بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » (معذرة إلى الله)......التصويـــــــــــــــر حـــــــــــــــــــــرام

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 22-11-2006, 03:55 PM   #1
نزف القلم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 57
(معذرة إلى الله)......التصويـــــــــــــــر حـــــــــــــــــــــرام

السلام عليكم

المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وبارك، أما بعد:
فإن موضوع التصوير والمصورين من المسائل العقدية التي لا يكاد يخلو زمان إلا وقد أثيرت فيه وبحثت, وذلك لارتباطها بالزمن القديم وبروز المشكلة الناتجة عنها ألا وهي الشرك، قال تعالى:
{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرَا}(نوح:23).
قال ابن عباس رضي الله عنهما :" صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد, أما ود: كانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع كانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسَّخ العلم عبدت"([1]).
وعن عائشة رضي الله عنها : أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"([2]).
فلما كانت التصاوير ذريعة للشرك حرمها الله تبارك وتعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حماية للتوحيد.
معنى التصوير:
أولا: التصوير لغة:
تصورت الشيء: مثلت صورته وشكله في الذهن([3])، وتوهمته([4]).
والصُّورة: التمثال([5]), والشكل([6])، والتصاوير: التماثيل([7]).
الصورة بالضم: الشكل والهيئة والحقيقة والصفة[8], وترد في كلام العرب على ظاهرها وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته وعلى معنى صفته([9]).
ثانياً: التصوير اصطلاحاً:
لم أقف على من عرفها اصطلاحا ،ولكن بالاستقراء وجدته كالتالي:
"كل ما رُقم أو نحت أونقش من أشياء من ذوات الأرواح وغيرها أو زخارف".
• فمن نحت ذوات الأرواح: ما أخرجه النسائي في سننه عن أبي الهياج قال: قال علي رضي الله عنه :" ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا تدعن قبرا مشرفا إلا سويته ولا صورة في بيت إلا طمستها"([10]).
ويقصد بالصورة هنا التمثال والصنم لورودها في روايات أخر منها: ما رواه مسلم في صحيحه عنه أيضاً: " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته"([11]).
• ومن رقم ذوات الأرواح: ما رواه مسلم بسنده عن عائشة رضِيَ الله عنها أنها قالت:" قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت على بابي دَرْنُوكاً([12]) فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمرني فنزعته" ([13]).
• ومن الزخارف: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لعائشة رضي الله عنها:" أميطي عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي"([14]).
وقول ابن الجوزي في الثوب المصلب: " وهو الذي صور فيه أمثال الصلبان " ([15]).
ثم وقفت على تعريف للصورة بهذا المعنى لأبي الفتح ناصر الدين بن علي بن المطرِّز فقال: "الصورة عام في كل ما يصور مشبهاً بخلق الله من ذوات الأرواح وغيرها" ([16]).
قلت: وإن كان هذا التعريف في أصله لغوي لكنه يصلح لأن يكون تعريفاً اصطلاحيا.
حكم التصوير(صناعة الصور):
التصوير(صناعة الصور) حرام وهو من الكبائر وذلك:
• لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين، فعن أبي جحيفة عن أبيه قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين"([17]).
• ولأن المصور يضاهي خلق الله ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله "([18]).
• ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:" قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة"([19]).
• ولأن المصورين أشد الناس عذابا يوم القيامة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون"([20]).
قال النووي رحمه الله:" قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور فى الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى وسواء ما كان فى ثوب أو بساط أودرهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيره"([21]).
مفاسد الصورة و التصوير:
إضافة إلى ما سبق من مفاسد:
• فالصور وسيلة إلى الشرك؛ وذلك بتعظيم وعبادة غير الله تبارك وتعالى كما مر معنا في المقدمة.
• و يعذب المصور بكل صورة صورها يوم القيامة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس تعذبه في جهنم "([22]).
• و يقال له أحْيِ ما خلقت يوم القيامة تعجيزاً له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم "([23]).
• و لا تدخل الملائكة البيت الذي فيه صورة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير"([24]).
لكن... ما المقصود بالصورة المحَّرمة في الأحاديث؟
• هل المقصود بالصورة المحَّرمة الزخارف والنقوش (الأعلام)؟
• أم هل المقصود بالصورالمحَّرمة ذوات الأرواح أم غيرها من غير ذوات الأرواح؟
• أم هل المقصود بها صور المخلوقات الغريبة (كحصان بأجنحة )؟
• أم هل المقصود بالصورة المحَّرمة التي لها ظل(المجسمة أوالتمثال)؟
• هل المقصود بها المنحوتة باليد أم المنحوتة بالآلات الحديثة؟
• أم هل المقصود بالصورة التي لا ظل لها(المرسومة أو المصورة)؟
• هل المقصود بها المرسومة بالقلم والريشة أم المصورة بآلة التصوير الحديثة؟
• وهل المقصود بها الممتهنة أم غيرها؟
والجواب: ليس المقصود بالصورة المحرمة الزخارف والنقوش والأعلام لخلوها من التصاوير ذوات الأرواح, وإنما كرهها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فقط, لأنها عرضت له في الصلاة فكادت تلهيه عنها لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لعائشة: " أميطي عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي"([25]).
ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لعائشة بعد أن صلى في خميصة لها أعلام: " اذهبوا بخميصتي([26]) هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية ([27]) أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي"([28]).
إذ لم يختلف العلماء على حرمة التماثيل المجسمة المنحوتة التي لها ظل لأدلة كثيرة منها:
• ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود في يده وجعل يقول{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}([29]) (الإسراء:81).
• ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي الهياج قال: قال علي:" ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته"([30]).
قال النووي: "وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره" ([31]).
ولا فرق بين ما نحت باليد أو بآلة حديثة, لأن الثمرة والمحصلة النهائية لهذا المنحوت هو هذا الصنم أو التمثال. ففي كلا الحالتين العمل بحاجة إلى جهد: جهد الناحت بيده, وجهد العامل على الآلة الحديثة، والآلة نفسها صنعها العامل بيده. وإلا لجاز صناعة الأصنام المختلفة التي نراها اليوم والتي صنعت بواسطة الآلات الحديثة كآلات الخراطة.
قلت: هذا لمن فرَّق بين الصنم المنحوت باليد وبين المشغول بالآلة وجعل الفرق أن المنحوت باليد تم بذل جهدٍ في حين أن الآلة لا جهد حصل فيها, وجعل تلك علة للتحريم.
أما هل المحرَّم الصور ذوات الأرواح أم غيرها كالشجر والنخل ونحوه؟
الصحيح أن المقصود بالمحرم من الصور هو ذوات الأرواح؛ وذلك لما يلي:
• قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم :" إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم"([32]).
