: إِنَّ ‏ ‏الْمَدِينَةَ ‏وَخِمَةٌ، ‏ ‏فَأَنْزَلَهُمْ ‏‏الْحَرَّةَ ‏‏فِي ‏‏ذَوْدٍ‏ ‏لَهُ فَقَالَ: ‏ ‏اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا ‏‏رَاعِيَ‏ ‏النَّبيِّ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم -، ‏ ‏وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ‏ ‏وَسَمَرَ ‏ ‏أَعْيُنَهُمْ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ ‏يَكْدِمُ ‏الْأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ. قَالَ ‏‏سَلَّامٌ: ‏ ‏فَبَلَغَنِي أَنَّ ‏‏الْحَجَّاجَ ‏‏قَالَ ‏‏لِأَنَسٍ: ‏ ‏حَدِّثْنِي بأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏فَحَدَّثَهُ بِهَذَا، ‏ ‏فَبَلَغَ ‏‏الْحَسَنَ: ‏ ‏فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا. رواه البخاري (5685).



قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (10/149): وَسَاقَ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ ثَابِت " حَدَّثَنِي أَنَس قَالَ: مَا نَدِمْت عَلَى شَيْء مَا نَدِمْت عَلَى حَدِيث حَدَّثْت بِهِ الْحَجَّاج " فَذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا نَدِمَ أَنَس عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَجَّاج كَانَ مُسْرِفًا فِي الْعُقُوبَة، وَكَانَ يَتَعَلَّق بِأَدْنَى شُبْهَة. ا. هـ.



تأخيرُ الحجاجِ للصلاةِ عن وقتها:

عُرف عن الحجاجِ تأخيرهُ للصلاةِ، وجاءت الأحاديثُ المصرحة بذلك.

‏عَنْ ‏‏مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ‏قَالَ: قَدِمَ ‏‏الْحَجَّاجُ ‏‏فَسَأَلْنَا ‏‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ‏‏فَقَالَ ‏: ‏كَانَ النَّبِيُّ ‏‏- صلى الله عليه وسلم - ‏يُصَلِّي الظُّهْرَ ‏‏بِالْهَاجِرَةِ، ‏ ‏وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا إِذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا ‏ ‏أَوْ كَانَ النَّبِيُّ ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏‏يُصَلِّيهَا‏ ‏بغَلَسٍ. رواه البخاري (560)، ومسلم (646).



وجاء في روايةِ مسلم: " ‏كَانَ ‏‏ الْحَجَّاجُ ‏‏ يُؤَخِّرُ الصَّلَوَاتِ ".



قال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (2/50): وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحه مِنْ طُرُق أَبي النَّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ: سَأَلْنَا جَابِر بْن عَبْد اللَّه فِي زَمَن الْحَجَّاجِ وَكَانَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاة عَنْ وَقْت الصَّلَاة. ا. هـ.



الحجاجُ مع سلمةَ بنِ الأكوع:

عَنْ ‏‏سلمية بْنِ الْأَكْوَعِ‏ ‏أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ‏‏الْحَجَّاجِ ‏‏فَقَالَ: يَا ‏‏ابْنَ الْأَكْوَعِ؛‏ ‏ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ‏ ‏تَعَرَّبْتَ قَالَ: لَا؛‏ ‏وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏- صلى الله عليه وسلم - ‏‏أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ. ‏وَعَنْ ‏يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ‏‏قَالَ: ‏ ‏لَمَّا قُتِلَ ‏‏عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ‏‏خَرَجَ ‏‏سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ إِلَى ‏الرَّبَذَةِ ‏، ‏وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، فَلَمْ يَزَلْ بهَا حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ فَنَزَلَ ‏‏الْمَدِينَةَ. رواهُ البخاري (7087)، ومسلم (1862).



قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح ": قَالَ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: كَانَ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ هِجْرَته إِلَى مَوْضِعه مِنْ غَيْر عُذْر يَعُدُّونَهُ كَالْمُرْتَدِّ، وَقَالَ غَيْره: كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَفَاء الْحَجَّاج حَيْثُ خَاطَبَ هَذَا الصَّحَابِيّ الْجَلِيل بِهَذَا الْخِطَاب الْقَبِيح مِنْ قَبْل أَنْ يَسْتَكْشِفَ عَنْ عُذْره، وَيُقَال إِنَّهُ أَرَادَ قَتْله فَبَيَّنَ الْجِهَة الَّتِي يُرِيد أَنْ يَجْعَلهُ مُسْتَحِقًّا لِلْقَتْلِ بِهَا. ا. هـ.



إنكارُ الحجاجِ لليلة القدرِ:

عَبْد اللَّه بْن شَرِيك قَالَ: ذَكَرَ الْحَجَّاج لَيْلَة الْقَدْر فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَهَا، فَأَرَادَ زَرّ بْن حبي ش أَنْ يُحَصِّبَهُ فَمَنَعَهُ قَوْمه. رواه عبد الرزاق في " المصنف " (4/253).



وقال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (4/309): وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي لَيْلَة الْقَدْر اِخْتِلَافًا كَثِيرًا. وَتَحَصَّلَ لَنَا مِنْ مَذَاهِبهمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا كَمَا وَقَعَ لَنَا نَظِير ذَلِكَ فِي سَاعَة الْجُمْعَة، وَقَدْ اِشْتَرَكَتَا فِي إِخْفَاء كُلّ مِنْهُمَا لِيَقَع الْجِدُّ فِي طَلَبهمَا: الْقَوْل الْأَوَّل: أَنَّهَا رُفِعَتْ أَصْلًا وَرَأْسًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّة عَنْ الرَّوَافِض وَالْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْح الْعُمْدَة عَنْ الْحَنَفِيَّة وَكَأَنَّهُ خَطَأ مِنْهُ. وَاَلَّذِي حَكَاهُ السُّرُوجِيّ أَنَّهُ قَوْل الشِّيعَة.

وَقَدْ رَوَى عَبْد الرَّزَّاق مِنْ طَرِيق دَاوُد بْن أَبِي عَاصِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَحْنَس " قُلْت لِأَبِي هُرَيْرَة: زَعَمُوا أَنَّ لَيْلَة الْقَدْر رُفِعَتْ، قَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ " وَمِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن شَرِيك قَالَ: ذَكَرَ الْحَجَّاج لَيْلَة الْقَدْر فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَهَا، فَأَرَادَ زَرّ بْن حُبَيْشٍ أَنْ يُحَصِّبَهُ فَمَنَعَهُ قَوْمه. ا. هـ.



وبعد ذكرِ هذه النصوص عن الصحابةِ، وما وجدوهُ من الحجاجِ، فلم نجد من أحدهم أنهُ كفرهُ، أو ألمح حتى إلى تكفيره، فلو ظهر لهم أدنى أمرٍ مكفرٍ من الحجاجِ لما ترددوا في تكفيره، لأن الصحابةَ لا يعهدُ عنهم كتمان الحقِ وبيانهِ.



وهذا سفيان الثوري حينما سُئل عن الحجاج ماذا قال؟

روى اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " (6/1150) بسنده فقال:



أنا عيسى بن علي، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، قال: نا أبو سعيد الأشج قال: أبو أسامة: قال رجلٌ لسفيان: أتشهدُ على الحجاجِ وأبي مسلم أنهما في النار؟ قال " لا؛ إذا أقرا بالتوحيد ".



بعد الانتهاءِ من ذكرِ القولِ الأولِ نأتي على القولِ الثاني، وقبل ذلك أشكرُ كلَ من شارك في التعليقِ المفيدِ المبني على علمٍ وليس على الكلامِ العاطفي الذي يتقنهُ كلُ واحدٍ، وقد آثرتُ التأخرَ في نقلِ القول الثاني في المسألةِ للإطلاعِ على أكبرِ عددٍ من المصادرِ المتعلقةِ بالحجاجِ.



القولُ الثاني:

قبل أن نشرعَ في ذكرِ القولِ الثاني نقفُ مع أمرٍ مهمٍ له علاقةٌ مهمةٌ بهِ، وهي فتنةٌ حصلت في تلك الفترةِ من تاريخِ بني أميةَ ألا وهي فتنةُ ابنِ الأشعثِ، وبدون التطرقِ لهذه الفتنةِ قد لا يستوعبُ القولُ الثاني.



