بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » (كارثة المعلمات ) سمفونية حزينة اخترتها لكم من مقالات الدكتور الهويمل

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 04-12-2006, 12:39 AM   #1
عباس محمود العقاد
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
(كارثة المعلمات ) سمفونية حزينة اخترتها لكم من مقالات الدكتور الهويمل

مع كارثة المعلمات وجهاً لوجه الحدث.. والحل..!
د. حسن بن فهد الهويمل


1 عندما ترى سبع فتيات بكل مايحملن من طهر وبراءة منتشرات على الأسرة البيضاء.
يملأنها نزيفاً.
ويملأن الفضاء بأصواتهن المختلطة، بين أنين وعويل وانتحاب.
مبعثرات الشعور، ممزقات الدثور، شاخصات الأبصار، لا يشعرن بغاد ولا برائح، ولا يقدرن على الإدلاء بالجلابيب، والأطباء والممرضات في جيئة وذهاب، يغالبون النزيف، ويساعدون على التنفس، ويحاولون التفويق.
والمتقاطرون على المستشفى يضجون بالحوقلة والحمدلة والاسترجاع.
ينظرون بذهول إلى الراكضين من الأطباء والعاملين، وكأن لغة الكلام قد تعطلت، وخاطبت العيون الزائغة بعضها بلغة الهلع والخوف.
كانت ساعة رهيبة، أعادت إلى الأذهان مشاهد القيامة، التي وصفها القرآن الكريم، ولم يسرف في الوصف {يّوًمّ تّرّوًنّهّا تّذًهّلٍ كٍلٍَ مٍرًضٌعّةُ عّمَّا أّرًضّعّتً وّتّضّعٍ كٍلٍَ ذّاتٌ حّمًلُ حّمًلّهّا وّتّرّى پنَّاسّ سٍكّارّى" وّمّا هٍم بٌسٍكّارّى" وّلّكٌنَّ عّذّابّ پلَّهٌ شّدٌيدِ } [الحج: 2] نعم كان الموقف عصيباً، والساعات ثقيلة مملة، يسأل مفجوع فلا يجاب.
أقبلت أبحث وسط الأشلاء عن فلذة كبدي، أعرفها تماماً، ولكن الوجوه السافرة بكل وضاءتها وطهرها، والصدور العارية، والشعور المبعثرة، والسيقان المكشوفة، غشيتني بالغيرة والحياء والذهول، فلم تتجاوز نظرتي اقدامهن، وحين عرفتها، أمسكت بقدمها، أتحسس نبض الحياة، وزحفت نظرتي الواجفة صوب وجهها الشاحب وعيونها الشاخصة وشفتيها المترمدتين ولسانها المتخشب، عرفتها وعرفتني وتمتمت بكلمات خافتة:
لا تحزن نحن بخير.
لم أشعر بعدها بشيء.
غرق الوعي في ضباب الذهول
كما يغرق قرص الشمس في العين الحمئة
أظلمت الدنيا
أحسست أن يداً حانية جذبتني
ولم أفق إلا وأنا على مقعد مخملي في مكتب المدير
من جاء بي؟
من أجلسني؟
لست أدري!
وأقبل شاب زائغ البصر، يتهادى بين طبيب ورجل أمن، وألقياه الى جانبي، وأحسست أنه يمسك بمتكئه، وكأن المقعد سيطير به إلى غير هدى، كان يسأل عن زوجته الحامل:
أين هي؟
وكيف حالها؟
والناس من حوله صامتون، مدير المستشفى وضابط المرور، ينظرون الى الأرض كأنما يبحثان عن شيء ضيعاه، وتتلاحق كلماته الواجفة.
هل هناك حالات خطرة؟
هل مات أحد؟
قال أحدهم بصوت متهدج:
هناك وفيات.
إذاً هي قد ماتت؟
لا إنها في حالة حرجة.
أريد أن أراها.
ستراها في الجنة.
وصمت..
