بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » رساله من مكه عن أي شيء ندافع لشيخ (سفر الحوالي)

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 06-05-2002, 04:25 PM   #1
الفارس المبجل
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2002
المشاركات: 44
رساله من مكه عن أي شيء ندافع لشيخ (سفر الحوالي)

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين


رسالة من مكة :
عن أي شيء ندافع ؟؟:

رد على خطاب المثقفين الأمريكيين الستين المعنون: " رسالة من أمريكا : على أي شيء نقاتل":-

ليس هناك ما هو أسوأ من انتهاك القيم الأخلاقية - كالحرية والسلام - إلا أن تكون النخبة التي يفترض أن تكون حامية لهذه القيم أداة طوعية للاستبداد والعنف . وليس أسوأ من الساسة الذين يزجون بشعوبهم في سعير العداوات والحروب ، إلا المثقفين الذين يبـررون لهم ما يفعلون . وإذا كان هذا في بلد حر ديمقراطي فإنه يمثل انتكاسة في عالم القيم ، تفوق كارثة في حجم تدميـر مبنى ، أو قتل بضعة آلاف في عالم المادة .
ولو أن ستين مفكرًا سوفيتياً اجتمعوا - أيام ستالين - على تأييد نهجه الاستبدادي لكان وصمة عار ، لكن ذلك على أي حال يظل أقل سوءاً من اجتماع ستين مفكراً من العالم الحر على مثل ذلك .
لقد تزامن إعلان الرئيس الأمريكي عن بداية المرحلة الثانية فيما يسمى الحرب على الإرهاب ، مع صدور خطاب ستين من المثقفين الأمريكيين يبـرر هذه الحرب . كما تزامن إعلانه عن" محور الشر " بإعلان الستين عن تحديد الفئة الشريرة التي تشكل خطرًا على العالم كله بزعمهم . وجاء تعليلهم لأحداث 11 أيلول بأنها حرب على الحرية مطابقاً لما افتـتح به الرئيس حديثه عن الأزمة ، وجاء الخطاب على صيغة البيانات الثورية :
((باسم المبادئ الأخلاقية الإنسانية العامة ، وبوعي كامل لقيود ومتطلبات الحرب العادلة نؤيد قرار حكومتنا ومجتمعنا باستخدام حد السلاح . . .
نرفع صوتا واحداً للقول إن انتصار أمتنا وحلفائها في هذه الحرب حاسم . إننا نقاتل للدفاع عن أنفسنا، ولأننا نؤمن ، أيضاً ، أننا نقاتل من أجل حماية تلك المبادئ العامة المتعلقة بحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية والتي تشكل الأمل الأفضل للنوع الإنساني ))
لو أن العالم صدّق هؤلاء في دعوى تمثيلهم للأمة الأمريكية فسوف تكون خيبة أمل كبرى في أمة تعتبـر في طليعة شعوب العالم الحرة ، لكن الشيء الذي يفتح ثغرة الأمل ، ويبشر ببقاء الفطرة الإنسانية على خير، أن يكون هؤلاء الستون لا يمثلون الأمة التي تحدثوا عنها ، بل هم – في الأغلب - ينتمون إلى تيار معروف ترفضه الأكثرية من المفكرين والشعب ، بل ربما بعض مسؤولي الإدارة السياسية نفسها .
ومع ذلك فإن هؤلاء الستين لم يستبدوا بالحديث عن أمتهم فحسب ، بل فوّضوا أنفسَهم للحديث عن أتباع الديانات العالمية الكبرى ((المسلمين ، النصارى ، اليهود، الهندوس)) وعوضاً عن التحذير من التطرف والعنف في كل حضارة ودين وبيان أن العنف يولد العنف المضاد ، ادعوا أن الخطر الوحيد على اتباع هذه الأديان جميعاً بل على العالم كله هو الحركة الإسلامية – بكل فصائلها – واصفين تنظيم القاعدة بأنه "رأس حربة" لها ، ولم يكتفوا بالتعميم والتضليل بل جاءوا بالإفك الصريح فقالوا :
((وهي تجهر علناًًًُ برغبتها في استخدام القتل العمد لتنفيذ أهدافها ))
(( إن هذه الحركة تمتلك اليوم ليس الرغبة المعلنة فحسب بل القدرة والخبـرة بما في ذلك احتمال الوصول والرغبة في استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والرؤوس النووية للانتقام عبر تدمير ضخم ومروع لأهدافها ))
وتجاوزوا اتهام الحركة الإسلامية إلى اتهام الحكومات الإسلامية بأنها (( تتسامح )) أو أكثر من ذلك ((تدعم)) هذه الحركات في بعض الأحيان !!