جرت بين ابنِ الأشعثِ والحجاجِ موقعةٌ في مكانٍ يقالُ لهُ: " ديرُ الجماجمِ " انتهت بانتصارِ الحجاجِ على ابنِ الأشعثِ، ولستُ بصددِ التفصيلِ فيما جرى بين ابن الأشعثِ والحجاجِ من حروبٍ وقتالٍ، ولكن تباينت آراءُ العلماءِ، واختلفت مواقفهم اختلافاً كبيراً في مسألةِ الخروجِ على بني أميةَ، والدوافعِ التي أدت إلى هذا الخروجِ على بني أميةَ.



لقد كانت من أهمِ الدوافعِ التي دفعت ابنَ الأشعثِ ومن معه من العلماءِ في الخروجِ على بني أميةَ أمران هما:



أولاً: الجرأةُ العجيبةُ التي كان يملكها الحجاجُ لبعضِ حدودِ الدينِ وانتهاكهِ لحرماتهِ، وقد كان ممن كتب في هذا الأمر طرفانِ ووسط، طرفٌ أخفى هذا الجانب، وهذا ليس من الإنصافِ في شيءٍ، وطرفٌ بالغ في ذكرِ انتهاكات الحجاجِ لحرماتِ الدين، وأكثرها لا يصحُ، هذا إلى جانبِ دخولِ الدسِ من أعداءِ الحجاجِ وبني أميةَ في صياغةِ كثير من هذه المبالغات، وخاصة كتب الأدب كـ " العقدِ الفريد " لا بن عبد ربهِِ الذي امتلأ بكثيرٍ من الدسِ على التاريخِ، وكذلك كتابُ " الأغاني " للأصفهاني والذي تتسم رواياتهُ بسمةٍ شيعيةٍ واضحةٍ، ولهذا يقولُ ابنُ العربي في " العواصم من القواصمِ " (ص 260) عن النقلِ من هذه الكتب:: وأغلبُ من كتب في المسائلِ التاريخيةِ منهم كانوا من أهلِ الأهواءِ والبدعِ. وفي هذه الكتب كثيرٌ من أحاديثِ استحقارِ الصحابةِ والسلفِ والاستخفافِ بهم، واختراعِ الاسترسالِ في الأقوالِ والأفعالِ عنهم، وخروج مقاصدهم عن الدينِ إلى الدنيا، وعن الحقِ إلى الهوى. ا. هـ.



وقد تحرز الإمامُ ابنُ كثيرٍ فيما نقل عن سيرة الحجاجِ كما ذكرتُ في المقالِ الأولِ، وأعيدهُ هنا لأهميتهِ: وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر كما قدمنا، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها، وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جداً لوجوه، وربما حرفوا عليه بعض الكلم، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات. ا. هـ.



وأهلُ الوسطِ حقق ومحص في النقلِ، واعتمد على ما ثبت بصحيحِ السندِ من خلالِ كتب السنةِ المشهورةِ، والكتبِ التي اشتهر أصحابها التحري والدقة.



وفي مقدمةِ تجاوزاتِ الحجاجِ الشرعيةِ إسرافهُ في القتلِ، وهو المُبِيرٌ الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقدمنا الحديث في ذلك من صحيحِ مسلم. وهذا الأمرُ بناءً على رؤيتهِ في وجوبِ الطاعةِ العمياءِ من الرعيةِ له، وأن مخالفةَ أمرهِ في أي شأنٍ كبر أو صغر تبرر له القتل.



‏عَنْ ‏عَاصِمٍ ‏‏قَالَ سَمِعْتُ ‏‏الْحَجَّاجَ، ‏ ‏وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ‏ ‏يَقُولُ: ‏ اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ لَيْسَ فِيهَا ‏‏ مَثْنَوِيَّةٌ ‏، ‏وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لَيْسَ فِيهَا ‏‏ مَثْنَوِيَّةٌ ‏ ‏لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ‏‏عَبْدِ الْمَلِكِ، ‏ ‏وَاللَّهِ لَوْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجُوا مِنْ بَابٍ آخَرَ لَحَلَّتْ لِي دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، وَاللَّهِ لَوْ ‏ ‏أَخَذْتُ ‏‏رَبِيعَةَ ‏‏بِمُضَرَ ‏‏لَكَانَ ذَلِكَ لِي مِنْ اللَّهِ حَلَالًا، وَيَا عَذِيرِي مِنْ عَبْدِ ‏‏هُذَيْلٍ ‏يَزْعُمُ أَنَّ قِرَاءَتَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا ‏رَجَزٌ ‏‏مِنْ ‏‏رَجَزِ ‏‏الْأَعْرَابِ ‏‏مَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ‏‏- عليه السلام -، ‏ ‏وَعَذِيرِي مِنْ هَذِهِ الْحَمْرَاءِ يَزْعُمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَرْمِي بِالْحَجَرِ فَيَقُولُ: إِلَى أَنْ يَقَعَ الْحَجَرُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَوَ اللَّهِ لَأَدَعَنَّهُمْ كَالْأَمْسِ ‏‏الدَّابِرِ ‏‏قَالَ: فَذَكَرْتُهُ ‏ ‏لِلْأَعْمَشِ ‏‏فَقَالَ: أَنَا وَاللَّهِ سَمِعْتُهُ مِنْهُ. رواهُ أبو داود (4643)، وصححه العلامةُ الألباني في " صحيح سنن أبي داود " (3879)، ووردت آثارٌ بنفس المعنى في سنن أبي داود (4644، 4645)، وصححها العلامةُ الألباني أيضاً (3880، 3881).



قال ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/131) عن استهانةِ الحجاجِ بالقتلِ: فإن الحجاجَ كان عثمانياً أموياً، يميلُ إليهم ميلاً عظيماً، ويرى أن خلافَهم كفرٌ، يستحلُ بذلك الدماءَ، ولا تأخذه في ذلك لومةُ لائمٍ. ا. هـ.



وبناءً على رؤيتهِ في وجوب الطاعةِ لبني أمية رُوي عنهُ أنهُ جعل مقامَ الخلافةِ فوق مقامِ النبوةِ فما صحةُ الخبرِ بخصوص هذا الأمر؟



‏عَنْ ‏‏الرَّبِيعِ بْنِ خَالِدٍ الضَّبِّيِّ ‏‏قَالَ: سَمِعْتُ ‏‏الْحَجَّاجَ‏ ‏يَخْطُبُ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ ‏ ‏: رَسُولُ أَحَدِكُمْ فِي حَاجَتِهِ أَكْرَمُ عَلَيْهِ أَمْ خَلِيفَتُهُ فِي أَهْلِهِ؟ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ‏ ‏لِلَّهِ عَلَيَّ أَلَّا أُصَلِّيَ خَلْفَكَ صَلَاةً أَبَدًا، وَإِنْ وَجَدْتُ قَوْمًا يُجَاهِدُونَكَ لَأُجَاهِدَنَّكَ مَعَهُمْ ‏. ‏زَادَ ‏‏إِسْحَقُ‏ ‏فِي حَدِيثِهِ قَالَ: فَقَاتَلَ فِي الْجَمَاجِمِ حَتَّى قُتِلَ. رواهُ أبو داود (4642)، وقال العلامة الألباني في " ضعيف سنن أبي داود " (1007): ضعيف مقطوع. ا. هـ.



ولذلك الحافظُ ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/137) احترز عندما نقل عنه هذا الكلام فقال: فإن صح هذا عنه فظاهرهُ كفرٌ إن أراد تفضيلَ منصبِ الخلافةِ على الرسالةِ، أو أراد أن الخليفةَ من بني أميةَ أفضلُ من الرسولِ. ا. هـ.

والأثر قد حكم عليه العلامةُ الألباني بالضعفِ كما مر.



