بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » طفولة قلب

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 22-03-2007, 08:49 PM   #1
الاسلام اليوم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2007
المشاركات: 4
طفولة قلب

مع الأكابر (1)

د. سلمان بن فهد العودة 18/3/1427
16/04/2006


الانفصال بين الأجيال مشكلة تربوية، وعقليّةُ الشاب المندفع قد لا تستوعب أناة الشيخ ورويّته وبُعد نظره، وقديماً قال أبو الحسن علي -رضي الله عنه-: لا رَأْيَ لِمنْ َلا يُطَاعُ.
وعمر -رضي الله عنه- كان في علاقته مع أمثال ابن عباس أنموذجاً للقدرة الكبيرة على ردم الفجوة، فقد كانا يتسابقان أيهما أكثر بقاء داخل الماء دون تنفّس وهما محرمان! وكان يجلس ابن عباس مع الجِلّة من فقهاء وأكابر المهاجرين والأنصار.
صاحبنا اتصل بكهولٍ وخَطَ الشيبُ لحاهَم، وكانوا لديه محلَّ الأسوة والقدوة، أقله في مرحلة من مراحل حياته، ولا يزال يدين لهم بالفضل ويلهج بالدعاء، حتى بعد ما كبر واتسعت دائرته، وتميز عنهم برأي أو اجتهاد.
في المعهد تعرّف إلى الشيخ صالح البليهي، وَشَدّتْهُ ابتسامتُه الصافية، فاقترب منه في الجامعة، وتناول معه غداءه البسيط، المكوّن من الأرز واللحم وقرصان البُرّ اللذيذة المدوّرة.
وقرأ له (السلسبيل) فوجد حسن التبويب، وجودة الاختيار، وعدم التعصب للمذهب.
وهذه ميزة دفع الشيخ -رحمه الله- ثمنها؛ إذ حُورب، وكُتِبت ضده النشرات السرية، ووُزّعت في المساجد؛ لأنه قال بإخراج زكاة الفطر من الرز!! (لَاحِظ .. هو لم يقل بإخراجها نقداً!!).
ومرة لأنه قال بأن صلاة التراويح ليست بالضرورة عشر تسليمات.
وثالثة لأنه أقام حفلاً لتحفيظ القرآن الكريم.. ورابعة وخامسة ..
وصارت المسألة ضرباً تحت الحِزام؛ بترويج الشائعات والأقاويل والتّهم .. ولِمَ لا .. فالغاية تبرر الوسيلة!
لكن ابتسامة الشيخ الصافية لا تزال.. وإن كان يضجر أحياناً فيقول بلهجة محلية: "الطق وصل الركاب"، وهي تعني: أن السيل بلغ الزّبى!
مؤلفات الشيخ كثيرة، بيد أن كتاب السلسبيل يظل علامة بينها.
وقد كان للشيخ ميزات أخلاقية عظيمة..
كان منتجاً معطاءً بنّاءً طيلة حياته، حتى بعد المرض الذي داهم قلبه واضطره للذهاب إلى لندن للعلاج.
وبعد المشيب كان متوقداً مشاركاً، يكتب ويستقبل ويدرّس في الحرم، ويرأس جمعياتٍ عدة، والبِشرُ دائماً على مُحيّاه.
كان خفيف الروح خفيف الظل مرِحاً، حين يداعب الطلاب يندمج معهم تماماً، ويضحك ومع هذا كان يحفظ هيبته، وإذا سمع تشويشاً في آخر الفصل حزم وشدّ ملامحه، وقال: لا تلعب، يا هذا! ترى ما يخفى عليّ شيء!
وكان يطرفنا بنكت لا يجرؤ قلمي على تسجيلها..
كان يحفظ منظومات وقصائد وأشعاراً، ويتغنى بها بصوت حسن، ولا يزال صوته يرن في الأذن معلّماً ومؤدّباً:
فطورُ التمرِ سنّةْ *** رسولُ اللهِ سَنّهْ
ينالُ الأجرَ عبدٌ *** يحلّي مِنْهُ سِنّهْ
وحين يذكر المواقيت يردّد:
عرقُ العراقِ يلملمُ اليمنِ *** من ذي الحُليفَةِ يُحرمُ المدني
للشام جحفةُ إن مررْتَ بها *** ولأهل نجد قرنُ فاسْتَبِنِ
من طبعه إشراك الآخرين ودمجهم في العمل، حتى حين يكونون بسطاء، وفي أسفاره ورحلاته، يقرأ هذا قرآناً، وينشد هذا شعراً، وثالث يلقي قصيدة شعبية، وقد يكون حظّ الرابع قصةٌ أو سالفةٌ.. المهم أن يشارك.
كان الشيخ يفهم الحياة جيداً، ويعيشها، ويعرف كيف يفجّر طاقات الآخرين.
لم يكن غريباً -وقد أقام الشيخ ندوة أسبوعية في الجامع الكبير ببريدة- أن يستضيف فيها كل العلماء وطلبة العلم، ويشجعهم ويثني عليهم، وكان صاحبنا ممن نال شرف الاستضافة في هذه الندوة، بعد أن كان أحد صغار الحاضرين.
ولم يكن الشيخ صالح البليهي يتردّد في أن يطلق عليه: "فضيلة الشيخ" وهو يدري أنه لقب فضفاض، لكنهم صغارُ قومٍ كبارُ آخرين!
من أعظم مميزاته صفاء القلب وسلامة النفس، فلا أحقاد ولا أغلال ولا أسلال، ولا حسد لأحد على نعمة أنعمها الله عليه، لا يشعر بأنّ من يتقدم أو يكبر يسبقه أو ينافسه أو يتسلق على كتفيه أو يحتل مقعده، بل كان يدفعهم دفعاً نحو المجد، ولا يجد في صدره حاجة مما أُوتوا، وقد يُؤثرُهم على نفسه..