والشاهد هنا (أحيوا ما خلقتم)، فلو لم يكن المصوَّر من ذوات الأرواح ما قيل أحيوا ما خلقتم! ولأن الإنسان يصنع ويزرع الشجر والنخل أصلاً, فكيف بصورته؟!، أما ما ورد عن أبي أمامة "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن زوجها في بعض المغازي فاستأذنته أن تصور في بيتها نخلة فمنعها أو نهاها".([33]) فهو ضعيف.
• وكذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:" كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس تعذبه في جهنم"([34]). فالذي يجعل له نفس ذوات الأرواح.
• وكذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: " من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ ".([35]) فالذي ينفخ فيه الروح هو مما يقبل ذلك، فلا يقبل الجماد والنبات نفخ الروح.
• وقوله عليه الصلاة والسلام:" أتاني جبريل فقال إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي بالباب فليقطع فليصير كهيئة الشجرة ومر بالستر فليقطع ويجعل منه وسادتين منتبذتين يوطآن..." ([36]).
فهذا واضح في أن الصورة صورة رجال ومن ناحية أخرى قوله: فليقطعْ فليصيرَ كهيئة الشجرة فيه دليل على أن غير ذوات الأرواح ليست مقصودة في التحريم لأن الحرمة زالت بتحويلها إلى هيئة الشجر.
وكذلك فَهم الصحابة, وتحته حديثان:
• عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير . فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول, سمعته يقول:" من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا". فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال: ويحك! إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح" ([37]).
• وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرني أبو طلحة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ". يريد صورة التماثيل التي فيها الأرواح ([38]).
قال النووي: وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام.([39])
أما الصورة (ذات الروح) التي لاظل لها المرسومة أو المنقوشة على السُّتُر أوالبُسُط أو الحوائط, فقد اُختلف في حرمتها, والصحيح أنها محرمةٌ للأدلة التالية:
• أجلُّها عندي- لأنه كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح- ما رواه أبو داود و أحمد عن جابر رضِيَ الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمن الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها فلم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى محيت كل صورة فيها "([40]).
• وعن جابر رضِيَ الله عنه قال : " كان في الكعبة صور فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يمحوها فبل عمر ثوبا ومحاها به فدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيها منها شيء"([41]).
• وكذلك ما رواه أبوداود الطيالسي في مسنده والطبراني في الكبير عن أسامة بن زيد رضِيَ الله عنهما قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ورأى صورا قال فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول: "قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون"([42]).
ويؤكد هذا ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم أبَى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الآزلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قاتلهم الله أما والله قد علموا أنهما لم يستقسما بها قط. فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل فيه"([43]).
فالصور التي كانت مرسومة في الكعبة وعلى جدرانها, بعضها كان صنماً وبعضها كان رسماً على الجدران، فالأصنام أخرجت وكسرت, والصور المرسومة على الجدر محيت وأزيلت, فإن الأصنام لا تمحى وتزال بالماء. وهذا يدل دلالة واضحة على أن الصور المرسومة والتي لا ظل لها هي من مقصود هذا التحريم, إذ لا فرق من حيث الحكم بين الصور التي لها ظل وبين التي لا ظل لها.
• وكذلك ما رواه مسلم عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت على بابي دَرْنُوكاً([44]) فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمرني فنزعته" ([45]).
• وعنها رضي الله عنها: " أنها اشترت نمرقة([46]) فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخله فعرفت في وجهه الكراهية فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال هذه النمرقة؟" قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم " وقال: " إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة."([47])
• وعنها رضي الله عنها أنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام([48]) لي على سهوة([49]) لي فيها تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال: "أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ". قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين."([50]).
فهذه الخيل ذوات الأجنحة مرسومة على بساط أو ستار،وهذه الوسادة رسمت عليها صور، وهذا ستر أوثوب نقشت عليه صور. فالتماثيل والأصنام لا يمكن أن ترسم على الستر والبسط والوسائد. فواضح أن هذه صور ورسوم لا ظل لها وقع عليها الوعيد والتحريم المذكورين في الأحاديث السابقة فلا فرق بين ما له ظل ما لا ظل له.
وحجة من أجاز تصوير ما لا ظل له قول الله تعالى:{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} (سـبأ:الآية13)؛ فلعلماء التفسير فيها قولان:
1. إن هذه صور ذوات أرواح كانت مباحة في شرع سليمان عليه السلام ثم نسخت بشريعتنا.
2. هذه صور أشياء ليست بحيوان.
قلت: والأولى حملها على المعنى اللغوي للتمثال الذي لا يتعارض مع النصوص الشرعية, بل تكون النصوص متوافقة ومتآلفة, وهو القول الثاني من أقوال المفسرين.
والتمثال لغة: الصورة, ومَثَّل له الشيءَ صوَّره حتى كأَنه ينظر إِليه وامْتَثله هو تصوَّره, وظِلُّ كل شيء تِمْثالُه, ويكون تَمْثيل الشيء بالشيء تشبيهاً به([51]).
قال القرطبي: " وهو كل ما صور على مثل صورة من الحيوان أوغير حيوان. والتمثال على قسمين : حيوان وموات, والموات على قسمين : جماد ونام"([52]).
وهذا المعنى يتوافق مع قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أن عقيدة الأنبياء واحدة.
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}(المائدة: الآية48): "هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات ديننا واحد" ([53]), يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله وضمنه كل كتاب أنزله كما قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:25)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(النحل: الآية36)
وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي" ([54]). ومما لا شك فيه أن الصور وسيلة إلى الشرك كما مر معنا في المقدمة عن ابن عباس وفي تحريمها حماية للتوحيد.
ولنا هنا وقفتان:
الأولى: أن كل من قال بأن معنى التماثيل في الآية الصور, قالوا بعد ذلك بأنه منسوخ.
الآخرة: الإجماع على حرمة صناعة الصور.
قال ابن عطية([55]): "حكى مكي([56]) في الهداية له: "إن فرقة تجوز التصوير وتحتج بهذه الآية, وذلك خطأ وما أحفظ عن أحد من أئمة العلم من يجوزه"([57]).
واستدلوا أيضاً بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم "إلا رقماً في ثوب", وكذلك استدل به من فرَّق بين الممتهنة وغير الممتهنة, والصحيح أنه لا فرق. فالعمدة في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إلا رقماً في ثوب" وقد ورد في حديثين:
• الأول: ما أخرجه البخاري عن أبي طلحة أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة". قال بسر: ثم اشتكى زيد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة فقلت لعبيد الله ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول ؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: "إلا رقما في ثوب" ([58]).