ثانياً: الجرأةُ التي كان عليها الحجاجُ تطاولهُ على الصحابةِ، وسوءُ نظرتهِ للعلماءِ، وتعاملهِ معهم، ونقلنا جملةً من ذلك في المواضيعِ الماضيةِ، وكذلك ما قالهُ في حقِ قراءةِ ابنِ مسعودٍ عندما قال: " وَيَا عَذِيرِي مِنْ عَبْدِ ‏‏هُذَيْلٍ ‏يَزْعُمُ أَنَّ قِرَاءَتَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا ‏رَجَزٌ ‏‏مِنْ ‏‏رَجَزِ ‏‏الْأَعْرَابِ ‏‏مَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ‏‏- عليه السلام -... ".

علق الإمامُ ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/135): وهذا من جراءة الحجاج قبحه الله، وإقدامه على الكلام السيئ، والدماء الحرام. وإنما نقم على قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - لكونه خالف القراءة على المصحف الإمام الذي جمع الناس عليه عثمان، والظاهر أن ابن مسعود رجع إلى قول عثمان وموافقيه، والله أعلم. ا. هـ.



ورويت كلماتٌ شديدةٌ قالها الحجاجُ في حقِ الصحابي الجليلِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ - رضي الله عنها - أوردها الإمامُ ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/135) فمن ذلك:

1 - عن عاصم بن أبي النجود والأعمش، أنهما سمعا الحجاج - قبحه الله - يقول ذلك، وفيه: والله لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا الباب لحلت لي دماؤكم، ولا أجد أحداً يقرأ على قراءة ابن أم عبد إلا ضربت عنقه، ولأحكنها من المصحف ولو بضلع خنزير.

وفي سندِ هذه الروايةِ أبو هشام الرفاعي محمدُ بنُ يزيد. قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه. وقال النسائي: ضعيف. وقال الترمذي: رأيتُ محمداً أبا هشام الرفاعي. وقال ابنُ حجر: ليس بالقوي.



2 عن الأعمش يقول: والله لقد سمعت الحجاج بن يوسف يقول: يا عجبا من عبد هذيل، يزعم أنه يقرأ قرآنا من عند الله، واللهِ ما هو إلا رجز من رجز الأعراب، والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه. رواه الحاكمُ في " المستدرك " (3/556)، وأورده ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/135)، ولم يعزه ابنُ كثيرٍ إلى الحاكمِ وإنما قال: " وفي بعض الروايات: والله لو أدركت عبد هذيل لأضربن عنقه. ا. هـ.

وفي سندها أحمد بن عبد الجبار العُطَارِدي. قال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال مُطَّين: كان يكذب. وقال ابنُ عدي: رأيتُ أهلَ العراقِ مُجمعين على ضعفه. وقال الذهبي: ضعفه غيرُ واحدٍ.



3 - عن مسلم بن إبراهيم، ثنا الصلت بن دينار، سمعتُ الحجاجَ على منبرِ واسط يقولُ: عبدُ الله بنُ مسعود رأسُ المنافقين لو أدركته لأسقيتُ الأرضَ من دمهِ. رواه الخلالُ في " السنة " (855)، وأورده ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/135).

وفي سنده الصلتُ بنُ دينار الأزدي. قال الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل: متروكُ الحديث، ترك الناسُ حديثه. وقال الحافظُ ابنُ حجر: متروكٌ ناصبي.



4 - قال أي الصلت بن دينار - وسمعته على منبر واسط وتلا هذه الآية: " وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " قال: والله إن كان سليمان لحسوداً. أورده ابنُ كثيرٍ أيضا، وفي سندهِ من عرفت آنفاً.

قال ابنُ كثيرٍ معلقاً على هذه الآثار: وهذه جراءة عظيمة تفضي به إلى الكفر قبحه الله وأخزاه وأبعده وأقصاه. ا. هـ.

وقال الذهبي في " تاريخ الإسلام " (6/320): قاتل اللهُ الحجاج ما أجرأه على الله، كيف يقولُ هذا في العبدِ الصالحِ عبد الله بن مسعود. ا. هـ.

هذا على فرض ثبوت ما نقل عنه، وبعد التحققِ من أسانيدها لا يثبت منها شيء خلا كلامهِ على قراءةِ ابنِ مسعود - رضي الله عنه -.



وبعد إيرادِ ما سبق قد يردُ سؤالٌ: ألم تكن تجاوزاتُ الحجاجِ موجودةً قبل فتنةِ ابنِ الأشعث؟

الجوابُ: بلى، ولكن بلغت ذروتها وكانت من نتائجها فتنةُ ابنِ الأشعثِ، والكلامُ عن تلك التجاوزات قد يطولُ جداً، وفيما ذكر كفايةٌ. وفتنةٌ ابنِ الأشعثِ تدلُ على أن من العلماءِ من كان يرى إزالةَ الحجاجِ هو إزالة لظلمهِ وجورهِ، وأنه من منطلقِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، وخاصةً ممن قاتل الحجاج، وانضم إلى ابنِ الأشعثِ. ولذا اختلف العلماءُ في مسألةِ المشاركةِ في فتنةِ ابنِ الأشعثِ فمنهم من شارك فيها، وقاتل، وقتل، وبعضهم كانت مشاركتهُ بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ، وإنما بالتحريضِ فقط، وشارك فيها عددٌ كبيرٌ من العلماءِ ولم ينجو منها إلا عدد قليل قال الإمامُ الذهبي في " السير " (4/321): وَقَالَ العِجْلِيُّ:... لَمْ يَنْجُ بِالبَصْرَةِ مِنْ فِتْنَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ إِلاَّ هُوَ يعني مُطَرِّف بن عَبْدِ اللهِ - وَابْنُ سِيْرِيْنَ. وَلَمْ يَنْجُ مِنْهَا بِالكُوْفَةِ إِلاَّ خَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ. ا. هـ.، ولولا خشية الإطالةِ لذكرتُ قائمةً بأسماء من شارك فيها.



وفي المقابل وجد من العلماءِ من امتنع عن المشاركةِ في الفتنة واعتزلها بالكليةِ، بل بعضهم عارض المشاركةَ فيها، ولكن السؤال الذي يطرحُ نفسهُ.

بعد هذا العرضِ السريعِ لبعض مجرياتِ فتنة ابنِ الأشعث نأخذُ أقوالَ من رأى بكفرِ الحجاجِ، فقد وردت آثارٌ عن بعضِ أئمةِ السلفِ مصرحةً بتكفيرهِ، ولأخرى غيرُ مصرحةٍ، ولنقف عليها.

1 - عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبيْه ِ، قَالَ: عَجِبْتُ لإِخْوَتِنَا مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ، يُسَمُّوْنَ الحَجَّاجَ مُؤْمِناً. رواهُ ابنُ أبي شيبةَ في " الإيمان " (95)، وابنُ سعدٍ في " الطبقات " (5/540)، وعبدُ الله بن أحمد في " السنة " (671)، والخلالُ في " السنة " (1165، 1531) وفي سنده رجلٌ مجهول، وابنُ عساكر في " تاريخ دمشق " (12/188). وصحح العلامةُ الألباني في تحقيقه لكتاب " الإيمانِ " لابنِ أبي شيبة الطريق التي عند ابن أبي شيبةَ.

وعلق الإمامُ الذهبي في " السير " (5/44) بقوله: " قُلْتُ: يُشِيْرُ إِلَى المُرْجِئَةِ مِنْهُم، الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ: هُوَ مُؤْمِنٌ كَامِلُ الإِيْمَانِ مَعَ عَسْفِهِ، وَسَفْكِهِ الدِّمَاءَ، وَسَبِّهِ الصَّحَابَةَ. ا. هـ.

فالإمامُ الذهبي لم يفهم من هذه العبارةِ الكفرَ.



2 - عن إبراهيمَ: " أنه كان إذا ذكر الحجاجَ قال: " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " [هود: 18]. رواه ابن أبي شيبة في " الإيمان " (96)، والخلال في " السنة " (1165، 1531)، وعبد الله بن أحمد في " السنة " (671)، وابنُ سعدٍ في " الطبقات " (6/279)، وابن بطة في " الكبرى " (1211).

وصحح العلامةُ الألباني سنده في " الإيمان " لابن أبي شيبة.



3 - وعن إبراهيمَ قال: كفى بمن يشكُ في أمرِ الحجاج لحاهُ الله. رواه ابنُ أبي شيبةَ (98)، وهو في نفسِ المصادرِ السابقةِ.

