هذا المقال نشر في جريدة الجزيرة الأسبوع الماضي.. ولأهمية موضوعه أعيد نشره هنا..
كرِّمُوا التويجري بتخليد اسمه!!
تركي بن منصور التركي/الكلية التقنية في بريدة
[align=justify]في المناسبات التي حضرتها في مسرح مركز الملك خالد الحضاري ببريدة لم أذكر يوماً أنه امتلأ بالحضور بشكل كامل إلا في مناسبات معدودة جداً، أذكر أن إحداها كانت أمسية لشعر شعبي، بيد أن الحضور الذي كان عليه مسرح المركز يوم الثلاثاء الماضي والذي وصل لدرجة اصطفاف كثيرين وقوفاً بين المقاعد وفي آخر المسرح كان أمراً ملفتاً للنظر ومبهجاً للصدر، ذلك أن الحضور لم يتواجدوا في هذا المكان بغية البحث عن فن استمتاعي كأمسية شعرية أو مسرحية تمثيلية، أو حتى بحث عن منفعة ذاتية كالبحث عن وظيفة أو الحصول على منصب، بل كان يمثل لمسة من لمسات الوفاء والعرفان لرجل قدَّم أكثر مما لديه خدمة لبلده وأهله، ومثَّل حضور صاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن بندر وسمو نائبه الأمير فيصل بن مشعل تتويجاً لهذا التقدير والتكريم لرجل كان خير من خدم وطنه من خلال مناصب شتى، ومهام متعددة، فيها كان نعم الرجل وأهل الاختيار، وفي آخرها كان في قمة التميز والعطاء، حتى جعل الجميع يبادر بدون دعوة أو بحث عن منفعة، أو رغبة في المشاهدة والاستمتاع للحضور للتكريم، كان جمع كبير من أبناء بريدة بل ومدن وقرى القصيم حاضرين في الموعد الذي أقره سمو أمير المنطقة وأهاليها لتكريم الأستاذ صالح التويجري، الذي قدم لبريدة الكثير والكثير، بحرصه وتفانيه ورغبته الصادقة بالعمل بما يخدم المواطنين ويلبي حاجاتهم ومتطلباتهم، ولم تكن ممارسته للعمل ممارسة تقليدية بإدارة الموجود فحسب، بل بإيجاد المفقود، فشهدت المنطقة في عهد إداراته للتربية والتعليم العديد من المشاريع الهامة والمتميزة، والتي جعلت مسؤولاً في وزارة التربية والتعليم يصرح قبل أشهر أن منطقة القصيم ستتخلص من المدارس المستأجرة عام 1431هـ مع ما تمثله المنطقة من كثافة سكانية لا تخفى على أحد، كما كان للأستاذ صالح التويجري قصب المبادرة وعنفوان التميز وهو يجالد ويقاتل بإصرار على فكرة (مدرسة المتفوقين) - والتي تمثلت فيما بعد بمجمع الأمير سلطان للمتفوقين -، حينما عارضه في بدايتها الكثير، ووقف في وجهها الكثير، بل أن بعضهم تحدى بثقة من أنها تجربة محكوم عليها بالفشل لمعارضتها أسس وقواعد في علم النفس التربوي، وأذكر أني ممن كتب عنها قبل أكثر من عشر سنوات في بداية تطبيقها في هذه الجريدة الغراء، مستشهداً بأقوال ونقولات من خبراء في التربية والتعليم تراهن على فشل التجربة، وتشاء قدرة الله عز وجل أن أكون قريباً من هذه التجربة من خلال ابني الذي تتلمذ في صفوفها منذ المرحلة الابتدائية، فأعيشها بكل تفاصيلها وأتفاعل معها أكثر مشاركا في بعض برامجها التي كانت تقدم للطلاب، بتقدير بالغ وامتنان كبير لهذه الفكرة التي طبقت لأول مرة في المملكة، وحاكتها فيما بعد تجارب مماثلة في مناطق أخرى، ناهيك عن فكرة المجمع المدرسي المتكامل والذي كان أيضاً نتاج قرار جريء من مدير عام التربية والتعليم بالمنطقة ليمثل التجربة الأولى في المنطقة وربما في عدد كبير من مدن المملكة في مجمعات حكومية تضم المراحل الثلاث، لتتبعه مشاريع مماثلة بعده بسنوات في كثير من مدن المملكة، بل ولتكرر التجربة في بريدة ذاتها في مجمع القيروان ومجمع الخليج للبنين ومجمع الأمير سلطان للبنات.