• الثاني: ما أخرجه الترمذي عن عبيد الله بن عتبة أنه قال أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده قال : فوجدت عنده سهل بن حنيف قال فدعا أبو طلحة إنسانا ينزع َنَمَطَاً([59]) تحته فقال له سهل: لم تنزعه ؟ فقال: لأن فيه تصاوير, وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما قد علمت([60]). قال سهل: أوَ لم يقل: "ما كان رقما في ثوب"؟ فقال: بلى ولكنه أطيب لنفسي" ([61]).
الحديث الأول يقابله حديث أمِّنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل([62]).
فهذا ستر فيه صورة وذاك ستر فيه صورة ،إذن فالحالة واحدة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها:" أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله". ثم هتكه، فهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله فالمصير إليه.
هذا إذا كان رقم أبي طلحة صورةً من ذوات الأرواح، أما إذا كان من غير ذوات الأرواح فلا إشكال فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كرهه في الصلاة بقوله:" أميطي عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي"([63]).
وقوله:" فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي"([64]) وذلك عندما لبس خميصة أبي جهم المعلَّمة. أو إذا كان مقطوع الرأس فهذا أيضاً لا إشكال فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" فمر برأس التمثال الذي بالباب فليقطع فليصير كهيئة الشجرة" ([65]).
وقول ابن عباس رضي الله عنهما :" الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس بصورة"([66]).
والحديث الثاني: حديث عبيد بن عتبة, ذُكر فيه ظهارة فراش تُوِسِّد عليها وفيها صورة، يقابله حديث النمرقة لأمنا عائشة رضي الله عنها أيضاً حين قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم" وقال:" إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة." ([67])
الحالتان متماثلتان! فكلاهما جلوسٌ على أثوابٍ فيها تصاوير. فما قلناه في الحديث الأول نقوله هنا. إضافة إلى ذلك؛ فإن الأمر فيه شبهة عند أبي طلحة فلذلك لم تطب نفسه بوجوده, فأمر بنزعه. وهذا كفعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم, فعن عبد الله بن عمر رضِيَ الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة رضي الله عنها فوجد على بابها سترا فلم يدخل. قال: وقلما كان يدخل إلا بدأ بها, فجاء علي رضي الله عنه فرآها مهتمة فقال: مالك ؟ قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلي فلم يدخل, فأتاه علي رضي الله عنه فقال: يارسول الله إن فاطمة اشتد عليها أنك جئتها فلم تدخل عليها قال:" وما أنا والدنيا ؟! وما أنا والرقم؟!" فذهب إلى فاطمة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: قل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يأمرني به ؟ قال: " قل لها فلترسل به إلى بني فلان". قال أبو داود: وكان سترا موشيا أي مزخرفا" ([68]).
والرقم: ضرب مخطط من الوَشْي([69])، وقيل من الخَزِّ ([70]), والرَّقْمُ : النَّقْطُ , والرَّقْمُ: خَزٌّ مُوشَى ([71]).
فتبين أن معنى الرقم ليس هو الصورة التي نهى عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، إذ لا يعقل أن ينهى عن شيءٍ ثم يستثنى هذا الشيء نفسه, فلا يمكن أن يقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عن الصورة التي رآها في بيته إن أصحاب هذه الصور يعذبون ويقول إن الملائكة لا تدخل بيت فيه صورة ثم يستثني هذه الصورة نفسها ويقول إلا رقماً في ثوب, فعلم بذلك أن الرقم المستثنى من غير جنس تلك الصور؛ أي استثناء منقطع.
ولكن إذا جادل المخالف في مدلول الرقم فنقول له: إذا احتمل الدليل بطل الاستدلال به, فرقْم أبي طلحة وعبيد الله بن عتبة احتمل أكثر من معنى فلا يصح الاستدلال به.
وهنا تبرز مسألة وهي:
ما إذا كانت الصورة (ذات الروح) ممتهنة([72]).. فهل تزول حرمتها بالامتهان؟
فالجواب: إن حديثينا السابقين: حديث الستر الذي عليه تصاوير، وحديث النمارق التي اشترتها أمنا عائشة ليتوسدها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ما هما إلا صورتان ممتهنتان أي مستخدمتان وخاصة صورة النمارق, وبالتالي لا تزول الحرمة إلا بتغيير الصورة. فيجب أن تغير الصورة ويقطع الرأس كما في الحديث السابق:" فمر برأس التمثال الذي بالباب فليقطع فليصير كهيئة الشجرة. وأثر ابن عباس السابق:" الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس بصورة" ([73]).
أو إذا كان ثوباً يقطع ويعمل منه وسائد وفرش وغيرها بشرط تغيير معالم الصورة والأخص الرأس فيجب طمسه، للحديث السالف الذكر:" ومر بالستر فليقطع ويجعل منه وسادتين منتبذتين([74]) يوطآن...". ([75]) وحديث الصورة الرأس([76]). فإذا لم يؤد القطع إلى تغيير الصورة ما كان ثم فائدة للأمر بقطع الستر فلا فرق بين أن تكون الصورة على الستر أو على الوسائد فالصورة هي الرأس كما مر معنا، أضف ذلك أن المحظور ما زال قائماً وهو: قوله صلى الله عليه و سلم:" لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تصاوير"([77]).
ويؤكد هذا الفهم وهو أن قطع الستر إلى وسائد يجب أن يغير شكل الصورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أبى أن يجلس على النمارق التي عليها تصاوير كما في الحديث الذي ورد فيه أن عائشة رضي الله عنها اشترت نمارق عليها تصاوير ليجلس عليها النبي صلى الله عليه وسلم فأبى وقال: " إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم " وقال: " إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة."([78])
فهذه صور لا ظل لها امتهنت ـ وذلك بغرض الجلوس عليها فقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: إن (أصحابها يعذبون)، ويقال لهم أيضاً (أحيوا ما خلقتم), وأكد عليه الصلاة والسلام بقاء إحدى علل التحريم وهي عدم دخول الملائكة المكان الذي توجد فيه صورة ولو على الوسادة.
إذن نستطيع أن نخرج بثلاثة أحكام مما سبق:
• الأول: المقصود بالصورة المحرمة: كل ما رسم أو نحت أو صُوِّر من ذوات الأرواح سواء كانت تلك الصورة لها ظل (مجسمة) أولا ظل لها وسواء كانت واقعية أو غير واقعية وسواء كانت ممتهنة أو غير ممتهنة .
• الثاني: حرمة صناعة التصاوير: نحتها ونقشها ورسمها, سواء كانت بظل أو بغير ظل.
• الثالث: حرمة اتخاذها: أي استخدامها واستعمالها، سواء أكانت بظل أم بغير ظل، وسواء أكانت معلقة أم مفترشة، وسواء أكانت ممتهنة أم غير ممتهنة.
واعلم أخي سددك الله أنه لا يتوقف التحريم على معرفة العلة، فقد ندركها وقد لا ندركها، فالذين صوروا وَداً ويَعوق ويَغوث صوروها بحسن نية ثم عبدت.