ومعنى قولهِ: لَحَاهُ الله، أي: قبحه ولعنه.



4 - عن الشعبي قال: أشهدُ أنه مؤمنٌ بالطاغوتِ، كافرٌ باللهِ يعني الحجاج -. رواهُ ابنُ أبي شيبةَ في " الإيمان (97)، واللالكائي في " الاعتقاد " (1823)، وابن عساكر في " التاريخ " (12/ 187).

ولفظه عند اللالكائي: عن الأجلح قال: قلتُ للشعبي: إن الناس يزعمون أن الحجاجَ مؤمنٌ؟ قال: صدقوا بالجبتِ والطاغوتِ كافرٌ بالله.

وصححه أيضاً العلامة الألباني في " الإيمان " لابن أبي شيبة.



ولكن الشعبي قد تاب عن هذا القول كما ذكر ذلك الإمامُ الذهبي في " السير " (4/304 306) فقال: يُوْسُفُ بنُ بَهْلُوْلٍ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بنُ نُوْحٍ، حَدَّثَنِي مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الحَجَّاجُ، سَأَلنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ العِلْمِ، فَوَجَدَنِي بِهَا عَارِفاً، فَجَعَلَنِي عَرِيْفاً عَلَى قَوْمِي الشَّعْبِيِّيْنَ، وَمَنْكِباً عَلَى جَمِيْعِ هَمْدَانَ، وَفَرَضَ لِي، فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَهُ بِأَحْسَنِ مَنْزِلَةٍ حَتَّى كَانَ شَأْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَشْعَثِ، فَأَتَانِي قُرَّاءُ أَهْلِ الكُوْفَةِ،

فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنَّكَ زَعِيْمُ القُرَّاءِ. فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُم، فَقُمْتُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَذْكُرُ الحَجَّاجَ، وَأَعِيْبُهُ بِأَشْيَاءَ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ

قَالَ: أَلاَ تَعْجَبُوْنَ مِنْ هَذَا الخَبِيْثِ؟! أَمَا لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، لأَجْعَلَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْهِ أَضْيَقَ مِنْ مَسْكِ جَمَلٍ.

قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا أَنْ هُزِمْنَا، فَجِئْتُ إِلَى بَيْتِي، وَأَغْلَقْتُ عَلَيَّ، فَمَكَثْتُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَنَدَبَ النَّاسَ لِخُرَاسَانَ، فَقَامَ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ،

فَقَالَ: أَنَا لَهَا. فَعَقَدَ لَهُ عَلَى خُرَاسَانَ، فَنَادَى مُنَادِيْه ِ: مَنْ لَحِقَ بِعَسْكَرِ قُتَيْبَةَ، فَهُوَ آمِنٌ. فَاشْتَرَى مَوْلَىً لِي حِمَاراً، وَزَوَّدَنِي، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَكُنْتُ فِي العَسْكَرِ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا فَرْغَانَةَ. فَجَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ بَرِقَ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، عِنْدِي عِلْمُ مَا تُرِيْدُ.

فَقَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أُعِيْذُكَ أَلاَّ تَسْأَلَ عَنْ ذَاكَ. فَعَرَفَ أَنِّي مِمَّنْ يُخْفِي نَفْسَهُ، فَدَعَا بِكِتَابٍ،

فَقَالَ: اكْتُبْ نُسْخَة ً.

قُلْتُ: لاَ تَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ. فَجَعَلْتُ أُمِلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ كِتَابِ الفَتْحِ.

قَالَ: فَحَمَلَنِي عَلَى بَغْلَةٍ، وَأَرْسَلَ إِلَيَّ بِسَرَقٍ مِنْ حَرِيْرٍ، وَكُنْتُ عِنْدَهُ فِي أَحْسَنِ مَنْزِلَةٍ، فَإِنِّي لَيْلَةً أَتَعَشَّى مَعَهُ، إِذَا أَنَا بِرَسُوْلِ الحَجَّاجِ بِكِتَابٍ فِيْهِ: إِذَا نَظَرْتَ فِي كِتَابِي هَذَا، فَإِنَّ صَاحِبَ كِتَابِكَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، فَإِنْ فَاتَكَ، قَطَعْتُ يَدَكَ عَلَى رِجْلِكَ، وَعَزَلْتُكَ.

قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، وَقَالَ: مَا عَرَفْتُكَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الأَرْضِ، فَوَاللهِ لأَحْلِفَنَّ لَهُ بِكُلِّ يَمِيْنٍ.

فَقُلْتُ: أَيُّهَا الأَمِيْر، إِنَّ مِثْلِي لاَ يَخْفَى.

فَقَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ.

قَالَ: فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ،

وَقَالَ: إِذَا وَصَلْتُمْ إِلَى خَضْرَاءِ وَاسِطَ، فَقَيِّدُوْهُ، ثُمَّ أَدْخِلُوْهُ عَلَى الحَجَّاجِ. فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْ وَاسِطٍ، اسْتَقْبَلَنِي ابْنُ أَبِي مُسْلِمٍ،

فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنِّي لأَضِنُّ بِكَ عَنِ القَتْلِ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى الأَمِيْرِ،فَقُلْ كَذَا، وَقُلْ كَذَا. فَلَمَّا أُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، وَرَآنِي.

قَالَ: لاَ مَرْحَباً وَلاَ أَهْلاً، جِئْتَنِي وَلَسْتَ فِي الشَّرَفِ مِنْ قَوْمِكَ، وَلاَ عرِيْفاً، فَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ، ثُمَّ خَرَجْتَ عَلَيَّ. وَأَنَا سَاكِتٌ، فَقَالَ: تَكَلَّمْ.

فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، كُلُّ مَا قُلْتَهُ حَقٌّ، وَلَكِنَّا قَدِ اكْتَحَلْنَا بَعْدَكَ السَّهَرَ، وَتَحَلَّسْنَا الخَوْفَ، وَلَمْ نَكُنْ مَعَ ذَلِكَ بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلاَ فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ، فَهَذَا أَوَانُ حَقَنْتَ لِي دَمِي، وَاسْتَقْبَلْتَ بِيَ التَّوْبَةَ.

قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ.

وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: لَمَّا أُدْخِلَ الشَّعْبيُّ عَلَى الحَجَّاجِ، قَالَ: هِيْه يَا شَعْبيُّ!

فَقَالَ: أَحْزَنَ بِنَا المَنْزِلُ، وَاسْتَحْلَسْنَا الخَوْفَ، فَلَمْ نَكُنْ فِيْمَا فَعَلْنَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلاَ فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ. فَقَالَ: للهِ دَرُّكَ.

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا: كَانَ الشَّعْبِيُّ فِيْمَنْ خَرَجَ مَعَ القُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ، ثُمَّ اخْتَفَى زَمَاناً، وَكَانَ يَكْتُبُ إِلَى يَزِيْدَ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ أَنْ يُكَلِّمَ فِيْهِ الحَجَّاجَ.

قُلْتُ (الذهبي): خَرَجَ القُرَّاءُ وَهُمْ أَهْلُ القُرْآنِ وَالصَّلاَحِ بِالعِرَاقِ عَلَى الحَجَّاجِ؛ لِظُلْمِهِ وَتَأْخِيْرِهِ الصَّلاَةَ وَالجَمْعِ فِي الحَضَرِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَذْهَباً وَاهِياً لِبَنِي أُمَيَّةَ، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " يَكُوْنُ عَلَيْكُم أُمَرَاءُ يُمِيْتُوْنَ الصَّلاَةَ ". فَخَرَجَ عَلَى الحَجَّاجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ الكِنْدِيُّ، وَكَانَ شَرِيْفاً، مُطَاعاً، وَجَدَّتُهُ أُخْتُ الصِّدِّيْقِ، فَالْتَفَّ عَلَيه مائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيْدُوْنَ، وَضَاقَتْ عَلَى الحَجَّاجِ الدُّنْيَا، وَكَادَ أَنْ يَزُوْلَ مُلْكُهُ، وَهَزَمُوْهُ مَرَّاتٍ، وَعَايَنَ التَّلَفَ، وَهُوَ ثَابِتٌ مِقْدَامٌ، إِلَى أَنِ انْتَصَرَ، وَتَمَزَّقَ جَمْعُ ابْنِ الأَشْعَثِ، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، فَكَانَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ الحَجَّاجُ مِنْهُم، قَتَلَهُ، إِلاَّ مَنْ بَاءَ مِنْهُم بِالكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَدَعُهُ. ا. هـ.