تخشب مكانه
وتخشبنا معه
إنها لحظات لم آلفها من قبل
إنها حياة أخرى، عرفت معها كيف تتغير الأمور بلحظات، وعرفت معها ألا سور بين الحياة والموت، نفس يخرج ثم لا يعود، تفهت الحياة، وتضاءلت، ولكن عمارة الكون تزرع فينا النسيان والأمل، كي نقضي حياتنا ببناء للخراب وإنجاب للموت، وكل الذي فوق التراب تراب، لقد انقلبت الأوضاع رأساً على عقب، مجرد أن سائقاً أراد أن يتجاوز ما أمامه، ففاجأته سيارة مقبلة، فارتبك، ثم حلت الكارثة، فعل بسيط، وتصرف عادي، غيرا مجرى حيوات كثيرة، فجعا أسراً كثيرة، وفرقا بين أحباب لايفكرون بالفراق، يا لها من حياة تافهة، بل هي تافهة التفاهة، البعوضة تافهة، فكيف بجناحها، إنها هكذا عند خالقها، ولكنها عند عبد الدينار والدرهم التعيس شيء كبير.
كنت عائداً من صلاة الفجر.
وكنت أشعر بإحساس غريب.
بعد حلم مزعج.
رأيت في المنام أن ساقي جريحة، وأنها تنزف دماً.
وأني أبحث عمن يعالج.
ورن الهاتف
فأيقنت أن شيئاً سيكون.
كان المسعف المحسن قد وصل ابنتي بي، وسمعتها وهي تغالب آلامها.
حادث بسيط.. لا تسرع يا أبتي كلنا بخير.
نحن في الطريق الى مستشفى «رياض الخبرا»
وانقطع الصوت، كانت الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد 27/11/1422ه، سحبت نفسي كسارق أحس بحركة، وتركت الجميع يغطون في نوم عميق.
وركبت الطريق.
أردد الأوراد والأدعية، وأقطع الإشارة تلو الإشارة وأبحث في الذاكرة
عمن سينقذ الموقف، أذكر أنني أيقظت سمو الأمير في الثالثة صباحاً، ولكنه لموقف إنساني، لا يحتمل التأخير، ولا يباشره سواه. وتحرك العقل الباطن يلوب الآفاق، لم أجد بداً من الاتصال باللواء «خالد الطيب» مدير شرطة القصيم الذي تلقف الخبر، وباشر العمل.
وبعده اتصلت بالدكتور «ياسر الغامدي» مدير الشؤون الصحية، حيث بادر الاتصال بالطوارئ ليجدها على اتصال مع المستشفيات القريبة من الحادث.
وفي الطريق الذي امتد كألف ميل، كان الرجلان معي عبر الجوال.
وحين وصلت شعرت بأن كل الأطراف في مستوى الحدث.
سيارات إسعاف
سيارات أمن ومرور
أطباء تتخطفهم الطرقات
جوالات وهواتف، وكأن حريقاً قد شب في الردهات، قلت في نفسي الحادث مروّع
ملامح الرجال لا تبشر بخير
والحركة فيها ذهول وشرود
لم يستقر بي مكان، ولم يهدأ لي بال، عرفت ان ابنتي على قيد الحياة، ولكن الحوادث تزرع الإصابات بحيث لا يستبينها أحد إلا حين تكشر عن أنيابها.
جلست خائفاً أترقب
أسرق بسمعي الكلمات الخافتة بين الأطباء والمساعدين، حالات خطرة، نزيف حاد، غيبوبة، «وفاة».
واحدة فقط.. كانت أعز صديقات ابنتي ماتت «منى».
الفتاة حامل، قضى عليها النزيف والتهتك والجنين الذي تمزق في الأحشاء كل ذلك لم يدع فرصة للأطباء.
نهضت، وكأني أحتج على الخبر.
أرفض قبوله،
فتاة بريئة تستقبل مع زوجها مولودها البكر، يموتان معاً ميتة مجانية ومفاجئة.
تصورت أهلها وزوجها والديها أقاربها الذين يرقبون عودتها
هي وحدها بين الغرباء
إنها بحاجة الى من يضع يده على جبينها الصبوح من يلقنها الشهادة من يسجيها، لا أحد، تركها الجميع، سحبت الآلات والأجهزة، وأوقفت الحقن، وعجز الطب عن التدخل السريع.
زحف بها السرير المتحرك الى الثلاجة.
انتهى كل شيء بالنسبة لها، وابتدأ كل شيء بالنسبة لذويها.
دخلت في عالم جديد.
وأقبلت على رب رحيم، وجنة عرضها السماوات والأرض.
رحمك الله أيتها الفتاة الطاهرة.
بارحت مكاني، تشبث بي مدير المستشفى الذي أغرق الجميع بلطفه ومواساته، ولم ألتفت إليه، عدت إلى ابنتي فلربما تكون الشهيدة الثانية.