الأستاذ صالح التويجري لم تكن خدمته للمنطقة عامة ولبريدة بخاصة من خلال الإدارة التي أشرف عليها عقدا من الزمن فحسب، بل امتد إلى مناح عديدة ربما هي من مسؤوليات وزارات وإدارات أخرى، وعلى سبيل المثال كانت مشاركة إدارة التربية والتعليم بمبادرة شخصية من التويجري ومتابعة كبيرة بتنظيم مهرجان صيف بريدة الأول ورعايته من خلال المعلمين واعتبار عملهم في المهرجان جزءا من عملهم في الميدان التربوي، فكان التميز والنجاح لمهرجانات الصيف التي توالت بعد قبل أن تكمل المسيرة أمانة منطقة القصيم، وليطبع رجال التربية والتعليم بقيادة الأستاذ صالح التويجري ونجاحهم لفعاليات الصيف في بريدة حتى باتت مكان جذب لمن هم خارجها، ومن المواقف التي عشتها ولمستها عن قرب وتنم عن حرص كبير للتويجري على خدمة المنطقة تبنيه ومتابعته لوجود بعض الجمعيات العلمية للمنطقة وافتتاح فرع لها، كالجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن) والتي حرص وتابع أبوأحمد مشروع فرعها في القصيم، بل ومنحها مكتباً وفريقاً إداريا داخل أروقة إدارة التربية والتعليم، ورعى أول لقاءتها داخل مسرح الإدارة والذي حضره أكثر من50 عضوا حمدوا له هذه البادرة، ولعل بادرة انعقاد اللقاء السنوي للجمعية بعد شهر من الآن في منطقة القصيم كأول اجتماع يتم خارج مقر الجمعية في الرياض هو تتويج أيضاً لحرص الأستاذ التويجري الذي سعى لهذه الاستضافة لإفادة المنطقة من أطروحات اللقاء من جهة وفتح نافذة لمزيد من العلم والمعرفة لأهل التربية في المنطقة.
لقد حضرت عدداً من المناسبات التي رعاها التويجري، وجلست معه في بعض الاجتماعات سواء في نطاق منجزه المتميز (مجمع الأمير سلطان للمتفوقين) أو في بعض المناسبات الأخرى كالملتقى الرمضاني في مكتبة الملك سعود أو التحضير لبعض المؤتمرات والمناسبات، ووجدته إنساناً يعشق التحدي، ويصرّ لدرجة العناد أحياناً على فكرته ورأيه، وربما هذا ما أكسبه غضب البعض النادر، لكنه كان يستمع برويّة ويقبل الفكرة الصائبة حتى وإن خالفت رأيه، لم أعهده على قلة جلساتي معه بحكم كوني من خارج مجتمع التربية والتعليم متصلباً بعنف المدير وسلطويته، كان يمتص الفكرة الأخرى ويبحث فيها عما يوافق فكرته، وفي الغالب لا يخرج صاحب الرأي الآخر إلا برضا كامل وقناعة تامة.
إن التجمع الكبير والحاشد الذي حضر محتفياً بتكريم سمو أمير منطقة القصيم لربان التربية والتعليم السابق الأستاذ صالح التويجري كان ملمحاً في أكثر من جانب، فهو ملمح لوفاء أهل القصيم لمن قدموا لها عملاً وتضحية، وهو شهادة نجاح وتميز للمحتفى به، إذ لو كان الأمر غير ذلك لاقتصر الحضور على بعض المدعوين رسمياً وأبناء الأسرة فقط..! كما أن كون المحتفى به شخصاً ودَّع مجاله ينفي حضور المجاملة والمنفعة، وشخصياً كنت أسمع تذكير أبناء بريدة لي وللآخرين بموعد التكريم وضرورة الحضور، وأثق أن غالبيتهم حرمت من ذلك بسبب امتلاء قاعة مسرح مركز الملك خالد الحضاري.
هي كلمة قليلة في حق أبي أحمد أن أقول له: (شكراً وما قصرت)، وآلاف الدروع التي سلمت له وإن كانت تعبر عن صادق الامتنان، إلا أني أدعو رجل المنطقة الأول صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أن يوجه بتسمية أحد شوارع بريدة الرئيسة باسم الاستاذ التويجري، كأقل ما يكون التكريم، وأن تبادر إدارة التربية والتعليم بالمنطقة لإطلاق اسم أحد المجمعين الحديثين ببريدة (القيروان والخليج) باسم الأستاذ صالح التويجري، فهكذا يكون الوفاء حينما يستمر ويخلد ليبقى الاسم لأجيال وأجيال، وليحفز الآخرين للعطاء والبذل بإخلاص وتميز. [/CENTER]