لاشك أن كل عادل وخيـر في أمريكا والعالم - حتى الذين تجاوز تنظيم القاعدة عندهم درجة الاتهام إلى الإدانة - لا يقرون هذا الاتهام الجائر لدعوة عالمية متعددة التشكل والمواقع والوسائل تهدف بجملتها إلى إعادة أمتها والعالم إلى نور الإسلام وعدله ، الإسلام ذلك الدين الذي أنشأ أول وأعظم حضارة إنسانية في التاريخ البشري ، حضارة شملت من المحيط الهادي شرقاً إلى الأطلسي غرباً ، تحقق فيها من الكرامة الإنسانية والحرية الدينية ما سطع نوره على الغرب المظلم حينئذ ، فاتجه في عنف ثوري ليتشبث بشعارات كانت في الحضارة الإسلامية حقوقاً عامة –كالماء والهواء - لكل بني الإنسان .
هذا ما اعتقدناه من أول وهلة وبعد شهرين من صدور الخطاب الستيني صدق ظننا فأصدر (128) مفكراً أمريكياً خطاباً مناقضاً صرحوا فيه باتهام الحرب على الإرهاب ومؤيديها بالعنصرية .
وصدقوا !!
ومن هنا ينبغي فهم خطابنا هذا على أنه إيضاح لما جهله أو تجاهله هؤلاء المثقفون الستون ، وتذكير لما غاب عنهم وليس موجهاً أساساً لرد الافتراء عن الدعوة الإسلامية المعاصرة ولا نقد القيم الأمريكية ، فهذا يحتاج إلى عرض مفصل وطويل ، إنه كتب بناءً على أملٍ في المراجعة واستدراك الخطأ في الموضوع الأصل وهو تأييد الحملة المسماة " الحرب على الإرهاب" باسم القيم الأخلاقية الكونية كما يدعون ، تلك الحملة التي تستهدف العالم الإسلامي من حيث هو إسلامي وبدون مواربة .
وقد شجعنا على هذا الأمل ما ورد في الخطاب من لمحات حقٍّ توجب علينا أخلاقنا أن نفترض حسن النية في كاتبها.
إن النـزعة العنصرية لدى هؤلاء الستين – وهي أمر مؤسف للغاية – تجاوزت جحد منـزلة القيم الإسلامية لتـتنكر للقيم الغربية نفسها :

(( ما من أمة صنعت هويتها، أو كتبت دستورها ، وسائر وثائقها المؤسِّسة ، كما فهْمَهَا الأساسي لنفسها ، بهذه الدرجة من المباشرة والإفصاح بالاستناد إلى القيم الإنسانية الكونية ))
حين أسس "جون سميث" مستعمرة فرجينيا سنة 1607 قال ((لم تتفق الأرض والسماء على إعداد بقعة يسكنها الإنسان أفضل من هذه البقعة )) وهكذا مرت أربعة قرون على هذه النظرة الاستعلائية دون تعديل.
وكأن الناس - في الغرب على الأقل - لا يعلمون أن هذه الأمة تشكلت من خلال ثورة على أكثر الديمقراطيات الغربية رسوخاً ، وانتحلت شعارات مؤسسي فكر الثورة الفرنسية ، لكي تؤسس أكثر المجتمعات دموية وعنصرية في التاريخ الإنساني .
ليس من اللازم أن تكون الإمبراطورية الأمريكية المعاصرة هي ما أراد المؤسسون الأوائل تأسيسه ، كما ليس من العدل أن يقال إن الشعب الأمريكي يؤيد المؤسسة الإمبراطورية العسكرية في واشنطن عن قناعة وإيمان ، بل إنه ضحية تضليل هائل . لكنه على أي حال مسؤول – كأي شعب حر- عما يعتقد ويفعل .