دخلت الغرفة كانت إلى جانبها «وفاء» تصرخ من الآلام، وتردد سأموت سأموت، ابنتي ابنتي، كانت هي الأخرى حاملا ترقب مع زوجها الحدث السعيد، وكان الحدث الأليم هو الأسبق.
وأقبلت علي ابنتي.. كانت في حالة من الذهول
ولما رأتني
قالت: هل مات أحد.. قلت لا أنت الأخطر، وها أنت تتكلمين..
صاحت بي لاتبتعد أحس بغثيان أحس بغيبوبة.
غشيتها صفرة، غارت نظراتها
نظرت إلى الطبيب المنكب على «وفاء».
طمأنني: حالتها غير حرجة.
وعاد وعيها ببطء لتقول:
لا لست الأخطر «منى» و «وفاء» حاملتان، وقد اختارتا مقدمة السيارة، لتلافي المطبات، كان مفروضاً أن أكون في المقدمة، ولكنني تنازلت عنها مراعاة لوضعهن.
تحركت أولى المصابات الى مستشفى «البكيرية» الذي رفع درجة استعداده.
وتحركت الأخرى،
كانت «وفاء» هي الثانية حالتها خطيرة، ولكن لا بد من التحرك.
النزيف والتهتك يتطلبان التدخل الجراحي.
وأثناء التدخل لإنقاذ حياتها، توفيت، وعندها أحسست أن العقد بدأ ينفرط.
وصل من «بريدة» فريق من الطوارئ، وزادت حالة التوتر، الباقيات في حالة خطيرة، ومن المتوقع أن تموت أخريات، لقد بدأ الهلع على الوجوه، وتحركت سيارات الإسعاف بمن استقرت أحوالهن.
كانت الساعة الثانية عشرة ظهراً، وكانت الأوضاع في طريقها الى الاستقرار، الإصابات متفاوتة، السائق أعطى المعلومات للمحقق قبل أن يدخل في حالته الحرجة.
وتجيء التوجيهات بنقل كل المصابات الى مستشفى الملك فهد التخصصي، وتحركت ابنتي، وانطلقت وراءها، كانت كل المعلومات بين يدي صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر وسمو نائبه، وكانت توجيهاتهما تؤكد على رفع درجة الاستعداد الى أعلى مستوياتها.
وتفضل سموه الكريم وسمو نائبه بمهاتفتي للاطمئنان والتطمين، وتابعت حرم سموه الحالات، وتوالت المهاتفات من كبار المسؤولين والأصدقاء، يواسون ويأسون ويتوجعون، ويعرضون الخدمات، وأحسست أننا بخير، وأن إمكانياتنا في مستوى احداثنا، لم ألاحظ أي تقصير على كل المستويات في الإمارة وفي الصحة والأمن والتعليم، كان تعليم البنات يتابع، وهاتفني مدير تعليم البنات للتطمين ولما يعلم أنني في أتون الحدث، وكان مندوب الرئاسة وبعض الموجهات في المراكز القريبة داخل المستشفى، كل المدرسات اللاتي مررن بالحادث عدن من مدارسهن قبل نهاية الدوام، لم يشعر أولياء الامور الذين توافدوا فيما بعد على المستشفى بالوحدة ولا بالغرابة.
وقبل العصر كان كل شيء قد انتهى، وعاد المستشفى في محافظة «رياض الخبراء» الى وضعه الطبيعي.
أديت صلاة الميت على «منى» و «وفاء» وبدأت رحلة المتابعة لحالة المصابات، وانهالت كلمات المواساة والاطمئنان والتهنئة.
* * *
2 وثارت التساؤلات: من المسؤول عن هذه الحوادث؟ السائقون، السيارات، الطرق، المرور، التعليم، أولياء الامور، واستعاد البعض أحداثاً مماثلة، واستحثوني على طرح القضية، فالأمر لا يحتمل التأخير، وجميل أن يبحث الرأي العام عن أسباب أي كارثة. البلاد تعيش حرباً داخلية، كل دقيقة تزهق روح، ويعوق مواطن، وتضيع ثروة. حوادث السيارات إشكالية، يجب أن تفكر فيها كل القطاعات لا على طريقة: من المسؤول؟ ولكن على طريقة: ما الحل؟.