فالشعبي من خلال القصةِ رجع عن قولهِ وتاب وقبل الحجاج توبتهُ.

وبعد هذه النقولِ وبيان الأقوالِ يظهرُ أن الحجاجَ لم يكفرهُ أحدٌ من أهل العلمِ، وإنما هي أقوالٌ وردت عن بعضِ السلف لا يفهمُ منها التكفيرُ، ومن جاء عنه التكفير فقد تراجع عنه، وتاب من ذلك، وتبقى مسألةُ مهمة نختمُ بها.



هل كانت فتنةُ ابنِ الأشعثِ من أجل أنهم رأو كفراً بواحاً منه أم أنه من أجل إزالةِ ظلمِ وبطشِ الحجاجِ؟

الذي يظهرُ واللهُ أعلم أنهم أرادوا إزالةَ ظلمِ وتسلطِ الحجاجِ عليهم، ولم يريدوا بفعلهم أنه كافرٌ، ولذلك ذكر العلماءُ مسألةَ الخروجِ على الإمامِ الظالمِ الفاسق، واختلف العلماءُ فيها على قولين، قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " تهذيب التهذيب " (2/288) عند ترجمةِ الحسنِ بنِ صالح: قولهم: كان يرى السيفَ. يعني الخروجَ بالسيف على أئمةِ الجورِ... وهذا مذهبٌ للسلفِ قديمٌ، لكن استقر الأمرُ على تركِ ذلك لما رأوه قد أفضى إلى ما هو أشدُ منه. ا. هـ.



فريةً على الحجاجِ تتعلقُ بكتابِ اللهِ:

من الأمورِ التي نُقلت عن الحجاجِ أنه غير في مصحفِ عثمانَ أحد عشر حرفاً، فما صحةُ الخبرِ الواردِ في ذلك؟

عن عوفِ بنِ أبي جميلةَ أن ‏الحجاجَ بنَ يوسف غيرَ في مصحفِ عثمانَ أحد عشر حرفاً. قال: كانت في البقرةِ: " لَمْ يَتَسَنَّ وَانْظُرْ " [259] بغيرِ هاءٍ، فغيرها " لَمْ يَتَسَنَّهْ " بالهاء. وكانت في المائدةِ: " شَرِيْعَةً وَمِنْهَاجًا " [48]، فغيرها " شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ". وكانت في يونس: " هُوَ الَّذِي يَنْشُرُكُمْ " [22]، فغيرهُ " يُسَيِّرُكُمْ ". وكانت في يوسف: " أَنَا آتِيْكُم بِتَأْوِيلِهِ " [45]، فغيرها " أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ "، وكانت ‏في المؤمنين: " سَيَقُولُونَ لِلَّهِ لِلَّهِ لِلَّهِ " [85، 87، 89] ثلاثتهن، فجعل الأخيرين " اللّه اللّه ". وكانت في الشعراء، في ‏قصة نوح: " مِنْ الْمُخْرَجِينَ " [116]، وفي قصةِ لوط: " مِنْ الْمَرْجُومِينَ " [167]، فغير قصةِ نوح " مِنْ الْمَرْجُومِينَ " وقصة‏ لوط " مِنْ الْمُخْرَجِينَ ". وكانت في الزخرف: " نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعَايشَهُمْ " [32] فغيرها " مَعِيشَتَهُمْ ". وكانت في الذين ‏كفروا " مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ " [محمد: 15]، فغيرها " مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ". وكانت في الحديد: " فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَاتّقَوْا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ " [7] فغيرها " وَأَنْفَقُوا "، وكانت في إذا الشمس كورت " وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظَنِينٍ " [التكوير: 24]، فغيرها " بضَنِينٍ ".

أخرجهُ ابنُ أبي داود في " المصاحف " (142، 348). وفي سندِ الروايةِ عبادُ بنُ صهيب البصري، ذكره الذهبي في " الميزان " (2/367 رقم 4122) وقال: أحدُ المتروكين... قال ابن المديني: ذهب حديثه. وقال البخاري والنسائي وغيرهما: متروك. وقال ابنُ حبان: كان قدرياً داعيةً، ومع ذلك يروي أشياءَ إذا سمعها المبتدىء في هذه الصناعةِ شهد له بالوضعِ. ا. هـ.



وقال الشيخُ عبدُ اللهِ الجديع في " المقدمات الأساسية في علوم القرآن " (ص161 حاشية) عن الخبر: هذا خبرٌ كذبٌ، فإن مُصحف عثمانَ زمن الحجاجِ قد طبق ديارَ الإسلامِ، وما كان الحجاجُ ليُغيِّرَ حرفاً من كتابِ اللهِ والمصاحفُ العثمانيةُ قد وقعت لكلِ الأمصارِ، وانتسخ الناسُ منها مصاحفهم، والقراءُ يومئذٍ من الذين يرجعُ إليهم الناسُ في القراءةِ موجودون، فإن كان الحجاجُ غيرَ حرفاً في مصحفٍ فوالله ما كان ليقدرَ أن يفعلهُ في جميعِ تلك المصاحفِ، وإن كان أرهب كثيراً من الناسِ يومئذٍ بظلمهِ وطغيانهِ، فما كان ليقدر أن يصمِّتَ جميعَ أمةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فيُحرف القرآنَ على مرأى من جميع المسلمين، ثم هب أن ذلك قد وقع من الحجاجِ، فأين النقلةَ لم يجمعوا على نقلهِ، ولماذا لم يأتِ إلا من طريقِ عبادِ بنِ صهيبٍ رجلٍ من المتروكين الهلكى؟ كيف وقد ثبتت الأسانيدُ الدالةُ على بطلانِ هذه الحكايةِ بخصوص كتابةِ تلك الأحرفِ؟ ومثل هذا لا يستحقُ الإطالةَ بأكثرَ مما ذكرتُ لظهورِ فسادهِ. ا. هـ.



ما نسب إليهِ من غلوٍ في عثمانَ - رضي الله عنه -:

ورد خبرٌ أن الحجاجَ كان عثمانياً غالياً فيه فلننظر فيه.

‏عَنْ ‏عَوْفٍ ‏‏قَالَ: سَمِعْتُ ‏‏الْحَجَّاجَ ‏‏يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: ‏‏إِنَّ مَثَلَ ‏‏عُثْمَانَ ‏عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ‏عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ‏ ‏ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَقْرَؤُهَا وَيُفَسِّرُهَا: " إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا " [آل عمران: 55] يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ وَإِلَى أَهْلِ ‏ ‏الشَّامِ ‏. أخرجه أبو داود (4641)، وقال عنه العلامة الألباني في " ضعيف سنن أبي داود " (1006): ضعيف مقطوع.

قال صاحبُ " عون المعبود " تعليقا على الحديث: ‏وَمَقْصُود الْحَجَّاج مِنْ تَمْثِيل عُثْمَان - رضي الله عنه - بِعِيسَى - عليه السلام - إِظْهَار عَظَمَة الشَّأْن لِعُثْمَان وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أُمَرَاء بَنِي أُمَيَّة وَمَنْ تَبِعَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا فِي الشَّام وَالْعِرَاق وَتَنْقِيص غَيْرهمْ، يَعْنِي مَثَل عُثْمَان كَمَثَلِ عِيسَى - عليه السلام - وَمَثَل مُتَّبِعِيهِ كَمَثَلِ مُتَّبِعِيهِ، فَكَمَا أَنَّ اللَّه - تعالى -جَعَلَ مُتَّبِعِي عِيسَى - عليه السلام - فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا كَذَلِكَ حَمْل مُتَّبِعِي عُثْمَان - رضي الله عنه - مِنْ أَهْل الشَّام وَأَهْل الْعِرَاق فَوْق غَيْرهمْ، بِحَيْثُ جَعَلَ فِيهِمْ الْخِلَافَة وَرَفَعَهَا عَنْ غَيْرهمْ فَصَارُوا غَالِبِينَ عَلَى غَيْرهمْ. ‏ ‏قَالَ السِّنْدِيُّ: لَعَلَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ الْإِشَارَة عِنْد قَوْله - تعالى -" وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك " وَأَرَادَ بِهَذَا أَنَّ أَهْل الشَّام تَبِعُوا عُثْمَان فَرَفَعَهُمْ وَوَضَعَ فِيهِمْ الْخِلَافَة، وَغَيْرهمْ اِتَّبَعُوا عَلِيًّا فَأَذَلَّهُمْ اللَّه وَرَفَعَ عَنْهُمْ الْخِلَافَة اِنْتَهَى. ا. هـ.