ومن هنا يجب عليه أن يحاكم تصرفات تلك المؤسسة إلى الأخلاق والقيم ، لا أن يصدق الذين يُلبِسونها ثوباً زائفاً من الأخلاق والقيم معتمدين في إسكات ضميره على إثارة نزعة التميّز و الاستعلاء ، وإلا فسوف يبتعد عن القيم الكونية مخدوعاً بأنه أول من أسسها وأصدق من يمثلها ، في حين يتجه الشعور العام لدى الشعوب التي تعلّم منها الأمريكان القيم إلى عكس ذلك تماماً ، فالخطر الذي يقلق الغيورون على الحرية في بريطانيا - أو غيرها حالياً - هو أن تتخلى عن بعض قيمها الديمقراطية مقتفية النهج الأمريكي في التضييق على الحريات .
هذا الانتكاس يُظهر أن الغطرسة الأمريكية - التي اعترف بها الستون سياسياً - قد ألقت بظلها على عالم المنطق أيضاً . وحين يكون منطق القوي هو الذي يفرض نفسه وليس أمام الآخرين إلا الإذعان فتلك هي المأساة !!
منذ قرابة قرنين ادعى هيجل أن نهاية الجدلية التاريخية تحققت في ظل الإمبراطور العظيم لدولة "بروسيا ". وسرق ماركس الفكرة ليعلن أن تلك النهاية إنما تتحقق بقيام دولة "البروليتاريا" . وعندما أقام "لينين" هذه الدولة جعل تلك العقيدة حجر الزاوية في الفكر الثوري الذي اجتاح نصف هذا الكوكب.
وقبل نهاية القرن انتهز البروفسور "فوكوياما"-الذي تظهر بصماته واضحة على الخطاب الستيني - سقوط إمبراطورية "البروليتاريا" ليجعل دولة النهاية - لا بروسيا ولا روسيا - بل أمريكا . وهنا - يا للعجب – يلتقي مع الأصوليين من نوع "المولودين من جديد" الذين ينتمي إليهم الرئيس "ريجان"(1) صاحب شعار "إمبراطورية الشر" الذي أصبح اليوم "محور الشر" !!
وهؤلاء يؤمنون بالألفية السعيدة التي اعتقدوا أنها ستبدأ عام ألفين أو نحوه . وجاء هذا الإتفاق بمنـزلة الدليل المدهش لصحة ما ذكره نقاد هيجل من الفلاسفة الألمان وغيرهم . أنه إنما أخذ فكرة نهاية التاريخ من المسيحية !!
هذه الدورة الفكرية في افتعال الأسس الفلسفية للتعالي على الآخر ، تكشف عن نزعة مركزية حادة ، لا تضع للآخر وقيمه حساباً ، لكنها تستر ذلك بدعوة الآخر إلى الإيمان بالقيم التي تتوهم أنها واضعتها والسابقة إليها .
بيد أن ثمة سؤالاً آخر عن موقع البروفيسور "صمويل هانتنجتون" صاحب نظرية صراع الحضارات -الذي له بصماته الواضحة أيضا في الخطاب - ويمثل الوجه الآخر لأزمة المثقفين الأمريكيين ، الذين يبتهجون بتحقق نبوءاتهم ولو كان ذلك لحساب تدمير شعوب عدة في العالم .
والجواب ببساطة هو أن الألفية السعيدة التي يؤمن بها اليمين الأصولي في أمريكا إنما تتحقق من خلال الدم الذي يرتفع إلى مستوى ألجمة الخيل على مسافة "200" ميل في ملحمة "هرمجدون"(2) ، تلك التي يعتقد الأصوليون أنها ستكون حاسمة في انتصار الخير الغربي المسيحي على الشر الشرقي الإسلامي والتي سيجتمع فيها 400 مليون مقاتل كما يجزم " جيري فالويل " الأصولي المشهور (3) .
ومن هنا نفهم كيف التقى – على أرض الحرب الحالية الشاملة على الإسلام - كل من "فوكوياما وهانتنجتون" و "صمويل فريدمان" ومعهم مجموعة كبيرة من المعروفين بالتوجه اليميني في أمريكا .
ومن هنا أيضا نفهم لماذا غاب عن التوقيع شخصيات أمريكية من طراز "نعوم تشومسكي" و"غورفيدال" و "رمزي كلارك" و "بول فندلي" وأمثالهم ممن يجعلون العالم الفَزِعَ من الوجه الكالح للغطرسة الأمريكية يلتمس لأمريكا وجها آخر عادلا يمثله هؤلاء ونظراؤهم .