وبعد رحلة طويلة في مجالسة العلماء والناس أدرك صاحبنا معنى هذا التميز، وأن هذه الخصلة لا تتوفر لدى الكثيرين، حتى من المرموقين والمشاهير، ومن يُشار إليهم بالعلم والدين!
بعضهم يتعامل معك وعينه على مقعده وموقعه؛ خيفة أن تخطفه منه! وقديماً كان العلماء يحذّرون من تنافس الأقران وتغاير العلماء بينهم.
كان مليئاً بالحماس والاعتزاز بدينه، وطالما ردّد قسمه المعتاد: والله، وبالله، وتالله، لا نصرَ ولا عزَّ ولا مجدَ إلا بهذا الدين!
ولعل من الإنصاف لهذا المربي أن يكتب عنه د. محمد الثويني رسالة علمية للدكتوراه هي أجمع وأفضل ما كُتب عن الشيخ.
يذكر مرة أن الشيخ صالح راجع الشيخ عبد الرحمن الدوسري في محاضرة في المعهد حول "اللحية"، حيث جرت عادة الأخير أن يقول: نحن نحتاج شعوراً لا شَعْراً.
والشيخ عبد الرحمن بن محمد الدوسري من الشيوخ المؤثرين في شخصيته منذ الصغر، فقد تعرّف إليه في المرحلة المتوسطة، حيث ألقى العديد من المحاضرات المشحونة بالعاطفة والصدق في المعهد العلمي، وأكثر منها كان يلقى في مكتبة (ابن القيم الخيرية)، حيث تجمع العديد من الشباب المتطلع للخير والمعرفة.
وتوطّدت العلاقة في الجامعة؛ إذ قدّمه في ندوة مشهورة مسجّلة، وكان ممن حضورها الأستاذ محمد قطب، وعدد كبير من الأساتذة والشيوخ.
ثم قرأ كتبه كلها، ووجد أن التفسير الموسوم بـ "صفوة الآثار والمفاهيم في تفسير القرآن العظيم" من أكثرها جودة وإتقاناً.
والطريف أن أحدهم اعترض مرة على الشيخ الدوسري في المسجد على سيد قطب؛ فردّ عليه الشيخ بأن تفسير ابن كثير مضى وقته، وأنه لا يوجد تفسير ينافس الظلال، اللهم إلا تفسيري"صفوة الآثار" إذا طُبع واكتمل!
كان الشيخ جهير الصوت، محتدًّا متحمّساً، ملمّاً بشؤون الحياة والواقع، ويبدو على صِلةٍ بشخصيات إسلامية حركية في العالم، وكان يشجّع على قراءة مجلات كـ(البلاغ الكويتية)، و(المجتمع)، ومجلة (البعث الإسلامي) الهندية التي كان يدعمها فيما يبدو، وينشر فيها مقالاتٍ من التفسير، وكان صدورها شهرياً، والشيخ يوزّعها مجاناً.
يتحدث الشيخ كثيراً عن اليهود والسلام والناصرية والحكم بالقانون، ويوظف السخرية المرّة أحياناً، وكان يتحدث على المنبر حتى يكاد يسقط من الحماس، كان مؤمناً بقضيته.
لكن(الماسونية) هي التي تستولي على اهتمامه الكبير؛ فهو يتحدث عنها على أنها الأخطبوط المهيمن على مجريات الأحداث، ويبالغ في ذلك، حتى أذكر أن أحدهم كان يقول: يبدو من حديث الشيخ أن (الماسونية) مدسوسة في فطورنا وغدائنا وعشائنا!!
كان يهاجم البعث بحرارة ويسخر من "عفلق" ويذكر لهذا الاسم معنى لغوياً يتصل بالأعضاء الجنسية!!
وكان يهاجم الناصرية بقوة، ويتحدث مقلداً صوت عبد الناصر وهو يقول: إسرائيل حنرميها في البحر! .. ويعقب بـ: (يا ملعون!!).
وأحياناً ينتقد بمرارة فتاوى تُوظّف لأغراض سياسية، ويراها (مدفوعة) الثمن!
كان في لسانه حبسة أحياناً إذا اشتدت وتيرة الكلام، وكان صوته أجشّ، مما يعطي قدراً من التميز وسهولة المحاكاة.
لا يزال يتذكر أول مرة سمع صوته، وهو يتحدث في الجامع الكبير ببريدة بعد الجمعة، عبر (الميكروفون)، ويتلو قصيدة قالها عقب هزيمة حزيران:

فلسطينُ دومــي لـعبة ووسيلة ** لسائر طلابِ الكراسي ومقعـد
فلسطينُ لا ترجين منهم سوى الذي** رأيتِ، فذا طبعُ العصـاةِ بموعدِ
وأختها الأخرى:
لقد خانهم أسيادُهم قومُ ماركس *** كما نكص الشيطانُ عن مشركي بدرِ
وهو صبي صغير، فلا غرابة أن يكون قادراً على استحضار تلك الصورة، بمشاهدها وأصواتها ومشاعرها وانطباعاتها وظروفها، شأن الأشياء المبكرة والمتميزة في حياتنا..
للحديث عن الشيخ عبد الرحمن الدوسري دائرة أوسع ..
الاسلام اليوم غير متصل  


موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 05:48 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)