فراسةُ والدِ الحجاجِ في ابنهِ:

تفرس والدُ الحجاجِ في ابنه من خلالِ قصة نقلها الحافظُ ابن كثير في " البداية والنهاية " (9/119) نقلها عن ابنِ عساكر صاحبِ " تاريخ دمشق " فقال: وقد ذكر ابنُ عساكر في ترجمةِ سليم بن عنز قاضي مصر، وكان من كبار التابعين، وكان ممن شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية، وكان من الزهادةِ والعبادةِ على جانب عظيم، وكان يختم القرآن في كل ليلة ثلاث ختمات في الصلاة وغيرها. والمقصود أن الحجاج كان مع أبيه بمصر في جامعها فاجتاز بهما سليم بن عنز هذا فنهض إليه أبو الحجاج فسلم عليه، وقال له: إني ذاهب إلى أمير المؤمنين، فهل من حاجة لك عنده؟ قال: نعم! تسأله أن يعزلني عن القضاء. فقال: سبحان الله!! والله لا أعلم قاضياً اليوم خيراً منك. ثم رجع إلى ابنه الحجاج فقال له ابنه: يا أبت أتقوم إلى رجل من تجيب وأنت ثقفي؟ فقال له: يا بني، والله إني لأحسب أن الناس يرحمون بهذا وأمثاله. فقال: والله ما على أمير المؤمنين أضر من هذا وأمثاله، فقال: ولم يا بني؟ قال: لأن هذا وأمثاله يجتمع الناس إليهم، فيحدثونهم عن سيرة أبي بكر وعمر، فيحقر الناس سيرة أمير المؤمنين، ولا يرونها شيئاً عند سيرتهما، فيخلعونه ويخرجون عليه ويبغضونه، ولا يرون طاعته، والله لو خلص لي من الأمر شيء لأضربن عنق هذا وأمثاله. فقال له أبوه: يا بني والله إني لأظن أن الله - عز وجل - خلقك شقياً.

علق ابنُ كثير على القصة فقال: وهذا يدل على أن أباه كان ذا وجاهة عند الخليفة، وأنه كان ذا فراسة صحيحة، فإنه تفرس في ابنه ما آل إليه أمره بعد ذلك. ا. هـ.



11 رمضان 1424 هـ
الحجاج بن يوسف غير متصل  
قديم(ـة) 12-10-2006, 06:51 AM   #4
الحجاج بن يوسف
Guest
 
صورة الحجاج بن يوسف الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 237
الحجاج بن يوسف الثقفي الجانب المشرق
احتل الحجاج بن يوسف الثقفي مكانة متميزة بين أعلام الإسلام،
ويندر أن تقرأ كتابًا في التاريخ أو الأدب ليس فيه ذكر للحجاج الذي خرج من سواد الناس إلى الصدارة بين الرجال وصانعي التاريخ بملكاته الفردية ومواهبه الفذة في القيادة والإدارة..وعلى قدر شهرة الحجاج كانت شهرة ما نُسب إليه من مظالم؛ حتى عده كثير من المؤرخين صورة مجسمة للظلم، ومثالا بالغا للطغيان، وأصبح ذكر اسمه يستدعي في الحال معاني الظلم والاستبداد، وضاعت أعمال الحجاج الجليلة بين ركام الروايات التي تروي مفاسده وتعطشه للدماء، وإسرافه في انتهاكها، وأضافت بعض الأدبيات التاريخية إلى حياته ما لم يحدث حتى صار شخصية أسطورية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع، وقليل من المؤرخين من أنصف الحجاج، ورد له ما يستحق من تقدير.

وإذا كان الجانب المظلم قد طغى على صورة الحجاج، فإننا سنحاول إبراز الجانب الآخر المشرق في حياته، والمؤثر في تاريخ المسلمين حتى تستبين شخصية الحجاج بحلوها ومرها وخيرها وشرها.

المولد والنشأة : في الطائف كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي في سنة (41 هـ = 661م)، ونشأ بين أسرة كريمة من بيوت ثقيف، وكان أبوه رجلا تقيًّا على جانب من العلم والفضل، وقضى معظم حياته في الطائف، يعلم أبناءها القرآن الكريم دون أن يتخذ ذلك حرفة أو يأخذ عليه أجرا. حفظ الحجاج القرآن على يد أبيه ثم تردد على حلقات أئمة العلم من الصحابة والتابعين، مثل: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وغيرهم، ثم اشتغل وهو في بداية حياته بتعليم الصبيان، شأنه في ذلك شأن أبيه. وكان لنشأة الحجاج في الطائف أثر بالغ في فصاحته؛ حيث كان على اتصال بقبيلة هذيل أفصح العرب، فشب خطيبا، حتى قال عنه أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج"، وتشهد خطبه بمقدرة فائقة في البلاغة والبيان.
لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة، وكان في حاجة إليه؛ حتى ينهي الصراع الدائر بينه وبين عبد الله بن الزبير الذي كان قد أعلن نفسه خليفة سنة (64هـ = 683م) بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ودان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركا لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق، ولم يبق في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز؛ فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولته تماما.. حاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيّق الخناق على ابن الزبير المحتمي بالبيت، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغنِ عنه شيئا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها؛ حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير والقضاء على دولته، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام (73 هـ = 693م) تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان.

وكان من أثر هذا الظفر أن أسند الخليفة إلى الحجاج ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما في إدارته؛ حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود.

الحجاج في العراق : بعد أن أمضى الحجاج زهاء عامين واليًا على الحجاز نقله الخليفة واليا على العراق بعد وفاة أخيه بشر بن مروان، وكانت الأمور في العراق بالغة الفوضى والاضطراب، تحتاج إلى من يعيد الأمن والاستقرار، ويسوس الناس على الجادة بعد أن تقاعسوا عن الخروج للجهاد وركنوا إلى الدعة والسكون، واشتدت معارضتهم للدولة، وازداد خطر الخوارج، وقويت شكوتهم بعد أن عجز الولاة عن كبح جماحهم.

ولبى الحجاج أمر الخليفة وأسرع في سنة (75هـ = 694م) إلى الكوفة، وفي أول لقاء معهم خطب في المسجد خطبة عاصفة أنذر فيها وتوعد المخالفين والخارجين على سلطان الخليفة والمتكاسلين عن الخروج لقتال الخوارج الأزارقة، وخطبة الحجاج هذه مشهورة متداولة في كتب التاريخ، ومما جاء فيها: "… يا أهل الكوفة إني لأرى أرؤسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها، وإن أمير المؤمنين –أطال الله بقاءه- نثر كِنانته (جعبة السهام) بين يديه، فعجم عيدانها (اختبرها)، فوجدني أمرّها عودا، وأصلبها مكْسِرًا فرماكم بي؛ لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مراقد الضلالة، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم، وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلّب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلّف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا ضربت عنقه".

وأتبع الحجاج القول بالفعل ونفذ وعيده بقتل واحد ممن تقاعسوا عن الخروج للقتال، فلما رأى الناس ذلك تسارعوا نحو قائدهم المهلب لمحاربة الخوارج الأزارقة، ولما اطمأن الحجاج إلى استقرار الأوضاع في الكوفة، ذهب إلى البصرة تسبقه شهرته في الحزم، وأخذ الناس بالشدة والصرامة وخطب فيهم خطبة منذرة زلزلت قلوبهم، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع المهلب قائلا لهم: "إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو…".