عندما يكون الالتقاء على "بحيرة الدم" لابد أن يغيب هؤلاء ! بل لابد أن تغيب الأكثرية من الشعب الأمريكي الذي نعتقد أنه من أكثر شعوب العالم حباً للحقيقة والعدل ، وقد أثبت ذلك بحرصه الشديد على التعرف على الإسلام عقب حادثة 11 أيلول ، دون انسياق وراء الضجيج الإعلامي الذي ترسمه الإدارة السياسية بواسطة وحدة التضليل الإعلامي التي كشف" ماتسون " النقاب عنها ذلك الانسياق الذي فعله -للأسف - المثقفون الستون .
لا غرابة أن تكون أحداث 11 أيلول هي الحلقة الأخيرة في قائمة "الهجمات الإرهابية " التي وضعها المثقفون الستون للدلالة على أن أمريكا العادلة الحرة - في نظرهم – تتعرض لهجمات من أعداء العدل والحرية .
لكن الغريب - في نظرنا ونظر كل باحث عن الحق والعدل – هو تغييب القائمة الأخرى ، أو ما يمكن أن يوصف بأنه محو الكفة الأخرى لميزان العدل من الوجود ! وليس ذلك بفعل قادة البنتاجون ، بل على يد مفكرين يحاولون احتكار الحديث عن القيم !! بل يضعون للعالم قيماً وموازين هي في نظرهم أسمى القيم وأعدل الموازين !!
إن خالق هذا الوجود سبحانه وتعالى قد بين أنه أحكم بناءه على العدل ، وبالتالي فإن على البشر أن يقيموا الحياة الإنسانية على العدل أيضا ، وعليه فالناس الذين لا يزنون بالقسطاس المستقيم يتصادمون مع ناموس الوجود وليس فقط مع دعاة العدل من البشر .
{الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}(الرحمن:9)
الحق أن القائمة الأخرى أثقل من أن تحتملها كفة ميزان مهما بلغت عظمته ، لأن هيروشيما وحدها سوف تحتلّه وتفيض عنه ، فأين توضع النماذج الأخرى للحرب الأمريكية العادلة والنظيفة !! من أمثال الحرب الكورية ، والحرب الفيتنامية ، وحرب الخليج و....
هنا عند ذكر الخليج يضطرني ضميري للمقاطعة لكي يهمس في ضمائر الأمهات الشفوقات من مثل السيدة "إنولاإيرد" كيف غابت عنكن حين وقَّعْـتُنّ مع القوم أسمى العواطف الأنثوية فنسيتُنّ مليوني طفل عراقي ألتهمتهم أمراض الحرب البيولوجية الشرسة على العراق ؟!
ألم يكن ذلك كافياً للتفكير جدياً قبل التوقيع على تبرير القصف الأمريكي لأطفال وأمهات أفغانستان ، الذي استخدم مالم يعلم عنه العالم من قبل من أسلحة الفتك والدمار للإجهاز على الآلاف منهم ، وهم جوعى مرضى منعزلون في جبالهم الشاهقة ، لم يسمعوا عن مركز التجارة العالمي ولا عن البنتاجون ولا عن تنظيم القاعدة !!
ربما تتداعى الأسئلة من نوع :-
لماذا استهدفت القنبلة الذرية المستشفى العام في "هيروشيما" ومن هناك صهرت عشرات الآلاف وأحرقت عشرات أخرى وشوهت أضعافهم ؟!
ولماذا استهدف القصف على بغداد "ملجأ العامرية" فصهر 1500 امرأة وطفل في جحيم أرضي لا نظير له من قبل ؟!
ولماذا استهدف القصف على كابل مخازن الصليب الأحمر الإغاثية فحول الغذاء والدواء إلى رماد يتطاير أمام أعين الملايين من البائسين ؟! .
إن كان ذلك كله وقع خطأ فعلى أي شيء يدل تكرار الخطأ في عالم القيم ؟ وإن كان مقصوداً فهل له في عالم القيم من موقع ؟
ثم تسألون - معشر الستين - على أي شيء نقاتل ؟
نحن نقبل أن يكون هذا السؤال مدخلاً لإيقاظ العقل والضمير ومحاسبة النفس ، أما أن يكون تمهيداً مقصوداً للدفاع عن سلوك لا قيمي في مواجهة الضمير العالمي والمحلّي والإسلامي ، فنعتقد أننا جميعاً لسنا بحاجة إلى الجدل النظري .