وقد أخبرني أحد التائبين وقد كان بطلاً في إحدى الألعاب الرياضية أنه قبل دخوله حلبة السباق يقف خاشعاً أمام صورة بطل العالم لهذه اللعبة ليستمد منه القوة!!
إلا أنه قد فرق بعض من كتب في التصوير بين الصورة المرسومة باليد والصورة المصورة بالآلة الحديثة ( الصور الفوتوغرافية)، وجعل علة التحريم هي وسيلة صناعة الصورة، فقالوا ما كان يدوياً حرم وما كان آلياً أجيز!
نقول لهم ما الدليل على هذا التفريق؟ هل عندكم من علم أو أثارة من علم فتخرجوه لنا؟!
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر لنا أن سبب تحريم الصور هو وسيلة صنعها. فهو عليه الصلاة والسلام لمَّا رأى تلك الصور على الستر والوسائد والجدر قال الأقوال السالفة الذكر في حقها ولم يعلق التحريم على وسيلة الصنع! فالصورة هي الصورة، والمصوَّر هو المصوَّر, وكذلك المصوِّر هو المصوِّر!
فإن كان الرسام بذل جهداً بيده وركّز بصره, فإن الصور الحديثة الآلية الصنع في المقابل قد بُذل في صناعتها جهدًٌ أعظم وأدق!
فهي بحاجة إلى مصوِّر يصور، ثم من يعالجها بالأحماض في غرف مظلمة، ثم من يطبعها، ثم يحمضها ثانية فتخرج بعدئذ صورة مضاهية لخلق الله! والعياذ بالله.
ثم تطور العلم أكثر فصارت الصور تجهز خلال دقائق وربما يقولون في هذه الحال لم تحتج لأي جهد -ذلك الذي جعلوه وسيلة للتحريم-. نقول لهم كم من الجهد والوقت والمال تم إنفاقه على هذه الآلات!
فحجتكم مردودة عليكم، فضلاً عن أنكم جعلتم سبباً لم يجعله الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم سبباً.
ثم إن هذا السبب الذي حبَّرتموه وزوَّرتموه لا يتجاوز الظن! فهل بالظن يحلل شيء ليس محرما فقط بل هو كبيرة من الكبائر فاعله ملعون عند الله تعالى!!!
ثم إنه باتفاق العقلاء أن الدليل إذا احتمل بطل الاستدلال به.
ونطرد هذا أيضاً على الأصنام المجمع على حرمة صناعتها واستخدامها، فإذا صنع الصنم بواسطة آلات الخراطة الحديثة في دقائق معدودة هل يجوز صناعته واستخدامه؟!!!
سبحان الله العظيم! اللهم ألهمنا رشدنا وصوابنا وسدادنا. آمين.
فلا يحملنك أخي هواك على مخالفة هذه النصوص الواضحة الجلية البينة فتغلِّب العقل على النقل والهوى على الهدى!
ثم اعلم رحمك الله أن العلماء لم يبحثوا كثيراً في مسألة صناعة الصور لاتفاقهم على حرمة صناعتها, إنما بحثوا في استعمال هذه الصور التي لم يصنعها المسلمون في ديارهم, وإنما جاءت عرضاً في الأقمشة والثياب والبسط والأشياء المستوردة من بلادٍ غير إسلامية, وبحثوا في اقتنائها وتعليقها.
أضف إلى ذلك أن هذه الصور محرمة من وجه آخر وكفى به من وجه ألا وهو مشابهة أهل الكتاب فعن عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"([79]).
فجعل تصوير الصور من فعلهم، وجعلهم شرار الخلق!
ومن المعلوم أننا نحن المسلمين متعبدون بمخالفة اليهود والنصارى.
قال تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (الفاتحة7:6)
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى..."([80])
وغيره كثير من الأحاديث الحاثة على مخالفتهم حتى قال اليهود:" ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه"([81])
أما حمل المحرَّم من الصور على ما كان مخالفاً للواقع كالخيل ذوات الأجنحة فهذا مما لا دليل عليه في سياق الحديث فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم سوى انزعيه, بل دلت الأحاديث على أن من عِلَّة التحريم المضاهاة أي المشابهة, والخيل التي خلقها الله تبارك وتعالى ليس لها أجنحة, فأين المشابهة!
وفي الحديث الآخرقال:" إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم " وقال: " إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة."
فلفظ الصور عام لم يخصص بنوع دون آخر.
وفي حديث صور الكعبة فيها صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهذا واضح أن هذه الصور مما لا يخالف الواقع.
وكذلك ما فهمه ابن عباس وأبو طلحة رضي الله عنهم في الحديث السابق في قوله: يريد صورة التماثيل التي فيها الأرواح.
فهذا عام في جميع الصور والتماثيل ذوات الأرواح دون تخصيص العجيب منها من غيره.
وتبرز هنا مسألة، وهي:
هل يتوقف التحريم على النية؟ كأن يقول قائل :إنما صنعتُ هذه الصور لغرض الزينة أو التكسُّب من صناعتها، ولم يَدُر في خلدي العبادة أو المضاهاة.
فالجواب: نقول أن النية غير معتبرة في التصوير وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عائشة رضي الله عنها ماذا قصدتِ بتعليقك الستر المصور؟! وبشرائك النمرقة المصورة؟!.
ولا يُظن بأم المؤمنين أن تقصد تعظيم الصور بله عبادتها!، إنما قال عليه الصلاة والسلام ما قال سابقاً في الصور دون أن يعلق الأمر بالنية، بل إذا قُصِدت العبادة والتعظيم فلا تنطبق عليه الأحكام السابقة، بل أحكام الكفر.
بل وقبل ذلك امتنع جبريل عليه السلام من الدخول إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام:" أتاني جبريل فقال إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل ([82]). فلا يظنن ظان بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم سوءاً مثقال ذرة، إلا أني قدمت حادثة عائشة رضي الله عنها للاحتمال الغالب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف بوجود التمثال والصور وكذلك الكلب في الحديث الآخر.
وكذلك لم يعلق ابن عباس رضي الله عنهما النية عندما قال للمتكسِّب من صناعة الصور: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح([83]). مع أن الرجل كان مجرد متكسب من صناعة التصاوير، ولم يكن يقصد التعظيم ولذلك ربا الرجل ربوة شديدةً واصفر وجهه لما أخبره ابن عباس رضي الله عنهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا"([84]).
ما يستثنى من التصاوير:
يستثنى من التصاوير لعب البنات المصنوعة من العهن ونحوه. فعن الرُّبَيِّع بنت معوذ رضي الله عنها أنها قالت: "...فكنا نصومه بعد ونصوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن([85]) فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار."([86]).