ولم يكتف الحجاج بحشد الجيوش مع المهلب بل خرج في أهل البصرة والكوفة إلى "رشتقباذ" ليشد من أزر قائده المهلب ويساعده إن احتاج الأمر إلى مساعدة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ إذ حدثت حركة تمرد في صفوف الجيش، وتزعم الثورة رجل يدعى "ابن الجارود" بعد أن أعلن الحجاج عزمه على إنقاص المحاربين من أهل العراق 100 درهم، ولكن الحجاج تمكن من إخماد الفتنة والقضاء على ابن الجارود وأصحابه.

وما كاد الحجاج يقضي على فتنة الخوارج حتى شبت ثورة عارمة دامت ثلاث سنوات (81-83 هـ = 700-702م) زعزعت استقرار الدولة، وكادت تعصف بها، وكان يقودها "عبد الرحمن بن الأشعث" أحد رجالات الحجاج الذي أرسله على رأس حملة جرارة لإخضاع الأجزاء الشرقية من الدولة، وبخاصة سجستان لمحاربة ملكها "زنبيل".

وبعد أن حقق ابن الأشعث عددا من الانتصارات غرّه ذلك، وأعلن العصيان، وخلع طاعة الخليفة، وكان في نفسه عجب وخيلاء واعتداد كريه، وبدلا من أن يكمل المهمة المنوط بها عاد ثائرا على الدولة الأموية مدفوعا بطموحه الشخصي وتطلعه إلى الرئاسة والسلطان.

ووجد في أهل العراق ميلا إلى الثورة والتمرد على الحجاج، فتلاقت الرغبتان في شخصه، وآزره عدد من كبار التابعين انغروا بدعوته، مستحلّين قتال الحجاج بسبب ما نُسب إليه من أعمال وأفعال، وحالف النصر ابن الأشعث في جولاته الأولى مع الحجاج، واضطرب أمر العراق وسقطت البصرة في أيدي الثوار، غير أن الحجاج نجح في أن يسترد أنفاسه، وجاء المدد من دمشق وواصل قتاله ضد ابن الأشعث، ودارت معارك طاحنة حسمها الحجاج لصالحه، وتمكن من سحق عدوه في معركة دير الجماجم سنة (83 هـ = 702م)، والقضاء على فتنته.

الفتوحات الإسلامية : فتوحات قتيبة بن مسلم .. تطلع الحجاج بعد أن قطع دابر الفتنة، وأحل الأمن والسلام إلى استئناف حركة الفتوحات الإسلامية التي توقفت بسبب الفتن والثورات التي غلت يد الدولة، وكان يأمل في أن يقوم الجيش الذي بعثه تحت قيادة ابن الأشعث بهذه المهمة، وكان جيشا عظيما أنفق في إعداده وتجهيزه أموالا طائلة حتى أُطلق عليه جيش الطواويس، لكنه نكص على عقبيه وأعلن الثورة، واحتاج الحجاج إلى سنوات ثلاثة حتى أخمد هذه الفتنة العمياء.

ثم عاود الحجاج سياسة الفتح، وأرسل الجيوش المتتابعة، واختار لها القادة الأكفاء، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي ولاه الحجاج خراسان سنة (85هـ = 704م)، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد؛ فأبلى بلاء حسنا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل: بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانه، والشاس، وكاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.

وبعث الحجاج بابن عمه محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند، وكان شابا صغير السن لا يتجاوز العشرين من عمره، ولكنه كان قائدا عظيما موفور القدرة، نجح خلال فترة قصيرة لا تزيد عن خمس سنوات (89-95هـ = 707-713م) في أن يفتح مدن وادي السند، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في فتح قنوج أعظم إمارات الهند التي كانت تمتد بين السند والبنغال فأجابه إلى طلبه وشجعه على المضي، وكتب إليه أن "سر فأنت أمير ما افتتحته"، وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامله على خراسان يقول له: "أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها".

وكان الحجاج يتابع سير حملات قادته يوفر لها ما تحتاجه من مؤن وإمدادات، ولم يبخل على قادتها بالنصح والإرشاد؛ حتى حققت هذه النتائج العظيمة ووصلت رايات الإسلام إلى حدود الصين والهند.

إصلاحات الحجاج : وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها؛ فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين.

ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، وشرع في بنائها سنة (83هـ = 702م)، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقرا لحكمه.
وكان الحجاج يدقق في اختيار ولاته وعماله، ويختارهم من ذوي القدرة والكفاءة، ويراقب أعمالهم، ويمنع تجاوزاتهم على الناس، وقد أسفرت سياسته الحازمة عن إقرار الأمن الداخلي والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق.

ويذكر التاريخ للحجاج أنه ساعد في تعريب الدواوين، وفي الإصلاح النقدي للعملة، وضبط معيارها، وإصلاح حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات، وإحياء الأرض الزراعية، واهتم بالفلاحين، وأقرضهم، ووفر لهم الحيوانات التي تقوم بمهمة الحرث؛ وذلك ليعينهم على الاستمرار في الزراعة.

نقط المصحف : ومن أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف؛ فقام "نصر بن عاصم" بهذه المهمة العظيمة، ونُسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.

اختلف المؤرخون القدماء والمحدثون في شخصية الحجاج بن يوسف بين مدح وذم، وتأييد لسياسته ومعارضة لها، ولكن الحكم عليه دون دراسة عصره المشحون بالفتن والقلاقل ولجوء خصوم الدولة إلى السيف في التعبير عن معارضتهم لسياسته أمر محفوف بالمزالق، ويؤدي إلى نتيجة غير موضوعية بعيدة عن الأمانة والنزاهة.. ولا يختلف أحد في أنه اتبع أسلوبا حازما مبالغا فيه، وأسرف في قتل الخارجين على الدولة، وهو الأمر الذي أدانه عليه أكثر المؤرخين، ولكن هذه السياسة هي التي أدت إلى استقرار الأمن في مناطق الفتن والقلاقل التي عجز الولاة من قبله عن التعامل معها.

ويقف ابن كثير في مقدمة المؤرخين القدماء الذين حاولوا إنصاف الحجاج؛ فيقول: "إن أعظم ما نُقِم على الحجاج وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله، وقد كان حريصا على الجهاد وفتح البلاد، وكانت فيه سماحة إعطاء المال لأهل القرآن؛ فكان يعطي على القرآن كثيرا، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا 300 درهم".

آخر من قام بالتعديل الحجاج بن يوسف; بتاريخ 12-10-2006 الساعة 07:19 AM.
الحجاج بن يوسف غير متصل  
قديم(ـة) 12-10-2006, 08:35 AM   #5
الحجاج بن يوسف
Guest
 
صورة الحجاج بن يوسف الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 237
ذكر نسبه وشيء من سيرته

هو الحجاج ين يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف أبو محمد الثقفي‏.‏

قال قتيبة بن مسلم‏:‏ خطبنا الحجاج فذكر القبر فما زال يقول‏:‏ إنه بيت الوحدة إنه بيت الغربة وبيت كذا وكذا حتى بكى وأبكى ثم قال‏:‏ سمعت أمرر المؤمنين عبد الملك يقول‏:‏ سمعت مروان يقول في خطبته‏:‏ خطبنا عثمان فقال في خطبته‏:‏ ما نظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى قبر أو ذكره إلا بكى‏.‏
وقد روي أحاديث غير هذا عن ابن عباس وأنس‏.‏

وقال ابن عوف‏:‏ كنت إذا سمعت الحجاج يقرأ عرفت أنه طالما درس القرآن‏.‏

وقال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ ما رأيت أفصح من الحجاج ومن الحسن وكان الحسن أفصح‏.‏

وقال عبد الملك بن عمير‏:‏ قال الحجاج يومًا‏:‏ من كان له بلاء فليقم فنعطيه على بلائه‏.‏