فالقضية موضع البحث ليست إشكالاً فلسفياً ولا مبدأً لاهوتياً ، إنما هي قيم سلوكية ومعايير أخلاقية ، في وسعنا أن نختبرها بالنـزول إلى أرض الواقع لنرى كيف تجسدت هذه القيم في كابل ومزار شريف بعد سكوت المدافع ، فنعرف عن أي قيمة قاتلتم فعلاً . وقد جاء في الإنجيل عن السيد المسيح (من ثمارهم تعرفونهم ) !
إن الدستور الأمريكي - الذي هو التجسيد الماثل للقيم الأمريكية - ظل محتفظاً بقداسة الآثار الدينية في العصور الوسطى الغربية ، حتى جرى عليه التعديلان الشهيران : الأول : النص على تحريم الخمر ، والآخر النص على نسخ هذا التحريم.
ومع أن التعديل الأخير يُعدّ مثالاً واضحاً لهزيمة القيم الأمريكية أمام سلطان الشهوة المدمرة ، فإن هذه ليست القضية . إنما القضية أن القيم الأمريكية في أفغانستان انعكست تماماً ، فقد بشَّر الفاتحون الصليبيون الشعب الأفغاني بإباحة الخمر وما يتبعها من الخبائث ! وبالرغم من أن الانحراف ظاهرة بشرية إلا أن الذين استجابوا لهذا اللون من القيم كانوا قلة من الشعب الأفغاني ، وفي الوقت نفسه أفصحت القيم الأمريكية عن نفسها بالبرهان المحسوس ، حين عملت كل ما يتنافى مع الديموقراطية ، بتسليط عصابات عميلة من أقليات عرقية ودينية ذات ماضٍ دمويٍّ طالما تحدثت أمريكا نفسها عنه . وسَعَت إلى محاربة قيم الفضيلة والرقي السلوكي في شكل الإغراء بالحرية !
واتضح أن حكومة طالبان أرقى قيماً من الذين حذفوا التحريم من الدستور الأمريكي ، وأن شعب أفغانستان في استجابته للتحريم أرقى سلوكياً وأخلاقياً من الشعب الأمريكي الذي ابتهج بإلغاء التحريم ، ولم يعد يخطر له على بال.
شهور ثلاثة فقط كانت كافية لسقوط القيم الغازية - على لسان وزير العدل في الحكومة المؤقتة في كابل - حيث أعلن تحت ضغط المطالبة الشعبية : أنه لا مناص من تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي كانت تطبقها طالبان بما في ذلك حد الخمر!!
وقد كان حِسّ زارعي المخدرات وتجارها في شم رائحة القيم الأمريكية أصدق من حِسّ كثير من المتعصبين لهذه القيم ، فأولئك بادروا بالعودة إلى أفغانستان عقب الاحتلال الأمريكي ، مستبشرين بمستقبل جديد لعملهم اللاإنساني وبانفتاح السوق الأمريكية التي هي أكبر سوق لهذا الوباء .
لقد قال برناردشو - في معرض أسلوبه الساخر من ازدواجية القيم الغربية - :
(اغْفِرُ لنوبل اختراع الديناميت ولا أغفرُ له الجائزة !!)
وهكذا يمكن القول بأن الشعب الأفغاني قد يغفر للأمريكان ضرب مستودعات الغذاء ، واستهداف دور الأيتام ، وتصرفاتهم باسم الحرب العادلة المزعومة مع الأسرى في قلعة جانجي وفي كوبا ، ولكنه لن يغفر أبداً الاستطالة على القيم التي يؤمن بها , وتفضيل قيم وضعية انتقائية غير ثابتة ولا عادلة عليها ، ومحاولة جره إلى حضيض القيم الأمريكية في الحرب والسلم سواء .