وهذا خاص بالجواري أي البنات الصغار دون غيرهن من الكبار. فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:" كنت ألعب بالبنات فربما دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي الجواري فإذا دخل خرجن وإذا خرج دخلن ([87]).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: والذي يراد من الحديث الرخصة في اللعب التي يلعب بها الجواري وهن البنات فجاءت فيها الرخصة وهي تماثيل وليس وجه ذلك عندنا إلا من أجل أنها لهو الصبيان ولو كان للكبار لكان مكروها كما جاء النهي في التماثيل كلها وفي الملاهي([88])
ومع ذلك فهذه اللعب غير واضحة المعالم, إنما الشكل العام للُّعبة يظهر أنها على شكل بنت أو فرس ولذلك لم يعرف النبي صلى الله عليه وسلم ماهية هذه الصور (البنات والفرس)حتى سأل عنها.
فعن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعبٍ فقال: " ما هذا يا عائشة؟" قالت: بناتي. ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع فقال:" ما هذا الذي أرى في وسطهن؟" قالت: فرس. قال:" وما هذا الذي عليه؟!" قالت: جناحان. قال:" فرس له جناحان؟! " قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟! قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه ([89]).
أما بنات اليوم (العرائس) فهي مصورة تصويراً دقيقاً: الوجه؛ محفورالعينين!, بارز الأنف! مفتوح الثغر والشفتين! والصدر كاعب!! والعورة غير خافية!.
وقد أباح البعض الصور العجيبة المخالفة للواقع مستدلين بحديث الفرس ذي الأجنحة وتوسعوا في ذلك.
فنقول إن جعلَ مخالفةِ الواقع سببا للإباحة ما هو إلا افتراء سبب لم يجعله الله ولا رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم سببا,ً وفيه رجم بالظن وافتئات على الشرع.
فلا يتوسع في الرخصة لأن هذا استثناء من أصل محرم. والاستثناء من أصل محرم لا يكون إلا بنص, لا بقياس ولا بظن.
وبعد هذا الاستطراد في حكم الصور وبيان حرمة صناعتها, واستعمالها, واتخاذها تبرز عدة أسئلة واقعية وهي كما يلي:
• ما حكم الدخول في البيت والمكان الذي فيه صور؟
• وهل يجب تغيير أشكال الصور وطمسها؟
• ما حكم الصلاة في الثوب المصور وعليه ؟
• ما حكم تعليق صور الرؤساء, والشهداء، والأقارب، والأصدقاء الأحباء في البيوت والمؤسسات والشوارع والميادين؟
• ما حكم صور جوازات السفر؟
• ما حكم الصور المضروبة على العملات الجرائد والمجلات؟
• ما حكم الصور المرقومة على الكتب الدراسية؟
• ما حكم صور الرائي(التلفاز) والحاسوب؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات،يلزم التأكيد على أن المقصود بالصورة هنا هو ما خلصنا إليه؛ وهو صورة الرأس سواء زيد عليه أو لم يُزد, وسواء أكانت تمثالاً, أم رسماً، أم تصويراً (بآلة التصوير)، وسواء أكانت ممتهنة أم غير ممتهنة.
حكم الدخول في البيت والمكان الذي فيه صور:
إضافة إلى ما سبق من حرمة صناعة الصور واستعمالها فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذها في البيت أصلاً, فعن جابر رضِيَ الله عنه قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت ونهى أن يصنع ذلك"([90]).
فإذا وُجدت الصورة في البيت فعلى المسلم أن يمتنع من دخوله كما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول بيته الذي ينزل فيه الوحي-أطهر البيوتات- فعن أمنا عائشة رضي الله عنها:" أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخله ([91]).
وكذلك امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول الكعبة التي بنيت بوحي الله وأمره وهي أطهر الأماكن والبقاع والبيوت وأشرفها على الإطلاق، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم أبَى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الآزلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قاتلهم الله أما والله قد علموا أنهما لم يستقسما بها قط". فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل فيه"([92]).
هذا من وجه.
ومن وجه آخر: لامتناع الملائكة من دخول المكان الذي فيه صورة، وهذا سبب كاف, إذ وجود وحضور الملائكة أمر طلبه الشرع وحث عليه لقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}(فصلت:30). وقال تعالى:{ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}(القدر:4). وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده"([93]).
وقال أيضاً:" يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون"([94]).
وقال أيضاً:"... والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات"([95]).
وغياب الملائكة وعدم حضورهم أمرٌ حذر الشرع منه ونفَّر؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير"([96]).
وقال: " ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر والمتضمخ بالخَلوق([97]) والجنب إلا أن يتوضأ "([98]).
وقال صلى الله عليه وسلم: " من أكل من هذه البقلة الثوم ( وقال مرة من أكل البصل والثوم والكراث ) فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم "([99]).
وهنا امتنع جبريل عليه السلام من دخول بيت خير الخلق وسيد ولد آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم للحديث الآنف الذكر:" أتاني جبريل فقال إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل. ([100]).
وليس هذا وحسب ،بل لم يُبلغ الوحي الذى نحن بأمس الحاجة إليه فحرمنا الوحي, وراث عنا حتى هتكت الصور.
فبوجود الصور لا تقربنا الملائكة وبغياب الملائكة نُحرم الخير. و نحرم الرحمة, ونحرم رفع الأعمال([101]), ونحرم تثبيتها لنا،ونصرتها لنا, وقد لا تنزَّل الملائكة لنفخ الروح في الجنين فيحدث العقم!، وقد...,وقد...
وأهم من ذلك كله؛ أن الملائكة لا تنزَّل إلا بأمر الله لقوله سبحانه وتبارك:{ وما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} (مريم:64).
ومعنى ذلك أنها تمتنع من الدخول إلى البيوت التي فيها صورة بأمر الله، وكذلك التثبيت والنصرة, فبوجود الصور نحرم من معية الله تبارك وتعالى.
فإذا امتنع أمين الوحي أن يدخل بيت أمين من في السماء, فمن باب أولى أن يمتنع من هو دون الأمين دخول بيت من هو دون الأمين!
ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إذا رأوا صوراً.
قال البخاري (تعليقاً بصيغة الجزم): وقال عمر رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور ([102]).
وأما قول عمر فوصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال : لما قدم الشام صنع له رجل من النصارى طعاما - وكان من عظمائهم - وقال: أحب أن تجيئني وتكرمني فقاله له عمر: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها - يعني التماثيل.
ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع([103]).
فإذا كان لابد من دخول البيت أوالمكان الذي فيه صور فيجب أن ترفع هذه الصور فتخفى, أو تهتك فتردى, أو تطمس وتلطخ فتغير. وهذا كله حسب الاستطاعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان."([104]).