يجب أن نبحث عن الحل، أن نعرف، لماذا وكيف حصل الحادث؟ نعم هناك أطراف ضالعة في الحوادث ومسؤولة، والإشكالية ليست وقفاً على «المعلمات»، أسر تخرج ولا تعود رجال ونساء شباب وأطفال يموتون دون سابق إنذار.
وحين يزعجنا ارتفاع نسبة الحوادث بالنسبة للمعلمات فإن واجبنا أن نفكر جيداً في ذلك، وألا نتخذ الرئاسة مشجباً، وفي الوقت نفسه يجب عليها ان توظف خبراتها المتميزة في عمليات النقل لمعالجة مشاكل نقل المعلمات.
الرئاسة لها أساطيل نقل في كل بقاع المملكة، وتجربتها مشرفة وعملها متفوق، وإمكانياتها جيدة، ووسائل السلامة عندها متميزة. وحوادث سياراتها نادرة، وإذ لا يكون من مسؤوليتها نقل المعلمات، ولا يحق لأحد تحميلها أي مسؤولية، فإن الموضوع لا يرتبط بالمسؤولية أو عدمها، وإنما هو في أن تستخدم الرئاسة خبرتها المتميزة في تقديم المشورة لمن يهمه الأمر.
لقد فكرت طويلاً في تقديم رؤية معقولة وممكنة، وكل من استعداني على المسؤولين طلبت منه رؤيته، غير أني لم أهتد الى رؤية مناسبة، ولكنني لم أيأس من حل المشكلة، لابد من التفكير، لابد من استقبال الآراء، ومساءلة كل الأطراف: المرور، الطرق، أولياء الأمور، لا شيء يستعصي على الحل، لا بد من الإرادة والإصرار، لابد من تداول الإشكالية على كل المستويات، مجلس الشورى، وزارة الداخلية، وزارة المواصلات، الرئاسة العامة لتعليم البنات.هناك سائقون متهورون، وآخرون غير أكفاء، وذوو سوابق، وهناك سيارات انتهى عمرها الافتراضي، لا تصان، ولا يعرف المعنيون إمكانيات احتمالها للطرقات الطويلة، هناك طرق ضيقة ومعوجة ومرتفعة، ومكتظة بالحركة، «طريق المدينة» مليء بالقرى والهجر المتناثرة على جانبيه، تنتاب الطرق الإبل السائبة، ويجوبُه من لا يعرفون وسائل السلامة، لا رقابة على هذا الطريق، ولا مطاردة للمسرعين والمتهورين، حوادث الطريق مروعة، لا بد من دعم المستشفيات الواقعة عليه بالإمكانيات، وبخاصة في أوقات الذروة كالحج والدراسة، وأمام هذه الشبكة من الإشكاليات لابد من تكوين فريق عمل، يستعرض المشاكل، ويقدم الحلول، لا بد بادئ ذي بدء من شبكة مراقبة، ونقاط تفتيش، ومحطات فحص للسيارات المستخدمة باستمرار على الطريق، ولا بد من تأخير دوام المدارس النائية ساعة أو أكثر، لتتمكن سيارات النقل من الوصول برفق، كانت حجة السائق أنه متأخر، والمدرسات يحاسبن حساباً عسيراً على التأخير.
لا بد من دراسة إشكاليات نقل المعلمات، ووضع نظام دقيق وصارم، يطال السائق والسيارة، أولياء الأمور مسؤولون، ولكنهم قد لا يجدون بداً مما ليس منه بد، وقد لا يعرفون شيئاً عن السيارة والسائق والطريق. إن إشكالية المدارس النائية ستظل في تنامٍ مخيف، ما لم تتخذ الحلول الجذرية على مستوى الدولة، فهي لن تحل إلا من جهة السياسة العليا، إذ لابد من نقل رسمي أو إشراف مباشر، أو شركات مقتدرة، ولا بد من مكافآت للمناطق النائية، ولا بد من تكثيف الساعات في جزء من أيام الأسبوع للوافدات من بعيد، بحيث يكون هناك تناوب، ولا بد من دراسة فكرة المجمعات، وفكرة السكن الجماعي، وهناك خيارات متعددة، معقولة وغير معقولة، إن علينا ألا نثور أمام الحدث، ثم نغفو بانتظار حدث آخر.. الإشكالية منا وإلينا، ونحن فريق يشترك في المسؤولية وفي الحل، وعلينا أن نبدأ التفكير والإقدام:




وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج
عباس محمود العقاد غير متصل  


موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 05:39 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)