وبالتالي فإن العالم الإسلامي قد يفهم على مضض غطرسة الإدراة الأمريكية وتخبطها وتعسفها- باعتبارها نزعة فرعونية في كل إمبراطوريات التاريخ - ولكنه لن يقبل إطلاقاً مزايدة المثقفين الأمريكيين على القيم الإسلامية ، وتنصيب أنفسهم وعّاظاً له بهذا الشأن ، لمجرد أن عدداً قليلاً جداً من المسلمين عملوا – بل متهمون بعملٍ يعتب ر- جزءاً ضئيلاً جداً مما تفعله المؤسسات الحاكمة في أمريكا ، في كل قارات المعمورة ، وعلى مدى قرن كامل تقريباً .
مع فارق مهم للغاية وهو أنه لم يكن أحد من المسلمين معتدلاً أو متطرفاً يفكر في مهاجمة أمريكا قبل أن تنحاز إلى الكيان الصهيوني وتمده بكل أسباب الإرهاب والبطش . وقبل أن تهاجم أمريكا أكثر من بلد إسلامي وتنتهج تصنيف الدول الداعمة للإرهاب ، و"محور الشر" على أساس أن يكون المسلمون هم رأس القائمة وهدفها !! وذلك ما جاء خطاب المثقفين ليكرسه تكريساً فلسفياً .
نحن لا نجزم أن ما كتب الستون نوع من "الإسقاط النفسي" فربما كان مخادعةً لوخز الضمير حين يرى القيم تحتضر - ليس في وحشية الحرب فحسب - بل في المحاكم العسكرية ومعاملة الأسرى والتضييق على الإعلام وحجب المعلومة الصحيحة عن الشعب - ومن ذلك أن يكون للقناة الإخبارية "cnn" نوعان من البث في وقت واحد أحدهما داخلي والآخر خارجي - مما يذكّر بالإعلام في أوربا الشرقية أيام الدكتاتوريات المكشوفة .
لكننا لا نستطيع أن نتجاهل أننا أمام حالة تشبه حالة الباباوات مع الأباطرة والملوك الأوربيين - في العصور الوسطى - الذين شنوا الحملات الصليبية المتتابعة على الشرق الإسلامي ، ولقد استطاع البابا المعاصر أن يقدم للعالم الإسلامي اعتذاراً عن تلك الحروب ، ونعتقد أنه كان ينبغي لهؤلاء المثقفين أن يسبقوا الزمن ويقدموا اعتذراً مماثلاً عما فعلته الادارة الأمريكية – وتفعله - بالمسلمين ومن ثم يفتحون الباب للحوار والتفاهم بين الدينين والحضارتين.
لكنهم مع الأسف سلكوا الطريق الآخر ! وربما احتاج الأمر إلى قرون لكي نسمع الاعتذار هذا إن كان ثمة من القيم ما يدعو لتقديمه أصلاً !!
لقد اشتمل الخطاب على تعميمات تاريخية وفلسفية جديرة بالتمحيص والتدقيق ، ونحن هنا لسنا بصدد الدخول في جدل تاريخي أو خوض لاهوتي - ليس لضيق المقام فحسب - بل لعقيدتنا المطلقة بأن كل ما كان حقاً وعدلاً فهو مما يجب علينا الإيمان به ، والتسليم بصحته من أي مصدر كان ، وكل ما كان باطلاً وظلماً فإن الواجب علينا إنكاره من أيٍّ كان كذلك.
غير أن المشكلة التي ندخل لها - توّا - هي إسباغ مفهوم الحق المطلق على حالة عابرة لأمة معينة في مرحلة تاريخية محددة وتسمية ذلك (الحقائق الأخلاقية الكونية ) وهو ما تستطيع كل أمة أن تدعيه ، فلا يكون الناتج إلا نقل الحروب من ميدان الأرض إلى عالم القيم ، وهو عكس ما يظهر أنّه المقصود من الخطاب [كما جاء في خاتمته ].
__________________
[waver]http://mypage.ayna.com/al_ebda/hema.wav[/waver]

اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك
الفارس المبجل غير متصل  


قديم(ـة) 06-05-2002, 04:43 PM   #2
مشفوح بريدة
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2002
المشاركات: 144
جزاك الله الف خير يالفارس المبجل

والله ان القلب ليحزن وان العين لتدمع
لما نراه من مشائخنا في هذ العصر
وهذا مايريدونه اهل الكفر والفساد
القاء العداوه والبغظاء بين مشائخنا
لاكن انشاء الله سوف يأتي اليوم الذي
نجتمع فيه على رايه واحده بأذن الله
مشفوح بريدة غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 11:46 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)