حكم الصلاة في الثوب المصور وعليه:
لا يجوز الصلاة في المكان الذي فيه صور سواء كانت الصور على الحائط أو على ستر أوعلى اللباس أوعلى سجادة الصلاة للآثار السابقة:
• "... فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل فيه"([105]).
• وكان ابن عباس يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل([106]).
ولا يعني ذلك بطلان الصلاة إن صَلَّى في مكان فيه صور.
إذن فحكم الصورة مطرد على كل ما سمي صورة سواء كانت في جواز سفر أو جريدة أو مجلة أو كتاب أو عملة أو صورة رجل ٍصالح أو كبير العائلة أو شهيد أو رئيس.
فلا يجوز رسمها أو نقشها أو تصويرها، ولا أعتقد أن ثمة من يقول إن الملائكة لا تمتنع من الدخول حيث تكون هذه الصور.
ونحن ندرك أننا في زمان عمت فيه البلوى بهذه الصور، ففي كل يوم يجِدُّ لنا أمر فتارة صورة على اللباس وتارة على السجاد وتارة على الحاجيات المنزلية اليومية وغيرها كثير. فعلينا أن نتقي الله ما استطعنا.
ففي جوازات السفر لطالما بقي الجواز مغلقاً مدسوساً في الدرج فلا يكون ضررٌ واقعٌ إن شاء الله تعالى لأن الصورة لم تعد ظاهرة فهي مخفية.
ويمكن عمل جوازات بلا صورة، حيث تكون الصورة محوسبة إليكترونياً حيث يوضع الجواز في الجهاز فتظهر الصورة على شاشة الحاسوب مع المعلومات الخاصة بصاحب الجواز كما هو معمول به في البطاقات الجامعية ولكن من دون ضرب الصورة في البطاقة، ثم هذه الطريقة تأمن عمليات التزوير التي يكون غالبها باستبدال صورة أخرى بصورة صاحب الجواز، أضف إلى ذلك أن بعض الدول بدأت باستصدار جوازات إليكترونية فيها إلى جانب الصورة ما هو أدق منها وهو بصمات الجبين.
وهنا أمر مهم جداً لنا نحن المسلمين وهو أنه لا يمكن أن يحرِّم الله علينا شيئاً ثم يُحيجنا إلى استعماله, فلابد أن يكون كل ما يحتاجه المسلم لمنفعته مما أحله الله وسخره لنا, فهو موجود, علمه من علمه وجهله من جهله وهذا من مقتضيات ربوبيته سبحانه و تبارك, فقد يكون ابتلاءً من الله, ولكن بتقوى الله يوفق الله المسلم إلى الحلال النافع {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:282)
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (الطلاق:2)، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}(الطلاق:4).
والحمد لله على كل حال؛ ما ظهرت هذه البلوى وغيرها من بلاوى العصر إلا في الحقبة الاستعمارية التي كان المسلمون أثناءها في انحطاط ديني ودنيوي فظهرت هذه البلايا واستمرءها المسلمون حتى صارت في زماننا لا غنى عنها.
وكذلك الأمر في العملات والصحف والمجلات فما يضيرنا نحن المسلمين أوينقص منا إذا ما قرأنا الأخبار دون صور؟! أو المواعظ دون أن توضع صورة الواعظ أوالمفتي على الأغلفة؟! فقد سمع وقرأ سلفنا الأول أصدق الأخبار وخير الهدي من غير صور, فهدوا إلى الله صراطاً مستقيماً، ورضي الله عنهم ورضوا عنه، وذلك لأن المنفعة الحقيقية هي المنفعة الأخروية وإن ظهر لنا فيها منفعة دنيوية قاصرة ارتآها المخلوقون المربوبون!
وكذلك يمكن سماع الأخبار عبر الإذاعة المسموعة كبديل عن الجرائد والمجلات.
وعلى ذلك نطرد صورة البطاقة الشخصية (الهوية), ورخصة القيادة، والشهادات الجامعية وغيرها من شهادات.
وكذلك الكتب الدراسية؛ لاسيما للصغار. فلتطمس صور الأغلفة, ونقول أصلاً لماذا الصور؟! هل لا يتم التعليم إلا بها؟! هذا غير صحيح!. فقد تعلمنا وتعلم آباؤنا وأجدادنا دون أن تسود الكتب بهذه الصور، فمنهم المهندس والطبيب والمدرس وما لحظنا نقصاً فيهم أو خللاً!.
وإن كان لابد من الصور (مع القطع بحصول المطلوب دونها) فبواسطة الحاسوب وأجهزة العرض الحديثة مثل ال(L C D ) فعند الحاجة يتم عرض المطلوب.
ورب قائل يقول: ها قد انتهينا من مشكلة الصور، لكن مشكلة التصوير ما زالت قائمة، فمن سيقوم بالتصوير عند الحاجة والمصور متوعد باللعن والعذاب وغيره؟ نقول: يمكن إسناد عملية التصوير عند الحاجة لغير المسلم, إذ ليس بعد الكفر ذنب.
أما صور المعظمين كالرؤساء والآباء والأجداد والأقرباء والأحباء والشهداء المعلقة في المؤسسات والوزارات والجامعات والبيوتات والشوارع والميادين بل والمساجد!! والله المستعان فهذه حرمتها كسابقاتها، بل هي أشد لما تفضي ـ بل بما أفضت ـ إليه من التعظيم ، فكم من سجين سجن لمجرد شبهة الإهانة لصورة هذا المعظم, وكم من معارك دارت بين الفرق بالأيدي والعصي وغيرهما لأجل صورة هذا القائد أوالشهيد، وأين ياترى؟! في بيوت الله!...
فخير صورة نحب أن نراها في كل حين ونحب أن نراها في منامنا هي صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم لم ترسم؟! ولم لم يرسمها صحابته الكرام ـ الذين أحبوه أكثر مما أحببناه؟! وفدوه بأرواحهم ـ ويجعلوها على أنقاب طيبة، وشوارعها ومساجدها!.
وكذلك سيد الشهداء حمزة؛ أليس هو أولى الشهداء بالوفاء والتقدير والتذكر والاقتداء؟!! فلم لم يصور له من فجع صورة توفيه بعض حقه؟!، وتقول للأجيال القادمة هذا سيد شهدائكم فاقفوا قفوه. فهل من معتبر!
حكم بيع التصاوير:
يحرم بيع التصاوير لما يلي:
• قال النبي صلى الله عليه وسلم :" قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه."([107]).
• عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول, سمعته يقول: ( من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا ) . فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح" ([108]).
حكم الرائي(التلفاز):
هذا الجهاز اخترعه الكفار, وشغل أوقاتهم كلها؛ من جهة صناعته، ومن جهة عمل البرامج من أغاني وتمثيليات ومسرحيات وأخبار على مدار الساعة, ومن جهة استخدامه فانشغلوا بمتابعة برامجه. لكن هذا ليس غريباً في أمة مفتقرة إلى الوحى متخبطة في ظلمات الشرك.