فقام رجل فقال‏:‏ أعطني على بلائي‏.‏

قال‏:‏ وما بلاؤك قال‏:‏ قتلت الحسن‏.‏

قال‏:‏ فكيف قتلته قال‏:‏ دسرته بالرمح درسرًا وهبرته بالسيف هبرًا وما أشركت معي في قتله أحدًا‏.‏

قال‏:‏ فإنك لا تجتمع أنت وهو في مكان واحد‏.‏

وقال‏:‏ اخرج‏!‏ ولم يعطه شيئًا‏.‏
الحجاج بن يوسف غير متصل  
قديم(ـة) 12-10-2006, 08:42 AM   #6
الحجاج بن يوسف
Guest
 
صورة الحجاج بن يوسف الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 237
ندم الإمام الشعبي لخروجه على الحجاج
لما هرب ابن الأشعث بعد أن أثار فتنة أهلك الحرث والنسل فقتل من أتباعه من قتل ، وأسر كثير منهم ، فقتلهم الحجاج بن يوسف ، وهرب من بقي منهم .
ومنهم عامر الشعبي الإمام الثقة ، فأمر الحجاج أن يؤتى بالشعبي فجيء به حتى دخل على الحجاج .
قال الشعبي : فسلمت عليه بالإمرة ، ثم قلت :
أيها الأمير ، إن الناس قد أمروني أن أعتذر إليك بغير ما يعلم الله أنه الحق ، ووالله لا أقول في هذا المقام إلا الحق ، قد والله تمردنا عليك وحرضنا ، وجهدنا كل الجهد ، فما كنا بالأتقياء البررة ، ولا بالأشقياء الفجرة ، لقد نصرك الله علينا ، وأظفرك بنا ، فإن سطوت فبذنوبنا ، وما جرت إليك أيدينا، وإن عفوت عنا فبحلمك ، وبعد فالحجة لك علينا .
فقال الحجاج لما رأى اعترافه وإقراره : أنت يا شعبي أحب إلي ممن يدخل علينا يقطر سيفه من دمائنا، ثم يقول ما فعلت ولا شهدت ، قد أمنت عندنا يا شعبي .
ثم قال الحجاج : يا شعبي كيف وجدت الناس بعدنا يا شعبي ؟ وكان الحجاج يكرمه قبل دخوله في الفتنة .
فقال الشعبي مخبرا عن حاله بعد مفارقته للجماعة : أصلح الله الأمـير ؛ قد اكتحـلت بعدك السـهر !! واستـوعرت السـهول !! واستجلـست الخوف !! واستحليت الهم !! وفقدت صالح الإخوان !! ولم أجد من الأمير خلفا !!
فقال الحجاج : انصرف يا شعبي ، فانصرف آمنا.
الحجاج بن يوسف غير متصل  
قديم(ـة) 12-10-2006, 09:59 AM   #7
قاهر الروس
عـضـو
 
صورة قاهر الروس الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2004
البلد: عَ ـــابرٌ إِلَى الجَنة
المشاركات: 6,346
.
.


وما رأي أمير المؤمنين " عمر بن عبد العزيز " رحمه الله بك ؟!!



.
.
__________________

إِنَّ دَمْعيْ يَحْتَضر ، وَ قَلبيْ يَنْتَظِرْ ، يَا شَاطِئَ العُمرِ اقْتَرِبْ ، فَمَا زِلْتَ بَعيدٌ بَعيدْ
رُفِعتْ الأشْرِعَة ، وَبدتْ الوُجوهـُ شَاحِبَةْ ، وَدَاعَاً لِكُلِّ قَلبٍ أحببنيْ وَأحبَبْتُهُ ..!!

يَقول الله سُبحَانَهُ [اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ]!!
يَا رَب إِنْ ضَاقَتْ بِيَ الأرجَاءُ فـ خُذْ بِيَديْ ..!
قاهر الروس غير متصل  
قديم(ـة) 12-10-2006, 10:19 AM   #8
الحجاج بن يوسف
Guest
 
صورة الحجاج بن يوسف الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 237
نكُفُ عمّا شجر بيْنهُم , فالصحابةُ حدث بيْنهُم من الفُرقةِ الكثِير والحجاجُ معْ عِظم وشناعةِ أفْعاله إلا أنه كان قائماً بِدِينِ الله مُجاهداً في سبيلِ الله سبق شئٌ مما ذكرْتُهُ. فالعدْل العدْل.
قال تعالى : "تلك أُمةٌ قدْ خلتْ لها ما كسبتْ ولكُمْ ما كسبْتُمْ ولا تُسْألُون عمّا كانوا يعملُون"
الحجاج بن يوسف غير متصل  
قديم(ـة) 12-10-2006, 11:26 AM   #9
الحجاج بن يوسف
Guest
 
صورة الحجاج بن يوسف الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 237
بين الحجاج وأعرابي صائم
خرج الحجاج ذات يوم قائظ فأحضر له الغذاء فقال: اطلبوا من يتغذى معنا ، فطلبوا ، فلم يجدوا إلا أعرابيًّا ، فأتوا به فدار بين الحجاج والأعرابي هذا الحوار:
الحجاج: هلم أيها الأعرابي لنتناول طعام الغذاء .
الأعرابي: قد دعاني من هو أكرم منك فأجبته .
الحجاج: من هو ؟
الأعرابي: الله تبارك وتعالى دعاني إلى الصيام فأنا صائم .
الحجاج: تصومُ في مثل هذا اليوم على حره .
الأعرابي: صمت ليوم أشد منه حرًا .
الحجاج: أفطر اليوم وصم غدًا .
الأعرابي: أوَ يضمن الأمير أن أعيش إلى الغد .
الحجاج: ليس ذلك إليَّ ، فعلم ذلك عند الله .
الأعرابي: فكيف تسألني عاجلاً بآجل ليس إليه من سبيل .
الحجاج: إنه طعام طيب .
الأعرابي: والله ما طيبه خبازك وطباخك ولكن طيبته العافية .
الحجاج: بالله ما رأيت مثل هذا .. جزاك الله خيرًا أيها الأعرابي، وأمر له بجائزة.
الحجاج بن يوسف غير متصل  
قديم(ـة) 13-10-2006, 06:31 AM   #10
الحجاج بن يوسف
Guest
 
صورة الحجاج بن يوسف الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 237
قال الزبير‏:‏ سببت الحجاج يوماً عند أبي وائل فقال‏:‏ لا تسبه لعله قال يوماً‏:‏ اللهم ارحمني فيرحمه، إياك ومجالسة من يقول‏:‏ أرأيت أرأيت أرأيت‏..

وقال عوف‏:‏ ذكر الحجاج عند محمد بن سيرين فقال‏:‏ مسكين أبو محمد، إن يعذبه الله عز وجل فبذنبه، وإن يغفر له فهنيئاً له، وإن يلق الله بقلب سليم فهو خير منا، وقد أصاب الذنوب من هو خير منه، فقيل له‏:‏ ما القلب السليم‏؟‏ قال‏:‏ أن يعلم الله تعالى منه الحياء والإيمان، وأن يعلم أن الله حق، وأن الساعة حق قائمة، وأن الله يبعث من في القبور‏.‏

وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني‏:‏ عن أبيه، عن جده، عن عمر بن عبد العزيز، أنه قال‏:‏ ما حسدت الحجاج عدو الله على شيء حسدي إياه على حبه القرآن، وإعطائه أهله عليه، وقوله حين حضرته الوفاة‏:‏ اللهم اغفر لي، فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل‏.

وقال أبو العباس المري، عن الرياشي، عن الأصمعي، قال‏:‏ لما حضرت الحجاج الوفاة أنشأ يقول‏:


[poem=font="Simplified Arabic,4,red,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا= بأنني رجل من ساكني النار

أيحلفون على عمياء ويحهم= ما علمهم بعظيم العفو غفار

إن الموالي إذا شابت عبيدهم= في رقهم عتقوهم عتق أبرار

وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً= قد شبت في الرق فاعتقني من النار[/poem]
الحجاج بن يوسف غير متصل  
قديم(ـة) 20-02-2007, 12:24 AM   #11
الحجاج بن يوسف
Guest
 
صورة الحجاج بن يوسف الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 237
يرفع ... لمن انطوت عليه شبه الروافض
الحجاج بن يوسف غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 07:07 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)