أما نحن الذين أكرمنا الله بالوحي فلا وقت عندنا حتى نبحث عما يملأ وقتنا, فغير عملنا الذي نقتات منه, لدينا تلاوة يومية لكلام الله، فينبغي لنا نختمه في كل شهر مرة وعلينا أن نتدبره لفهمه ونعمل به، فعلينا قراءة التفسير والحديث، وعلينا أذكار الصباح والمساء، وعلينا الاستغفار في كل يوم، وعلينا زيارة الأرحام، والأخوة في الله، والجيران حتى تقوى الروابط الاجتماعية التي حث الشرع عليها، وحضور مجالس العلم. فبعد هذا هل يبقى للمسلم وقت للرائي؟ ولكن الحاصل في الواقع خِلف هذا؛ فالرائي أخذ كل أوقاتنا حتى لم يبق عندنا فسحة لشيء من ديننا! والله المستعان.
فصار المسلسل أهم من الموعظة! وصارت موعظة الرائي تطغى على موعظة المسجد الذي تحف مجالسه الملائكة وتتنزل فيه عليهم الرحمة والسكينة! وصارت المباريات الرياضية في أطراف الأرض تشغل المسلم وتلهيه عن ورده، لا بل وعن الجمع والجماعات! وغيره الكثير والكثير مما يؤسف بذكره.
تبقى المشكلة الثانية التي هي موضوعنا ألا وهي صورة الرائي؛ فمن طرد حكم الصور السابق عليها أعطاها الحكم نفسه.
إلا أنا نلحظ أن ثم فرق بين الصورة السابقة (الصامتة) وصورة الرائي (المتحركة).
ومن الفروق أن الغرض من الصورة الصامتة هو صناعة الصورة ذاتها سواء كانت منحوتة أمنقوشة أو مرسومة أو مصورة بآلة التصوير.
أما صورة الرائي فليس الغرض الصورة، إنما ما يحصل من خلالها من الكلام والحركة والاتصال. بمعنى أن ثمة فرق بين أن تضع أمامك صورة صامتة لشيخ يعطي درسا ًفي أحكام التجويد في المذياع وبين أن تنظر إليه في شاشة الرائي وتستمع إليه.
وثمة فرق آخر وهو أنك قد تكلمه ويكلمك وتسأله ويجيبك وهذا غير حاصل في الصامتة.
وفرق آخر وهو أن المتحركة شبيهة بصورة المرآة المباحة، وأن الصورة تظهر فيهما بمرور الشخص أمامهما و تختفي باختفاء صاحبها.
وفرق آخر هو أن الصامتة لاستمرار وجودها وثباتها بالتعليق وغيره قد يفضي إلى تعظيمها وعبادتها ،وهذا غير حاصل في المتحركة إلا إذا ثُبتت فحينئذ تأخذ حكم الصامتة.
أما إذا نظرنا إلى المسألة بنظرة أصولية محضة كالمعادلات الرياضية فتكون الصورة كالصورة والمصور كالمصور فبالقياس الطردي ستأخذ الحكم نفسه.
إلا أنه لا يخلو الأمر من شبهة, فالشبهة منعت من التحريم والإباحة المطلقين فالاحتياط مطلوب.
وعليه لا ننصح بامتلاك هذا الجهاز على الأقل بسبب المشكلة الأولى، وإن وجد هذا الجهاز فلنتق الله ما استطعنا وليقتصر استخدامه على دروس العلم والمواعظ النافعة، والأخبار التي لا يكون أثناءها مخالفات شرعية كالموسيقى إن احتيج إليها.
واستحصال ما يحصل بغير الرائي أولى من استحصاله به كالأخبار مثلاً. أي نستعمل الرائي فقط عند الحاجة ونغلقه عند عدم الحاجة.
الخلاصة:
• الصورة لغة واصطلاحاً تشمل كل ما نحت أو نقش أو رسم أو صور أو رقم.
• الصورة المحرمة شرعاً هي صورة الرأس من ذوات الأراوح وما زاد عليه سواء كان لها ظل أوليس لها ظل وسواء كانت ممتهنة أوغير ممتهنة أو واقعية أو غير واقعية .
• الصورة ذريعة للشرك.
• الملائكة تمتنع من دخول المكان الذي فيه صورة.
• المصورون أشد الناس عذاباً يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم تعجيزاً.
• المصور ملعون. و صناعة الصور محرمة وهي من الكبائر.
• صناعة الصور وتعليقها مشابهة لأهل الكتاب الذين تعبدنا الله بمخالفتهم.
• تصوير المناظر الطبيعية وغير ذوات الأرواح جائز إذ ليست هي مناط الحكم.
• لا يجوز بيع الصور،واستعمالها أيضاً.
• يستثنى من الصور لعب الأطفال البنات "كالعرائس و نحوها" بشرط ألا تكون ظاهرة المعالم كلعب اليوم.
• لا يجوز تعليق الصور ولو كان المصَور صالحاً.
• لا ينبغي الدخول في مكان فيه صورة.
• وينبغي نقض الصور وهتكها أو تغيير معالمها- إذا لم يؤد ذلك إلى مفسدة- أينما كانت الصورة في بيت أو مؤسسة أو وزارة أو شارع أو ميدان أو على كتاب أو مجلة أو جريدة أو...إلخ.
• لا تجوز الصلاة في مكان فيه صورة([109]).
• لا يتوسع بالرخصة لأن الأصل في الصورة الحرمة,فلا يترخص إلا بما استثناه الشرع.
• إذا ألمَّت بنا الحاجة إلى صورة ما فلنتق الله ما استطعنا مع استحضار أن الضرورة تقدر بقدرها.
• لا ننصح باقتناء الرائي "التلفاز" أو استعماله إلا عند الحاجة مع تقوى الله قدر الاستطاعة.
________________________________________
([1]) البخاري، كتاب التفسير، باب "ولا تذرن ودا ولاسواعا ولايغوث ويعوق"، رقم:4636.
([2]) البخاري، كتاب أبواب المساجد, باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد، رقم7.
([3]) المصباح المنير 350.
([4]) لسان العرب 4/471, مختار الصحاح 156.
([5]) المصباح المنير 350.
([6]) القاموس المحيط 548.
([7]) لسان العرب 4/471.
([8]) تاج العروس 1/3079.
([9]) النهاية في غريب الأثر 3/58 .
([10]) سنن النسائي 4/88، رقم:2031, صححه الألباني.
([11]) مسلم كتاب الجنائز باب الأمر بتسوية القبر, رقم:969.
([12]) الدرنوك : البساط، غريب الحديث لابن قتيبة, 2/468.
([13]) مسلم كتاب اللباس والزينة, باب تحريم تصوير صورة الحيوان، رقم:2107.
([14]) البخاري كتاب اللباس، باب كراهية الصلاة بالتصاوير، رقم: 5614.
([15]) غريب الحديث لابن الجوزي،1/598.
([16]) المغرب في ترتيب المعرب لابن المطرز 1/486.
([17]) البخاري كتاب الطلاق، باب مهر البغي والنكاح الفاسد،رقم: 5032.
([18]) البخاري كتاب اللباس، باب تحريم تصوير صورة الحيوان،رقم:5954.
([19]) البخاري كتاب اللباس، باب نقض الصور، رقم:5953.
([20]) البخاري كتاب اللباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة، رقم:5950.
([21]) شرح النووي على مسلم، 14/81.
([22]) أحمد، رقم:2811, صححه الألباني في صحيح الجامع برقم:4554.
([23]) البخاري كتاب الطلاق، باب هل يرجع إذا رأى منكراً في الدعوة، رقم:4886.
([24]) البخاري كتاب اللباس،باب التصاوير، رقم: 5605 .
([25]) البخاري كتاب اللباس، باب كراهية الصلاة بالتصاوير، رقم: 5614(سبق).
([26]) قال أبو عبيد: قال الأصمعي:ثياب من خز أو صوف وهي معلمة. غريب الحديث لأبي عبيد ،1/226.
([27]) كساء غليظ من الصوف له خمل وليس له علم. غريب الحديث لابن الجوزي،1/43.
([28]) البخاري، كتاب أبواب الصلاة في الثياب، باب إذا صَلَّى في ثوب له أعلام، رقم:366.
([29]) البخاري كتاب المظالم، باب هل تكسر الدنان. فإن كسر صنماً أوصليباً أوطنبوراً أو ما لا ينتفع بخشبه، رقم : 2346 ومسلم كتاب الجهاد والسير، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة، رقم:1781.
([30]) مسلم كتاب الجنائز باب الأمر بتسوية القبر, رقم:.969.
([31]) شرح النووي على مسلم 14/82.
([32]) البخاري :كتاب اللباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة، رقم:5607.
([33]) ابن ماجة،كتاب اللباس ،باب الصور في البيت،رقم: 3652, ضعفه الألباني.
([34]) أحمد، رقم:2811, صححه الألباني في صحيح الجامع برقم:4554.
([35]) البخاري، كتاب اللباس،باب عذب المصورين، رقم:5618.
([36]) سنن الترمذي، كتاب الأدب،باب أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة أو كلباً، رقم:2806, صححه الألباني.
([37]) البخاري كتاب البيوع، باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح، رقم 2212.
([38]) البخاري كتاب الأنبياء باب شهود الملائكة بدرا، رقم:3780.
([39]) شرح النووي على مسلم، 14/81.
([40]) أبو داود كتاب اللباس، باب في الصور، رقم56، أحمد 14636, ابن حبان، كتاب الحظر والإباحة، باب في الصور والمصورين، والبيهقي ،كتاب الحج،باب الدخول إلى البيت والصلاة فيه, قال الألباني: حسن صحيح, صحيح أبي داود.
([41]) مسند أحمد، رقم:15296, صححه الألباني في الصحيحة.
([42]) مسند الطيالسي، رقم:623، معجم الطبراني الكبير، رقم407, صححه الألباني في الصحيحة.
([43]) البخاري، كتاب الحج، باب من كبر في نواحي الكعبة، رقم:1524.

آخر من قام بالتعديل نزف القلم; بتاريخ 22-11-2006 الساعة 04:05 PM.
نزف القلم غير متصل  


قديم(ـة) 22-11-2006, 04:37 PM   #2
al sahafy
عـضـو
 
صورة al sahafy الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: عند اللي أحبه
المشاركات: 149
سلمك الله ..
..
وأفاد بك الاسلام ..
__________________
بـريــدة صـوت وجدانـي وروحـي ... وإيقـاع يغنـي لـي حيـاتـي
أغيـب وإن قـلـبـي فـي ثـراهـــــا ... يـبـلغهـا بأنـي سـوف آتـي
al sahafy غير متصل  
قديم(ـة) 22-11-2006, 04:45 PM   #3
نزف القلم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 57
al sahafy
اشكر لك مروركـــــ الكريمـــــ
نزف القلم غير متصل  
قديم(ـة) 23-11-2006, 06:57 PM   #4
نزف القلم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 57
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!؟؟؟؟
نزف القلم غير متصل  
قديم(ـة) 24-11-2006, 05:57 AM   #5
لكزس
Guest
 
تاريخ التسجيل: Nov 2006
البلد: في بلاد الأمن والأمان بلاد الحرمين
المشاركات: 228
الله يصلح الجميع ويلهمنا الصواب
لكزس غير متصل  
قديم(ـة) 24-11-2006, 09:17 PM   #6
أبوفارس الخالدي
عـضـو
 
صورة أبوفارس الخالدي الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
البلد: واحة النجوم
المشاركات: 3,304
كل ماذكرت ياعزيزي لا يمكن أن أؤمن بأنه ينطبق على التصوير بالآلات الحديثة ؟؟!!..

لكن أدعوا معي بأن يرينا الله الحق حقاً ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا إجتنابه ..

وجزيت الخير كل الخير على الإعذار (إن عليك البلاغ )
لكن المشكلة في بعض الناس الذي يفهم هذا الإعذار
بإنه منع الناس من التصوير !!!..
هداني الله وإياه ..
__________________
(يابني أركب معنا ) ..


لم أعد أكتب بمعرف [ أبوفارس الخالدي ]
وذلك لوجود من انتحل هذا الاسم في منتديات كثيرة وهو ليس لي
مع فائق الود والتحية .
أبوفارس الخالدي غير متصل  
قديم(ـة) 25-11-2006, 02:40 AM   #7
طالب الفردوس
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
البلد: تاج القصيم (( بريده ))
المشاركات: 750
جزاك الله خير قال تعالى ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) ولقد والله كثر التصوير وخاصة فى هذا الوقت القريب فمن يصدق أن أفلام الكرتون ستكون حلال فى يوم ما والكامرات (الجوالات) مع الدين والفاسق فى حد سواء وقد سؤل الشيخ سليمان العلوان عن التصوير الفوتغرافي وهل هو فرق بين التصوير باليد والرسم فأجاب لافرق بينهم بل التصوير باليد أشد تحريم وسأل عن قناة المجد فقال أن كان يوجد فى البيت دش او تلفاز وألا فل وقال الشيخ العلوان أن التصوير من خصائص الله وقد حذر عنه رسول الله0 وأن كان أفتراض أن التصوير الفديو ليس المقصود بالاحاديث فألاحتياط واجب0
طالب الفردوس غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 05:07 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)